الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم
-
أولهم: القاسم وبه كان يكنى ولد بمكة قبل النبوة وعاش أياما يسيرة قاله ابن حزم
(1)
: وقيل عاش سنتين، وقيل: عاش إلى أن ركب على الدابة وسار على النجيبة، ثم ولد له زينب قبل النبوة، وقيل: كانت أسن من القاسم وهي أكبر بناته
(2)
قال أبو عمر بن عبد البر
(3)
: لا خلاف فيما علمته في أن زينب أكبر بناته صلى الله عليه وسلم إلا ما لا يصح ولا يلتفت إليه وإنما الاختلاف بينها وبين القاسم أيهما ولد أولا فقالت طائفة من أهل العلم بالنسب القاسم ثم زينب وقال: ابن الكلبي زينب ثم القاسم انتهى.
ولدت زينب سنة ثلاثين من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة بعشر سنين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم محبًّا فيها
(4)
تزوجها أبو العاص
(5)
واسمه القاسم قاله عز الدين بن جماعة
(6)
، وقيل: مهشم وقيل: هشيم
(7)
وكان أبو العاص مواخيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصافيا وشكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم مصاهرته وأثنى عليه
(1)
جوامع السيرة النبوية (ص 30).
(2)
المختصر الكبير في سيرة الرسول (ص 79) للكنانى.
(3)
في الاستيعاب (4/ 1853).
(4)
الاستيعاب (4/ 1854)، وعيون الأثر (2/ 358).
(5)
راجع ترجمة أبي العاص بن الربيع صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستيعاب (4/ 1701)، أسد الغابة (5/ 185)، الإصابة في تمييز الصحابة (7/ 206).
(6)
المختصر الكبير (ص 79).
(7)
الاستيعاب (4/ 1701)، والعقد الثمين (6/ 296).
بذلك خيرًا
(1)
وأسلمت زينب وهاجرت مسلمة حين أبى زوجها أبو العاص أن يسلم
(2)
وتركته على شركه فلم يزل مقيمًا عليه حتى كان قبل الفتح خرج في تجارة إلى الشام في قصة مطولة قال: ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمًا وحسن إسلامه ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على زوجها أبي العاص بالنكاح الأول ولم يحدث شيئًا بعد ست سنين، وروى أنه صلى الله عليه وسلم ردها بنكاح جديد قال: ابن العطار في شرح العمدة الأول أصح وأشهر
(3)
وولدت زينب من أبي العاص غلامًا يقال له علي أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على راحلته ومات صغيرًا
(4)
وماتت زينب في سنة ثمان من الهجرة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ثلاثين سنة
(5)
وغسلتها أم عطية الأنصارية
(6)
والله أعلم.
قوله: "أشرف من أظلت السماء" الشرف العلو والسماء كل شيء ارتفع فهو سماء والسموات جمع سماء وهي سبع سموات بين كل سماء وسماء خمسمائة عام وغلظ كل سماء خمسمائة عام
(7)
وجمعت السموات ووحدت
(1)
العدة (1/ 489 - 490)، والعقد الثمين (6/ 296 - 297)، وإمتاع الأسماع (6/ 283).
(2)
الاستيعاب (4/ 1854).
(3)
العدة (1/ 490).
(4)
عيون الأثر (2/ 357).
(5)
العدة (1/ 489).
(6)
تاريخ الإسلام (1/ 350) وسير أعلام النبلاء (2/ 103).
(7)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 95).
الأرض في جميع آيات القرآن لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسرى به إلى السموات ووطئها بقدميه الشريفتين فشرفت بذلك فجمعت.
وأما الأرض فلم يطأ بقدميه الشريفتين منها سوى واحدة وهي العليا فأفردت، ولأن السموات محل الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ولم يثبت في الأرض مثل ذلك، فجمعت السموات حينئذ لشرفها ولذلك كان المختار أنها أفضل من الأرض
(1)
، وروينا عن كعب الأحبار أنه قال: خلق الله السماء الدنيا من موج مكفوف، والثانية صخرة والثالثة، من حديد، والرابعة من نحاس، والخامسة من فضة، والسادسة من ذهب، والسابعة من ياقوت
(2)
، وروى البيهقي
(3)
عن أبي الضحى، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: في قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}
(4)
قال: سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم قال إسناد هذا الحديث عن ابن عباس صحيح غير أني لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا
(5)
والله أعلم قاله في الديباجة، واختلف أهل الهيئة هل هي متراكمات بلا تفاصل أوبين كل سماء والتي تليها خلا على قولين
(6)
.
(1)
النجم الوهاج في شرح المنهاج (2/ 108).
(2)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 96)، والنجم الوهاج (2/ 108).
(3)
في الأسماء والصفات (2/ 267).
(4)
سورة الطلاق، الآية:12.
(5)
النجم الوهاج (2/ 108).
(6)
الإعلام (1/ 96) وزاد: أصحهما الثاني، وفي وسطها المركز وهو نقطة مقدرة متوهمة وهو محط الأثقال إليه ينتهي ما يهبط من كل جانب إذا لم يقارنه مانع.
وقد روى الإمام أحمد بن حنبل في المسند مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إن غلظ كل أرض سبعمائة سنة وإن غلظ كل سماء خمسمائة سنة"
(1)
.
وأما السماء الأولى فقال بعضهم: إنها أفضل مما سواها لقوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ}
(2)
وكذلك الأرض الأولى لانتفاعنا بها ودفن الأنبياء بها وهي مهبط الوحي وغير ذلك وفي كلام بعضهم الأرض العليا أفضل مما تحتها لاستقرار ذرية آدم فيها ومنهم أفضل الأنبياء والمرسلين خاتمهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ، تحت لوائي"
(3)
واختلف العلماء رضي الله عنهم في تفضيل السماء على الأرض والمذهب الصحيح المختار الذي عليه الجمهور أن السموات أفضل من الأرض قاله ابن الملقن في شرح عمدة الأحكام
(4)
، وقيل الأرض أشرف لأنها مستقر الأنبياء خلقوا منها وعبدوا الله فيها ودفنوا فيها، وبه قال الأكثرون وهذا القول ضعيف
(5)
.
قوله "وأقلت البيداء" أقلت معناها حملت قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا
(1)
أخرجه أحمد في المسند (3/ 292) من حديث العباس بن المطلب وفيه "بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَمِنْ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ".
(2)
سورة الملك، الآية:5.
(3)
أخرجه أحمد في المسند (4/ 330) من حديث عبد الله بن عباس.
(4)
المسمى بـ "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(1/ 99).
(5)
الإعلام (1/ 99).
أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا}
(1)
أي حملت والبيد بكسر الباء الموحدة جمع البيداء بالمد عبارة عن الأرض القفر التي لا نبات فيها ولا شجر.
قوله: [صلى الله عليه وسلم] قال: الأزهري
(2)
[وجماعات]
(3)
الصلاة في اللغة الدعاء قال: الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}
(4)
أي ادع لهم
(5)
، والصلاة من الله تعالى رحمة مقرونة بتعظيم
(6)
، وقال: بعض العلماء الصلاة من الله تعالى إرادة التشريف ورفع الدرجة والصلاة من الملائكة بمعنى الاستغفار
(7)
، وقال: بعض العلماء الصلاة من الملائكة بمعنى الاستغفار والثناء وطلب زيادة رفع الدرجة له والصلاة من الآدميين تضرع ودعاء
(8)
، وقال: بعض العلماء أيضا الصلاة من الآدميين الدعاء وطلب زيادة الدرجة له أيضًا
(9)
والصلاة في الشريعة عبارة عن أركان معلومة وأفعال مخصوصة ويكره إفراد الصلاة دون التسليم لأن الله
(1)
سورة الأعراف، الآية:57.
(2)
تهذيب اللغة (12/ 165 - 166).
(3)
زائدة في السياق وغير مفهومة.
(4)
سورة التوبة، الآية:153.
(5)
ذكر ذلك ابن قتيبة في غريب الحديث (1/ 167)، والفيومي في المصباح المنير (1/ 36/ 46).
(6)
الإعلام (1/ 103)، والنجم الوهاج (1/ 194)
(7)
المفاتيح (1/ 20).
(8)
المفاتيح (1/ 20) والإعلام (1/ 103).
(9)
المفاتيح (1/ 20).
تعالى أمر به بقوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
(1)
(2)
، قال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
(3)
، وفي مسند إسحاق بن راهويه من حديث أبي ذر مرفوعًا:"إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي"
(4)
وفي الحديث: "كل خطبة لا يصلي فيها على النبي صلى الله عليه وسلم شوهاء" أي قبيحة
(5)
.
فائدة: وفي وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أقوال: أحدهما: تجب في كل حالة.
والثاني: لا تجب بعد الإسلام إلا مرة. والثالث: تجب كلما ذكر واختاره الحليمي واللخمي والطحاوي
(6)
.
تنبيه: الطحاوي منسوب إلى طحا قرية من قرى الصعيد واسمه أحمد وهو من كبار الحنفية كان المزني خاله صنف المختصر في مذهب أبي حنيفة وكان إمامًا في الحديث له كتاب تهذيب الآثار في الحديث كتاب كبير
(7)
انتهى.
(1)
سورة الأحزاب، الآية:56.
(2)
النجم الوهاج (1/ 194)
(3)
انظر تفسير الطبري (24/ 494) والإعلام (1/ 104).
(4)
أخرجه الحارث بن أبي أسامة كما في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث رقم (1064)، وابن أبي عاصم في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رقم (29).
(5)
النجم الوهاج (1/ 194).
(6)
النجم الوهاج (1/ 194).
(7)
انظر: الأنساب (9/ 53)، واللباب (2/ 276). وكتابه المذكور كتابان الأول شرح معانى الآثار طبع بدار عالم الكتب تحقيق (محمد زهري النجار - محمد سيد جاد الحق) من علماء =
والرابع: في كل مجلس. والخامس: في أول كل دعاء وآخره لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوني كقدح الراكب اجعلوني في أول الدعاء وفي وسطه وفي آخره"
(1)
رواه الطبراني عن جابر
(2)
.
قوله: "وعلى آله" أما الآل فقال النحاس
(3)
: أصله أهل ثم أبدلت من الهاء ألفا فإن صغرته رددته إلى أصله فقلت أهيل
(4)
. وقال: المهدوي أصله أول وقيل أهل قلبت الهاء همزة ثم أبدلت الهمزة ألفا وجمعه آلون وتصغيره أويل فيما حكى الكسائي، وحكى غيره أهيل، وقد ذكر عن النحاس، واختلف في حقيقته على أقوال كثيرة: أصحها عند الشافعي وموافقيه أنهم بنو هاشم وبنو المطلب هذا مذهب الشافعي
(5)
وبه قال: بعض المالكية وقال أبو حنيفة
= الأزهر، والثانى شرح مشكل الآثار طبع دار الرسالة بتحقيق شعيب الأرناؤوط، أما المختصر المعروف بمختصر الطحاوى طبع بلجنة إحياء المعارف الهندية بتحقيق أبي الوفا الأفغانى.
(1)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه رقم (3117)، وعبد بن حميد في المنتخب من المسند رقم (1132)، وابن أبي عاصم في الصلاة على النبي رقم (71)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 155): رواه البزار، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.
(2)
النجم الوهاج (1/ 195).
(3)
أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المراديّ أبو جعفر النحّاس النحويّ المصريّ (338 هـ) انظر كتاب الأنساب للسمعاني 13/ 44 واللباب في تهذيب الأنساب لابن الاثير الجزري 3/ 300.
(4)
إعراب القرآن (1/ 52) للنحاس.
(5)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 112).
ومالك هم بنو هاشم خاصة
(1)
وبنو هاشم هم آل علي وآل العباس وآل حمزة وآل عقيل وآل الحارث بن عبد المطلب ومواليهم هكذا قاله صاحب القدوري في الصدقات
(2)
.
ثانيها: عترته وأهل بيته هم فاطمة وعلي والحسن والحسين لأنه صلى الله عليه وسلم لفَّ عليهم كساء وقال: هؤلاء أهل بيتي أو هم مع أزواجه لأنه المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق قاله الكرماني
(3)
.
ثالثها: جميع الأمة واختاره الزهري وغيره من المحققين وهو قوي مختار، وقيل الأتقياء من المسلمين لأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن آله فقال "كل مؤمن تقي"
(4)
لكنه ضعيف
(5)
.
رابعها: قال بعض العلماء: هم قريش كلها قاله القاضي عياض.
خامسها: هم بني قصي قاله أصبغ
(6)
.
سادسها: أن أهل البيت زوجاته خاصة قاله ابن عباس وغيره وذهبوا إلى أن البيت أريد به ساكنه وصحح ابن الفركاح دخول زوجاته في أهل بيته
(1)
شرح النووى على مسلم (7/ 176).
(2)
التجريد (8/ 4221) للقدورى.
(3)
الكواكب الدرارى (15/ 5 - 6).
(4)
أخرجه الكلاباذي في بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار صـ 306.
(5)
المجموع شرح المهذب (3/ 466)، الزاهر (66)، كفاية النبيه (3/ 218)، والإعلام (1/ 112)، والنجم الوهاج (2/ 161).
(6)
شرح النووى على مسلم (7/ 176).
والخلاف عند الإمام أحمد أيضًا
(1)
.
سابعها: آله فاطمة والحسن والحسين فقط قالته الرافضة ودليل الشافعي رحمه الله تعالى أنهم: بنو هاشم وبنو المطلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد"
(2)
وقسم بينهم سهم ذوي القربى وهذه الأقوال كلها ذكره النووي في شرح مسلم
(3)
وابن الملقن في شرح عمدة الأحكام في أول الخطبة
(4)
.
تتمة: قال أصحابنا: لا يصلى على غير الأنبياء إلا تبعا لأن الصلاة في لسان السلف مخصوصة بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا عز وجل مخصوص بالله سبحانه وتعالى وكما لا يقال محمد عز وجل وإن كان عزيزًا جليلًا، ولا يقال أبو بكر رضي الله عنه، وإن صح المعنى، واختلف أصحابنا في النهي عن ذلك، هل هو تنزيه أم محرم أو مجرد أدب على ثلاثة أوجه الأصح الأشهر أنه مكروه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود، واتفقوا على أنه يجوز أن يجعل غير الأنبياء تبعا لهم في ذلك فيقال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته وأتباعه لأن السلف لم يمنعوا منه وقد أمرنا به في التشهد وغيره
(5)
.
(1)
انظر تفسير ابن عطية (4/ 384)، وتفسير القرطبي (14/ 182)، والإعلام (1/ 112).
(2)
أخرجه الإمام الشافعي في التفسير (2/ 878)، وفي مسنده رقم (415).
(3)
شرح النووي على مسلم (7/ 167).
(4)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 112 - 113).
(5)
شرح النووى على مسلم (7/ 185).
قال الشيخ أبو محمد الجويني: والسلام في معنى الصلاة فلا يفرد به غير الأنبياء
(1)
انتهى. قاله في الديباجة.
تتمة: والأصح أن الزكاة فقط حرام على آل النبي صلى الله عليه وسلم قاله الكرماني
(2)
، وأما صدقة التطوع فقيل تحرم على النبي صلى الله عليه وسلم وتحل لآله وهو الأصح، وقيل: تحل، وقيل: تحرم عليهما
(3)
.
قال المهلب
(4)
: والحكمة في تحريمها عليه وعلى آله إما أنها مطهرة للملاك ولأموالهم قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ}
(5)
فهي كغسالة الأوساخ وآل محمد منزهون عن أوساخ الناس وغسالاتهم، وإما أن أخذها مذلة وضعة وقال: عليه الصلاة والسلام "اليد العليا خير من اليد السفلى" فجعل يد الآخذ سفلى، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكذا آلهم منزهون عن ذلك وعن الخضوع والافتقار إلى غير الله عز وجل، ولهم اليد العليا، وقد فرض الله عليه وعلى الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام أن لا يطلبوا على شيء من الرسالة أجرًا فلو أخذوا الصدقة لكانت كالأجرة انتهى
(6)
.
وإما أنها لو أخذوها لقال الأعداء بأن محمدا يدعونا إلى ما يدعونا إليه
(1)
شرح النووى على مسلم (7/ 185).
(2)
الكواكب الدرارى (8/ 32).
(3)
شرح النووى على مسلم (7/ 176).
(4)
شرح الصحيح (3/ 541 - 542) لابن بطال.
(5)
سورة التوبة، الآية:103.
(6)
راجع شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 541 - 542)، والكواكب الدرارى (8/ 36)، وعمدة القاري (9/ 87).
ليأخذ أموالنا ويعطيها لأهل بيته قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}
(1)
ولهذا أمر أن تصرف إلى فقرائهم في بلدتهم.
قال الطحاوي
(2)
: قال أبو حنيفة: الصدقة فرضًا أو نفلًا حلال لهم لأنها كانت محرمة من أجل أن لهم الخمس من سهم ذوي القربى فلما انقطع عنهم ذلك بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم حل بذلك لهم ما كان حرم عليهم
(3)
، وقال: صاحباه يحرم عليهم كلاهما
(4)
.
قوله: "والصحابة": واختلف فيمن يطلق عليه اسم الصحبة على مذهبين أصحهما وهو مذهب البخاري وسائر المحدثين وجماعات من الفقهاء وغيرهم أنه كل مسلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه ولو ساعة وإن لم يجالسه ويخالطه، والثاني وهو مذهب أهل الأصول أنه يشترط مجالسته
(5)
، والمختار في حده هو كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخل في هذا العميان ابن أم مكتوم الأعمى وغيره، وأما التابعي ففيه أيضًا: مذهبان أحدهما: الذي رأى صحابيًّا وصحبه ولو ساعة، والثاني أنه الذي جالس صحابيًّا والله أعلم
(6)
.
(1)
سورة الشورى، الآية:23.
(2)
شرح معاني الآثار (2/ 10).
(3)
راجع شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 540).
(4)
الكواكب الدرارى (8/ 36).
(5)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 14).
(6)
راجع في تعريف الصحابي: الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (2/ 483)، المقنع في علوم الحديث (2/ 490)، فتح المغيث (4/ 78)، الإحكام في أصول الأحكام (5/ 89)، المستصفى صـ 30، البحر المحيط في أصول الفقه (6/ 190).
تنبيه: يستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الأحياء، يقال: رضي الله عنه، أو رحمه الله، أو رحمة الله عليه، ونحو ذلك، وأما ما قاله بعض العلماء: إن قول رضي الله عنه مخصوص بالصحابة، ويقال في غيرهم رحمه الله فقط فليس كما قال ولا يوافق عليه، بل الصحيح الذي عليه الجمهور واستحبابه ودلائله أكثر من أن تحصر فإن كان المذكور صحابيًّا بن صحابي كعبد الله بن عمر وابن عباس وابن الزبير وابن جعفر وأسامة بن زيد ونحوهم قيل رضي الله عنهما ليشمله وأباه جميعا
(1)
انتهى قاله في الديباجة.
فائدة: وقع في الباب الثالث في أعمال الباطن من القراءة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مات عن عشرين ألفًا من الصحابة لم يحفظ القرآن منهم إلا ستة واختلف في اثنين منهم
(2)
، ولعله أراد عشرين ألفًا في المدينة وإلا فقد روى أبو زرعة الرازي أنه صلى الله عليه وسلم مات عن مائة ألف وأربعة مائة وعشر ألفًا كل منهم صحبه وروى أعنه، وسمع منه انتهى
(3)
. أفضلهم العشرة المشهود لهم بالجنة.
وقال في مرآة الزمان
(4)
: اعلم أن الصحابة خلق كبير تتعذر الإحاطة بعددهم وسئل أبو زرعة الرازي عن هذا فقال قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وعشرين ألفًا ممن روى عنه وسمع منه ورآه وقد سُئل الخطيب أبو بكر بن أبي زرعة أيضا عن ذلك فقال ومن يضبط هذا، شهد معه حجة الوداع
(1)
الأذكار (ص 118 - 119) والمجموع (6/ 172).
(2)
إحياء علوم الدين (1/ 287).
(3)
النجم الوهاج (3/ 58).
(4)
مرآة الزمان (4/ 409).
أربعون ألفا وتبوك سبعون ألفا وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه يوم الفتح عشرة آلاف وخرج من المدينة إلى غزوة تبوك في ثلاثين ألفا انتهى.
قوله: "صلاة دائمة" تقدم معنى الصلاة قريبًا.
قوله: "في كل حين" تقوى وتزيد، والنمو الزيادة.
قوله: "ولا ينفد ما دامت الدنيا والآخرة" وإنما سميت الدنيا دنيا لأنها أدنى فيها العمل وإنما سميت الآخرة آخرة لأن كل شيء فيها مستأخر وهي دار جزاء وثواب
(1)
، وقال أبو العباس القرطبي: الدنيا وزنها فعلى وألفها للتأنيث وهي من الدنو بمعنى القرب وهي صفة لموصوف محذوف كما قال الله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
(2)
غير أنه أكثر استعمالها استعمال الأسماء فاستغنى عن موصفه فيها والمراد الدار الدنيا والحياة الدنيا التي تقابلها الدار الآخرة أو الحياة الأخرى
(3)
. انتهى.
قوله: "ولا تبيد" أي لا تفنى.
قوله: "أما بعد" هذه الكلمة يأتي بها المتكلم إذا أراد الانتقال من أسلوب إلى غيره ومعناها أما بعد من حمد الله تعالى والصلاة على رسول الله
(4)
انتهى.
وقال: بعضهم هي كلمة موضوعة للدلالة على اقتطاع من سابق واستئناف من لاحق انتهى.
(1)
حلية الأولياء (5/ 194) من كلام عطاء الخراساني.
(2)
سورة آل عمران، الآية:185.
(3)
المفهم (22/ 140).
(4)
النجم الوهاج (1/ 195)، والتحبير شرح التحرير (1/ 107)، وغذاء الألباب (1/ 33 - 34).
وقال ابن بطال: هو فصل بين الثناء على الله وبين ابتداء الخبر الذي يريد الخطيب إعلامه
(1)
، ويستحب الإتيان بها في خطب الوعظ والجمع والعيد وغيرها وكذا في خطب الكتب المصنفة والمكاتبات اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر ابن بطال أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولها في خطبه وشبهها رواه عنه خمسة وثلاثون صحابيا قاله ابن الملقن في شرح العمدة
(2)
.
وقال: الحافظ أبو محمد عبد القادر الرهاوي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه وكتبه جمع من الصحابة نحو ثلاثين نفسًا
(3)
، انتهى.
وقد عقد البخاري لها بابًا في كتاب الجمعة
(4)
وذكر فيه أحاديث كثيرة في ضبط دال أما بعد أربعة أوجه ضم الدال وفتحها من غير تنوين ورفعها منونة كذا نصبها
(5)
.
وأما حرف فيه معنى الشرط ولذلك يجاب بالفاء وبعد ظرف زمان واختلف العلماء في أول من تكلم بهذه الكلمة على خمسة أقوال:
(1)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 510).
(2)
اسم الكتاب بالكامل (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام) 1/ 115.
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 29 - 30).
(4)
صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد (2/ 10).
(5)
صناعة الكتاب (ص 182 - 183)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 29)، وقد نظمها بعضهم فقال:
جرى الخُلْفُ أما بعد من كان قائلًا
…
لها خمسُ أقوالٍ وداودُ أقربُ
وكانت له فصلَ الخطابِ وبعدَه
…
فقُسٌ فسحبانُ فكعبٌ فَيْعُربُ
انظر: حاشية الباجوري 1/ 7.
أحدها داود عليه الصلاة والسلام قال: بعض المفسرين أو كثير أنها منهم فصل الخطاب الذي أوتي داود صلى الله عليه وسلم وقال: المحققون فصل الخطاب الفصل بين الحق والباطل
(1)
.
تتمة: قال الزمخشري
(2)
وغيره: لما جاء إخوة يوسف لطلب أخيهم أدوا إليه كتاب يعقوب فيه من يعقوب إسرائيل بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر أما بعد فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء، فأما جدي فشدت يساره ورجلاه ورمي في النار ليحرق فنجاه الله وجعلها عليه بردًا وسلامًا، وأما أبي فوضع السكين على قفاه ليقتل ففداه الله، وأما أنا فكان لي ابن وكان أحب أولادي إلي فذهب به إخوته إلى البرية ثم أتوا بقميصه ملطخا بالدم وقالوا: قد أكله الذئب فذهبت عيناي من بكائي عليه ثم كان لي ابن وكان أخوه من أمه وكنت أتسلى به فذهبوا به ثم رجعوا وقالوا إنه سرق وإنك حبسته لذلك وإنا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا فإن رددته علي وإلا دعوت عليه دعوة تدرك السابع من ولدك، والسلام.
وذكر الشيخ سراج الدين بن الملقن بسند ضعيف
(3)
: لما جاء ملك الموت إلى يعقوب عليه السلام، قال له من جملة كلامه (أما بعد)، فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء؛ ولو ثبت هذا لكان أول من تكلم بها يعقوب عليه الصلاة والسلام. انتهى. وثانيها: قس بن ساعدة الإيادي، قاله الكلبي. وثالثها: كعب بن لؤي، وهذه
(1)
شرح النوويّ 6/ 394.
(2)
الكشاف (2/ 501).
(3)
ذكره ابن الملقن في التوضيح (7/ 550) وقال: غرائب مالك للدارقطني بسند ضعيف.
مشهورة. ورابعها: يعرب بن قحطان. خامسها: سحبان بن وائل، وهو القائل:
لقد علم الحي اليمانون أنني
…
إذا قلت أما بعد، أني خطيبها
(1)
قوله: "زاده الله قربًا منه وعزوفًا" يقال: عزفت نفسي عن الشيء تعزف عزوفًا، أي زهدت فيه وانصرفت عنه، ذكره الجوهري في صحاحه
(2)
.
قوله: "عن دار الغرور" الغرور الخديعة، وإنما سميت الدنيا بدار الغرور لأنها تخدع الناس بزينتها وزخرفها وتشغلهم عن طلب الآخرة والسعي لها.
قوله "وأسعفه" يقال أسعفت الرجل في حاجته: إذا قضيتها له
(3)
.
قوله "لما وقر عندي من صدق نيته" أي: تمكن، قال أبو عثمان في كتاب الأفعال
(4)
: ووقر الشيء في القلب معناه: تمكن، ذكره الجوهري في صحاحه
(5)
.
قوله: "من صدق نيته" والنية هي القصد، تقول العرب: نوى إلى الله بحفظه، أي: قصد إلى الله
(6)
، وسيأتي الكلام على النية قريبًا مبسوطًا [في الترغيب في إخلاص النية].
وقوله: "وإخلاص طويته" والطوية هي ما يسره الإنسان ويكتمه عن الناس.
(1)
انظر صناعة الكتاب (ص 176)، والإعلام (1/ 115 - 116).
(2)
الصحاح (4/ 1403).
(3)
مقاييس اللغة (3/ 73).
(4)
راجع كتاب الأفعال علي بن جعفر بن علي السعدي، أبو القاسم، المعروف بابن القَطَّاع الصقلي (3/ 302).
(5)
لم أجده في باب وقر وإنما ذكره في باب وكن (6/ 2215) فقال: وتقول: وكن الطائر بيضه يكنه وكنا، أي حضنه. وتوكن، أي تمكن.
(6)
الإعلام (1/ 177).
قوله: "وأمليت عليه هذا الكتاب صغير الحجم غزير العلم "أشار بذلك قدس الله سره إلى أن الهمم تقاصرت عن حفظ المطولات بل والمختصرات، وصارت على النزر اليسير مقاصرات، وحجم الشيء: ملمسه الناتئ تحت اليد والجمع حجوم، والكبر: نقيض الصغر لأن ما كثر حجمة أحجم الطلاب عن تحصيله وما اختصر رغبوا في إجماله وتفصيله، والاختصار حذف الفضول من كل شيء ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصارًا"
(1)
، وجوامع الكلم: قيل القرآن لأن الله تعالى جمع في ألفاظه اليسيرة معاني كثيرة، وكان صلى الله عليه وسلم يتكلم بجوامع الكلم، قال الخليل
(2)
: الكلام يبسط ليفهم ويختصر ليحفظ، فالمبسوط: ما كثر لفظه ومعناه، والمختصر: ما قل لفظه وكثر معناه
(3)
.
قوله: "لأني لو فعلت ذلك" لخرج هذا الإملاء إلى حد الإسهاب الممل، يقال: أسهب فهو مسهب بفتح الهاء إذا أمعن في الشيء وأطال
(4)
.
قوله: "وأما دقائق العلل فلا مطمع في شيء منها لغير الجهابذة النقاد من أئمة هذا الشأن" الجهابذة: جمع جهبذ، ولم توجد هذه اللفظة في أول
(1)
أخرجه الدارقطني في سننه (5/ 254) عن ابن عباس، والبيهقي في الشعب رقم (1367) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ "فُضِلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ
…
" الحديث. ليس فيه "واختصر لي الكلام اختصرًا".
(2)
الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري.
(3)
زيادة في المخطوطة المغربية: وكان صلى الله عليه وسلم يتكلم بجوامع الكلم، قاله الكمال الدميري.
(4)
مجمع بحار الأنوار (3/ 158).
الصحاح، وفي القاموس
(1)
في حرف الذال المعجم، الجهبذ بالكسر الناقد الجيد، وفي شرح ألفية العراقي
(2)
: تفسيره بالناقد فقط، ووقع في كلام أبي شامة عند قول الشاطبي جهابذة النقاد أن الجهابذة جمع جهبذ وهو الحاذق في النقد والنقاد جمع ناقد يقال نقدت الدراهم إذا استخرجت منها الزائف وكنى بالجهابذة عن الحاذقين بهذا العلم المتضلعين منه
(3)
، قلت: وما حكاه أبو شامة يقتضي أن الجهبذ الحاذق في النقد لا مطلق الناقد
(4)
بخلاف ما وقع في شرح الألفية للعراقي [كلمات غير واضحة
(5)
].
قوله: "وأنبه على كثير مما مضى في حال الإملاء مما تساهل فيه أبو داود في السكوت عن تضعيفه، أو الترمذي في تحسينه أو الحاكم في تصحيحه، لا انتقادًا عليهم، بل مقباسًا لمتبصر في نظائرها" يقال: اقتبس الرجل: أخذ من نور غيره قبسا، قاله ابن عطية في تفسيره [في سورة الحديد
(6)
].
والقبس: الشعلة من النار، واقتباسها: الأخذ منها؛ قال في القاموس
(7)
: القبس محركًا: شعلة نار تقتبس من معظم النار كالمقباس، فمعنى كلام المنذري، رحمه الله تعالى، مقباسًا لمتبصر، يعني: أن الذي نبهت عليه حال
(1)
القاموس المحيط (ص 332).
(2)
شرح (التبصرة والتذكرة) 1/ 275.
(3)
إبراز المعانى من حرز الأمانى (ص 743).
(4)
فتح المغيث (1/ 275).
(5)
والذي في شرح الألفية المسماة بالتبصرة والتذكرة: الجهبذُ، أي: الناقدُ (1/ 275).
(6)
المحرر الوجيز (5/ 262).
(7)
القاموس المحيط (ص 564).
الإملاء نور يهتدى به في نظائر الأحاديث الذي تساهل فيها أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم.
مثال ما تساهل فيه أبو داود: الحديث الذي رواه عنه المصنف في الترهيب من دخول الحمام وعبارته عن عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن دخول الحمامات"
(1)
رواه أبو داود ولم يضعفه، واللفظ له، والترمذي وابن ماجه؛ فقوله:"ولم يضعفه" يعني: سكت عنه، فيقتضي أنه حسن، قال المصنف: رووه كلهم من حديث أبي عذرة عن عائشة، ثم قال: قال أبو بكر الحازمي
(2)
: لا يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، وأبو عذرة غير مشهور، فقد وُجد من أبي داود تساهل حيث لم يضعف هذا الحديث، فبيان المصنف لتضعيفه مقباسٌ يُستضاء به في نظير ذلك من الأحاديث التي في طريقها أبو عُذرة حتى يقضى عليها بالضعف.
مثال ما تساهل فيه الترمذي: كالحديث الذي رواه عنه المصنف في الترهيب في ترك السنة، وعبارته عن عمرو بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث يومًا: "اعلم يا بلال
…
" الحديث"
(3)
، قال في آخره: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما من طريق كثير بن عبد الله، قال الترمذي: حديث
(1)
أخرجه أبو داود رقم (4009)، والترمذي رقم (2802) وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة وإسناده ليس بذاك القائم، وابن ماجه رقم (3749)، وأحمد في مسنده (41/ 466) رقم (25006)، وضعفه الألباني في غاية المرام رقم (191).
(2)
الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار (ص 241).
(3)
أخرجه الترمذي رقم (2677)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم (965).
حسن، قال المصنف: بل كثير بن عبد الله واه، فقد تساهل الترمذي حيث قضى عليه بالحسن فبيان المصنف لتضعيفه مقباس لتظيره من الأحاديث التي في طريقها كثير بن عبد الله حتى يقضى عليها بالضعف.
ومثال ما تساهل فيه الحاكم كالحديث الذي رواه عنه المصنف في الترهيب من [الرياء] وعبارته عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم وساق الحديث ثم قال في آخره: قال الحاكم - واللفظ له -: صحيح الإسناد
(1)
، قال المصنف رحمه الله: كيف وعبد الواحد بن زيد الزاهد متروك الحديث، فقد تساهل الحاكم حيث قضى عليه بالصحة فبيان المصنف لتضعيفه مقياس يستضاء به في نظير ذلك من الأحاديث التي في طريقها عبد الواحد بن زيد حتى يقضى عليها بالضعف، هذا ما ظهر لي في معنى كلام المنذري والله أعلم، قاله الشيخ شمس الدين بن قاسم أيضًا.
قوله رضي الله عنه: وأنا استمد العون على ما ذكرت من الله القوي المتين العون، بمعنى الإعانة، والقوي: هو الذي لا يصعب عليه أمر من الأمور، وهو يفعل ما يختار، وقال في الديباجة: القوي التام القدرة الذي يستحيل عليه العجز وقوتنا قاصرة
(2)
.
تنبيه: القوي من العبيد الذي يقوى بقوة الله تعالى على قهر الشيطان وجنوده التي هي قوى نفسه من الغضب والشهوة والهوى ثم على قهر أعدائه
(1)
أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 366)، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب رقم (21).
(2)
الأسنى (ص 259).
من شياطين الجن والإنس فلا يقاويه شيء من خلق الله إلا قهره، ولا يناويه أحد إلا غلبه
(1)
.
قوله: المتين، والمتين هو الذي لا يحتاج إلى غيره في الأمور لكمال قوته، وقال في الديباجة: المتين الشديد القوة الذي لا تلحقه مشقة
(2)
.
واعلم أن القوة تدل على القدرة التامة، والمتانة تدل على شدة القوة، والله تعالى من حيث أنه بالغ القدرة تامها قوي، ومن حيث أنه شديد القوة متين، وذلك راجع إلى معنى القدرة
(3)
.
تنبيه: المتين من العبيد هو المتصلب في دينه الذي لم يتأثر عمن أراد إغواءه عن الحق لشدته لكونه أمتن كل متين
(4)
.
قوله: وأمد أكف الضراعة؛ الضراعة بمعنى التضرع، وأصل الضراعة الخضوع والتذلل
(5)
، قاله في الديباجة؛ وقال القاضي عياض
(6)
: الضراعة هي شدة الفاقة والحاجة إلى من احتجت إليه، انتهى.
قوله: وأن ينفع به كاتبه، النفع ضد الضر، يقال: نفعه كذا ينفعه وانتفع به،
(1)
معجم اصطلاحات الصوفية (ص 137).
(2)
الأسنى (ص 264).
(3)
المقصد الأسنى (ص 129).
(4)
معجم اصطلاحات الصوفية (ص 137).
(5)
المفهم (18/ 66).
(6)
مشارق الأنوار (2/ 58).
والاسم المنفعة، قاله الجوهري
(1)
، وقال الراغب في مفرداته
(2)
: النفع ما يستعان به في الوصول إلى الخيرات وما يتوصل به إلى الخير، فالنفع خير وضده الضر، قال الله تعالى:{وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا}
(3)
.
قوله: وأن يرزقني من الإخلاص ما يكون كفيلا لي في الآخرة بالخلاص، قال القشيري
(4)
: الإخلاص هو إفراد الحق سبحانه وتعالى في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر من تصنُّعٍ لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى، انتهى، وسيأتي الكلام على الإخلاص في الباب بعده مبسوطًا وتقدم الكلام على الكفالة وإنها الضمان.
قوله: في الآخرة بالخلاص؛ والآخرة هي دار القرار.
سؤال: لم جعل الله الآخرة غائبة عن أبصارنا؟.
قيل: قال أبو محمد السجزي: أراد الله تعالى أن يعمر الدنيا، فلو رأوا الآخرة لأعجبتهم وتركوا الدنيا فلم يعمروها، وأيضا لو رأوها لما جحدها أحد، وارتفعت المحبة، وقيل: وسميت الدنيا دنيا لدنوها قبل الآخرة، وقيل: لدناءتها كما حكى أن عيسى عليه الصلاة والسلام رأى طيرًا حسنًا عليه من كل لون ثم نزع جلده فصار أقبح شيء، فقال: ما أنت؟ قال: الدنيا؛ فإن قيل:
(1)
في الصحاح (3/ 1292).
(2)
مفردات القرآن (ص 819).
(3)
سورة الفرقان، الآية:3.
(4)
الرسالة القشيرية (2/ 359).
لم مثلها الله عز وجل بالماء في قوله: {وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا}
(1)
الآية، قيل: لأن الماء ليس له قرار، وكذلك الدنيا، والآخرة هي دار القرار أيضًا، فالماء قليله فيه الكفاية، وكثيره مضر، كذلك الدنيا قليلها يكفي وكثيرها يطغي ولا يغني، وترك القليل والكثير يورث القناعة، وأيضًا الزرع يفسد بالماء الكثير كذلك القلب يفسد بالمال الكثير، وأيضا الماء كله لا يكون صافيا كذلك المال يكون حراما وشبهة وحلالا، وأيضا الماء يطهر النجاسات كذلك المال يطهر دنس الآثام، قال الله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ}
(2)
الآية، وأيضًا الماء يصلح لزاد البادية كذلك المال يصلح لزاد القيامة والله أعلم، قاله في كشف الأسرار
(3)
.
قوله (ومن التوفيق ما يدلني على أرشد طريق) تقدم الكلام على التوفيق وتقدم الكلام أيضا على الرشد والإرشاد وعلى السبل وأنها الطرق.
قوله (وأرجو منه الإعانة) الرجاء: ضد اليأس ممدود، وقد جاء بمعنى الخوف، قال الله تعالى:{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)}
(4)
أي: لا تخافون عظمة الله
(5)
.
قوله: (على حزن الأمر وسهله) الحزن: الصعب وهو ضد السهل.
(1)
سورة الفرقان، الآية:3.
(2)
سورة التوبة، الآية:103.
(3)
كشف الأسرار (لوحة 8 و 9).
(4)
سورة نوح، الآية:13.
(5)
الصحاح (6/ 2352)، وتهذيب اللغة (11/ 124 - 125).
قوله: (وأتوكل عليه) قال أبو عثمان الحيري: التوكل الاكتفاء بالله والاعتماد عليه، وقال حمدون: التوكل الاعتصام بالله تعالى، وقال سهل بن عبد الله أول مقام في التوكل أن يكون العبد بين يدي الله تعالى كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء ولا يكون له حركة ولا تدبير، وسئل يحيى بن معاذ: متى يكون الرجل متوكلًا؟ قال: إذا رضي بالله وكيلًا، وقال أبو تراب النخشبي: التوكل طرح البدن في العبودية وتعلق القلب بالربوبية والطمأنينة إلى الكتابة، وقال الأستاذ أبو علي: التوكل ثلاث درجات التوكل ثم التسليم ثم التفويض، فالمتوكل سكن إلى وعده، وصاحب التسليم يكتفي بعلمه، وصاحب التفويض يرضى بحكمه
(1)
، ولذلك أشار الشيخ تقي الدين عبد الرحمن بن عبد المحسن الواسطي
(2)
بقوله:
تَوَكَّلْ عَلَى مَوْلاكَ وَارضَ بِمَا قَضَى
…
وَسَلِّمْ وَفَوِّضْ فَالصِّعَابُ تَهُونُ
وَإِنْ كنْتَ تَرْجُو فِي أمُورِكَ غَيْرَهُ
…
فَذَاكَ جُنُون وَالْجُنُونُ فُنُونُ
فقال في الإحياء
(3)
: وقال بعضهم: رأيت زرارة بن أوفى بعد موته في الجنان، فقلت له: أي الأعمال أبلغ عندكم؟ قال: التوكل وقصر الأمل، ثم روى عن سعيد أنه قال: التوكل جماع الإيمان، وروى ابن أبي الدنيا في كتاب
(1)
الرسالة القشيرية (1/ 299).
(2)
هو عبد الرحمن بن عبد المحسن بن عمر بن شهاب، المتوفى (744 هـ) الإمام المفتي محدث واسط وعالمها وكبيرها الشيخ تقي الدين أبو الفرج الواسطي الشافعي المعجم المختص (1/ 137 - 138) وأعيان العصر (3/ 30 - 31).
(3)
الإحياء (4/ 454).
التوكل عن ابن عباس مرفوعا: من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن سره أن يكون أكرم الناس عند الله فليتق الله، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما عند الله أوثق منه بما في يده"
(1)
.
وروى عن ابن أبي قدامة الرملي قال: قرأت هذه الآية {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)}
(2)
ثم قال: لا ينبغي لعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله في أمره، ثم قال: والله لو عامل الله عبدًا بحسن التوكل عليه وصرف النية له بطاعته لاحتاجت إليه الأمراء، فمن دونهم فكيف يكون محتاجًا وموئله وملجؤه إلى الغني الحميد
(3)
، انتهى.
قوله: واعتصم بحبله، وأما الاعتصام بحبل الله، والاعتصام بالله نوعان: اعتصام بالله واعتصام بحبل الله، قال الله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}
(4)
، وقال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ}
(5)
، والاعتصام هو: التمسك بما يعصمك ويمنعك من المحذور والمخوف، فالعصمة:
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل على الله (9)، وفي مكارم الأخلاق (5)، والبيهقي في الزهد الكبير (986)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (5627)، والضعيفة (4602): ضعيف جدًّا.
(2)
سورة الفرقان، الآية:58.
(3)
التوكل (36) لابن أبي الدنيا وفيه عن أبي قدامة الرملى.
(4)
سورة آل عمران، الآية:103.
(5)
سورة الحج، الآية:78.
الحمية والاعتصام الاحتماء، ومنه سميت القلاع العواصم لمنعها وحمايتها، ومدار السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله والاعتصام بحبله، ولا نجاة إلا لمن استمسك بهاتين العصمتين؛ فأما الاعتصام بحبله فإنه يعصم من الضلالة، والاعتصام به يعصم من الهلكة، والاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتباع الدليل، والاعتصام بالله يوجب له القوة والعدة والسلاح، ولهذا اختلفت عبارات السلف رضي الله عنهم في الاعتصام بحبل الله تعالى بعد إشارتهم كلهم إلى هذا المعنى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: الاعتصام بحبل الله هو التمسك بدين الله، وقال ابن مسعود: هو الجماعة
(1)
، فإنها حبل الله الذي أمر به، وقال مجاهد وعطاء رضي الله عنهما: الاعتصام بحبل هو التمسك بعهد الله، وهو اتباع كتابه العزيز وحدوده والتأدب بأدبه، والحبل يطلق على العهد وعلى الأمان وعلى الوصلة وعلى السبب، وأصله في استعمال العرب: الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبال عند شدائد أمورهم، ويصلون بها المتفرق فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور
(2)
. وأما الاعتصام به فهو التوكل عليه والامتناع والاحتماء به
(3)
والله أعلم.
قوله: (وهو حسبي ونعم الوكيل) ختم الخطبة بذلك، لأن الله تعالى وعد من تحصن بها بالأمن من محل يخشاه، فقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ
(1)
مدارج السالكين (1/ 457 - 458).
(2)
شرح النووى على مسلم (12/ 11).
(3)
مدارج السالكين (1/ 459).
إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} إلى قوله تعالى: {لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}
(1)
(2)
.
وفي البخاري
(3)
: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا:{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} ومعنى حسبنا الله: كافينا، قال النحاس: قول الإنسان حسبي الله أحسن من حسبنا لما في ذلك من التعظيم
(4)
.
قوله: ونعم، هو فعل عند أهل البصرة للمدح، كبئس للذم، وفيها أربع لغات كما في فخذ
(5)
، والله أعلم.
قوله: الوكيل، وفي معنى الوكيل عشرة أقوال
(6)
.
أحدها: المعين. والثاني: الكفيل، ذكرهما الماوردي
(7)
. والثالث: الموكول إليه الأمور
(8)
، وذكره الواحدي في وسيطه
(9)
قال: وهو فعيل بمعنى مفعول.
(1)
سورة آل عمران، الآيتان: 173 - 174.
(2)
الإعلام (1/ 130)
(3)
صحيح البخاري (4563).
(4)
المجموع (1/ 78)، والإعلام (1/ 130).
(5)
الإعلام (1/ 131).
(6)
الإعلام (1/ 131).
(7)
الإعلام (1/ 131).
(8)
ذكره الثعلبي في تفسيره (3/ 214).
(9)
التفسير الوسيط (1/ 523).
الرابع: المعتمد والملجأ، ذكره أيضًا، الخامس: القائم بالأمور المصلح لما يخاف من فسادها، قاله ابن عطية
(1)
السادس: الشاهد والحافظ بالوفاء، قاله الثعلبي
(2)
. السابع: الحفيظ ذكره الهروي
(3)
الثامن: الكافي. التاسع: الكفيل بالرزق والقيام على الخلق بما يصلحهم، ذكره البيهقي في الاعتقاد
(4)
. العاشر: الموكول إليه تدبيره البرية، ذكره إمام الحرمين في الإرشاد
(5)
، والله أعلم.
ولنشرع فيما قصدناه، أسأل الله الكريم إتمامه والنفع به لي ولإخواني ولجميع المسلمين بسر محمد صلى الله عليه وسلم وآله الطيبين الطاهرين، آمين.
(1)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/ 83).
(2)
ذكره الثعالبي في الجواهر الحسان (3/ 337) و (4/ 270).
(3)
قال في تهذيب اللغة (2/ 34): قال ابن الأنباري: وقيل: الوكيل: الحافظ، وقيل: الوكيل: الكفيل، فنعم الكفيل الله بأرزاقنا. وقال أبو إسحاق: الوكيل في صفة الله جل وعز: الذي توكل بالقيام بجميع ما خلق.
(4)
الاعتقاد ص 59.
(5)
الإرشاد (ص 153).