الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
139 -
وَعَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم العلم علمَان علم فِي الْقلب فَذَاك الْعلم النافع وَعلم على اللِّسَان فَذَاك حجَّة الله على ابْن آدم رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي تَارِيخه بِإِسْنَاد حسن وَرَوَاهُ ابْن عبد الْبر النمري فِي كتاب الْعلم عَن الْحسن مُرْسلا بِاِسْنَاد صَحِيح
(1)
.
قوله: فصل، عن جابر، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم "العلم علمان: علم في القلب، فذلك العلم النافع؛ وعلم على اللسان، فذلك حجة الله على ابن آدم" الحديث، قال الشيخ زين الدين بن رجب رحمه الله في شرح الأربعين النواوية: العلم قسمان، أحدهما: ما كان ثمرته في القلب وهو العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله المقتضي لخشيته ومهابته وإجلاله والخشوع له ومحبته ورجائه ودعائه والتوكل عليه
(1)
أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (5/ 568)، وابن الجوزى في العلل (88) عن جابر. وأخرجه ابن المبارك في الزهد (1161) وابن أبي شيبة في المصنف 7/ 82 (34361) والدارمى (377) والحكيم الترمذى في نوادر الأصول (985)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1150) عن الحسن مرسلا. وأخرجه الدارمى (376) عن الحسن قوله. قال ابن الجوزى: هذا حديث لا يصح: يحيى بن يمان. قال أحمد: ليس بحجة في الحديث وقال أبو داؤد يخطئ في الأحاديث ويقلبها.
وقال العراقى في تخريج الإحياء (71): أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر وابن عبد البر من حديث الحسن مرسلا بإسناد صحيح، وأسنده الخطيب في التاريخ من رواية الحسن عن جابر بإسناد جيد وأعله ابن الجوزي. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (68).
ونحو ذلك، فهذا هو العلم النافع، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع؛ والقسم الثاني: العلم الذي على اللسان، وهو كما في الحديث:"القرآن حجة لك أو عليك"
(1)
، فأول ما يرفع من العلم: العلم النافع وهو: العلم الباطن الذي يخالط القلوب ويصلحها، ويبقى علم اللسان حجة فيتهاون الناس به ولا يعملون بمقتضاه لا حملته ولا غيرهم، ثم يذهب هذا العلم بذهاب حملته، ثم لا يبقى إلا القرآن في المصاحف وليس ثم من يعلم معانيه ولا حدوده ولا أحكامه، ثم يسري في آخر الزمان فلا يبقى في المصاحف ولا في القلوب منه شيء بالكلية، وبعد ذلك تقوم الساعة
(2)
، انتهى.
140 -
وَرُوِيَ عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْعلم علمَان فَعلم ثَابت فِي الْقلب فَذَاك الْعلم النافع وَعلم فِي اللِّسَان فَذَاك حجَّة الله على عباده رَوَاهُ أَبُو مَنْصُور الديلمي فِي مُسْند الفردوس والأصبهاني فِي كِتَابه وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الفضيل بن عِيَاض من قَوْله غير مَرْفُوع
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (8)، ومسلم (22 - 16) عن ابن عمر.
(2)
جامع العلوم والحكم (3/ 1018 - 1019).
(3)
أخرجه أبو العباس الأصم (559)، وأبو الشيخ في طبقات أصبهان (4/ 101)، وابن بشران (1224)، والشجرى في الأمالى (300)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (2139)، والسمعانى في المنتخب من شيوخه (1/ 120)، وابن الجوزى في العلل (89)، والديلمى من طريق أبي نعيم كما في الغرائب الملتقطة (2132). وأخرجه البيهقي في الشعب (3/ 293 رقم 1686) عن الفضيل قوله.
قال ابن الجوزى: فيه أبو الصلت وهو كذاب بإجماعهم. وقال العراقى في تخريج الإحياء (71): أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر وابن عبد البر من حديث الحسن مرسلا بإسناد =
قوله: عن أنس، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "العلم علمان، فعلم ثابت في القلب" فذلك العلم النافع، وعلم في اللسان، فذلك حجة الله على عباده، الحديث؛ ومنه قول أبي هريرة رضي الله عنه: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين
(1)
، أي: نوعين من العلوم، فبثثت أحدهما، أي: نشرته، يقال: بث الخير وأبثه بمعنى، أي: نشرته
(2)
، والآخر: لو بثثته لقطع هذا البلعوم، البلعوم بضم الموحدة مجرى الطعام في الحلق وهو المرئ
(3)
.
وقال ابن بطال
(4)
: المراد من الوعاء الثاني: أحاديث أشراط الساعة وما عرف به النبي صلى الله عليه وسلم من فساد الدين وتغيير الأحوال والتضييع لحقوق الله تعالى، ولو كانت الأحاديث التي يحدث بها من الحلال والحرام لما وسعه كتمها بحكم الآية. قال الكرماني
(5)
: وأقول هذا الحديث هو قطب مدار استدلالات المتصوفة في الطامات والشطحات، قالوا: والمراد بالأول،
= صحيح، وأسنده الخطيب في التاريخ من رواية الحسن عن جابر بإسناد جيد وأعله ابن الجوزي. وقال الألباني في الضعيفة (3945): منكر مرفوعا، وقال في ضعيف الترغيب (69): ضعيف جدًّا.
(1)
أخرجه البخاري (120).
(2)
الكواكب الدراري (2/ 137).
(3)
النهاية (1/ 152).
(4)
شرح الصحيح (1/ 195).
(5)
الكواكب الدراري (2/ 137 - 138).
يعني: الوعاء الأول علم الأحكام والأخلاق، وبالوعاء الثاني: علم الأسرار المصون عن الأغيار المختص بالعلماء بالله من أهل العرفان، قال قائلهم:
تَغَيَّرَتِ الْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا
…
فَلَوْنُ الْأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحْ
يا رُب جوهر علم لو أبوح به
…
لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي
…
يرون أقبح ما يأتونه حسنا
وقال بعضهم: العلم المكنون والسر المصون علمنا، وهو نتيجة الخدمة وثمرة الحكمة لا يظفر به إلا الغواصون في بحار المجاهدات ولا يسعد بها إلا المصطفون بأنوار المجاهدات، إذ هي أسرار متمكنة في القلوب لا تظهر إلا بالرياضة وأنوار ملمعة في الغيوب لا تنكشف إلا للمرتاضة، وأقول: نعم ما قال، ولكن بشرط أن لا تدفعه القواعد الإسلامية ولا تنفيه القوانين الإيمانية، إذ ما بعد الحق إلا الضلال، انتهى، قاله الكرماني في شرح البخاري
(1)
.
وقال سهل بن عبد الله التستري: العلماء ثلاثة: عالم بالله لا بأمر الله ولا بأيام الله وهم المؤمنون، وعالم بأمر الله لا بأيام الله وهم المفتون في الحلال والحرام، وعالم بالله عالم بأيام الله وهم الصديقون
(2)
.
قوله: بأيام الله، يعني: بنعمه الباطنة وبعقوباته الغامضة، ثم قال: الناس كلهم موتى إلا العلماء، والعلماء نيام إلا الخائفين والخائفون منقطعون إلا
(1)
المصدر السابق.
(2)
قوت القلوب (1/ 242 - 243)، وإحياء علوم الدين (1/ 75).
المحبين والمحبون أحياء شهداء وهم المؤثرون لله تعالى على كل حال
(1)
.
وقال مرة أخرى: الدنيا كلها أموات إلا أهل العلم، والعلم حجة على صاحبه إلا العمال والعاملون على سنن الهلاك إلا المخلصين، والمخلصون على خطر حتى ينظر بم يختم لهم
(2)
.
قال الإمام أبو عبد الله القرطبي: صدق سهل في كلامه هذا قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: "إنما الأعمال بالخواتيم"، انتهى.
وقال الثوري: العلماء ثلاثة، عالم بالله وبأمر الله فذلك العالم الكامل، وعالم بالله غير عالم بأمر الله، فذلك التقي الخائف، وعالم بأمر الله غير عالم بالله فذلك العالم الفاجر
(3)
. قال الإمام أبو عبد الله القرطبي: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا حملة العلم، اعملوا فإنما العالم من علم ثم عمل ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف عملهم علمهم يقعدون خلفا فيباهي بعضهم بعضًا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إن جلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى اللّه عز وجل"
(4)
انتهى.
(1)
قوت القلوب (1/ 243).
(2)
تنبيه الغافلين (ص 434)، واقتضاء العلم العمل (22).
(3)
قوت القلوب (1/ 242).
(4)
أخرجه الدارمى (394)، والخطيب في الجامع (30) واقضاء العلم العمل (9) موقوفا على علي بن أبي طالب.
وقال في النهاية
(1)
: الناس ثلاثة: عالم رباني، هو منسوب إلى الرب، العالم الرباني: العالم الراسخ في العلم والدين، أو الذي يطلب بعلمه وجه الله تعالى، وقيل: العالم العابد المعلم ومنه حديث ابن الحنفية قال حين توفي ابن عباس: مات رباني هذه الأمة.
ويروى أن سفيان الثوري كان ينشد متمثلًا، وهو لسابق البربري:
إذ العلم لم تعمل به كان حجة
…
عليك ولم تعذر بما انت جاهله
فإن كنت قد أوتيت علما فإنما
…
يصدق قول المرء ما هو فاعله
(2)
تتمة: العلم علمان: علم ظاهر، وهو حجة الله على خلقه، وعلم باطن وهو العلم النافع
(3)
.
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم علم عن الله لم يطلع عليه جبريل ولا ميكائيل، فإن الله تعالى كلم موسى تكليمًا، وكلم محمدًا صلى الله عليه وسلم ورآه كفاحا، وأن حلم الأنبياء وحي، وأن كلام الصديقين والأولياء بالإلهام، وفوائده من قلوبهم حتى أنطقهم بالحكم ونفع بهم الأمة
(4)
.
(1)
النهاية (2/ 181).
(2)
جامع بيان العلم (1/ 698 - 699).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (34361)، والحسين المروزي في زياداته على الزهد لابن المبارك (1161)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان 4/ 101 (566)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 190 - 191 عن الحسن البصرى.
(4)
تلبيس إبليس (ص 285).
قال أبو الفرج بن الجوزي
(1)
: قلت: الإلهام للشيء لا ينافي العلم ولا يتسع به عنه، وليس الإلهام من العلم في شيء إنما هو ثمرة العلم والتقوى فيوفق صاحبها للخير، ويلهم الرشد، واعلم أن العلم الإلهامي الملقي في القلوب لا يكفي عن العلم المنقول كما أن العلوم العقلية لا تكفي عن العلوم الشرعية، فإن العقلية كالأغذية، والنقلية كالأدوية، ولا ينوب هذا عن هذا.
تتمة أيضا في علم الشريعة والحقيقة: أنبأنا عبد الكريم فذكره إلى أن قال: سمعت أبا بكر الدقاق يقول: كنت مارًا في تيه بني إسرائيل فخطر ببالي أن علم الحقيقة مباين للشريعة فهتف بي هاتف من تحت شجرة: كل حقيقة لا تتبعها الشريعة فهي كفر، قال أبو الفرج بن الجوزي: قلت: وقد بينه الفقيه أبو حامد الغزالي في بعض كتب الإحياء، فقال: من قال الحنفية تخالف الشريعة أو الباطن يخالف الظاهر فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان، وقال ابن عقيل: جعلت الصوفية الشريعة أسماء وقالوا: المراد منها الحقيقة بعد هذا سواء واقع في النفوس من إلقاء الشياطين، وكل من رام الحقيقة في غير الشريعة فمعذور مخدوع، انتهى، قاله ابن الجوزي في تلبيس إبليس
(2)
.
141 -
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن من الْعلم كهَيئَةِ الْمكنون لا يُعلمهُ إِلَّا الْعلمَاء بِالله تَعَالَى فَإِذا نطقوا بِهِ لَا يُنكره إِلَّا أهل
(1)
المصدر السابق (ص 285 - 286).
(2)
تلبيس إبليس (ص 287).
الْغرَّة بِالله عز وجل رَوَاهُ أَبُو مَنْصُور الديلمي فِي الْمسند وَأَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ فِي الْأَرْبَعين الَّتِي لَهُ فِي التصوف
(1)
.
قوله: عن أبي هريرة، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله عز وجل" الحديث، قال القرشي: هي أسرار الله تعالى يبديها إلى أمناء أوليائه وسادات النبلاء من غير سماع ولا دراية وهي من الأسرار التي لم يطلع عليها إلا الخواص
(2)
.
وقال أبو سعيد الخراز: للعارفين خزائن أودعوها علوما غريبة وأنباء عجيبة يتكلمون فيها بلسان الأبدية ويخبرون عنها بعبارة الأزلية وهو من العلم المجهول
(3)
.
فقوله بلسان الأبدية، وعبارة الأزلية: إشارة إلى أنهم بالله ينطقون، وقد قال اللّه تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم:"وبي ينطق" وهو العلم اللدني الذي قال الله تعالى في حق الخضر عليه السلام: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}
(4)
(5)
، وأسند من
(1)
أخرجه السلمى في الأربعون في التصوف (32) ومن طريقه الديلمى كما في الغرائب الملتقطة (919)، والبحيرى في فوائده (66)، والخطيب في تلخيص المتشابه (1/ 484). وضعفه العراقى في تخريج الإحياء (29). قال الألباني في الضعيفة (870) وضعيف الترغيب (70): ضعيف جدا، وقال في الضعيفة (5116): منكر.
(2)
عوارف المعارف (2/ 316) للسهروردى.
(3)
حلية الأولياء (10/ 246 - 247) وعوارف المعارف (2/ 316) للسهروردى.
(4)
سورة الكهف، الآية:65.
(5)
عوارف المعارف (2/ 316) للسهروردى.
طريق أبي نعيم الأصفهاني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن معادن التقوى تعلمك إلى ما قد عملت علم ما لم تعلم".
وقوله: فإذا نطقوا به، لا ينكره إلا أهل الغِرة بالله عز وجل، الحديث
(1)
، الغرة: الغفلة، والجمع: غِرَّات، ومنه قول الشاعر:
يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتِهِ
…
في بَعْضِ غِرَّاتِهِ يُوَافِقُهَا
(2)
وقال سعيد بن جبير: الغِرة بالله: أن يتمادى الرجل بالمعصية ويتمنى على الله المغفرة، قاله القرطبي في التذكرة
(3)
.
(1)
المصدر السابق (2/ 315).
(2)
قاله أمية بن أبي الصلت كما في الدلائل في غريب الحديث (1/ 138).
(3)
التذكرة (ص 128).