المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة) - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ٣

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي نُقْصَانِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب تخفيف الصلاة)

- ‌(بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ)

- ‌(بَاب تَخْفِيفِ الْأُخْرَيَيْنِ بِتَحْتَانِيَّتَيْنِ تَثْنِيَةُ الْأُخْرَى)

- ‌(بَاب قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ)

- ‌(بَاب قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ)

- ‌(بَاب مَنْ رَأَى التَّخْفِيفَ فِيهَا)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يُعِيدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي الرَّكْعَتَيْنِ)

- ‌(بَاب الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ)

- ‌(بَابُ مَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاتِهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)

- ‌(بَاب مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ إِذَا لَمْ يَجْهَرْ)

- ‌(بَاب مَا يُجْزِئُ الْأُمِّيَّ وَالْأَعْجَمِيَّ مِنْ الْقِرَاءَةِ)

- ‌(بَاب تَمَامِ التَّكْبِيرِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ)

- ‌(بَاب النُّهُوضِ فِي الْفَرْدِ)

- ‌(باب الإقعاء بين السجدتين)

- ‌(بَاب مَا يَقُولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ)

- ‌(بَاب الدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ)

- ‌(باب رفع النساء إذا كن مع الإمام رؤوسهن مِنْ السَّجْدَةِ)

- ‌(بَاب طُولِ الْقِيَامِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ)

- ‌(بَاب صَلَاةِ مَنْ لَا يُقِيمُ صلبه في الركوع والسجود)

- ‌(بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُتِمُّهَا صَاحِبُهَا تُتَمُّ مِنْ تَطَوُّعِهِ)

- ‌كتاب الركوع والسجود

- ‌(بَاب تَفْرِيعِ أَبْوَابِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ووَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ)

- ‌(بَاب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ فِي ركوعه وسجوده)

- ‌(باب الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(بَاب الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب مِقْدَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

- ‌(باب الرَّجُلِ يُدْرِكُ الْإِمَامَ سَاجِدًا كَيْفَ يَصْنَعُ)

- ‌(بَاب أَعْضَاءِ السُّجُودِ)

- ‌(بَاب السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ)

- ‌(بَاب صِفَةِ السُّجُودِ)

- ‌(بَاب الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ أَيْ فِي تَرْكِ التَّفْرِيجِ)

- ‌(هَذَا الْوَجْهِ مُرْسَلًا وَكَأَنَّهُ أَصَحُّ)

- ‌(بَاب الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب كَرَاهِيَةِ الْوَسْوَسَةِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ التَّلْقِينِ)

- ‌(بَاب الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ)

- ‌(بَاب النَّظَرِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ [916] يَعْنِي الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ أَوِ النَّظَرَ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب التَّأْمِينِ وَرَاءَ الْإِمَامِ)

- ‌(بَاب التَّصْفِيقِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(باب مسح الحصا فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يُصَلِّي مُخْتَصِرًا)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يَعْتَمِدُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَصًا)

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ الْجُلُوسُ فِي التَّشَهُّدِ)

- ‌(بَاب مَنْ ذَكَرَ التَّوَرُّكَ فِي الرَّابِعَةِ)

- ‌(بَاب التَّشَهُّدِ)

- ‌(باب الصلاة على النبي بَعْدَ التَّشَهُّدِ)

- ‌(بَاب مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ)

- ‌(بَاب إِخْفَاءِ التَّشَهُّدِ)

- ‌(بَاب الْإِشَارَةِ فِي التَّشَهُّدِ)

- ‌(بَاب كَرَاهِيَةِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب فِي تَخْفِيفِ الْقُعُودِ)

- ‌(بَاب فِي السَّلَامِ)

- ‌(بَاب الرَّدِّ على الإمام)

- ‌(بَاب التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ)

- ‌(باب حذف السلام)

- ‌(باب إذا أحدث في صلاته)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَتَطَوَّعُ فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ)

- ‌(بَاب السَّهْوِ فِي السَّجْدَتَيْنِ)

- ‌(بَاب إِذَا صَلَّى خَمْسًا)

- ‌(بَاب إِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ)

- ‌(بَاب مَنْ قَالَ يُتِمُّ عَلَى أَكْثَرِ ظَنِّهِ)

- ‌(باب من قال يسجد بعد التسليم)

- ‌(بَاب مَنْ قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ)

- ‌(باب من نسي أن يتشهد وهو جالس يَسْجُدْ سَجْدَتَيِ)

- ‌(بَابٌ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ)

- ‌(بَاب انْصِرَافِ النِّسَاءِ قَبْلَ الرِّجَالِ مِنْ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ الِانْصِرَافُ مِنْ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب صَلَاةِ الرَّجُلِ التَّطَوُّعَ فِي بَيْتِهِ)

- ‌(بَاب مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ)

- ‌باب تَفْرِيعِ أَبْوَابِ الْجُمُعَةِ

- ‌(بَاب فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةِ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب الْإِجَابَةِ أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب فَضْلِ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب التَّشْدِيدِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب كَفَّارَةِ مَنْ تَرَكَهَا)

- ‌(بَاب مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ)

- ‌(بَاب الْجُمُعَةِ فِي الْيَوْمِ الْمَطِيرِ)

- ‌(بَاب التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الليلة الباردة)

- ‌(بَاب الْجُمُعَةِ لِلْمَمْلُوكِ وَالْمَرْأَةِ)

- ‌(بَاب الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى)

- ‌(باب إذا وافق يوم الجمعة)

- ‌(بَاب مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب اللُّبْسِ لِلْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب التَّحَلُّقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ)

- ‌(باب اتخاذ المنبر)

- ‌(بَابُ مَوْضِعِ الْمِنْبَرِ [1082] أَيْنَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ)

- ‌(باب الصلاة [1083] مِنَ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ تَجُوزُ)

- ‌(باب وَقْتِ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب الْإِمَامِ يُكَلِّمُ الرَّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ)

- ‌(بَاب الْجُلُوسِ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ)

- ‌(بَاب الْخُطْبَةِ قَائِمًا)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يَخْطُبُ عَلَى قَوْسٍ)

- ‌(بَاب رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْمِنْبَرِ [1104] مَا حُكْمُهُ)

- ‌(بَاب إِقْصَارِ الْخُطَبِ)

- ‌(بَاب الدُّنُوِّ مِنْ الْإِمَامِ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ)

- ‌(بَاب الْإِمَامِ يَقْطَعُ الْخُطْبَةَ لِلْأَمْرِ يَحْدُثُ)

- ‌(بَاب الِاحْتِبَاءِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)

- ‌(بَاب الْكَلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)

- ‌(بَاب استئذان المحدث للإمام)

- ‌(بَاب إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)

- ‌(بَاب تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يَنْعَسُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)

- ‌(باب الإمام يتكلم بعد ما يَنْزِلُ مِنْ الْمِنْبَرِ)

- ‌(بَاب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً)

- ‌(باب ما يقرأ فِي الْجُمُعَةِ)

- ‌(بَابُ الرَّجُلِ يَأْتَمُّ [1126] مِنَ الِائْتِمَامِ أَيْ يَقْتَدِي (بِالْإِمَامِ وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ))

- ‌(بَاب الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ)

- ‌(باب في القعود بين الخطبتين)

- ‌(بَاب صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ)

- ‌(بَاب وَقْتِ الْخُرُوجِ إِلَى الْعِيدِ)

- ‌(بَاب خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدِ)

- ‌(بَاب الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ)

- ‌(بَاب يَخْطُبُ عَلَى قَوْسٍ)

الفصل: ‌(باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة)

‌باب تَفْرِيعِ أَبْوَابِ الْجُمُعَةِ

(بَاب فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةِ الْجُمُعَةِ)

[1046]

(فِيهِ) أَيْ يَوْمِ جُمُعَةٍ (خُلِقَ آدَمُ) الَّذِي هُوَ مَبْنَى الْعَالَمِ (وَفِيهِ أُهْبِطَ) أَيْ أُنْزِلَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ لِعَدَمِ تَعْظِيمِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الزَّلَّةِ لِيَتَدَارَكَهُ بَعْدَ النُّزُولِ فِي الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ فَيَرْتَقِيَ إِلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ وَلِيَعْلَمَ قَدْرَ النِّعْمَةِ لِأَنَّ الْمِنْحَةَ تَتَبَيَّنُ عِنْدَ الْمِحْنَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُهْبِطَ هُنَا بِمَعْنَى أُخْرِجَ

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا قِيلَ كَانَ الْإِخْرَاجُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى السَّمَاءِ وَالْإِهْبَاطُ مِنْهَا إِلَى الْأَرْضِ فَيُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِمَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَإِمَّا فِي يَوْمَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(تِيبَ عَلَيْهِ) وَهُوَ مَاضٍ مَجْهُولٌ مِنْ تَابَ أَيْ وُفِّقَ لِلتَّوْبَةِ وَقُبِلَتِ التَّوْبَةُ مِنْهُ وَهِيَ أَعْظَمُ الْمِنَّةِ عَلَيْهِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ ربه فتاب عليه وهدى (وَفِيهِ) أَيْ فِي نَحْوِهِ مِنْ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ (مَاتَ) وَالْمَوْتُ تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا وَرَدَ عَنِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا

قَالَ الْقَاضِي لَا شَكَّ أَنَّ خَلْقَ آدَمَ فِيهِ يُوجِبُ لَهُ شَرَفًا وَكَذَا وَفَاتُهُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِوُصُولِهِ إِلَى الْجَنَابِ الْأَقْدَسِ وَالْخَلَاصِ عَنِ النَّكَبَاتِ (وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ) وَفِيهَا نِعْمَتَانِ عَظِيمَتَانِ لِلْمُؤْمِنِينَ وُصُولُهُمْ إِلَى النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَحُصُولُ أَعْدَائِهِمْ فِي عَذَابِ الْجَحِيمِ

(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ) زِيَادَةُ مِنْ لِإِفَادَةِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّفْي (إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ) بِالسِّينِ بِإِبْدَالِ الصَّادِ سِينًا وَيُرْوَى مُصِيخَةٌ بِالصَّادِ وهما لغتان أي منتظرة أَيْ مُنْتَظِرَةٌ لِقِيَامِ السَّاعَةِ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ مسيخة معناه مصيغة مُسْتَمِعَةٌ يُقَالُ أَصَاخَ وَأَسَاخَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ

انْتَهَى (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَوَجْهُ إِصَاخَةِ كُلِّ دَابَّةٍ وَهِيَ مالا يَعْقِلُ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُهَا مُلْهَمَةً بِذَلِكَ مُسْتَشْعِرَةً عَنْهُ فَلَا عَجَبَ

ص: 258

فِي ذَلِكَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى (مِنْ حِينَ تُصْبِحُ) قَالَ الطِّيبِيُّ بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْجُمْلَةِ وَيَجُوزُ إِعْرَابُهُ إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْفَتْحِ (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) لِأَنَّ الْقِيَامَةَ تَظْهَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَيْنَ الصُّبْحِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ (شَفَقًا) أَيْ خَوْفًا (مِنَ السَّاعَةِ) أَيْ مِنْ قِيَامِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ سَاعَةً لِوُقُوعِهَا فِي سَاعَةٍ (إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُمْ لَا يُلْهَمُونَ بِأَنَّ هَذَا يَوْمٌ يُحْتَمَلُ وُقُوعُ الْقِيَامَةِ فِيهِ (لَا يُصَادِفُهَا) أَيْ لَا يُوَافِقُهَا وَهُوَ يُصَلِّي حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِالِانْتِظَارِ (يَسْأَلُ اللَّهَ) حَالٌ أَوْ بَدَلٌ (حاجة) من أمر الدنيا والآخرة (إلا أعطاء إياه) بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي آدَابِ الدُّعَاءِ (ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْإِشَارَةُ إِلَى الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى تِلْكَ السَّاعَةِ الشَّرِيفَةِ وَيَوْمٌ خَبَرُهُ (فَقُلْتُ بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَوْمٌ (فَقَرَأَ كَعْبٌ التوارة) بِالْحِفْظِ أَوْ بِالنَّظَرِ (فَقَالَ) أَيْ كَعْبٌ (صَدَقَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ عَظِيمَةٌ دَالَّةٌ عَلَى كَمَالِ عِلْمِهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهُ أُمِّيٌّ حَيْثُ أَخْبَرَ بِمَا خَفِيَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الْكِتَابِ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ) هُوَ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ فَدَخَلَ فِي الإسلام (بمجلسي) أَيْ بِجُلُوسِي مَعَ كَعْبٍ وَمُذَاكَرَتِي مَعَهُ (أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ) بِنَصَبِ أَيَّةَ أَيْ عَرَفْتُ تِلْكَ الساعة وبرفعها أيضا ورجحه بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ حَيْثُ قَالَ هِيَ هُنَا كَهِيَ فِي لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ (فَقُلْتُ لَهُ) أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ (فَأَخْبِرْنِي بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ السَّاعَةِ (هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) قَالَ الْأَشْرَفُ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ حَدِيثُ الْتَمِسُوا السَّاعَةَ كَمَا سَيَأْتِي (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ) وَالْحَالُ أَنَّهُ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي شَأْنِهَا (لَا يُصَادِفُهَا) أَيْ لَا يُوَافِقُهَا (مَنْ جلس مجلسا

ص: 259

أَيْ جُلُوسًا أَوْ مَكَانَ جُلُوسٍ (يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ) أَيْ فِيهِ (فَهُوَ فِي صَلَاةٍ) أَيْ حُكْمًا (حَتَّى يُصَلِّيَ) أَيْ حَقِيقَةً (فَقُلْتُ بَلَى) أَيْ بَلَى قَالَ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ (قَالَ) عَبْدُ اللَّهِ (هُوَ) أَيِ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ (ذَاكَ) أَيِ الِانْتِظَارُ وَقِيلَ أَيِ السَّاعَةُ الْخَفِيفَةُ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ ذَكَرَهُ فِي الْمِرْقَاةِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ

وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ طَرَفًا مِنْهُ فِي ذِكْرِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ فِي فَضْلِ الْجُمُعَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ أَيْضًا

تَمَّ كَلَامُهُ

[1047]

(إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ) قال علي القارىء وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ أَوْ مُسَاوٍ (فِيهِ خُلِقَ آدَمُ) أَيْ طِينَتُهُ (فِيهِ النَّفْخَةُ) أَيِ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تُوصِلُ الْأَبْرَارَ إِلَى النِّعَمِ الْبَاقِيَةِ

قَالَ الطِّيبِيُّ وَتَبِعَهُ بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ أَيِ النَّفْخَةُ الْأُولَى فَإِنَّهَا مَبْدَأُ قِيَامِ السَّاعَةِ وَمُقَدَّمُ النَّشْأَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَفِيهِ الصَّعْقَةُ) أَيِ الصَّيْحَةُ وَالْمُرَادُ بِهَا الصَّوْتُ الْهَائِلُ الَّذِي يَمُوتُ الْإِنْسَانُ مِنْ هَوْلِهِ وَهِيَ النَّفْخَةُ الْأُولَى فَالتَّكْرَارُ بِاعْتِبَارِ تَغَايُرِ الْوَصْفَيْنِ وَالْأَوْلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنَ التَّغَايُرِ الْحَقِيقِيِّ (فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ) أَيْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ وَهِيَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِتَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ إِلَى سَبْعِينَ عَلَى سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَلِكَوْنِ إشْغَالَ الْوَقْتِ الْأَفْضَلِ بِالْعَمَلِ الْأَفْضَلِ هُوَ الْأَكْمَلُ وَالْأَجْمَلُ وَلِكَوْنِهِ سَيِّدَ الْأَيَّامِ فَيُصْرَفُ فِي خِدْمَةِ سَيِّدِ الْأَنَامِ عليه الصلاة والسلام (فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ) يَعْنِي عَلَى وَجْهِ الْقَبُولِ فِيهِ وَإِلَّا فَهِيَ دَائِمًا تُعْرَضُ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا عِنْدَ رَوْضَتِهِ فَيَسْمَعُهَا بحضرته وقد جاء أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا وَفَضِيلَةِ الْإِكْثَارِ مِنْهَا عَلَى سَيِّدِ الْأَبْرَارِ (وَقَدْ أَرَمْتَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَيُرْوَى بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ بَلِيتَ وَقِيلَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنَ الْأَرْمِ وَهُوَ الْأَكْلُ أَيْ صِرْتَ مَأْكُولًا لِلْأَرْضِ وَقِيلَ أَرَمَّتْ بِالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَالتَّاءِ السَّاكِنَةِ أَيْ أَرَمَّتِ الْعِظَامُ وَصَارَتْ رَمِيمًا

كَذَا قَالَهُ التُّورِبِشْتِيُّ

قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُرْوَى رَمَمْتَ بِالْمِيمَيْنِ أَيْ صِرْتَ رَمِيمًا

قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَمْتَ بِحَذْفِ إِحْدَى الْمِيمَيْنِ كَظَلْتَ ثُمَّ كُسِرَتِ الرَّاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ يَعْنِي أَوْ فُتِحَتْ

ص: 260

بِالْأَخَفِّيَّةِ أَوْ بِالنَّقْلِيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُهُ أَرْمَمْتَ فَحَذَفُوا إِحْدَى الْمِيمَيْنِ وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ أَرَمَّتْ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ أَيْ أَرَمَّتِ الْعِظَامُ (قَالَ) أَيْ أَوْسٌ الرَّاوِي (يَقُولُونَ) أَيِ الصَّحَابَةُ أَيْ يُرِيدُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ (بَلِيتَ فَقَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ) أَيْ مَنَعَهَا وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ لَطِيفَةٌ (أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ) أَيْ مِنْ أَنْ تَأْكُلَهَا فإن الأنبياء في قبورهم أحياء

قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَمَا أَفَادَهُ مِنْ ثُبُوتِ حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ حَيَاةً بِهَا يَتَعَبَّدُونَ وَيُصَلُّونَ فِي قُبُورِهِمْ مَعَ اسْتِغْنَائِهِمْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَالْمَلَائِكَةِ أَمْرٌ لا مرية فيه وقد صنف البيهقي جزأ في ذلك

قال المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَلَهُ عِلَّةٌ دَقِيقَةٌ أَشَارَ إِلَيْهَا الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ جَمَعْتُ طُرُقَهُ فِي جُزْءٍ

وَفِي النَّيْلِ بَعْدَ سَرْدِ الْأَحَادِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا نَصُّهُ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِيهَا مَشْرُوعِيَّةُ الْإِكْثَارِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ

وقد أخرج بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ إِنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا بَلَغَنِي صَلَاتُهُ قُلْنَا وَبَعْدَ وَفَاتِكَ قَالَ وَبَعْدَ وَفَاتِي إِنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم حَيٌّ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَنَّهُ يُسَرُّ بِطَاعَاتِ أُمَّتِهِ وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَبْلُونَ مَعَ أَنَّ مطلق الإدراك كالعلم والسماع ثابت سائر الموتى

وقد صح عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ عَلَى قَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ وَفِي رِوَايَةٍ بِقَبْرِ الرَّجُلِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ وَلِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا إِذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فَيُسَلِّمُ عليه السلام وَعَرَفَهُ وَإِذَا مَرَّ بِقَبْرٍ لَا يَعْرِفُهُ رَدَّ عليه السلام وَصَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْبَقِيعِ لِزِيَارَةِ الْمَوْتَى وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ

وَوَرَدَ النَّصُّ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي حَقِّ الشُّهَدَاءِ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ وَأَنَّ الْحَيَاةَ فِيهِمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجَسَدِ فَكَيْفَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ رَوَاهُ الْمُنْذِرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَرَرْتُ بِمُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرٍ انتهى

ص: 261