الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير قوله تعالى (وإن كادوا ليفتنونك
..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير قوله تعالى \"وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره واٍذا لاتخذوك خليلا. ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا.\"
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية الكريمة: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ.. مثل قول الله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً {النساء:113} . وسبب نزول الآية كما قال بعض أهل التفسير: أن قريشا قالو للنبي صلى الله عليه وسلم لا نمكنك من استلام الحجر (في الطواف بالبيت) حتى تمس آلهتنا بيدك فحدث نفسه بذلك وقال: ما علي لو فعلت والله يعلم مني خلافه فأنزل الله تعالى ردا على حديث النفس الذي جرى منه صلى الله عليه وسلم الآية المذكورة. وقيل كان سبب نزولها أن ثقيفا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لا ندخل في دينك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب وذكر منها: لا ننحني في صلاتنا وكل رباً لنا فهو لنا، وكل رباً علينا فهو موضوع عنا وأن تمتعنا باللات سنة وأن تحرم وادينا كما حرمت مكة.. وذكروا غير ذلك من أسباب نزولها. قال العلامة ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: (وللمفسرين محامل لهذه الآية استقصاها القرطبي فمنها ماليس له حظ من القبول لوهن سنده وعدم انطباقه على معاني الآية، ومنها ماهو ضعيف السند وتتحمله الآية بتكلف
…
ومرجع ذلك إلى أن المشركين راودوا النبي صلى الله عليه وسلم ألا يُسوّيهم مع من يعدونهم منحطين عنهم من المؤمنين المستضعفين عندهم مثل بلال وعمار وخباب وصهيب.. وأنهم وعدوا النبي صلى الله عليه وسلم إن هو فعل ذلك بأن يجلسوا إليه ويستمعوا القرآن حين لا يكون تنقيص آلهتهم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بأن يظهر بعض اللين رغبة في إقبالهم على سماع القرآن لعلهم يهتدون فيكون المراد من (الذي أوحينا إليك) بعض الذي أوحينا إليك، وهو ما فيه فضل المؤمنين.. أوما فيه تنقيص الأصنام.. وإن رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في اقترابهم من الإسلام وفي تأمين المسلمين أجالت في خاطره أن يجيبهم إلى بعض ما دعوه إليه مما يرجع إلى تخفيف الإغلاظ عليهم أو إنظارهم، أو إرضاء بعض أصحابه بالتخلي عن مجلسه حين يحضره صناديد المشركين وهو يعلم أنهم ينتدبون إلى ذلك لمصحلة الدين أو نحو ذلك مما فيه مصلحة لنشر الدين وليس فيه فوات شيء على المسلمين، أي كادوا يصرفونك عن بعض ما أوحاه الله إليك مما هو مخالف لما سألوا، ثم قال رحمه الله في معنى قول الله تعالى: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ.. والمعنى. . أن الركون مجمل في أشياء هي مظنة الركون ولكن الركون منتف من أصله لأجل التثبيت بالعصمة، كما انتفى أن يفتنه المشركون عن الذي أوحي إليه بصرف الله إياهم عن تنفيذ فتنتهم. (أو المعنى، (ولولا أن عصمناك من الخطإ في الاجتهاد وأريناك أن مصلحة الشدة في الدين والتنويه بأتباعه ولو كانوا من ضعفاء أهل الدنيا لا تعارض مصلحة تأليف قلوب المشركين، فإن إظهار الهوادة في أمر الدين تطمع المشركين في الترقي إلى سؤال ماهو أبعد مدى مما سألوه، فمصلحة ملازمة موقف الحزم معهم أرجح من مصلحة ملاينتهم وموافقتهم. . وقال البيضاوى:..ولولا تثبيتنا إياك {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} ، لقاربت أن تركن إليهم وتميل إلى اتباع مرادهم.. لقوة خداعهم وشدة احتيالهم لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقترب من الركون فضلا عن أن تركن إليهم، وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ماهم بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها ودليل على أن العصمة بتوفيق الله تعالى وحفظه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1426