الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20 -
(بَاب الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ)
[817]
(كَأَنِّي أَسْمَعُ صَوْتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ بِذَلِكَ قُوَّةَ تَحَقُّقِهِ لِذَلِكَ بِحَيْثُ إِنَّهُ لِشِدَّةِ اسْتِحْضَارِهِ لَهُ كَأَنَّهُ يَسْمَعُ الْآنَ (يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي الْفَجْرِ (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ يَقْرَأ بالسورة التي فيها والليل إذا عسعس قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ أَتَمَّ مِنْهُ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جواز قراءة سورة إذا الشمس كورت فِي الصُّبْحِ
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ الصُّبْحَ فَاسْتَفْتَحَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ وَأَنَّهُ قَرَأَ الرُّومَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَنَّهُ قَرَأَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأنَّهُ قَرَأَ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ وَأَنَّهُ قَرَأَ الْوَاقِعَةَ
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ
وَأَنَّهُ قَرَأَ بِيُونُسَ وهود أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وأنه قرأ إذا زلزلت كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ
وَأَنَّهُ قَرَأَ ألم تنزيل السجدة وهل أتى على الإنسان
أخرجه الشيخان من حديث بن مَسْعُودٍ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
1 -
(بَابُ مَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاتِهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)
أَيْ مَا حُكْمُهُ فَثَبَتَ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ
[818]
(أُمِرْنَا) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالْآمِرُ إِنَّمَا هو رسول الله لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ
يَنْصَرِفُ بِظَاهِرِهِ إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وهو الرسول (أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) فِيهِ وَفِيمَا يَأْتِي مِنَ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الصلاة وأنها متعينة لا يجزئ غَيْرُهَا إِلَّا لِعَاجِزٍ عَنْهَا وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ لَا يَجِبُ الْفَاتِحَةُ بَلِ الْوَاجِبُ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ (وَمَا تَيَسَّرَ) فِي مَحَلِّ الْجَرِّ عُطِفَ عَلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَيْ أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ وَبِقَوْلِهِ فَمَا زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي وَبِقَوْلِهِ فَصَاعِدًا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْآتِي عَلَى وُجُوبِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى الْفَاتِحَةِ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ قَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى الْفَاتِحَةِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تُقْطَعُ الْيَدُ فِي ربع دينار فصاعدا
وادعى بن حِبَّانُ وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِثُبُوتِهِ عَنْ بعض الصحابة ومن بعدهم فيما رواه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّ الْأَمْرَ اسْتَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ كُلُّ صَلَاةٍ يُقْرَأُ فَمَا أَسْمَعَنَا رسول الله أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ بن عباس أن النبي قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِمَا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
كَذَا أَفَادَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا زِيَادَةٌ فَصَاعِدًا مَا نَصُّهُ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا تَقْصُرُ عَنِ الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ قُرْآنٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ كُلِّ الصَّلَوَاتِ
قَالَ النَّوَوِيُّ إَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وُجُوبَ السُّورَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ
وَأَمَّا السُّورَةُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ دُونَ الْقَدِيمِ ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ إِنَّهُ قَدْ ذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ قُرْآنٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ عُمَرُ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَغَيْرُهُمْ وَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ إِيجَابِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ
وَأَمَّا التَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إِلَّا تَوَهُّمُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى دُونَ ذَلِكَ قُرْآنًا لِعَدَمِ إِعْجَازِهِ كَمَا قِيلَ وَهُوَ فَاسِدٌ لِصِدْقِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِأَنَّهُ جِنْسٌ
وَأَيْضًا الْمُرَادُ مَا يُسَمَّى قُرْآنًا مَا يُسَمَّى مُعْجِزًا وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ التَّقْدِيرُ بِالْآيَةِ الطَّوِيلَةِ
نَعَمْ لَوْ كَانَ حديث أبي سعيد الذي عند بن مَاجَهْ بِلَفْظِ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا صَحِيحًا لَكَانَ مُفَسِّرًا لِلْمُبْهَمِ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ قَوْلِهِ فَمَا زَادَ وَقَوْلُهُ فَصَاعِدًا وَقَوْلُهُ مَا تَيَسَّرَ وَلَكَانَ دَالًّا عَلَى وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ عُورِضَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ وَإِنْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ وَإِنْ
زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ إِلَخْ لَيْسَ مَرْفُوعًا وَلَا مِمَّا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ هَذَا الْحَدِيثَ كَرِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِي آخِرِهِ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أن ضمير سمعته للنبي فَيَكُونُ مَرْفُوعًا بِخِلَافِ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ ثُمَّ قَالَ نَعَمْ قَوْلُهُ مَا أَسْمَعَنَا وَمَا أَخْفَى عَنَّا يُشْعِرُ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ مُتَلَقًّى عَنِ النبي فَيَكُونُ لِلْجَمِيعِ حُكْمُ الرَّفْعِ انْتَهَى
وَهَذَا الْإِشْعَارُ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ بِاعْتِبَارِ جَمِيعِ الْحَدِيثِ فَإِنْ صَحَّ جُمِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِزِيَادَةِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ بِحَمْلِهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ انْتَهَى حَاصِلُ كَلَامِ الشَّوْكَانِيِّ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أخرجه البخاري في جزء القراءة
قال بن سَيِّدِ النَّاسِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
[819]
(اخْرُجْ فَنَادِ) أَمْرٌ مِنَ النِّدَاءِ أَصْلُهُ نَادِي عَلَى وَزْنِ قَاتِلْ حُذِفَتِ الْيَاءُ لِلْأَمْرِ (لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقُرْآنٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ) اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِ الْفَاتِحَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ وَلَيْسَ بِثِقَةٍ كَمَا قَالَ النَّسَائِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ ليس بقوي في الحديث وقال بن عَدِيٍّ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ فِي الضُّعَفَاءِ
وَأَيْضًا قَدْ رَوَى الْمُؤَلِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ بَعْدَهُ بِلَفْظِ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ أَنْ أُنَادِيَ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ وَلَيْسَتِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى بِأَوْلَى مِنَ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ
وَأَيْضًا أَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهَا بِجَنْبِ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِفَرْضِيَّةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَعَدَمِ إِجْزَاءِ الصَّلَاةِ بِدُونِهَا
وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أقل مجزىء الْفَاتِحَةُ كَصُمْ وَلَوْ يَوْمًا فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ مَعْنَاهُ كَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشق تمرة
[820]
(أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ أَنْ أُنَادِيَ أَنَّهُ لَا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد) هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِثِقَةٍ كَمَا عَرَفْتَ وَلَكِنَّهُ يَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ مَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وبن حِبَّانَ وَالْمُؤَلِّفِ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بِلَفْظِ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ
يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَصَاعِدًا وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمُ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ بِغَيْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ
فَإِنْ قُلْتَ الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى الْقَائِلِينَ بِفَرْضِيَّةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ لا على الحنيفة لِأَنَّهُمْ إِذَا أَثْبَتُوا بِهِ فَرْضِيَّةَ الْفَاتِحَةِ لَزِمَهُمْ أَنْ يُثْبِتُوا بِهِ فَرْضِيَّةَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ زَائِدٍ عَلَى الْفَاتِحَةِ أَيْضًا وَهُمْ لَيْسُوا بِقَائِلِينَ بِهِ قِيلَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ كما قال الحافظ
وروى بن خزيمة عن بن عباس أن النبي قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِمَا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَإِنْ زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ فِي الصَّلَاةِ فَقَالُوا بِاسْتِحْبَابِ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ لِتَأْتَلِفَ الْأَخْبَارُ
[821]
(مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ يَعْنِي نَاقِصَةً نَقْصَ فَسَادٍ وَبُطْلَانٍ تَقُولُ الْعَرَبُ أَخْدَجَتِ النَّاقَةُ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا وَهُوَ دَمٌ لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهُ فَهِيَ مُخْدِجٌ
وَالْخِدَاجُ اسْمٌ مَبْنِيٌّ مِنْهُ
انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَالْهَرَوِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَآخَرُونَ الْخِدَاجُ النُّقْصَانُ يُقَالُ خَدَجَتِ النَّاقَةُ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ أَوَانِ النِّتَاجِ وَإِنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ وَأَخْدَجَتْهُ إِذَا وَلَدَتْهُ نَاقِصًا وَإِنْ كَانَ لِتَمَامِ الْوِلَادَةِ وَمِنْهُ قِيلَ لِذِي الْيُدِيَّةِ مُخْدَجُ اليد أي ناقصها قالوا فقوله خِدَاجٌ أَيْ ذَاتُ خِدَاجٍ
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ خَدَجَتْ وَأَخْدَجَتْ إِذَا وَلَدَتْ لِغَيْرِ تَمَامٍ انْتَهَى وَفِيهِ فَرْضِيَّةُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَأَنَّ الصَّلَاةَ إِذَا لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا الْفَاتِحَةُ فَهِيَ نَاقِصَةٌ نَقْصَ فَسَادٍ وَبُطْلَانٍ لِأَنَّ الْخِدَاجَ النُّقْصَانُ وَالْفَسَادُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ أَخْدَجَتِ النَّاقَةُ وَخَدَجَتْ إِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ تَمَامِ وَقْتِهَا وَقَبْلَ تَمَامِ الْخَلْقِ وَذَلِكَ نِتَاجٌ فَاسِدٌ
وقد زعم الحنيفة أَنَّ قَوْلَهُ خِدَاجٌ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ النُّقْصَانُ وَالصَّلَاةُ النَّاقِصَةُ جَائِزَةٌ وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ (غَيْرُ تَمَامٍ) بَيَانُ خِدَاجٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ وَقِيلَ إِنَّهُ تَأْكِيدٌ (فَغَمَزَ ذِرَاعِي) أَيْ كَبَسَ سَاعِدِي
قَالَ الْبَاجِيُّ هُوَ عَلَى مَعْنَى التَّأْنِيسِ لَهُ وَتَنْبِيهٌ عَلَى فَهْمِ مُرَادِهِ وَالْبَعْثِ لَهُ عَلَى جَمْعِ ذِهْنِهِ وَفَهْمِهِ
لِجَوَابِهِ (اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ فِي نَفْسِكَ) مَعْنَاهُ اقْرَأْهَا سِرًّا بِحَيْثُ تُسْمِعُ نَفْسَكَ وَأَمَّا مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ تَدَبُّرُ ذَلِكَ وَتَذَكُّرُهُ فَلَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تُطْلَقُ إِلَّا عَلَى حَرَكَةِ اللِّسَانِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةِ لِسَانِهِ لَا يَكُونُ قَارِئًا مُرْتَكِبًا لِقِرَاءَةِ الْجُنُبِ الْمُحَرَّمَةِ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ
(قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْقِرَاءَةَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام عِنْدَ التَّفْسِيرِ لَهُ وَالتَّفْصِيلِ لِلْمُرَادِ مِنْهُ إِذَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي إِلَى آخِرِ السُّورَةِ
وَقَدْ سُمِّيَ الْقُرْآنُ صَلَاةً لِوُقُوعِهَا فِي الصَّلَاةِ وَكَوْنِهَا جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا أَيْ قِرَاءَتِكَ
وَقَالَ تَعَالَى وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قرآن الفجر كان مشهودا أَيْ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَسَمَّى الصَّلَاةَ مَرَّةً قُرْآنًا وَالْقُرْآنَ صَلَاةً لِانْتِظَامِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُهُ عليه السلام بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَالصَّلَاةُ خَالِصَةٌ لِلَّهِ عز وجل لَا يُشْرَكُ فِيهَا أَحَدٌ فَعُقِلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقِرَاءَةُ وَحَقِيقَةُ هَذِهِ الْقِسْمَةِ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى الْمَعْنَى لَا إِلَى اللَّفْظِ وَذَلِكَ أَنَّ سُورَةَ الْحَمْدِ نِصْفُهَا ثَنَاءٌ وَنِصْفُهَا مَسْأَلَةُ دُعَاءٍ وَالثَّنَاءُ لِلَّهِ وَالدُّعَاءُ لِعَبْدِهِ وَلَيْسَ هَذَا انْقِسَامُ أَلْفَاظٍ وَحُرُوفٍ وَقِسْمُ الثَّنَاءِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إلى قوله تعالى إياك نعبد وَهُوَ تَمَامُ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَبَاقِي الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ قِسْمِ الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ وَلِذَا قَالَ عليه السلام حَاكِيًا عَنْ رَبِّهِ وَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ قِسْمَةَ الْأَلْفَاظِ وَالْحُرُوفِ لَكَانَ النِّصْفُ الْأَخِيرُ يَزِيدُ عَلَى الْأَوَّلِ زِيَادَةً بِينَةً فَيَرْتَفِعُ مَعْنَى التَّعْدِيلِ وَالتَّنْصِيفِ وَإِنَّمَا هُوَ قِسْمَةُ الْمَعَانِي كَمَا ذَكَرْتُهُ لَكَ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ نِصْفُ السَّنَةِ إِقَامَةٌ وَنِصْفُهَا سَفَرٌ يُرَادُ بِهِ انْقِسَامُ السَّنَةِ مُدَّةَ السَّفَرِ وَمُدَّةَ الْإِقَامَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْدِيلِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَكُونَا سَوَاءً لَا يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ
وَقِيلَ لِشُرَيْحٍ كَيْفَ أَصْبَحْتَ قَالَ أَصْبَحْتُ وَنِصْفُ النَّاسِ عَلَيَّ غَضْبَانُ يُرِيدُ أَنَّ النَّاسَ بَيْنَ مَحْكُومٍ لَهُ وَمَحْكُومٍ عَلَيْهِ فَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَضْبَانُ عَلَيَّ بِاسْتِخْرَاجِي الْحَقَّ مِنْهُ وَإِكْرَاهِي إِيَّاهُ وَلِقَوْلِ الشَّاعِرِ إِذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَيْنِ شَامِتٌ لِمَوْتِي وَمُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَفْعَلُ (فَنِصْفُهَا لِي) وَهُوَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي) وَهُوَ مِنَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ إِلَى آخِرِهِ (وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) أَيْ بِعَيْنِهِ
إِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى السُّؤَالِ وَإِلَّا فَمِثْلُهُ من رفع درجة ودفع مضرة ونحوهما (اقرؤوا) لَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (يَقُولُ الْعَبْدُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ (حَمِدَنِي عَبْدِي إِلَى قَوْلِهِ مَجَّدَنِي عَبْدِي) قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّ التَّحْمِيدَ الثَّنَاءُ بِجَمِيلِ الْفِعَالِ وَالتَّمْجِيدُ الثَّنَاءُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَيُقَالُ أَثْنَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ
وَلِهَذَا جَاءَ جَوَابًا لِلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِاشْتِمَالِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ (يَقُولُ الْعَبْدُ إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أَيْ نَخُصُّكَ بِالْعِبَادَةِ (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أَيْ نَخُصُّكَ بِالِاسْتِعَانَةِ (فَهَذِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي) لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِعَانَةَ مِنَ اللَّهِ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَذَلُّلَ الْعَبْدِ لِلَّهِ وَطَلَبَهُ الِاسْتِعَانَةَ مِنْهُ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ اللَّهِ وَقُدْرَتَهُ عَلَى مَا طُلِبَ مِنْهُ (يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم إِلَى آخِرِ السُّورَةِ) إِنَّمَا كَانَ هَذَا لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ سُؤَالٌ يَعُودُ نَفْعُهُ إِلَى الْعَبْدِ (فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَهَذَا لِعَبْدِي قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي غَيْرِهِ فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ثَلَاثُ آيَاتٍ لَا آيَتَانِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنَ الْفَاتِحَةِ أَمْ لَا فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ وَأَنَّهَا آيَةٌ وَاهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ آيَتَانِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُولُ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ يَقُولُ اهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ ثَلَاثُ آيَاتٍ وَلِلْأَكْثَرِينَ أَنْ يَقُولُوا قَوْلَةَ هَؤُلَاءِ الْمُرَادُ بِهِ الْكَلِمَاتُ لَا الْآيَاتُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَهَذَا لِعَبْدِي وَهَذَا أَحْسَنُ مِنَ الْجَوَابِ بِأَنَّ الْجَمْعَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ هَذَا مَجَازٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَيُحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى صَرْفِهِ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ
انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَا يَرَى التَّسْمِيَةَ آيَةً مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالُوا لَوْ كَانَتْ آيَةً لَذُكِرَتْ كَمَا ذُكِرَ سَائِرُ الْآي فَلَمَّا بَدَأَ بِالْحَمْدِ دَلَّ أَنَّهُ أَوَّلُ آيَةٍ منها وأنه لاحظ لِلتَّسْمِيَةِ فِيهَا
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا فَقَالَ قَوْمٌ هِيَ آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَهُوَ قول بن عباس وأبي
هريرة وسعيد بن جبير وعطاء وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَ آخَرُونَ لَيْسَتِ التَّسْمِيَةُ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الجماعة إلا البخاري وبن مَاجَهْ
[822]
(عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ سَمِعْتُ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كيسان عن بن شِهَابٍ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ أَخْبَرَهُ وَبِهَذَا التَّصْرِيحِ بِالْإِخْبَارِ يَنْدَفِعُ تَعْلِيلُ مَنْ أَعَلَّهُ بِالِانْقِطَاعِ لِكَوْنِ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَدْخَلَ بَيْنَ مَحْمُودٍ وَعُبَادَةَ رَجُلًا وَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ
قَالَهُ الْحَافِظُ (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) فِيهِ دَلَالَةٌ صَرِيحَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَا تُقْرَأْ فِيهَا فَاتِحَةُ الْكِتَابِ لَا تَصِحُّ ولا تجوز لأن النفي في قوله لَا صَلَاةَ يَتَوَجَّهُ إِلَى الذَّاتِ إِنْ أَمْكَنَ انْتِفَاؤُهَا وَإِلَّا تَوَجَّهَ إِلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الذَّاتِ وَهُوَ الصِّحَّةُ لَا إِلَى الْكَمَالِ لِأَنَّ الصِّحَّةَ أَقْرَبُ الْمَجَازَيْنِ وَالْكَمَالُ أَبْعَدُهُمَا وَالْحَمْلُ على أقرب المجازين واجب وتوجه النفي ها هنا إِلَى الذَّاتِ مُمْكِنٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ أَلْفَاظَ الشَّارِعِ مَحْمُولَةٌ عَلَى عُرْفِهِ لِكَوْنِهِ بُعِثَ لِتَعْرِيفِ الشَّرْعِيَّاتِ لَا لِتَعْرِيفِ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ
وَإِذَا كَانَ الْمَنْفِيُّ الصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ اسْتَقَامَ نَفْيُ الذَّاتِ لِأَنَّ الْمُرَكَّبَ كَمَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِهَا فَلَا يُحْتَاجُ بِإِضْمَارِ الصِّحَّةِ وَلَا الْأَجْزَاءِ وَلَا الْكَمَالِ كَمَا رَوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهِيَ عَدَمُ إِمْكَانِ انْتِفَاءِ الذَّاتِ
وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ ها هنا الصَّلَاةُ اللُّغَوِيَّةُ فَلَا يُمْكِنُ تَوَجُّهُ النَّفْيِ إِلَى ذَاتِهَا لِأَنَّهَا قَدْ وُجِدَتْ فِي الْخَارِجِ كَمَا قَالَهُ الْبَعْضُ لَكَانَ الْمُتَعَيَّنُ تَوْجِيهُ النَّفْيِ إِلَى الصِّحَّةِ أَوِ الْإِجْزَاءِ لَا إِلَى الْكَمَالِ إِمَّا أَوَّلًا فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ الْمَجَازَيْنِ وَإِمَّا ثَانِيًا فَلِرِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِلَفْظِ لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وقال إسناده صحيح وصححها بن الْقَطَّانِ وَلَهَا شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا بهذا اللفظ أخرجه بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا وَلِأَحْمَدَ بِلَفْظِ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لا يقرأ فيها بأم القرآن ومن ها هنا لَاحَ لَكَ أَنَّ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ فِي الْحَدِيثِ نَفْيُ الْكَمَالِ بَاطِلٌ لَا دليل عليه
وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ تَأَوَّلُوا رِوَايَةَ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَذْكُورَةَ وَقَالُوا إِنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِجْزَاءِ الْكَامِلِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا تَحَكُّمٌ بَحْتٌ وَتَعَصُّبٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْإِجْزَاءِ إِلَّا الْبُطْلَانُ وَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ
وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ تُسَمَّى صَلَاةً لَوْ تَجَرَّدَتْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قِرَاءَتَهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا يَقْتَضِي حُصُولَ اسْمِ قِرَاءَتِهَا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ لِأَنَّ الظُّهْرَ مَثَلًا كُلَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ حَقِيقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ حَيْثُ سَمَّى الْمَكْتُوبَاتِ خَمْسًا وَكَذَا حَدِيثُ عُبَادَةَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَإِطْلَاقُ الصَّلَاةِ عَلَى رَكْعَةٍ مِنْهَا يَكُونُ مَجَازًا
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَايَةُ مَا فِي الْبَحْثِ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةُ مَفْهُومٍ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ خَارِجٌ مَنْطُوقٌ عَلَى وُجُوبِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَانَ مُقَدَّمًا
انْتَهَى
وَقَالَ بِمُقْتَضَى هَذَا الْبَحْثِ الْحَسَنُ البصري رواه عنه بن المنذر بإسناد صحيح ودليل الجمهور قوله وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا بَعْدَ أَنْ أمره بالقراءة وفي رواية لأحمد وبن حِبَّانَ ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ
وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ سَوَاءٌ أَسَرَّ الْإِمَامُ أَمْ جَهَرَ لِأَنَّ صَلَاتَهُ صَلَاةُ حَقِيقَةٍ فَتَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقِرَاءَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(فَصَاعِدًا) أَيْ فَمَا زَادَ عَلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ مِنَ الصُّعُودِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ مِنْ سُفْلٍ إِلَى عُلْوٍ
قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ زَائِدًا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ أَوْ بِأَنَّ الْقُرْآنَ حَلَّ كَوْنِ قِرَاءَتِهِ زَائِدًا عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (قَالَ سُفْيَانُ لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ) قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ هَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ فَصَاعِدًا
[823]
(فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ) أَيْ شَقَّ عَلَيْهِ التَّلَفُّظُ وَالْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهَا الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ (فَلَمَّا فَرَغَ) أَيْ مِنَ الصَّلَاةِ (قُلْنَا نَعَمْ هَذَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْهَذُّ سَرْدُ الْقِرَاءَةِ وَمُدَارَكَتُهَا فِي سُرْعَةٍ وَاسْتِعْجَالٍ وَقِيلَ أَرَادَ بِالْهَذِّ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ
وَكَانُوا يُلْبِسُونَ عَلَيْهِ قِرَاءَتَهُ بِالْجَهْرِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ هَذَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ (لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ خَلْفِ الْإِمَامِ سَوَاءٌ جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ خَافَتَ بِهَا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَا طَعْنَ فِيهِ
قُلْتُ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا أَسَرَّ وَفِيمَا جَهَرَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَكْحُولُ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَمَا لَا أُحْصِي مِنَ التَّابِعِينَ وَأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَإِنْ جَهَرَ
انْتَهَى
وَقَالَ فِيهِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ
قُلْتُ وَإِنْ قَرَأْتَ قَالَ نَعَمْ وَإِنْ قَرَأْتُ وَكَذَلِكَ قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعُبَادَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وعدة من أصحاب النبي نَحْوَ ذَلِكَ
انْتَهَى
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْإِذْنُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنَ النَّهْيِ عَنِ الجهر خلفه ولكنه أخرج بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله أتقرؤن فِي صَلَاتِكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ فَلَا تَفْعَلُوا وَلْيَقْرَأْ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا
كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
قُلْتُ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم وأعل هذا الحديث بأن بن إِسْحَاقَ رَوَاهُ عَنْ مَكْحُولٍ وَهُوَ مُدَلِّس لَمْ يُصَرِّح بِسَمَاعِهِ مِنْ مَكْحُولٍ
وَإِنَّمَا عَنْعَنَهُ وَالْمُدَلِّس إِذَا عَنْعَنَ لَمْ يُحْتَجّ بِحَدِيثِهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أبو داود
قال البيهقي وَقَدْ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ
فَذَكَر سَمَاعه فِيهِ مِنْ مَكْحُولٍ فَصَارَ الْحَدِيث بِذَلِكَ مَوْصُولًا صَحِيحًا
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَاب الْقِرَاءَة خَلْف الْإِمَام وَقَالَ هُوَ صَحِيح وَوَثَّقَ اِبْنَ إِسْحَاقَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِهِ فِيهِ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ غَيْر حديث بن إِسْحَاقَ أَيْضًا وَقَالَ هُوَ صَحِيح
أقبل عليهم بوجهه فقال أتقرؤن فِي صَلَاتِكُمْ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ فَسَكَتُوا فَقَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ قَائِلٌ أَوْ قَائِلُونَ إِنَّا لَنَفْعَلُ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا وَلْيَقْرَأْ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ في نفسه قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
قُلْتُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ القراءة وصححه وبن حبان والبيهقي من طريق بن إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُبَادَةَ وَتَابَعَهُ زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَكْحُولٍ
وَمِنْ شَوَاهِدِهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ رجل من أصحاب النبي قال قال رسول الله لعلكم تقرؤون وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ قَالُوا إِنَّا لَنَفْعَلُ قَالَ لَا إِلَّا بِأَنْ يَقْرَأَ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
قَالَ الحافظ إسناده حسن ورواه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ وَزَعَمَ أَنَّ الطَّرِيقَتَيْنِ مَحْفُوظَتَانِ وَخَالَفَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ إِنَّ طَرِيقَ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فَذَهَبَتْ مَظِنَّةُ تَدْلِيسِهِ وَتَابَعَهُ مَنْ تَقَدَّمَ
كَذَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ
[824]
(عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَنْهُ مَكْحُولٌ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ (أَبْطَأَ عُبَادَةُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ) أَيْ تَأَخَّرَ عَنْهَا (فَأَقَامَ أَبُو نُعَيْمٍ الْمُؤَذِّنُ الصَّلَاةَ) زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَكَانَ أَبُو نُعَيْمٍ أَوَّلَ مَنْ أَذَّنَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ (فَالْتَبَسَتْ) أَيِ اخْتَلَطَتْ (وأنا أقول) أي في نفسي (مالي يُنَازِعُنِي) أَيْ يُعَالِجُنِي وَلَا يَتَيَسَّرُ (الْقُرْآنُ) بِالرَّفْعِ أَيْ لَا يَتَأَتَّى لِي
فَكَأَنِّي أُجَاذِبُهُ فَيَعْصَى وَيَثْقُلُ عَلَيَّ
قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَبِالنَّصْبِ أَيْ يُنَازِعُنِي مَنْ وَرَائِي فِيهِ بِقِرَاءَتِهِمْ عَلَى التَّغَالُبِ يَعْنِي تُشَوِّشَ قِرَاءَتِهِمْ عَلَى قِرَاءَتِي وَيُؤَيِّدُ مَا فِي نُسْخَةِ يُنَازِعُنِي بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى حَذْفِ الْوَاوِ وَنَصْبِ الْقُرْآنِ لَكِنْ فِي صِحَّتِهَا نَظَرٌ إِذْ لَا يَجُوزُ التَّأْكِيدُ إِلَّا فِي الِاسْتِقْبَالِ بِشَرْطِ الطَّلَبِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَلَا تَقْرَءُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ) أَيْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا فَاتِحَتُهُ كَمَا سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى لِأَنَّهَا أَصْلُهَا
قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالْحَدِيثُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
قُلْتُ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ كُلُّهُمْ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ خَلْفَ الْإِمَامِ جَهَرَ أَوْ أَسَرَّ
[825]
(قالوا) أي بن جَابِرٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن العلاء (فكان مكحول يقرأ) هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مُرْسَلًا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَا أَعْلَمُ بِالشَّامِ أَفْقَهَ مِنْهُ (يَقْرَأُ في المغرب إلخ) لقوله فَلَا تَقْرَءُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ (قَالَ مَكْحُولٌ اقْرَأْ) أَمْرٌ لِلْمُخَاطَبِ (إِذَا قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسَكَتَ) أَيِ اقْرَأْ فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ الَّتِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ لِلْإِمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ (سِرًّا) أَيِ اقْرَأْ سِرًّا (فَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ) أَيِ الْإِمَامُ (اقْرَأْ بِهَا قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لَا تَتْرُكْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ) لِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا مُنْقَطِعٌ
مَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ
فَائِدَةٌ قَدِ اخْتَلَفَتِ الشَّافِعِيَّةُ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ هَلْ تَكُونُ عِنْدَ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ أَوْ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا تُقْرَأُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَفِعْلُهَا حَالَ سُكُوتِ الْإِمَامِ إِنْ أَمْكَنَ أَحْوَطُ لِأَنَّهُ يَكُونُ فَاعِلَ ذَلِكَ أَخْذًا بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا اعْتِيَادُ قِرَاءَتِهَا حَالَ قِرَاءَتِهِ لِلسُّورَةِ فَقَطْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ بَلِ الْكُلُّ جَائِزٌ وَسُنَّةٌ
نَعَمْ حَالُ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلْفَاتِحَةِ مُنَاسِبٌ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى تَأْخِيرِ الِاسْتِعَاذَةِ عَنْ مَحَلِّهَا الَّذِي هُوَ بَعْدَ التَّوَجُّهِ أَوْ تَكْرِيرِهَا عِنْدَ إِرَادَةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ إِنْ فَعَلَهَا فِي مَحَلِّهَا أَوَّلًا وَأَخَّرَ الْفَاتِحَةَ إِلَى حَالِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلسُّورَةِ وَمِنْ جِهَةِ