المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود) - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ٣

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي نُقْصَانِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب تخفيف الصلاة)

- ‌(بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ)

- ‌(بَاب تَخْفِيفِ الْأُخْرَيَيْنِ بِتَحْتَانِيَّتَيْنِ تَثْنِيَةُ الْأُخْرَى)

- ‌(بَاب قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ)

- ‌(بَاب قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ)

- ‌(بَاب مَنْ رَأَى التَّخْفِيفَ فِيهَا)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يُعِيدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي الرَّكْعَتَيْنِ)

- ‌(بَاب الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاتِهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)

- ‌(بَاب مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ إِذَا لَمْ يَجْهَرْ)

- ‌(بَاب مَا يُجْزِئُ الْأُمِّيَّ وَالْأَعْجَمِيَّ مِنْ الْقِرَاءَةِ)

- ‌(بَاب تَمَامِ التَّكْبِيرِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ)

- ‌(بَاب النُّهُوضِ فِي الْفَرْدِ)

- ‌(باب الإقعاء بين السجدتين)

- ‌(بَاب مَا يَقُولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ)

- ‌(بَاب الدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ)

- ‌(باب رفع النساء إذا كن مع الإمام رؤوسهن مِنْ السَّجْدَةِ)

- ‌(بَاب طُولِ الْقِيَامِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ)

- ‌(بَاب صَلَاةِ مَنْ لَا يُقِيمُ صلبه في الركوع والسجود)

- ‌(بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُتِمُّهَا صَاحِبُهَا تُتَمُّ مِنْ تَطَوُّعِهِ)

- ‌كتاب الركوع والسجود

- ‌(بَاب تَفْرِيعِ أَبْوَابِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ووَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ)

- ‌(بَاب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ فِي ركوعه وسجوده)

- ‌(باب الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَاب الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب مِقْدَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(باب الرَّجُلِ يُدْرِكُ الْإِمَامَ سَاجِدًا كَيْفَ يَصْنَعُ)

- ‌(بَاب أَعْضَاءِ السُّجُودِ)

- ‌(بَاب السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ)

- ‌(بَاب صِفَةِ السُّجُودِ)

- ‌(بَاب الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ أَيْ فِي تَرْكِ التَّفْرِيجِ)

- ‌(هَذَا الْوَجْهِ مُرْسَلًا وَكَأَنَّهُ أَصَحُّ)

- ‌(بَاب الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب كَرَاهِيَةِ الْوَسْوَسَةِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ التَّلْقِينِ)

- ‌(بَاب الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ)

- ‌(بَاب النَّظَرِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ [916] يَعْنِي الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ أَوِ النَّظَرَ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب التَّأْمِينِ وَرَاءَ الْإِمَامِ)

- ‌(بَاب التَّصْفِيقِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(باب مسح الحصا فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يُصَلِّي مُخْتَصِرًا)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يَعْتَمِدُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَصًا)

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ الْجُلُوسُ فِي التَّشَهُّدِ)

- ‌(بَاب مَنْ ذَكَرَ التَّوَرُّكَ فِي الرَّابِعَةِ)

- ‌(بَاب التَّشَهُّدِ)

- ‌(باب الصلاة على النبي بَعْدَ التَّشَهُّدِ)

- ‌(بَاب مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ)

- ‌(بَاب إِخْفَاءِ التَّشَهُّدِ)

- ‌(بَاب الْإِشَارَةِ فِي التَّشَهُّدِ)

- ‌(بَاب كَرَاهِيَةِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب فِي تَخْفِيفِ الْقُعُودِ)

- ‌(بَاب فِي السَّلَامِ)

- ‌(بَاب الرَّدِّ على الإمام)

- ‌(بَاب التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ)

- ‌(باب حذف السلام)

- ‌(باب إذا أحدث في صلاته)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَتَطَوَّعُ فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ)

- ‌(بَاب السَّهْوِ فِي السَّجْدَتَيْنِ)

- ‌(بَاب إِذَا صَلَّى خَمْسًا)

- ‌(بَاب إِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ)

- ‌(بَاب مَنْ قَالَ يُتِمُّ عَلَى أَكْثَرِ ظَنِّهِ)

- ‌(باب من قال يسجد بعد التسليم)

- ‌(بَاب مَنْ قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ)

- ‌(باب من نسي أن يتشهد وهو جالس يَسْجُدْ سَجْدَتَيِ)

- ‌(بَابٌ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ)

- ‌(بَاب انْصِرَافِ النِّسَاءِ قَبْلَ الرِّجَالِ مِنْ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ الِانْصِرَافُ مِنْ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب صَلَاةِ الرَّجُلِ التَّطَوُّعَ فِي بَيْتِهِ)

- ‌(بَاب مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ)

- ‌باب تَفْرِيعِ أَبْوَابِ الْجُمُعَةِ

- ‌(بَاب فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةِ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب الْإِجَابَةِ أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب فَضْلِ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب التَّشْدِيدِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب كَفَّارَةِ مَنْ تَرَكَهَا)

- ‌(بَاب مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ)

- ‌(بَاب الْجُمُعَةِ فِي الْيَوْمِ الْمَطِيرِ)

- ‌(بَاب التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الليلة الباردة)

- ‌(بَاب الْجُمُعَةِ لِلْمَمْلُوكِ وَالْمَرْأَةِ)

- ‌(بَاب الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى)

- ‌(باب إذا وافق يوم الجمعة)

- ‌(بَاب مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب اللُّبْسِ لِلْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب التَّحَلُّقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ)

- ‌(باب اتخاذ المنبر)

- ‌(بَابُ مَوْضِعِ الْمِنْبَرِ [1082] أَيْنَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ)

- ‌(باب الصلاة [1083] مِنَ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ تَجُوزُ)

- ‌(باب وَقْتِ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب الْإِمَامِ يُكَلِّمُ الرَّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ)

- ‌(بَاب الْجُلُوسِ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ)

- ‌(بَاب الْخُطْبَةِ قَائِمًا)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يَخْطُبُ عَلَى قَوْسٍ)

- ‌(بَاب رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْمِنْبَرِ [1104] مَا حُكْمُهُ)

- ‌(بَاب إِقْصَارِ الْخُطَبِ)

- ‌(بَاب الدُّنُوِّ مِنْ الْإِمَامِ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ)

- ‌(بَاب الْإِمَامِ يَقْطَعُ الْخُطْبَةَ لِلْأَمْرِ يَحْدُثُ)

- ‌(بَاب الِاحْتِبَاءِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)

- ‌(بَاب الْكَلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)

- ‌(بَاب استئذان المحدث للإمام)

- ‌(بَاب إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)

- ‌(بَاب تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يَنْعَسُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)

- ‌(باب الإمام يتكلم بعد ما يَنْزِلُ مِنْ الْمِنْبَرِ)

- ‌(بَاب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً)

- ‌(باب ما يقرأ فِي الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَابُ الرَّجُلِ يَأْتَمُّ [1126] مِنَ الِائْتِمَامِ أَيْ يَقْتَدِي (بِالْإِمَامِ وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ))

- ‌(بَاب الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ)

- ‌(باب في القعود بين الخطبتين)

- ‌(بَاب صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ)

- ‌(بَاب وَقْتِ الْخُرُوجِ إِلَى الْعِيدِ)

- ‌(بَاب خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدِ)

- ‌(بَاب الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ)

- ‌(بَاب يَخْطُبُ عَلَى قَوْسٍ)

الفصل: ‌(باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود)

مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ وَالتَّشَهُّدِ وَإِطَالَةِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي الِاعْتِدَالِ عَنِ الرُّكُوعِ وَعَنِ السُّجُودِ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ أَنَسٍ أَيْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ آنِفًا مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ أَحَدٍ أَوْجَزِ صَلَاةٍ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَمَامٍ وَقَوْلُهُ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَهَا كَانَ فِيهِ طُولٌ يَسِيرٌ على بعض وذلك في القيام ولعله أَيْضًا فِي التَّشَهُّدِ

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ بِتَطْوِيلِ الْقِيَامِ وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِالسِّتِّينَ إلى المائة وفي الظهر بالم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ وَأَنَّهُ كَانَ يُقَامُ الصَّلَاةُ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِيَ حَاجَتَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وأنه قرأ سورة المؤمنين حَتَّى بَلَغَ ذِكْرَ مُوسَى وَهَارُونَ وَأَنَّهُ قَرَأَ بِالْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَبِالْمُرْسَلَاتِ

هَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ لَهُ فِي إِطَالَةِ الْقِيَامِ أَحْوَالٌ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ جَرَى فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَقَوْلُهُ فَجِلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ شَيْئًا يَسِيرًا فِي مُصَلَّاهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ

2 -

(بَاب صَلَاةِ مَنْ لَا يُقِيمُ صلبه في الركوع والسجود)

[855]

(لا تجزىء صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ) قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ مَنْ لَا يُسَوِّي ظَهْرَهُ (فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) وَالْمُرَادُ مِنْهُمَا الطُّمَأْنِينَةُ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِهِمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لِأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ أَمْرٌ وَالِاعْتِدَالُ أَمْرٌ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ

قُلْتُ الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ فِيهِمَا وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ فِي هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي

قَالَ المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

ص: 65

[856]

(فَدَخَلَ رَجُلٌ) هُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ كَذَا بينه بن أَبِي شَيْبَةَ (فَصَلَّى) زَادَ النَّسَائِيُّ رَكْعَتَيْنِ

وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ صَلَّى نَفْلًا

قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ (ثُمَّ جَاءَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَجَاءَ فَسَلَّمَ وَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَمَجِيئِهِ تَرَاخٍ (ارْجِعْ) قَالَ الحافظ في رواية بن عَجْلَانَ فَقَالَ أَعِدْ صَلَاتَكَ (فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) قَالَ عِيَاضٌ فِيهِ أَنَّ أَفْعَالَ الْجَاهِلِ في العبادة على غير علم لا تجزىء وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ نَفْيُ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى نَفْي الكمال تمسك بأنه لم يأمر بعد التعليم بِالْإِعَادَةِ فَدَلَّ عَلَى إِجْزَائِهَا وَإِلَّا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الْمُهَلَّبُ ومن تبعه وفيه نظر لأنه قَدْ أَمَرَهُ بِالْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ بِالْإِعَادَةِ فَسَأَلَهُ التَّعْلِيمَ فَعَلَّمَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَعِدْ صَلَاتَكَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ (كَمَا كَانَ صَلَّى) أَيْ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ (حَتَّى فَعَلَ) أَيِ الرَّجُلُ (ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ (ثَلَاثَ مِرَارٍ) فَإِنْ قِيلَ لِمَ سَكَتَ النَّبِيُّ عَنْ تَعْلِيمِهِ أَوَّلًا حَتَّى افْتَقَرَ إِلَى الْمُرَاجَعَةِ كَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قُلْنَا لِأَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا لَمْ يَسْتَكْشِفِ الْحَالَ مُغْتَرًّا بِمَا عِنْدَهُ سَكَتَ عَنْ تَعْلِيمِهِ زَجْرًا لَهُ وَإِرْشَادًا إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَكْشِفَ مَا اسْتَبْهَمَ عَلَيْهِ فَلَمَّا طَلَبَ كَشْفَ الْحَالِ بَيَّنَهُ بِحُسْنِ الْمَقَالِ

قَالَهُ بن الملك في شرح المشارق

قال القارىء وَاسْتَشْكَلَ تَقْرِيرُهُ عليه السلام عَلَى صَلَاتِهِ وَهِيَ فَاسِدَةٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّفْيَ لِلصِّحَّةِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ أَرَادَ اسْتِدْرَاجَهُ بِفِعْلِ مَا جَهِلَهُ مَرَّاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ غَافِلًا فَيَتَذَكَّرُ فَيَفْعَلُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيمٍ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّقْرِيرِ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ مِنْ بَابِ تَحَقُّقِ الْخَطَأِ أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ أَوْ لَا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَعْرِيفِهِ وتعريف غيره ولتفحيم الأمر وتعظيمه عليه

وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَا شَكَّ فِي زِيَادَةِ قَبُولِ الْمُتَعَلِّمِ لِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ بَعْدَ تَكْرَارِ فِعْلِهِ وَاسْتِجْمَاعِ نَفْسِهِ وَتَوَجُّهِ سُؤَالِهِ مَصْلَحَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ وجوب المبادرة إلى التعليم لاسيما مَعَ عَدَمِ خَوْفٍ (مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا) أَيْ لَا أَدْرِي غَيْرَ هَذَا

ص: 66

(إذا قمت إلى الصلاة فكبر) وفي الرواية لِلْبُخَارِيِّ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ (ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ مِنْ طَرِيقِ رِفَاعَةَ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وبما شاء الله أن تقرأ

ولأحمد وبن حِبَّانَ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْتَ

وَقَدْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ الْبَابِ مَنْ لم يوجب قراءة الفاتحة في الصلاة

وأجيب عَنْهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ (ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا) فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْمُؤَلِّفُ فَإِذَا رَكَعْتَ فَاجْعَلْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَامْدُدْ ظَهْرَكَ وَتَمَكَّنْ لِرُكُوعِكَ (ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قائما) في رواية بن نمير عند بن مَاجَهْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا

أَخْرَجَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ

وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ إِسْنَادَهُ بِعَيْنِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَكِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَفْظُهُ فَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَهُوَ فِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِهِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ السَّرَّاجُ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى أَحَدِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ فَثَبَتَ ذِكْرُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الِاعْتِدَالِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وبن حِبَّانَ

وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ فَأَقِمْ صُلْبَكَ حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ إِلَى مَفَاصِلِهَا وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْقَلْبِ مِنْ إِيجَابِهَا أَيِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتِهِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذِهِ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ

كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا) فِيهِ وُجُوبُ السُّجُودِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ (ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُسَبِّحَ سَبَّحَ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِمَا شَيْئًا أَجْزَأَهُ

وَقَدْ رَوَوْا فِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ أَنَّهُ قَالَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَيُسَبِّحُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْهُ

قُلْتُ وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الْحَدِيثِ قَدِيمًا وَمِمَّنْ ضَعَّفَ فِيهِ الشَّعْبِيُّ وَرَمَاهُ بِالْكَذِبِ وَتَرَكَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ منهم أبو بكر وعمر وبن مسعود وعائشة وغيرهم وسنة رسول الله أَوْلَى مَا اتُّبِعَ بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ أَنْ يُقْرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المكي

ص: 67

قَالَ أَخْبَرَنَا الصَّائِغُ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ قال سمعت الزهري يحدث عن بن أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ بِذَلِكَ

انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ

وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ الجمهور

واشتهر عن الحنيفة أَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ سُنَّةٌ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ مُصَنِّفِيهِمْ لَكِنْ كَلَامُ الطَّحَاوِيِّ كَالصَّرِيحِ فِي الْوُجُوبِ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ تَرْجَمَ مِقْدَارَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فِي الرُّكُوعِ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ

قَالَ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ هَذَا مِقْدَارُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يُجْزِئُ أَدْنَى مِنْهُ

قَالَ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ

فَقَالُوا إِذَا اسْتَوَى رَاكِعًا وَاطْمَأَنَّ سَاجِدًا أَجْزَأَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ

قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ تَكَرَّرَ مِنَ الْفُقَهَاءِ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ مَا ذُكِرَ فِيهِ وَعَلَى عَدَمِ وُجُوبِ مَا لَمْ يُذْكَرْ أَمَّا الْوُجُوبُ فَلِتَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِهِ وَأَمَّا عَدَمُهُ فَلَيْسَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِ الْأَصْلِ عَدَمُ الْوُجُوبِ بَلْ لِكَوْنِ الْمَوْضِعِ مَوْضِعَ تَعْلِيمٍ وَبَيَانٍ لِلْجَاهِلِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْحِصَارَ الواجبات فيما ذكر ويتقوى بكونه ذَكَرَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْإِسَاءَةُ مِنْ هَذَا الْمُصَلِّي وَمَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِرِ الْمَقْصُودَ عَلَى مَا وَقَعَتْ بِهِ الْإِسَاءَةُ

قَالَ فَكُلُّ مَوْضِعٍ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِهِ وَكَانَ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فلسنا أَنْ نَتَمَسَّكَ بِهِ فِي وُجُوبِهِ وَبِالْعَكْسِ لَكِنْ يُحْتَاجُ أَوَّلًا إِلَى جَمْعِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وإحصاء الأمور المذكورة فيه والأخذ بِالزَّائِدِ فَالزَّائِدِ ثُمَّ إِنْ عَارَضَ الْوُجُوبَ أَوْ عَدَمَهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ عُمِلَ بِهِ وَإِنْ جَاءَتْ صِيغَةُ الْأَمْرِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ بِشَيْءٍ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قُدِّمَتْ

قَالَ الْحَافِظُ قَدِ امْتَثَلْتُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ وَجَمَعْتُ طُرُقَهُ الْقَوِيَّةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرِفَاعَةَ وَقَدْ أَمْلَيْتُ الزِّيَادَاتِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا فَمِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ صَرِيحًا مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا النِّيَّةُ وَالْقُعُودُ الْأَخِيرُ وَمِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ التشهد الأخير والصلاة على النبي وَالسَّلَامُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ

قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الرَّجُلِ انْتَهَى

وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكْمِلَةٍ وَهُوَ ثُبُوتُ الدَّلِيلِ عَلَى إِيجَابِ مَا ذُكِرَ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ وَالتَّعَوُّذَ وَدُعَاءَ الِافْتِتَاحِ وَرَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ وَوَضْعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهَيْئَاتِ الْجُلُوسِ وَوَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْفَخِذِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ

انْتَهَى

وَهُوَ فِي مَعْرِضِ الْمَنْعِ لِثُبُوتِ بَعْضِ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَيَحْتَاجُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِهِ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ انْتَهَى

ص: 68

قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ مَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ غَيْرُ مُجْزِيَةٍ

وَفِي قَوْلِهِ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ التَّكْبِيرِ لَا يَصِحُّ بِهِ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ إِذَا افْتَتَحَهَا بِغَيْرِهِ كَانَ الْأَمْرُ بِالتَّكْبِيرِ قَائِمًا لم يمتثل

انتهى

قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعِبَادَاتِ مَحَلُّ التَّعَبُّدَاتِ وَلِأَنَّ رُتَبَ هَذِهِ الْأَذْكَارِ مُخْتَلِفَةٌ فَقَدْ لَا يَتَأَدَّى بِرُتْبَةٍ مِنْهَا مَا يُقْصَدُ بِرُتْبَةٍ أُخْرَى وَنَظِيرُ الرُّكُوعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ التَّعْظِيمُ بِالْخُضُوعِ فَلَوْ أَبْدَلَهُ بِالسُّجُودِ لَمْ يُجْزِئْ مَعَ أَنَّهُ غَايَةُ الْخُضُوعِ انْتَهَى

قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَالتَّخْيِيرُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ لِمَنْ أَحْسَنَهَا لَا يُجْزِئِهُ غَيْرُهَا بِدَلِيلِ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَهَذَا فِي الْإِطْلَاقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا استيسر من الهدى ثم كان أقل ما يحزي مِنَ الْهَدْيِ مُعَيَّنًا مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ بِبَيَانِ السُّنَّةِ وَهُوَ الشَّاةُ

انْتَهَى قُلْتُ يَأْتِي فِي حَدِيثِ رفاعة قوله ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِوُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ

(قَالَ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَيْ لَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ

وَاعْلَمْ أَنَّ يَحْيَى الْقَطَّانَ خَالَفَ أَصْحَابَ عُبَيْدِ اللَّهِ كُلَّهُمْ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا عَنْ أَبِيهِ وَيَحْيَى حَافِظٌ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ

وَقَالَ الْبَزَّارُ لَمْ يُتَابَعْ يَحْيَى عَلَيْهِ وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ يَحْيَى قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

قَالَ الْحَافِظُ لِكُلٍّ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَجْهٌ مُرَجِّحٌ

أَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى فَلِلزِّيَادَةِ مِنَ الْحَافِظِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فَلِلْكَثْرَةِ وَلِأَنَّ سَعِيدًا لَمْ يُوصَفْ بِالتَّدْلِيسِ وَقَدْ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

انْتَهَى (وَقَالَ) أَيِ الْقَعْنَبِيُّ (فِي آخِرِهِ) أَيْ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَتْمِمْهُ يَعْنِي تَوَضَّأْ وُضُوءًا تَامًّا

وَقَالَ بن الْمَلِكِ مُشْتَمِلًا عَلَى فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم والترمذي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

ص: 69

[857]

(ذَكَرَ نَحْوَهُ) أَيْ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ) أَيْ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ نَفْيَ التَّمَامِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الصِّحَّةِ لِأَنَّا مُتَعَبِّدُونَ بِصَلَاةٍ لَا نُقْصَانَ فِيهَا فَالنَّاقِصَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَمَنِ ادَّعَى صِحَّتَهَا فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ

وَقَدْ جَعَلَ صَاحِبُ ضَوْءِ النَّهَارِ نَفْيَ التَّمَامِ هُنَا هُوَ نفى التكمال بعينه واستدل على ذلك بقوله فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنِ انْتَقَصْتَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَقَدِ انْتَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَيْضًا لِأَنَّا نقول الانتقاص يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الصِّحَّةِ لِذَلِكَ الدَّلِيلِ الَّذِي أَسْلَفْنَاهُ

وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَرْكَ مَنْدُوبَاتِ الصَّلَاةِ وَمَسْنُونَاتِهَا انْتِقَاصٌ مِنْهَا لِأَنَّهَا أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ فَلَا يُرَدُ الْإِلْزَامُ بِهَا وَكَوْنُهَا تَزِيدُ فِي الثَّوَابِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهَا مِنْهَا كَمَا أَنَّ الثِّيَابَ الْحَسَنَةَ تَزِيدُ فِي جَمَالِ الذَّاتِ وَلَيْسَتْ مِنْهَا كَذَا فِي النَّيْلِ (فَيَضَعُ الْوُضُوءَ يَعْنِي مَوَاضِعَهُ) أَرَادَ بِهِ إِسْبَاغَ الْوُضُوءِ (ثُمَّ يُكَبِّرُ) تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ (وَيَحْمَدُ اللَّهَ عز وجل وَيُثْنِي عَلَيْهِ) وَفِي النَّسَائِيِّ يُمَجِّدُهُ مَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ وَفِيهِ وُجُوبُ تَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ فِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ وَوُجُوبُ التَّسْمِيعِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ الْمَحْفُوظُ فِي هَذَا عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ كَمَا سَيَأْتِي

[858]

(عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ بِمَعْنَاهُ) أَيْ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى) أَيْ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ (فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحُ برأسه ورجليه

ص: 70

إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الْمَشْهُورُ أَنَّ الْكَعْبَ هُوَ الْعَظْمُ النَّاشِزُ عِنْدَ مُلْتَقَى السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَوْلُهُ رِجْلَيْهِ فِي حَالَةِ النَّصْبِ مَعْطُوفٌ عَلَى وَجْهِهِ أَيْ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الثِّقَةِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ وَتَقْدِيمَ مَا قَدَّمَهُ اللَّهُ فِي الذِّكْرِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام يُسْبِغُ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِحَرْفِ الْفَاءِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّعْقِيبَ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ (وَتَيَسَّرَ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ أَذِنَ لَهُ فِيهِ (فَيَسْجُدُ فَيُمَكِّنُ وَجْهَهُ قَالَ هَمَّامٌ وَرُبَّمَا قَالَ) أَيْ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (جَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ) يُقَالُ أَمْكَنْتُهُ مِنَ الشَّيْءِ وَمَكَّنْتُهُ مِنْهُ فَتَمَكَّنَ وَاسْتَمْكَنَ أَيْ قَوِيَ عَلَيْهِ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لَا يُجْزِئُ عَلَى غَيْرِ الْجَبْهَةِ وَأَنَّ مَنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ لَمْ يَسْجُدْ مَعَهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ جَبْهَتِهِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ (حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ) جَمْعُ مفصل وهو رؤوس الْعِظَامِ وَالْعُرُوقِ (وَتَسْتَرْخِيَ) أَيْ تَفْتُرَ وَتَضْعُفَ

[859]

(ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ) قَدْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ الْمُسِيءِ مَنْ لَمْ يوجب قراءة الفاتحة في الصلاة وأجيب عنه بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ (فَضَعْ رَاحَتَيْكَ) أَيْ كَفَّيْكَ (عَلَى رُكْبَتَيْكَ فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَهْلِ التَّطْبِيقِ (وَامْدُدْ ظَهْرَكَ) أَيِ اُبْسُطْهُ (فَمَكِّنْ) أَيْ يَدَيْكَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (لِسُجُودِكَ) أَيِ اسْجُدْ سجودا تاما مع الطمأنينة

قاله بن الملك

وقال بن حَجَرٍ مَعْنَاهُ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ مِنْ مَسْجِدِكَ فَيَجِبُ تَمْكِينُهَا بِأَنْ يَتَحَامَلَ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَ تَحْتَهَا قُطْنٌ انْكَبَسَ (فَإِذَا رَفَعْتَ) أَيْ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ (فَاقْعُدْ عَلَى فَخِذِكَ الْيُسْرَى) أَيْ ناصبا قدمك اليمنى

قال بن حَجَرٍ أَيْ تَنْصِبُ رِجْلَكَ الْيُمْنَى كَمَا بَيَّنَهُ بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ

ص: 71

الِافْتِرَاشُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَفْضَلَ مِنَ الْإِقْعَاءِ الْمَسْنُونِ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَحْوَالِهِ عليه السلام

[860]

(فَإِذَا جَلَسْتَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ) بِفَتْحِ السِّينِ

قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ فِيمَا كَانَ مُتَفَرِّقُ الْأَجْزَاءِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ كَالنَّاسِ وَالدَّوَابِّ بِسُكُونِ السِّينِ وَمَا كَانَ مُتَّصِلُ الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح والمراد ها هنا الْقُعُودُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْأَوَّلُ فِي الثُّلَاثِيَّةِ (فَاطْمَئِنَّ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُصَلِّي لَا يَشْرَعُ فِي التَّشَهُّدِ حَتَّى يَطْمَئِنَّ يَعْنِي يَسْتَقِرَّ كُلُّ مَفْصِلٍ فِي مَكَانِهِ وَيَسْكُنَ مِنَ الْحَرَكَةِ (وَافْتَرِشْ فَخِذَكَ الْيُسْرَى) أَيْ أَلْقِهَا عَلَى الْأَرْضِ وَابْسُطْهَا كَالْفِرَاشِ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا

وَالِافْتِرَاشُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ

وَالشَّافِعِيُّ يَتَوَرَّكُ فِي الثاني ومالك يتورك فيهما كذا ذكره بن رَسْلَانَ

وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ السُّنَّةَ الِافْتِرَاشُ فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ

قال بن الْقَيِّمِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْجِلْسَةِ غَيْرُ هَذِهِ الصِّفَةِ يَعْنِي الْفَرْشَ وَالنَّصْبَ

وَقَالَ مالك يتورك فيه لحديث بن مسعود أن النبي كَانَ يَجْلِسُ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِهَا متوركا

قال بن القيم لم يذكر عنه التَّوَرُّكُ إِلَّا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ كَذَا فِي النَّيْلِ

[861]

(قَالَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ (كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ) أَيْ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ (ثُمَّ تَشَهَّدْ) أَيْ قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله بَعْدَ الْوُضُوءِ (فَأَقِمْ) أَيِ الصَّلَاةَ

وَقِيلَ مَعْنَى تَشَهَّدْ أَذِّنْ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى كَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ فَأَقِمْ عَلَى هَذَا يُرَادُ بِهِ الْإِقَامَةَ لِلصَّلَاةِ كذا نقله ميرك عن

ص: 72

الأزهار

قال بن حَجَرٍ وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَقِيلَ أَيْ أَحْضِرْ قَلْبَكَ وَانْوِ وَكَبِّرْ فَأَقِمِ الصَّلَاةَ أَوْ أَحْضِرْ قَلْبَكَ وَاسْتَقِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ

[862]

(عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْحَكَمِ) هُوَ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ لَبِيَدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَاللَّيْثُ مُوَثَّقٌ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ الْمَذْكُورُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ) بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة بن عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ الْمَدَنِيِّ أَحَدُ النُّقَبَاءِ نَزِيلُ حِمْصَ مَاتَ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه (عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ) بِفَتْحِ النُّونِ يُرِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي تَخْفِيفِ السُّجُودِ وَأَنَّهُ لَا يَمْكُثُ فِيهِ إِلَّا قَدْرَ وَضْعِ الْغُرَابِ مِنْقَارَهُ فِيمَا يُرِيدُ أَكْلَهُ

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ أَنْ لَا يَتَمَكَّنُ الرَّجُلُ مِنَ السُّجُودِ فَيَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يَطْمَئِنَّ سَاجِدًا فَإِنَّمَا هُوَ أَنْ يَمَسَّ بِجَبْهَتِهِ فَيَضَعُ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يَطْمَئِنَّ سَاجِدًا فَإِنَّمَا هُوَ أَنْ يَمَسَّ بِجَبْهَتِهِ أَوْ بِأَنْفِهِ الْأَرْضَ كَنَقْرَةِ الطَّائِرِ ثُمَّ يَرْفَعُهُ (وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ) وَهُوَ أَنْ يَضَعَ سَاعِدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ (وَأَنْ يُوَطِّنَ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا (الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ) فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَأْلَفَ مَكَانًا مَعْلُومًا مِنَ الْمَسْجِدِ لَا يُصَلِّي إِلَّا فِيهِ كَالْبَعِيرِ لَا يَأْوِي مِنْ عَطَنِهِ إِلَّا إِلَى مَبْرَكٍ دَمِثٍ قَدْ أَوْطَنَهُ وَاتَّخَذَهُ مَنَاخًا لَا يَبْرُكُ إِلَّا فِيهِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَبْرُكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ إِذَا أَرَادَ السُّجُودَ بَرْكَ الْبَعِيرِ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَوْطَنَهُ وَأَنْ لَا يَهْوِيَ فِي سُجُودِهِ فَيُثْنِي رُكْبَتَيْهِ حَتَّى يَضَعَهَا بِالْأَرْضِ عَلَى سُكُونٍ وَمَهَلٍ

قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ

قُلْتُ الْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ ها هنا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِهِ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لِمَا اخْتُصَّ النَّهْيُ بِالْمَكَانِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمَّا ذُكِرَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ بن حَجَرٍ وَحِكْمَتُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى الشُّهْرَةِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالتَّقَيُّدِ بِالْعَادَاتِ وَالْحُظُوظِ وَالشَّهَوَاتِ وَكُلُّ هَذِهِ آفَاتٌ أَيُّ آفَاتٍ فَتَعَيَّنَ الْبُعْدُ عَمَّا أَدَّى إِلَيْهَا مَا أَمْكَنَ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ

[863]

(عَنْ سَالِمٍ الْبَرَّادِ) هُوَ أَبُو عَبْدِ الله الكوفي عن بن مَسْعُودٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ وَعَنْهُ عَطَاءُ بْنُ

ص: 73

السائب وإسماعيل بن أبي خالد وثقه بن مَعِينٍ وَغَيْرُهُ (فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَهْلِ التَّطْبِيقِ (وَجَعَلَ أَصَابِعَهُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ) الْمَعْنَى أَنَّهُ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَأَصَابِعَهُ أَسْفَلَ مِنْهُمَا وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَضَعَ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَجَعَلَ أَصَابِعَهُ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ (وَجَافَى بَيْنَ مِرْفَقَيْهِ) أَيْ بَاعَدَهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ وَهُوَ مِنَ الْجَفَاءِ وَهُوَ الْبُعْدُ عَنِ الشَّيْءِ (فَصَلَّى صَلَاتَهُ) أَيْ أَتَمَّهَا وَفَرَغَ مِنْهَا

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله

فَصْل فِي سِيَاق صَلَاة رَسُول اللَّه

صلى الله عليه وسلم وَبَيَان اِتِّفَاق الْأَحَادِيث فِيهَا وَغَلَط مَنْ ظَنَّ أَنَّ التَّخْفِيف الْوَارِد فِيهَا هُوَ التَّخْفِيف الَّذِي اِعْتَادَهُ سُرَّاق الصَّلَاة وَالنَّقَّارُونَ لَهَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ رَمَقْت الصَّلَاة مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْت قِيَامه فَرَكْعَته فَاعْتِدَاله بَعْد رُكُوعه فَسَجْدَته فَجَلْسَته بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَسَجْدَته فَجَلْسَته مَا بَيْن التَّسْلِيم وَالِانْصِرَاف قَرِيبًا مِنْ السَّوَاء لَفْظ مُسْلِمٍ

وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ غَلَبَ عَلَى الكوفة رجل قد سماه زمن بن الْأَشْعَثِ فَأَمَرَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَكَانَ يُصَلِّي فَإِذَا رَفَعَ رأسه من الركوع قلم قَدْر مَا أَقُول اللَّهُمَّ رَبّنَا لَك الْحَمْد مِلْء السَّمَاوَات وَمِلْء الْأَرْض وَمِلْء مَا شِئْت من شيء بعد أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت وَلَا يَنْفَع ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ قَالَ الْحَكَمُ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فَقَالَ سَمِعْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُول كَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَرُكُوعه وَإِذَا رَفَعَ رَأْسه مِنْ الرُّكُوع وَسُجُوده وَمَا بَيْن السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاء

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيث وَقَالَ فِيهِ مَا خَلَا الْقِيَام وَالْقُعُود قَرِيبًا مِنْ السَّوَاء

وَلَا شَكَّ أَنَّ قِيَام الْقِرَاءَة وَقُعُود التَّشَهُّد يَزِيدَانِ فِي الطُّول عَلَى بَقِيَّة الْأَرْكَان

وَلَمَّا كَانَ صلى الله عليه وسلم يُوجِز الْقِيَام وَيَسْتَوْفِي بقية الأركان

ص: 74

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

صَارَتْ صَلَاته قَرِيبًا مِنْ السَّوَاء

فَكُلّ وَاحِدَة مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ تُصَدِّق الْأُخْرَى

وَالْبَرَاءُ تَارَة قَرَّبَ وَلَمْ يُحَدِّد فَلَمْ يَذْكُر الْقِيَام وَالْقُعُود وَتَارَة اِسْتَثْنَى وَحَدَّدَ فَاحْتَاجَ إِلَى ذِكْر الْقِيَام وَالْقُعُود وَقَدْ غَلَط بَعْضهمْ حَيْثُ فَهِمَ مِنْ اِسْتِثْنَاء الْقِيَام وَالْقُعُود أَنَّهُ اِسْتَثْنَى الْقِيَام مِنْ الرُّكُوع وَالْقُعُود بَيْن السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ يَخْفِضهُمَا فَلَمْ يَكُونَا قَرِيبًا مِنْ بَقِيَّة الْأَرْكَان

فَإِنَّهُمَا رُكْنَانِ قَصِيرَانِ

وَهَذَا مِنْ سُوء الْفَهْم فَإِنَّ سِيَاق الْحَدِيث يُبْطِلهُ فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ هَذَيْنَ الرُّكْنَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا فَكَيْف يَذْكُرهُمَا مَعَ بَقِيَّة الْأَرْكَان

وَيُخْبِر عنهما بأنهما مساويان لها ثم يستثنيهما مِنْهَا وَهَلْ هَذَا إِلَّا بِمَنْزِلَةِ قَوْل الْقَائِل قَامَ زَيْد وَعَمْرٌو وَبَكْرٌ وَخَالِدٌ إِلَّا زَيْدًا وَعَمْرًا وَقَدْ ثَبَتَ تَطْوِيل هَذَيْنَ الرُّكْنَيْنِ عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم فِي عَدّه أَحَادِيث صَحِيحَة صَرِيحَة أَحَدهَا هَذَا وَقَدْ اِسْتَدَلَّ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ عَلَى إِصَابَة أَبِي عُبَيْدَةَ فِي تَطْوِيله رُكْن الِاعْتِدَال مِنْ الرُّكُوع بِقَوْلِهِ كَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وركوعه وإذا رفع رأسه وَسُجُوده وَمَا بَيْن السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاء

وَلَوْ كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّف هَذَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لَأَنْكَرَ الْبَرَاء صَلَاة أَبِي عُبَيْدَةَ وَلَمْ يَرْوِ عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَا يَتَضَمَّن تَصْوِيبه

وَمِنْهَا ما رواه مسلم في صحيحه من حديث حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا صَلَّيْت خَلْف أَحَد أَوْجَز صَلَاة مِنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي تَمَام كَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مُتَقَارِبَة وَكَانَتْ صَلَاة أَبِي بَكْرٍ مُتَقَارِبَة فَلَمَّا كَانَ عُمَر مَدَّ فِي صَلَاة الْفَجْر

وَكَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ قَامَ حَتَّى نَقُول قَدْ أَوْهَمَ ثُمَّ يَسْجُد وَيَقْعُد بَيْن السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نَقُول قَدْ أَوْهَمَ

رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظ

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا صَلَّيْت خَلْف رَجُل أَوْجَز صَلَاة مِنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي تَمَامٍ وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قَالَ سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ قَامَ حَتَّى نَقُول قَدْ أَوْهَمَ ثُمَّ يُكَبِّر ثُمَّ يَسْجُد وَكَانَ يَقْعُد بَيْن السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نَقُول قَدْ أَوْهَمَ فَجَمَعَ أَنَسٌ رضي الله عنه فِي هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح بَيْن الْإِخْبَار عَنْ إِيجَاز رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَإِتْمَامهَا وَأَنَّ مِنْ إِتْمَامهَا إِطَالَة الِاعْتِدَالَيْنِ جِدًّا كَمَا أَخْبَرَ بِهِ

وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَا رَأَى أَوْجَزَ صَلَاة مِنْهَا وَلَا أَتَمّ فَيُشْبِه وَاللَّهُ أَعْلَم أَنْ يَكُون الْإِيجَاز عَادَ إِلَى الْقِيَام والإتمام إلى الركوع والسجود وركني الأعتدال فهذا تَصِير الصَّلَاة تَامَّة مُوجَزَة فَيَصْدُق قَوْله مَا رَأَيْت أَوْجَزَ مِنْهَا وَلَا أَتَمّ وَيُطَابِق هَذَا حَدِيث الْبَرَاءِ الْمُتَقَدِّم وَأَحَادِيث أَنَسٍ كُلّهَا تَدُلّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُطِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالِاعْتِدَالَيْنِ زِيَادَة عَلَى ما يفعله أَكْثَر الْأَئِمَّة وَيَعْتَادُونَهُ

وَرِوَايَات الصَّحِيحَيْنِ تَدُلّ عَلَى ذَلِكَ

فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ إِنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّي بِكَمْ كَمَا كَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا

قال ثابت فكان أَنَسٌ يَصْنَع شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوع اِنْتَصَبَ قَائِمًا حَتَّى يَقُول الْقَائِل قَدْ نَسِيَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسه فِي السَّجْدَة مَكَثَ حَتَّى يَقُول الْقَائِل قَدْ نَسِيَ

وَفِي لَفْظ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسه بَيْن السَّجْدَتَيْنِ

وَفِي رِوَايَة

ص: 75

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيث شُعْبَةَ عَنْ ثَابِتٍ كَانَ أَنَسٌ يَنْعَت لَنَا صَلَاة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يُصَلِّي

وَإِذَا رَفَعَ رَأْسه مِنْ الرُّكُوع قَامَ حَتَّى نَقُول قَدْ نسي وهذا يبين أن إطالة ركني الاعتدالين مِمَّا ضُيِّعَ مِنْ عَهْدِ ثَابِتٍ

وَلِهَذَا قَالَ فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَع شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَفْعَلُونَهُ وَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَم مِمَّا أَنْكَرَهُ أَنَسٌ مِمَّا أَحْدَثَ النَّاس فِي الصَّلَاة حَيْثُ قَالَ مَا أَعْلَم شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم

قِيلَ وَلَا الصلاة قال أو ليس قَدْ أَحْدَثْتُمْ فِيهَا مَا أَحْدَثْتُمْ فَقَوْل ثَابِتٍ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ كَفِعْلِ أَنَسٍ وَقَوْل أَنَسٍ إِنَّكُمْ قَدْ أَحْدَثْتُمْ فِيهَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ تَقْصِير هَذَيْنَ الرُّكْنَيْنِ هُوَ مِمَّا أُحْدِثَ فِيهَا وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ السُّنَّة إِطَالَتهمَا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَقَرَأَ الْبَقَرَة وَالنِّسَاء وَآل عِمْرَانَ وَرَكَعَ نَحْوًا مِنْ قِيَامه وَرَفَعَ نَحْوًا مِنْ رُكُوعه وَسَجَدَ نَحْوًا مِنْ قِيَامه وَجَلَسَ نَحْوًا مِنْ سُجُوده مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوع قَالَ اللَّهُمَّ رَبّنَا لَك الْحَمْد مِلْء السَّمَاوَات وَمِلْء الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شيء بعد أهل الثناء والمجد

لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت

ولا ينفع ذا الجد منك الجد

وفي صحيح مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسه مِنْ الرُّكُوع قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ ملء السماوات وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثَّنَاء وَالْمَجْد أَحَقّ مَا قَالَ الْعَبْد وَكُلّنَا لَك عَبْدٌ لَا مَانِع لِمَا أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد مِنْك الْجَدُّ وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ نَحْوه مِنْ حَدِيث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى

وَزَادَ بَعْد قَوْله وَمِلْء مَا شِئْت مِنْ شَيْء بَعْد اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَد وَالْمَاء الْبَارِد اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ الذُّنُوب وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْوَسَخ فَهَذِهِ الْأَذْكَار وَالدَّعَوَات وَنَحْوهَا وَاللَّهُ أَعْلَم مِنْ الَّتِي كَانَ يَقُولهَا فِي حَدِيث أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَمْكُث بَعْدَ الرُّكُوعِ حَتَّى يَقُولُوا قَدْ أَوْهَمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلّ سُكُوتٍ فَجَاءَ الذِّكْر مُفَسِّرًا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُول مَا صَلَّيْت وَرَاء أَحَد بَعْد رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَشْبَهَ صَلَاة بِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا الْفَتَى يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فَحَزَرْنَا فِي رُكُوعه عَشْر تَسْبِيحَات وَفِي سُجُوده عَشْر تَسْبِيحَات وَإِسْنَاده ثِقَات

وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَزَعَةَ قَالَ أَتَيْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَهُوَ مَكْثُور عَلَيْهِ فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاس عَنْهُ قُلْت إِنِّي لَا أَسْأَلك عَمَّا يَسْأَلك هَؤُلَاءِ عَنْهُ أَسْأَلك عَنْ صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك فِي ذَلِكَ مِنْ خَيْر فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ كَانَتْ صَلَاة الظُّهْرِ تُقَام فَيَنْطَلِق أَحَدنَا إِلَى الْبَقِيع فَيَقْضِي حَاجَته ثُمَّ يَأْتِي أَهْله فَيَتَوَضَّأ ثُمَّ يَرْجِع إِلَى الْمَسْجِد وَرَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي الرَّكْعَة الْأُولَى وَفِي رِوَايَة مِمَّا يُطَوِّلهَا وَفِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَأَى أَنَّ صَلَاة النَّاس فِي زَمَانه أَنْقَص مِمَّا كَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَفْعَلهَا

وَلِهَذَا قال للسائل مالك فِي ذَلِكَ مِنْ خَيْر

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأ فِي الْفَجْر بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَة وَمِنْ الْمُتَيَقَّن أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَكُنْ

ص: 76

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قِرَاءَته فِي الصَّلَاة هَذًّا

بَلْ تَرْتِيلًا بِتَدْبِيرٍ وَتَأَنٍّ

وَرَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الْمَغْرِب بِسُورَةِ الْأَعْرَاف فَرَّقَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَصْله فِي الصَّحِيح أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الْمَغْرِب بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ يُرِيد الْأَعْرَاف كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي رِوَايَة النَّسَائِيُّ

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأ فِي الْمَغْرِب بِالطُّورِ

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ بن عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّهَا سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأ وَالْمُرْسَلَات عُرْفًا فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ لَقَدْ ذَكَّرْتنِي بِقِرَاءَتِك هَذِهِ السُّورَة إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقْرَأ بِهَا فِي الْمَغْرِب

وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْل غَيْر مَنْسُوخ لِأَنَّهُ كَانَ فِي آخِر حَيَاته صلى الله عليه وسلم

وَقَدْ رَوَى الْإِمَام أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ شَكَا أَصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَشَقَّة السُّجُود عَلَيْهِمْ فَقَالَ استعينوا بالركب قال بن عَجْلَانَ هُوَ أَنْ يَضَع مَرْفِقَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ إِذَا طَالَهُ السُّجُود وَأَعْيَا

وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُطِيل السُّجُود بِحَيْثُ يَحْتَاج الصَّحَابَة إِلَى الِاعْتِمَاد عَلَى رُكَبهمْ وَهَذَا لَا يَكُون مَعَ قِصَر السُّجُود

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنِّي لَأَقُوم فِي الصَّلَاة وَأَنَا أُرِيد أَنْ أُطَوِّل فِيهَا فَأَسْمَع بُكَاء الصَّبِيّ فَأَتَجَوَّز فِيهَا مَخَافَة أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمّه وأما ما رواه مسلم في صحيحه من حَدِيث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأ فِي الْفَجْر بقاف وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وَكَانَتْ صَلَاته بَعْدُ تَخْفِيفًا فَالْمُرَاد بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَم أَنَّ صَلَاته كَانَتْ بَعْد الْفَجْر تَخْفِيفًا يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يُطِيل قِرَاءَة الْفَجْر وَيُخَفِّف قِرَاءَة بَقِيَّة الصَّلَوَات لِوَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى فِي صَحِيحه عَنْ سَمَّاكَ بْنِ حَرْبٍ قَالَ سَأَلْت جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ عَنْ صَلَاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كَانَ يُخَفِّف الصَّلَاة وَلَا يُصَلِّي صَلَاة هَؤُلَاءِ قَالَ وَأَنْبَأَنِي أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأ فِي الْفَجْر بقاف وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وَنَحْوِهَا فَجَمَعَ بَيْن وَصْف صَلَاةِ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بِالتَّخْفِيفِ وَأَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ فِي الْفَجْر بقاف

الثَّانِي أَنَّ سَائِر الصَّحَابَة اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الَّتِي مَا زَالَ يُصَلِّيهَا

وَلَمْ يَذْكُر أَحَد أَنَّهُ نَقَصَ فِي آخِر أَمْره مِنْ الصَّلَاة وَقَدْ أَخْبَرَتْ أُمُّ الْفَضْلِ عَنْ قِرَاءَته فِي الْمَغْرِب بِالْمُرْسَلَاتِ فِي آخِر الْأَمْر وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاء أَنَّ السُّنَّةَ فِي صَلَاة الْفَجْرِ أَنْ يَقْرَأ بِطِوَالِ الْمُفَصَّل

وَأَمَّا قَوْله وَلَا يُصَلِّي صَلَاة هَؤُلَاءِ فَيَحْتَمِل أَمْرَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْذِف كَحَذْفِهِمْ بَلْ يُتِمّ الصَّلَاة وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُطِيل الْقِرَاءَة إِطَالَتهمْ

وَفِي مُسْنَد أَحْمَدَ وَسُنَن النَّسَائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إِنْ كَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لَيَأْمُرنَا بِالتَّخْفِيفِ وَإِنْ كَانَ لَيَؤُمُّنَا بِالصَّافَّاتِ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَصْحَابه أَنْ يُصَلُّوا مِثْل صَلَاته وَلِهَذَا صَلَّى عَلَى الْمِنْبَر وَقَالَ إِنَّمَا فَعَلْت هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَصَاحِبه صَلُّوا كَمَا

ص: 77

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا مِنْ فِعْلٍ فِي الْغَالِب إِلَّا وَيُسَمَّى خَفِيفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَطْوَل مِنْهُ وَطَوِيلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَخَفّ مِنْهُ فَلَا يُمْكِن تَحْدِيد التَّخْفِيف الْمَأْمُور بِهِ فِي الصَّلَاة بِاللُّغَةِ وَلَا بِالْعُرْفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَادَة فِي الْعُرْف كَالْقَبْضِ وَالْحَزْر وَالْإِحْيَاء وَالِاصْطِيَاد حَتَّى يُرْجَع فِيهِ إِلَيْهِ بَلْ هُوَ مِنْ الْعِبَادَات الَّتِي يُرْجَع فِي صِفَاتهَا وَمَقَادِيرهَا إِلَى الشَّارِع كَمَا يُرْجَع إِلَيْهِ فِي أَصْلهَا وَلَوْ جَازَ الرُّجُوع فِيهِ إِلَى الْعُرْف لَاخْتَلَفَتْ الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة اِخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا لَا يَنْضَبِط وَلَكَانَ لِكُلِّ أَهْل عَصْرٍ وَمِصْرٍ بَلْ لِأَهْلِ الدَّرْب وَالسِّكَّة وَكُلّ مَحَلّ لِكُلِّ طَائِفَة غَرَض وَعُرْف وَإِرَادَة فِي مِقْدَار الصَّلَاة يُخَالِف عُرْف غَيْرهمْ وَهَذَا يُفْضِي إِلَى تَغْيِير الشَّرِيعَة وَجَعْل السُّنَّةِ تَابِعَة لِأَهْوَاءِ النَّاس فَلَا يُرْجَع فِي التَّخْفِيف الْمَأْمُور بِهِ إِلَّا إِلَى فِعْله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ يصلي وراء الضَّعِيف وَالْكَبِير وَذُو الْحَاجَة وَقَدْ أَمَرَنَا بِالتَّخْفِيفِ لِأَجْلِهِمْ فَاَلَّذِي كَانَ يَفْعَلهُ هُوَ التَّخْفِيف إِذْ مِنْ الْمُحَال أَنْ يَأْمُر بِأَمْرٍ وَيُعَلِّلهُ بِعِلَّةٍ ثُمَّ يَفْعَل خِلَافه مَعَ وُجُود تَلِك الْعِلَّةِ إِلَّا أَنْ يَكُون مَنْسُوخًا

وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِنَّ طُول صَلَاة الرَّجُل وَقِصَر خُطْبَته مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهه فَأَطِيلُوا الصَّلَاة وَاقْصَرُوا الْخُطْبَة وَإِنَّ مِنْ الْبَيَان سِحْرًا

فَجَعَلَ طُول الصَّلَاة عَلَامَة عَلَى فِقْه الرَّجُل وَأَمَرَ بِإِطَالَتِهَا وَهَذَا الْأَمْر إِمَّا أَنْ يَكُون عَامًّا فِي جَمِيع الصَّلَوَات وَإِمَّا أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ صَلَاة الْجُمْعَة فَإِنْ كَانَ عَامًّا فَظَاهِر وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِالْجُمْعَةِ مَعَ كَوْن الْجَمْع فِيهَا يَكُون عَظِيمًا وَفِيهِ الضَّعِيف وَالْكَبِير وَذُو الْحَاجَة وَتُفْعَل فِي شِدَّة الْحَرّ وَيَتَقَدَّمهَا خُطْبَتَانِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَمَرَ بِإِطَالَتِهَا فَمَا الظَّنّ بِالْفَجْرِ وَنَحْوهَا الَّتِي تُفْعَل وَقْت الْبَرْد وَالرَّاحَةِ مَعَ قِلَّة الْجَمْع وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنه أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الْفَجْر بِالرُّومِ وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذَا دَحَضَتْ الشَّمْس صَلَّى الظُّهْر وَقَرَأَ بِنَحْوٍ مِنْ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالْعَصْرِ كَذَلِكَ وَالصَّلَوَات كُلّهَا كَذَلِكَ إِلَّا الصُّبْح فَإِنَّهُ كَانَ يُطِيلهَا وَقَدْ رَوَى الْإِمَام أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْط مُسْلِمٍ عَنْ سُلَيْمَان بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا صَلَّيْت وَرَاء أَحَد أَشْبَهَ صَلَاة بِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنْ فُلَان قَالَ سُلَيْمَانُ كَانَ يُطِيل الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف الْأُخْرَيَيْنِ وَيُخَفِّف الْعَصْر وَيَقْرَأ فِي الْمَغْرِب بِقِصَارِ الْمُفَصَّل وَيَقْرَأ فِي الْعِشَاء بِوَسَطِ الْمُفَصَّل وَيَقْرَأ فِي الصُّبْح بِطِوَالِ الْمُفَصَّل وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ كَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الصُّبْح فَيَنْصَرِف الرَّجُل فَيَعْرِف جَلِيسه وَكَانَ يَقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْن السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَة لَفْظ الْبُخَارِيِّ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَمْرَيْنِ شِدَّة التَّغْلِيس بِهَا وَإِطَالَتهَا

فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْأَحَادِيث مُعَارَض بِمَا يَدُلّ عَلَى نَقْضِهِ وَأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ التَّخْفِيف فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سننه من حديث بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي العمياء أن سهل بن أبي أمامة حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَأَبُوهُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ أَمِير

ص: 78

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

الْمَدِينَة فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي صَلَاة خَفِيفَة كَأَنَّهَا صَلَاة مُسَافِر أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ يَرْحَمك اللَّه أَرَأَيْت هَذِهِ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة أم شيء تنقله قَالَ إِنَّهَا لَلْمَكْتُوبَة وَإِنَّهَا لَصَلَاة رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ فَيُشْدَدْ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ فَتَلِك بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِع وَالدِّيَار

رَهْبَانِيَّة اِبْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ وَسَهْلُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْره

وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَفِي الصحيحين عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكلمها وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ مَا صَلَّيْت وَرَاء إِمَامٍ قَطّ أَخَفّ صَلَاة وَلَا أَتَمّ مِنْ صَلَاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم زَادَ الْبُخَارِيُّ وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَع بُكَاء الصَّبِيّ فَيُخَفِّف مَخَافَة أَنْ تُفْتَتَن أُمّه وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ عَنْ رَجُل مِنْ جُهَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأ فِي الصُّبْح {إِذَا زُلْزِلَتْ} فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَمْ عَمْدًا فَعَلَ ذَلِكَ وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك

وفي سنن بن ماجه عن بن عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأ فِي الْمَغْرِب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

وَفِي سنن بن مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ كَأَنِّي أَسْمَعُ صَوْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقْرَأ فِي صَلَاة اِلْغَدَاهُ {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}

وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقْرَأ فِي الظُّهْر وَالْعَصْر بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَشِبْههمَا

وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفي العصر نَحْو ذَلِكَ وَفِي الصُّبْح أَطْوَل مِنْ ذَلِكَ

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الْعِشَاء بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فِي السَّفَرِ وَفِي بَعْض السُّنَن عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصُّبْح بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لِمُعَاذٍ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ هَلَّا صَلَّيْت بِسَبْحِ اِسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيم وَالْكَبِير وَإِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ لِنَفْسِهِ فليطول ما شاء ورواه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ

وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَسْمَع بُكَاء الصَّبِيِّ مَعَ أُمّه وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَيَقْرَأ بِالسُّورَةِ الْخَفِيفَة أَوْ بِالسُّورَةِ الْقَصِيرَة

فَالْجَوَاب أَنَّهُ لَا تَعَارُض بِحَمْدِ اللَّه بَيْن هَذِهِ الْأَحَادِيث بَلْ هِيَ أَحَادِيث يُصَدِّق بَعْضهَا بَعْضًا

ص: 79

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَأَنَّ مَا وَصَفَهُ أَنَسٌ مِنْ تَخْفِيف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صَلَاته هُوَ مَقْرُون بِوَصْفِهِ إِيَّاهَا بِالتَّمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الَّذِي وَصَفَ تَطْوِيله رُكْنَيْ الِاعْتِدَال حَتَّى كَانُوا يَقُولُونَ قَدْ أَوْهَمَ وَوَصَفَ صَلَاة عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِأَنَّهَا تُشْبِه صَلَاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهُمْ قَدَّرُوهَا بِعَشْرِ تَسْبِيحَات وَالتَّخْفِيف الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَنَسٌ هُوَ تَخْفِيف الْقِيَام مَعَ تَطْوِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ الْعَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فقال صليتم قلنا نعم قال ياجارية هَلُمِّي لَنَا وُضُوءًا

مَا صَلَّيْت وَرَاء إِمَام أَشْبَهَ بِصَلَاةِ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنْ إِمَامكُمْ هَذَا قَالَ زَيْدٌ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُتِمّ الرُّكُوع وَالسُّجُود وَيُخَفِّف الْقِيَام وَالْقُعُود وَهَذَا حَدِيث صَحِيح فَإِنَّ العطاف بن خالد المخزومي وثقه بن مَعِينٍ وَقَالَ أَحْمَدُ ثِقَة صَحِيح الْحَدِيث

وَقَدْ جَاءَ هَذَا صَرِيحًا فِي حَدِيث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لَمَّا صَلَّى خَلْف عَلِيٍّ بِالْبَصْرَةِ قَالَ لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مُعْتَدِلَة كَانَ يُخَفِّف الْقِيَام وَالْقُعُود وَيُطِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل أَنَسٍ كَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مُتَقَارِبَة وَحَدِيث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ قِيَامه صلى الله عليه وسلم وَرُكُوعه وَسُجُوده كَانَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاء

فَهَذِهِ الْأَحَادِيث كُلّهَا تَدُلّ عَلَى مَعْنَى وَاحِد وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ يُطِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَيُخَفِّف الْقِيَام

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا كَانَ يَفْعَلهُ بَعْض الْأُمَرَاء الَّذِينَ أَنْكَرَ الصَّحَابَة صَلَاتهمْ مِنْ إِطَالَة الْقِيَام عَلَى مَا كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلهُ غَالِبًا وَتَخْفِيف الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالِاعْتِدَالَيْنِ

وَلِهَذَا أَنْكَرَ ثَابِتٌ عَلَيْهِمْ تَخْفِيف الِاعْتِدَالَيْنِ وَقَالَ كَانَ أَنَسٌ يَصْنَع شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ وحديث بن أَبِي الْعَمْيَاءِ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ صَلَاة أَنَسٍ كَانَتْ خَفِيفَة وَأَنَسٌ فَقَدْ وَصَفَ خِفَّة صَلَاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهَا أَشْبَهَ شَيْء بِصَلَاةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ تَطْوِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالِاعْتِدَالَيْنِ وَأَحَادِيثه لَا تَتَنَاقَض وَالتَّخْفِيف أَمْر نِسْبِيّ إِضَافِيّ فَعَشْر تَسْبِيحَات وَعِشْرُونَ آيَة أَخَفّ مِنْ مِائَة تَسْبِيحَة وَمِائَتَيْ آيَة فَأَيّ مُعَارَضَة فِي هَذَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة

وَأَمَّا تَخْفِيف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عِنْد بُكَاء الصَّبِيّ فَلَا يُعَارِض مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ صِفَة صَلَاته بَلْ قَدْ قَالَ فِي الْحَدِيث نَفْسه إِنِّي أَدْخُل فِي الصَّلَاة وَأَنَا أُرِيد أَنْ أَطْلِيهَا فَأَسْمَع بُكَاء الصَّبِيّ فَأَتَجَوَّز

فَهَذَا تَخْفِيف لِعَارِضٍ وَهُوَ مِنْ السُّنَّة كَمَا يُخَفِّف صَلَاة السَّفَر وَصَلَاة الْخَوْف وَكُلّ مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ التَّخْفِيف فَهُوَ لِعَارِضٍ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ فِي السَّفَر فِي الْعِشَاء بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَكَذَلِكَ قِرَاءَته فِي الصُّبْحِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي السَّفَر وَلِذَلِكَ رَفَعَ اللَّه تَعَالَى الْجَنَاح عَنْ الْأُمَّة فِي قَصْر الصَّلَاة فِي السَّفَر وَالْخَوْف وَالْقَصْر قَصْرَانِ قَصْر الْأَرْكَان وَقَصْر الْعَدَد فَإِنْ اِجْتَمَعَ السَّفَر وَالْخَوْف اِجْتَمَعَ الْقَصْرَانِ وَإِنْ اِنْفَرَدَ السَّفَر وَحْده شُرِعَ قَصْر الْعَدَد وَإِنْ اِنْفَرَدَ الْخَوْف وَحْده شُرِعَ قَصْر الْأَرْكَان

وَبِهَذَا يُعْلَم سِرّ تَقْيِيد الْقَصْر الْمُطْلَق فِي الْقُرْآن بِالْخَوْفِ وَالسَّفَر فَإِنَّ الْقَصْر الْمُطْلَق الَّذِي يَتَنَاوَل الْقَصْرَيْنِ إِنَّمَا يُشْرَعُ عِنْد الْخَوْف وَالسَّفَر

فَإِنْ اِنْفَرَدَ أَحَدهمَا بَقِيَ مُطْلَق الْقَصْر إِمَّا فِي العدد وإما

ص: 80

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

فِي الْقَدْر وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَفَّفَ الصَّلَاة لَا لِعُذْرٍ كَانَ فِي ذَلِكَ بَيَان الْجَوَاز وَإِنَّ الِاقْتِصَار عَلَى ذَلِكَ لِلْعُذْرِ وَنَحْوه يَكْفِي فِي أَدَاء الْوَاجِب

فَإِمَّا أَنْ يَكُون هُوَ السُّنَّةُ وَغَيْره مَكْرُوه مَعَ أَنَّهُ فِعْل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي أَغْلِب أَوْقَاته فَحَاشَى وَكَلَّا وَلِهَذَا رُوَاته عَنْهُ أَكْثَر مِنْ رُوَاة التَّخْفِيف وَاَلَّذِينَ رَوَوْا التَّخْفِيف رَوَوْهُ أَيْضًا فَلَا تُضْرَب سُنَنُ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بَعْضهَا ببعض بَلْ يُسْتَعْمَل كُلٌّ مِنْهَا فِي مَوْضِعه

وَتَخْفِيفه إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَاز وَتَطْوِيله لِبَيَانِ الْأَفْضَل وَقَدْ يَكُون تَخْفِيفه لِبَيَانِ الْأَفْضَل إِذَا عَرَضَ مَا يَقْتَضِي التَّخْفِيف فَيَكُون التَّخْفِيف فِي مَوْضِعه أَفْضَل وَالتَّطْوِيل فِي مَوْضِعه أَفْضَل فَفِي الْحَالَتَيْنِ مَا خَرَجَ عَنْ الْأَفْضَل وَهَذَا اللَّائِق بِحَالِهِ صلى الله عليه وسلم وَجَزَاهُ عَنَّا أَفْضَل مَا جزى نَبِيًّا عَنْ أُمَّته وَهُوَ اللَّائِق بِمَنْ اِقْتَدَى بِهِ وَائْتَمَّ بِهِ صلى الله عليه وسلم

وَأَمَّا حَدِيث مُعَاذٍ فَهُوَ الَّذِي فَتَنَ النَّقَّارِينَ وَسُرَّاق الصَّلَاة لِعَدَمِ عِلْمهمْ بِالْقِصَّةِ وَسِيَاقهَا فَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عِشَاء الْآخِرَة ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقِبَاءَ فَقَرَأَ بِهِمْ سُورَة الْبَقَرَة

هَكَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث حَابِرٍ أَنَّهُ اِسْتَفْتَحَ بِهِمْ بِسُورَةِ الْبَقَرَة فَانْفَرَدَ بعض الْقَوْم وَصَلَّى وَحْده فَقِيلَ نَافَقَ فُلَانٌ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا نَافَقْت وَلَآتِيَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يامعاذ هَلَّا صَلَّيْت بِسَبْحِ اِسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وضحاها والليل إذا يغشى

وهكذا نقول إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّي الْعِشَاء بِهَذِهِ السُّوَر وَأَمْثَالهَا

فَأَيُّ مُتَعَلَّقٍ فِي هَذَا لِلنَّقَّارِينَ وَسُرَّاق الصَّلَاة وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤَخِّر الْعِشَاء الْآخِرَةَ وَبُعْد مَا بَيْن بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَبَيْن الْمَسْجِدِ ثُمَّ طُول سُورَة الْبَقَرَةِ فَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَوْضِع الْإِنْكَار وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيث الْآخَر يَا أَيُّهَا النَّاسُ

إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ وَمَعْلُوم أَنَّ النَّاس لَمْ يَكُونُوا يَنْفِرُونَ مِنْ صَلَاة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَلَا مِمَّنْ يُصَلِّي بِقَدْرِ صَلَاته وَإِنَّمَا يَنْفِرُونَ مِمَّنْ يَزِيد فِي الطُّول عَلَى صَلَاته فَهَذَا الَّذِي يُنَفِّر

وَأَمَّا إِنْ قُدِّرَ نُفُور كَثِير مِمَّنْ لَا يَأْتُونَ الصَّلَاة إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَكَثِير مِنْ الْبَاطُولِيَّة الَّذِينَ يَعْتَادُونَ النَّقْر كَصَلَاةِ الْمُنَافِقِينَ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الصَّلَاة ذَوْق وَلَا لَهُمْ فِيهَا رَاحَة بَلْ يُصَلِّيهَا أَحَدهمْ اِسْتِرَاحَة مِنْهَا لَا بِهَا فَهَؤُلَاءِ لَا عِبْرَة بِنُفُورِهِمْ فَإِنَّ أَحَدهمْ يَقِف بَيْن يَدَيْ الْمَخْلُوق مُعْظَم الْيَوْم وَيَسْعَى فِي خِدْمَته أَعْظَم السَّعْي فَلَا يَشْكُو طُول ذَلِكَ وَلَا يَتَبَرَّم بِهِ فَإِذَا وَقَفَ بَيْن يَدَيْ رَبّه فِي خِدْمَته جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ الزَّمَان وَهُوَ أَقَلّ الْقَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُقُوفه فِي خِدْمَة الْمَخْلُوق اِسْتَثْقَلَ ذَلِكَ الْوُقُوف وَاسْتَطَالَ وَشَكَا مِنْهُ وَكَأَنَّهُ وَاقِف عَلَى الْجَمْر يَتَلَوَّى وَيَتَقَلَّى وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ كَرَاهَته لِخِدْمَةِ رَبّه وَالْوُقُوف بَيْن يَدَيْهِ فَاَللَّه تَعَالَى أَكْرَهُ لِهَذِهِ الْخِدْمَة مِنْهُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَان

ص: 81