المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌أهمية هذا الكتاب:

- ‌القسم الأول ترجمة الحافظ المنذري

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌نشأته وتعلمه:

- ‌شيوخه:

- ‌ومن أهم شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌مؤلفاته:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌أهم مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌القسم الثاني دراسة موجزة لكتاب الترغيب والترهيب للمنذري

- ‌الباعث على تأليفه:

- ‌موضوعه:

- ‌مصادره وكيفية عزوه إليها:

- ‌اصطلاحه في الكتاب:

- ‌حكمه على الحديث:

- ‌القيمة العلمية للكتاب:

- ‌تعقبات على الترغيب والترهيب:

- ‌مختصرات الترغيب والترهيب:

- ‌القسم الثالث ترجمة الشارح

- ‌اسمه، ونسبه، ونسبته:

- ‌شيوخه:

- ‌وأما أقرانه:

- ‌تلاميذه:

- ‌مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه وبعضر الانتقادات التي وجِّهت إليه:

- ‌عقيدته:

- ‌آثاره العلمية:

- ‌القسم الرابع: التعريف بكتاب فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب

- ‌نسبة الكتاب إليه وسبب تأليفه:

- ‌سبب تأليفه:

- ‌موضوع الكتاب:

- ‌موارد المؤلف في الكتاب، وطريقته في النقل منها:

- ‌أولًا: موارد المؤلف في الكتاب:

- ‌ثانيًا: منهجه وطريقته في النقل

- ‌المطلب الرابع: القيمة العلمية للكتاب، والمآخذ عليه

- ‌أولًا: القيمة العلمية للكتاب

- ‌ثانيًا: أهم المآخذ عليه:

- ‌وَصْفُ النُّسَخ الخَطِّيَّة المُعْتَمَدَةِ في التَّحقِيق، وصورٌ منها:

- ‌عملي في الكتاب:

- ‌أولًا: تحقيق النص:

- ‌منهجي في التحقيق:

- ‌توثيق النص:

- ‌نماذج من النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق

- ‌فصل فيما يتعلق بما [يخصه] قوله: "الحمد للّه

- ‌فصل في ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌الترغيب في الإخلاص والصدق والنية

- ‌خاتمة في المدح والذم

- ‌فصل

- ‌المعصية بأحد الحرمين

- ‌الترهيب من الرياء، وما يقوله من خاف شيئا منه

- ‌[من صلى فطولها من أجل الناس]

- ‌[سيدنا عوف بن مالك الأشجعي الصحابي]:

- ‌ عبد الملك بن مروان

- ‌[المعصية بأحد الحرمين]:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌[الترغيب في إتباع الكتاب والسنة]

- ‌الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء

- ‌خاتمة الباب

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْبدَاءَة بِالْخَيرِ ليستن بِهِ والترهيب من الْبدَاءَة بِالشَّرِّ خوف أَن يستن بِهِ]

- ‌كتاب العلم

- ‌الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌الترغيب في الرحلة في طلب العلم

- ‌الترغيب بها سماع الحديث وتبليغه ونسخه والترهيب من الكذب على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء

‌الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء

77 -

عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: من أحدث فِي أمرنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رد رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَلَفظه من صنع أمرا على غير أمرنَا فَهُوَ رد وَابْن مَاجَه وَفِي رِوَايَة لمُسلم من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد

(1)

.

قوله: عن عائشة، تقدم الكلام على مناقبها، ومن مناقبها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرًا غيرها، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بسنتين، وذكر ابن أبي خيثمة في تاريخه أن عائشة أسلمت صغيرة بعد ثمانية عشر أسنانا فيمن أسلم، وروي أنها كانت تفتخر بأشياء أعطيتها لم يعطها امرأة غيرها، منها: أن جبريل عليه السلام أتي بصورتها في سرقة من حرير، وقال: هذه زوجتك، وروى أنه أتي بصورتها في راحته، وقيل: إنه قبض صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجرها، ودفن في بيتها، وكان ينزل عليه الوحي وهو معها في لحافها، ونزلت براءتها من السماء، توفيت رضي الله عنها سنة ست وخمسين، وقيل: سنة ثمان وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة، وأمرت أن تدفن بالبقيع ليلا فدفنت من ليلتها بعد الوتر، واجتمع على جنازتها أهل المدينة وأهل العوالي، وقالوا: لم

(1)

أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (17 - 1718)، وأبو داود (4606)، وابن ماجه (14) باللفظ الأول. وأخرجه مسلم (18 - 1718) باللفظ الثانى.

ص: 523

ير ليلة أكثر ناسا منها، ومناقبها كثيرة مشهورة

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" الحديث.

قال النووي

(2)

: هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلامه صلى الله عليه وسلم، وهو على اختصاره وإيجازه من أعظم قواعد الشرع وأعمها وأنفعها إذ يندرج في منطوقه ومفهومه ما لا يحصى من الفوائد

(3)

، وقد قال العلماء: إنه ربع الإسلام أو ثلث الإسلام أو نصف الإسلام بسبب ما يترتب عليه من القضايا والأحكام، وهذا الحديث مما ينبغي أن يعتني بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإبطاله للاستدلال به، والله أعلم، ففيه الحث على الإتباع والتحذير من الابتداع، وقد ألفت الناس كتبا في البدع كالطرطوسي

(4)

وأبي شامة الدمشقي

(5)

: وهو أحد شيوخ الشيخ محيي الدين

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 350 - 352 الترجمة 1180).

(2)

شرح النووي على مسلم (12/ 16).

(3)

التعيين (ص 92).

(4)

كذا هو بالسين وإنما هو بالشين المعجمة محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان ابن أيوب الفهري الطرطوشي أصله منها، يكنى: أبا بكر، ويعرف: بابن أبي وندقة [المتوفى: 520 هـ] وكتابه هو الحوادث والبدع مطبوع طبعة دار ابن الجوزى بحقيق على الحلبى.

(5)

هو الإمام، الحافظ، العلامة، شهاب الدين، أبو القاسم، عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، المقدسي، ثم الدمشقي، الشافعي، المقرئ، النحوي، (المتوفى: 665 هـ) وكتابه اسمه الباعث على إنكار البدع والحوادث مطبوع طبعة دار الهدى - القاهرة تحقيق عثمان أحمد عنبر [البداية والنهاية: 13/ 250، 251. طبقات الشافعية للسبكي: 5/ 61 - 63. فوات الوفيات: 1/ 252، 253. شذرات الذهب: 5/ 318، 319].

ص: 524

النووي، كذا قاله الحافظ العسقلاني ابن حجر وآخرهم وأبو عبد الله بن الحاج صاحب المدخل فاستقصى في بيان المحدثات والبدع والضلالات وشدد، وفي بعض ما ذكره نظر بسبب أحاديث لم يطلع عليها وقواعد وأصول لم يلتفت إليها، انتهى، قاله في شرح الإلمام.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" الأمر هنا معناه الشرع الذي شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، واستمر العمل به، واسم الإشارة قد استعمل للتعظيم.

قوله: "ما ليس منه"، قال العلماء: ما ليس منه، أي: ما ليس له في الدين أصل ثابت بوجه، فهذا هو المحدث الضلالة، وأما ما صورته محدثه ولمعناه أصل شرعي يلتحق به، فليس بضلالة، بل بعضه مندوب وبعضه واجب كما هو معروف مشهور، ولا يظن خفاؤه، فقوله:"في أمرنا" المراد بع دين الإسلام، وإنما عبر عنه بهذا اللفظ تنبيها على أن الدين هو أمرنا الذي نهتم به ونشتغل به بحيث لا يخلوا عنه شيء من أقوالنا وأفعالنا، وهذا الحديث كالميزان للأعمال في ظاهرها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله ثواب فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء

(1)

، فهذا الحديث منطوقه يدل على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود، والمراد بأمر هنا دينه وشرعه كما تقدم، فالمعنى إذًا:

(1)

جامع العلوم والحكم (1/ 183 - 184).

ص: 525

أن كل من كان عمله خارجا عن الشرع، ليس مقيد بالشرع، فهو مردود على فاعله غير مقبول منه بل معذب عليه ومسؤول عنه؛ وعن أبي عبيدة قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم جميع أمر الآخرة في كلمة: "من أحدث في أمرنا"، وجمع أمر الدنيا في كلمة:"إنما الأعمال بالنيات"

(1)

.

وقوله: في رواية مسلم: "ليس عليه أمرنا": إشارة إلى أن أعمال العاملين كلهم ينبغي أن تكون تحت أحكام الشريعة، وتكون أحكام الشريعة حاكمة عليها بأمرها ونهيها، فمن كان عمله تحت أحكام الشريعة موافقا لها فهو مقبول، ومن كان خارجا عن ذلك فهو مردود؛ والأعمال قسمان: عبادات ومعاملات؛ فأما العبادات: فما كان منها خارجا عن حكم الله ورسوله بالكلية فهو مردود على عامله كما تقدم، فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة فعمله باطل مردود عليه؛ وأما المعاملات كالعقود والفسوخ ونحوها: فما كان منها بغير أوضاع الشريعة كجعل حد الزان عقوبة مالية وما أشبه ذلك فإنه مردود من أصله ولا ينتقل به الملك لأن هذا غير معهود في أحكام الإسلام، انتهى، قاله ابن رجب

(2)

.

وفي هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أُعطِي الولاية والسيادة على سائر ملوك الأرض، والكل تحت أمره ونهيه بقوله:"من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" أي: مردود غير مقبول منه، وفيه: دليل على أن الحاكم إذا

(1)

المصدر السابق (1/ 184).

(2)

جامع العلوم والحكم (1/ 183 - 189) مختصرا.

ص: 526

حكم بحكم يخالف نص الكتاب أو السنة أو القياس الجلي نقض حكمه

(1)

، والله أعلم.

78 -

وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا خطب احْمَرَّتْ عَيناهُ وَعلا صَوته وَاشْتَدَّ غَضَبه كَأنَّهُ مُنْذر جَيش يَقُول صبحكم ومساكم وَيَقُول بعثت أَنا والساعة كهاتين ويقرن بَين أصبعيه السبابَة وَالْوُسْطَى وَيَقُول أما بعد فَإِن خير الحَدِيث كتاب الله وَخير الْهَدْي هدي مُحَمَّد وَشر الْأُمُور محدثاتها وكل بِدعَة ضَلَالَة ثمَّ يَقُول أَنا أولى بِكُل مُؤمن من نَفسه من ترك مَالا فلاهله وَمن ترك دينا أَو ضيَاعًا فَإِلَيَّ وَعلي رَوَاه مسلم وَابْن مَاجَه وَغَيرهمَا

(2)

.

قوله: عن جابر بن عبد الله، هو: جابر بن عبد الله الصحابي ابن الصحابي، كنيته: أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو محمد، وهو: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بالراء ابن عمرو بن سواد بن سلمة بكسر اللام الأنصاري السلمي المدني، وهو أحد المكثرين الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف حديث وخمسمائة حديث وأربعون حديثا، اتفق البخاري ومسلم منها على ستين حديثًا، وانفرد البخاري بستة وعشرين ومسلم بمائة وستة وعشرين حديثا، توفي جابر بالمدينة سنة ثلاث وسبعين، وقيل: ثمان وسبعين، وقيل: ثمان وستين وهو ابن أربع وتسعين سنة، وكان

(1)

النجم الوهاج (10/ 205)، ومنهاج الطالبين (ص 339).

(2)

أخرجه مسلم (43 و 44 و 45 - 867)، وابن ماجه (45)، والنسائي في المجتبى 3/ 105 (1327) و 3/ 342 (1594) و ()، وابن حبان (10).

ص: 527

قد ذهب بصره في آخر عمره، فحيث أطلق جابر في الحديث فالمراد به جابر بن عبد الله، وإذا أرادوا جابر بن سمرة قيدوه بسمرة

(1)

.

قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه، الحديث؛ قال النووي

(2)

: في الحديث جمل من الفوائد ومهمات من القواعد فيستدل به على أنه يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته لأنه هو المقصود من الخطبة ويجزل كلامه، ويكون مطابقا للفصل الذي يتكلم فيه من ترغيب وترهيب.

وفي هذا الحديث دليل على وجوب الخطبة لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"

(3)

، ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرًا عظيمًا وتحذيره خطبا جسيمًا

(4)

، لأن المقصود بالخطبة الوعظ والتحذير، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على الوصية بالتقوى في خطبته، كما رواه مسلم

(5)

، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: "الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 142 - 143 ترجمة 100).

(2)

شرح النووي على مسلم (6/ 152 - 156).

(3)

المجموع (4/ 515 - 516).

(4)

شرح النووي على مسلم (6/ 156).

(5)

النجم الوهاج (2/ 486). وعزوه الحديث لمسلم تبعه ابن الملقن في البدر المنير (11/ 412) وتعقبه ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 119) فقال: لم أر هذا، وؤع مسند أحمد "عن النعمان بن بشير سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يخطب: أنذركم النار أنذركم النار"

الحديث، وفي رواية له:"سمع أهل السوق صوته".

ص: 528

صادق يحكم فيها ملك قادر، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا"

(1)

؛ وهذا الغرض هو مقصود الخطبة، ولا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها، بل لابد من الحث على الطاعة والمنع من المعاصي

(2)

، وهذا هو المراد بقول الفقهاء في كتب الفقه: والوصية بالتقوى؛ والتقوي: امتثال أمر الله تعالى واجتناب نهيه، ولهذا قال إمام الحرمين في الوصية في بالتقوى في الخطبة لا يكفى أن يقول: اتقوا الله، بل لابد من فصل [يهز السامع كما جرى عليه الأولون]

(3)

.

قوله: الدنيا عرض، العرض بفتحتين: حطام الدنيا ومالها قل أو كثر، وإنما سمي عرضا لأن المال لا يبقى على أحد بل هو سريع الانتقال من مالك إلى مالك كالأعراض القائمة بالجواهر

(4)

.

(1)

أخرجه الشافعي في المسند (672) والأم (1/ 232) عن عمرو بن دينار مرسلًا. وأخرجه الطبراني في الكبير (7/ 288 رقم 7158) وابن عدى في الكامل (5/ 450)، والبيهقي في الكبرى (2/ 305 - 306 رقم 5807 و 5808) عن شداد بن أوس. قال ابن عدى: ولأبي مهدي سعيد بن سنان هذا غير ما ذكرت من الأحاديث، وعامة ما يرويه وخاصة عن أبي الزاهرية غير محفوظة ولو قلت إنه هو الذي يرويه عن أبي الزاهرية لا غيره، جاز ذلك لي، وكان من صالحي أهل الشام وأفاضلهم، إلا أن في بعض رواياته ما فيه.

وقال الهيثمي في المجمع 2/ 188 - 189: رواه الطبراني في الكبير وفيه أبو مهدي سعيد بن سنان وهو ضعيف جدا. وضعفه الألباني في المشكاة (5217).

(2)

النجم الوهاج (2/ 468).

(3)

انظر مقدمة نهاية المطلب (ص 254)، والنجم الوهاج (2/ 468).

(4)

شرح الأربعين الودعانية (ح 36/ ص 292).

ص: 529

وقال القرطبي

(1)

: قوله: "كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته"، كان هذا من غالب أحواله عليه السلام، وهذا أوقع في النفس وادعى لتأثير الوعظ في القلب، فينبغي للواعظ أن يتاعطاه، وأما اشتداد غضبه فيحتمل أن يكون عند أمر خولف فيه أو أن صفته صفة للغضب.

وقوله: "كأنه منذر جيش"، ومنذر الجيش: هو المخبر بجيش العدو الذي يخوف به

(2)

، أي: هو مخبرهم بما يحذرون منه من مجيء عدوهم صباحا أو مساءًا، وأصل الإنذار: الإعلام، يقال: أنذرته أنذره إنذارًا إذا أعلمته فأنا منذر ونذير أي: معلم ومخوف ومحذر، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل أنذر جيشًا فقال: أنا النذير العريان" لأنه أبين للعين وأغرب وأشنع عن المبصر، وذلك أن ربيئة القوم وعينهم تكون على مكان عالٍ، فإذا رأى العدو وقد أقبل نزع ثوبه وألاح به لينذر قومه ويبقى عريانا

(3)

.

قوله: "صبحكم ومساكم"، أي: أتاكم الجيش وقت الصباح وأتاكم وقت المساء، أو سيصبحكم العدو، ومعناه: الإغارة وكذلك مساكم أي: سيمسيكم

(4)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، أي: بعثني اللّه قريبا من الساعة فتنبهوا من نوم الغفلة

(5)

، ويجوز في الساعة النصب والضم؛ قال النووي:

(1)

المفهم (7/ 136).

(2)

المفهم (7/ 137).

(3)

النهاية (3/ 225) و (5/ 38 - 39).

(4)

المفاتيح (2/ 329)، وشرح المصابيح (2/ 239) لابن الملك.

(5)

المفاتيح (2/ 329).

ص: 530

والمشهور النصب لأن التشبيه وقع بالتفاوت الذي بين رؤوسهما إشارة إلى ما بينه وبين الساعة كقرب السبابة من الوسطى؛ ولهذا ذكر السهيلي أن ذلك نصف سبع أصبع فيكون تأخير القيامة بمقدار ذلك

(1)

، والله أعلم؛ واختلف في المراد به، فقيل: المراد بينهما شيء يسير كما بين الإصبعين في الطول؛ وقال القاضي عياض: يحتمل أنه تمثيل لمقاربتهما وأنه ليس بينهما أصبع أخرى كما أنه لا نبي بينه وبين الساعة، وقال بعضهم: المراد به أنه صلى الله عليه وسلم ليس بينه وبين الساعة نبي كما أنه ليس بين السبابة والوسطى أصبع، قال القاضي: ويحتمل أنه لتقريب ما بينهما بالمدة وأن التقارب بينهما كنسبة التقارب بين الإصبعين تقريبا لا تحديدًا

(2)

، انتهى، وقيل: هو إشارة إلى قربه من الساعة، ثم اختلفوا في معنى القرب: هل هو بالنسبة إلى طول ما بين الإصبعين طولا أو عرضا ورجحوا الطول، والله أعلم.

قوله: "ويقرن بين إصبعيه" بضم الراء على المشهور الفصيح، وحكي كسرها أيضا، وسميت السبابة بذلك لأنهم كانوا يشيرون بها عند السب

(3)

، والسبابة أيضًا تسمى بالمسبحة بكسر الموحدة المشددة، وهي التي تلي الإبهام، وسميت أيضا بالسبابة لأن الناس يشيرون بها، وسميت بالمسبحة

(1)

عزاه السهيلي للطبرى كما في الروض الأنف (4/ 420).

(2)

شرح النووي على مسلم (6/ 155).

(3)

شرح النووي على مسلم (6/ 154)، والبعلى في المطلع على ألفاظ المقنع (1/ 100)، وفتح البارى (11/ 349).

ص: 531

لأن المصلي يشير بها إلى التوحيد والتنزيه لله عز وجل عن الشريك

(1)

.

فائدة: قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا الساعة كهاتين"، وقد قيل: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة؟ فقال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" الحديث، هذا يدل على أنه لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم علم بالساعة، ورويتم عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنه قال:"بعثت أنا والساعة كهاتين" وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بهذا، فكيف يأتلف الخبران؟ فيقال له: قد نطق القرآن العظيم بقوله الحق: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا}

(2)

الآية، فلم يكن يعلمها هو ولا غيره؛ وأما قوله:"بعثت أنا والساعة كهاتين" فمعناه: أنا النبي الآخر فلا يليني نبي آخر وإنما يليني القيامة كما تلي السبابة الوسطى وليس بينهما أصبع أخرى، وهذا لا يوجب أن يكون له علم بالساعة نفسها، وهي مع ذلك دانية لأن شروحها متتابعة، وقد ذكر الله تعالى الأشراط في القرآن فقال تعالى:{فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}

(3)

أي: دنت، وأولها: النبي صلى الله عليه وسلم لا نبي آخر الزمان، وقد بعث صلى الله عليه وسلم وليس بينه وبين القيامة نبي، ثم بين صلى الله عليه وسلم ما يليه من الأشراط فقال:"أن تلد الأمة ربتها" إلى غير ذلك، قاله في التذكرة

(4)

.

(1)

مطالع الأنوار (5/ 440 - 441)، والكواكب الدراري (21/ 80)، وفتح الباري (11/ 349).

(2)

سورة الأعراف، الآية:187.

(3)

سورة محمد، الآية:18.

(4)

التذكرة (ص 1218 - 1219).

ص: 532

قوله صلى الله عليه وسلم: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله"، تقدم الكلام على كتاب الله وهو القرآن في الأحاديث المتقدمة، وتقدم الكلام أيضًا على قوله:"أما بعد" في الخطبة مبسوطًا، وأول من تكلم بها.

قوله: "وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم"، قال النووي

(1)

: ضبطناه بالوجهين بضم الهاء وفتح الدال وبفتح الهاء وإسكان الدال أيضًا، كذا جاءت الرواية بالوجهين، وقال القاضي عياض: رويناه في مسلم بالضم، وفي غيره بالفتح، وبالفتح ذكره الهروي، وفسره على رواية الفتح بالطريق والسيرة، أي: أحسن الطرق طريق محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته، يقال: فلان حسن الهدي أي الطريقة والمذهب، ومنه:"اهتدوا بهدي عمار"، وأما رواية علي الضم فمعناه: الدلالة والإرشاد، والهدي يضاف إلى الرسل والقرآن والعباد، قال الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}

(2)

، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}

(3)

وهدي للمتقين، وقوله:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}

(4)

، أي: بينا لهم الطريق، منه قوله:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}

(5)

، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)}

(6)

والهدي: بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة والتأييد هو الذي تفرد الله

(1)

شرح النووي على مسلم (6/ 154).

(2)

سورة الشورى، الآية:52.

(3)

سورة الإسراء، الآية:9.

(4)

سورة فصلت، الآية:17.

(5)

سورة الملك، الآية:3.

(6)

سورة البلد، الآية:10.

ص: 533

تعالى به في الكتاب والسنة، جمعها: دلائل، والدلالة بكسر الدال وفتحها.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وشر الأمور محدثاتها" أي: الأمور المنكرة التي ليست تعرف في الكتاب والسنة.

قوله: "وكل بدعة ضلالة" هذا الحديث من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة، والدين بريء منه وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال الظاهرة والباطنة؛ وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدعة اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون: كذلك نعمت البدعة هذه

(1)

.

قوله: نعمت البدعة هذه، هو ثناء عليها، من النعمة، ومن نعم الشيء بكسر العين وفتحها أي: حسن والنعمة هو ما يتنعم به، قال الخليل: وأصل النعمة: الخفض والدعة، نعم الرجل وأنعم صار في نعمة

(2)

، وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان، أحدهما: من الخير الذي لا خلاف فيه، فهذه بدعة محدثة غير مذمومة، وقد

(1)

جامع العلوم والحكم (2/ 783) والحديث: أخرجه: مالك في الموطأ (301)، والبخاري (2010).

(2)

مشارق الأنوار (2/ 18)، ومطالع الأنوار (4/ 181).

ص: 534

قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان: نعمت البدعة هذه، يعني: أنها محدثة لم تكن، هذا آخر كلام الشافعي

(1)

.

وقال النووي

(2)

: البدعة بكسر الباء في الشرع: هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة؛ وقال الشيخ الإمام المجتمع على إمامته وجلالته وتمكنه في أنواع الكلام وبراعته أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام في آخر كتاب القواعد، البدعة: فعل ما لم يعهد في عصر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهي منقسمة إلى بدعة واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة، قال: والطريق في معرفة ذلك: أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرمة أو المندوب فهي مندوبة أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة، وللبدع الواجبة أمثلة، منها: الاشتغال لعلم النحو الذي يفهم به كلام اللّه تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك واجب؛ لأن حفظ الشريعة واجب، ولا يتأتي حفظها إلا بذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ الثاني: حفظ غريب الكتاب والسنة من اللغة؛ الثالث: تدوين دواوين أصول الفقه؛ الرابع: الكلام في الجرح والتعدي وتمييز الصحيح من السقيم، وقد دلت قواعد الشريعة على أن حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد على المتعين، ولا يتأتي ذلك إلا بما ذكرناه؛ وللبدعة المحرمة أمثلة، منها: مذاهب القدرية والجبرية

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (3/ 23).

(2)

تهديب الأسماء واللغات (3/ 22 - 23).

ص: 535

والمرجئة والمجسمة، والرد على هؤلاء من البدع الواجبة؛ وللبدعة المندوبة أمثلة، منها: أحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول، ومنها: التراويح والكلام في دقائق التصوف والجدل، ومنها: جمع المحافل للاستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله؛ وللبدع المكروهة أمثلة: كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف، وأما تلحين القرآن بحيث يغير ألفاظه عن الوضع العربي فالأصح أنه من البدع المحرمة؛ وللبدع المباحة أمثلة، منها: المصافحة في عقيب الصبح والعصر، ومنها: التوسع في اللذيذ من المأكل والمشرب والملابس والمساكن ولبس الطيالسة وتوسيع الأكمام، وقد يختلف في بعض ذلك. فيجعله بعض العلماء من البدع المكروهة، ويجعله آخرون من السنن المفعولة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بعده، وكذلك الاستعاذة والبسملة، هذا آخر كلامه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه"، أي: أحق، قال الأصحاب: فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا احتاج إلى طعام أو غيره وجب على صاحبه بذله له صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا وإن كان جائزًا لم يقع

(1)

.

قوله: "من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ"، الضياع والضيعة: بفتح الضاد العيال المحتاجون الضائعون، والمراد: من ترك أطفالًا وعيالًا وذا حاجة يضيعون بعده، أي: لا شيء لهم

(2)

، قيل: إنه كان صلى الله عليه وسلم

(1)

شرح النووي على مسلم (6/ 155).

(2)

شرح النووي على مسلم (11/ 61).

ص: 536

يقضيه من مال مصالح المسلمين، وقيل: من خالص مال نفسه، وقيل: كان هذا القضاء واجبًا عليه صلى الله عليه وسلم، وقيل: تبرع منه، والخلاف فيه وجهان لأصحابنا وغيرهم، والصحيح: أنه كان واجبا عليه، واختلف أصحابنا في قضاء دين من مات وعليه دين، قيل: يجب قضاؤه من بيت المال، وقيل: لا يجب، وهذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما فتح الله عليه الفتوح واتسعت أموال بيت المال، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الإسلام لا يصلي على من ترك دينا لا وفاء له لئلا تساهل الناس في الاستدانة ويهملوا الوفاء فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم، فلما فتح الله عليه عاد يصلي عليهم ويقضي دين من لم يخلف وفاء، واختلف أصحابنا: هل هو من الخصائص أو لا؟ فقال بعضهم: كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولا يلزم الإمام أن يقضيه من بيت المال، وقال بعضهم: ليس من خصائصه بل يلزم كل إمام أن يقضي من بيت المال دين من مات وعليه دين إذا لم يخلف وفاء وكان في بيت المال سعة ولم يكن هناك أهم منه، والله أعلم، قاله النووي

(1)

، ومعنى هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم وموته، وأنا وليه في الحالين، فإن كان عليه دين قضيته من عندي إن لم يخلف وفاء، وإن كان له مال فهو لورثته لا آخذ منه شيئًا، وإن خلف عيالًا محتاجين ضائعين فليأتوا إلي فعلى نفقتهم ومؤونتهم" والله أعلم، قاله النووي في شرح مسلم

(2)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (6/ 155).

(2)

شرح النووي على مسلم (11/ 60 - 61).

ص: 537

79 -

وَعَن مُعَاوِيَة رضي الله عنه: قَالَ قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَلا إِن من كَانَ قبلكُمْ من أهل الْكتاب افْترقُوا على ثِنْتَيْنِ وَسبعين مِلَّة وَإِن هَذِه الأمة ستفرق على ثَلاث وَسبعين ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّار وَوَاحِدَة فِي الْجنَّة وَهِي الْجَمَاعَة رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَزَاد فِي رِوَايَة وَإنَّهُ ليخرج فِي أمتِي أَقوام تتجارى بهم الأهْوَاء كمَا يتجارى الْكَلْب بِصَاحِبِهِ لا يبْقى مِنْهُ عرق وَلا مفصل إِلَّا دخله

(1)

قَوْله الْكَلْب بِفَتْح الْكَاف وَاللَّام قَالَ الْخطابِيّ هُوَ دَاء يعرض للإنْسَان من عضة الْكَلْب الْكَلْب قَالَ وعلامة ذَلِك فِي الْكَلْب أَن تحمر عَيناهُ وَلا يزَال يدْخل ذَنبه بَين رجلَيْهِ فَإِذا رأى إنْسَانا ساوره.

قوله: عن معاوية، كنيته: أبو عبد الرحمن، معاوية بن أبي سفيان، صحابي بن الصحابي بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي، أمه: هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، يجتمع أبوه وأمه في عبد شمس، أسلم هو وأبوه أبو سفيان وأخوه يزيد بن أبي سفيان وأمه هند في فتح مكة، وقيل: إنه أسلم في عمرة القضاء وكتم إسلامه، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

أخرجه أحمد 4/ 102 (16937)، والدارمى (2560)، وأبو داود (4597)، والفسوى في المعرفة والتاريخ (2/ 330 - 331) و (3/ 388)، وابن أبي عاصم في السنة (1) و (2) و (65) و (69)، والطبراني في الكبير (19/ 376 - 377 رقم 884 و 885) والشاميين (1005 و 1006)، والحاكم 1/ 128. وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (51)، والصحيحة (204). وقوله وزاد

إلخ هي عند أحمد وأبى داود وإنما زاد أحمد بعدها قوله وَاللهِ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَئِنْ لَمْ تَقُومُوا بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم، لَغَيْرُكُمْ مِنَ النَّاسِ أَحْرَى أَنْ لَا يَقُومَ بِهِ.

ص: 538

حنينًا، وأعطاه من غنائم هوزان مائة بعير وأربعين أوقية، كان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم ثم حسن إسلامهما، ولما بحث أبو بكر الصديق الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد، فلما مات يزيد استخلفه على عمله بالشام وهو بدمشق فأقره عمر رضي الله عنه مكانه، ولما ولاه عمر بن الخطاب الشام مكان أخيه يزيد بقي أميرًا خلافة عمر ثم أقره عثمان، وولي الخلافة بعد ذلك عشرين سنة تقريبا، ولي دمشق أربع سنين في خلافة عمر، واثنتا عشرة سنة من خلافة عثمان مع ما أضاف إليه من باقي الشام، وأربع سنين تقريبًا أيام خلافة علي وستة أشهر خلافة الحسن، وسلم إليه الحسن الخلافة سنة إحدى وأربعين، وقيل: سنة أربعين، والأول أصح، واتفقوا على أنه توفي بدمشق، والمشهور أنه توفي يوم الخميس لثمان بقين من رجب، وقيل: لنصف رجب سنة ستين من الهجرة، وقيل: سنة تسع وخمسين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل: غير ذلك، وروي عنه أنه قال: ما زلت أطمع بالخلافة منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن وليت فأحسن"، ومناقبه كثيرة مشهورة، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثلاثة وستون حديثا، اتفق البخاري ومسلم منها على أربعة أحاديث، وانفرد البخاري أربعة، ومسلم بخمسة، والله أعلم

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا أن من كان قبلكم افترقوا على ثنتين وسبعين ملة" الحديت، اختلف في أهل الكتاب من هم؟ هم اليهود والنصارى دون غيرهم كمن

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 101 - 104 الترجمة 588).

ص: 539

يؤمن بزبور داود وصحف إبراهيم وشيث، فلا يسمون أهل الكتاب؛ لأن الزبور فيه مواعظ فقط، فلذلك لا يسمون بخلاف التوراة والإنجيل، وقد قال الله تعالى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا}

(1)

اليهود والنصارى، وعلى هذا القول: اختلف العلماء في طائفتين من هم، وهم: السامرة ضرب من اليهود، والصابئة ضرب من النصارى، هل يقاتلون مقاتلة اليهود والنصارى أم لا، فالذي أفتى به أبو سعيد الاصطخري لما استفتاه القاهر من خلفاء بني العباس في الصابئين أنهم يقتلون، وعلل ذلك بأنهم يعتقدون أن الفلك حي ناطق وأن الكواكب السبعة آلهة مدبرة، والمذهب المشهور أنهم إن وافقوا اليهود والنصارى في أصول دينهم كانوا منهم وإن خالفوهم لم يكونوا منهم، وكان حكمهم حكم عبدة الأوثان

(2)

، والله أعلم، قاله في الديباجة.

قوله: "افترقوا على ثنتين وسبعين ملة"، والملة: ما شرع الله لعباده على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ليتوصلوا به إلى النجاة، ثم توسع فيها بعد ذلك فاستعملت في الملل الباطلة

(3)

.

قوله: "وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين" قال بعض العلماء: الفرقة التي زادت في هذه الأمة هي التي تبغض العلماء وتعادي الفقهاء،

(1)

سورة الأنعام، الآية:156.

(2)

انظر المجموع شرح المهذب (16/ 232 - 235).

(3)

شرح المشكاة (2/ 640)، وكشف المناهج (1/ 145).

ص: 540

ولم يكن ذلك فيمن تقدم قبلنا من الأمم

(1)

، بل كانوا منقادين لعلمائهم محبين لهم كما وصفهم الله تعالى في كتابه، بقوله:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}

(2)

، والأمة: يجوز أن يراد بهم أمة الدعوة فتندرج سائر أرباب الملل الذين ليسوا على قبلتنا أو أمة الإجابة، فالمراد: نحل أهل القبلة، وقال بعض العلماء: الأمة عبارة عن أهل ذلك الزمان على أي ملة كانوا، وقد تطلق الأمة على الزمن مجازًا

(3)

، والله أعلم، وروى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على أمتي ما أتى علي بني إسرائيل" فذكر الحديث، إلى أن قال:"وأن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة" قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي" قال الترمذي: حديث حسن غريب، وخرجه الترمذي أيضًا من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة".

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثنتان وسبعون في النار"، أي: كلهم يفعلون ويعتقدون ما هو موجب دخول النار فإن كان كفرًا وماتوا عليه دخلوها ولا يخرجون، وإلا

(1)

انظر تفسير القرطبي (7/ 141).

(2)

سورة التوبة، الآية:31.

(3)

المفاتيح (1/ 72)، وكشف المناهج (1/ 145)، وشرح المصابيح (1/ 177) لابن الملك.

ص: 541

فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنهم وإن شاء أدخلهم النار ثم أخرجهم

(1)

.

وقوله: "أمتي"، إشارة إلى أن الفرق المبتدعة كلهم مسلمون

(2)

. انتهى.

قوله: "وواحدة في الجنة"، وهي: الأمة والجماعة التي أمر بلزومها السواد الأعظم، وقال: كل ما كان عليه السواد الأعظم من أهل الإسلام فهو الحق الواجب الذي لا يجوز لأحد من المسلمين خلافه، وقال آخرون: الجماعة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزومها جماعة أئمة المسلمين، وذلك لأن الله تعالى جعلهم حجة على خلقه، وإليهم يفزع العامة في دينهم ودنياهم، وهم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم:"لن تجتمع أمتي على ضلالة"، وسئل عبد الله بن المبارك عن الجماعة الذي ينبغي أن يقتدى بهم، فقال: أبو بكر وعمر، وكر واحدا بعد واحد من العلماء، وقال آخرون: الجماعة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزومها هم الصحابة لأنهم كالنجوم بهم يهتدى من اقتدى، وهم الذين ضمن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يجمعهم على ضلالة، وقال آخرون: الجماعة هم أهل الإسلام، وفي حديث أبي بكرة حجته في ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم فقال: إن الجماعة المأمورين بإتباعها هي السواد الأعظم مع الإمام الجامع لهم، وإذا لم يكن لهم إمام وتفرق الناس أحزابًا فالواجب اعتزال تلك الفرق كلها كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر

(3)

،

(1)

المفاتيح (1/ 278).

(2)

المفاتيح (1/ 278).

(3)

انظر شرح الصحيح (10/ 33 - 35) لابن بطال.

ص: 542

انتهى، قاله في الديباجة.

وروى الدارقطني عن أسامة بن شريك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يد الله على الجماعة، فإذا شذ الشاذ منهم اختطفته الشياطين كما يختطف الذئب الشاة من الغنم"

(1)

وثبت في الصحيح: "ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا"

(2)

وثبت في الصحيح أيضًا: "ذروني ما تركتكم عليه، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا"

(3)

الحديث، فتبين بهذه الأحاديث أن لزوم الجماعة واجب.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وأنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء"، أي: تتواقعون في الأهواء الفاسدة ويتداعون فيها، أي: تدخل فيهم تلك الأهواء، جمع: الهوى، والمراد هنا: البدعة

(4)

.

قوله: "كما يتجارى الكلب بصاحبه"، أي: كما يدخل الكلب في جميع أعضاء الرجل، فكذا البدعة تدخل وتؤثر في جميع أعضاء المبتدع بحيث لا يقدر أن يزيلها عنه

(5)

، قال الحافظ رحمه الله: الكلب داء يعرض للإنسان من

(1)

أخرجه الطبراني (1/ 186 رقم 489)، واللالكائى في أصول السنة (144). قال الهيثمي في المجمع 5/ 218: رواه الطبراني وفيه عبد الأعلى بن أبي المساور وهو ضعيف.

(2)

أخرجه ابن ماجه (1). وصححه الألباني في الإرواء (155).

(3)

أخرجه البخاري (7288) ومسلم (130 - 1337) عن أبي هريرة

(4)

النهاية (1/ 364)، والمفاتيح (1/ 280)، وكشف المناهج (1/ 146).

(5)

المفاتيح (1/ 281).

ص: 543

عضة الكلب، الكلب فذكره وفي آخره:"فإذا رأى إنسانًا ساوره" أي: واثبه، قال الشاعر

(1)

:

فَبِتُّ كأَنِّي سَاوَرَتْنِي ضَئِلَةٌ

مِنَ الرُّقْشِ في أَنْيَابِهَا السُّمُّ نَاقِعُ

الضئيلة: الحية، شبه تجارى الكلب بصاحبه بجري الفرس

(2)

.

وقال بعض العلماء: هو داء يعرض للإنسان من عضة الكلب الكلب فيصيبه شبه الجنون فلا يعض أحدا إلا كلب، فإذا عقر هذا الكلب إنسانًا فأعرض له من ذلك أعراض رديئة، منها: أن يمتنع من شرب الماء حتى يهلك عطشًا، ولا يزال يستسقى حتى إذا سُقى الماء لم يشربه، فإذا استحكمت هذه العلة به فقعد للبول خرج منه على هيئة صور الكلاب الصغار، وقيل: إن هذا المعضوض ينتظر به سبعة أيام، فإن بال على هذه الهيئة يبرأ منه وإلا هلك، واجتمعت العرب على أن دواة قطرة من دم ملك تخلط بها فيشفاه، فالكلب داء عظيم إذا تجارى بالإنسان وتمادى هلك، كما تقدم ذكره، شبه صلى الله عليه وسلم تمكن الأهواء من قلوب أهل البدع بتمكن الكلب من الكلب بحيث لا يقبل الانفصال

(3)

.

(1)

البيت للنابغة انظر غريب الحديث لابن سلام (3/ 317)، والحيوان (4/ 381)، وغريب الحديث (2/ 492) لابن قتيبة، ومشارق الأنوار (2/ 230).

(2)

النهاية (1/ 364)، والعدة شرح العمدة (3/ 1703).

(3)

النهاية (4/ 195)، وشرح المشكاة (2/ 641 - 642)، وحياة الحيوان (2/ 378 - 379)، وشرح المصابيح (1/ 178) لابن الملك.

ص: 544

فئدة في عجائب المخلوقات: إن بقرية من أعمال حلب بئر يقال لها بئر الكلب إذا شرب منها من عضه الكلب برئ، وهي مشهورة، قال بعض أهل القرية: إذا لم يجاوز المكلوب أربعين يومًا وشرب منها برئ، أما إذا جاوز الأربعين فإنه يموت ولو شرب منها، وذكر أنه شاهد ثلاثة أنفس مكلوبين فشربوا فسلم اثنان، وكانا لم يبلغا الأربعين ومات الثالث وكان قد تجاوز الأربعين، وهذا البئر منها يشرب أهل تلك الضيعة

(1)

، انتهى.

80 -

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ سِتَّة لعنتهم ولعنهم الله وكل نَبِي مجاب الزَّائِد فِي كتاب الله عز وجل والمكذب بِقدر الله والمتسلط على أمتِي بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذلّ الله والمستحل حُرْمَة الله والمستحل من عِتْرَتِي مَا حرم الله والتارك السّنة. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا أعرف لَهُ عِلّة

(2)

.

(1)

حياة الحيوان (2/ 379).

(2)

أخرجه الترمذى (2154)، والأزرقى في أخبار مكة (2/ 125)، والفاكهى في أخبار مكة (1484 و 1485 و 1486)، وابن أبي عاصم في السنة (44) و (337)، والطحاوى في مشكل الآثار (3460 و 3461) وابن حبان في صحيحه (5749)، والطبراني في الكبير (3/ 126 - 127 رقم 2883)، وفي الأوسط (2/ 186 رقم 1667)، وفي الدعاء (2090)، وابن بطة في الإبانة (1531)، والحاكم (1/ 36 و 2/ 525 و 4/ 90).

قال أبو زرعة في العلل (1767): حديث ابن أبي الموالي خطأ، والصحيح: حديث عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن علي بن الحسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. وضعفه الألباني في الضعيفة (3689) وضعيف الترغيب (35) والظلال (44).

ص: 545

قوله: وعن عائشة، تقدم الكلام على مناقبها.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ستة لعنتهم لعنهم الله، وكل نبي مجاب"، وفي بعض النسخ:"وكل نبي يجاب" أي: مستجاب الدعوة، ومعناه: ستة أشخاص دعوت عليهم بسوء لعنهم الله، ودعائي مقبول لأن كل نبي مجاب الدعوة، أحد الستة: الزائد في كتاب الله، أي: في القرآن أو في حكم الله، قيل: هو الذي يتأول القرآن على غير تأويله وسائر كتب الله تعالى كالتوراة والإنجيل كذلك

(1)

.

الثاني: التكذيب بقدر الله تعالى، عده العلماء كبيرة من الكبائر، والمكذب بقدر الله هو الذي يقول بخلق أفعال العباد، والقدر بفتح الدال وإسكانها: قدر الله الذي يجب الإيمان به كله خيره وشره حلوه ومره نفعه وضره لما روى ابن ماجه عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "أسلم تسلم" قال: فقلت: وما الإسلام؟ قال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها وحلوها ومرها"

(2)

، ولما كان الإيمان بالقدر من أعظم أركان الإيمان عقبه به، ومذهب أهل الحق إثبات القدر كما جاء به القرآن والسنة الصحيحة المشهورة، ومعناه: أن الله تعالى قدر الأشياء في القدم

(1)

المفاتيح (1/ 213 - 214).

(2)

أخرجه ابن ماجه (87)، وابن أبي عاصم في السنة (135)، والطبراني في الكبير 17/ (17/ 81 رقم 182)، والبيهقي في القضاء والقدر (197 و 198). وضعفه الألباني جدا في ضعيف الجامع (6399) وضعيف ابن ماجه (87).

ص: 546

وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقاتها معلومة عنده سبحانه وتعالى، وخالفت القدرية هذا وزعمت أنه سبحانه وتعالى لم يقدرها، ولم يتقدم علمه بها وأنها مستأنفة العلم، أي: إنما علمها سبحانه وتعالى بعد وقوعها، وكذبوا على الله تعالى، وتعالى الله عن إفكهم علوًا كبيرًا

(1)

.

قال الخطابي

(2)

: القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى والشر إلى غيره، ولذلك سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوسًا لمشابهة مذهبهم مذهب المجوس القابلين بالأهين اثنين، فالقدر سر من أسرار الله تعالى ضربت دونه الأستار، اختص به العليم الخبير، وحجبة عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة، وقد طوي الله علم القدر عن العالم فلا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب، قال النووي

(3)

: المراد بالقدر هنا القدر المعروف، وهو: ما قدره الله تعالى وقضاه وسبق به علمه وإرادته، انتهى، قاله في الديباجة.

تتمة: روى البيهقي في كتاب الشهادات

(4)

عن الربيع قال: سئل الشافعي عن القدر، فأنشأ يقول:

مَا شِئْتَ كَانَ وَإِنْ لَمْ أَشَأْ

وَمَا شِئْتُ إِنْ لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ

خَلَقْتَ الْعِبَادَ عَلَى مَا عَلِمْتَ

فَفِي الْعِلْمِ يَجْرِي الْفَتَى وَالْمُسِنْ

(1)

شرح النووي على مسلم (1/ 154).

(2)

معالم السنن (4/ 317).

(3)

شرح النووي على مسلم (16/ 205).

(4)

أخرجه البيهقي في الكبرى (10/ 348 - 349 رقم 20896).

ص: 547

عَلَى ذَا مَنَنْتَ وَهَذَا خَذَلْتَ

وَهَذَا أَعَنْتَ وَذَا لَمْ تُعِنْ

فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَمِنْهُمْ سَعِيدٌ

وَمِنْهُمْ قَبِيحٌ وَمِنْهُمْ حَسَنْ

الثالث: المتسلط على أمتي بالجبروت، أي: المستولي الغالب بالكبرياء والعظمة لإعزاز من أذله الله كالكفار وإذلال من أعزه الله تعالى كالمؤمنين

(1)

.

الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: "والمستحل حرمة الله تعالى"، وهو: المستحل في حرم مكة ما لا يجوز فعله

(2)

.

الخامس: المستحل من عترتي ما حرم الله، قال في النهاية

(3)

: عترة الرجل أخص رجاله، وعترة النبي صلى الله عليه وسلم بنو عبد المطلب، وقيل: أهل بيته الأقربون، وهم أولاده وعلي وأولاده، وقيل: عترته الأقربون والأبعدون منهم، ومنه حديث أبي بكر الصديق: نحن عترته صلى الله عليه وسلم وبيضته التي تفقأت عنهم، لأنهم كلهم من قريش، ومنه حديثه الآخر قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين شاور أصحابه في أساري بدر: عشيرتك وقومك، أراد بعشيرته العباس ومن كان فيهم من بني هاشم، وبقومه قريشًا.

وقال ابن الأعرابي: العترة الذرية، وقال القتيبي: العشيرة

(4)

، والمشهور المعروف أن عترته أهل بيته الذين حرمت عليهم الزكاة

(5)

، والله أعلم.

(1)

المفاتيح (1/ 214)، وشرح المصابيح (1/ 127) لابن الملك.

(2)

المفاتيح (1/ 215).

(3)

النهاية (3/ 177).

(4)

انظر تهذيب اللغة (2/ 157).

(5)

النهاية (3/ 177).

ص: 548

السادس: التارك السنة، تارك السنة من الستة الذين لعنهم الله، وكل نبي مجاب، فتارك السنة هو الذي يعرض عنها بالكلية أو بترك بعضها استخفافًا، وقلة مبالاة بها

(1)

، ومعنى السنة: ما وضعه النبي صلى الله عليه وسلم من أحكام الدين، وذلك قد يكون فرضا في كزكاة الفطر، وغير فرض كصلاة العيد، والله أعلم.

تتمة: قال الأوزاعي: رأيت رب العزة في المنام، فقال: يا عبد الرحمن أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، قلت: بفضلك يا رب، ثم قلت: رب أمتني على الإسلام، فقال جل جلاله: وعلى السنة، فقلت: وعلى السنة

(2)

.

قال الشيخ محيي الدين النووي

(3)

: كنية الأوزاعي أبو عمرو الشامي الدمشقي، وكان اسمه عبد العزيز فسمى نفسه عبد الرحمن، فهو: عبد الرحمن بن عمرو بن محمد، وكان أصله من سبي السند، فالأوزاعي منسوب إلى الأوزاع بطن من حمير، وقيل: من همدان بسكون الميم، وقيل: الأوزاع قرية عند باب الفراديس، وقيل: هو نسبة إلى أوزاع القبائل أي فرقها، وبقايا من قبائل شتى، كان إمام أهل الشام في عصره بلا مدافعة ولا مخالفة، وكان أهل الشام والمغرب على مذهبه قبل انتقالهم إلى مذهب مالك، وكان يسكن دمشق خارج باب الفراديس ثم تحول إلى بيروت فسكنها مرابطا إلى

(1)

انظر: المفاتيح (1/ 215 - 216)، وشرح المصابيح (2/ 573)، وشرح المصابيح (1/ 128) لابن الملك.

(2)

حلية الأولياء (6/ 142).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 298 - 300 الترجمة 355).

ص: 549

أن مات، وهو من تابعي التابعين، وأجمعت العلماء على إمامته وجلالته وكمال فضله وعلو مرتبته، قيل: أجاب الأوزاعي في سبعين ألف مسألة، وقيل: أفتى في ثمانين ألف مسألة، وما كان أحد أعلم بالسنة من الأوازعي، لقد جمع بين العبادة والورع والقول بالحق، وذكر أبو إسحاق الشيرازي في الطبقات: الأوزاعي سئل عن الفقه، يعني: استفتى ثلاث عشرة سنة، وأقوال السلف في أقواله ومناقبه كثيرة، ولد رضي الله عنه سنة ثمان وثمانين، ومات في سنة سبع وستين ومائة في خلافة أبي جعفر، ومات في حمام بيروت، دخل الحمام فذهب لقضاء حاجة، وأغلق عليه الباب، ولما فتح الباب فوجده ميتا متوسد يمينه مستقبل القبلة، وقال أبو الفتح: قال الأوزاعي: ليس ساعة من ساعات الدنيا إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة يوما بيوم وساعة بساعة، فالساعة التي لا يذكر الله فيها إذا مرت ندم عليها حسرات، فكيف إذا مرت ساعة مع ساعة ويوم مع يوم، وكان رضي الله عنه لا يكلم أحدا بعد صلاة الفجر، وقال: من أطال قيام الليل هون الله عليه يوم القيامة، انتهى.

81 -

وَعَن أبي بَرزَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّمَا أخْشَى عَلَيْكُم شهوات الغي فِي بطونكم وفروجكم ومضلات الْهوى رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي معاجيمه الثَّلَاثَة وَبَعض أسانيدهم رُوَاته ثِقَات

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد 4/ 420 (19773) و 4/ 423 (19787)، والفسوى في مشيخته (23)، والبزار (3844) و (4503)، والخرائطى في اعتلال القلوب (88)، والطبراني في الصغير (1/ 309 رقم 511)، والبيهقي في المدخل (830).

ص: 550

82 -

وَعَن عَمْرو بن عَوْف رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِنِّي أَخَاف على أمتِي من ثَلَاث من زلَّة عَالم وَمن هوى مُتبع وَمن حكم جَائِر رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق كثير بن عبد الله وَهُوَ واه وَقد حسنها التِّرْمِذِيّ فِي مَوَاضِع وصححها فِي مَوضِع فَأنْكر عَلَيْهِ وَاحْتج بهَا ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: وعن عمرو بن عوف (هو أبو عبد الله عمرو بن عوف بن زيد بن مليحة، بضم الميم، وقيل: ملحة، بضمها أيضا، ابن عمرو بن بكر بن أفرك بن عثمان بن عمرو ابن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر المزنى، كان قديم الإسلام، يقال: هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: أول مشاهده الخندق، وكان أحد البكائين في غزوة تبوك الذين نزل فيهم قوله تعالى: (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ)

(2)

. توفى في آخر خلافة معاوية. له عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. ومزينة التي ينسبون إليها هي أم أولاد عثمان بن عمرو

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إني أخاف على أمتي من ثلاث، من زلة عالم ومن هوى متبع

= قال الهيثمى في المجمع 1/ 188: رواه أحمد والبزار والطبراني في الثلاثة، ورجاله رجال الصحيح؛ لأن أبا الحكم البناني الراوي عن أبي برزة بينه الطبراني فقال: عن أبي الحكم، هو علي بن الحكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (52) و (2143).

(1)

أخرجه المعافى بن عمران في الزهد (216)، والبزار (3384)، والطبراني في الكبير (17/ 17 رقم 14)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 10)، والقضاعى في مسند الشهاب (1127). قال الهيثمى في المجمع 1/ 187: رواه البزار، وفيه كثير بن عبد الله بن عوف، وهو متروك، وقد حسن له الترمذي. وضعفه الألباني جدًّا في ضعيف الترغيب (36).

(2)

سورة التوبة، الآية:92.

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 33 الترجمة 456).

ص: 551

ومن حكم جائر" [قال ابن عباس: ويل للعالم من الاتباع يزل زلة فيرجع عنها ويحملها الناس فيذهبون بها في الآفاق وقال بعضهم مثل زلة العالم مثل انكسار السفينة تغرق ويغرق أهلها فقد استبان لك أيها الأخ كما تضاعف حسنة العالم إذا اقتدى به كذلك تضاعف سيئته إذا اقتدي به فكم من رجل كان يحسن صلاته مدة سنين فرأى عالما يسيء صلاته ويتهاون بالطمأنينة فيها والخشوع فترك ما كان عليه واقتدى بالعالم في ذلك واتخذه عادة ظنا منه أن هذه الصفة تجزئ وإن مثل هذا العالم لا يفعل إلا ما يجوز والنفوس قد طبعت على الميل إلى الراحة وإيثار الرخص وإتباع الأيسر من الواجبات والنفور عن العزائم والتشديدات فلو قيل له لم تسيء صلاتك لقال وما نسبتي إلى العالم فلان وقد رأيته يصلي كذلك فإن كنت منكرا فأنكر عليه فما أنا بأعلم منه ونحو هذا الكلام وقس على هذا جميع ما يصدر من المتلبسين بالعلم فتجد ذلك أعظم الأسباب في جرأة الجاهلين على الذنوب وارتكابهم المعاصي وقلة مبالاتهم بالمخالفات وأشد ما في ذلك على العالم أن العاصي ربما كان يأتي المعصية مع استشعار الخوف والندم وغير ذلك من الأسباب التي تصغر تلك المعصية وإن كانت كبيرة فإذا رأى العالم يفعلها صغرت في عينه وهانت في قلبه وأتاها بإقدام وجرأة فإن كانت صغيرة صارت بذلك كبيرة وإن كانت كبيرة كانت فاحشة غليظة موبقة وبعدت عليه التوبة منها لأنه يأتيها بنوع تأويل باطل يرجع إلى تقليد العالم فيها والاقتداء به وأنه إنما أتاها لعلمه أن فيها رخصة لا يعلمها الجاهل وإثم جميع ذلك على العالم الذي اقتدي به في الضلال وأقامه مقام إبليس في الإضلال ومثل هذا العالم يجب

ص: 552

عليه فيما يرتكبه أمران أحدهما: ترك الذنب.

والآخر: إخفاؤه عمن يقتدى به فيه فكل هذه الأمور وأشباهها مما تعظم به الصغائر وتنتقل إلى رتب الكبائر فيجب على مرتكبها إن لم يوفق للتوبة منها أن يحترز عما تعظم به ولا يغفل عن عظمة من عصاه ويشكر مولاه على ستر الجميل في مخالفته وحمله عليه في عصيانه ويتلبس أبدا بالندم والانكسار ويتوقع التوبة والعفو بشهود الفاقة والافتقار ويتطهر ما أمكنه عن الذنوب أجمع فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين

(1)

].

83 -

وَرُوِيَ عَن غُضَيْف بن الْحَارِث الثمالِي قَالَ: بعث إِلَيّ عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ: يَا أَبَا سُلَيْمَان إِنَّا قد جَمعنَا النَّاس على أَمريْن، فَقَالَ: وَمَا هما قَالَ رفع الأَيْدِي على المنابر يَوْم الْجُمُعَة والقصص بعد الصُّبْح وَالْعصر فَقَالَ أما إنَّهُمَا أمثل بدعتكم عِنْدِي وَلست بمجيبكم إِلَى شَيْء مِنْهُمَا قَالَ لم قَالَ لِأن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا أحدث قوم بِدعَة إِلَّا رفع مثلهَا من السّنة فتمسك بِسنة خير من إِحْدَاث بِدعَة. رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار

(2)

.

قوله: عن غضيف بن الحارث الثمالي، الثمالي بالثاء المثلثة مضمومة منسوب إلى ثمال بطن من الأزد.

(1)

تنبيه الغافلين (ص 365 - 366).

(2)

أخرجه أحمد 4/ 105 (16970)، وابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 9 - 10)، والمروزى في السنة (97)، والبزار (131/ كشف الأستار). وقال الهيثمى في المجمع 1/ 188: رواه أحمد والبزار، وفيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم، وهو منكر الحديث. وضعفه الألباني في الضعيفة (6707) وضعيف الترغيب (37).

ص: 553

قوله: بعث إلي عبد الملك بن مروان، عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاصي الأموي، كان والي المدينة من جهة معاوية ولد مروان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصح له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم والرواية لأنه خرج إلى الطائف مع أبيه وهو طفل لا يعقل حين نفى النبي صلى الله عليه وسلم أباه الحكم إليها، وكان مع أبيه فيها حتى استُخلف عثمان فردهما إلى المدينة، وكان إسلام الحكم يوم فتح مكة، وطرده النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لأنه كان يفشي سره، مات في خلافة عثمان، ولما توفي معاوية بن يزيد بايع بعض الناس مروان بالخلافة، روى عن عمر وعثمان وعلي وزيد وبسرة بنت صفوان، وروى عنه: ابنه عبد الملك وسهل بن سعد وعروة بن الزبير وعلي بن الحسن ومجاهد وغيرهم، وكان كاتبًا لمعاوية في خلافته في خلافته، وولي له أمر المدينة والموسم غير مرة، بويع له بالخلافة بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية بالجابية، وكان الضحاك قد غلب على دمشق وبايع فيها لابن الزبير، ثم دعا إلى نفسه، فقصده مروان ووافقه بمرج راهط فقتله، وغلب على دمشق، وقدم مصر لغزو أهل المغرب سنة سبع وثلاثين ثم قدمها بعدما بويع له بالشام في جمادي الأول سنة خمس وثلاثين، وتوفي في رمضان منها سنة ثلاث وستين، وقيل: سنة خمس وستين، ودفن بباب الجابية أو باب الصغير بدمشق، والله أعلم

(1)

.

قوله: إنا قد جمعنا الناس على أمرين، فقال: وما هما؟ قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، فقال: إنهما أمثل

(1)

انظر تهذيب الأسماء واللغات (2/ 87 - 88 الترجمة 565)، وتهذيب الكمال (27/ 387 - 389 الترجمة 5870).

ص: 554

بدعتكم عندي، ولست بمجيبكم إلى شيء منهما، الحديث؛ المراد برفع الأيدي على المنابر، رفع أيديهم عند الدعاء، ومن البدع: القصص بعد الصبح والعصر، أي: المواعظ، وعن خباب بن الأرت أنه رأى ابنه عبد الله قص فلما رجع اتزر وأخذ السوط، وقال: أمع العمالقة أنت؟ هذا قرن قد طلع

(1)

، قال ابن عبد البر

(2)

: فهذا خباب سمى القصص بدعة، لأن القصص أحدث عليهم، ولم يكونوا يعرفونه، وقال صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" فكان مما أحدث بعده صلى الله عليه وسلم ما أحدثه القصاص بعده مما أنكره غير واحد من الصحابة، وكان ابن عمر ينكره ويقول: لم تكن القصص في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر، وانما كان القصص حين كانت الفتنة، انفرد به ابن ماجه وإسناده حسن

(3)

.

فهذا يعارض ما رواه الأئمة عن تميم الداري: أنه أول من قص على الناس استأذن عمر في ذلك فأذن له

(4)

، وسيأتي الكلام على ذلك أواخر الباب إلا أن

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 5/ 291 (26197) ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (4/ 11 - 12)، وابن الجوزى في القصاص والمذكرين (198).

(2)

التمهيد (4/ 12).

(3)

أخرجه ابن ماجه (3754)، وابن حبان (6261). وقال البوصيرى في الزجاجة 4/ 122 - 123: هذا إسناد فيه العمري وهو ضعيف واسمه عبد الله. وضعفه الألباني في التعليق على ابن ماجه.

(4)

أخرجه أحمد 3/ 449 (15715)، والطبراني في الكبير (7/ 149 رقم 6656) والشاميين (1700). قال الهيثمى في المجمع 1/ 190: رواه أحمد والطبرإني في الكبير، وفيه بقية بن الوليد، وهو ثقة مدلس.

ص: 555

يقال أنه استأذن في القصص وقص بعد وفاة عمر، ويعارضه أيضًا حديث أوس بن أبي أوس قال: إنا لقعود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص علينا ويذكرنا إذ أتاه رجلٌ، إلى آخره، وهو حديث صحيح

(1)

، وإنَّما عنى بها أنها من بدعة الهيئة الاجتماعية عليه في وقت معين فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعين وقت معين يقص على أصحابه فيه غير خطبه الراتبة في الجمع والأعياد، وإنما كان يذكرهم أحيانًا، وعند حدوث أمر محتاج إلى التذكير عنده، ثم إن الصحابة اجتمعوا على تعيين وقت له كما صح عن ابن مسعود أنه كان يذكر أصحابه كل خميس، وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه أمر القاص أن يقص كل ثلاثة أيام مرة، ومن هذا قول الحسن: القصص بدعة ونعمت البدعة كم من أخ يستفاد ودعوة مستجابة وحاجة مقضية

(2)

.

والبدعة: عبارة عن فعل لم يكن فابتدع، وإنما أطلق عليها بدعة باعتبار أنها لم تكن كذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالبدع الحسنة متفق على جوازها وفعلها، وأما البدع المستقبحة وهي كل ما كان مخالفا للشريعة، واعلم أن كل ما كان مكروهًا فإنكاره مستحب لا واجب، والسكوت عنه مكروه، وما كان محرما فإنكاره واجب، والسكوت عنه حرام

(3)

.

(1)

أخرجه أحمد 4/ 8 (16163)، وابن ماجه (3929)، والنسائي في المجتبى 6/ 472 - 473 (4016 - 4018). وصححه الألباني في الصحيحة (409).

(2)

جامع العلوم والحكم (2/ 786).

(3)

إحياء علوم الدين (2/ 235)، وتنبيه الغافلين (ص 430).

ص: 556

84 -

وروى عَنهُ الطَّبَرَانِيّ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا من أمة ابتدعت بعد نبيها فِي دينهَا إِلَّا أضاعت مثلهَا من السّنة

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: في رواية الطبراني: "ما من أمة ابتدعت بعد نبيها في دينها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة"، وفي الحديث قبله وهو حديث غضيف بن الحارث: فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة، قال عبد الله بن عباس: لا يأتي على الناس زمان إلا أماتوا سنة وأحيوا فيه بدعة حتى تموت السنن وتحيى البدع إلا من هون الله عليه إسخاط الناس ومخالفتهم فيما أرادوا ونهيهم عما اعتادوا، ومن ليس كذلك أحسن الله تعويضه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنك لن تدع شيئا إلا عوضك الله خيرا منه"

(2)

انتهى، قاله في الديباجة.

85 -

وَرُوِيَ عَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا تَحت ظلّ السَّمَاء من إِلَه يعبد [مِنْ دُونِ اللهِ] أعظم عِنْد الله من هوى مُتبع. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن أبي عَاصِم فِي كتاب السّنة

(3)

.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 99 رقم 178). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (38).

(2)

قاله القرطبي في التذكرة (ص 338).

(3)

أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (3)، والخرائطى في اعتلال القلوب (87)، والطبراني في الكبير (8/ 103 رقم 7502)، وابن عدى (3/ 125 - 126). قال ابن عدي وهذا إن كان البلاء فيه من الحسن وإلا من الخصيب بن جحدر ولعله أضعف منه. وقال ابن الجوزى في الموضوعات (3/ 139): هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه جماعة ضعاف والحسن بن دينار والخصيب كذابان عند علماء النقل. وقال الهيثمى في المجمع 1/ 188: رواه الطبراني في الكبير، وفيه الحسن بن دينار، وهو متروك الحديث.

وقال الألباني في ضعيف الترغيب (39): موضوع.

ص: 557

قوله: عن أبي أمامة، أبو أمامة اسمه صدي بن عجلان [الباهلي، صحب النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه، كان في حجة، قال سليم بن عامر: جاء رجل إلى أبي أمامة فقال: يا أبا أمامة إني رأيت في منامي الملائكة تصلي عليك وكلما خرجت وكلما قمت وكلما جلست، فقال: إني أقول اللهم غفرًا دعونا عنكم وأنتم لو شئتم صلت عليكم الملائكة ثم قرأ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41"

(1)

، قال ابن عيينة: كان آخر من بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالشام أبو أمامة الباهلي، وروى الواقدي: أن عبد الله بن بسر آخر من مات بالشام من الصحابة، أبو أمامة مات سنة خمس وثمانين في قرية يقال لها دنبرة على عتبة الباب، روى له الجماعة

(2)

، انتهى، قاله في الديباجة، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تحت ظل السماء من إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع " الحديث، قال الليث بن سعد: لو رأيت ما صاحب هوى يمشي على الماء ما قبلته

(3)

، وقال ابن رجب رحمه الله: فمن أحب شيئا وأطاعه وأحب عليه وأبغض عليه فهو إلهه، فمن كان يحب ولا يبغض إلا لله ولا يوالي ولا يعادي إلا لله فالله إلهه حقا، ومن أحب هواه وأبغض له ووالى عليه وعادى

(1)

سورة الأحزاب، الآية:41.

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 176 الترجمة 718)، وتهذيب الكمال (13/ الترجمة 2872).

(3)

حلية الأولياء (9/ 116)، ومناقب الشافعي (1/ 453)، وذم الكلام (1118).

ص: 558

عليه فإلهه هواه، وكذلك من أطاع الشيطان في معصية الله عز وجل فقد عبده كما قال الله عز وجل:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)}

(1)

الآية

(2)

. انتهى.

86 -

وَعَن أنس رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وَأما المهلكات فشح مُطَاع وَهوى مُتبع وَإِعْجَاب الْمَرْء بِنَفسِهِ. رَوَاهُ الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا

(3)

وَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي انْتِظَار الصَّلَاة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

87 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله حجب التَّوْبَة عَن كل صَاحب بِدعَة حَتَّى يدع بدعته رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَإِسْنَاده حسن

(4)

(1)

سورة يس، الآية:61.

(2)

جامع العلوم والحكم (2/ 625).

(3)

أخرجه البزار (6491)، والدولابى في الكنى (847)، والطبراني في الأوسط (5/ 328 رقم 5452)، وابن شاهين في الترغيب في الفضائل (33) و (525)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 269 - 268)، والبيهقي في الشعب (2/ 203 - 204 رقم 731).

وقال الهيثمى في المجمع 1/ 91: رواه البزار، والطبراني في الأوسط ببعضه، وقال: إعجاب المرء بنفسه من الخيلاء، وفيه زائدة بن أبي الرقاد وزياد النميري، وكلاهما مختلف في الاحتجاج به. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (53) و (453).

(4)

أخرجه إسحاق (398)، وابن أبي عاصم في السنة (37)، والطبراني في الأوسط (4/ 281 رقم 4202)، والبيهقي في الشعب (12/ 54 - 55 رقم 9011)، وابن الجوزى في العلل (211 و 212). قال المؤلف: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدار الطريقين على محمد بن عبد الرحمن الكوفي القشيري. قال ابن عدي: هو منكر الحديث مجهول وهو من مشائخ بقية المجهول. =

ص: 559

وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن عَاصِم فِي كتاب السّنة من حَدِيث ابْن عَبَّاس

(1)

وَلَفْظهمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَبى الله أَن يقبل عمل صَاحب بِدعَة حَتَّى يدع بدعته وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث حُذَيْفَة

(2)

وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يقبل الله لصَاحب بِدعَة صوما وَلَا صَلاة وَلَا حجا وَلَا عمْرَة وَلَا جهادا وَلَا صرفا وَلَا عدلا يخرج من الإسلام كمَا يخرج الشّعْر من الْعَجِين.

قوله: عن أنس بن مالك، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته" الحديث، قال الإمام الشافعي: البدعة بدعتان بدعة محمودة وبدعة مذمومة، فما وافق السنة محمود [وما خالف السنة فهو مذموم] ومن ذلك قول عمر في التراويح: نعم البدعة، والجواب الصحيح: أن عمر بن الخطاب له التصرف

= وقال الهيثمى في المجمع 10/ 189: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي، وهو ثقة. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (54)، والصحيحة (1620).

(1)

أخرجه ابن ماجه (50)، وابن أبي عاصم في السنة (39)، والخطيب في تاريخ بغداد 15/ 243، وابن الجوزي في العلل المتناهية (210). قال ابن الجوزى: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه مجاهيل. وقال البوصيرى في الزجاجة 1/ 11: هذا إسناد رجاله كلهم مجهولون قاله الذهبي في الكاشف وقال أبو زرعة لا أعرف أبا زيد ولا المغيرة.

وقال الألباني: منكر الضعيفة (1492)، وضعيف الترغيب (40)، الظلال (39).

(2)

أخرجه ابن ماجه (49). قال البوصيرى في الزجاجة 1/ 10: هذا إسناد ضعيف فيه محمد بن محصن وقد اتفقوا على ضعفه. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (1493) وضعيف الترغيب (40).

ص: 560

في ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" وكان رضي الله عنه من أجلهم، ولهذا سماها العلماء سنة، وإنما أطلق هو عليها بدعة لما رأى أنها لم تكن كذلك من رسول ال صلى الله عليه وسلم، والبدعة المذمومة: فهو ما خالفت سنة، فمن ذلك صلاة الرغائب فإنها موضوعة وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو اجتمع الناس على قارئ في مسجد في قيام الليل كانوا مبتدعين بلا شك، لأن ذلك لم يكن معهودا في عصرهم، والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم في رواية ابن ماجه من حديث حذيفة: "لا يقبل الله لصاحب بدعة صومًا ولا حجًّا ولا عمرةً ولا جهادًا ولا صرفًا ولا عدلًا" قال في الديباجة: حديث موضوع، ولفظ الصرف والعدل تكرَّر في السنة كثيرًا، فالصرف: التوبة، وقيل: الندم، والعدل: الفدية، وقيل: الفريضة، وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في إخافة أهل المدينة ومن أرداهم بسوء وفي غيره من المواضع، وقال الفضيل بن عياض رحمة الله عليه: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه، وإذا رأيت مبتدعًا في طريق فخذ في طريق آخر، ولا يرفع الله لصاحب البدعة عمل، ومن أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام

(1)

، انتهى.

وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام"

(2)

ذكره أبو

(1)

حلية الأولياء (8/ 103).

(2)

أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 235 - 236)، والآجرى في الشريعة (2039) و (2040)، والطبراني في الأوسط (7/ 35 رقم 6772)، وابن عدى (3/ 169)، وابن =

ص: 561

الفرج بن الجوزي قال أبو عبد الله القرطبي: وقد استدل جماعة من العلماء بقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}

(1)

فإن من جالس أهل البدع والأهواء والريب حكمه حكمهم

(2)

.

قوله: "يخرج من الإسلام كلما تخرج الشعر من العجين" وفي رواية: "كما تسل الشعرة من العجين"، جاء مثله في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قاله: قال حسان يا رسول الله ائذن لي في أبي سفيان، قال: كيف بقرابتي منه؟ قال: والذي أكرمك لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، فقال في ذلك أبياته: هجوت محمدًا

(3)

، ومعناه: لأخلصن نسبك من هجوه بحيث لا تبقى جزء من نسبك في نسبهم الذي ناله من الهجو كما أن الشعرة إذا سلت من العجين لا تبقى شيء منها بخلاف لو سلت من شيء صلب فانهار بما انقطعت فبقيت فيه منها بقية

(4)

، انتهى، قاله في الديباجة.

88 -

وَعَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إيَّاكُمْ والمحدثات فَإِن كل محدثة ضَلَالَة. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن

= الجوزي في الموضوعات (1/ 271). قال ابن حبان: باطل. قال ابن عدي: هذا حديث باطل موضوع الخشنى يروى عن الثقات ما لا أصل له.

(1)

سورة الأنعام، الآية:68.

(2)

تفسير القرطبي (5/ 418)(7/ 13 و 142).

(3)

أخرجه مسلم (157 - 2490).

(4)

شرح النووي على مسلم (16/ 48).

ص: 562

حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيت حسن صَحِيح وَتقدم بِتَمَامِهِ بِنَحْوِهِ

(1)

.

قوله: وعن العرباض بن سارية، تقدم الكلام عليه قريبًا.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والمحدثات، فإن كل محدثة ضلالة" قال الإمام القرطبي

(2)

: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والمحدثات" يعني ما لم يوافق كتابا ولا سنة ولا عمل الصحابة، وقد بين هذا بقوله صلى الله عليه وسلم:"من سن في الإسلام سنة حسنة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة" الحديث، وهذا إشارة إلى ما هو قبيح وحسن، وهو أصل هذا الباب، انتهى.

89 -

وَرُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن إِبْلِيس قَالَ أهلكتهم بِالذنُوبِ فأهلكوني بالاستغفار فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك أهلكتهم بالأهواء فهم يحسبون أَنهم مهتدون فَلَا يَسْتَغْفِرُونَ. رَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم وَغَيره

(3)

.

قوله: عن أبي بكر الصديق، واسمه عبد الله على الصحيح المشهور، وقيل: اسمه عتيق، والصواب الذي عليه كافة العلماء أن عتيقًا لقبًا له لعتقه

(1)

أخرجه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42)، وابن أبي عاصم في السنة (26) واللفظ له، وابن حبان (5). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (26)، والصحيحة (937 و 3007)، وظلال الجنة (26 - 34).

(2)

تفسير القرطبي (2/ 87).

(3)

أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (7)، وأبو يعلى (136)، والطبراني في الدعاء (1780).

قال الهيثمي في المجمع (10/ 207): رواه أبو يعلى، وفيه عثمان بن مطر، وهو ضعيف. وذكره البوصيري في الإتحاف (3/ 96 ب) مختصرًا، ثم قال: رواه أبو يعلى الموصلي، وابن أبي عاصم بسند ضعيف. وقال الألباني: موضوع ضعيف الترغيب (41).

ص: 563

من النار، وقيل: لحسن وجهه وجماله، قاله الليث بن سعد وجماعة، وروى الترمذي بإسناده عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أبا بكر عتيق الله من النار فمن يومئذ سمي عتيقًا" وقال مصعب بن الزبير وغيره: سمي عتيقا لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به، وأجمعت الأمة على تسميته بالصديق، ففي المسند عن علي بن أبي طالب أن الله تعالى هو الذي سمى أبا بكر صديقًا على لسان جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم، وسبب تسميته بذلك أنه بادر إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازم الصدق فلم يقع منه هناة ما، ولا وقفة في حال من الأحوال، فهو أبو بكر بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي، يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب، وبينه وبين مرة ستة آباء كما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين مرة، كما اتفق لهما في العمر، أسلم أبوه يوم الفتح وعاش إلا خلافة عمر، أسلم أبوه وأمه وصحبا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف أربعة متناسلون بعضهم من بعض صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم إلا آل أبي بكر، وهم: عبد الله بن أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة، فهؤلاء الأربعة صحابة متناسلون، وأمه: اسمها أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، واعلم أن أبا بكر الصديق كانت له في الإسلام المواقف الرفيعة وخصائص لم يشاركه فيها أحد من الصحابة، منها: قضية ليلة الإسراء وثباته وجوابه للكفار في ذلك، ومنها: هجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك عياله وأطفاله وملازمته في الغار وغير ذلك؛ روى الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنين وأربعين حديثا، اتفق البخاري

ص: 564

ومسلم منها على ستة، وانفرد البخاري بأحد عشر، ومسلم بحديث، وسبب قلة رواياته مع تقدم صحبته وملازمته النبي صلى الله عليه وسلم أنه تقدمت وفاته قبل انتشار الأحاديث واعتناء التابعين بسماعها وتحصيلها وحفظها، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم من حين أسلم إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يفارقه في حضر ولا سفر، وكما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا ويأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشيًا، الحديث، ومنها: أنه لم يرد في القرآن الكريم اسم الصحبة لغيره، قال الله تعالى:{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}

(1)

والمراد به: أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالاتفاق، وورد النص القاطع في صحبته، قال بعض العلماء: من أنكر صحبة أبي بكر كفر لتكذيبه نص القرآن

(2)

.

ومنها: قوله تعالى: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} فكان له في هذه المعية والتسمية مزيد اختصاص لم يشاركه فيه صحابي، وكان اسم أبي بكر في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفارق اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يقال له: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعده: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي " ومنها: أنه أول من أسلم من الرجال، ومنها: تسميته صديقا، قال الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ

(1)

سورة التوبة، الآية:40.

(2)

قاله الحسين بن الفضل كما في تفسير البغوى (4/ 49)، والطيبى في شرح المشكاة (12/ 3850)، ونقله القرطبي في التفسير (5/ 146)، والعينى في عمدة القارى (16/ 173)، والهيثمى في الزواجر (ص 49).

ص: 565

وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)}

(1)

، ومنها: خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم له وكفاه فخرًا قول المهاجرين والأنصار: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ومنها: إرسال الكلام إليه مع جبريل عليه السلام من الحق جل جلاله، وهذه الخصلة لم يشاركه فيها غير خديجة رضي الله عنها، ومنها: أن الله تعالى قال له على لسان جبريل عليه السلام: هل أنت راض عني في فقرك، ومنها: أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام في السماء تخللت بالعباءة من أجله رضي الله عنه فإنه [تخلل بالعباءة]

(2)

، ومنها: أنه أنفق جميع ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها: ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وسائر الطريق، ومنها: تقدم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة من مراجعته في ذلك، ومنها: إشارة النبي صلى الله عليه وسلم في أن الأمر له من بقاء في قوله: "تجدين أبا بكر" ولا شك أن هذا كالصريح في استخلافه، ومنها: الأمر بسد خوخةٍ إلا خوخته رضي الله عنه، ومنها: السر الذي وقر [وقر: أي تمكن] في صدره لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما سبقكم أبو بكر" إلى أن قال: "ولكن بسر وقر في صدره"

(3)

الحديث، ومنها: أنه كان يفتي في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها: ثباته يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامه ذلك القيام وتسكين قلوب الصحابة بالقرآن وهو رضي الله عنه لم يزل ساكن القلب مع القرآن، ومنها: قيامه بمصلحة البيعة، ومنها: قيامه في أمر الردة

(1)

سورة الزمر، الآية:33.

(2)

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/ 106): الحمد لله لم يتخلل أبو بكر بالعباءة ولا الملائكة تخللوا بالعباءة وذلك كذب. والله أعلم.

(3)

قال الألباني في الضعيفة (962): لا أصل له مرفوعًا.

ص: 566

وتجهيز جيش أسامة، ومنها: أنه أفضل الأمة وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا ولكن أخي وصاحبي"

(1)

رواه البخاري من حديث ابن عباس.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم أبا بكر ويبجله، وقيل: إن أبا بكر عطش في الغار عطشا شديدًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر عليك بصدر الغار"، قال أبو بكر: فأتيت صدر الغار فوجدت عينًا تجري أحلى من العسل وأطيب من ريح المسك فشربت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتدري مم شربت يا أبا بكر؟ " فقال: الله ورسوله أعلم، فقال:"أمر الله تعالى ملكًا أن يجري لك عينًا من الكوثر إلى الغار" فبكى أبو بكر رضي الله عنه، وقال: يا رسول الله ولي عند الله تعالى هذه المنزلة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي بعثني بالحق نبيًّا إنه لا يدخل الجنة من يبغضك ولو كان له عمل سبعين صديقًا"

(2)

.

وفي مسند الإمام أحمد: عن سعيد بن المسيب قال: كان أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم مكان الوزير، فكان يشاوره في جميع أموره، وكان ثانيه في الإسلام وثانيه في الغار وثانيه في العريش يوم بدر وثانيه في القبر ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم

(1)

أخرجه البخاري (466) و (3654) و (3904)، ومسلم (2 - 2382) عن أبي سعيد الخدرى. وأخرجه البخاري (467) و (3656) و (3657) عن ابن عباس. وأخرجه مسلم (3 و 4 و 5 و 6 و 7 - 2383) عن ابن مسعود.

(2)

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (30/ 149 - 150) بلفظ: والذي بعثني بالحق نبيا لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبيّا. ووهى إسناده الحافظ السيوطي في الخصائص [1/ 463 - 464].

ص: 567

عليه أحدًا

(1)

، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام:"يا جبريل هل على أمتي من حساب يوم القيامة؟ " قال: نعم إلا أبا بكر الصديق، يقول الله تعالى له: فانطلق فادخل الجنة، فيقول: وعزك لا أدخل الجنة حتى يدخل معي من أحبني في دار الدنيا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلقني من

(2)

نوره،

(1)

أخرجه الحاكم (3/ 63). وصححه وتعقبه الذهبى فقال: في رواته مجهول.

(2)

هذه زيادة في لوحة [77] لا علاقة لها بما سبق.

وقد أفتى الفريابي في هذه المسألة بخلاف ذلك، فإنه سئل عمن يصرح بلعن يزيد بن معاوية، هل يحكم بفسقه أم يكون ذلك مرخصا فيه، وهل كان يريد قتل الحسين، أم كان قصده الدفع، وهل يسوغ الترحم عليه، أم السكوت عنه فضلًا؟ فأجاب: لا يجوز لعن المسلم أصلًا، ومن لعن المسلم فهو الملعون، وقد قال عليه الصلاة والسلام:"المسلم ليس بلعان" وكيف يجوز لعن المسلم، [ولا يجوز لعن البهائم]، وقد ورد النهي عن ذلك، وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص من النبي صلى الله عليه وسلم، ويزيد صح إسلامه وما صح قتله للحسين رضي الله عنه ولا أمره ولا رضاه بذلك ومهما لم يصح ذلك منه لم يجز أن يعلن ذلك به، فإن إساءة الظن أيضًا بالمسلم حرام، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظن به ظن السوء، ومن أراد ان يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله لم يقدر على ذلك، وإذا لم يعلم وجب إحسان الظن بكل مسلم يمكن إحسان الظن به، ومع هذا لو ثبت على مسلم أن قتل مسلما لم يجز لعنه فكيف بمن تاب من قتل، وبم يعرف أن قاتل الحسين مات قبل التوبة:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} فإذا لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين، ومن لعنه كان فاسقا عاصيا لله عز وجل، ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصيا بالإجماع بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة لم لم تلعن إبليس؟، ولا يقال للاعن لم لعنت، ومن أين [78].

(عرفت أنه ملعون مطرود؟) والملعون: هو المبعد من رحمة الله عز وجل، وذلك =

ص: 568

خلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، وخلق عثمان من نور عمر، وخلق عليًّا من نور عثمان، وخلق الخلق كلهم من نور علي بن أبي طالب"

(1)

.

وقيل: إنه إذا كان يوم القيامة ينصب حول العرش ثلاث كراسي فيجلس على أحدهم النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني أبو بكر وعلى الثالث إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وينادي مناد: يا له من صديق بين حبيب وخليل

(2)

.

وتوفي الصديق رضي الله عنه وله ثلاث وستون سنة، وتوفي بين المغرب والعشاء

= (غيب) لا يوقع عليه، (ولا يعرف إلا في من مات كافرًا،)، فإن ذلك علم بالشرع، وأما الترحم عليه فجائز (بل هو مستحب، بل هو داخل في قولنا كل صلاة:) اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات فإنه كان مؤمنا، والله أعلم].

قلت: هذه فتوى الغزالى لا الفريابى نقلها ابن خلكان في وفيات الأعيان (3/ 288 - 289)، والعواصم من القواصم (8/ 79 - 80) لابن الوزير.

(1)

أخرجه أبو نعيم في أماليه كما في لسان الميزان (1/ 328) عن أبي هريرة مرفوعا، و قال أبو نعيم: هذا باطل يخالف كتاب الله.

(2)

هذا الخبر أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (6/ 50) عن معاذ بن جبل بلفظ: إذا كان يوم القيامة نصب لإبراهيم منبر أمام العرش، ونصب لي منبر أمام العرش، ونصب لأبي بكر كرسي، فنجلس عليها، وينادي مناد: يا لك من صديق بين خليل وحبيب. ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (589) وقال: لا يصح. وقال الذهبي في تلخيص الموضوعات (216): هذا باطل. وذكره الحافظ في اللسان (6436) تحت ترجمة محمد الحليمي وقال: روى عن آدم بن أبي إياس أحاديث منكرة بل باطلة. وقال الألباني في الضعيفة (5519): موضوع.

ص: 569

سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وأوصي أن تغسله أسماء، وأن يدفن إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه عمر بين الروضة والمنبر

(1)

.

فائدة: فيها بشرى لمحبي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: روى أبو سعد في شرف النبوة

(2)

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين، ويؤتى بمنبرين من نور فينصب أحدهما عن يمين العرش والآخر عن يسار العرش ويعلوهما شخصان فينادي الذي عن يمين العرش: معاشر الخلائق من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا رضوان خازن الجنة إن الله تعالى أمرني أن أسلم مفاتيح الجنة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد أمرني أن أسلمهما إلى أبي بكر وعمر ليدخلا محبيهما الجنة، ثم ينادي الذي عن يسار العرش: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا مالك خازن النار إن الله تعالى أمرني أن أسلم مفاتيحها إلى محمد صلى الله عليه وسلم ومحمد أمرني أن أسلم مفاتيحها إلى أبي بكر وعمر ليدخلا مبغضيهما النار"

(3)

انتهى.

(1)

انظر حلية الأولياء (1/ 28 - 37)، وشرف المصطفى (5/ 391 - 424)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 181 - 184 الترجمة 727)، والرياض النضرة (1/ 73 - 268).

(2)

شرف المصطفى (5/ 419 - 420).

(3)

أخرجه ابن فاخر في موجبات الجنة (317) عن عائشة، وابن عساكر في تاريخ دمشق (30/ 156) عن أبي سعيد. قال أبو بكر الدينوري: لم يرو هذا الحديث عن فضيل بن مرزوق غير الحسن بن عبيد الله العجلي. اهـ. والحسن - أو الحسين - هذا لم أعرفه. وفي إسناده الحسين بن عبيد الله العجلي قال الدارقطني: كان يضع الحديث وقال ابن عدي: =

ص: 570

فائدة أخرى: خرج الصابوني عن محمد بن وزير قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فدنوت منه، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال لي: وعليك السلام يا محمد بن وزير، ألك حاجة؟ فقلت: نعم يا رسول الله، إني شيخ ضعيف السماعة كثير العيال أرد أن تعلمني دعوات أدعو بها في سفري وحضري وأستعين بها على أموري، فقال لي: أقعد هو ذا عليك ثلاث دعوات فادع بها في كل وقت وشدة، وفي دبر كل صلاة قل:"يا قديم الإحسان، يا من إحسانه فوق كل إحسان يا مالك الدنيا والآخرة" ثم التفت فقال: "اجتهد أن تموت على الإسلام وعلى حب هؤلاء هذا أبو بكر وهذا عمر وهذا عثمان وهذا علي، فإنك لا تمسك النار"

(1)

انتهى، قاله في مختصر مجمع الأحباب.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن إبليس قال: أهلكتهم بالذنوب فأهلكوني بالاستغفار" الحديث، إبليس عدو الله، كنيته: أبو مرة، واختلف العلماء في أنه من الملائكة من طائفة يقال لها الجن، أم ليس من الملائكة، والصحيح أنه من الملائكة وأنه اسم أعجمي، قال الواحدي: قال أكثر أهل اللغة والتفسير: سمي إبليس لأنه أبلس من رحمة الله تعالى أي: آيس، والمبلس: المكتئب الحزين الآيس، واختلفوا أنه من الملائكة، فروي عن طاووس.

= يشبه أن يكون ممن يضع الحديث. ينظر ميزان الاعتدال (1/ 541)، وانظر: الكشف الحثيث لسبط ابن العجمي (1/ 99).

(1)

الرياض النضرة (1/ 50).

ص: 571

ومجاهد عن ابن عباس أنه كان من الملائكة، وكان اسمه عزازيل، فلما عصى الله عز وجل لعنه وجعله شيطانا مريدا، وسماه إبليس، قالوا: وقول الله تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} هو

(1)

أي: من طائفة من الملائكة يقال لهم الجن، وقال الحسن بن عبد الرحمن بن يزيد وشهر بن حوشب: ما كان من الملائكة، والاستثناء منقطع والمعنى عندهم: أن الملائكة وإبليس أمروا بالسجود فأطاعت الملائكة كلهم وعصى إبليس، والصحيح: أنه من الملائكة لأنه لم ينقل أن غير الملائكة أمر بالسجود، والأصل في الاستثناء أن يكون من جنس المستثنى منه، والله أعلم، وأما إنظاره إلى يوم الدين فزيادة في عقوبته وتكثير معاصيه وغوايته، نسأل الله الكريم اللطف

(2)

والعصمة من إغوائه بمحمد وآله

(3)

.

قوله: "فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء فهم يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون"، الأهواء: جمع هوى، واختلفوا في تفسيره، فقيل: الهوى هو:

(1)

سورة الكهف، الآية:50.

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 106 - 107 الترجمة 41).

(3)

هذا من التوسل الممنوع قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (1/ 21): ولم يذكر أحد من العلماء أنه يشرع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بالرجل الصالح بعد موته، ولا في مغيبه، ولا استحبوا ذلك في الاستسقاء ولا في الاستنصار، ولا في غير ذلك من الأدعية.

و"الدعاء مخ العبادة" والعبادة مبناها على السنة والاتباع؛ لا على الهوى، والابتداع فإنما يعبد الله بما شرع، لا يعبد بالأهواء والبدع. وانظر قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام (الفصل الثالث ص 228 - 232).

ص: 572

ميل النفس وشهواتها

(1)

، وقيل: الهوى محبة اللذة بالمراد ولذلك لا يكون إلا مذموما، قال ابن عباس: الهوى إله معبود ثم تلا قوله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}

(2)

(3)

، وإنما سمى الهوى هو لأنه يهوى بصاحبه في النار أو لأنه يجعل القلب في الهوى لا يستقر كذا نقله القرطبي عن الشعبي

(4)

.

90 -

وَعَن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لكل عمل شرة وَلكُل شرة فَتْرَة فَمن كَانَت فترته إِلَى سنتي فقد اهْتَدَى وَمن كَانَت فترته إِلَى غير ذَلِك فقد هلك رَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(5)

(1)

المفردات في غريب القرآن (ص 849)، والتعريفات (ص 257).

(2)

سورة الجاثية، الآية:23.

(3)

أدب الدنيا والدين (ص 29).

(4)

تفسير القرطبي (16/ 166).

(5)

أخرجه أحمد 2/ 188 (6764) و 2/ 210 (6958)، وابن أبي عاصم في السنة (51)، وابن خزيمة (2105)، والبزار (2345 و 2346 و 2347)، والطحاوي في مشكل الآثار (1236 و 1237). قال ابن أبي حاتم في العلل (1927): قال أبي: روى هذا الحديث مسلم الملائي، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه الحكم بن عتيبة، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. وقد اختلفوا في هذا الحديث أيضًا، حديث الحكم بن عتيبة:

فأما ابن أبي ليلى، فإنه يقول: عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. والناس يقولون: عن الحكم، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلا. قال أبي: وحديث عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا أشبه. وصححه الألباني في "الظلال"(51)، وصحيح الترغيب (56).

ص: 573

وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه أَيْضًا

(1)

من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لكل عمل شرة وَلكُل شرة فَتْرَة فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَادًّا وَقَارِبًا، فَارْجُوهُ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأصَابِعِ، فَلَا تَعُدُّوهُ.

الشرة: بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء بعْدهَا تَاء تَأْنِيث هِيَ النشاط والهمة وشرة الشَّبَاب أَوله وحدته.

قوله: عن عبد الله بن عمر، وتقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى" الحديث، الشرة: بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء وبعدها تاء تأنيث هي النشاط والهمة، وشرة الشباب أوله وحدته، انتهى، قاله المنذري.

قوله: في رواية ابن حبان: "فإن كان صاحبها سادا وقاربا فارجوه وإن أشير إليه إليه بالأصابع، فلا تعدوه" ومعنى ذلك: أن من كان مستقيمًا متوسطًا في العمل من غير علو ولا تقصير وسدد أي جعل عملًا متوسطًا، وقارب أي دنى من الاستواء غلو غلو ولا تقصير وسدد أى جعل عمله متوسطا و (قارب)؛ أي: دنا من الاستواء والاستقامة فارجوه، أي: كونوا منه على رجاء الخير، ومن بالغ في العمل وأتعب نفسه وأشير إليه بالأصابع فلا تعدوه

(1)

أخرجه الترمذى (2453)، وابن حبان (349)، والطحاوى في مشكل الآثار (1242).

قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح. وقال الألباني: حسنا لصحيحة (2850)، صحيح الترغيب (57).

ص: 574

صالحًا فإنه لا قدرة له على المداومة لحصول الملل وافتتانه له بإشارة الناس إليه بالأصابع، وروى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بحسب ابن آدم من الشر أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصمه الله تعالى"

(1)

انتهى، قاله في التنقيح على المصابيح

(2)

.

تنبيه: قيل للحسن البصري إن الناس إذا رأوك أشاروا إليك بالأصابع، فقال: لم يعن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم إنما عنى به المبتدع في دينه الفاسق في زمانه

(3)

، قيل: معنى الحديث تحذير من يشار إليه أن يغتر بما يمدح به من خير وهو يعلم من نفسه غير ذلك، والله أعلم.

91 -

وَعَن أنس صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني رَوَاه مسلم

(4)

.

قوله: عن أنس بن مالك، تقدم الكلام على ترجمته.

(1)

أخرجه الترمذى عقب (2453) عن أنس معلقًا. وأخرجه ابن أبي الدنيا في التواضع (30)، وابن بشران في الأمالى (1387) موصولا عن أنس. وأخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 72 رقم 6890) من حديث أبي هريرة. وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبد الكريم إلا عبد العزيز بن الحصين، تفرد به: علي ابن حجر. قال الهيثمى في المجمع 10/ 296 - 297: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد العزيز بن حصين، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2321) والضعيفة (1670).

(2)

المفاتيح (5/ 318)، وكشف المناهج (4/ 421).

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في التواضع (33).

(4)

أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (5 - 1401).

ص: 575

قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن رغب عن سنتي فليس مني" الحديث، والأصل في السنة: الطريقة والسيرة، وإذا أضاف السنة في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، وندبه قولا وفعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة أي: القرآن والحديث

(1)

.

واعلم أن السنة كانت تنزل كما ينزل القرآن وهي أحد وجوه الوحي وكانت تنزل على أنواع أخرى منها رؤية الملك وتكليمه، ومنها: رؤية النوم ويعد ذلك قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}

(2)

ولما كان نبينا صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى كان تحريمه كتحريم الله تعالى، قال تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}

(3)

إلى قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

(4)

، ومنها: النفث في الروع وهو العقل والقلب

(5)

.

قوله: رواه مسلم، هو. الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري من بني قشير، قبيلة من العرب معروفة النيسابوري، منسوب إلى نيسابور بفتح النون من أعظم مدن خراسان، وخراسان إقليم عظيم معروف،

(1)

النهاية (2/ 409).

(2)

سورة النجم، الآيات: 3 - 4.

(3)

سورة الأعرف، الآية:157.

(4)

سورة الأعراف، الآية:157.

(5)

انظر المفاتيح (1/ 267).

ص: 576

قال أبو الفتح الهمداني: يقال له أيضًا خرسان بحذف الألف وإسكان الراء، وقال عبد القادر الرهاوي في كتابه الأربعين قال: أمهات مدائن خراسان أربع نيسابور ومرو وبلخ وهراه، وإنما قيل لها نيسابور لأن سابور لما رآها قال: يصلح أن تكون هنا مدينة، وكانت قصبان مرتفعة وأن تبنى مدينة، فقيل: نيسابور القصب، فالإمام مسلم صاحب التصانيف أحد الأئمة الحفاظ في هذه الصناعة، وقد أعظم الله به النفع للمسلمين ورفع له وللبخاري ذكرا صالحا في الغابرين، وقد أجمع الخلائق على جلالته وأمانته وعلو مرتبته، ومن أكبر الدلائل على جلالته وورعه كتاب الصحيح الذي لم يوجد في كتاب بعده ولا قبله مثله، صنف مسلم رحمه الله في علم الحديث كتبا كثيرة، منها: هذا الكتاب الصحيح الذي منَّ الله العظيم وله الحمد والنعمة والفضل والمنة به على المسلمين، أبقى لمسلم به ذكرا جميلا وثناء حسنا إلى يوم الدين، يقال: إنه ولد سنة أربع ومائتين، وجزم ابن الأثير في جامعه أنه ولد سنة ست ومائتين، وأنه توفي عشية يوم الأحد لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة، رحل إلى العراق والشام والحجاز ومصر، ولقد أخذ الحديث عن إسحاق بن راهويه والإمام أحمد بن حنبل وحرملة، وقد بغداد غير مرة وحدث بها، وكان قدومه بغداد سنة سبع وخمسين ومائتين، روى عنه الترمذي حديثا واحدا، قال أحمد بن سلمة: رأيت أبا زرعة الرازي وأبا حاتم يعدان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على أهل عصرهما، وسئل ابن عقدة: أيهما أحفظ هو أم البخاري،

ص: 577

فقال: كلاهما عالم، فأعيد عليه السؤال، فقال: يقع لمحمد يعني البخاري الغلط في أهل الشام، وأما مسلم فقل ما يوجد له غلط في النقل لأنه كتب المسانيد ولم يكتب المقاطيع ولا المراسيل، قال مسلم بن الحجاج: صنفت تدوين الصحيح من ثلثمائة ألف حديث مسموعة، قال أحمد بن سلمة: كتبت مع مسلم في تأليف صحيحة خمس عشرة سنة وهو اثنا عشر ألف حديت، واتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز صحيح البخاري. وصحيح مسلم، وكتاب البخاري أصح منه عند الجمهور، وأكثر فوائد هذا مذهب جمهور العلماء، لكن كتاب مسلم في دقائق الأسانيد ونحوها أجود، وينبغي لكل راغب في علم الحديث أن يعتني به ويتفطن إلى تلك الدقائق فيرى فيها العجائب من المحاسن واللطائف الظاهرات والخفيات وقل من يساويه، وخالف أبو علي النيسابوري، فقال: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم ووافقه على ذلك بعض شيوخ العرب، والصحيح الأول

(1)

، والله أعلم، قاله في مختصر مجمع الأحباب.

92 -

وَعَن عَمْرو بن عَوْف رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبلَال بن الْحَارِث يَوْمًا اعْلَم يَا بِلَال قَالَ مَا أعلم يَا رَسُول الله قَالَ اعْلَم أَن من أَحْيَا سنة من سنتي أميتت بعدِي كَانَ لَهُ من الأجر مثل من عمل بهَا من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْئا وَمن ابتدع بِدعَة ضَلَالَة لا يرضاها الله وَرَسُوله كَانَ عَلَيْهِ مثل آثام من عمل بهَا لا ينقص ذَلِك من أوزار النَّاس شَيْئا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

انظر تهذيب الأسماء واللغات (2/ 89 - 92 الترجمة 570).

ص: 578

كِلَاهُمَا من طَرِيق كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن

(1)

. قَالَ الْحَافِظ بن كثير بن عبد الله مَتْرُوك رَوَاهُ كمَا تقدم وَلَكِن للْحَدِيث شَوَاهِد.

قوله: عن عمرو بن عوف، هو عمرو بن عوف (بن زيد بن مليحة، بضم الميم، وقيل: ملحة، بضمها أيضا، ابن عمرو بن بكر بن أفرك بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر المزنى أبو عبد الله، كان قديم الإسلام، يقال: هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: أول مشاهده الخندق، وكان أحد البكائين في غزوة تبوك الذين نزل فيهم قوله تعالى:{تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}

(2)

. توفى في آخر خلافة معاوية. له عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. ومزينة التي ينسبون إليها هي أم أولاد عثمان بن عمرو

(3)

.

قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث يومًا: اعلم يا بلال، الحديث، هو أبو عبد الرحمن بلال بن الحارث بن عاصم بن سعيد بن قرة بن حلاوة المزني، نسب إلى أمه مزينة، وبلال هذا مدني، ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثالثة من المهاجرين، وكان يسكن جبليهم الأشعر والأجرد، ويأتي

(1)

أخرجه الترمذى (2677)، وابن ماجه (209 و 210)، والبزار (3385 و 3386)، والطبراني في الكبير (17/ 16 رقم 10). قال الترمذى: هذا حديث حسن. وضعفه جدا الألباني في الظلال (42)، المشكاة (168) و (1682) وضعيف الترغيب (42).

(2)

سورة التوبة، الآية:92.

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 33 ترجمة 456).

ص: 579

المدينة كثيرًا، وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد مزينة في شهر رجب سنة خمس من الهجرة، وكان يحمل لواء مزينة يوم فتح مكة، ثم سكن البصرة، وتوفي سنة ستين، وهو ابن ثمانين سنة أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم المعادن القبلية

(1)

، والقبلية بفتح القاف والباء معا اسم موضع، قيل منسوبه إلى ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام، وهي من الفرع، والفرع: بضم الفاء بلد، وقيل: الفرع موضع بينه وبين مدينة النبي صلى الله عليه وسلم خمسة فراسخ، أعطى النبي صلى الله عليه وسلم معادن القبيلة بلال بن الحارث ليعمل فيها ويخرج منها الذهب والفضة لنفسه، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم

(2)

، وإنما أقطع بلالا المعادن وهو من أهل المدينة، وأهل المدينة أسلموا راغبين غير مكروهين، ومن أسلم على شيء فهو له لحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم[لما قدم المدينة] جعلوا له كل أرض لم يبلغها الماء يصنع فيها [ما شاء] لأنه من أرض مزينة، لأنه لم يكن من المدينة، وفي هذا الحديث: إقطاع الإمام وهو جائز فيها لا ملك عليه لأحد من موات الأرض يقطعه من رأى من الخير والنفع للمسلمين

(3)

.

قوله: كالفيء يضعه حيث يراه فيما هو للمسلمين نفعًا، ويكون بقدر ما يقوم به المرء وعماله، ولا خلاف بين العلماء أن الإمام لا يجوز ما ملك

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 135 - 136 ترجمة 87).

(2)

المفاتيح (2/ 503).

(3)

انظر الأموال لابن سلام (1/ 396 - 400).

ص: 580

بالإحياء أو غيره مما يصح به الملك ومسارح القوم التي لأغنامهم ومواشيهم لا يجوز للإمام أن يقطعها أحدا لأنها تجري مجرى الملك المعين

(1)

.

أعجوبة غريبة: في الطبراني الكبير عن بلال بن الحارث قال: خرجنا مع رسول ال صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فخرج لحاجته فأتيته بإداوة من ماء فسمعت عنده خصومة ولغطا لم أسمع مثلها، فقال:"اختصم عندي الجن المسلمون والجن المشركون، فسألوني أن أسكنهم، فأسكنت المسلمين الجلس وأسكنت المشركين الغور"

(2)

فيه كثير المزني ضعيف، وقال

(3)

: الجلس القرى والجبال، والغور ما بين الجبال والبحار، قال: ما رأينا أحدا أصيب بالجلس إلا سلم وما أصيب أحد بالغور إلا لم يسلم، قاله في حياة الحيوان

(4)

، روى بلال بن الحارث عن رسول الله ثمانية أحاديث

(5)

، انتهى.

قوله صلى الله عليه وسلم لبلال بن الحارث: "اعلم أن من أحيى سنة من سنتي أميتت بعدي" الحديث، المراد بإحياء السنة: العمل بها بنفسه أو حث الغير على

(1)

الاستذكار (3/ 146)، والمنتقى شرح الموطأ (6/ 38).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 371 رقم 1143)، وأبو الشيخ في العظمة (1135)، وابن أخى ميمون الدقاق في الفوائد (262). قال الهيثمى في المجمع 1/ 203: وفيه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، وقد أجمعوا على ضعفه، وقد حسن الترمذي حديثه. وقال الألباني: ضعيف جدا الضعيفة (2074).

(3)

القائل كثير بن عبد الله كما في المصادر السابقة.

(4)

حياة الحيوان (1/ 293 - 294).

(5)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 136).

ص: 581

العمل بها

(1)

، والإماتة على ضد ذلك يقول:"من أحيا سنة من سنتي تركت" لم يعمل بها فمن أظهرها وعمل بها أو دعا أحدًا إلى العمل بها فله من الأجر مثل أجور العامل بها وافيًا، وعلى ضد هذا ثم أحدث بدعة ضلالة

(2)

، والله أعلم.

قوله: "ومن ابتدع بدعة لا يرضاها الله ورسوله " فعلم من قوله بدعة ضلالة أن البدعة نوعان: بدعة حسنة وبدعة سيئة، فالبدعة الحسنة ما جوزها الأئمة من المسلمين مثل الآذان الثاني في يوم الجمعة والتأذين على المنارة، والبدعة السيئة ما أنكرها أئمة المسلمين كالبناء على القبور وتجصيصها وغير ذلك

(3)

، والله أعلم.

قوله: رواه الترمذي وقال: حديث حسن معترض عليه فإن كثير بن عبد الله هذا واه، وقال أبو داود: كذاب، وضرب الإمام أحمد على حديثه في المسند ولم يحدث به، قاله في الديباجة

(4)

.

فائدة: الترمذي هو الإمام الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي الضرير، أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صنف الجامع وكتالب العلل تصنيف رجل متقن، وبه كان

(1)

شرح المصابيح (1/ 175) لابن الملك.

(2)

المفاتيح (1/ 275).

(3)

المفاتيح (1/ 275 - 276).

(4)

الديباجة (ص 104/ رسالة علمية).

ص: 582

يضرب المثل، تلمذ لمحمد بن إسماعيل البخاري وشركه في جماعة من شيوخه، سمع بالحجاز من محمد بن أبي عمر المعدني، وبالبصرة من محمد بن بشار ومن محمد بن المثنى وغيرهما، وبواسط من أبي الشعثاء علي بن الحسن، وبالكوفة من أبي كريب محمد بن العلاء ومحمد بن عثمان بن كرامة، وروى عنه أنه قال: صنفت هذا الكتاب يعني المسند الصحيح وعرضته على علماء خراسان فرضوا به وعرضته على علماء الحجاز وعرضته على علماء العراق فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما كان في بيته نبي يتكلم، وروي عن عبد الله بن محمد الأنصاري أنه قال: كتاب أبي عيسى الترمذي عندي أفيد من كتاب البخاري ومسلم، قيل: لم؟ قال: لأنه لا يصل إلى الفائدة منهما إلا أن يكون من أهل المعرفة التامة، وهذا كتاب قد ضم أحاديث وبيَّنها فيصل إلى فائدته كل أحد من الناس من الفقهاء والمحدثين وغيرهم، وتوفي بترمذ ليلة الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين

(1)

، انتهى، قاله في شرح الإمام، والله أعلم.

93 -

وَعَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة رضي الله عنه أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لقد تركتكم على مثل الْبَيْضَاء لَيْلهَا كنهارها لَا يزِيغ [بَعْدِي] عَنْهَا إِلَّا هَالك رَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم فِي كتاب السّنة بِإِسْنَاد حسن

(2)

.

(1)

شرح الإلمام (1/ 47 - 49).

(2)

أخرجه ابن ماجه (43)، وابن أبي عاصم في السنة (48) و (49) والحاكم (1/ 96).

وصححه الألباني في الصحيحة (937) وصحيح الترغيب (59).

ص: 583

قوله: عن العرباض بن سارية، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك" الحديث، المراد بالبيضاء الشريعة، يعني على شريعة كاملة نقية لا خفاء فيها، وقوله:"لا يزيغ عنها إلا هالك" الزيغ: الميل، قال الله تعالى:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} إلى قوله: {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ}

(1)

الآية، قال ابن عطية في تفسيره

(2)

: التوبة من الله تعالى رجوعه بعبده من حالة إلى أرفع منها، وقد يكون في الأكثر رجوعا عن حالة المعصية إلى حالة الطاعة، وقد يكون رجوعا من طاعة إلى أكمل منها، توبته في هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وسلم لأنه رجع به من حالة إلى حالة أكمل منها، وأما توبته على المهاجرين والأنصار فهو الرجوع بهم من التقصير إلى الطاعة والجد في الغدو ونصرة الدين، وأما توبته على الفريق الذي كاد قلوبهم فرجوع من حالة محطوطة إلى حالة غفران ورضوان، وأما الزيغ الذي كادت قلوب فريق منهم أن تواقعه فهو فرقة همت بالانصراف لما وجدوا من المشقة، والزيغ الميل كما تقدم، قاله في الديباجة.

94 -

وَعَن عَمْرو بن زُرَارَة قَالَ: وقف عَليّ عبد الله يَعْنِي ابْن مَسْعُود وَأَنا أقص فَقَالَ: يَا عَمْرو لقد ابتدعت بِدعَة ضَلَالَة أَو إِنَّك لأهدى من مُحَمَّد وَأَصْحَابه فَلَقَد رَأَيْتهمْ تفَرقُوا عني حَتَّى رَأَيْت مَكَاني مَا فِيهِ أحد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ

(1)

سورة التوبة، الآية:117.

(2)

المحرر الوجيز (3/ 92 - 93).

ص: 584

فِي الْكَبِير بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا صَحِيح

(1)

. قَالَ الْحَافِظ عبد الْعَظِيم وَتَأْتِي أَحَادِيث مُتَفَرِّقَة من هَذَا النَّوْع فِي هَذَا الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قوله: عن عمرو بن زرارة، هو: عمرو بن زرارة بن (قيس بن عمرو النخعي من أهل الكوفة، أدرك عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن سيره عثمان بن عفان من الكوفة إلى دمشق روى عنه ابنه سعيد بن عمرو وأبو إسحاق السبيعي).

قوله: وقف عَليّ عبد الله بْن مَسْعُود وَأَنا أقص، فَقَالَ: يَا عَمْرو لقد ابتدعت بِدعَة ما أَو إِنَّك لأهدى من مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه فَلَقَد رَأَيْتهمْ تفَرقُوا عني حَتَّى رَأَيْت مَكَاني مَا فِيهِ أحد، الحديث، تقدم الكلام على مناقب ابن مسعود وعلى البدعة الضالة، قال بعض العلماء رضي الله عنهم: أما بعد، تسليم الاحتجاج بهذه الأخبار يعني التي أدت لحديث ابن مسعود يعني هذا مع عمرو بن زرارة فليس فيه تصريح بالنهي عن القص فلعله سمعه يقول ما يخاف أن يؤدي إلى فتنة في النفوس، فقال له ما قال لأجل ذلك، فإن عمر رضي الله عنه أفضل من ابن مسعود، وقد أذن لتميم الداري في القصِّ عليه حيث لا يخشى فيه فتنة دينية ولو كان القص منكرا لم يجز ذلك، ولم يفعله عمر

(1)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 331)، والطبراني في الكبير (9/ 127 رقم 8637) و (9/ 128 رقم 8638). قال الهيثمى في المجمع 1/ 189: رواه الطبراني في الكبير، وله إسنادان أحدهما رجاله رجال الصحيح، رواه عن الأسود عن عبد الله. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (60).

ص: 585

- رضي الله عنه، وهذا الجواب عن كل منكر مخالف لذلك، وفي معجم الطبراني الكبير من رواية عمرو بن دينار أن تميما الداري استأذن عمر في القصص فأبى أن يأذن له تم استأذنه فأبى أن يأذن له ثم استأذنه فقال: إن شئت وأومأ بيده يعني الذبح، ورجال إسناده ثقات، فانظر توقف عمر في إذنه في حق رجل من الصحابة الذين كل واحد منهم عدل مؤتمن وأين مثل تميم في التابعين ومن بعدهم، فلو كان القص منكرا لم يقره عمر وهو يعلمه، فضلا عن أن يأذن فيه، لكن عمل بإذنه وأقره عليه فليس بمحدث ضلالة ولا منكر، فالقاص المبتدع من ليس في قصه أمرًا بمعروف أو نهيا عن منكر أو بيانا لكتاب الله أو من قصه لكن لم يخلص نيته في ذلك ولم يجب عليه لعدم الحاجة إلى ذلك منه، وأما من قصه أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو بيانا لكتاب الله فهو مأمور بذلك من الله ورسوله على الوجوب أن يم يقم بذلك غيره قياما يغني عن قيامه هو به، وقد أشار عمر إلى تميم لما سأله أن يقص بأنه الذبح لما يخشى عليه من الترفع عليهم والإعجاب

(1)

، ولو كان نفس القص مهلكة عند عمر لما أذن فيه ولا أقر عليهم، والله أعلم.

وقيل

(2)

: المتكلمون على الناس ثلاثة أصناف: مذكر وواعظ وقاص؛ فالمذكر: الذي يذكر الثاس آلاء الله ونعماءه ويبعثهم به على الشكر؛ والواعظ: يخوفهم بالله وينذرهم عقوبته فيردعهم به عن المعاصي؛

(1)

قاله أبو الفضل العراقي في الباعث على الخلاص (ص 82).

(2)

معالم السنن (4/ 188).

ص: 586

والقاص: هو الذي يروي لهم أخبار الماضيين ويسرد عليهم القصص ولا يأمن أن يزيد فيها أو ينقص، والمذكر والواعظ مأمون عليهم ذلك.

وقال النووي في شرح المهذب في باب الاعتكاف

(1)

: قال الشافعي قدس الله سره في الأم والجامع الكبير: لا بأس أن يقص في المسجد لأن في القصص وعظ وتذكير، قال: وأما الحديث المباح فالأولى تركه في المسجد، فإن فعل فلا بأس، وهذا الذي قاله الشافعي محمول على قراءة الأحاديث المشهورة والمغازي والرقائق ونحوها مما ليس فيه موضوع، ولا يحتمله عقوق العامة، ولا ما ذكره أهل التواريخ والقصص من يقص الأنبياء وحكاياتهم فيها أن بعض الأنبياء جرى له فيها كذا وكذا فإن هذا كله يمنع منه، هذا كلامه، وفيه تصريح بأنه لا يجوز التحدث بالقصص والحكايات الموضوعة كسيرة عنترة والبطال ونحوهما، والله أعلم.

(1)

المجموع (6/ 533 - 534).

ص: 587