الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في الرحلة في طلب العلم
الرحلة: الارتحال، وأما الرُّحلة بالضم فهو: المرحول إليه، قاله الكرماني
(1)
، ومما أنشده الفقيه أبو عبد الله محمد بن منصور الحضرمي
(2)
:
رَحَلْتُ أَطْلُبُ أَصْلَ الْعِلْمِ مُجْتَهِدًا
…
وَزِينَةُ الْمَرْءِ فِي الدُّنْيَا الْأَحَادِيثُ
لَا يَطْلُبُ الْعِلْمَ إِلَّا بَازِلٌ ذَكَرٌ
…
وَلَيْسَ يُبْغِضُهُ إِلَّا الْمَخَانِيثُ
لا تَعْجَبَنَّ بِمَالٍ سَوْفَ تَتْرُكهُ
…
فَإنَّمَا هَذه الدُّنْيَا مَوَارِيثُ
ومما أنشده الإمام الشافعي رحمه الله
(3)
:
كُلُّ الْعُلُومِ سِوَى الْقُرْآنِ مَشْغَلَةٌ
…
إِلَّا الْحَدِيثَ وَإِلَّا الْفِقْهَ فِي الدِّينِ
الْعِلْمُ مَا كَانَ فِيهِ قَالَ، حَدَّثَنَا
…
وَمَا سِوَى ذَاكَ وَسْوَاسُ الشَّيَاطِينِ
وقيل:
أهل المدارس والحواني غالبا
…
يتحاسبون على حطام فان
مالوا إلى الدنيا فمالت عنهم
…
وخلوا من المعروف والعوفان
142 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وَمن سلك طَرِيقا يلْتَمس فِيهِ علما سهل الله لَهُ بِهِ طَرِيقا إِلَى الْجنَّة. رَوَاهُ مُسلم وَغَيره وَتقدم بِتَمَامِهِ فِي الْبَاب قبله
(4)
.
(1)
الكواكب الدراري (2/ 72).
(2)
الرحلة في طلب الحديث (ص 96 رقم 28)
(3)
طبقات الشافعية (1/ 297) للسبكى، وطبقات الشافعيين (ص 47) لابن كثير.
(4)
أخرجه مسلم (38 - 2699)، ومر بتمامه برقم (105).
قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة" الحديث، وتقدم بتمامه في الباب قبله، وقد يراد بذلك أن الله تعالى ييسر لطالب العلم إذا قصد بطلبه وجه الله تعالى الانتفاع به والعمل بمقتضاه فيكون سببًا لهدايته ولدخوله الجنة، وقد ييسر الله تعالى لطالب العلم علوما أخرى ينتفع بها وتكون موصلة له إلى الجنة كما قيل:"من عمل بما علم أورثه الله تعالى علم ما لم يعلم"
(1)
وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا.
143 -
وَعَن زر بن حُبَيْش قَالَ أتيت صَفْوَان بن عَسَّال الْمرَادِي رضي الله عنه قَالَ مَا جَاءَ بك قلت أنبط الْعلم قَالَ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من خَارج من بَيته فِي طلب الْعلم إِلَّا وضعت لَهُ الْمَلائِكَة أَجْنِحَتهَا رضَا بِمَا يصنع رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن مَاجَه وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد.
(2)
قَوْله: أنبط الْعلم أَي أطلبه وأستخرجه.
قوله: عن زر بن حبيش رضي الله عنه هو: زر بن حبيش بن حباشة بن أوس بن بلال، روى عن أبي بن كعب وحذيفة بن اليمان وصفوان بن عسال وغيرهم،
(1)
ذكره ابن المقرئ في المعجم (315) وأبو نعيم في الحلية (6/ 163) عن عبد الواحد بن زيد.
(2)
أخرجه الترمذى (3535 و 3536)، وابن ماجه (226)، والنسائي في المجتبى 1/ 343 (163)، وابن خزيمة (193)، وعنه ابن حبان (85) و (1325)، والحاكم 1/ 100. قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (85).
ذكره محمد بن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة، وقال: كان ثقة كثير الحديث، قال عاصم: وكان زر بن حبيش علويًا، وكان أبو وائل معظما لزر بن حبيش، وكان زر أكبر من أبي وائل، وكان أبو وائل عثمانيا وكان مصلاهما في مسجد واحد، فما رأيت واحدًا منهما قط يكلم صاحبه في شيء مما هو عليه حتى ماتا [بلغ زر من العمر مائة سنة واثنتين وعشرين سنة، وتوفي سنة إحدى وثمانين، وقيل سنة اثنتين وثمانين، وقيل: سنة ثلاث وثمانين، وقال أبو نعيم: مات وهو ابن سبع وعشرين ومائة، روى له الجماعة
(1)
، قاله في الديباجة.
قوله: أتيت صفوان بن عسال المرادي، صفوان بن عسال غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، وسكن الكوفة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن مناقبه أن عبد الله بن مسعود روى عنه
(2)
.
قوله: ما جاء بك؟ قال: أنبط العلم، الحديث؛ قال الحافظ: أنبط العلم، أي: أطلبه وأستخرجه، انتهى، وقد ضبطه الجوهري فقال: أُنْبِط بضم الهمزة وسكون النون وكسر الباء وبالطاء المهملة في آخره مأخوذ من أنبط الحفار إذا بلغ الماء، ومنه: استنباط العلم، وهو: استخراجه شيئا فشيئا، وأما فعله اللازم فيقال: نبط الماء ينبط بفتح أوله وضم ثالثه وكسره نبوطا، أي: نبع
(3)
،
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 196 - 197 ترجمة 177).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 249 ترجمة 264)، والديباجة (ص 177/ رسالة علمية).
(3)
الصحاح (3/ 1162 - 1163).
وقال ابن الأثير في النهاية
(1)
: وأصله من نبط الماء ينبط إذا نبع وانبط الحفار بلغ الماء في البئر، والاستنباط الاستخراج، ومنه الحديث:"ورجل ارتبط فرسا ليستنبطها" أي يطلب نسلها ونتاجها، وفي رواية:"يستبطنها" أي يطلب ما في بطنها، ومعنى قوله:"ينبط علمًا" أي: يظهره ويفشيه. انتهى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من خارج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع" الحديث، أي: فرشت لتكون تحت أقدامه إذا مشى، قاله في النهاية
(2)
، وقال في موضع آخر: أي: تضعها لتكون وطاءً له إذا مشى
(3)
، وقيل: أراد بوضع الأجنحة نزولهم عند مجالس العلم وترك الطيران، وقيل: أراد به إظلالهم بها، ومنه الحديث الآخر:"تظلهم الطير بأجنحتها" وجناح الطير يده، انتهى.
وقال أبو نصر عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "وضعت له الملائكة أجنحتها" قال: يحتمل أن المراد بذلك إسراع الملائكة في صحبته، لأن ذا الجناح يسرع في طيرانه، وهكذا كما قالت امرأة أعرابية:
فلو أن ذا ود يطير لوده
…
لطرت إليه حيث كان من الأرض
ولكن جناحي قص عن إثر وده
…
فما لي من بسط إليه ولا قبض
أرادت بذلك الإسراع في مرضات لغاية، وشبهت بذلك فعل الطائر من
(1)
النهاية (5/ 8).
(2)
النهاية (5/ 197).
(3)
النهاية (1/ 305).
بسط جناحه، وقد قيل: هو كناية عن التواضع، يعني: الملائكة يتواضعون له كما قال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}
(1)
، أراد بذكر الجناح: التواضع، وكذلك هاهنا ذكره أبو الليث السمرقندي في كتابه النوازل
(2)
.
وقيل: يكنو بها عن الطيران إليه لتسمع العلم على ما جاء في حديث أبي هريرة في قوله صلى الله عليه وسلم: "وحفتهم الملائكة" أي: أطافوا حولهم، وقيل: تكف عن الطيران توقيرًا لطالب العلم وتعظيما له، وقيل: تبسط أجنحتها له (تبسطها بالدعاء) كما قيل في الحديث: "وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض" والاستغفار من الملائكة بمعنى الدعاء، وقال: في أجنحتهم الخبر على ظاهره أنهم يبسطون أجنحتهم حتى يمرون عليها إلا أن جناحهم لا يحول بين قدميه وبين الأرض لأنهم خلقوا من الثور فليس لهم جسم كثيف وإنما لهم جسم لطيف
(3)
.
تتمة: قال الشيخ محي الدين النووي في كتابه بستان العارفين
(4)
: أخبرنا الحافظ عبد القادر الرهاوي فذكر السند إلى أن قال: سمعت أبا يحيى السَّاجي رحمه الله قال: كنا نمشي في أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين فأسرعنا المشي وكان معنا رجل ماجن، فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة
(1)
سورة الإسراء، الآية:24.
(2)
انظر معالم السنن (1/ 61) و (4/ 183).
(3)
انظر المجموع المغيث (1/ 262 - 263).
(4)
بستان العارفين (ص 49 - 51).
الملائكة لا تكسروها كالمستهزئ في قوله: فما زال في موضعه حتى جفت رجلاه وسقط، قال الحافظ عبد القادر الرهاوي: إسناد هذا الحديث أو قال هذه الحكاية كالأخذ باليدين أو كرأى العين لأن رواتها أعلام أئمة، وذكر النووي أيضًا في الكتاب المذكور فذكر السند إلى أن قال: سمعت أبا داود السجستاني يقول: كان في أصحاب الحديث رجل خليع إلى أن سمع بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع" فجعل في نعليه مسامير حديد وقال: أريد أن أطأ أجنحة الملائكة فأصابته الأكلة في رجليه
(1)
، وذكر الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي في كتابه شرح صحيح مسلم هذه الحكاية فقال فيها: وشلت يداه ورجلاه وسائر أعضائه، ورأيت في بعض الروايات أنه تفسخت بنيته؟ قوله: وشلت رجلاه ويداه، أي: يبست ووقفت حركتها، وهو: بفتح الشين على اللغة الفصيحة، وفيها لغة أخرى بضمها، والله أعلم، وقال النووي: وفي هذا المعنى ما وجد في زماننا هذا وتواترت الأخبار به وثبت عند القضاة أن رجلا ببلاد بصرى في أوائل سنة خمس وستين وستمائة كان سيئ الاعتقاد في أهل الخير، وله ابن يعتقد فيهم، فجاء ابنه من عند شيخ صاله ومعه مسواك، فقال لابنه: ما الذي أعطاك شيخك؟ قال: هذا المسواك، قال: فأخذ المسواك وأدخله في دبره احتقارًا له، فبقي مدة، ثم ولد ذلك الرجل الذي استدخل المسواك جروا قريب الشبه بالسمكة فقتله ثم مات
(1)
إسناده صحيح. وانظر مشيخة الرازي (ص 210)، وملء العيبة (2/ 335).
الرجل في الحال أو بعد يومين؛ قال النووي: وذكر الإمام أبو عبد الله التيمي المذكور وقال: قرأت في بعض الحكايات أن بعض المبتدعة حين سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده" الحديث، فقال ذلك المبتدع على سبيل التهكم: أنا أدري أين باتت يدي في الفراش، فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه، عافانا الله الكريم من بلائه، ووفقنا لتنزيه السنن وتعظيم شفائه، قال التيمي: فليتق المرء الاستخفاف بالسنن ومواضع التوقيف، فانظر كيف وصل إليهما شؤم فعلهما.
تتمة: ومعنى الحديث ما قاله الإمام الشافعي وغيره من العلماء: أن النائم تطوف يده في نومه على درنه فلا يأمن أنها مرت على نجاسة من دم بثرة أو قملة أو برغوث أو مرت على محل الاستنجاء وما أشبه ذلك
(1)
. انتهى.
وقال النووي
(2)
: قال الشافعي أيضًا معنى: "لا يدري أين باتت يده": أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالحجارة وبلادهم حارة، فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن تمر يده على ذلك الموضع النجس أو على بترة أو على قملة أو قذر غير ذلك، والله أعلم؛ وفي هذا الحديث دلائل كثيرة لمذهبنا ومذهب الجمهور، ومنها: أن الماء القليل إذا وردت عليه نجاسة نجسته وإن قلت ولم تغيره فإنها تنجسه لأن الذي تعلق باليد ولا يرى قليل جدًا، وكانت
(1)
بستان العارفين (ص 51).
(2)
شرح النووي على مسلم (2/ 179 - 181).
عادتهم استعمال الأواني الصغيرة التي تنقص عن قلتين بل لا تقاربهما، ومنها: الفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه، وأنها إذا وردت عليه نجسته، وإذا ورد عليها أزالها، ومنها:[أن الغسل سبعا] ليس عاما في جميع النجاسات، وإنما ورد به الشرع في ولوغ الكلب خاصة، ومنها: أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالأحجار بل يبقى نجسًا معفوًا عنه في حق الصلاة، ومنها: استحباب غسل النجاسة بالماء لأنه إذا أمر به في المتوهمة ففي الحقيقة أولى، ومنها: أن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل ولا يؤثر فيها الرش، ومنها: استحباب الأخذ بالاحتياط إلى حد الوسوسة والنهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها نهي تنزيه لا تحريم، فلو خالف وغمس لم يفسد الماء (ولم يأثم الغامس)، وعن الحسن البصري وإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير أنه ينجس إن كان قام من نوم الليل، وهو ضعيف، فإن الفضل في الماء من اليد الظاهر فلا ينجس بالشك، والحديث محمول على [التنزيه ثم مذهبنا]، ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد، فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل.
أو النهار أو شك في نجاستها من غير نوم؛ وعن الإمام أحمد رواية: إن كان قام من نوم الليل كره له كراهة تحريم أو نوم النهار فكراهة تنزيه، ووافقه داود الظاهري اعتمادًا على لفظ المبيت في الحديث، وهذا مذهب ضعيف جدًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلة بقوله:"فإنه لا يدري أين باتت يده"، وهذا
عام لوجود احتمال النجاسة من نوم الليل والنهار، وفي اليقظة وذكر الليل أولا لكونه الغالب، هذا كله إذا شك في نجاسة اليد، أما إذا تيقن طهارتها وأراد غسلها قبل غمسها، فقد قال جماعة من أصحابنا حكمه حكم الشك لأن أسباب النجاسة قد تخفى في حق معظم الناس فسد الباب لئلا يتساهل فيه من لا يعرف، والأصح الذي ذهب إليه الجمهور أنه لا كراهة، والله أعلم.
144 -
وَعَن قبيصَة بن الْمخَارِق رضي الله عنه قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا قبيصَة مَا جَاءَ بك قلت كَبرت سني ورق عظمي فأتيتك لتعلمني مَا يَنْفَعنِي الله تَعَالَى بِهِ فَقَالَ يَا قبيصَة مَا مَرَرْت بِحجر وَلا شجر وَلا مدر إِلَّا اسْتغْفر لَك يَا قبيصَة إِذا صليت الصُّبْح فَقل ثَلَاثًا سُبْحَانَ الله الْعَظِيم وَبِحَمْد تعاف من الْعَمى والجذام والفلج يَا قبيصَة قل اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مِمَّا عنْدك وأفض عَليّ من فضلك وانشر عَليّ من بركاتك رَوَاهُ أَحْمد وَفِي إِسْنَاده راو لم يسم
(1)
.
(1)
أخرجه أحمد 5/ 60 (20602) ومن طريقه ابن بشران في الأمالى (1133)، والطبراني في الدعاء (733) والكبير (18/ 368 رقم 940)، وابن السنى في اليوم والليلة (133 و 134). وقال الهثيمى في المجمع 1/ 132: رواه أحمد، وفيه رجل لم يسم. وقال في 10/ 111: رواه الطبراني، وفيه نافع: أبو هرمز، وهو ضعيف. وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 337): هذا حديث غريب، أخرجه أحمد هكذا لم ينسب الحسن ولم يسم أبا كريمة، وقد ذكر الحسيني في رجال المسند أبا كريمة فيمن لم يسم من الكنى، فلم يزد في التعريف به على ما في هذا السند إلا أنه نسب الحسن، فقال: روى عنه الحسن البصري، ووهم في ذلك، فإن يزيد بن هارون لم يدرك الحسن البصري، لأن مولده بعد وفاة الحسن بسبع سنين، وقد ذكر الحاكم أبو أحمد في الكنى في باب أبي كريمة ثلاثة أحدهم أبو كريمة فرات روى عنه الحسن بن عمرة الرقي.
قوله: عن قبيصة بن المخارق، هو: قبيصة بن المخارق بن (عبد الله بن شداد بن ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة العامري الهلالي عداده في أهل البصرة، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا بشر، قال أبو العباس محمد بن يزيد: لقبيصة صحبة، روى عنه: أبو عثمان النهدي، وأبو قلابة، وابنه قطن بن قبيصة)
(1)
.
قوله: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا قبيصة، ما جاء بك؟ " قلت: قد كبرت سني ورق عظمي، أي: ضعف.
قوله: فأتيتك لتعلمني ما ينفعني الله به، فقال:"يا قبيصة، إذا صليت الصبح فقل ثلاثًا: سبحان الله العظيم وبحمده، تعافى من العمى والجذام والفلج" إلى آخره، وروى الإمام أحمد والنسائي في عمل اليوم والليلة عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني كلمات ينفعني الله بهن، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما لدينك، فإذا صليت الغداة فقل ثلاث مرات سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإنك إذا قلتهن أمنت من العمى والجذام والبرص والفالج؛ وأما لآخرتك فقل: اللهم اهدني من عندك وأفض علي من فضلك
= قلت: والحسن المذكور يكنى أبا المليح، وهو ثقة يروي عن فرات بن سلمان الرقي، فيشبه أن يكون هو المراد. وأبو المليح من طبقات شيوخ يزيد بن هارون، وفرات موثق عند أحمد وغيره، فلولا الرجل المبهم لكان السند حسنًا، والله أعلم. وضعفه الألباني في الضعيفة (2928)، وضعيف الترغيب (71).
(1)
الاستيعاب (3/ الترجمة 2101)، وأسد الغابة (4/ الترجمة 4265).
وانشر علي من رحمتك وأنزل علي من بركاتك" ثم قال صلى الله عليه وسلم: "أما إنه من وافى بهن يوم القيامة ولم يتركهن فتح الله لقارئها أبواب الجنة" انتهى، قوله: "والفالج" داء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهو داء معروف يرخي نصف البدن في الغالب، واشتقاقه من الفلج وهو النصف من كل شيء، قاله صاحب كتاب المغيث في غريب القرآن والحديث
(1)
.
[قوله: الجذام: بالذال المعجمة، علة يحمر منها العضو ثم يسود ثم ينقطع ويتناثر، ويتصور ذلك في كل عضو لكن في الوجه أغلب
(2)
، وأما البرص فهو بياض يكون في الجلد يذهب دمويته وعلامته: أن يعصر المكان فلا يحمر؛ لأنه ميت، ولا يلتحق به البهق؛ لأنه بياض على غير هذا الوجه
(3)
.
145 -
وَعَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من غَدا إِلَى الْمَسْجِد لا يُرِيد إِلَّا أَن يتَعَلَّم خيرا أَو يُعلمهُ كَانَ لَهُ كَأَجر حَاج تَاما حجَّته رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبير بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ
(4)
.
قوله: عن أبي أمامة، تقدم.
(1)
المجموع المغيث (2/ 634).
(2)
الحاوي الكبير (9/ 342).
(3)
النجم الوهاج (7/ 231).
(4)
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 94 رقم 7473)، والشاميين (423) وعنه أبو نعيم في الحلية (6/ 97)، والحاكم 1/ 97، والبيهقي في الآداب (860) والمدخل (370).
وصححه الحاكم. وقال الهيثمى في المجمع 1/ 122 - 123: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون كلهم. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (86).
قوله: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه" الحديث، الغدو: وهو الذهاب أول النهار.
146 -
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من جَاءَ مَسْجِدي هَذَا لم يَأْته إِلَّا لخير يتعلمة أَو يُعلمهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله وَمن جَاءَ بِغَيْر ذَلِك فَهُوَ بِمَنْزِلَة الرجل ينظر إِلَى مَتَاع غَيره رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ وَلَيْسَ فِي إِسْنَاده من ترك وَلا أجمع على ضعفه
(1)
.
قوله: عن أبي هريرة، اختلف في اسمه اختلافا كثيرًا جدًا، وتقدم ذلك، واختلف العلماء في الأصح منها، والأصح عند المحققين، والأكثر ما صححه البخاري وغيره من المتقنين أنه عبد الرحمن بن صخر، وروى البيهقي وغيره عن الشافعي أنه قال: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره، قال النووي: روينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله: ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، فقال النبي
(1)
أخرجه ابن ماجه (227)، وابن حبان (87)، وأبو يعلى (6472)، والحاكم 1/ 91، والبيهقي في الآداب (861) والشعب (3/ 222 - 223 رقم 1575). وقال الدارقطنى في العلل (2066): اختلف فيه على سعيد المقبري، فرواه أبو صخرة حميد بن زياد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وخالفه عبيد الله بن عمر فرواه عن سعيد المقبري، عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن كعب الأحبار قوله. ورواه ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن كعب الأحبار قوله، وقول عبيد الله بن عمر أشبه بالصواب. وصححه الحاكم والبوصيرى كما في الزجاجة (1/ 31). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (87).
- صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين، فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني"
(1)
انتهى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهدين" الحديث، والمراد هنا: العلم، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما أعمال البر في الجهاد إلا كبصقة في بحر، وما أعمال البر والجهاد في طلب العلم إلا كبصقة في بحر"
(2)
فتبين من هذا الحديث أن أعظم أعمال الآخرة إنما هو طلب العلم، قال الله العظيم:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}
(3)
فجعل العلماء في ثاني درجة من ملائكته وفي ثالث درجة منه سبحانه وتعالى، أعني في الشهادة.
147 -
وَرُوِيَ عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا انتعل عبد قطّ وَلا تخفف وَلَا لبس ثوبا فِي طلب علم إِلَّا غفر الله لَهُ ذنُوبه حَيْثُ يخطو عتبَة دَاره رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأوْسَط
(4)
. قَوْله: تخفف أَي لبس خفه.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 270). والحديث أخرجه مسلم (158 - 2491).
(2)
ذكره أبو العرب في طبقات علماء إفريقية (ص 54) من كلام البهلول بن راشد.
(3)
سورة آل عمران، الآية:18.
(4)
أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 37 رقم 5722)، وتمام في الفوائد (1790). قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسماعيل بن يحيى التيمي. قال الهيثمي في المجمع 1/ 132 - 133: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه إسماعيل بن يحيى التيمي، وهو كذاب. وقال الألباني في الضعيفة (2676) وضعيف الترغيب (72): موضوع.
قوله: عن علي، واسمه: حيدرة، قال الإمام السهيليُّ: ذكر قاسم بن ثابت في تسميته حيدرة ثلاثة أقوال، الأول: أن اسمه في الكتب القديمة أسد، والأسد هو حيدرة، والثاني: أن أمه فاطمة بنت أسد، ولدته وكان أبوه غائبا فسمته باسم أبيها، فقدم أبوه فسماه عليا، والثالث: أنه كان يلقب في صغره بحيدرة، ولأن الحيدرة الممتلئ لحما العظيم البطن، وكذلك كان رضي الله عنه، وسيأتي الكلام على مناقبه، وسبب قتله ومن قتله في أول باب النكاح مبسوطًا إن شاء الله تعالى
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما انتعل عبد قط ولا تخفف ولا لبس ثوبًا في طلب علم" الحديث، أي: لبس نعله وخفه ولبس ثوبه، هكذا فسره الحافظ: لبس النعل مستحب لما روى عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر
(2)
، وعن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها: "استكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكبًا ما انتعل"
(3)
وقال: "إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا نزع فليبدأ بالشمال لتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع"
(4)
، وعن جابر أيضًا قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائمًا"
(5)
، وفي رواية:"لا يمشي أحدكم في نعل واحدة"
(6)
، وفي رواية:
(1)
الروض الأنف (7/ 107).
(2)
أخرجه البخاري (5851)، ومسلم (25 - 1187).
(3)
أخرجه مسلم (66 - 2096)، والنسائي في الكبرى (9715)، وابن حبان (5458).
(4)
أخرجه البخاري (5855)، ومسلم (68 - 2097) عن أبي هريرة.
(5)
أخرجه أبو داود (4135). وصححه الألباني في المشكاة (4414) والصحيحة (719).
(6)
أخرجه مسلم (73 - 2099) عن جابر.
"ولا يمشي في خف واحد ولينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعًا"
(1)
.
قوله: "ولينعلهما" فبضم الياء؛ وأما فقه هذه الروايات ففيه ثلاثة مسائل، أحدها: تستحب البداءة باليمنى في كل ما كان من باب التكريم والتشريف والزينة والنظافة ونحو ذلك كلبس النعل والخف والمداس والسراويل والكم وحلق الرأس وترجيله وقص الشارب ونتف الإبط والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار والوضوء والغسل والتيمم ودخول المسجد والخروج من الخلاء ودفع الصدقة وغيرها من أنواع الدفع الحسنة وتناول الأشياء الحسنة ونحو ذلك مما هو في معناه، فيستحب التيامن فيه؛ الثانية: يستحب البداءة باليسار في كل ما هو ضد السابق في المسألة الأولى، من ذلك: خلع النعل والخف والمداس والسراويل والكم والخروج من المسجد ودخول الخلاء والاستنجاء وتناول أحجار الاستنجاء ومس الذكر والامتخاط والاستنثار وتعاطي المستقذرات وأشباهها، فيستحب التياسر فيه، وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها؛ وأجمع العلماء على تقديم اليمين على اليسار في اليدين والرجلين في الوضوء، وأنه لو خالف ذلك في الوضوء وغيره فاته الفضل وكان مكروهًا لما ثبت في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بأسانيد جيدة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا لبستم وإذا توضأتم فابدؤوا بأيامنكم"
(2)
فهذا نص في الأمر بتقديم اليمين فمخالفته
(1)
أخرجه مسلم بشطره الأول عن جابر (71 - 2099) وشطره الثانى (67 - 2097) عن أبي هريرة.
(2)
أخرجه أبو داود (4141)، وابن ماجه (402)، وابن خزيمة (178)، وابن حبان (1090). وصححه الألباني في تخريج المشكاة (401).
مكروهة أو محرمة، وقد انعقد الإجماع على أنها ليست محرمة ولم يخالف فيه إلا الشيعة. ثم من أعضاء لوضوء ما لا يستحب فيه التيامن وهو الأذنان والكفان والخدان، ثم يطهران دفعة واحدة، فإن تعذر ذلك كما في حق الأقطع ونحوه قدم اليمين
(1)
، انتهى، قاله في الديباجة.
والثالثة: فيكره المشي في نعل واحدة أو خف واحد أو مداس واحد إلا لعذر، وقال العلماء: وسببه أن ذلك تشويهٌ ومُثْلَةٌ ومخالفٌ للوقار؛ ولأن الرجل المنتعلة تصير أرفع من الأخرى فيعسر عليه مشيه، وربما كان مشيا للعثار
(2)
، وكما لو لبس خفا أبيض وآخر أسود أو خضب نصف لحية أو حلق بعض رأسه وخرج على الناس كذلك حاسرًا لرجل، وقال بعضهم: إن إحدى الرجلين تكتسب الحرارة والبرودة دون الأخرى فيتأذى البدن بذلك، وإذا انقطعت إحدى نعليه أو خفيه وهو طريق المسجد أو غيره استحب أن ينزع الأخرى لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يمشي الرجل في نعل واحدة، وقال:"ليحفيهما جميعا أو لينعلهما جميعا"، وهذه الآداب الثلاثة مجمع على استحبابها، وأنها ليست واجبة
(3)
، والله أعلم.
تتمة: أفاد ابن الجوزي أن من واظب على البداءة في لبس النعل باليمين والخلع باليسار أمن من وجع الطحال، وأفاد غيره أن سورة الممتحنة إذا كتبت وسُقي المطحول ماءها يبرأ بإذن الله تعالى، انتهى، قاله في حياة الحيوان
(4)
.
(1)
شرح النووي على مسلم (3/ 160 - 161) و (14/ 74 - 75).
(2)
شرح النووي على مسلم (14/ 74 - 75).
(3)
المصدر السابق.
(4)
حياة الحيوان (2/ 289).
148 -
وَعَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من خرج فِي طلب الْعلم فَهُوَ فِي سَبِيل الله حَتَّى يرجع. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن
(1)
.
قوله: عن أنس، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" يعني: أن رجوعه طاعة مكتوبة، ومن كان هذا حاله فهو مرضي عنه.
149 -
وَعَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من غَدا يُرِيد الْعلم يتعلمه لله فتح الله لَهُ بَابا إِلَى الْجنَّة وفرشت لَهُ الْمَلَائِكَة أكنافها وصلت عَلَيْهِ مَلَائِكَة السَّمَوَات وحيتان الْبَحْر وللعالم من الْفضل على العابد كالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر على أَصْغَر كَوْكَب فِي السَّمَاء وَالْعُلَمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء إِن الْأَنْبِيَاء لم يورثوا دِينَارا وَلَا درهما وَلَكنهُمْ ورثوا الْعلم فَمن أَخذه أَخذ بحظه وَمَوْت الْعَالم مُصِيبَة لَا تجبر وثلمة لَا تسد وَهُوَ نجم طمس موت قَبيلَة أيسر من موت عَالم. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَيْسَ عِنْدهم موت الْعَالم إِلَى آخِره
(2)
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَاللَّفْظ لَهُ
(3)
من رِوَايَة الْوَليد
(1)
أخرجه الترمذى (2647)، والبزار (6520)، والعقيلى في الضعفاء (2/ 17)، والطبراني في الصغير (1/ 234 رقم 380). قال الترمذى: هذا حديث حسن غريب ورواه بعضهم فلم يرفعه. وضعفه الألباني في الضعيفة (2037)، وحسنه في صحيح الترغيب (88).
(2)
أخرجه أبو داود (3641)، والترمذى (2682)، وابن ماجه (223 و 239)، وابن حبان (88). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (70).
(3)
أخرجه البيهقي في الشعب (3/ 223 - 224 رقم 1576)، وعبد الغنى المقدسى في نهاية المراد (40). وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (73).
ابن مُسلم حَدثنَا خَالِد بن يزِيد بن أبي مَالك عَن عُثْمَان بن أَيمن عَنهُ وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب بعده حَدِيث أبي الردين إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قوله: عن أبي الدرداء، واسمه: عويمر، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: "من غدا يريد العلم يتعلمه لله فتح الله له بابًا إلى الجنة" الغدو: الذهاب.
قوله: "وفرشت له الملائكة أكنافها" أي: أجنحتها، قال الجوهري في صحاحه
(1)
: والكنف الجانب، وكنفا الطائر: جناحاه، قيل: إنما فرشتها لتكون وطئًا له إذا مشى.
وقيل: إنه بمعنى التواضع تعظيما لحقه فتضم أجنحتها له تواضعًا، ويحتمل أن يكون المراد به: وضع الأجنحة بعضها بجنب بعض إظلالًا له كما يحكي عن فعل الطير بداود النبي صلى الله عليه وسلم وكما في الحديث الآخر: "تظلهم الطير بأجنحتها"، وفي رواية أخرى:"يركب بعضهم بعضا حتى يبلغوا السماء لمحبتهم لما يطلب"، وقيل: غير ذلك.
قوله: "وصلت عليه ملائكة السموات" وتقدم معنى صلاة الملائكة أنه الاستغفار والدعاء له.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وللعالم من الفضل على العابد كالقمر ليلة البدر على أصغر كوكب في السماء" الحديث، ومعلوم أن القمر إذا تكامل ضوءه ونوره كان ضوء النجوم معه في حكم المطموس ولا يظهر لها مع القمر أثر، فالعابد شبه بالنجم لأنه في ضياء ونور في الجملة وعمل صالح، والعالم شبه بالقمر ليلة
(1)
الصحاح (4/ 1424).
البدر، ونور القدر ليلة البدر ينسي عنده نور البدر مع ما يعم به من المنفعة وانتشار نوره وبث أشعته في الأرض برا وبحر ليستضاء بنوره، ويكادُ يُلحِقُ الليلةَ المقمرة بالنهار ضياء إلا أن نور الشمس إذا جاء تلافي معه نور القمر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والعلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم" الحديث، فهذا غاية في التفضيل، وأن من خلف الشيء قام مقامه فيشمله من فضل أصله كالتيمم لما خلف الوضوء لحقه من فضل الوضوء، ومعلوم أن العلماء يخلفون الأنبياء فيما أوحي إلى الأنبياء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرسل لتبين التنزيل قال الله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}
(1)
الآية، والعلماء يقومون هذا المقام بعد النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم يحفظون الشريعة وما أنزل إلى الرسول فيبلغونه للناس، ويبينون لهم ما أشكل عليهم من أمر دينهم الذي بيانه على الرسول صلى الله عليه وسلم، فسدَّ العلماء في ذلك مسد الأنبياء وقاموا مقامهم فكانوا في المعنى أنبياء لأنهم يكلمون الناس بما أوحى الله تعالى، والوحي أتى إليهم بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم كما أتى الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك إلا أنهم ليسوا أنبياء في الحقيقة ولكنهم نابوا عن الأنبياء، وقد جعل رتبتهم تلي رتبة الأنبياء إلا أن قوله:"وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم"، تنبيه: على أن جمع الحطام ليس من شيم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحق الوارث لهم والنازل منزلتهم أن يكون فيما ورثه عنهم لا يتخذ العلم سوقا ويجعله
(1)
سورة النحل، الآية:44.
لكسب الدنيا طريقًا، قال الخطابي رحمه الله كلامًا معناه: أن العلماء كانوا ورثة الأنبياء، وما ورثوا عن الأنبياء تعليم الناس كيفية الإحسان إلى كل شيء، ألهم الله تعالى الأشياء الاستغفار للعلماء مكافأة لهم على ذلك، فمن ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف البحر"
(1)
.
لطيفة: قال القشيري: يقال إن سليمان عليه الصلاة والسلام سأل الله تعالى أن يأذن له أن يضيف يوما جميع الحيوانات فأذن له فأخذ سليمان في جمع الطعام مدة طويلة فأرسل الله تعالى حوتًا واحدًا من البحر فأكل كل ما جمعه سليمان عليه الصلاة والسلام في تلك المدة، ثم استزاده فقال سليمان عليه السلام: لم يبق لي شيء، وقال له: أنت تأكل كل يوم مثل هذا، فقال: رزقي كل يوم ثلاثة أضعاف هذا، ولكن الله لم يطعمني اليوم إلا ما أطعمتني أنت، فليتك لم تضفني فإني بقيت اليوم جائعًا حين كنت ضيفك
(2)
.
أعجوبة: روى الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في "كتاب المتفق والمفترق"
(3)
في ترجمة أسامة بن زيد التنوخي أنه ولي خراج مصر للوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان وهو الذي بني مقياس النيل العتيق الذي بجزيرة فسطاط مصر، ذكره ابن يونس في تاريخه، ثم روى الخطيب في
(1)
معالم السنن للخطابي 4/ 183.
(2)
حياة الحيوان للدميري (1/ 380).
(3)
(1/ 153).
ترجمته عن زيد بن أسلم أن صنما كان بالإسكندرية يقال له: شراحيل على حشفة من حشف البحر مستقبلا بأصبع من أصابع كفه القسطنطينية لا يدري أكان مما عمله سليمان النبي صلى الله عليه وسلم أو عمله الإسكندر تصاد عنده الحيتان وكانت تدور حوله وحول الإسكندرية، وكان قدم الصنم طول قامة الرجل إذا انبطح ومد يده، فكتب أسامة بن زيد هذا وهو عامل مصر للوليد بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين إن عندنا بالإسكندرية صنما يقال له شراحيل من نحاس وقد غلت علينا الفلوس، فإن رأى الأمير أن ننزله ونجعله فلوسا فعلنا، وإن رأى غير ذلك فليكتب إلينا في أمره فكتب إليه لا تنزله حتى أبعث إليك أمناء يحضرونه فبعث إليه رجالا أمناء حتى أنزله عن الحشفة فوجد عينيه. ياقوتتين حمراوتين ليس لهما قيمة وضربه فلوسًا فانطلقت الحيتان ولم ترجع إلى ذلك المكان، انتهى، قاله في حياة الحيوان
(1)
.
فائدة في قوله صلى الله عليه وسلم: "العُلماء ورثة الأنبياء" الحديث، أي: العُلماء باللّه؛ لأن العلم باللّه يورث الخشية قال اللّه تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}
(2)
، قال ابن عطاء اللّه السكندري في كتابه لطائف المنن
(3)
: اعلم أن قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "العُلماء ورثة الأنبياء، علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل، فإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إلا إن الدنيا ملعونة ملعون
(1)
حياة الحيوان للدميري (1/ 384).
(2)
سورة فاطر، الآية:28.
(3)
لطائف المنن (ص 15).
ما فيها إلا ذكر اللّه وما والاه وعالما ومتعلما، وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم" {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}
(1)
وغير ذلك من الآيات التي فيها ذكر العلم، وحيثما وقع العلم في كتاب اللّه تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنما المراد به العلم النافع التي تكتنفه الخشية وتكون معه الإنابة، قال اللّه تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}
(2)
، الآية، فلم يجعل علم من لم يخشه من العُلماء علما، فشاهد العلم الذي هو مطلوب اللّه الخشية للّه، وشاهد الخشية موافقة الأمر، أما علم تكون معه الرغبة في الدنيا والتملق لأربابها وصرف الهمة إلى اكتسابها والجمع الادخار والمباهاة وطول الأمل ونسيان الآخرة فما أبعد من هذا العلم علمه من أن يكون من ورثة الأنبياء، فعلماء الباطن رضي الله عنهم أحق بالإرث وأولى وأقرب نسبة وأغلى لأن علمهم تلزمه الخشية وتكتنفه العظمة، وهل ينتقل الشيء الموروث إلى الوارث إلا بالصفة التي كان بها عند الموروث عنه، فكل صاحب علم لا خشية له فليس بأهل أن يكون وارثًا، ومثل من هذه الأوصاف أوصافه كمثل الشمعة تضيء على غيرها وهي تحرق نفسها، جعل اللّه علمه من هذا وصفه حجة عليه وسببا في تكثير العقوبة لديه، وذكر أمثلة كثيرة فيها ذكر اللام على من هذه صفته اختصرتها بطولها، واللّه أعلم؛ قال ابن عطاء اللّه في لطائف المنن.
(1)
سورة آل عمران، الآية:18.
(2)
سورة فاطر، الآية:28.
وهاهنا نكتة: وهو أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل علماء أمتي كرسل بني إسرائيل، فمن الناس من ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نبئ في نفسه والرسول هو الذي أرسل لغيره، وليس الأمر كما ظن هذا القائل، ولو كان كذلك فلم ذا خص الأنبياء دون الرسل بالذكر في قوله:"علماء أمتي كرسل بني إسرائل" فدل على أن حكم الأنبياء يعمها، وإنما الفرق ما قال بعض أهل العلم أن النبي لا يأتي بشريعة وإنما يجيء مقررًا لشرع من كان قبله كيوشع بن نون فإنه إنما أتي مقررًا لشريعة موسى صلى الله عليه وسلم وآمرًا بالعمل بما في التوراة، ولم يأت بشرع عندئذ، والرسول كموسى عليه السلام، فقد أتى بشرع جديد وهو ما تضمنته التوراة، فقال صلى الله عليه وسلم:"علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" أي: يأتون مقررين ومؤكدين وآمرين بما جئت به لا أنهم يأتون بشرع جديد
(1)
. انتهى.
تنبيه: ما اشتهر من قوله صلى الله عليه وسلم: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" فلم يعرف له مخرج بعد البحث عنه ولم يوجد في كتاب معبتر، قاله الكمال الدميري
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وموت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد" الحديث، الثلمة: بضم الثاء المثلثة وبسكون اللام الخلل في الحائط وغيره، ويقال في السيف ثلم بالفتح، وفي الإناء ثلم إذا انكسر من شفته شيء، قاله الجوهري في
(1)
لطائف المنن (ص 14).
(2)
النجم الوهاج (1/ 196).
صحاحه
(1)
؛ وعن علي رضي الله عنه قال: العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه
(2)
، واللّه أعلم.
خاتمة: وما أحسن ما قاله بعض الفضلاء، ويقال: إنه الشافعي، قدس اللّه سره:
إِذَا مَا مَاتَ ذُو عِلْمِ وَفَهْم
…
فَقَدْ ثَلمَتْ مِنَ الإِسْلامِ ثُلْمَهْ
وَمَوْتُ الصالح الْمَرْضِيِّ نَقْضٌ
…
فَفِي مَرْآهُ لِلأسْرَارِ نَسْمَهْ
وَمَوْتُ الْعَادِلِ الْمَلِكِ الْمُوَلَّى
…
بِحُكْمِ الْحَقِّ مَنْقَصَةً وَقَصْمَهْ
وَمَوْتُ فَتَى كثِيرِ الْجُودِ مَحْلٌ
…
فَفِي إِبَقَاءِهِ خَصْبٌ وَنِعْمَهْ
وَمَوْتُ الْفَارِسِ الكَرَّارِ ذُلّ
…
فَكَمْ شَهَدَتْ لَهُ بِالنَّصْرِ عَزْمَهْ
فَحَسْبُكَ خَمْسَةٌ يُبْكَى عَلَيْهمْ
…
وَمَوْتُ الْغَيْرِ تَخْفِيفٌ وَرَحْمَهْ
(1)
الصحاح (5/ 1881).
(2)
الإحياء (1/ 7) ومناهج التحصيل (1/ 51).