الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فيما يتعلق بما [يخصه] قوله: "الحمد للّه
"
إنما افتتح كتابه بحمد اللّه تعالى بعد البسملة للاقتداء بكتاب اللّه تعالى إن اللّه تعالى ابتدأ كتابه العزيز بالحمد للّه، وللامتثال: لقد أمر اللّه تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك قال اللّه تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}
(1)
، وقال تعالى:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ}
(2)
، وقال تعالى:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا}
(3)
(4)
. قال العُلماء: فيستحب البداءة بالحمد للّه لكل مصنف ودارس ومدرس وخطيب وخاطب وبين يدي سائر الأمور المهمة لفظًا، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:"كلّ أمر ذي بال لا يبدؤ فيه بحمد اللّه تعالى فهو أقطع"
(5)
وفي رواية: "الحمد للّه فهو أجذم" وفي رواية:
(1)
سورة النمل، الآية:59.
(2)
سورة النمل، الآية:93.
(3)
سورة الإسراء، الآية:111.
(4)
كلام غير واضح وأثبتنا ما يقتضيه السياق.
(5)
أخرجه ابن ماجة رقم (1894)، وأبو داود رقم (4840)، والنسائي في السنن الكبرى رقم (10255)، وفي عمل اليوم والليلة رقم (493)، وأحمد في مسنده (14/ 329)، والبزار في مسنده (البحر الزخار)(14/ 191) رقم (7898)، وابن حبان رقم (1)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 295)، وفي الدعوات الكبير رقم (1) بلفظ:"كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ، لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ، أَقْطَعُ"، وفي لفظ:"كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ"، وفي بلفظ:"كُلُّ كَلَامٍ، أَوْ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَحُ بِذِكْرِ اللّهِ، فَهُوَ أَبْتَرُ - أَوْ قَالَ: أَقْطَعُ" جميعهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. =
"فهو أبتر" وفي رواية: "فهو أكتع"؛ ومعنى: "ذو بال" أي له حال يهتم به قاله النووي
(1)
، وقال في النهاية
(2)
: البال: الحال والشأن، وأمر ذو بال أي شريف يحتفل له ويهتم به. والبال في غير هذا: القلب.
قوله: "أقطع" أي ناقص قليل البركة؛ و "أجذم" بالجيم والذال المعجمة بمعناه، وكذلك أبتر، والبتر القطع قاله ابن الأثير
(3)
. وكذلك أكتع أي ناقص أبتر، والمكتع: الذي قطعت يداه قاله ابن الأثير
(4)
أيضًا. قال النووي
(5)
: روينا كلّ هذه الألفاظ سوى أبتر وأكتع في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي، ورويناه أيضًا من رواية كعب بن مالك الصحابي، والمشهور من رواته أي: هو من رواه أبو داود وابن ماجة والنسائي في كتاب عمل اليوم والليلة وصححه أبو عوانة وابن حبان وروي موصولًا ومرسلًا وإسناده جيد.
= وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (19/ 72) رقم (141) من حديث كعب بلفظ: "كُلُّ أَمَرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ أَقْطَعُ أَوْ أَجْزَمُ".
وأورده الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري (1/ 23) وعزاه لإسحاق بن راهويه من حديث الزهري قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد اللّه أكتع" معضلًا.
(1)
في كتاب الأذكار (ص 112) الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.
(2)
النهاية في غير الحديث والأثر (1/ 164).
(3)
في النهاية (1/ 93).
(4)
في النهاية (4/ 204).
(5)
في كتاب الأذكار صـ (112).
والمراد بحمد اللّه تعالى المذكور في الحديث ذكر اللّه تعالى وجاء في الحديث أيضًا بذكر اللّه، قال العُلماء رضي الله عنهم: أو ما في معناه، وقد جاء في رواية:"لا يبدأ فيه ببسم اللّه الرحمن الرحيم"
(1)
خرجها ابن حبان من طريقين، قال ابن الصلاح: والحديث حسن
(2)
فالتسمية من أبلغ الثناء
(3)
، وقد جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى هرقل عظيم الروم أنه كتب إليه يدعوه إلى الإسلام فإذا فيه: بسم اللّه الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد اللّه ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدي، وفيه أيضًا:{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا}
(4)
(5)
.
تنبيه: استحباب تصدير الكتاب ببسم اللّه الرحمن الرحيم بكمالها ولو لأهل الذمة، وأولى من كتبها في رسائله سليمان عليه الصلاة والسلام، وكان أولا يكتب باسمك اللهم حتى نزلت آية النمل فكتبها عليه الصلاة والسلام بكمالها نقله الواحدي عن ميمون بن مهران
(6)
، وأصل ذلك أن الكفار كانوا
(1)
أخرجها الخطيب في الجامع لخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 69)، والحافظ عبد القادر الرهاوي في كتاب الأربعين كما ذكر النووي في كتاب الأذكار (ص 112)، وفي شرح مسلم (1/ 43).
(2)
التوضيح (2/ 122).
(3)
المجموع (1/ 74).
(4)
سورة آل عمران، الآية:64.
(5)
جزء من حديث أخرجه البخاري رقم (7)، ومسلم رقم (1773) في صلح الحديبية.
(6)
انظر تفسير ابن أبي حاتم (9/ 2873).
يبتدؤون بأسماء آلهتهم في كتبهم تبركا وطلبا لتهوين الأمر المطلوب عليهم، فالمؤمن أولى أن يبتدأ في كتابه باسم اللّه تعالى طلبًا لذلك كذلك قاله في الديباجة، وكان رسم المتقدمين أيضًا إذا كتبوا أن يبدؤوا بأنفسهم من فلان إلى فلان وبذلك جاءت الآثار
(1)
.
قال ابن سيرين: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أهل فارس إذا كتبوا بدؤوا بعظمائهم فلا يبدأ الرجل إلا بنفسه"
(2)
، ولكن المصطلح عليه الآن في المكاتبة أن يكتب اسمه تحت سطر البسملة ليكون شبيها بالقصة ثم يكتب المرسل إليه، واستقرت الأمة على كتابة البسملة في أول كلّ كتاب من كتب العلم والرسائل، فإن كان الكتاب [مطولات] شعر فذهب إلى كتابتها في أول الشعر سعيد بن جبير وتابعه على ذلك [الترمذي]؟ قال أبو بكر الخطيب: وهو الذي نختاره ونستحبه.
روى الحاكم في المستدرك من حديث طاوس عن ابن عباس أن عثمان بن عفان سأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن بسم اللّه الرحمن الرحيم؟ فقال: "هو اسم من أسماء اللّه تعالى وما بينه وبين اسم اللّه الأعظم إلا كما بين سواد العين وبياضها من القرب"
(3)
ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(1)
تفسير القرطبي (13/ 192).
(2)
انظر تفسير القرطبي (9/ 2873).
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 780)، وأبن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2714)، والبيهقي في الشعب رقم (2123)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 162).
وقوله في حديث هرقل عظيم الروم أنه كتب إليه أمر بذلك لأن من صفته عليه الصلاة والسلام أنه النبي الأمي الذي لا يحسن الكتابة، قال اللّه تعالى:{وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}
(1)
، نعم قال القرطبي
(2)
: إن الكتابة وقعت على سبيل المعجزة في قصة الحديبية، فإن فيها: فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب: هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد اللّه والمسألة عزيزة، وقد وقع فيها نزاع عظيم بها بلاد المغرب وأرسلوا إلى علماء الإسلام يسألون عنها ولها قصة غريبة.
قوله: عظيم الروم، دليل على أن مثل ذلك جائز مطلوب للمصلحة والتآلف لأنه أدعى للقبول وهي حكاية مصطلحهم في الألقاب على أن إضافة عظمته إلى الروم مشعرة بأنه بضدها عند المسلمين.
وقوله: من محمد بن عبد الله إلى آخره فيه إشارة إلى عز العبودية وشرفها في مقابلتها بتسمية هرقل بعظيم الروم أي فالشرف والعزة في هذه النسبة لا في تلك واللّه أعلم قاله في شرح الإلمام
(3)
.
قوله: يا أهل الكتاب، ففيه أن فضيلة أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى أعلى درجة من مخاطبة المشركين أهل الأوثان لما سبق لكم من شرف العلم بكتابهم وخاطبهم بذلك فرجعوا إلى ما فيه شواهد نبوته عليه السلام، وفيه:
(1)
سورة العنكبوت، الآية:48.
(2)
انظر تفسير القرطبي (13/ 352).
(3)
شرح الإلمام للعرياني لم نعثر عليه والشارح ينقل عنه كثيرًا.
تقريع لهم لأن خالفوه وتحسير عليهم في خروجهم عنه بعد ما أعطوه.
وقوله: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} هي التوحيد كما فسرها بعد وسماها كلمة كما يطلق على القصيدة كلمة ونحو ذاك لاتحاد معناها وإن تعددت كلماتها وفي قوله: {سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} أي إنا كلنا كذلك فلا ندعوكم إلى ما نخالفكم فيه بل نختار لكم ما اخترناه لأنفسنا.
تنبيه: نهي عن المسافرة بالقرآن إلى بلاد العدو
(1)
، فإن قيل: قد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل بالقرآن وهو قوله: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ الآية، فما وجه التوفيق بينه وبين النهي عن المسافرة به؟ الجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن المسافرة بالكل إذا ذاك المكتوب لم يكن إلا مختلطا من القرآن وغيره وما كان فيه غير الآية فلم يتمحض ولم يقصد بها التلاوة واللّه أعلم.
فرع في المعنى أيضًا: يجوز أن يكتب كتابا إلى الكافر فيه آية يدعوه بها إلى الإسلام لحديث هرقل المتقدم، وقال في القبس
(2)
: قال علماؤنا: إنما كتب لهم بالآية والآيتين على معنى الوعظ، وحرمة الآية والآيتين كحرمة الألفين. لكن علماءنا لم يجعلوا للقليل في ذلك حكم الكثير ولأجله جوَّزوا للجُنُب أن يقرأ الآيات اليسيرة على معنى التعوُّذ، انتهى.
وهذا الكتاب يعني كتاب هرقل كان ذا بالٍ بل من المهمات وبدأ بالبسملة
(1)
لحديث عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ العَدُوّ أخرجه البخاري رقم (2990)، ومسلم رقم (1869).
(2)
القبس شرح موطأ مالك (1/ 605).
دون الحمد، [ذكره] النووي في شرح مسلم
(1)
، وفي هذا الكتاب جمل من القواعد. وأنواع من الفوائد منها: استحباب تصدير الكتاب ببسم اللّه الرحمن الرحيم، ومنها: التبرك بذكر اللّه تعالى في أول كتابه، ومنها: شكر اللّه تعالى على ما أولاه من النعم حيث يرفعه من درجة التعلم إلى التعليم.
فائدة في ذكر رسله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والقبائل
(2)
: أما الرسل فعدتهم أحد عشر، منهم: عمرو بن أمية الضمري أرسله إلى النجاشي فأخذ الكتاب ووضعه على عينيه ونزل عن سريره فجلس على الأرض وأسلم وحسن إسلامه وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب، وروي أنه كان لا يزال يرى على قبره النور.
ومنهم: دحية بن خليفة الكلبي، بعثه رسول اللّه إلى قيصر ملك الروم واسمه هرقل فسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عنده صحة نبوته فهم بالإسلام فلم توافقه الروم وخاف على ملكه فأمسك.
ومنهم: عبد اللّه بن حذافة السهمي بعثه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس فمزق الكتاب فقال صلى الله عليه وسلم: "مزق اللّه ملكه" فمزق اللّه ملكه وملك قومه:
(1)
شرح النووى على مسلم (12/ 108).
(2)
دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للملوك والأمراء إلى الإسلام، أخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الإسلام، برقم (1774)، والترمذي والترمذي في أبواب الاستئذان، باب في مكاتبة المشركين برقم (2716) من حديث أنس بن مالك صلى الله عليه وسلم، وراجع الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 258) دار صادر، وكنز الدرر وجامع الغرر لأبي بكر بن عبد اللّه بن أبيبك الدواداري (3/ 144).
{فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}
(1)
.
ومنهم: عمرو بن العاصي بعثه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى ملكي عمان وهما من الأسد فأسلما وصدقا وخليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما بينهم، فلم يزل عندهم حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنهم: أبو موسى الأشعري بعثه إلى اليمن ومعاذ بن جبل رفيقه فكانا جميعا في جملة اليمن داعيين إلى الإسلام فأسلم عامة أهل اليمن ملوكهم وعامتهم طوعا من غير قتال انتهى قاله في كنز الدرر
(2)
.
فائدة آخرى في ذكر كُتَّابه صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثة عشر: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعامر بن فهيرة، وعبد اللّه بن الأرقم، وأبيُّ بن كعب، وثابت بن قيس، وخالد بن سعيد، وحنظلة بن الربيع الأسدي، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وكان معاوية وزيد بن ثابت ألزمهم وأخصهم به، انتهى قاله في تاريخ كنز الدرر
(3)
.
تنبيه: هرقل: بكسر الهاء وفتح وإسكان الراء وكسر القاف حكاه الجوهري في صحاحه
(4)
وهو اسم علم له غير منصرف للعلمية والعجمة وهو صاحب حروب الشام ملك إحدى وثلاثين سنة وفي ملكه مات النبي
(1)
سورة الحاقة، الآية:8.
(2)
كنز الدرر (3/ 144 - 146).
(3)
كنز الدرر (3/ 146).
(4)
الصحاح (5/ 1849).
- صلى الله عليه وسلم ولقبه قيصر
(1)
أرسل إلى أبي سفيان يطلبه إلى مجلسه ليفحص عن حال النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو سفيان: إنه يأمرنا بالصلاة ونحوها وهو مذكور في حديث في أول صحيح البخاري.
فائدة: كلّ من ملك الروم يقال له قيصر قال المطرز وابن خالويه وآخرون من الأئمة كلّ من ملك المسلمين يقال له أمير المؤمنين، ومن ملك الحبشة يقال له النجاشي، ومن ملك الروم يقال له قيصر، ومن ملك الفرس يقال له كسري، ومن ملك الترك يقال له خاقان، ومن ملك القبط يقال له فرعون ومن ملك مصر يقال له العزيز ومن ملك اليمن يقال له تبع ومن ملك حمير يقال له القَيْلُ بفتح القاف، وقيل: القيل أول درجة من الملك
(2)
، انتهى.
سؤال: لم كانت بسم اللّه الرحمن الرحيم تسعة عشر حرفا؟ فالجواب: إنما كانت تسعة عشر حرفًا.
قيل: لأن اللّه تعالى خلق رؤساء الزبانية على جهنم تسعة عشر ملكًا كما قال اللّه تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}
(3)
وأتباعهم لا يحصيهم إلا اللّه تعالى فمن قرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم كفاه اللّه بكل حرف منها واحدًا من الزبانية التسعة عشر ولم يسلطهم عليه ببركة ذكر اسمه تعالى انتهى قاله في كشف
(1)
الكواكب الدرارى (1/ 53).
(2)
إكمال المعلم (3/ 413 - 414)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 65) وشرح النووى على مسلم (7/ 23).
(3)
سورة المدثر، الآية:30.
الأسرار
(1)
، ذكره النووي في شرح مسلم عن رويفع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد اللّه بن مسعود قال: من أراد أن ينجيه اللّه تعالى من الزبانية التسعة عشر فليقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ليجعل اللّه تعالى له بكل حرف منها وقاية من كلّ واحد
(2)
، قال اللّه تعالى:{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} وهم يقولون في أفعالهم {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
تنبيه: الرحمن صفة مبالغة من الرحمة بنيت على فعلان لأن رحمته وسعت كلّ شيء، والرحيم يقال لمن كثر منه ذلك، وقال الفارسي: إنما جيء بالرحيم بعد استغراق الرحمن بمعنى الرحمة لتخصيص المؤمنين به في قوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}
(3)
كما قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)}
(4)
فخص بعد أن عم لما في الإنسان من أنواع الحكمة انتهي، قاله الكمال الدميري
(5)
.
تنبيه أيضًا: يتعلق ببسم اللّه الرحمن الرحيم: قال النووي في شرح مسلم
(6)
: قال الكتاب من أهل العربية إذا قيل باسم اللّه تعين كتبه بالألف وإنما تحذف الألف إذا كتب بسم اللّه الرحمن الرحيم بكمالها وقال غيره
(1)
كشف الأسرار (لوحة 4).
(2)
راجع تفسير القرطبي (1/ 92)، وابن كثير (1/ 120).
(3)
سورة الأحزاب، الآية:43.
(4)
سورة العلق، الآيتان: 1 - 2.
(5)
النجم الوهاج (1/ 188).
(6)
شرح النووي على مسلم (13/ 110).
لكثرة تكررها كذا علله أهل الأدب والكلام الآن على الحمد من وجوه، أحدها: في حد الحمد، والحمد هو الثناء الكامل على المحمود بذكر صفته الجميلة وأفعاله الحميدة سواء كان في مقابلة نعمة أم لا.
وقال الإمام فخر الدين في تفسيره
(1)
: هو عبارة عن كلّ فعل يشعر بتعظيم المنعم لكونه منعما، والفعل إما بالقلب وهو اعتقاد كونه موصوفا بصفات الجلال، وإما باللسان وهو أن يذكر ألفاظًا دالة على اتصافه بصفات الكمال، وإما بالجوارح وهو أن يأتي بأفعال دالة على ذلك انتهي، الثاني: اختلف العُلماء هل الحمد المقيد أفضل أم المطلق؟ فذهب جمع من الخراسانيين إلى تفضيل الأول كقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}
(2)
، وقالوا: من حلف ليحمدن اللّه بأجل المحامد فطريقه أن يقول: الحمد للّه حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، وذهبت طائفة من متكلمي المغاربة إلى ترجيح المطلق لتشعب جميع المحامد به، الوجه الثالث: التحميد أكمل من التسبيح كما قال الإمام فخر الدين، وأجاب عن تقديم التسبيح على التحميد في قوله عليه الصلاة والسلام سبحان اللّه والحمد للّه بأن الحمد يدلّ على التسبيح لأن معنى التسبيح التنزيه من النقائص والتحميد فيه مع ذلك أنه محسن إلى خلقه فهو أكمل، الوجه الرابع: نبه الإمام فخر الدين. في تفسيره على أن من قال: الحمد للّه فتحت له أبواب الجنة الثمانية لأن الحمد
(1)
مفاتيح الغيب (1/ 197).
(2)
سورة الأعراف، الآية:43.
للّه ثمانية أحرف وأبواب الجنة ثمانية لذلك الخامس في أحكام الحمد للّه وهو ينقسم أربعة أقسام واجب ومندوب ومكروه وحرام، أما الأول: فهو واجب في الجملة [تعلقا أي يتعلق بأسمع]، وعند المعتزلة عقلا، ومن أمثلة هذا القسم الابتداء به في الخطبة فإنه ركن فيها، وأما الثاني: وهو المندوب فمن أمثلته الخُطبة عند الخِطبة وعند العقد وعند ابتداء الدعاء وبعد الأكل والشرب والعطاس والخروج من الخلاء وعند النوم واليقظة ونحو ذلك، وأما الثالث وهو المكروه فمن أمثلته الأماكن المستقذرة تنزيها لها كالمزبلة والمجزرة والأحوال المستكرهة كفرط الشبع والنوم ومدافعة الأخبثين، وقد نص القرافي
(1)
رحمه الله على كراهة الدعاء في ذلك كلّه، وما أحسن ما حكي عن سري السقطي أنه بقي يستغفر اللّه تعالى ثلاثين سنة في قوله الحمد للّه لوقوع حريق ببغداد أتى على دورها ودكاكينها فبلغه أن دكانه سلم فحمد اللّه تعالى على ذلك ثم راجع نفسه وقال: كان الواجب أن يحزنني ما أصاب إخواني المؤمنين؟ وأما الرابع: فهو حرام على الفرج بوقوع معصية وأوجب بعض العُلماء في الأمور الدنيوية ليكون لها عاقبة محمودة واستحبه في الدينية لأنها طاعة.
قوله: اللّه: هو اسم للمعبود بحق الجامع لصفات الإلهية
(2)
وهو الباري سبحانه وتعالى وهو أعظم الأسماء وأجمعها وأكثرها استعمالا ولذلك لم
(1)
في الفروق (4/ 299).
(2)
المقصد الأسنى (ص 61).
يثن ولم يجمع وذكر في القرآن في ألفين وثلاثمائة وستينا موطنا وأشهر الأقوال أنه مشتق
(1)
قال العُلماء: واللام فيه لام الإضافة ولها معان الملك والاختصاص وغير ذلك
(2)
فجاءت هنا إشارة إلى استحقاقه تعالى لذلك وإخلاص العبودية له دون من سواه انتهى قاله في شرح الإلمام.
وقرن الحمد للّه دون أسمائه لأنه اسم الذات بخلاف الرحمن وغيره فيستحق جميع صفاته الحسنى، قال البندنيجي: وأكثر أهل العلم على أن هذا الاسم هو الاسم الأعظم ومن خواص هذا الاسم أنك متى حذفت من خطه حرف بقي دالا عليه تبارك وتعالى فإن حذفت الألف بقي للّه، وإن حذفت اللام الأولى وأبقيت الألف بقي إله، وإن حذفتهما معا بقي: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ]
(3)
وإن حذفت الثلاثة بقي هو الحي القيوم لا إله إلا هو.
قوله: المبدئ المعيد، من أسمائه تعالى لأنه هو الذي أنشأ الأشياء واخترعها ابتداء من غير سابق مثال قاله في النهاية
(4)
، وقال القشيري في شرح الأسماء الحسنى
(5)
: المبدئ معناه الموجد لكن الإيجاد إذا لم يكن مسبوقًا بمثله سمي إبداء وإذا كان مسبوقا بمثله سمي إعادة واللّه تعالى بدأ خلق
(1)
النجم الوهاج (1/ 189).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (3/ 70)، وشرح النووى على مسلم (6/ 58).
(3)
سورة البقرة، الآية:107.
(4)
النهاية (1/ 103).
(5)
شرح الأسماء الحسنى (ص 203) المقصد الأسنى (ص 131).
الناس ثم هو الذي يعيدهم أي يحشرهم والأشياء كلها منه بدأت وإليه تعود وبه بدأت وبه تعود.
تنبيه: المبدئ من العبيد هو الذي أطلعه اللّه على إبدائه فهو يشهد ابتداء الخلق فيبدئ بإذنه ما يبدئ من الخيرات قاله القشيري
(1)
.
قوله: المعيد، المعيد: هو الذي يعيد الخلق ويبعثهم يوم القيامة قاله القشيري
(2)
، وقال في النهاية
(3)
: المعيد هو الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات في الدنيا وبعد الممات إلى الحياة يوم القيامة، ومنه الحديث:"إن اللّه يحب الرجل القوي المبدئ المعيد على الفرس المبدئ المعيد" أي: الذي أبدأ في غزوه وأعاد فغزى مرة بعد مرة أو جرب الأمور طورًا بعد طور والفرس المبدئ المعيد هو الذي غزى عليه صاحبه مرة بعد آخرى.
وقيل: هو الذي قد ريض وأدب فهو طوع راكبه ومنه الحديث "واصلح لي آخرتي التي فيها معادي"
(4)
أي: ما نعود إليه يوم القيامة، انتهى.
تنبيه: المعيد من العبيد هو الذي أطلعه اللّه تعالى على إعادته الخلق، والأمور كلها إليه فيعيد بإذنه ما يجب إعادته عليه ويشهد عاقبته ومعاده في عافية وسعادة على أحسن ما يكون
(5)
.
(1)
اصطلاحات الصوفية للقاشانى - ص 138.
(2)
شرح الأسماء الحسنى (ص 203).
(3)
النهاية (3/ 316).
(4)
جزء من حديث أخرجه مسلم رقم (2720).
(5)
اصطلاحات الصوفية (ص 138) للقاشانى.
قوله: الغني، قال في النهاية
(1)
: الغني: هو الذي لا يحتاج إلى أحد في شيء، وكل أحد يحتاج إليه، وهذا هو الغني المطلق، ولا يشارك اللّه تعالى فيه غيره، ومن أسمائه "المغني" وهو الذي يغني من يشاء من عباده. انتهى.
تنبيه: الغني من العبيد: هو الذي أغناه اللّه عن جميع الخلائق وأعطاه كلما احتاج إليه من غير مسألة منه إلا بلسان الاستعداد لتحققه بفقره الذاتي وافتقاره إليه بجوامع هممه
(2)
، انتهى قاله القشيري.
قوله: الحميد، أي المحمود على كلّ حال فعيل بمعنى مفعول قاله في النهاية
(3)
، وقال القشيري: الحميد هو المحمود المثنى عليه واللّه تعالى هو الحميد بحمده لنفسه أزلًا وبحمد عباده له أبدًا ويرجع بهذا إلى صفات الجلال والعلو والكمال فالحميد المطلق هو اللّه تعالى
(4)
.
تنبيه: الحميد من العبيد من حمدت عقائده وأخلاقه وأعماله من غير
مثنوية وذلك محمد صلى الله عليه وسلم ومن يقرب منه من الأنبياء ومن عداهم من الأولياء والعلماء وكل واحد منهم حميد بقدر ما يحمد به من عقائده وأخلاقه وأعماله وأقواله [وإذا كان لا يخلوا واحد عن مذمة ونقص وإن كثرت محامده]، فالحميد المطلق هو اللّه تعالى
(5)
انتهى كلام القشيري.
(1)
النهاية (3/ 390).
(2)
اصطلاحات الصوفية للقاشاني، (ص 145).
(3)
النهاية (1/ 436).
(4)
المقصد الأسنى (ص 130).
(5)
المقصد الأسنى (ص 130).
قوله: ومن أرشده إلى سبل النجاة ووفقه الرشد والإرشاد، والرشاد: نقيض الغي، والسبل: الطرق، والنجاة ضد الهلكة.
قوله: ووفقه، التوفيق خلق قدرة الطاعة وتسهيل سبل الخير، وعكسه الخذلان وهو خلق قدرة المعصية فالموفق في شيء لا يعصي اللّه فيه، وفي الحديث "لا يتوفق عبد حتى يوفقه اللّه تعالى"
(1)
، ولما كان التوفيق عزيزًا لم يذكر في القرآن إلا في قوله تعالى:{وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ}
(2)
، و {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}
(3)
و {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}
(4)
وفي أوائل الإحياء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قليل من التوفيق خير من كثير من العلم"
(5)
وذكره صاحب الفردوس: من حديث أبي الدرداء وقال: "العقل بدل العلم"
(6)
.
لطيفة: اللطف أيضًا من اللّه التوفيق والعصمة، ومن أسمائه تعالى اللطيف وهو الرفيق بعباده، قال السهيلي: لما جاء البشير إلى يعقوب وهو يهوذا
(1)
النجم الوهاج (1/ 190).
(2)
سورة هود، الآية:88.
(3)
سورة النساء، الآية:35.
(4)
سورة النساء، الآية:62.
(5)
إحياء علوم الدين (1/ 30)، وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (ص 41): لم أجد لَهُ أصلا، وَقد ذكره صَاحب الفردوس من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء وَقَالَ الْعقل بدل الْعلم وَلم يُخرجهُ وَلَده فِي مُسْنده.
(6)
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 349). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4109).
أعطاه يعقوب في البشارة كلمات كان يرويها عن أبيه عن جدّه عليهما الصلاة والسلام وهي: يا لطيفًا فوق كلّ لطيف ألطف بي في أموري كلها كما أحب ورضني في دنياي وآخرتي؛ ولما خرج يوسف عليه السلام من السجن ودخل على ملك مصر [الريان بن الوليد] قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره انتهى قاله الكمال الدميري
(1)
.
قوله: وما هجس وما كمن، أي ما يخطر ويدور في الضمائر من الأحاديث والأفكار، ومنه قوله في الحديث:"وما هو إلا شيء هجس في نفسي" قاله في النهاية
(2)
.
قوله: وهو أقرب إلى كلّ مريد من حبل الوريد أقرب معناه أعلم به من حبل الوريد لأن أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضًا ولا يحجب علم اللّه شيء، وحبل الوريد: هو الوريد أضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين
(3)
والوريدان عرقان بين الأوداج وبين الكتفين
(4)
وهما صفحتا العنق تزعم العرب أنه من الوتين
(5)
، والوتين عرق مستبطن القلب أبيض غليظ كأنه قصبة معلق بالقلب يسقي كلّ عرق في الإنسان
(6)
وهو المذكور في قوله
(1)
النجم الوهاج (1/ 190).
(2)
النهاية (5/ 247).
(3)
تفسير البغوي (7/ 358).
(4)
قاله أبو زيد تهذيب اللغة (14/ 118).
(5)
الصحاح (2/ 550).
(6)
الإبانة (3/ 7).
تعالى: {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)}
(1)
، ويقال لمتعلق القلب من الوتين النياط وسمي نياطا لتعلقه بالقلب وسمي الوريد وريدا لأن الروح ترده
(2)
وحبل الوريد إذا قطع مات صاحبه
(3)
واللّه أعلم.
قوله: أحمده، وهو أهل الحمد والتمجيد وقال المولى العلامة فخر الدين محمد الرازي
(4)
: الحمد للّه أولى من أحمد اللّه لأنه أعم فائدة لأنه تعالى كان محمودا قبل حمد الحامدين بخلاف الثاني فإنه يفيد حمده فقط والألف واللام في الحمد للّه لاستغراق الجنس أي الحمد على تنوعه للّه وهو يقتض الذم وتقدم على الحمد مبسوطًا.
قوله: وأشكره، الشكر مثل الحمد إلا أن الحمد أعم منه فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى معروفه ولا تشكره إلا على معروفه دون طبقاته، والشكر مقابلة النعم بالقول والفعل والنية فيثني على المنعم بلسانه ويذيب نفسه في طاعته ويعتقد أنه موليها وهو من شكرت الإبل يشكر إذ إصابت مرعى فسمنت عليه قاله في النهاية
(5)
، وقال في شرح الإلمام
(6)
: والذي يتحرر أن الشكر يطلق على الفعل والقول جميعا لقوله تعالى:
(1)
سورة الحاقة، الآية:46.
(2)
الإبانة (3/ 7).
(3)
الكواكب الدراري (18/ 164).
(4)
تفسير الرازي (1/ 191).
(5)
النهاية (2/ 493).
(6)
انظر شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (1/ 11) لابن دقيق العيد.
{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}
(1)
، ولقوله عليه الصلاة والسلام حين ذكر له عمله في قيام الليل "أفلا أكون عبدًا شكورًا"
(2)
فالشكر مقابلة النعمة بالقول والعمل في الاعتقاد، قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
…
يدي ولساني والضمير المحجبا
وبينه وبين الحمد عموم وخصوص من وجه، ومنه: الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبد لا يحمده، كما أن كلمة الإخلاص رأس الإيمان وإنما كان رأس الشكر لأن فيه إظهار النعمة أو الإشادة، بها، ولأنه أعم منه فهو شكر وزيادة، وفي حديث الدعاء: سبحانك اللهم وبحمدك انتهى.
فائدة: قال في تهذيب النفوس الشكر من أعلى المقامات وهو فوق الرضا فإنه يتضمن الرضا وزيادة، والإيمان نصفان نصف شكر ونصف صبر
(3)
وحقيقته في العبودية ظهور أثر نعمة الله على [لسان] عبده ثناء واعترافا وعلى قلبه شهودًا ومحبة وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة
(4)
، وحد الشكر الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع، وقيل: الثناء على المحسن بذكر إحسانه
(5)
، وقال الجنيد: الشكر أن لا ترى نفسك أهلا للنعمة فشكر العامة على المنعم والملبس وقوت الأبدان وشكر الخاصة على التوحيد والإيمان وقوت القلوب
(6)
انتهى، وقال
(1)
سورة سبأ، الآية:13.
(2)
أخرجه البخاري رقم (1130)، ومسلم رقم (2819).
(3)
مدارج السالكين (2/ 232).
(4)
مدارج السالكين (2/ 234).
(5)
مدارج السالكين (2/ 234).
(6)
مدارج السالكين (2/ 235).
داود عليه الصلاة والسلام: يارب كيف أشكرك وشكري نعمة علي من عندك تستوجب بها شكرًا فقال: [الآن شكرتني يا داود]
(1)
.
وفي خبر آخر إسرائيلي: أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يارب خلقت آدم بيدك وأنفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك وعلمته أسماء كل شيء وفعلت وفعلت، فكيف إطلاق شكرك، فقال الله عز وجل:"علم أن ذلك مني فكانت معرفته بذلك شكرًا لي"
(2)
.
وفي أثر إلهي يقول الله تعالى: أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري أهل زيادتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن ماتوا فأنا أحييهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب
(3)
. وقيل: من كتم النعمة فقد كفرها ومن ذكرها ونشرها فقد شكرها
(4)
، وهذا من قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمته على عبده"
(5)
. وفي هذا قيل
(6)
:
(1)
مدارج السالكين (2/ 235).
(2)
مدارج السالكين (2/ 236).
(3)
انظر تفسير الثعلبي (1/ 195)، ومدارج السالكين (2/ 236).
(4)
مدارج السالكين (2/ 236).
(5)
أخرجه أحمد في مسنده (13/ 159) رقم (19933)، والروياني في مسنده رقم (91)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (3037)، والطبراني في المعجم الكبير (18/ 135) رقم (281)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 385) رقم (6093)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1712).
(6)
بصائر ذوي التمييز (3/ 340) ونسب لأبي تمام.
ومن الرزيّة أنّ شكري صامت
…
عما فعلت وأنّ برّك ناطق
أأرى الصنيعة منك ثم أسرّها
…
إني إذن ليد الكريم لسارق
قوله: والشكر لديه من أسباب المزيد، ولديه بمعنى عنده.
قوله: وأشهد الشهادة تكون بمعنى الحضور ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}
(1)
أي لا يحضرون مواضع الزور كأعياد اليهود والنصارى، قاله ابن عباس
(2)
، ومنه قوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
(3)
أي من حضر [بمكة] رؤية الشهر فيلصمه قاله المبرد
(4)
وتكون بمعنى القول الملزم عند الحاكم فيكون بمعنى العلم وهو المراد هنا ومعنى أشهد أعلم وأتبين، روى أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة أن النبي قال:"كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء"
(5)
أي المقطوعة قاله في النهاية
(6)
.
قوله: أن لا إله إلا الله، الإله: هو المعبود بحق وهو من أعظم أسماء الله
(1)
سورة الفرقان، الآية:72.
(2)
تفسير القرطبي (13/ 79).
(3)
سورة البقرة، الآية:185.
(4)
انظر الكامل (4/ 104).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (4841)، والترمذي رقم (1106) وقال: هذا حديث حسن غريب، وأحمد في مسنده (14/ 206) رقم (8518)، وابن حبان رقم (2796)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 296)، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (4520).
(6)
النهاية (1/ 252).
الحسنى، وقال صلى الله عليه وسلم:"مفتاح الجنة لا إله إلا الله"
(1)
، وفي البخاري
(2)
: قيل لوهب أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله، قال: بلى ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك"، وفي رواية غيره أن ابن عباس ذكر له قول وهب: فقال: صدق ولكن أنا أخبركم عن الأسنان ما هي، فذكر الصلاة والزكاة وشرائع الإسلام
(3)
.
فائدة: وفي كلمة لا إله إلا الله أسرار، منها: أن جميع حروفها جوف ليس فيها حرف شفهي إشارة إلى الإتيان بها من خالص الجوف وهو القلب، ومنها: أنه ليس فيها حرف معجم إشارة إلى التجرد عن كل معبود سواه، ومنها: أنها اثنا عشر حرفا كشهور السنة منها أربعة حرم وهي الجلالة حرف فرد وثلاثة سرد وهي أفضل كلماتها كما أن الحرم أفضل السنة فمن قالها مخلصًا كفرت عنه ذنوب سنة، ومنها: أن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة وهي ومحمد رسول الله أربعة وعشرون حرفًا كل حرف منها يكفر ذنوب ساعة
(4)
.
فائدة أيضًا: كلمة لا إله إلا الله فيها إثبات بعد نفي فلم كان النفي متقدمًا على الإثبات، وهل لا قدم الإثبات على النفي، فقيل: الله لا إله إلا هو، وقيل
(1)
أخرجه البزار في مسنده رقم (2660) وابن عدى في الكامل (6/ 172) من حديث معاذ بلفظ "مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله". قال البزار: وشهر بن حوشب لم يسمع من معاذ بن جبل.
(2)
باب ما جاء في الجنائز ومن كان آخر كلامه: لا إله إلا الله (2/ 71).
(3)
النجم الوهاج (1/ 192).
(4)
النجم الوهاج (1/ 192).
عنه جوابان، الأول: أنه إنما بدئ بالنفي ردًّا على زاعم الشريك ومدعيه لأنه المناسب في اللسان أن يجاب مدعي الإثبات بالنفي ومدعي النفي بالإثبات، الجواب الثاني: إنما قدم النفي على الإثبات ليُفَرِّغَ الموحدُ قلبه مما سوى الله تعالى بلسانه كما فرغه بقلبه ليواطئ اللسان القلب فإذا فرغه أثبت فيه الله حتى لا يكون مع الله غيره ومتى شغل قلبه بغيره لم يصح توحيده لأنه ليس لله شريك والقلب المشغول بغير الله لا يصح شغله بالله في حال شغله بغير الله إذ المشغول لا يشغل، فالله تعالى يقول:"من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"
(1)
قاله في كشف الأسرار
(2)
.
سؤال فيه بشرى: لم كانت لا إله إلا الله أربع كلمات فيظهر في الجواب أنه لما كان النهار نصفين والليل نصفين كانت الأنصاف الأربعة فكانت الكلمات بعدد هذه الأنصاف ليكون لمن قالها في اليوم والليلة مغفورا له ذنوب ما عمل فيها قاله في الكشف أيضًا، قال السمرقندي: في كتاب الأربعين: ويقال: من قال لا إله إلا الله هدمت عنه أربعة آلاف سيئة كل كلمة تكفر ألف سيئة
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري في كتاب خلق أفعال العباد (ص 109)، وفي التاريخ الكبير (2/ 115)، والبزار في مسنده رقم (137)، والطبراني في الدعاء رقم (1850)، والبيهقي في الشعب رقم (567) من حديث عمر، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (4989).
(2)
كشف الأسرار (لوحة 3).
(3)
كشف الأسرار (لوحة 3).
سؤال آخر يتعلق بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فيه بشرى أيضًا: لم كانت سبع كلمات ولم كانت أربعة وعشرين حرفًا؟ فالجواب إنما كانت لا إله إلا الله محمد رسول الله سبع كلمات لتكون بعدد أبواب جهنم فمن قالها كفى شر أبواب جهنم السبعة، قال الإمام فخر الدين: وإنما كانت أربعة وعشرين حرفا لتكون بعدد ساعات اليوم والليل إذ هي أربع وعشرون ساعة فمن قالها كتب له بعدد كل حرف عبادة ساعة وغفرت له ذنوب ساعة اليوم والليلة أجمع
(1)
، انتهى.
لطيفة: وجد على حاشية في كتاب الشفا أن ببلاد الهند ريحان أحمر مكتوب على ورقه لا إله إلا الله محمد رسول الله بأبيض بقلم القدرة
(2)
انتهى.
لطيفة أخرى: حكي في عجائب المخلوقات عن عبد الرحمن بن هارون المغربي قال: ركبت بحر المغرب فوصلنا إلى موضع يقال له البرطون وكان معنا غلام صقلي معه صنارة فألقاها في البحر فصاد بها سمكة نحو الشبر فنظرنا فإذا خلف أذنها اليمنى مكتوب لا إله إلا الله وفي قفاها محمد وخلف أذنها اليسرى محمد رسول الله انتهى، قاله في حياة الحيوان
(3)
.
قوله: وحده: هو مصدر في موضع نصب على الحال أي منفردا والواحد
(1)
كشف الأسرار (لوحة 3).
(2)
القبور (274) لابن أبي الدنيا.
(3)
حياة الحيوان الكبرى للدميري (2/ 40).
المنفرد الذي لا مثل له ولا نظير له وهو أعظم أسماء الله الحسنى
(1)
.
قوله: لا شىريك له، معناه: لا مشارك له في ملكه ولا في ذاته ولا في صفاته
(2)
فالشريك هو [المقارن] في الإيجاد والعدم تعالى عن ذلك، ولقد أحسن أبو العتاهية في شعره حيث قال
(3)
:
أَيَا عَجَبًا كيْفَ يُعْصَى الإِلَهُ
…
أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ جَاحِدُ
وَللَّهِ فِي كُلِّ تَحْرِيكَةٍ
…
عَلَيْكَ وَتَسْكِينَةٍ شَاهِدُ
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ اَيَةٌ
…
تَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
(4)
قوله: شهادة كافلة لي عنده بأعلى درجات أولى التوحيد كافلة، أي ضامن والكفالة الضمان.
قوله: في دار القرار والتأبيد، ودار القرار هي الآخرة لأنها لا تزول.
وقوله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله هذا اللفظ ورد في صحيح مسلم
(5)
في التشهد، والعرب تقول مررت برجل محمدي أي كثير الخصال الحميدة وألهم الله أهله أن يسموه ولما علم من حميد صفاته وفي المثل المشهور الألقاب تنزل من السماء وسمي نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم لكثرة خصاله المحمودة
(6)
.
(1)
النجم الوهاج (1/ 193).
(2)
النجم الوهاج (1/ 193).
(3)
ديوان أبي العتاهية - دار الكتب العلمية ص 62.
(4)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 94 - 95).
(5)
رقم (402).
(6)
الكواكب الدرارى (14/ 134).
سؤال: لم كان اسم محمد صلى الله عليه وسلم أربعة أحرف ولم كان [م ح م د] ولم كان على هذا الترتيب والشكل الخاص؟
الجواب: أما الأول وهو أن جعل اسمه أربعة أحرف فقال النيسابوري: لأنَّ اسم الله تعالى أربعة أحرف فجعل اسمه أربعة أحرف ليوافق اسم الله تعالى، وقد قرن الله تعالى اسم محمد صلى الله عليه وسلم باسمه في الشهادتين أثنى عليه بذلك في قوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)}
(1)
أي لا أذكر إلا وتذكر معي، وقال حسان في هذا المعنى بمدحه صلى الله عليه وسلم:
أغر عَلَيْهِ للنبوة خَاتم
…
من الله من مشهود يلوح وَيشْهد
وَضم الإلَه اسم النَّبِي إِلَى اسْمه
…
إِذا قَالَ فِي الْخمس الْمُؤَذّن اشْهَدْ
وشق لَهُ من اسْمه ليجله
…
فذو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد
(2)
وأما حروف اسمه ومعانيها فقال قوم: إن معنى الميم محق الكفر بالإسلام أو محو سيئات من أتبعه، وقيل: الميم منة الله على المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم دل عليه قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}
(3)
، وقيل: منذر ومبشر، وقيل: الميم ملك أمته، وقيل: الميم المقام المحمود، وأما الحاء قيل لحكمه بين الخلق بحكم الله، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
(1)
سورة الشرح، الآية:4.
(2)
البداية والنهاية (6/ 285)، الخصائص الكبرى (1/ 134).
(3)
سورة آل عمران، الآية:164.
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}
(1)
، وقيل: الحاء حياة أمته به، وأما الميم الثانية مغفرة الله لأمته وقيل الميم الثانية منادي الموحدين وقيل ملك به وأما الدال فهو الداعي إلى الله قال: الله تعالى: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ}
(2)
، فهو دليلهم في الدنيا ودليلهم في الآخرة إلى الجنة ذكره النيسابوري وأما وقوع هذه الأحرف على هذا الترتيب والشكل الخاص فقيل لأن الله تعالى خلق الخلق على سورة محمد صلى الله عليه وسلم فالميم بمنزلة رأس الإنسان والحاء بمنزلة اليدين وباطن الحاء كالبطن وظاهرها كالظهر والميم مجمع الإليتين والمخرج وطرفا الدال كالرجلين شعر:
له اسم صوّر الرّحمن ربّي
…
خلائقه عليه كما تراه
له رجل وفوق الرّجل ظهرٌ
…
وتحت الرّأس قد خلقت يداه
(3)
وفي اسمه صلى الله عليه وسلم عشر خصائص أضاف الله تعالى اسمه إلى نفسه.
والثانية تخليقه الخلق على سورة اسمه.
والثالثة: قرن اسمه مع اسمه.
والرابعة: كتب اسمه على ساق العرش، ويروى أنه تعالى لما خلق العرش اضطرب فلما كتب عليه اسم محمد سكن، وفيه تنبيه على أن هذا المخلوق الأكبر لم يسكن حتى كتب عليه اسم هذا المخلوق الأكبر.
(1)
سورة النساء، الآية:65.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:46.
(3)
قال الصالحي في سبل الهدى والرشاد (1/ 409): فيه تكلف.
والخامسة: اشتق اسمه من اسمه المحمود.
والسادسة: جري سفينة نوح باسمه.
والسابعة: وافق اسمه اسم الله تعالى في عدد الحروف.
والثامنة: سخرت الشياطين لسليمان بذكر اسمه.
والتاسعة: تاب الله على آدم باسمه لقوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ
…
}
(1)
الآية، روي أن آدم عليه السلام لما رأى اسم محمد صلى الله عليه وسلم مكتوبا على العرش قال: اللهم إني أسألك بحق محمد أن تتوب علي فتاب عليه
(2)
.
والعاشرة: كني آدم عليه السلام بأبي محمد دون سائر أولاده تكنى بأشرف بنيه وولد عبده
(3)
، قال الواسطي في تفسيره: العبودية أشرف من الرسالة ولهذا قدم ذكر العبودية في قوله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وقال: أبو علي الدقاق لا يوجد شيء أشرف من العبودية ولا اسم أتم للمؤمن من الوصف بها كما قيل أنه قال: لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي، ولذلك دعي به النبي صلى الله عليه وسلم في مقام تنزل الوحي ومقام الإسراء
(4)
.
(1)
سورة البقرة، الآية:37.
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الوسيط رقم (6502)، وفي المعجم الكبير (2/ 182) رقم (992)، والآجري في الشريعة رقم (992) وقال الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (25): موضوع.
(3)
كشف الأسرار (لوحة 3 و 4).
(4)
الرسالة (2/ 349).
فائدة: سمى الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم عبدًا في عشرة مواضع من القرآن:
أحدها في سورة البقرة في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}
(1)
.
الثاني في سورة الأنفال في قوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}
(2)
.
الثالث في سورة سبحان: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}
(3)
.
الرابع في الكهف: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}
(4)
.
الخامس في أول الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}
(5)
.
السادس في سورة الزمر: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}
(6)
.
السابع في سورة النجم في قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}
(7)
.
(1)
سورة البقرة، الآية:23.
(2)
سورة الأنفال، الآية:41.
(3)
سورة الإسراء، الآية:1.
(4)
سورة الكهف، الآية:1.
(5)
سورة الفرقان، الآية:1.
(6)
سورة الزمر، الآية:36.
(7)
سورة النجم، الآية:10.
الثامن في الآية التاسعة من سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}
(1)
.
التاسع في سورة الجن: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}
(2)
.
العاشر في سورة العلق: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)}
(3)
انتهى. قاله في الديباجة. فهو أشرف المخلوقات، ومذهب أهل السنة والجماعة أن النوع الإنساني أفضل من الملائكة خلافا للمعتزلة. قال: ابن العماد وكما أن جنس البشر أفضل من جنس الملائكة لا يلزم منه تفضيل كل من أحاد بني آدم على جبريل
(4)
عليه الصلاة والسلام
(5)
.
(1)
سورة الحديد، الآية:9.
(2)
سورة، الجن:19.
(3)
سورة العلق، الآيتان: 9 - 10.
(4)
انظر غرائب القرآن (1/ 245) للنيسابورى، والتعقبات على المهمات (مخ 2333 ظاهرية/ لوحة 7).
(5)
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن المطيعين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم أفضل من الملائكة؟ فأجاب: قد ثبت عن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن الملائكة قالت: يا رب جعلت بني آدم يأكلون في الدنيا ويشربون ويتمتعون فاجعل لنا الآخرة كما جعلت لهم الدنيا قال: لا أفعل ثم أعادوا عليه قال: لا أفعل ثم أعادوا عليه مرتين أو ثلاثًا فقال: وعزتي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له: كن فكان، ذكره عثمان بن سعيد الدارمي ورواه عبد الله بن أحمد في كتاب السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. وعن عبد الله بن سلام أنه قال: ما خلق الله خلقًا أكرم عليه من محمد فقيل له: ولا جبريل ولا ميكائيل فقال للسائل: "أتدري ما جبريل وما ميكائيل؟ إنما جبريل وميكائيل خلق مسخر كالشمس =
قوله: "ورسوله" فالرسول هو الذي يبلغ خبر مرسله ولفظ الرسول أخص من النبي عند الجمهور
(1)
فإن الرسول نبي وزيادة
(2)
فإنه الذي أوحي إليه للعمل والتبليغ بخلاف النبي فإنه الذي أوحي إليه للعمل فقط
(3)
وقد يكون المبعوث رسولا نبيا وقد يكون نبيًّا لا رسولًا وقد يكون رسولا لا نبيا فإن الملائكة منهم رسل وليس منهم نبيًّا قال الله عز وجل: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا}
(4)
ولم يقل أنبياء
(5)
انتهى قاله الحوفي وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في أذكار النوم.
قوله: بالبشير النذير، قال: ابن دحية وأسماؤه صلى الله عليه وسلم تقرب من المائة وقال بعض الصوفية يقرب من الألف. وقال: ابن العربي لله تعالى ألف اسم ولنبيه ألف اسم
(6)
فمنها البشير والنذير وقال: بعض العلماء ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة ذكرها الحافظ ابن عساكر
(7)
منها محمد وأحمد والحاشر هو الذي
= والقمر وما خلق الله خلقًا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما علمت عن أحد من الصحابة ما يخالف ذلك. وهذا هو المشهور عند المنتسبين إلى السنة من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم وهو: أن الأنبياء والأولياء أفضل من الملائكة. ولنا في هذه المسألة مصنف مفرد ذكرنا فيه الأدلة من الجانبين. (الفتاوى 4/ 344).
(1)
المنهاج (1/ 194).
(2)
المفهم (12/ 97)، وشرح النووى على مسلم (1/ 44).
(3)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 106) ومغني المحتاج (1/ 95).
(4)
سورة الحج، الآية:75.
(5)
انظر شرح النووى على مسلم (1/ 44).
(6)
أحكام القرآن (3/ 580)، وعارضة الأحوذى (10/ 281).
(7)
في تاريخ دمشق (3/ 17) باب معرفة أسمائه وأنه خاتم رسل الله وأنبيائه صلى الله عليه وسلم.
يحشر الناس على قدمه
(1)
، والعاقب هو آخر الأنبياء والعاقب والعقوب الذي يخلف من كان قبله في الخير، قاله في النهاية
(2)
، والمقفي والماحي وخاتم الأنبياء ونبي الرحمة ونبي الملحمة
(3)
وفي رواية "نبي الملاحم ونبي التوبة والفاتح وطه ويس وعبد الله"
(4)
. وقال: البيهقي رحمة الله
(5)
: زاد بعض العلماء فقال سماه الله في القرآن رسولًا نبيًّا أميًّا شاهدًا وداعيًا إلى الله بإذنه
(1)
عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب" أخرجه البخاري رقم (3532)، ومسلم رقم (2354).
(2)
عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب" أخرجه البخاري رقم (3532)، ومسلم رقم (2354).
(3)
أخرجه مسلم (126 - 2355) عن أبي موسى بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء، فقال:"أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة" وزاد أحمد 4/ 395 (19525) و 4/ 404 (19621) و 4/ 407 (19651)، وابن حبان (6314) ونبى الملحمة. وأخرجه أحمد (23445) والبزار (2887) عن حذيفة بلفظ: أنا محمد وأحمد ونبي الرحمة ونبي التوبة والحاشر والمقفى ونبي الملاحم. قال البزار: لا نعلمه يروى عن حذيفة إلا من حديث عاصم، عن أبي وائل، وإنما أتى هذا الاختلاف من اضطراب عاصم، لأنه غير حافظ. وقال الهيثمى في المجمع 8/ 284: رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه سوء حفظ.
وصححه الألباني في الروض (1028).
(4)
تاريخ دمشق (3/ 30 - 31)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 22).
(5)
دلائل النبوة (1/ 159 - 160).
وسراجًا منيرًا، ورؤوفًا رحيمًا ومذكرًا وجعله رحمةً ونعمةً وهاديًا ع
(1)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسمي في القرآن محمد، وفي الإنجيل أحمد، وفي التوراة أحيد وإنما سميت بأحيد لأني أحيد عن أمتي نار جهنم"
(2)
.
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم المصطفى المختار من جميع الخلق وصفوة الشيء والماحي والشهيد المصدق النور الداعي الإمام الهادي المهاجر السراج المنير والأمين المذكر العامل المنصور المزمل المدثر خاتم النبيين روؤف رحيم الصاحب الشفيع المتوكل المبارك الآمر الناهي الطيب الكريم المحلل المحرم الواسع الرافع المخبر قاسم يكنى بأبي القاسم وأبي إبراهيم قاله بعض العلماء
(3)
.
قلت: وبعض هذه المذكورات صفات فإطلاقهم الاسم عليها مجاز.
وأما نسبه فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانه بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وأنه يكنى بأبي القاسم
(4)
.
قال النووي: اختلف العلماء في هذه المسألة على مذاهب كثيرة جمعها القاضي عياض وغيره. أحدها: مذهب الشافعي وأهل الظاهر أنه لا
(1)
انظر السيرة النبوية لابن كثير (ص 183).
(2)
أخرجه ابن عدى (1/ 548) وابن عساكر (3/ 32) وقال الألباني: موضوع الضعيفة (1865).
(3)
عيون الأثر (2/ 382).
(4)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 21).
يحل التكني بأبي القاسم لأحد سواء كان اسمه محمدًا أو أحمد أو لم يكن لظاهر الحديث. والثاني: أن هذا النهي منسوخ وأن هذا الحكم كان في أول الأمر لهذا المعنى المذكور في الحديث ثم نسخ قالوا فيباح التكني اليوم بأبي القاسم لكل أحد سواء من اسمه محمد وغيره وهذا مذهب مالك قال القاضي وبه قال: جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء قالوا وقد اشتهر أن جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول وفيما بعد ذلك إلى اليوم مع كثرة فاعل ذلك وعدم الإنكار.
والثالث: مذهب ابن جرير أنه ليس بمنسوخ وإنما كان النهي للتنزيه والأدب ولا للتحريم.
والرابع: أن النهي عن التكني بأبي القاسم مخصوص بمن يكون اسمه محمدًا أو أحمد ولا بأس بالكنية وحدها لمن لا يسمى بواحد من الاسمين وهذا قول جماعة من السلف وجاء فيه حديث مرفوع عن جابر.
الخامس: أنه ينهى عن التكني بأبي القاسم مطلقا وينهى عن التسمية بالقاسم لئلا يكنى أبوه بأبي القاسم وقد غير مروان بن الحكم اسم ابنه عبد الملك وكان سماه أولا القاسم وقد فعله بعض الأنصار أيضًا.
السادس: التسمية بمحمد ممنوعة سواء كان له كنية أو لم تكن وجاء فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم"
(1)
وكتب عمر
(1)
أخرجه عبد بن حميد رقم (1264)، وأبو يعلى رقم (3386)، والحاكم في المستدرك (4/ 325)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (1/ 258)، والكلاباذي في بحر الفوائد صـ 80 =
إلى الكوفة "فلا تسموا أحدًا باسم نبي "وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم محمد حتى ذكر له جماعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم في ذلك وسماهم به فتركهم قال: القاضي والأشبه أن فعل عمر هذا إعظاما لأسماء النبي صلى الله عليه وسلم لئلا ينتهك الاسم كما سبق في الحديث: "تسمونهم محمدًا ثم تلعنونهم" وقيل فيه غير ذلك، انتهى
(1)
.
= وقال الذهبي في التلخيص: الحكم بن عطية وثقه بعضهم وهو لين، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم (6185).
(1)
شرح النووي على مسلم (14/ 112 - 113).