الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتكلم به أو تعمل" يدل على أن الهام بالمعصية إذا تكلم بما هم به لسانه أنه يعاقب على الهم حينئذ لأنه قد عمل بجوارحه معصية وهو التكلم بلسانه، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي كبشة الأنماري الذي تقدم قريبًا: "لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان"
(1)
يعني الذي يعصي الله تعالى في ماله فهما في الوزر سواء
(2)
.
[المعصية بأحد الحرمين]:
تنبيه: تضمنت نصوص هذه الروايات كتابة الحسنات والسيئات والهم بالحسنة والهم بالسيئة وتقدم الكلام على ثلاث، وبقي الهم بالسيئة إذا عملها كتبها الله سيئة واحدة كما في حديث ابن عباس، ففيه إشارة إلى أنها غير مضاعفة كما صرح به في الحديث المذكور، ولكن السيئة تعظم أحيانًا بشرف الزمان ومكان كما قال الله تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} إلى قوله: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}
(3)
قال قتادة في هذه الآية: اعلموا أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا فيما سوى ذلك، وقد روي في حديثين مرفوعين أن السيئات تضاعف في رمضان، وكان جماعة من الصحابة
(1)
أخرجه الترمذي (2325)، وابن ماجه (4228). وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني كما سبق.
(2)
جامع العلوم والحكم (3/ 1045 - 1047).
(3)
سورة التوبة، الآية:36.
يتقون سكنى الحرم خشية ارتكاب الذنوب فيه منهم ابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاصي، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لأن أخطئ سبعين خطيئة يعني، بغير مكة أحب إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة
(1)
، وعن مجاهد قال: تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات
(2)
، وقال ابن جريج: بلغني أن الخطيئة بمكة مائة خطيئة والحسنة على نحو ذلك
(3)
وقد تضاعف السيئات لشرفا فاعلها وقوة معرفته بالله وقربه منه فإن من عصى السلطان على بساطه أعظم أجرا ممن عصاه على بعد
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: زاد في رواية: "أو محاها" يعني أن عمل السيئة إما تكتب لعاملها سيئة واحدة أو يمحوها الله بما شاء من الأسباب كالتوبة والاستعفار وعمل الحسنات
(5)
.
وقوله بعد ذلك: "ولا يهلك على الله هالك" أي: لا يعاقب مع هذه المسامحة إلا مفرط غاية التفريط يعني بعد هذا الفضل العظيم والرحمة الواسعة فيه بمضاعفة الحسنات والتجاوز عن السيئات: "لا يهلك على الله
(1)
أخرجه عبد الرزاق (8871)، والأزرقى في أخبار مكة (2/ 134) والفاكهى في أخبار مكة (1431).
(2)
أخرجه الثعلبى في التفسير (7/ 17).
(3)
أخبار مكة (2/ 137).
(4)
جامع العلوم والحكم (3/ 1040 - 1042).
(5)
جامع العلوم والحكم (3/ 1052).
إلا من هلك وألقي بيديه إلى التهلكة وتجرأ على السيئات ورغب في الحسنات وأعرض عنها" ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: ويل لمن غلب وحدانه عشراته
(1)
، وروي الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا هكذا: هلك من غلب واحده عشرًا
(2)
انتهى كلام ابن رجب
(3)
.
سؤال: ما معنى قوله: ويل لمن غلب آحاده أعشاره، قيل: الآحاد السيئات لأن كل سيئة تكتب بواحدة والأعشار أصول الحسنات وتضاعيف الحسنات فإن الحسنة بعشر أمثالها قاله ابن العماد في كشف الأسرار
(4)
.
تنبيه: قال بعض العلماء لأن تفضل حسناتي سيئاتي بمثقال ذرة أحب إلى من الدنيا جميعًا
(5)
.
سؤال آخر: ما الحكمة في إضعاف الحسنات؟ قال النيسابوري: لئلا يفلس العبد إذا اجتمع الخصماء في طاعته فيدفع إليهم واحدة وتبقى له تسعة ثم
(1)
تفسير الطبرى (10/ 214).
(2)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (2/ 124) عن ابن مسعود موقوفًا. وذكره الرازى في تفسيره (11/ 226) عن ابن عباس مرفوعا من رواية الكلبى عن أبي صالح بلفظ: لما نزلت هذه الآية شقت على المؤمنين مشقة شديدة، وقالوا يا رسول الله وأينا لم يعمل سوأ فكيف الجزاء، فقال عليه الصلاة والسلام:"إنه تعالى وعد على الطاعة عشر حسنات وعلى المعصية الواحدة عقوبة واحدة فمن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشرة وبقيت له تسع حسنات فويل لمن غلبت آحاده أعشاره".
(3)
جامع العلوم والحكم (1/ 1053 - 1054).
(4)
كشف الأسرار (لوحة 44).
(5)
أخرجه عبد الرزاق في التفسير (585)، والطبرى في التفسير (7/ 29) عن قتادة.
توفي العباد من أصول حسناته ولا يوفي من التضعيفات لأنها فضل من الله تعالى قد ذكر البيهقي في كتاب البعث والنشور فقال: إن التضعيفات فضل من الله تعالى لا يتعلق بها العباد بل يدخرها للعبد إذا أدخله الجنة أثابه بها
(1)
قاله أيضا في كشف الأسرار
(2)
، وفي حديث مرسل أخرجه ابن أبي الدنيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل:"يا فلان إنك تبني وتهدم يعني تعمل الحسنات والسيئات" فقال يا رسول الله: سوف أبني ولا أهدم
(3)
، علامة قبول الطاعة أن توصل بطاعة بعدها، وعلامة ردها أن توصل بمعصية ما أحسن الحسنة بعد الحسنة وأقبح السيئة بعد الحسنة ذنب بعد التوبة أقبح من سبعين ذنبا قبلها النكسة أصعب من المرض الأول
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى وإذا تحدث عبدي لله"
(5)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء إلا سمع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة" تقدم معناه في الأحاديث قبله.
تنبيه: وورد في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ومن قام برجل مسلم مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة"
(6)
أي من أظهر
(1)
روح البيان (1/ 380).
(2)
كشف الأسرار (لوحة 44).
(3)
أخرجه ابن أبي الدنيا في التوبة (181) عن عبد الله بن شقيق مرسلًا.
(4)
لطائف المعارف (ص 64).
(5)
هاتان اللوحتان مكررتان بما سبق.
(6)
أخرجه أحمد في مسنده 4/ 229 (18011)، والبخاري في الأدب المفرد (245)، وأبو داود (4881)، والفسوي في المعرفة (2/ 356)، ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني =
رجلا بصلاح وليس بصالح أو شهره بين الناس بالصلاح والزهد ليعتقدوه ويحصل له جاه عندهم ليأخذ منهم شيئًا كما ترى في زماننا يعتقدون الجهال ويغترون بهم فيأمر الله تعالى ملائكته أن يظهروا أنه كذاب
(1)
، انتهى.
41 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يخرج فِي آخر الزَّمَان رجال يختلون الدُّنْيَا بِالدّينِ يلبسُونَ للنَّاس جُلُود الضَّأْن من اللين ألسنتهم أحلى من الْعَسَل وَقُلُوبهمْ قُلُوب الذئاب يَقُول الله عز وجل أبي يغترون أم عَليّ يجترئون فَبِي حَلَفت لأبْعَثَن على أُولَئِكَ مِنْهُم فتْنَة تدع الْحَلِيم حيران رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة يحيى بن عبيد سَمِعت أبي يَقُول سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة فَذكره وَرَوَا مخْتَصرا من حَدِيث ابْن عمر وَقَالَ حَدِيث حسن
(2)
.
قوله: عن أبي هريرة تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم "يخرج آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين" الحديث معنى يختلون الدنيا بالدين يطلبون الدنيا بعمل الآخرة، يريك دينا وورعا حتى إذا
= (2807)، وأبو يعلى (6858)، والطحاوى في مشكل الآثار (4485)، والطبراني في الأوسط (4/ 45 رقم 3572) والكبير (20/ 309 رقم 735) والشاميين (206) و (3589)، والحاكم 4/ 127 - 128، والبيهقي في الشعب (9/ 84 - 85 رقم 6291 و 6292). وصححه الحاكم. وصححه الألباني في الصحيحة (934).
(1)
شرح المشكاة (10/ 3218 - 3219) للطيبي.
(2)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (50) ومن طريقه الترمذي (2515) وأبو القاسم الحلبى في حديثه (15) وابن عبد البر في الجامع (1140) والبغوى في شرح السنة (4199)، وهناد في الزهد (2/ 437)، وابن أبي الدنيا في العقوبات (7). وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (13).
ظفر بشيء من أمر الدنيا انكشف ضميره الخبيث قبح الله الفاعل لذلك، يقال ختله يختله إذا خدعه وراوغه والختل الخداع
(1)
وهو أن يعمل الرجل عملا وفي نيته بعمله أن يخدع الناس وختل الذئب الصيد إذا تخفى له، ومنه حديث الحسن في طلاب العلم وصنفٌ تعلموه للاستطالة والختل أي للخداع، قاله في النهاية
(2)
.
قوله: "يلبسون للناس جلود الضأن من اللين" يضرب المثل بلين جلود الضأن كما في الحديث [كناية عن إظهار التمسكن والتلين مع الناس].
قوله: "ألسنتهم أحلى من العسل قلوبهم قلوب الذئب" وفي رواية قلوبهم أمر من الصبر "يلبسون للناس جلود الضأن من اللين يشترون الدنيا بالدين" وفي سنن أبي داود وابن ماجه عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء: قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة يلبسون للناس صوف الكباش قلوبهم كقلوب الذئاب ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر إياي يخادعون وبي يستهزئون لأبيحن لهم فتنة تاع الحليم حيران"
(3)
وهو في الحلية من حديث
(1)
كشف المناهج (4/ 352).
(2)
النهاية (2/ 9).
(3)
أخرجه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (2/ 162)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1139)، وابن عساكر في ذم من لا يعمل بعلمه (9)، وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد (2/ 37). قال العراقي في تخريج الإحياء (75): أخرجه ابن عبد البر بإسناد ضعيف.
فرقد السبخي عن أنس قال أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء ما بال عبادي يدخلون بيوتي يعني المساجد بقلوب غير طاهرة وأيد غير نقية أبي يغترون أو إياي يخادعون وجلالي وعلوي في ارتفاعي لأبتلينهم ببلية تدع الحليم منهم حيران لا ينجو منهم إلا من دعا كدعاء الغريق
(1)
، وفي الحلية أيضا أن الأوزاعي حدث عن هارون بن رباب الأسدي وكان من الزهاد أنه قال: حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت رخيم حسن يقولون سبحانك وبحمدك على حكمك بعد علمك ويقول الأربعة الأخر: سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك
(2)
انتهى.
قوله: "أبي يغترون"، ومعنى "أبي يغترون" أي بإمهالي يغترون، وقوله في الحديا:"فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تاع الحليم حيران" فبي للقسم، وتدع الحليم تترك، وأراد بالحليم العالم قاله في شرح المصابيح
(3)
.
لطيفة: وروى أبو طالب المكي في قوت القلوب أن رجلا كان يخدم موسى عليه السلام فجعل يقول حدثني موسى صلى الله عليه وسلم، حدثني موسى نجي الله، حدثني موسى كليم الله حتى أثرى وكثر ماله.
ففقده موسى عليه السلام وجعل يسأل عنه فلا يحس له أثرا حتى جاءه رجل ذات يوم وفي يده خنزير وفي عنقه حبل أسود فقال يا موسى أتعرف ذاك
(1)
أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (3/ 48)، والكلاباذى في بحر الفوائد (1073).
(2)
الحلية (3/ 55).
(3)
المفاتيح (5/ 317)، وشرح المشكاة (5/ 446) للطيبى.
الرجل الذي كان يخدمك قال: نعم، قال: هو هذا الخنزير فقال موسى صلى الله عليه وسلم: "يا رب أسألك أن ترده إلى حاله حتى أسأله لم أصابه ذلك، فأوحى الله تعالى إليه لو دعوتني بالذي دعى به آدم فمن دونه ما أجبتك فيه ولكن أخبرك لم صنعت به هذا لأنه كان يطلب الدنيا بالدين، فالذي يطلب الدنيا بإظهار الزهد فيها فإن ذلك خداع قبيح جدًّا"
(1)
.
لطيفة أخرى: كان أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى يعيب على من لبس عباءة وفي قلبه شهوة من شهوات الدنيا تساوي أكثر من قيمة العبادة يشير أي أن إظهار الزهد في الدنيا باللباس الدني إنما يصلح لمن فرغ قلبه من التعلق بها بحيث لا يتعلق قلبه بأكثر من قيمة ما لبسه في الظاهر حتى يستوي ظاهره وباطنه في الفراغ من الدنيا وما أحسن قول بعض العارفين وقد سئل عن الصوفي فقال: الصوفي من لبس الصوف على الصبا وسلك كريق المصطفى وذاق الهوى بعد الجفا وكانت الدنيا منه خلف القفا، ذكره ابن رجب الحنبلي
(2)
، وقال كعب الأحبار: يظهر في آخر الزمان علماء يزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون ويخوفون الناس ولا يخافون وينهون عن غشيان الولاة ويأتون ويؤثرون الدنيا على الآخرة، وفي آخر الحديث:"يقربون الأغنياء دون الفقراء أولئك الجبارون أعداء الرحمن"
(3)
.
(1)
قوت القلوب (1/ 249).
(2)
مجموع رسائل ابن رجب (ص 80).
(3)
قوت القلوب (1/ 243).
42 -
وَرُوِيَ عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تحبب إِلَى النَّاس بِمَا يحبونَ وبارز الله بِمَا يكْرهُونَ لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ فِي الأوْسَط
(1)
.
قوله: عن أبي هريرة تقدم الكلام عليه في باب الرياء.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من تحبب إلى الناس بما يحبون وبارز الله بما يكرهون لقى الله وهو عليه غضبان" الحديث، غضب الله تعالى هو [ما يظهر من انتقامه ممن عصاه وما يراه من أليم عذابه وما يشاهده من الأهوال التي لم تكن ولا يكون مثلها].
43 -
وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تعوذوا بِالله من جب الْحزن قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا جب الْحزن قَالَ وَاد فِي جَهَنَّم تتعوذ مِنْهُ جَهَنَّم كل يَوْم مائَة مرّة وَمِائَة قيل يَا رَسُول الله وَمن يدْخلهُ قَالَ الْقُرَّاء المراؤون بأعمالهم رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب وَابْن مَاجَه
(2)
وَلَفظه تعوذوا بِالله من جب
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 166 - 167 رقم 2817). وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن سليمان. وقال الهيثمى في المجمع 10/ 224: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سليمان بن داود الشاذكوني، وهو متروك.
وقال الألباني: موضوع الضعيفة (2645) وضعيف الترغيب (15).
(2)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 170) ومن طريقه البيهقي في الشعب (9/ 168 رقم 6435)، والترمذي (2541)، وابن ماجه (256)، والطبراني في الدعاء (1390 و 1391) والأوسط (3/ 261 رقم 3090)، وابن عدي في الكامل (7/ 443). قال البخاري: أبو معاذ لا يعرف له سماع من ابن سيرين، وهو مجهول. وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
وقال ابن عدى: وهذا حديث قد رُوي عن بُكَير بن شهاب الدامغاني، عن ابن سِيرين، عن أبي هريرة، فلا يسوى الروايتين شيئا، وعمار بن سيف له غير ما ذكرت، والضعف بين في =
الْحزن قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا جب الْحزن قَالَ وَاد فِي جَهَنَّم تتعوذ مِنْهُ جَهَنَّم كل يَوْم أَرْبَعمِائَة مرّة قيل يَا رَسُول الله وَمن يدْخلهُ قَالَ أعد للقراء المرائين بأعمالهم وَإِن من أبْغض الْقُرَّاء إِلَى الله عز وجل الَّذين يزورون الْأُمَرَاء وَفِي بعض النّسخ الْأُمَرَاء الجورة وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِنَحْوِهِ
(1)
إِلَّا أَنه قَالَ يلقى فِيهِ الغرارون قيل يَا رَسُول الله وَمَا الغرارون قَالَ المراؤون بأعمالهم فِي الدُّنْيَا.
قوله: وروي عنه، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تعوذوا بالله من جب الحزن" قالوا: وما جب الحزن؟ قال: "واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم مائة مرة" الحديث، وفي آخره: قيل يا رسول الله: ومن يدخله، قال:"القراء المراءون بأعمالهم" وفي رواية: "تتعوذ منه جهنم كل يوم أربع مائة مرة" أعد ذلك الجب للقراء المرائين بأعمالهم، وفي حديث آخر ذكره أسد بن موسى أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إن في جهنم لواديًا، وإن جهنم لتتعوذ من شر ذلك الوادي في كل يوم سبع مرات وإن في ذلك الوادي لجبا إن جهنم والوادي ليتعوذان من شر ذلك الجب وإن في
= حديثه. وقال الهيثمى في المجمع 7/ 168: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه بكير بن شهاب الدامغاني وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (16)، والمشكاة (275).
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 202 رقم 6489). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن سليمان التيمي إلا محمد بن الفضل، تفرد به محمد بن ماهان. وقال الهيثمى في المجمع 10/ 388 - 389: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن الفضل بن عطية، وهو مجمع على ضعفه. وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (16)، والضعيفة (5152).
ذلك الجب لحية إن جهنم والوادي وذلك الجب ليتعوذون بالله من شر تلك الحية أعدها الله للأشقياء من حملة القرآن"
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن من أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء الجورة" قال سفيان: في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزوارون للملوك
(2)
، قال أبو عمر: روى ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس الأمراء والفقهاء" وفي رواية: "إذا فسدت فسدت الأمة السلطان والعلماء"
(3)
وفي حديث إسماعيل بن سميع عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العلماء أمناء - يعني على الرسل - على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان يعني في الظلم فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم"
(4)
ويقال: شر الأمراء أبعدهم من العلماء وشر العلماء أقربهم من الأمراء
(5)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسادوا به أهل زمانهم ولكنهم بذلوه
(1)
أخرجه أسد بن موسى في الزهد (24) عن ثور بن يزيد معضلا.
(2)
جامع بيان العلم (1097).
(3)
أخرجه تمام في الفوائد (1516)، وأبو نعيم في فضيلة العادلين (36)، والحلية 4/ 96، وابن عبد البرّ في جامع بيان العلم (1108) و (1109). وضعفه السيوطي في الجامع الصغير (5047)، والألباني في الضعيفة (16).
(4)
أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (1113)، والشجرى في الأمالى (340)، والديلمى (2137) ومن طريق الحاكم (2138) وأبى نعيم (2139). قال أبو جعفر: حفص هذا كوفي، حديثه غير محفوظ. وضعفه الألباني في الضعيفة (2670).
(5)
جامع بيان العلم (1/ 644).
لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم فهانوا عليهم
(1)
، الحديث، وعن حذيفة رضي الله عنه: قال: إياكم ومواقف الفتن قيل: وما مواقف الفتن قال: أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول له ما ليس فيه
(2)
وسيأتي الكلام في الدخول على الأمراء وتصديقهم على كذبهم في بابه إن شاء الله تعالى.
44 -
وَرَوَاهُ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن فِي جَهَنَّم لواديا تستعيذ جَهَنَّم من ذَلِك الْوَادي فِي كل يَوْم أَرْبَعمِائَة مرّة أعد ذَلِك الْوَادي للمرائين من أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم لحامل كتاب الله والمتصدق فِي غير ذَات الله والحاج إِلَى بَيت الله وللخارج فِي سَبِيل الله.
(3)
قَالَ الْحَافِظ رفع حَدِيث ابْن عَبَّاس غَرِيب وَلَعَلَّه مَوْقُوف وَالله أعلم.
45 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الصَّلَاة حَيْثُ يرَاهُ النَّاس وأساءها حَيْثُ يَخْلُو فَتلك استهانة استهان بهَا ربه تبارك وتعالى رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي كِتَابه وَأَبُو يعلى كِلَاهُمَا من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن مُسلم الهجري عَن أبي الْأَحْوَص عَنهُ
(4)
وَرَوَاهُ من هَذِه الطّرق ابْن جرير
(1)
جامع بيان العلم (1128).
(2)
جامع بيان العلم (1103).
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 175 رقم 12803). وقال الهيثمى في المجمع 10/ 222: رواه الطبراني عن شيخه: يحيى بن عبد الله بن عبدويه، عن أبيه ولم أعرفهما، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (3738)، وإسحاق كما في المطالب العالية (3213) وإتحاف الخيرة (1/ 258 رقم 395/ 1)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (865)، وأبو يعلى (5117)، =
الطَّبَرِيّ مَرْفُوعا أَيْضا وموقوفا على ابْن مَسْعُود وَهُوَ أشبه
(1)
.
قوله: وعن ابن مسعود، هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمح
(2)
الهذلي حليف بني زهرة الكوفي وأمه أم عبد بنت عبد ود، أسلمت وهاجرت فهو صحابي بن صحابية وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحدًا والخندق وبيعة الرضوان وسائر المشاهد كلها وهو صاحب نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسه إياها إذا قام فإذا خلعها وجلس جعلها ابن مسعود في ذراعه، وكان رضي الله عنه كثير الولوج على رسول الله صلى الله عليه وسلم والخدمة له، وثبت في صحيح مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذنك على أن يرفع الحجاب وسمع سوادي حتى أنهك"
(3)
، والسواد
= والجرجانى في أماليه (263)، والضراب في ذم الرياء (26 و 40)، والقضاعى في مسند الشهاب (505 و 506)، والبيهقي في الصغير (1/ 304 رقم 849) والكبرى (2/ 412 رقم 3584) والشعب (4/ 483 رقم 2851)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (1991).
قال الهيثمى في المجمع 10/ 221: رواه أبو يعلى، وفيه إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو ضعيف. وقال البوصيرى: هذا حديث حسن. وقال ابن حجر: حديث حسن. وضعفه الألباني في الضعيفة (4537) وضعيف الترغيب (18).
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 227 (8404)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (864)، والطبرى في تهذيب الآثار - مسند عمر (2/ 799 رقم 1126)، والضراب في ذم الرياء (39) موقوفًا. وضعفه الألباني في الضعيفة (4537) وضعيف الترغيب (18).
(2)
في الأصل شمخ والتصويب من تهذيب الأسماء واللغات (1/ 288).
(3)
أخرجه مسلم (16 - 2196) عن ابن مسعود.
بكسر السين السرار وكان يعرف بصاحب السواد والسواك والنعل، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة حديث وثمانية وأربعون حديثا، اتفق البخاري ومسلم منها على أربعة وستين، وانفرد البخاري بأحد وعشرين ومسلم بخمسة وثلاثين حديثا، نزل الكوفة في آخر أمره، وتوفي بها سنة ثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين، قيل: عاد إلى المدينة واتفقوا على أنه توفي وهو ابن بضع وستين سنة، والذين قالوا: توفي بالمدينة، قالوا: دفن بالبقيع قيل: وصلى عليه عثمان وقيل الزبير وقيل عمار بن ياسر، وكان رضي الله عنه من كبار الصحابة وساداتهم وفقائهم ومقدميهم في القرآن والفقه والفتاوى، ثبت في صحيح البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قدمت أنا وأخي من اليمن وكنا جئنا وما نرى ابن مسعود وأمه.
إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نرى من كثرة دخوله ودخول أمه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزومهم له
(1)
وبعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة وكتب إليهم بعثت إليكم عمار أميرًا وعبد الله بن مسعود معلما ووزيرًا وهما من النجباء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بدر فاقتدوا بهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي وقال أبو ظبية: مرض ابن مسعود فعاده عثمان فقال: ما تشتكي؟ قال ذنوبي قال مما تشتهي قال رحمة ربي قال: ألا آمر لك بطبيب، قال: الطبيب أمرضني قال: ألا آمرك بعطاء قال لا حاجة لي فيه قال: يكون لبناتك قال: أتخشى علي بناتي الفقر وإني قد أمرتهن أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة
(1)
أخرجه البخاري (3763) و (4384)، ومسلم (110 و 111 - 2460).
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ كل ليلة سورة الواقعة لم تصبه فاقة أبدًا"
(1)
ومناقبه رضي الله عنه كثيرة مشهورة
(2)
.
قوله: رواه عبد الرزاق وأبو يعلى من رواية إبراهيم بن مسلم الهجري الهجري بفتح الهاء والجيم منسوب إلى هجر مدينة باليمن.
قوله: "من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو فتلك استهانة" استهانة بها وبه تبارك وتعالى الحديث.
قوله: وقوله: عن أبي الأحوص الجشمي، واسم أبي الأحوص: عوف بن مالك بن نضلة ولأبيه صحبة.
46 -
وَعَن شَدَّاد بن أَوْس رضي الله عنه أَنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول من صَامَ يرائي فقد أشرك وَمن صلى يرائي فقد أشرك وَمن تصدق يرائي فقد أشرك رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد الْمجِيد بن بهْرَام عَن شهر بن حَوْشَب وَسَيَأْتِي أتم من هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(3)
.
(1)
أخرجه الحارث بن أبي أسامة (721)، وابن السنى في اليوم والليلة (680). وضعفه الألباني في الضعيفة (289) وضعيف الترغيب (977).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 288 - 290 ترجمة 333).
(3)
أخرجه أحمد 4/ 125 - 126 (17140)، والبزار (3482)، والطبراني في الكبير (7/ 281 رقم 7139)، وابن عدى (5/ 63)، وأبو الشيخ في التوبيخ والتنبيه (162)، والحاكم (4/ 329)، والبيهقي في الشعب (9/ 165 - 166 رقم 6427). وصححه الحاكم. وقال الهيثمى في المجمع 10/ 221: رواه أحمد، وفيه شهر بن حوشب، وضعفه أحمد وغيره، وضعفه غير واحد، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (19) و (21).
قوله: وعن شداد بن أوس الصحابي، هو: أبو يعلى قيل: أبو عبد الرحمن شداد بن أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام وهو ابن أخي حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنصاري نجاري مدني سكن بيت المقدس وأعقب به، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسون حديثا روى البخاري منها حديثا ومسلم أخر، روى عنه ابنه يعلى وجماعة من التابعين توفي رضي الله عنه ببيت المقدس سنة ثمان وخمسين وقيل: إحدى وأربعين وقيل: أربع وستين وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقبره بظاهر باب الرحمة باق إلى الآن وحديثه المذكور "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة"
(1)
الحديث رواه مسلم، قالوا: وكان شداد عليما حليما كثير العبادة والوارع والخوف من الله تعالى ومناقبه كثيرة مشهورة
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام يرائي فقد أشرك ومن صلى يرائي فقد أشرك" الحديث، وفي كتاب النوازل الخفية: سئل إبراهيم بن يوسف عن رجل صلى رياء أيؤجر عليه قال: لا ولكن عليه الوزر، وقال بعضهم: يكفر بذلك وقال بعضهم لا أجر له ولا وزر عليه وصار كأنه لم يعمل ذلك العمل
(3)
.
قوله: رواه البيهقي من طريق عبد الحميد بن بهرام. تقدم الكلام على البيهقي.
(1)
أخرجه مسلم (57 - 1955).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 242 ترجمة 247).
(3)
انظر الأشباه والنظائر (ص 33) لابن نجيم.
47 -
وَعَن ربيح بن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَنحن نتذاكر الْمَسِيح الدَّجَّال فَقَالَ أَلا أخْبركُم بِمَا هُوَ أخوف عَلَيْكُم عِنْدِي من الْمَسِيح الدَّجَّال فَقُلْنَا بلَى يَا رَسُول الله فَقَالَ الشّرك الْخَفي أَن يقوم الرجل فَيصَلي فيزين صلَاته لما يرى من نظر رجل رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ
(1)
ربيح بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف وحاء مُهْملَة وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وأما قوله: عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، ربيح بضم الراء وفتح الباء وسكون الياء وبالحاء المهملة وسيأتي الكلام عليه قاله الحافظ رحمه الله تعالى.
قوله: في حديثه: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال". قال القاضي عياض
(2)
: واختلف في المسيح الدجال فأكثر الرواة يقول إنه بفتح الميم وكسر السين المخففة مثل المسيح بن مريم ولا فرق بينهما في اللفظ ولكن عيسى بن مريم مسيح هدى والدجال مسيح
(1)
أخرجه أحمد 3/ 30 (11252)، وابن ماجه (4204)، والطبرى في تهذيب الآثار - مسند عمر (2/ 794 رقم 1117)، والطحاوي في مشكل الآثار (1781)، وابن عدي (4/ 111)، والحاكم 4/ 329، والبيهقي في شعب الإيمان (9/ 155 رقم 6413).
وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وقال البوصيرى في الزجاجة 4/ 237: هذا إسناد حسن كثير بن يزيد وربيح بن عبد الرحمن مختلف فيهما. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (30)، والمشكاة (5333).
(2)
مشارق الأنوار (1/ 387).
ضلالة، ورواه بعض الرواة مسيح بكسر الميم والسين المشددة وقاله غير واحد كذلك إلا إنه بالخاء المعجمة وقاله بعضهم بكسر الميم وتخفيف السين والدجال بفتح الدال والجيم المشددتين فقيل سمي بذلك لأنه ممسوح العين وقيل لأنه أعور والأعور يسمى مسيحًا.
وسمي دجالا لتمويهه والدجل التمويه والتغطية يقال دجل فلان إذا موه ودجل الحق غطاه بباطله، وحكى غيره أنه سمي دجالا لكذبه وهو كاذب وجمع دجال دجالون وسمي مسيحا لأنه يسمح الأرض كلها إلا مكة والمدينة أي يطأها
(1)
، قال العلماء: له عينان مغيبتان إحداهما طافئة بالهمز ذاهبة النور عمياء لا تبصر شيئا والثانية طافية بلا همز أي ناتئة كأنها عنبة طافية لكنه يبصر بها ويمكث في الأرض أربعين يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامنا مكتوب بين عينيه كافر، وأنه يتبعه سبعون ألفا سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة وان عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل من السماء فيقتل الدجال بباب لير البلدة المعروفة بقرب بيت المقدس وكل هذه الألفاظ ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وبعضها في البخاري
(2)
قاله في شرح مشارق الأنوار.
وأما الدجال فإنه محبوس يخرج في آخر الزمان يدل عليه حديث تميم الداري وقيل إنه لم يولد بعد وسيولد في أخر الزمان والأول هو الصحيح وإنه
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 184).
(2)
المصدر السابق (1/ 184 - 185) وجميعه كلام النووى بلفظه.
يركب حمارًا عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا وهذا يقتضي أن يكون هذا الحمار أكبر حمار في الدنيا فراكبه ينبغي أن يكون أكبر إنسان في الدنيا وكذا قال في خبر الجساسة فإذا أعظم إنسان رأيناه لكن في حديث أبي داود في وصف الرجال أنه قصير أفحج وإنما يكون قصيرًا بالنسبة إلى نوع الإنسان فمقتضى ذلك أن يكون فيهم من هو أطول منه ولهذا قيل إن وصفه بالأكبرية إنما يعني بذلك [عظم فتنته وكبر محنته إذ ليس بين يدى الساعة أعظم ولا أكبر منها ويحتمل أنه يريد به: أنه ينتفخ أحيانا حتى يكون في عين الناظر إليه أكبر من كل نوع الإنسان، كما في حديث ابن صياد أنه انتفخ عن غضبه حتى ملأ الطريق، والله أعلم بحقيقة ذلك
(1)
انتهى قاله في الديباجة.
قوله: بلَى يَا رَسُول الله فَقَالَ الشّرك الْخَفي أَن يقوم الرجل فَيصَلي فيزين صلَاته لما يرى من نظر رجل وفي الحديث بعده فيزين صلَاته جاهدا لما يرى من نظر النَّاس إِلَيْهِ فَذَلِك شرك السرائر، الرياء نوعان أحدهما: أن لا يريد بطاعته إلا الناس، الثاني أن يريد بطاعته الناس ورب الناس وكلاهما محبط للعمل ونقل هذا القول في الحلية
(2)
عن بعض السلف قال الفضيل بن عياض ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما، ومعنى كلامه رحمه الله تعالى: أن من عزم على فعل عبادة ثم تركها مخافة أن يراه الناس فهو مرائي لأن العامل لله تعالى
(1)
المفهم (23/ 125).
(2)
الحلية (8/ 95).
لا يضره إطلاع الناس عليه
(1)
، وتقدم ذلك في أول الباب، والمراد بترك العمل في كلام الفضيل: أن يتركه بالكلية أو يخرجه عن الوقت كمن ترك صلاة الضحى أو صوم التطوع مخافة أن يراه الناس أما لو تركها ليصليها في الخلوة ولم يفوتها فهذا مستحب إلا أن يكون عالما يقتدى به فصلاته جهرا أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما فعلت ذلك لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي" وإن كان قصده بإفشاء عمله التودد والتقرب إلى الناس لاعتقادهم فيه حبط عمله، قال صلى الله عليه وسلم:"من راءى راءى الله به ومن سمع سمع الله به"
(2)
قاله في شرح العمدة.
تنبيه: قوله في آخر حديث ابن مسعود رواه عبد الرزاق وأبو يعلى من رواية إبراهيم بن مسلم الهجري، الهجري بفتح الهاء والجيم منسوب إلى مدينة باليمن.
وقوله: عن أبي الأحوص الجشمي، واسم أبي الأحوص: عوف بن مالك بن نضلة ولأبيه صحبة.
قوله: وعن شداد بن أوس الصحابي، هو: أبو يعلى قيل: أبو عبد الرحمن شداد بن أوس بن ثابت بن المنذر بن رحام وهو ابن أخي حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو انصاري نجاري مدني سكن بيت المقدس وأعقب به، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسون حديثا روى البخاري منها حديثا ومسلم أخر، روى عنه ابنه يعلى وجماعة من التابعين توفي رضي الله عنه ببيت
(1)
انظر شرح الأربعين النووية للنووي (ص 8 - 9) وتسهيل المقاصد (لوحة 96).
(2)
انظر شرح الأربعين النووية للنووي (ص 8 - 9).
المقدس سنة ثمان وخمسين وقيل: إحدى وأربعين وقيل: أربع وستين وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقبره بظاهر باب الرحمة باق إلى الآن وحديثه المذكور "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة"
(1)
الحديث رواه مسلم، قالوا: وكان شداد عليما حليما كثير العبادة والوارع والخوف من الله تعالى ومناقبه كثيرة مشهورة
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام يرائي فقد أشرك ومن صلى يرائي فقد أشرك" الحديث، وفي كتاب النوازل الخفية: سئل إبراهيم بن يوسف عن رجل صلى رياء أيؤجر عليه قال: لا ولكن عليه الوزر، وقال بعضهم: يكفر بذلك وقال بعضهم: لا أجر له ولا وزر عليه وصار كأنه لم يعمل ذلك العمل
(3)
، وقال الحارث المحاسبي: إذا افتتح هو الطاعة على الرياء ثم أخلص في أثنائها فإن كانت متعددة كقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا إذا افتتحه على الرياء ثم أخلص فيه [صح] ما اقترن به الإخلاص وبطل ما اقترن به الرياء وكل ذلك بمثابة عبادات رائى في بعضهن وأخلص في بعضهن وإن كانت عبادة متحدة كالصلاة والصوم والحج والاعتكاف فقد اختلف العلماء
(1)
أخرجه مسلم (57 - 1955)، وأبو داود (2815)، والترمذى (1409)، والنسائى في المجتبى 7/ 144 (4446) و 7/ 148 (4452) و 7/ 149 (4453) و 7/ 149 (4454) و 7/ 150 (4455)، وابن ماجه (3170).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 242 ترجمة 247).
(3)
الأشباه والنظائر (ص 33) لابن نجيم.
في ذلك فقال بعضهم: لا يعتد بشيء منها هذا هو الظاهر، وقال بعضهم لا يعتد له بافتتاحها دون ما عداه وقال آخرون: يعتد بالجميع فإنه ما أتى بذلك إلا لله عز وجل فإن التكبير والتسبيح والركوع والسجود لا يكون إلا لله عز وجل
(1)
.
وقال الحليمي
(2)
: ثبت بالكتاب والسنة أن كل عمل أمكن أن يراد به وجه الله إذا لم يعمل بمجرد التقرب به إليه وابتغاء رضوانه حبط ولم يستوجب به ثوابا إلا أن الترك تفصيلا وهو أن العمل إذا كان من جملة الفرائض وكان على هذا الوجه سقط به الفرض عنه ولم يؤاخذ به في الآخرة ولم يعاقب بما عوقب به التارك ولكنه لا يستوجب به ثوابا وإنما ثوابه ثناء الناس عليه في الدنيا ومدحهم إياه بما فعل وإن كان العمل [من باب] التطوع ففعله يريد به وجوه الناس دون وجه الله تعالى فإن الرياء يحبطه بالكلية بخلاف الأول حيث يحصل على سقوط الفرض عنه، فإن قيل: فإن لم يشتغل به ولم يرجوه [ولم يعلم أحد] أنه فعل خيرًا أو شرًّا، فالجواب: أنه لا يؤجر بشيء عاجل ولا آجل [فإنما هو] رجل خسر الدنيا والآخرة
(3)
. انتهى قاله في الديباجة، وقال في الديباجة أيضا: وأما ما ورد في الشركة فهو [محمول على] ما إذا [كان قصد الرياء مساويا لقصد الثواب أو أغلب منه أما إذا كان ضعيفا
(1)
مقاصد الرعاية لحقوق الله (ص 97 - 98) للعز بن عبد السلام.
(2)
المنهاج في شعب الإيمان (3/ 114).
(3)
المنهاج في شعب الإيمان (3/ 114 - 115).
بالإضافة إليه فلا يحبط بالكلية ثواب الصدقة وسائر الأعمال ولا ينبغي أن يفسد الصلاة ولا يبعد أن يقال إن الذي أوجب عليه صلاة خالصة لوجه] الله تعالى والخالص [ما لا] يشوبه شيء فلا يكون [مؤديا] للواجب مع [هذا] الشوب والعلم عند [الله] فيه
(1)
انتهى.
قوله: رواه البيهقي من طريق عبد الحميد بن بهرام.
قوله: عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، ربيح بضم الراء وفتح الباء وسكون الياء وبالحاء المهملة وسيأتي الكلام عليه قاله الحافظ رحمه الله تعالى.
قوله: في حديثه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال. قال القاضي عياض
(2)
: واختلف في المسيح الدجال فأكثر الرواة يقول إنه بفتح الميم وكسر السين المخففة مثل المسيح بن مريم ولا فرق بينهما في اللفظ ولكن عيسى مسيح هدى والدجال مسيح ضلالة، ورواه بعضهم بكسر الميم وتخفيف السين الدجال بفتح الدال والجيم المشددتين فقيل: سمي بذلك لأنه ممسوح العين وقيل لأنه أعور والأعور يسمى مسيحًا.
وسمي دجالا لتمويهه والدجل التمويه والتغطية يقال أدجل فلان إذا موه ودجل الحق غطاه بباطله، وحكى غيره أنه سمي دجالا لكذبه وهو كاذب
(1)
إحياء علوم الدين (3/ 309).
(2)
مشارق الأنوار (1/ 387).
وجمع دجال دجالون وسمي مسيحا لأنه يسمح الأرض كلها إلا مكة والمدينة أي يطأها
(1)
، قال العلماء: له عينان معينتان أحدهما طافئة بالهمز ذاهبة النور عمياء لا تبصر شيئا والثانية طافية بلا همز أي ناتئة كأنه عنبة طافية لكنه يبصر بها ويمكث في الأرض أربعين يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامنا مكتوب بين عينيه ك ف ر
(2)
.
وأنه يركب حمار عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا
(3)
وهذا يقتضي أن يكون هذا الحمار أكبر حمار في الدنيا فراكبه ينبغي أن يكون أكبر إنسان في الدنيا وكذا قال في خبر الجساسة فإذا أعظم إنسان رأيناه
(4)
لكن في حديث أبي داود في وصف الدجال أنه قصير أفحج
(5)
وإنما يكون قصيرًا بالنسبة إلى
(1)
تحرير ألفاظ التنبيه (ص 269)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 184).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 184).
(3)
أخرجه أحمد (3/ 367) وابن خزيمة في التوحيد (ص 31 - 32)، والحاكم (4/ 530) عن جابر بلفظ: يخرج الدجال في خفة من الدين وإدبار من العلم، وله أربعون يوما يسيحها، اليوم منها كالسنة واليوم كالشهر واليوم كالجمعة، ثم سائر أيامه مثل أيامكم، وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا، يأتي الناس، فيقول: أنا ربكم وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه ك ف ر، يقرأه كل مؤمن، كاتب وغير كاتب، يمر بكل ماء ومنهل، إلا المدينة ومكة، حرمهما الله عليه، وقامت الملائكة بأبوابها. وضعفه الألباني في الضعيفة (1969).
(4)
أخرجه مسلم (119 - 2942) عن فاطمة بنت قيس.
(5)
أخرجه أبو داود (4320) عن عبادة بن الصامت مرفوعا بلفظ: إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا، إن مسيح الدجال رجل قصير، أفحج، جعد، أعور =
نوع الإنسان فمقتضى ذلك أن يكون فيهم من هو أطول منه ولهذا قيل إن وصفه بالأكبرية إنما يعني بذلك عظم فتنته وكبر محنته إذ ليس بين يدي الساعة أعظم ولا أكبر منها، ويحتمل أن يريد بذلك أنه ينتفخ أحيانا حتى يكون في عين الناظر إليه أكبر من نوع الإنسان كما في حديث ابن صياد أنه انتفخ عند غضبه حتى ملأ الطريق والله أعلم بحقيقة ذلك
(1)
قاله في الديباجة، وأنه يتبعه سبعون ألفًا سبعون ألفًا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة وأن عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل من السماء فيقتل الدجال بباب لد البلدة المعروفة بقرب بيت المقدس وكل هذه الألفاظ ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وبعضها في البخاري
(2)
قاله في شرح مشارق الأنوار وأما الدجال فإنه محبوس يخرج في آخر الزمان يدل عليه حديث تميم الداري وقيل إنه لم يولد بعد وسيولد في آخر الزمان والأول هو الصحيح
(3)
انتهى، وسيأتي الكلام مبسوطًا على المسيح الدجال في أواخر هذا التعليق إن شاء الله تعالى.
48 -
وَعَن مَحْمُود بن لبيد قَالَ خرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إيَّاكُمْ وشرك السرائر قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا شرك السرائر قَالَ يقوم الرجل فَيصَلي
= مطموس العين، ليس بناتئة، ولا حجراء، فإن ألبس عليكم، فاعلموا أن ربكم ليس بأعور.
وصححه الألباني في المشكاة (5485).
(1)
المفهم (23/ 125).
(2)
قاله النووى في تهذيب الأسماء واللغات (1/ 184 - 185).
(3)
انظر: بستان العارفين (ص 355).
فيزين صلَاته جاهدا لما يرى من نظر النَّاس إِلَيْهِ فَذَلِك شرك السرائر رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه.
(1)
قوله: وعن محمود بن لبيد قال الحافظ: محمود بن لبيد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح له منه سماع فيما أرى انتهى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إياكم وشرك السرائر قالوا يا رسول الله وما شرك السرائر قال يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدا لما يرى من نظر الناس إليه فذلك شرك السرائر" تقدم الكلام على الرياء.
(2)
.
49 -
وَعَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه أَن عمر رضي الله عنه: خرج إِلَى الْمَسْجِد فَوجدَ معَاذًا عِنْد قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يبكي فَقَالَ مَا يبكيك قَالَ حَدِيث سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الْيَسِير من الرِّيَاء شرك وَمن عادى أَوْلِيَاء الله فقد بارز الله بالمحاربة إِن الله يحب الْأَبْرَار الأتقياء الأخفياء الَّذين إِن غَابُوا لم يفتقدوا وَإِن حَضَرُوا لم يعرفوا قُلُوبهم مصابيح الْهدى يخرجُون من كل غبراء مظْلمَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الزّهْد لَهُ وَغَيره قَالَ الْحَاكِم صَحِيح وَلَا عِلّة لَهُ
(3)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 227 (8403)، وابن خزيمة (937)، والبيهقي في الشعب (4/ 502 رقم 2872). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (31).
(2)
زيادة في المخطوطة المغربية.
(3)
أخرجه ابن ماجه (3989)، وابن أبي الدنيا في الأولياء (6) والتواضع (8)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1798 و 1799)، والضراب في ذم الرياء (161)، وابن لال (42)، والحاكم (1/ 4) و (3/ 270)، و (4/ 328)، والطبراني في الأوسط (5/ 163 رقم =
قوله: عن زيد بن أسلم عن أبيه هو زيد بن أسلم [القريشى العدوى المدنى، مولى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، التابعى الصالح الفقيه، رحمه الله. روى عن ابن عمر، وأنس، وجابر، وربيعة بن عباد، وسلمة بن الأكوع الصحابيين، رضى الله عنهم. وروى عن أبيه، وعطاء بن يسار، وحمران، وعلي بن الحسين، وأبى صالح السمان، وآخرين من التابعين. روى عنه الزهرى، ويحيى الأنصارى، وأيوب السختيانى، ومحمد بن إسحاق التابعيون، ومالك، والثورى، ومعمر، وخلائق من الأئمة.
قال يحيى بن معين: سمع زيد بن أسلم من ابن عمر، ولم يسمع جابرا ولا أبا هريرة. وقال محمد بن سعد: كانت لزيد بن أسلم حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ثقة كثير الحديث. وقال أبو حاتم: لقد رأيتنا في مجلس زيد بن أسلم أربعين فقيها، أدنى خصلة فينا التواسى بما في أيدينا، وما رأيت فيه
= 4950) و (7/ 145 رقم 7112) والصغير (2/ 123 رقم 892)، وأبو نعيم في المعرفة (5959 و 5960 و 5961 و 5962) والحلية (1/ 15)، والبيهقي في الأسماء والصفات (1046) والزهد (195). وصححه الحاكم في الموضع الأول ووافقه الذهبى. وتعقبه الذهبى في الموضع الثانى فقال: أبو قحذم قال أبو حاتم يكتب حديثه وقال النسائي ليس بثقة. وقال في الموضع الثالث: فيه عيسى بن عبد الرحمن بن فروة تركه النسائي. قال البوصيرى في الزجاجة 4/ 178 - 179: هذا إسناد فيه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف رواه الحاكم من طريق عياش بن عباس عن عيسى به وقال لا علة له. وضعفه الألباني في الضعيفة (2975) من رواية أبي قحذم. وضعفه من رواية ابن ماجه وغيره في المشكاة (5328)، الروض النضير (863)، ضعيف الترغيب (20) و (1866).
متمارين ولا متنازعين في حديث لا ينفعهما، وكان أبو حازم يقول لهم: لا يرينى الله يوم زيد، وقدمنى بين يدى زيد أنه لم يبق أحد أرضى لنفسى ودينى غيره، فأتاه نعى زيد فعقر، فما قام ولا شهده، وكان أبو حازم يقول: اللهم إنك تعلم أنى أنظر إلى زيد فأذكر بالنظر إليه القوة على عبادتك، فكيف بملاقاته ومحادثته. ومناقبه كثيرة، توفى بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين، وقيل: ثلاث وأربعين
(1)
].
قوله: "اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة" الأولياء: جمع ولي، والولي: هو من الوَلْي وهو القرب والدنو، والولي فعيل بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول، ويترتب على ولايته الولى إجابة دعوته، وقال أبو سعيد: إذا أراد الله أن يوالي عبده فتح عليه باب ذكره، فإذا استلذ الذكر فتح عليه باب القرب ثم رفعه إلى مجلس الأنس به ثم أجلسه على كرسي التوحيد ثم رفع عنه الحجب وأدخله دار الفردانية وكشف له عن الجلال والعظمة فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة بقى بلا هوى فحينئذ صار العبد زمنا فانيا فوقع في حفظه سبحانه وبرئ من دعاوي نفسه
(2)
] وفي الحديث الآخر: "من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب" آذنته بمعنى أعلمته، قال الشافعي وأبو حنيفة
(3)
: إذا لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 200 ترجمة 185).
(2)
الرسالة (2/ 419).
(3)
الفقيه والمتفقه (1/ 150).
فأولياء الله تعالى تجب موالاتهم وتحرم معاداتهم كما أن أعداءهم تجب معاداتهم وتحرم موالاتهم
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء" الحديث، الأبرار جمع البر وهو الطائع وكثيرا ما يخص بالأولياء الزهاد والأتقياء قاله في النهاية
(2)
، والأتقياء جمع تقي والأخفياء: جمع خفي، وهو بمعنى خاف، ومن خفيت الشيء أخفيه أي: فهؤلاء المذكورون في الحديث هم الغرباء الممدوحون المغبطون ولقلتهم في الناس جدا سموا غرباء فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات فأهل الإسلام في الناس غرباء وأهل العلم في المؤمنين غرباء وأهل السنة الذين يميزونه من الأهواء والبدع فهم غرباء والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين لهم أشد هؤلاء غربة ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا فلا غربة عليهم
(3)
.
وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدًا غرباء بين اثنتين وسبعين فرقة ذات اتباع ورياسات ومناصب وولايات فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله تعالى على طريق المتابعة غريبا بين هؤلاء الذين اتبعوا أهواءهم وأطاعوا شحهم وأعجب كل منهم برأيه
(4)
.
(1)
جامع العلوم والحكم (3/ 1069).
(2)
النهاية (1/ 116).
(3)
مدارج السالكين (3/ 186).
(4)
المصدر السابق (3/ 188).
وقال الحسن البصري: المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها ولا ينافس في عزها للناس حال وله حال
(1)
.
ومن صفات هؤلاء الغرباء التمسك بالسنة إذا رغب الناس عنها وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم وهؤلاء هم القابضون على الجمر فالإسلام الحقيقي غريب جدا وأهله بين الناس غرباء ولقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن الدين الذي جاء به أنه بدأ غريبا وسيعود غريبا وإن أهله يصيرون غرباء ولكن أهل هذه الغربة هم أهل الله حقا فإنهم لم يأووا إلى غير الله ولم ينسبوا إلى غير رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يدعوا إلى غير ما جاء به فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها فوليه الله ورسوله والذين آمنوا وإن عاداه أكثر الناس وجفوه
(2)
قاله في تهذيب النفوس، قال صلى الله عليه وسلم:"بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء، فقيل ومن الغرباء يا رسول الله؟. قال ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم"
(3)
وفي رواية "الغرباء ناس صالحون بين ناس كثيرون، من يبغضهم أكثر ممن يحبهم"
(4)
رواه أحمد وفي الترمذي: "فطوبى للغرباء. قيل ومن الغرباء قال: الذين يصلحون إذا فسد
(1)
الغرباء (7) للآجرى.
(2)
مدارج السالكين (2/ 186 - 188 بتصرف).
(3)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (775) والمسند (23)، وابن وضاح في البدع (168)، والآجرى في الغرباء (6). وصححه الألباني في الصحيحة (1619).
(4)
أخرجه أحمد 4/ 73 (16690) عن عبد الرحمن بن سنة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 278: رواه عبد الله والطبراني، وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك.
الناس"
(1)
وفي رواية: "الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي والذين يحيون ما أماتوه من شريعتي"
(2)
، وفي حديث آخر: قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: "الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس"
(3)
وفي المسند عن عبد الله بن عمرو قال: إن أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء، قيل: ومن الغرباء؟ قال: "الفرارون بدينهم يجتمعون إلى عيسى بن مريم يوم القيامة"
(4)
.
قوله: "بدأ الإسلام غريبًا" ضبطناه بالهمز من الابتداء، واعلم أن الغربة المذكورة في الحديث معناها قلة من يعين على القيام بالحق فيكون القائم به غريبا لفقدان المساعد وعدم المعاضد فلا ينهض القائم حينئذ إلا قوة إيمانه ووفور إيقانه فلذلك قال صلى الله عليه وسلم:"بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء"
(5)
أي أنه كان في أول أمره أي الإسلام كالغريب الوحيد
(1)
أخرجه الآجرى في الغرباء (1)، وأبو عمرو الدانى في الفتن (288) عن عبد الله بن مسعود. وصححه الألباني في الصحيحة (1273)
(2)
أخرجه الترمذى دون قوله والذين يحيون ما أماتوه من شريعتى (2630). وضعفه جدا الألباني في المشكاة (170).
(3)
أخرجه القضاعى في مسند الشهاب (1052)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1902) من طريق كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده. وكثير ضعيف والراوى عنه إسحاق الحنينى ضعيف جدًّا.
(4)
أخرجه أحمد في الزهد (404)، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد (813)، وابن أبي الدنيا في التواضع (16)، والآجرى في الشريعة (37). وضعفه الألباني في الضعيفة (1859).
(5)
لطائف المنن (ص 157).
الذي لا أهل له عنده لقلة المسلمين يومئذ، وسيعود غريبًا كما كان أي يقل المسلمون آخر الزمان فيصيرون كالغرباء
(1)
فطوبى للغرباء أي الجنة، أولئك المسلمين الذين كانوا أول الإسلام ويكونون في آخره، فطوبى فعلى من الطيب، تقول العرب طوباك طوبى لك وأما طوبى التي في القرآن وحسن مآب، فروي عن ابن عباس أن معناها [الجنة] وقرة عين، وقال عكرمة: نعم ما لهم وقال الضحاك: عطية لهم، وعن قتادة: أصابوا خيرًا، وقيل: دوام الخير، وقيل الجنة، وقيل: شجرة فيها، وكل هذه أقوال محتملة في الحديث
(2)
، وإنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا بلزومهم دين الإسلام
(3)
، [يريد صلى الله عليه وسلم لأنهم قاموا بأمر الله في بلاده وعباده حيت تقاعدت همم الناس عن القيام انتهى قاله في لطائف المنن لابن عطاء الله
(4)
والله تعالى أعلم.
قال الغزالي في الإحياء في أواخر الباب الثالث من أبواب العلم
(5)
: قد صارت تلك العلوم [غريبة] بحيث يمقت [ذاكرها] ولذلك قال الثوري: إذا رأيت العالم كثير الأصدقاء فاعلم أنه مخلط لأنه إن نطق بالحق أبغضوه
(6)
] وقال أبو العباس القرطبي: يحتمل أن يريد بالحديث المهاجرون إذ هم
(1)
النهاية (3/ 348).
(2)
شرح النووي على مسلم (2/ 176).
(3)
النهاية (3/ 348).
(4)
لطائف المنن (ص 157).
(5)
إحياء علوم الدين (1/ 38).
(6)
زيادة في المخطوطة المغربية.
تغربوا على أوطانهم فرارا بأديانهم فيكون معناه إن آخر الزمان تشتد فيه المحن على المسلمين فيفرون بأديانهم ويغتربون عن أوطانهم كما فعل المهاجرون.
وقد ورد في الحديث قيل: من الغرباء؟ قال: هم النزاع من القبائل إشارة إلى هذا المعنى، النزاع جمع نازع ونزيع وهو الغريب الذي نزع عن أهله وعشيرته أي بعد وغاب
(1)
، وقيل: لأنه ينتزع إلى وطنه أي ينجذب ويميل والمراد الأول أي طوبى للمهاجرين الذين هجروا أوطانهم [في الله تعالى]
(2)
قاله في الديباجة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يخرجون من كل غبراء مظلمة" أي: ذات غبار أو ذات غبرة وهو لون الغبار، وقال في النهاية: الغبراء هي التي لا يهتدى للخروج منها
(3)
.
50 -
وَعَن مَحْمُود بن لبيد أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم الشّرك الْأَصْغَر قَالُوا وَمَا الشّرك الْأَصْغَر يَا رَسُول الله قَالَ الرِّيَاء يَقُول الله عز وجل إِذا جزى النَّاس بأعمالهم اذْهَبُوا إِلَى الَّذين كُنْتُم تراؤون فِي الدُّنْيَا فانظروا هَل تَجِدُونَ عِنْدهم جَزَاء وَرَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد وَغَيره.
(4)
(1)
المفهم (2/ 127).
(2)
النهاية (5/ 41).
(3)
النهاية (3/ 337).
(4)
أخرجه أحمد 5/ 428 (23630 و 23631) و 5/ 429 (23636)، وابن خزيمة في أحاديث إسماعيل بن جعفر (384)، والضراب في ذم الرياء (12 و 31)، والبيهقي في =
قَالَ الْحَافِظ رحمه الله: ومحمود بن لبيد رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلم يَصح لَهُ مِنْهُ سَماع فِيمَا أرى وَقد خرج أَبُو بكر بن خُزَيْمَة حَدِيث مَحْمُود الْمُتَقَدّم فِي صَحِيحه مَعَ أَنه لَا يخرج فِيهِ شَيْئا من الْمَرَاسِيل وَذكر ابْن أبي حَاتِم أَن البُخَارِيّ قَالَ لَهُ صُحْبَة.
قَالَ: وَقَالَ أبي: لَا يعرف لَهُ صُحْبَة وَرجح ابْن عبد الْبر أَن لَهُ صُحْبَة وَقد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد عَن مَحْمُود بن لبيد عَن رَافع بن خديج وَقيل إِن حَدِيث مَحْمُود هُوَ الصَّوَاب دون ذكر رَافع بن خديج فِيهِ وَالله أعلم.
51 -
وَعَن أبي سعيد بن أبي فضَالة وَكَانَ من الصَّحَابَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِذا جمع الله الْأَوَّلين والآخرين يَوْم الْقِيَامَة ليَوْم لَا ريب فِيهِ نَادَى مُنَاد من كَانَ أشرك فِي عمله لله أحدا فليطلب ثَوَابه من عِنْده فَإِن الله أغْنى الشُّرَكَاء عَن الشّرك رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير من جَامعه وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ
(1)
.
= الشعب (9/ 154 رقم 6412)، والبغوي في شرح السنة (4135). قال الهيثمى في المجمع 1/ 102: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في الصحيحة (951) وصحيح الترغيب (32).
(1)
أخرجه أحمد 3/ 466 (15838) و 4/ 215 (17888)، والترمذي (3154)، وابن ماجه (4203)، والدولابي في الكنى (209)، وابن حبان (404) و (7345)، والطبراني في الكبير 22/ 307 (778)، وابن منده في المعرفة (1/ 884)، والبيهقي في الشعب (9/ 144 - 145 رقم 6398). وقال الترمذى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن بكر. وقال الألباني: حسن صحيح - "المشكاة"(5318)، وصحيح الترغيب (33).
قوله: وعن أبي سعيد بن أبي فضالة، وكان من الصحابة وأبو سعيد هذا ذكره ابن عبد البر في الصحابة أيضا وقال أنصاري له صحبة يعد في أهل المدينة وذكر له هذا الحديث
(1)
، وقال في الديباجة: أبو سعد هذا هو ابن أبي فضالة الأنصاري الحارثي ويقال ابن فضالة ويقال له أبو سعيد أيضا
(2)
والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمله لله أحدًا فليطلب ثوابه من عنده" الحديث، وفي الأثر يقول الله تعالى يوم القيامة:"اذهب فخذ أجرك ممن عملت له لا أجر لك عندنا".
تنبيه: الأثر المذهب المختار الذي قاله المحققون وغيرهم واصطلح عليه السلف وجماهير الخلف وهو أن الأثر يطلق على المروي مطلقا سواء كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي وقال الفقهاء الخراسانيون: الأثر هو ما يضاف إلى الصحابي موقوفًا عليه
(3)
، والله أعلم.
52 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ الله عز وجل أَنا أغْنى الشُّرَكاء عَن الشّرك فَمن عمل لي عملًا أشرك فِيهِ غَيْرِي فَأَنا مِنْهُ بَرِيء وَهُوَ
(1)
الاستيعاب (4/ 1668 الترجمة 2991) وفيه: أبو سعد بن أبي فضالة الحارثي الأنصاري.
(2)
كذا قال المزى كما في تهذيب الكمال (33/ الترجمة 7383).
(3)
شرح النووي على مسلم (1/ 63).
للَّذي أشرك رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ ورواة ابْن مَاجَه ثِقَات
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "عن أبي هريرة"، تقد الكلام على ترجمته.
قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لي عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" قال النووي
(2)
: هكذا وقع في حديث أبي هريرة ووقع في بعض الأصول: "تركته وشركه"، وفي بعضها:"وشريكه" وفي بعضها: "وشركته".
قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لي عملا أشرك فيه معي غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك" الحديث ومعنى الحديث: أنا أغنى عن المشاركة وغيرها فمن عمل شيئًا لي ولغيري لم أقبله بل أتركه لذلك الغير، والمراد أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه ويأثم به، والمعنى أن المراد منه الإخلاص في الأعمال والأقوال
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم (46 - 2985)، وابن ماجه (4202)، والبزار (8301)، وابن خزيمة في أحاديث إسماعيل بن جعفر (352) والصحيح (938)، والطبرى في تهذيب الآثار - مسند عمر (2/ 790 - 791 رقم 1112 - 1114)، وابن حبان (395)، والبيهقي في الآداب (821) والأربعون (38) والأسماء والصفات (458)، والشعب (9/ 143 - 144 رقم 6396). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (34).
(2)
شرح النووي على مسلم (18/ 115).
(3)
شرح النووي على مسلم (18/ 115 - 116).
53 -
وَعَن شهر بن حَوْشَب عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ لما دخلت مَسْجِد الْجَابِيَة ألفينا عبَادَة بن الصَّامِت فَأخذ يَمِيني بِشمَالِهِ وشمال أبي الدَّرْدَاء بِيَمِينِهِ فَخرج يمشي بَيْننَا وَنحن ننتجي وَالله أعلم بِمَا نتناجى فَقَالَ عبَادَة بن الصَّامِت لَئِن طَال بكما عمر أَحَدكُمَا أَو كلاكما لتوشكان أَن تريا الرجل من ثبج الْمُسلمين يَعْنِي من وسط قراء الْقُرْآن على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم قد أَعَادَهُ وأبداه فأحل حَلَاله وَحرم حرَامه وَنزل عِنْد مَنَازِله لَا يحور مِنْهُ إِلَّا كَمَا يحور رَأس الْحمار الْمَيِّت قَالَ فَبَيْنَمَا نَحن كَذَلِك إِذْ طلع علينا شَدَّاد بن أَوْس وعَوْف بن مَالك رضي الله عنهما فَجَلَسَا إِلَيْهِ فَقَالَ شَدَّاد إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم أَيهَا النَّاس لما سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من الشَّهْوَة الْخفية والشرك فَقَالَ عبَادَة بن الصَّامِت وَأَبُو الدَّرْدَاء اللَّهُمَّ غفرا أولم يكن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد حَدثنَا أَن الشَّيْطَان قد يئس أَن يعبد فِي جَزِيرَة الْعَرَب فَأَما الشَّهْوَة الْخفية فقد عرفناها هِيَ شهوات الدُّنْيَا من نسائها وشهواتها فَمَا هَذَا الشّرك الَّذِي تخوفنا بِهِ يَا شَدَّاد فَقَالَ شَدَّاد أَرَأَيْتُم لَو رَأَيتُمْ رجلا يُصَلِّي لرجل أَو يَصُوم لرجل أَو يتَصَدَّق لَهُ لقد أشرك قَالَ عَوْف بن مَالك عِنْد ذَلِك أَفلا يعمد الله إِلَى مَا ابْتغِي بِهِ وَجهه من ذَلِك الْعَمَل كُله فَيقبل مَا خلص لَهُ ويدع مَا أشرك بِهِ قَالَ شَدَّاد عِنْد ذَلِك فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن الله عز وجل قَالَ أَنا خير قسيم لمن أشرك بِي من أشرك بِي شَيْئا فَإِن جسده وَعَمله وقليله وَكَثِيره لشَرِيكه الَّذِي أشرك بِهِ أَنا عَنهُ غَنِي رَوَاهُ أَحْمد وَشهر يَأْتِي ذكره وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَلَفظه عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم أَنه كَانَ فِي مَسْجِد دمشق مَعَ نفر من
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فيهم معَاذ بن جبل فَقَالَ عبد الرَّحْمَن يَا أَيهَا النَّاس إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم الشّرك الْخَفي فَقَالَ معَاذ بن جبل اللَّهُمَّ غفرا أوما سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول حَيْثُ وَدعنَا إِن الشَّيْطَان قد يئس أَن يعبد فِي جزيرتكم هَذِه وَلَكِن يطاع فِيمَا تَحْتَقِرُونَ من أَعمالكُم فقد رَضِي بذلك فَقَالَ عبد الرَّحْمَن أنْشدك الله يَا معَاذ أما سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من صَامَ رِيَاء فقد أشرك وَمن تصدق رِيَاء فقد أشرك فَذكر الحَدِيث وَإِسْنَاده لَيْسَ بالقائم وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا وَالْحَاكِم من رِوَايَة عبد الْوَاحِد بن زيد عَن عبَادَة بن نسي قَالَ دخلت على شَدَّاد بن أَوْس فِي مُصَلَّاهُ وَهُوَ يبكي فَقلت يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن مَا الَّذِي أبكاك قَالَ حَدِيث سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قلت وَمَا هُوَ قَالَ بَيْنَمَا أَنا عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ رَأَيْت بِوَجْهِهِ أمرا سَاءَنِي فَقلت بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله مَا الَّذِي أرى بِوَجْهِك قَالَ أمرا أتخوفه على أمتِي الشّرك وشهوة خُفْيَة قلت وتشرك أمتك من بعْدك قَالَ يَا شَدَّاد إِنَّهُم لا يعْبدُونَ شمسا وَلَا وثنا وَلَا حجرا وَلَكِن يراؤون النَّاس بأعمالهم قلت يَا رَسُول الله الرِّيَاء شرك هُوَ قَالَ نعم قلت فَمَا الشَّهْوَة الْخفية قَالَ يصبح أحدهم صَائِما فتعرض لَهُ شَهْوَة من شهوات الدُّنْيَا فيفطر قَالَ الْحَاكِم وَاللَّفْظ لَهُ صَحِيح الْإِسْنَاد.
(1)
(1)
أخرجه أحمد 4/ 125 - 126 (17140)، والشاشى (1317)، والطبراني في الكبير (7/ 281 رقم 7139)، والحاكم 4/ 329، وأبو نعيم في الحلية 1/ 268 - 269، والضياء في المختارة 8/ 324 - 325 (392). قال الضياء: إسناده حسن.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 220 - 221 رواه أحمد، وفيه شهر بن حوشب، =
قلت: كَيفَ وَعبد الْوَاحِد بن زيد الزَّاهِد مَتْرُوك وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه مُخْتَصرا من رِوَايَة رواد بن الْجراح عَن عَامر بن عبد الله عَن الْحسن بن ذكْوَان عَن عبَادَة بن نسي عَن شَدَّاد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أخوف مَا أَخَاف على أمتِي الْإِشْرَاك بِالله أما إِنِّي لست أَقُول يعْبدُونَ شمسا وَلَا قمرا وَلَا وثنا وَلَكِن أعمالا لغير الله وشهوة خُفْيَة
(1)
وعامر بن عبد الله لَا يعرف ورواد يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وروى الْبَيْهَقِيّ عَن يعلي بن شَدَّاد عَن أَبِيه قَالَ كُنَّا نعد الرِّيَاء فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم الشّرك الْأَصْغَر.
قوله: وعن شهر بن حوشب، شهر بن حوشب الشامي تابعي مشهور قرأ القرآن على ابن عباس، وكان عالما كثير الرواية حسن الحديث
(2)
، [توفي سنة مائة وقيل سنة إحدى ومائة
(3)
]، وقال الدولابي: شهر لا يشبه حديثه حديث الناس
(4)
. وهو الذي روى أن آدم عليه السلام لما قتل ابنه أخاه مكث مائة سنة لا
= وثقه أحمد وغير واحد، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (21).
وأخرجه البزار (2663) والبيهقي في الشعب (9/ 169 - 170 رقم 6436) بإسناد آخر.
قال الهيثمى في المجمع 7/ 54: رواه البزار، وفيه محمد بن السائب الكلبي وهو كذاب.
وقال الألباني: موضوع الضعيفة (5249) وضعيف الترغيب (21).
(1)
أخرجه ابن ماجه (4205). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1378) وضعيف الترغيب (21).
(2)
تاريخ دمشق (23/ 217)، والعبر في خبر من غبر (1/ 90).
(3)
زيادة في المخطوطة المغربية.
(4)
ميزان الاعتدال (2/ 261).
يضحك ثم أنشأ يقول:
تَغَيَّرَتِ الْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا
…
فَلَوْنُ الْأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحْ
تَغَيَّرَ كُلَّ ذِي طَعْمِ وَلَوْنٍ
…
وَقَلَّ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ الْمَلِيحْ
(1)
ونقل أبو عيسى الترمذي عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: شهر حسن الحديث وقوى أمره
(2)
.
وذهب إلى الاحتجاج به جماعة وقال يعقوب بن شيبة: شهر بن حوشب ثقة طعن فيه بعضهم، ووثقه ابن معين والإمام أحمد بن حنبل والعجلي والفسوي وروى له مسلم في صحيحه مقرونًا، روى له الأربعة
(3)
قاله في الديباجة.
وقال فقيه الشافعية في زمانه أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي في كتاب التعديل والتجريح له والحافظ الثقة أبو جعفر العقيلي في كتاب الضعفاء والمتروكين من تأليفه: إن شهرا دخل بيت المال فسرق خريطة فقيل فيه:
لَقَدْ بَاعَ شَهْرٌ دِيْنَهُ بِخَرِيْطَةٍ
…
فَمَنْ يَأْمَنُ القُرَّاءَ بَعْدَكَ يَا شَهْرُ؟
(4)
وقيل أنه كان على على خزائن يزيد بن المهلب، فرفعوا عليه أنه أخذ خريطة، فقيل فيه: لَقَدْ بَاعَ شهْرٌ دِيْنَهُ بِخَرِيْطَةٍ
…
البيت وتوفى شهر بن حوشب
(1)
أخرجه ابن عدى في الكامل (5/ 60).
(2)
سنن الترمذى عقب حديث (2697) باب ما جاء في التسليم على النساء.
(3)
انظر تهذيب الكمال (12/ الترجمة 2781).
(4)
كذا قال ابن دحية الكلبى في أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب (ص 50) وما ذكره ليس موجودا في الضعفاء وإنما ذكره بإسناده ابن عدى في الكامل (6/ 170 - 171) وابن عساكر في التاريخ (23/ 230 - 232).
سنة مئة وقيل سنة إحدى ومائة
(1)
.
تتمة: وأفتى أهل البصرة بقطع يده على مذهب مالك رحمه الله، قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي المالكي في كتاب عيون المجالس مسألة، قال الإمام مالك في رواية ابن القاسم وابن عبد الحكم: من سرق من بيت المال أو من المغنم هان كان السارق أحد الجيش ما يجب فيه القطع قطع
(2)
والله أعلم، قاله في العلم المشهور انتهى.
وفي شرح الإلمام: لا يجب القطع على من سرق من بيت المال، وبه قال علي وقال: إن له فيه نصيبا وهذا قول عامة أهل العلم، وقال حماد يقطع
(3)
، وهذا من عطف الخاص على العام فإن الخيانة تعم الانتهاب، والاختلاس والانتهاب أخذ المال على المجاهرة والمغالبة كالغصب
(4)
وكذلك الاختلاس فإنه يؤخذ سلبًا ومكابرة على غفلة
(5)
انتهى.
قوله: عن عبد الرحمن بن غنم بفتح الغين المعجمة، بن كريب بن هانئ بن ربيعة الأشعري الشامي، ذكره ابن يونس وابن منده وآخرون في الصحابة وهو قول الأكثرين وأنكر ابن أبي حاتم وآخرون صحبته وقالوا هو تابعي
(1)
انظر ترجمته في تهذيب الكمال (12/ ترجمة 2781).
(2)
أداء ما وجب من بيان الوضاعين في شهر رجب (ص 50 - 52)، والعلم المشهور (مخطوط/ لوحة 95) وانظر عيون المسائل (ص 473 مسألة 1105).
(3)
انظر الأشراف (7/ 196 - 197).
(4)
البدائع: 143/ 7، تكملة الفتح: 368/ 7، تبيين الحقائق: 224/ 5.
(5)
النهاية (2/ 61).
مخضرم وكان مسلمًا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره ولم يفد إليه، وقال الأولون قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفينة مع أبي موسى الأشعري وأصابه، كان يسكن فلسطين وقدم دمشق؛ قال ابن يونس: وقدم مصر مع مروان بن الحكم سنة خمس وستين، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع عمر بن الخطاب وعليا ومعاذا وأبا الدرداء وأبا مالك الأشعري وغيرهم ويعرف بصاحب معاذ لكثرة لزومه له باليمن إلى أن مات وكان عبد الرحمن أفقه أهل الشام وعليه تفقه عامة التابعين وكان له جلالة وقد توفي رضي الله عنه سنة ثمان وسبعين
(1)
انتهى.
قوله: قال: لما دخلت مسجد الجابية؛ الجابية قرية بدمشق قيل موضع بالشام بجانب [نوى] على نحو ثلاثة أميال منها من جهة الشمال وإليه ينسب باب الجابية أحد.
أبواب دمشق وهي أرض خصب وخير، سميت بذلك لكثرة مياهها فإن الجابية اسم للحوض، وقيل: سميت بها لاجتماع الناس بها وكثرتهم فيها فإن الجابية أيضا جماعة القوم
(2)
انتهى، قاله في شرح الإلمام والله أعلم.
قوله: ألفينا عبادة بن الصامت معناه: وجدناه ومنه قوله تعالى: {قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}
(3)
ومنه الحديث أيضًا: "لا ألفين أحدكم يوم
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 302 - 302 الترجمة 358).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (3/ 60).
(3)
سورة البقرة، الآية:170.
القيامة" أي لا أجدن
(1)
.
قوله: عبادة بن الصامت، هو عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر أبو الوليد الأنصاري الخزرجي وهو أحد النقباء الاثني عشر له أحاديث وهو ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بحمص يعلم الناس في زمن عمر ثم انتقل إلى فلسطين، وهو أول من ولي القضاء ببيت المقدس، ولما حضرته الوفاة تحلل من أصحابه ثم أوصاهم أن لا يبكوا عليه فإذا مات توضؤوا ودخلوا مساجدهم فصلوا واستغفروا له ولأنفسهم ثم يسرعوا لحفرته ولا تتبعوه نائحة ولا يضعوا تحته أرجوانا وتوفي بالرملة، قال ابن حبان: ودفن بالقدس وله ثمانون سنة وقال غيره: مات سنة أربع وثلاثين وله اثنان وسبعون سنة وقيل مات في خلافة معاوية سنة خمس وأربعين
(2)
انتهى.
قوله: فخرج يمشي بيننا ونحن ننتجي والله أعلم بما نتناجي، مأخوذ من النجو وهو السر يقال: انتجى القوم وتناجوا تساروا إن سار بعضهم بعضا قاله الجوهري في صحاحه
(3)
.
قوله: لتوشكان أن تريا الرجل من ثبج المسلمين يعني من وسط قراء القرآن
(4)
، الحديث، يوشك أن يكون كذا: أي يقرب ويدنو ويسرع يقال:
(1)
كشف المشكل (3/ 469).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 256 - 257 الترجمة 281).
(3)
الصحاح (6/ 2503).
(4)
النهاية (1/ 206).
أوشك يوشك إيشاكا فهو موشك وقد وشك وشكا ووشاكة قاله في النهاية
(1)
.
قوله: قد أعاده وأبداه فأحل حلاله وحرم حرامه ونزل عند منازله لا يحور منه إلا كما يحور رأس الحمار الميت، الحديث، أي: لا يرجع فيكم بخير ولا ينتفع بما حفظه من القرآن كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه، يحور: بالحاء المهملة والراء ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى}
(2)
قاله في النهاية في باب الحاء مع الراء
(3)
والله أعلم.
قوله: فبينما نحن كذلك إذ طلع علينا شداد بن أوس وعوف بن مالك رضي الله عنهما، سيأتي الكلام على مناقبهما في أماكن متعددة من هذا التعليق.
قوله: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من الشهوة الخفية والشرك" وفي الرواية الأخرى: "أمرًا لأتخوفه على أمتي الشرك وشهوة خفية"، اعلم أن المشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق ونحوهم
(4)
، ويطلق أيضا على المرائي وهو الشرك الأصغر والشرك الخفي، والله أعلم.
(1)
النهاية (5/ 189).
(2)
سورة الانشقاق، الآية:14.
(3)
النهاية (1/ 458).
(4)
شرح النووي على مسلم (6/ 57 - 58).
قوله: "وشهوة خفية" الشهوة الخفية قيل هو كل شيء من المعاصي يضمره صاحبه ويصر عليه وإن لم يعمله وقيل: هو أن يرى جارية حسناء فيغض بصره ثم ينظر بقلبه كما كان يبصر بعينيه قال الأزهري: والقول الأول غير أني أستحسن أن أنصب الشهوة الخفية وأجعل الواو بمعنى مع كأنه قال إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء مع الشهوة الخفية للمعاصي فكأنه يرائي الناس بترك المعاصي والشهوة في قلبه مخفاة وقيل الرياء ما كان ظاهرا من العمل والشهوة الخفية حب إطلاع الناس على العمل انتهى قاله في النهاية
(1)
.
قوله: فقال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء: "اللهم غفرا"، [تقدم الكلام على قوله "اللهم"
(2)
] وأما غفرا: فهو بفتح الغين وإسكان الفاء مصدر غفر يغفر وهو سؤال المغفرة وهو آكد من السؤال بالفعل وأصل الغفر التغطية يقال غفر الله لك يغفر غفرا وغفرانا ومغفرة، والمغفرة إلباس الله تعالى العفو للمذنبين
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب" قال أبو عبيد: قال الأصمعي: هو اسم صقع من الأرض وهو ما بين حفر أبي موسى
(1)
انظر: غريب الحديث (4/ 171) لابن سلام، وتهذيب الآثار (2/ 811 - 812)، وتهذيب اللغة (6/ 188)، والنهاية (2/ 516).
(2)
زيادة في المخطوطة المغربية.
(3)
النهاية (3/ 373).
الأشعري إلى أقصى اليمن في الطول وما بين رمل بئر بن إلى منقطع السماوة في العرض
(1)
، وقيل: هو من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق طولا ومن جدة وساحل البحر وما والاها إلى أطراف الشام عرضًا
(2)
، وقيل: هذا عام أريد به خاص وهو الحجاز وهي بلاد سميت به لأنها حجزت بين نجد والغور
(3)
، وقال مالك بن أنس: أراد بجزيرة العرب المدينة نفسها وإذا أطلقت الجزيرة في الحديث ولم تضف إلى العرب فإنما يراد بها ما بين دجلة والفرات قاله في النهاية
(4)
.
وقال الإمام الشافعي
(5)
: جزيرة العرب مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها أي قراها كخيبر للمدينة والطائف لمكة، قال النووي
(6)
: وحكى الهروى
(7)
عن مالك انها المدينة فقط كما تقدم نقله عن النهاية والصحيح المعروف عن مالك أنها مكة والمدينة واليمامة واليمن وأخذ بهذا الحديث مالك والشافعي
(1)
غريب الحديث (3/ 441) لأبى عبيد وهو قول أبي عبيد.
(2)
غريب الحديث (3/ 441 - 442).
(3)
الميسر (1/ 90)، وتحفة الأبرار (1/ 139)، والكواكب الدرارى (2/ 21)، وعمدة القارى (2/ 27).
(4)
النهاية (1/ 268).
(5)
الأم (4/ 187).
(6)
شرح النووي على مسلم (11/ 93).
(7)
في الأصل الجوهري والتصويب من شرح صحيح مسلم كما سبق وكلام الهروي نقله القاضي عياض كما في إكمال المعلم (4/ 216).
وغيرهما من العلماء فأوجبوا إخراج الكفار من جزيرة العرب وقالوا لا يجوز تمكينهم من سكناها ولكن الشافعي رحمه الله خص هذا الحكم ببعض جزيرة العرب وهو الحجاز وهو عند مكة واليمامة ومخالفيها دون اليمن وغير مما هو من جزيرة العرب
(1)
وهكذا فسره أصحابنا كما فسره الشافعي وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم
(2)
وهذا الذي نقل عن الأصمعي قاله أيضا ابن الكلبي وغيره
(3)
والله أعلم.
تنبيه: قال الأزهري: سميت جزيرة لأن بحر فارس وبحر السودان أحاطا بجانبيها وأحاط بالجانب الشمال دجلة والفارت وقيل سميت جزيرة العرب لإحاطة البحار بها من نواحيها وانقطاعها عن المياه العظيمة وأصل الجزر في اللغة القطع وأضيفت إلى العرب لأنها الأرض التي كانت بأيديهم قبل الإسلام وديارهم التي هي أوطانهم وأوطان أسلافهم
(4)
.
فائدة: قول الشافعي في الكلام على جزيرة العرب وهي مكة والمدينة واليمامة، واليمامة مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف سميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الكواكب من مسيرة ثلاثة أيام، وقال
(1)
شرح النووي على مسلم (11/ 93).
(2)
شرح النووي على مسلم (11/ 94)
(3)
انظر البلدان (ص 84) لابن الفقيه.
(4)
تهذيب اللغة (10/ 319)، والصحاح (2/ 613)، والفائق (1/ 309)، وشرح النووي على مسلم (11/ 93).
الجوهري: اليمامة بلاد اسمها جوا فقيل جو اليمامة فسميت باسم هذه المرأة لكثرة ما أضيف إليها
(1)
. والله أعلم.
قوله: قال عوف بن مالك "أفلا يعمد إلى الله إلا ابتغى به وجهه من ذلك العمل كله فيقبل ما خلص له ويدع ما أشرك به" الحديث، يعمد: بكسر الميم في المضارع وفتح الميم في الماضي ومعناه يقصد
(2)
.
وقوله: "فيقبل ما خلص له" بفتح لام خلص وضمها. قوله: في رواية الإمام أحمد والحاكم من رواية عبد الواحد بن زيد بن عبادة بن نسي، نسي بضم النون وفتح السن وكسر الياء مشددة مثل قصي. قوله: عن الحسن بن ذكوان، ذكوان بالذال المعجمة المفتوحة وسكون الكاف.
قوله: فقلت بأبي وأمي يا رسول الله: ما الذي أرى بوجهك؟ قال: "أمرا لأتخوفه على أمتي" الحديث، فيه جواز التفدية بالأبوين للكبير والشيخ ونحوهما وقد قال جماهير العلماء بذلك وكرهه عمر بن الخطاب وكذلك كرهه الحسن البصري وكرهه بعضهم من التفدية بالمسلم من أبويهما قال النووي: والصحيح الجواز مطلقا لأنه ليس فيه حقيقة فداء وإنما هو كلام بر وإلطاف وإعلام بمحبته أو منزلته عنده، وقد وردت الأحاديث الصحيحة بالتفدية مطلقا وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أبويه للزبير ولسعد بن أبي وقاص
(3)
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (4/ 201)، والصحاح (6/ 2306).
(2)
الكواكب الدراري (18/ 190)، وكشف المناهج (3/ 73).
(3)
شرح النووي على مسلم (15/ 184).
انتهى قاله في الديباجة، وقيل: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم قاله في شرح الإلمام والله أعلم.
قوله: إنهم لا يعبدون شمسا ولا وثنا ولا حجرا ولكن يراؤون الناس بأعمالهم، الحديث؛ قال الإمام السهيلي
(1)
: لا يقال وثن إلا لما كان من غير صخرة كالنحاس ونحوه، وقال نفطويه
(2)
: ما كان معبودا مصورا فهو صنم وغير المصور وثن.
54 -
وَعَن الْقَاسِم بن مخيمرة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: لا يقبل الله عملًا فِيهِ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من رِيَاء رَوَاهُ ابْن جرير الطَّبَرِيّ مُرْسلًا
(3)
.
قوله: وعن القاسم بن مخيمرة هو الهمذاني روى عن جماعة من الصحابة وقال يحيى بن معين لم يسمع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو حاتم: هو صدوق كان معلما بالكوفة لم يجتمع على مائدته أدمان قط من طعام مات سنة مائة أو سنة إحدة ومائة، انتهى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله عملًا فيه مثقال حبة من خردل من رياء" أي وزن حبة من خردل. قوله: راوه ابن جرير الطبري، ابن جرير اسمه [محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبرى أبو جعفر. وهو في طبقة الترمذى،
(1)
الروض الأنف (1/ 357).
(2)
مشارق الأنوار (2/ 47).
(3)
أخرجه أبو إسحاق الفزارى في السير (497)، والضراب في ذم الرياء (14). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (22).
والنسائي. سمع عبد الملك بن أبي الشوارب، وأحمد بن منيع البغوى، ومحمد بن حميد الرازى، والوليد بن شجاع، وأبا كريب محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم الدورقى، وأبا سعيد الأشج، وعمرو بن علي، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن يسار، وغيرهم من شيوخ البخارى ومسلم. وحدث عنه أحمد بن كامل، ومحمد بن عبد الله الشافعي، ومخلد بن جعفر، وخلائق.
قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادى في تاريخ بغداد: استوطن الطبرى بغداد، وأقام بها حتى توفى، وكان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله تعالى، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعانى، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين فمن بعدهم في الأحكام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله كتاب التاريخ المشهور، وكتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله، وكتاب تهذيب الآثار، لم أر سواه في معناه، لكنه لم يتمه، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، وتفرد بمسائل حفظت عنه.
قال الخطيب: وسمعت علي بن عبد الله السمسار يحكى أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم أربعين ورقة. وعن الشيخ أبى حامد الإسفرايينى، قال: لو سافر رجل إلى الصين ليحصل تفسير ابن جرير الطبرى لم يكن هذا كثيرا، أو كلاما هذا معناه. وروينا عنه أنه قال لأصحابه: هل تنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة،
فقالوا: هذا مما يفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. وكذلك قال لهم في التاريخ، فأجابوه بمثل جواب التفسير، فقال: إنا لله، ماتت الهمم، فاختصره نحو ما اختصر التفسير. وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما أعلم تحت أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير.
وروينا أن أبا بكر بن مجاهد إمام الناس في القراءات استمع ليلة لقراءة محمد بن جرير، فقال: ما ظننت أن الله تعالى خلق بشرا يحسن يقرأن هذه القراءة. وروى الخطيب، عن القاضي أحمد بن كامل، قال: توفى أبو جعفر محمد بن جرير وقت المغرب ليلة الاثنين ليومين بقيا من شهر شوال سنة عشر وثلاثمائة، ودفن ضحوة يوم الاثنين في داره، ولم يغير شيبه، وكان السواد في شعر رأسه ولحيته كثيرا، وكان مولده في آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وعشرين ومائتين، وكان أسمر إلى الأدمة، أعين، نحيف الجسم، مديد القامة، فصيح اللسان، ولم يؤذن به أحد، واجتمع عليه ما لا يحصيهم عددا إلا الله تعالى، وصلى على قبره عدة شهور ليلا ونهارا، وزاره خلق كثير من أهل الدين والأدب، ورثاه ابن الأعرابى، وابن دريد، وغيرهما، ولقد أجاد ابن دريد وأبلغ في ترثيته
(1)
].
قوله: مرسلا؛ الحديث المرسل: ما حذف من إسناده الصحابي عند المحدثين، وأي راو كان عند الأصوليين، والمسند ما كان متصلا إلى قائله فعند مالك وأصحابه تجب به الحجة ولا يلزم به العمل كما جب بالمسند
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 78 - 79 ترجمة 8).
سواء، ويحتج بالحديث المرسل إذا اعتضد بأحد أربعة أمور أن يسند من جهة أخرى أو يرسل أو يقول به بعض الصحابة أو أكثر العلماء فمتى وجد واحد من هذه الأربعة جاز الاحتجاج به
(1)
.
وقد أجمعت الأئمة الأربعة في حديث العباس الذي رواه أبو داود والترمذي في تعجيل الزكاة أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل الزكاة قبل أن تحل فرخص له في ذلك
(2)
لكن أجاب البيهقي
(3)
أنه مرسل أو محمول على أنه استسلف منه صدقة عامين أو صدقة مالين لكل واحد حول منفرد فهذا الحديث روي مرسلا ومتصلا وقال به من الصحابة ابن عمر وقال به أكثر أهل العلم كما قال الترمذي وغيره والحاكم صحح إسناده والمشهور أنه مرسل صحيح والله أعلم انتهى قاله في الديباجة.
55 -
وَرُوِيَ عَن عدي بن حَاتِم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُؤمر يَوْم الْقِيَامَة بناس من النَّاس إِلَى الْجنَّة حَتَّى إِذا دنوا مِنْهَا واستنشقوا رِيحهَا ونظروا إِلَى قُصُورهَا وَمَا أعد الله لأهلها فِيهَا نُودُوا أَن اصرفوهم عَنْهَا لَا نصيب لَهُم فِيهَا فيرجعون بحسرة مَا رَجَعَ الْأَولونَ بِمِثْلِهَا فَيَقُولُونَ رَبنَا لَو أدخلتنا النَّار قبل أَن
(1)
شرح النووي على مسلم (1/ 30).
(2)
أخرجه أبو داود (1624)، والترمذى (678)، وابن ماجه (1795)، والحاكم (3/)، والبيهقي في الصغير (2/ 66 رقم 1243) والكبرى (4/ 186 - 487 رقم 7365 و 7366 و 10/ 93 رقم 19966). وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وحسنه الألباني في الإرواء (857)، صحيح أبي داود (1436).
(3)
انظر: السنن الكبرى (4/ 187).
ترينا مَا أريتنا من ثوابك وَمَا أَعدَدْت فِيهَا لأوليائك كَانَ أَهْون علينا قَالَ ذَاك أردْت بكم كُنْتُم إِذا خلوتم بارزتموني بالعظائم وَإِذا لَقِيتُم النَّاس لقيتموهم مخبتين تراؤون النَّاس بِخِلَاف مَا تعطوني من قُلُوبكُمْ هبتم النَّاس وَلم تهابوني وأجللتم النَّاس وَلم تجلوني وتركتم للنَّاس وَلم تتركوني الْيَوْم أذيقكم أَلِيم الْعَذَاب مَعَ مَا حرمتم من الثَّوَاب رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْبَيْهَقِيّ
(1)
.
قوله: عن عدي بن حاتم، هو عدي بن حاتم الطائي الموصوف بالكرم الجواد بن الجواد، كنيته أبو طريف ويقال أبو وهيب، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة سبع وله رواية وقيل: إنه لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نزع وسادة له فألقاها تحته وسأله عن أشياء فأجابه بها ثم أسلم وحسن إسلامه ورجع إلا بلاده ولما ارتد العرب ثبت عدي وقومه على الإسلام وجاء بصدقاتهم إلى
(1)
أخرجه ابن حبان في المجروحين (3/ 156)، والطبراني في الأوسط (5/ 335 - 336 رقم 5478) والكبير (17/ 85 - 86 رقم 199 و 200) وعنه ابن مردويه فيما انتقاه على الطبراني (171)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 124 - 125)، والبيهقي في البعث والنشور (599) والشعب (9/ 138 - 139 رقم 6390)، وابن الجوزى في الموضوعات (3/ 161 - 162).
قال أبو حاتم بن حبان: هذا حديث باطل لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو جنادة يروى عن الأعمش ما ليس من حديثه لا يجوز الاحتجاج به. وقال الدارقطني: أبو جنادة حصين بن المخارق يضع الحديث. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا أبو جنادة السلولي. قال أبو نعيم: غريب من حديث الأعمش لم نكتبه إلا من حديث أبي جنادة.
وقال الهيثمى في المجمع 10/ 220: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه أبو جنادة، وهو ضعيف. وقال الألباني: موضوع ضعيف الترغيب (23).
الصديق وكانت أول صدقة قدم بها عليه وكانت ثلثمائة بعير وقد حضر فتح المدائن وشهد مع علي حروبه، قال أبو حاتم السجستاني: عاش عدي مائة وثمانين سنة وقال خليفة: مائة وعشرين، وقال ابن سعد: كان زمن المختار سنة ثمان وستين وهو ابن عشرين ومائة سنة، وطئ أبي القبيلة اسمه جلهمة بن أدد، وإنما سمي طيا لأنه أول من طوى المناهل، وقيل: أول من طوى بئرا، والنسبية فيه على غير القياس لأن قياسه طيي بوزن طغي فقالوا فيه طائي بوزن طاعي، قال العلماء: ولم تبلغنا أن أحدا من الصحابة عمر مثل سلمان الفارسي فإنه عاش مائتين وخمسين سنة وقيل غير ذلك
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يؤمر يوم القيامة بناس من الناس إلى الجنة حتى إذا دنوا منها" والدنو القرب.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين" الحديث، الإخبات: الخشوع والتواضع، يقال أخبت لله وفي الله أي تواضع قاله الجوهري في صحاحه وابن الأثير في النهاية
(2)
، قال الله تعالى:{وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}
(3)
وقال تعالى: {وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ}
(4)
قال ابن عباس وقتادة في التفسير هم المتواضعون وقال مجاهد: المخبت المطمئن إلى الله
(1)
انظر: الطبقات (6/ 22)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 227) و (1/ 327 - 328 الترجمة 398)، والأنساب (6/ 21)، واللباب (2/ 271)، وفتح البارى (8/ 102).
(2)
الصحاح (1/ 247)، والنهاية (2/ 4).
(3)
سورة الحج، الآية:34.
(4)
سورة هود، الآية:23.
تعالى والخبت المكان المطمئن من الأرض وقال الأخفش الخاشعون وقال النخعي المخلصون وقال الكلبي هم الرقيقة قلوبهم وقال عمر بن أوس: هم الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا وهذه الأقوال تدور على معنين: التواضع والسكون على الله تعالى
(1)
. انتهى.
قوله: عن أبي الدرداء أبو الدرداء اسمه عويمر، وقيل عامر بن زيد الأنصاري تأخر إسلامه عن أول الهجرة ولي قضاء دمشق لعثمان رضي الله عنه مات بدمشق سنة إحدى وقيل سنة اثنتين وثلاثين وتقدم الكلام على مناقبه مبسوطا والله اعلم. قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الإبقاء على العمل أشد من العمل" الحديث. الإبقاء المداومة.
قوله: "وإن الرجل ليعمل العمل فيكتب له عمل صالح معمول به في الشر يضعف أجره سبعين ضعفا فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويعلنه فيكتب علانية ويمحي تضعيف أجره كله" الحديث. وروى الترمذي وقال حديث حسن عن أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل يعمل العمل يسره فإذا اطلع عليه سره قال له أجران أجر السر وأجر العلانية قال الترمذي قيل معناه أن يعجبه ثناء الناس عليه بالخير لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنتم شهداء الله في الأرض"
(2)
أما إن أعجبه لكونه يعظم ويكرم فهذا رياء ورواه ابن حبان في صحيحه فقال معناه أنه يستره إن وفقه الله تعالى لذلك العمل
(1)
مدارج السالكين (2/ 5 - 6).
(2)
أخرجه البخاري (1367)، ومسلم (60 - 949) عن أنس.
فعسى أن يستديمه فيه فإن سره لله لتعظيمه الناس له فرياء فلا يكون له أجران ولا أجر، وأما التحدث بالعمل فيجوز لمن تمكن عند الحاجة إليه أو ليقتدى به
(1)
انتهى.
قال الحارث المحاسبي
(2)
: ومن عمل طاعة في السر ثم أخبر بها الناس فله حالان أحدهما: أن يظهر ذلك ليحصل على أغراض المرائين فهذا مسمع ومن سمع سمع الله به للحديث؛ الثانية: أن يقول ذلك ليقتدى به فإن كان ممن لا يقتدى به ولا يلتفت إليه فلا يحدث بشيء من ذلك احترازًا من التسميع وإن كان ممن يقتدى به كافة الناس فإن وثق بأنه من الرياء إذا تحدث بذلك فليتحدث وإن كان ممن يعتقد فيه بعض الناس دون بعض فلا تتحدث به عند من لا يعتقد فيه ويتحدث به عند من يعتقد فيه إذا أمن من الرياء.
قد جاء أثر معروف أن العبد ليعمل العمل سرا لا يطلع عليه أحدا إلا لله فيتحدث به فينقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية ثم يصير في ذلك الديوان على حسب العلانية فإن تحدث به للسمعة وطلب الجهاد والمنزة عند غير الله تعالى يطلبه كما لو فعله لذلك؛ فإن قيل: إذا تاب هذا يعود له ثواب عمله؛ قيل: إن كان قد عمله لغير الله وأوقعه بهذه النية فإنه لا ينقلب صالحا
(1)
أخرجه الترمذى (2384)، وابن ماجه (4226)، وابن حبان (375). وقال الترمذى: هذا حديث غريب وقد روى الأعمش، وغيره عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا وأصحاب الأعمش لم يذكروا فيه عن أبي هريرة. وقال أبو حاتم في العلل (276): الصحيح عندي مرسل. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4344).
(2)
مقاصد الرعاية لحقوق الله (ص 99 - 100).
بالتوبة بل حسب التوبة أن تمحو عنه عقابه فيصيره له وعليه، وأما إن عمله لله خالصا ثم عرض له عجب أو رياء أو تحدث به ثم تاب ذلك وندم فهاذ قد يعود له ثواب عمله ولا يحبط وقد يقال إنه لا يعود إليه بل يستأنف العمل، والمسألة مبنية على أصل وهو أن الردة هل تحبط العمل أو لا تحبطه إلا بالموت عليها، ففيه للعلماء قولان مشهوران وهما روايتان عن الإمام أحمد بن حنبل فإن قلنا تحبط العمل بنفسها فمتى أسلما استأنف العمل وبطل ما كان قد عمل قبل الإسلام قلنا لا تحبط إلا إذ مات مرتدا فمتى عاد إلى الإسلام عاد إليه ثواب عمله، وهكذا العبد إذا فعل حسنة ثم فعل سيئة تحبطها ثم تاب من تلك السيئة هل يعود إليه ثواب تلك الحسنة المتقدمة يخرج على هذا الأصل ولم يزل في نفسي من هذه المسألة ولم أزل حريصا على الصواب فيها وما رأيت أحدا شفي فيها والذي يظهر والله أعلم وبه المستعان ولا قوة إلا بالله إن الحسنات والسيئات تتدافع وتتقابل ويكون الحكم فيها للغالب وهو يقهر المغلوب ويكون الحكم له حتى كأن المغلوب لم يكن فإذا غلبت على العبد الحسنات دفعت حسناته الكثيرة سيئاته ومتى تاب من السيئة ترتب على توبته منها حسنات كثيرة قد تربى وتزيد على هذه الحسنة التي حبطت بالسيئة فإذا عرفت التوبة وصحت وتشأت من صميم القلب أحرقت ما مر عليه من السيئات حتى كأنها لم تكن فإن التائب من الذنب لم يكن له ذنب، يفيد هذا إن السيئات والذنوب هي أمراض قلبيه كما أن الحمى والأوجاع أمراض بدنية والمريض إذا عوفي من مرضه عافية تامة عادت إليه قوته وانفصل منها حتى كأنه لم يضعف قط
فالقوة المتقدمة بمنزلة الحسنات والمرض بمنزلة الذنوبة والصحة والعافية بمنزلة التوبة سواء بسواء، وكما أن من المرضى من لا تعود إليه صحته أبدا لضعف عافيته ومنهم من تعود كما كانت لتقاوم الأسباب وتدافعها وعود البدن إلى كماله الأول؛ ومنهم من يعود أصح مما كان وأقوى والله أعلم قاله ابن قيم الجوزية
(1)
.
فائدة: فينبغي أن يحترز الإنسان من إظهار عمله من جهاد وغيره إلا أن يخلص له نية يثق بها في التحدث به لمن يعلم أنه يقتدى به أو يزيد في قلبه قوة وجرأة وسماحة مثل أن يذكر عن نفسه أنه ثبت لكذا وكذا فارس وأنفق في سبيل الله وخاطر بنفسه في كذا وكذا ونحو ذلك فيقوي قلبه قلب السامع ويجود بماله وبنفسه ويزيد عن قلبه ظلمة الجبن والبخل لأن النفوس مجبولة على التجرئ والتشبه بالأقران ويبني الزمان، وهذا كان قصد السلف رضي الله عنهم في ذكر ما يحكونه من أفعالهم مع أنه إن وجد مقصوده في الاقتداء يحصل بعزو ذلك الفعل إلى من لا يسميه وذلك مثل أن تقول اتفق لبعض الغزاة كذا أو لبعض من أدركناه كذا أو رأيت شخصا وقع له كذا وكذا أو اعرف شخصا جرى له كذا وكذا ونحو هذه العبارات مما لا يفهم المخاطب أنه هو الفاعل ويحصل به المقصود من الاقتداء ونحوه وقد كان أكثر السلف رضي الله عنهم يجتهدون على إخفاء أعمالهم مطلقا وإن ظنوا أنهم يقتدى بهم فيها لعدم ثقة المرء بنفسه في أكبر الأحوال فإن الرياء كما جاء في الحديث
(1)
الوابل الصيب (ص 11 - 13).
أخفى من دبيب النمل انتهى قاله ابن النحاس في كتابه الذي ألفه في الجهاد
(1)
.
قوله: في آخر حديث أبي الدرداء قال الحافظ: أظنه موقوفًا قال علماء الحديث: الحديث الموقوف في اصطلاح المحدثين هو الذي يرويه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يذكر الصحابي
(2)
.
57 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا كَانَ آخر الزَّمَان صَارَت أمتِي ثَلَاث فرق فرقة يعْبدُونَ الله خَالِصا وَفرْقَة يعْبدُونَ الله رِيَاء وَفرْقَة يعْبدُونَ الله ليستأكلوا بِهِ النَّاس فَإِذا جمعهم الله يَوْم الْقِيَامَة قَالَ للَّذي يستأكل النَّاس بعزتي وَجَلَالِي مَا أردْت بعبادتي فَيَقُول وَعزَّتك وجلالك أستأكل بِهِ النَّاس قَالَ لم ينفعك مَا جمعت انْطَلقُوا بِهِ إِلَى النَّار ثمَّ يَقُول للَّذي كَانَ يعبده رِيَاء بعزتي وَجَلَالِي مَا أردْت بعبادتي قَالَ بعزتك وجلالك رِيَاء النَّاس قَالَ لم يصعد إِلَيّ مِنْهُ شَيْء انْطَلقُوا بِهِ إِلَى النَّار ثمَّ يَقُول للَّذي كَانَ يعبده خَالِصا بعزتي وَجَلَالِي مَا أردْت بعبادتي قَالَ بعزتك وجلالك أَنْت أعلم بذلك من أردْت بِهِ أردْت بِهِ ذكرك ووجهك قَالَ صدق عَبدِي انْطَلقُوا بِهِ إِلَى الْجنَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة عبيد بن إِسْحَاق الْعَطَّار وَبَقِيَّة رُوَاته ثِقَات وَالْبَيْهَقِيّ عَن مولى أنس وَلم يسمه قَالَ قَالَ أنس قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكره بِاخْتِصَار
(3)
.
(1)
مشارع الأشواق (ص 642 - 643).
(2)
كذا هو بالأصل وهو غلط بين فالحديث الموقوف: ما أضيف إلى صحابي كذلك، وأما ما ذكره فهو تعريف المرسل. انظر: كشف المناهج (1/ 56 - 57).
(3)
أخرجه ابن أبي الدنيا في الزهد (494) وذم الرياء (413)، والطبراني في الأوسط (5/ 209 - 210 رقم 5105)، والبيهقي في الشعب (9/ 138 رقم 6389)، والأصبهانى =
قوله: عن أنس بن مالك، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان آخر الزمان صارت أمتي ثلاث فرق" فذكره إلى أن قال: "وفرقة يعبدون الله ليستأكلوا به الناس فإذا جمعهم الله يوم القيامة قال للذي يستأكل الناس بعزتي وجلالي ما أردت بعبادتي فيقول وعزتك وجلالك أستأكل به الناس" الحديث، فائدة: وفي تاريخ ابن النجار عن ابن المبارك قال: قدمت على سفيان الثوري مكة فوجدته مريضًا شارب دواء فقلت له إني أريد أن أسألك عن أشياء قال: فقل، قلت: أخبرني عن الناس قال: الفقهاء، قلت: فمن الملوك؟ قال: الزهاد، قلت: فمن الأشراف، قال: الأتقياء، قلت: فمن الغوغاء. قال: الذين يكتبون الأحاديث يريدون أن يستأكلوا أموال الناس، قلت: فمن السفلة؟ قال: الظلمة
(1)
انتهى.
وقال أبو العباس الروياني: الغوغاء من يخالط المفسدين والمجرمين
= في الترغيب والترهيب (98)، وابن فاخر في موجبات الجنة (310)، والكلاباذى في بحر الفوائد (1083). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبد الوارث إلا قطري الخشاب، تفرد بهما: عبيد بن إسحاق العطار.
وقال الهيثمى في المجمع 10/ 222: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبيد بن إسحاق العطار، وهو متروك. وقال في 10/ 350 - 351: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبيد بن إسحاق العطار، وقد ضعفه الجمهور، ورضيه أبو حاتم الرازي، ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله ثقات. وقال الألباني: ضعيف جدا الضعيفة (5153) وضعيف الترغيب (25).
(1)
الأربعين في إرشاد السائرين (ص 119)، والتاسع من المشيخة البغدادية (84)، وذكر الإمام ابن منده (53)، وحياة الحيوان (2/ 263).
ويخاصم الناس بلا حاجة ولذلك قالوا أكثر من الغوغاء
(1)
.
فائدة أخرى: قال سحنون من أصحاب الإمام مالك: لأن اطلب الدنيا بالدف والمزمار أحب إلى من طلبها بالدين والأخبار
(2)
، سحنون: بفتح السين وضمها طائر حديد الذهن بالمغرب يسمونه سحنونا لحدة ذهنه وذكائه وبه سمي سحنون بن سعيد التنوخي القيرواني وهو لقب فرد، واسمه: عبد السلام وهو تلميذ بن القاسم وهو مضيف المدونة وكان قبل ذلك كتبها أسد بن الفرات عن ابن القاسم غير مرتبة ثم بخل بها على سحنون فدعا عليه ابن القاسم أن لا ينفع الله بها ولا به وكذلك كان فالعمل على مدونة سحنون ووفاته رحمه الله في شهر رجب الفرد سنة أربعين ومائتين وولد في شهر رمضان سنة ستين ومائة
(3)
والله أعلم.
قوله: رواه الطبراني من رواية عبيد بن إسحاق العطار [قال الأزدي: متروك الحديث وضعفه ابن معين والدارقطني، وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر، وقال البخاري عنده مناكير ورضيه أبو حاتم الرازي ووثقه ابن حبان وغيره].
58 -
وَعنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بصحف مختمة فتنصب بَين يَدي الله تَعَالَى فَيَقُول تبارك وتعالى ألقوا هَذِه واقبلوا هَذِه فَتَقول الْمَلَائِكَة وَعزَّتك وجلالك مَا رَأينَا إِلَّا خيرا فَيَقُول الله عز وجل إِن هَذَا كَانَ
(1)
حياة الحيوان (2/ 263).
(2)
التاج والإكليل (2/ 115).
(3)
حياة الحيوان (2/ 24).
لغير وَجْهي وَإِنِّي لا أقبل إِلَّا مَا ابْتغِي بِهِ وَجْهي رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادَيْنِ رُوَاة أَحدهمَا رُوَاة الصَّحِيح وَالْبَيْهَقِيّ
(1)
.
قوله: وعنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يؤتي يوم القيامة بصحف مختمة" أي: من أعمال بني آدم يقال: ختمت الشيء ختما فهو مختوم ومختم شدد للمبالغة قاله الجوهري في صحاحه
(2)
في معنى هذا الحديث أسيد عن شمر بن عطية قال: يؤتى بالرجل يوم القيامة للحساب وفي صحيفته أمثال الجبال من الحسنات فيقول رب العزة تبارك وتعالى: "صليت يوم كذا وكذا ليقال صلى فلان أنا الله لا إله إلا
(1)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 278)، والبزار (7388)، والعقيلى في الضعفاء (1/ 218)، والطبراني في الأوسط (3/ 97 رقم 2603) و (6/ 183 رقم 6133)، وأبو الشيخ في التوبيخ والتنبيه (163)، والدارقطنى (132)، والبيهقي في الشعب (9/ 158 - 159 رقم 6417)، والشجرى في الأمالى (2552)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (122).
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أنس إلا من هذا الوجه والحارث بن غسان رجل من أهل البصرة ليس به بأس قد حدث عنه جماعة من أهل العلم. وقال العقيلى: ولا يتابع عليه بهذا الإسناد وقد حدث هذا الشيخ (يعنى الحارث بن غسان) بمناكير.
وقال الطبراني في الأول: لم يرو هذا الحديث عن أبي عمران إلا الحارث بن عبيد. وقال في الثانى: لم يرو هذا الحديث عن أبي عمرأن الجوني إلا الحارث بن غسان. وقال الهيثمى في المجمع 10/ 350: رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح، ورواه البزار. وضعفه جدًّا الألباني في الضعيفة (2672) و (5154) وضعيف الترغيب (26).
(2)
الصحاح (5/ 1908).
أنا لي الدين الخالص سمت يوم كذا وكذا يقال صام فلان أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص، تصدقت يوم كذا وكذا ليقال تصدق فلان أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص فما زال يمحي شيء بعد شيء حتى تبقى صحيفته ما فيها شيء فيقول ملكان ألغير الله كنت تعمل" قال الإمام أبو عبد الله القرطبي: ومثل هذا لا يقال من جهة الرأى فهو مرفوع وقد روي رفع معناه الدارقطني
(1)
والله أعلم.
59 -
وَرُوِيَ عَن معَاذ رضي الله عنه أَن رجلا قَالَ حَدثني حَدِيثا سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فَبكى معَاذ حَتَّى ظَنَنْت أَنه لا يسكت ثمَّ سكت ثمَّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لي يَا معَاذ قلت لَهُ لبيْك بِأبي أَنْت وَأمي قَالَ إِنِّي محدثك حَدِيثا إِن أَنْت حفظته نفعك وَإِن أَنْت ضيعته وَلم تحفظه انْقَطَعت حجتك عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة يَا معَاذ إِن الله خلق سَبْعَة أَمْلَاك قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالأرْض ثمَّ خلق السَّمَوَات فَجعل لكل سَمَاء من السَّبْعَة ملكا بوابا عَلَيْهَا قد جللها عظما فتصعد الْحفظَة بِعَمَل العَبْد من حِين أصبح إِلَى أَن أَمْسَى لَهُ نور
(1)
التذكرة (ص 616 - 617) وزاد: وقد رفع معناه الدارقطني في سننه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجاء يوم القيامة بصحف مختومة فتنصب بين يدي الله عز وجل فيقول الله تعالى: ألقوا هذا واقبلوا هذا، فتقول الملائكة: وعزتك ما رأينا إلا خيرًا فيقول الله عز وجل وهو أعلم -: إن هذا كان لغيري ولا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي" وهو حديث الباب.
قلت: أما قول شمر بن عطية: أخرجه الطبرى في تهذيب الآثار - مسند عمر (2/ 801 رقم 1131).
كنور الشَّمْس حَتَّى إِذا صعدت بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا ذكرته فكثرته فَيَقُول الْملك للحفظة اضربوا بِهَذَا الْعَمَل وَجه صَاحبه أَنا صَاحب الْغَيْبَة أَمرنِي رَبِّي أَن لَا أدع عمل من اغتاب النَّاس يجاوزني إِلَى غَيْرِي قَالَ ثمَّ تَأتي الْحفظَة بِعَمَل صَالح من أَعمال العَبْد فتمر فتزكيه وتكثره حَتَّى تبلغ بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَيَقُول لَهُم الْملك الْمُوكل بالسماء الثَّانِيَة قفوا واضربوا بِهَذَا الْعَمَل وَجه صَاحبه إِنَّه أَرَادَ بِعَمَلِهِ هَذَا عرض الدُّنْيَا أَمرنِي رَبِّي أَن لَا أدع عمله يجاوزني إِلَى غَيْرِي إِنَّه كَانَ يفتخر على النَّاس فِي مجَالِسهمْ قَالَ وتصعد الْحفظَة بِعَمَل العَبْد يبتهج نورا من صَدَقَة وَصِيَام وَصَلَاة قد أعجب الْحفظَة فتجاوزوا بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَيَقُول لَهُم الْملك الْمُوكل بهَا قفوا واضربوا بِهَذَا الْعَمَل وَجه صَاحبه أَنا ملك الْكبر أَمرنِي رَبِّي أَن لَا أدع عمله يجاوزني إِلَى غَيْرِي إِنَّه كَانَ يتكبر على النَّاس فِي مجَالِسهمْ قَالَ وتصعد الْحفظَة بِعَمَل العَبْد يزهر كَمَا يزهر الْكَوْكَب الدُّرِّي لَهُ دوِي من تَسْبِيح وَصَلَاة وَحج وَعمرَة حَتَّى يجاوزوا بِهِ إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَيَقُول لَهُم الْملك الْمُوكل بهَا قفوا واضربوا بِهَذَا الْعَمَل وَجه صَاحبه اضربوا ظَهره وبطنه أَنا صَاحب الْعجب أَمرنِي رَبِّي أَن لَا أدع عمله يجاوزني إِلَى غَيْرِي إِنَّه كَانَ إِذا عمل عملا أَدخل الْعجب فِي عمله قَالَ وتصعد الْحفظَة بِعَمَل العَبْد حَتَّى يجاوزوا بِهِ إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة كَأَنَّهُ الْعَرُوس المزفوفة إِلَى بَعْلهَا فَيَقُول لَهُم الْملك الْمُوكل بهَا قفوا واضربوا بِهَذَا الْعَمَل وَجه صَاحبه واحملوه على عَاتِقه أَنا ملك الْحَسَد إِنَّه كَانَ يحْسد النَّاس مِمَّن يتَعَلَّم وَيعْمل بِمثل عمله وكل من كَانَ
يَأْخُذ فضلًا من الْعِبَادَة يحسدهم وَيَقَع فيهم أَمرنِي رَبِّي أَن لا أدع عمله يجاوزني إِلَى غَيْرِي قَالَ وتصعد الْحفظَة بِعَمَل العَبْد من صَلَاة وَزَكَاة وَحج وَعمرَة وَصِيَام فيجاوزون بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَيَقُول لَهُم الْملك الْمُوكل بهَا قفوا واضربوا بِهَذَا الْعَمَل وَجه صَاحبه إِنَّه كَانَ لا يرحم إنْسَانا قطّ من عباد الله أَصَابَهُ بلَاء أَو ضرّ بل كَانَ يشمت بِهِ أَنا ملك الرَّحْمَة أَمرنِي رَبِّي أَن لَا أدع عمله يجاوزني إِلَى غَيْرِي قَالَ وتصعد الْحفظَة بِعَمَل العَبْد إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة من صَوْم وَصَلَاة وَنَفَقَة واجتهاد وورع لَهُ دوِي كَدَوِيِّ الرَّعْد وضوء كضوء الشَّمْس مَعَه ثَلَاثَة آلاف ملك فيجاوزون بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَيَقُول لَهُم الْمُوكل بهَا قفوا واضربوا بِهَذَا الْعَمَل وَجه صَاحبه واضربوا جوارحه اقفلوا على قلبه إِنِّي أحجب عَن رَبِّي كل عمل لم يرد بِهِ وَجه رَبِّي إِنَّه أَرَادَ بِعَمَلِهِ غير الله إِنَّه أَرَادَ بِهِ رفْعَة عِنْد الْفُقَهَاء وذكرا عِنْد الْعلمَاء وصوتا فِي الْمَدَائِن أَمرنِي رَبِّي أَن لَا أدع عمله يجاوزني إِلَى غَيْرِي وكل عمل لم يكن لله خَالِصا فَهُوَ رِيَاء وَلا يقبل الله عمل الْمرَائِي قَالَ وتصعد الْحفظَة بِعَمَل العَبْد من صَلَاة وَزَكَاة وَصِيَام وَحج وَعمرَة وَخلق حسن وَصمت وَذكر لله تَعَالَى وتشيعه مَلَائِكَة السَّمَوَات حَتَّى يقطعوا بِهِ الْحجب كلهَا إِلَى الله عز وجل فيقفون بَين يَدَيْهِ وَيشْهدُونَ لَهُ بِالْعَمَلِ الصَّالح المخلص لله قَالَ فَيَقُول الله لَهُم أَنْتُم الْحفظَة على عمل عَبدِي وَأَنا الرَّقِيب على نَفسه إِنَّه لم يردني بِهَذَا الْعَمَل وَأَرَادَ بِهِ غَيْرِي فَعَلَيهِ لَعْنَتِي فَتَقول الْمَلَائِكَة كلهَا عَلَيْهِ لعنتك ولعنتنا وَتقول السَّمَوَات كلهَا عَلَيْهِ لعنة الله ولعنتنا وتلعنه السَّمَوَات السَّبع وَمن فِيهِنَّ قَالَ
معَاذ قلت يَا رَسُول الله أَنْت رَسُول الله وَأَنا معَاذ قَالَ اقتد بِي وَإِن كَانَ فِي عَمَلك تَقْصِير يَا معَاذ حَافظ على لسَانك من الوقيعة فِي إخوانك من حَملَة الْقُرْآن واحمل ذنوبك عَلَيْك وَلَا تحملهَا عَلَيْهِم وَلَا تزك نَفسك بذمهم وَلَا ترفع نَفسك عَلَيْهِم وَلَا تدخل عمل الدُّنْيَا فِي عمل الآخِرَة وَلَا تتكبر فِي مجلسك لكَي يحذر النَّاس من سوء خلقك وَلَا تناج رجلا وعندك آخر.
وَلَا تتعظم على النَّاس فَيَنْقَطِع عَنْك خير الدُّنْيَا وَالآخِرَة وَلَا تمزق النَّاس فتمزقك كلاب النَّار يَوْم الْقِيَامَة فِي النَّار قَالَ الله تَعَالَى والناشطات نشطا النازعات 2 أَتَدْرِي مَا هن يَا معَاذ قلت مَا هن بِأبي أَنْت وَأمي قَالَ كلاب فِي النَّار تنشط اللَّحْم والعظم قلت بِأبي أَنْت وَأمي فَمن يُطيق هَذِه الْخِصَال وَمن ينجو مِنْهَا قَالَ يَا معَاذ إِنَّه ليسير على من يسره الله عَلَيْهِ قَالَ فَمَا رَأَيْت أَكثر تِلَاوَة لِلْقُرْآنِ من معَاذ للحذر مِمَّا فِي هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك فِي كتاب الزّهْد عَن رجل لم يسمه عَن معَاذ وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي غير الصَّحِيح وَالْحَاكِم وَغَيرهمَا وَرُوِيَ عَن عَليّ وَغَيره وَبِالْجُمْلَةِ فآثار الْوَضع ظَاهِرَة عَلَيْهِ فِي جَمِيع طرقه وبجميع أَلْفَاظه
(1)
.
(1)
أخرجه ابن المبارك (452) من طريق أبي بكر بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب مرسلا، وابن حبان في المجروحين (2/ 214 - 215) مختصرا، وابن الجوزى في الموضوعات (3/ 154 - 161) عن معاذ بطوله وأتم منه.
قال ابن حبان: وهذه قصة مشهورة لأحمد بن عبد الله الجويباري عن يحيى بن سليمان الإفريقي عن ثور بن يزيد وقد سرقه من الجويباري عبد الله بن وهب الفسوي فحدث به عن محمد بن القاسم الأسدي عن ثور بن يزيد. وقال ابن الجوزى: موضوع على رسول =
قوله: وروى عن معاذ هو معاذ بن جبل تقدم الكلام عليه، وسيأتي الكلام على مناقبه مبسوطًا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ، إن الله خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السموات والأرض ثم خلق السموات والأرض فجعل لكلا من السبعة ملكًا بوابًا عليها قد جللها عظمًا". ففيه دليل على أن للسماء أبوابا حقيقة وحفظة موكلين بها وإثبات الاستئذان والله أعلم قاله الكرماني
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فتقعد الحفظ بعمل العبد من حين أن يصبح إلى أن أمسى له نور كنور الشمس" الحديث، الحفظة: هما ملكان حافظان لأعمال العبد أحدهما عن يمينه يكتب حسناته والآخر عن يساره يكتب سيئاته وجعل الله كاتب الحسنات أمينا على كاتب السيئات فإذا كان الليل قال كاتب الحسنات لكاتب السيئات اطرح حسنة واطرح أنت عشر سيئات حتى يصعد
= الله صلى الله عليه وسلم، ولقد أبدع الذي وضعه واجترأ على الشريعة، وهو مشهور بأحمد بن عبد الله الجويباري رواه عن يحيى بن سلام الإفريقي عن ثور بن يزيد، وقد سرقه من الجويباري عبد الله بن وهب النسوي، فحدث به عن محمد بن القاسم الأسدي عن ثور، فأما الجويباري فأكذب الناس، قد وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى، وعبد الله بن وهب وضاع أيضا، قال ابن حبان: هو دجال يضع الحديث على الثقات، وأما القاسم المكفوف فقد نسبه ابن حبان إلى وضع الحديث أيضا، قال: ولا يحل ذكر سلم الخواص في الكتب إلا على سبيل الاعتبار. وقال الألباني: موضوع ضعيف الترغيب (27).
(1)
قاله النووي كما في شرح النووي على مسلم (2/ 212) وعنه الكرمانى في الكواكب الدرارى (4/ 9).
عمله وليس فيه سيئة فإذا مات العبد قال الملكان الموكلان به: ربنا قد مات عبدك فلان افتأذن لنا أن نصعد إلى السماء فيقول الله عز وجل سماواتي مملوءة من خلقي فيقولون ربنا فنقيم في الأرض فيقول الله عز وجل أرضي مملوءة من خلقي فيقولون ربنا فأين نقيم: فيقول الله عز وجل أقيما عند قبر عبدي فسبحاني واحمداني وهللاني وكبراني واكتبا ذلك لعبدي إلى يوم يبعثون انتهى قاله في مختصر عجائب المخلوقات
(1)
.
قوله: حتى إذا صعدت به إلى السماء الدنيا والسمو العلوي يقال: سمى يسمو سموا فهو سام ومنه حديث ابن زميل: رجل طوال إذا تكلم يسمو أي يرأسه ويديه يقال فلان يسمو إلى المعالي إذا تطاول إليها ومنه حديث أم معبد وإن صمت سما وعلاه البهاء أي ارتفع وعلا على جلسائه انتهى قاله في النهاية
(2)
.
قوله: الدنيا، والدنيا اسم لهذه الحياة لبعد الآخرة عنها والسماء الدنيا لقربها من ساكني الأرض ويقال سماء الدنيا على الإضافة روي عن كعب الأحبار أنه قال: خلق اللّه سماء الدنيا من موج مكفوف والثانية صخرة والثالثة حديد والرابعة نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوت
(3)
وتقدم ذكر ذلك في الخطبة.
(1)
عجائب المخلوقات (ص 60) للقزوينى.
(2)
النهاية (2/ 405).
(3)
أخرجه إسحاق كما في إتحاف الخيرة (6/ 146 رقم 5583) والمطالب العالية (3431)، والطبرى في التفسير (23/ 79)، والطبراني في الأوسط (6/ 15 - 16 رقم 5661) وأبو =
فائدة في عمر الدنيا: قال ابن سلام في تاريخه: اختلف الناس في مدة ما مضى من الزمان من لدن هبوط آدم إلى هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اختلافا متباينا ونحن نذكر بعض ما قيل في ذلك، روى ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما بين آدم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف سنة وسبع مائة سنة وخمسين سنة، فمن آدم على نوح ألفان ومائتان سنة ومن نوح إلى إبراهيم ألف ومائة سنة وثلاث وأربعون سنة ومن إبراهيم إلى موسى خمس مائة سنة وخمس وسبعون سنة، ومن موسى على داود مائة سنة وتسع وسبعون سنة، ومن داود إلى عيسى ألف سنة وثلاث وخمسون سنة، ومن عيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة، وروى الواقدي أنه قال: من هبوط آدم إلى مولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف سنة وستمائة سنة، وروى عن وهب بن منبه أنه قال: مضى من الدنيا خمسة آلاف سنة وستمائة سنة، هذا ما رواه محمد بن سلام القضاعي من الأخبار المسندة في تاريخه والله أعلم، قاله في تاريخ كنز الدرر
(1)
وهو تاريخ مبسوط في سبعة أجزاء.
قوله: فيقول الملك للحفظة اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا صاحب الغيبة أمرني ربي أن لا أدع عمل من اغتاب الناس يجاوزني إلى غيري، فالغيبة
= الشيخ في العظمة (562) عن الربيع بن أنس.
وأخرجه الثعلبى من طريقين في التفسير (9/ 357) عن الربيع بن أنس ويزيد عن كعب الأحبار. ونسبه البغوى في التفسير (5/ 125)، وابن الملقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 96)، والدميرى في النجم الوهاج (2/ 108) لكعب الأحبار.
(1)
كنز الدرر (2/ 12 - 13).
ذكرك أخاك بما يكره وسيأتي الكلام على الغيبة مبسوطا في بابه إن شاء الله تعالى.
قوله: "قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه" أنه أراد بعمله هذا عرض الدنيا، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري، العرض هو ما يقتنى من المال وغيره.
قوله: "وتصعد الحفظة بعمل العبد يبتهج نورا من صدقة وصيام" فذكره إلى أن قال: "أنا ملك الكبر أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري، إنه كان يتكبر على الناس في مجالسهم" وسيأتي الكلام أيضًا على الكبر في بابه مبسوطًا.
قوله: "وتصعد الحفظة بعمل العبد" يزهر كما يزهر الكوكب الدري، يزهر: بضم الياء وسكون الزاي وكسر الهاء أي يضيء، والكوكب الدري فيه ثلاث لغات قرئ بها في السبع الأكثرون بضم الدال وتشديد الياء بلا همز دري والثانية: بضم الدال مهموز ممدود دُرئ، والثالثة: بكسر الدال مهموز ممدود دِرئ وهو الكوكب العظيم قيل سمي دريا لبياضه كالدر، وقيل إضاءته
(1)
، وسيأتي الكلام على ذلك في درجات الجنة وغرفها أبسط من هذا والله أعلم.
قوله: وتصعد الحفظة بعمل العبد إلى السماء السابعة من صوم وصلاة
(1)
انظر: الزاهر (1/ 194)، وإكمال المعلم (8/ 362)، والنهاية (2/ 113)، وشرح النووي على مسلم (17/ 168).
ونفقة واجتهاد وورع له دوي كدوي الرعد، اختلف العلماء في الرعد والبرق فقال ابن عباس: الرعد ملك يسمعون صوته والبرق سوط من نور يزجر به الملك السحاب، وقيل: الرعد ملك والبرق أجنحته، وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال:"بعث الله السحاب فنطقت أحسن النطق وضحكت أحسن الضحك فالرعد نطقها والبرق ضحكها"
(1)
وقيل: الرعد صوت ملك يسوق السحاب
(2)
.
قوله: "قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه اضربوا جوارحه اقفلوا على قلبه" بقطع الهمزة يقال: أقفل الباب وقفل الأبواب مثل أغلق وغلق قاله الجوهري
(3)
.
قوله: "ولا تناج رجلا وعندك آخر" التناجي التسار وانتجى القوم وتناجوا إذا سار بعضهم بعضًا وتقد ذلك، وقال بعض العلماء: وإنما نهى عن ذلك لأنه سبب الحزن قال الخطابي
(4)
: إنما يحزنه ذلك لأحد معنيين أحدهما: ربما يتوهم أن جوابهما لتثبيت رأي فيه غائل له، والثاني: أن ذلك من أجل الاختصاص بالكرامة فهو يحزن صاحبه، ففي الطبراني من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتناجى اثنان دون الثالث فإذن ذلك يؤذي المؤمن والله
(1)
ذكره الرويانى في بحر المذهب (2/ 512). وابن الرفعة في كفاية النبيه (4/ 543)، والدميرى في النجم الوهاج (2/ 583).
(2)
انظر: تفسير ابن عطبية (1/ 102) وتفسير القرطبى (1/ 217)، وتفسير الثعالبى (1/ 193 - 194).
(3)
الصحاح (5/ 1803).
(4)
معالم السنن (4/ 117).
يكره أذى المؤمن"
(1)
وفي رواية ابن مسعود في الصحيحين: "فإن ذلك يحزنه"، ورواه مسلم ولفظه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد"
(2)
، فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن وكذلك يحرم عليهم التحدث بلسان لا يعرفه مع قدرتهم على لسانه، ففي هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث وكذلك ثلاثة وأكثر بحضرة واحد وهي نهي تحريم
(3)
قال النووي قدس الله
(1)
أخرجه أبو يعلى (2444)، والطبراني في الأوسط (2/ 281 رقم 1986) و (5/ 174 رقم 4988). وأخرجه ابن المبارك في الزهد (ح 692)، عن عبد الوهاب بن الورد، عن الحسن بن كثير، عن عكرمة بن خالد مرفوعا مرسلا.
وذكره البخاري في التاريخ الكبير (2/ 304) وقال: قاله لي محمد قال: حدثنا ابن المبارك به مرفوعا ثم قال: قال أبو عبد الله: قال ابن المبارك بالري: عن ابن عباس، وكان في كتابه مرسلا والآخرون لا يسندونه غير ابن المبارك.
وقال الطبراني: لم يرو عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به: ابن المبارك. وقال الهيثمى في المجمع 8/ 64: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير الحسن بن كثير، ووثقه ابن حبان، وعبد الوهاب بن الورد اسمه وهيب بن الورد، كما ذكر شيخ الحفاظ المزي. وقال البوصيرى في إتحاف الخيرة (6/ 156): هذا إسناد رجاله ثقات، عكرمة هو ابن خالد، والحسن هو ابن كثير وثقه ابن حبان، وعبد الوهاب بن الورد اسمه وهيب بن الورد.
(2)
أخرجه البخاري (6290) وفي الأدب المفرد (1169)، ومسلم (37 و 38 - 2184)، وأبو داود (4851)، والترمذى (2825)، وابن ماجه (3775) عن ابن مسعود.
(3)
شرح النووي على مسلم (14/ 167).
روحه
(1)
: ومذهب ابن عمر ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء أن النهي عام في كل الأزمان وفي الحضر والسر وقال بعض العلماء وبعض أهل اللغة: إنما النهي في السفر دون الحضر لأن السفر مظنة الخوف وادعى بعضهم أن هذه الأحاديث منسوخة وأن هذا كان في أول الإسلام فلما فشى الإسلام وأمن الناس سقط النهي وكان المنافقون يفعلون ذلك بحضرة المؤمنين ليحزنوهم، أما إذا كانوا أربعة فتناجى اثنان دون اثنين فلا بأس بالإجماع.
قوله: "ولا يمزق الناس فتمزقك كلاب النار يوم القيامة في النار"، قال الله تعالى:{وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)}
(2)
فذكره إلى أن قال: "كلاب في النار تنشط اللحم والعظم"، قال الأصمعي: النشط للحيات هو اللسع بسرعة وإخلاس
(3)
يقال نشطته الحية وانتشطته نشطًا أي عضته بنابها وكذلك كل شيء اختلسته فقد انتشطته، قاله الجوهري في صحاحه
(4)
.
(1)
المصدر السابق (14/ 167 - 168).
(2)
سورة النازعات، الآية:2.
(3)
غريب الحديث (4/ 392)، والمجموع المغيث (3/ 301).
(4)
الصحاح (3/ 900) و (3/ 1164).