الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التَّرْغِيب فِي الْبدَاءَة بِالْخَيرِ ليستن بِهِ والترهيب من الْبدَاءَة بِالشَّرِّ خوف أَن يستن بِهِ]
البداية: لحن، وصوابه: البداءة بضم الباء والمد، والبداءة بفتح الباء وإسكان الدال والقصر، والبدوءة بالضم والمد، انتهى، قاله النووي في تخييره
(1)
.
95 -
عَن جرير صلى الله عليه وسلم قَالَ كنَّا فِي صدر النَّهَار عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ قوم غزَاة مجتابي النمار والعباء متقلدي السيوف عامتهم من مُضر بل كلهم من مُضر فتمعر وَجه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى مَا بهم من الْفَاقَة فَدخل ثمَّ خرج فَأمر بِلَالًا فَأذن وَأقَام فصلى ثمَّ خطب فَقَالَ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إِلَى آخر الْآيَة {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
(2)
وَالْآيَة الَّتِي فِي الْحَشْر {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}
(3)
تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثَوْبه من صَاع بره من صَاع تمره حَتَّى قَالَ وَلَو بشق تَمْرَة قَالَ فجَاء رجل من الْأَنْصَار بصرة كَادَت كَفه تعجز عَنْهَا بل قد عجزت قَالَ ثمَّ تتَابع النَّاس حَتَّى رَأَيْت كومين من طَعَام وَثيَاب حَتَّى رَأَيْت وَجه رَسُول ال صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّل كَأَنَّهُ مذهبَة
(1)
تحرير ألفاظ التنبيه (ص 51).
(2)
سورة النساء، الآية:1.
(3)
سورة فصلت، الآية:18.
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من سنّ فِي الْإِسْلَام سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا من بعده من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْء وَمن سنّ فِي الْإِسْلَام سنة سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ وزرها ووزر من عمل بهَا من غير أَن ينقص من أوزارهم شَيْء رَوَاهُ مسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ بِاخْتِصَار الْقِصَّة
(1)
.
قَوْله: مجتابي هُوَ بِالْجِيم الساكنة ثمَّ تَاء مثناة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة والنمار جمع نمرة وَهِي كسَاء من صوف مخطط أَي لابسي النمار قد خرقوها فِي رؤوسهم والجوب الْقطع وَقَوله: تمعر هُوَ بِالْعينِ الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة أَي تغير.
وَقَوله: كَأَنَّهُ مذهبَة ضَبطه بعض الْحفاظ بدال مُهْملَة وهاء مَضْمُومَة وَنون وَضَبطه بَعضهم بذال مُعْجمَة وبفتح الْهَاء وَبعدهَا بَاء مُوَحدَة وَهُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور وَمَعْنَاهُ على كلا التَّقْدِيرَيْنِ ظهر الْبشر فِي وَجهه صلى الله عليه وسلم حَتَّى استنار وأشرق من السرُور والمذهبة صحيفَة منقشة بِالذَّهَب أَو ورقة من القرطاس مطلية بِالذَّهَب يصف حسنه وتلألؤه صلى الله عليه وسلم.
قوله: عن جَرير، هو بفتح الجيم، وكنيته: أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الله. فهو جرير بن عبد الله بن جابر البجلي الأحمسي بالمهملتين الكوفي، والبجلي: منسوب إلى بجلة بفتح الباء الموحدة، وهي بنت صعب بن سعد العشيرة أم ولد، تنسب إليها القبيلة المعروفة، نزل جرير الكوفة ثم تحول إلى
(1)
أخرجه مسلم (69 و 70 و 71 - 1017) و (15 - 1017)، والنسائي في الكبرى (2346) والمجتبى 4/ 555 (2573)، والترمذى (2675)، وابن ماجه (203).
قرقيسيا، وتوفي بها سنة إحدى وخمسين، قال ابن قتيبة: دخل جرير المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة عشر من الهجرة فبايعه وأسلم وكان إسلامه في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط الرداء وأكرمه وقال: "إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه"، وكان جرير بديع الجمال صحيح الإسلام مليح الصورة، كأنَّ على وجهه شقة قمر، وكان سيد قومه، وكان عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم يقول: جرير يوسف هذه الأمة بحسنة، وكان جرير كبير القدم طويل القامة يصل إلى سنام البعير وكان نعله ذراعًا وكان يخضب لحيته إذا دخل الليل ويغسلها بالنهار إذا أصبح، وبعثه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رسولا إلى معاوية لدخل في الطاعة، فلما لم يدخل فيها دخل فيها المهاجرون والأنصار، وصَالحُ المؤمنين كان جرير تلك الحروب والفتن، فلم يحضر في شيء منها، وأقام بالجزيرة ونواحيها، وقال جرير: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم، ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده الكريمة على صدري، فقال:"اللهم ثبته واجعله مهديًا" روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث، اتفقا منها على ثمانية، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بستة، ومناقبه كثيرة مشهورة
(1)
، والله أعلم.
قوله: فجاءه في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، صدر النهار: أوله.
قوله: فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء، العراة: جمع عار،
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 147 - 148 الترجمة 104).
ومجتابي النمار أو العباء كأنه شك من الراوي، أي: لابسيها قد خرقوها في رؤوسهم، والجوب القطع، انتهى، قاله المنذري، يقال: اجتبت القمص والغلام، أي: دخلت فيهما، وكل شيء قطع وسطه، فهو مجوب ومجوت، وبه سمي جيب القميص، ومنه حديث علي رضي الله عنه "أخذت إهابًا معطونًا فجوبت وسطه وأدخلته في عنقي"
(1)
، وسيأتي الكلام على حديث علي في محله، فالاجتباب تقوير موضع دخول رأس الإنسان من الثوب، ويسمي ذلك الموضع المقور من الثوب جيبًا
(2)
، والاجتباب: القطع والخرق، ومنه قوله تعالى:(جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ)
(3)
أي: نحتوه وقطعوه
(4)
، والنمار: جمع نمرة وهي كساء من صوف مخطط، انتهى، قاله المنذري؛ وقال بعض العلماء: كل شملة مخططة من مآزر العرب كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض، وهي من الصفات له، أراد أنه جاءه قوم لابسي أزر مخططه من صوف
(5)
.
فجاء هؤلاء القوم وقد فتحوا فيها جيوبا أدخلوا منها رؤوسهم فلبسوها، يصف سوء حالهم، وإنما يفعل ذلك عند الحاجة، وقد فسر الخطابي
(6)
بأنهم
(1)
النهاية (1/ 310).
(2)
مطالع الأنوار (2/ 190).
(3)
سورة الفجر، الآية:9.
(4)
رياض الصالحين (ص 78).
(5)
النهاية (5/ 118).
(6)
غريب الحديث (2/ 297).
قطعوا النمار قطعا وشقوها أزرًا لحاجتهم
(1)
، والعباء بالمد وبفتح العين جمع عباءة وعباية لغتان مشهورتان، قال ابن السكيت: الأكثر المد، ضرب من الأكسية غلاظ مخطط، وقد يقع على الواحد لأنه جنس، انتهى، قاله ابن الأثير وغيره
(2)
.
قوله: متقلدي السيوف، والتقليد: جعل نجاد السيف على المنكب، قاله الكرماني
(3)
. قوله: عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، مضر: اسم قبيلة من قبائل العرب، أبوهم: إلياس، ولقبه: قيس بن مضر.
قوله: فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد ضبطه الحافظ وفسره فقال: تغير، وقال بعض العلماء أي تغير وانقبض كراهية لذلك، والأصل فيه قلة النضارة وعدم إشراق اللون مأخوذ من قوله: مكان أمعر وهو الجدب الذي ليس فيه خصب
(4)
، وقيل: أصله من المعر وهو ذهاب الشعر فكأنه ذهاب الدم من الوجه.
قوله: لما رأى بهم من الفاقة، والفاقة: الفقر والاحتياج.
قوله: فصلى ثم خطب، أي: صعد منبرًا صغيرًا، وفي كتاب الديباجة أن هذه الخطبة كانت بعد صلاة الظهر
(5)
، وفي خطبة النبي صلى الله عليه وسلم دليل على
(1)
مطالع الأنوار (2/ 190).
(2)
انظر: تهذيب اللغة (3/ 149)، والصحاح (6/ 2418)، ومشارق الأنوار (2/ 64)، والنهاية (3/ 175)، وشرح النووي على مسلم (6/ 134).
(3)
الكواكب الدراري (4/ 89).
(4)
معالم السنن (1/ 82)، والنهاية (1/ 433).
(5)
الديباجة (ص 84/ رسالة علمية).
استحباب جمع الناس للأمور المهمة ووعظهم وحثهم على مصالحهم وتحذيرهم من القبائح
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فقال: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)
(2)
الآية"، وتلاوته صلى الله عليه وسلم:(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) الآية.
تنبيه: للصحابة رضي الله عنهم على أنهم كنفس واحدة إذ كانوا مخلوقين من نفس واحدة فينبغي لهم أن يواسي بعضهم بعضًا ولأنها أبلغ في الحث بالصدقة عليهم لما فيها من تأكد الحق لكونهم أخوة
(3)
، هالى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن المؤمنين في مثل توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعي سائر الجسد بالحمى والسهر"
(4)
وفي معناه الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"
(5)
ولهذا المعنى قال العلماء رضي الله عنهم: إذا قحط في إقليم من مقاليم الإسلام ينبغي لغيرهم أن يستسقوا لهم فإن المسلمين كنفس واحدة، يؤيد ذلك قوله تعالى:(وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)
(6)
وتلاوته صلى الله عليه وسلم: (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)
(7)
فيه من
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 102).
(2)
سورة النساء، الآية:1.
(3)
المصدر السابق (7/ 102 - 103).
(4)
أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (66 - 2586) عن النعمان بن بشير.
(5)
أخرجه البخاري (2446)، ومسلم (65 - 2585) عن أبي موسى.
(6)
سورة المائدة، الآية:32.
(7)
سورة الحشر، الآية:18.
الحث على الصدقة وإن كان لفظ الآية عاما في الصدقة وغيرها من أنواع الخير، انتهى، قاله ابن عقيل في شرح الأحكام.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة" الحديث، أي: ليتصدق الرجل، لفظه الخبر ومعناه الأمر
(1)
، ومثله قوله تعالى:(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ)
(2)
أي: ليتربصن وهو من كلام العرب، يعبرون عن الأمر بالخبر مبالغة في تحقيق الطلب، وفيه: الحث على الصدقة، وإن كان المال في غاية القلة ألا تراه ذكر الصاع والدرهم فقال: من ديناره من درهمه حتى قال: ولو بشق تمرة، وشق التمرة جانبها على أنه قد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سئل أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل
(3)
، وأشار إلى أن المتصدق إذا قلّ، ماله كان أكثر أجرًا من متصدق كثرت أمواله لأن في تصدق المقل قهرا للنفس وتركا للشهوة وتفويضا وتوكلا على الله تعالى، وإليه أشار بقوله صلى الله عليه وسلم:
(1)
مشارق الأنوار (2/ 41)، والنهاية (3/ 18).
(2)
سورة البقرة، الآية:228.
(3)
أخرجه أحمد 3/ 411 (15401)، وأبو داود (1449)، والنسائي في المجتبى 4/ 533 (2545) عن عبد الله بن حبشى. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1196) وصحيح الترغيب (1318).
وأخرجه أحمد 2/ 358 (8702)، وأبو داود (1677)، وابن خزيمة (2444) و (2451)، وابن حبان (3346)، والحاكم (1/ 414) عن أبي هريرة. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1472)، وصحيح الترغيب (882).
"سبق درهم مائة ألف درهم"
(1)
وسيأتي الكلام على معناه في الصدقة إن شاء الله، فإن قيل: قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قال: "وإنما الصدقة عن ظهر غنى"
(2)
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لكعب بن مالك: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك"
(3)
، قلنا: قوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما الصدقة عن غنى"، فليس بينه وبين قوله حين سئل أي الصدقة أفضل، قال:"جهد المقل" منافاة إذا أراد إخراج ما تفتقر الحاجة إليه، وإن كان شيئًا يسيرًا؛ وأما قوله صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك:"أمسك عليك بعض مالك" فهو منطبق على ما ذكرناه من إمساك ما يحتاج إليه في نفقته ونفقة من يقوته وفضل دين إن كان، فإن قيل: قد ثبت أن الصديق رضي الله عنه خرج من ماله بأسره حتى تخلل بعباءة فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا: الناس يتفاوتون في التوكل، وأين رتبة كعب بن مالك من رتبة الصديق رضي الله عنه، فلما كان كعب بن مالك ممن لا يثبت على القلة، قلت له: امسك عليه بعض مالك، ولما كان الصديق رضي الله عنه قد انتهى له الغاية القصوى في التوكل والثقة بما عند الله تعالى أقره رسول الله رضي الله عنه على الخروج من الدنيا، وقد ثبت عن
(1)
أخرجه أحمد 2/ 379 (8929)، والنسائي في المجتبى 4/ 534 (2546) و 4/ 535 (2547)، وابن خزيمة (2443)، وابن حبان (3347). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (883).
(2)
أخرجه البخاري (1426) و (5355) و (5356) عن أبي هريرة، والبخاري (1427) ومسلم (95 - 1034) عن حكيم بن حزام.
(3)
أخرجه البخاري (4418) ومسلم (53 - 2769).
رسول الله أنه قال: "لم يفضل أبو بكر بكثرة صلاة ولا صوم ولكن بشيء وقر في قلبه" وفي رواية: "لسر وقر في صدره" أي: سكن فيه وثبت من الوقار والحلم والرزانة، وقد وقر وقارا، قاله في النهاية
(1)
، وروى البغوي بإسناده في معالم التنزيل: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما خرج مهاجرا نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن رب العالمين يقرأ على أبي بكر السلام ويقول له: "هل أنت راض عني في فقرك هذا أم ساخط" فبكى أبو بكر صلى الله عليه وسلم وقال: أسخط على ربي أنا راضٍ أنا راضٍ قالها ثلاثًا
(2)
، قاله ابن عقيل في شرح الأحكام
(3)
.
قوله: فجاء رجل من الأنصار كادت كفه تعجز عنها؛ الأنصار: هم الذين آووا رسول الله رضي الله عنه ونصروه لما هاجر إلى المدينة، والأفصح في (تعجز)
(1)
النهاية (5/ 213).
(2)
أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 185)، وابن المقرئ (166)، وابن شاهين في مذاهب السنة (124)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 105) وفضاءل الخلفاء (63)، والثعلبى في التفسير (9/ 236)، والواحدى في الوسيط (1166)، والبغوى في التفسير (8/ 34).
قال ابن حبان: العلاء بن عمرو شيخ يروي عن أبي إسحاق الفزاري العجائب لا يجوز الاحتجاج به بحال.
قال أبو نعيم: (غريب من حديث الثوري، لم نكتبه إلا من حديث الفزاري، وحديث الأسواري لم نكتبه إلا عن محمد بن عمر بن سلم). وقال ابن كثير: هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه. وقال العراقى في تخريج الإحياء (621): أخرجه ابن حبان والعقيلي في الضعفاء، قال الذهبي في الميزان: هو كذب.
(3)
انظر: رياض الأفهام (5/ 339)، والكواكب الدراري (7/ 196).
كسر الجيم وفي الماضي الفتح، هذه اللغة الفصحى، ومنه قوله تعالى:(يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ)
(1)
.
قوله: ثم تتابع الناس، تتابع الناس هو بالباء الموحدة، قال أهل اللغة: التتابع بالباء الموحدة في الخير (والتتايع) بالياء المثناة من تحت في الشر
(2)
، قال أبو الطفيل عامر بن واثلة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وَمَا شَابَ رَأْسِي مِنْ سِنِينَ تَتَابَعتْ
…
عَلَيَّ وَلَكِنْ شَيّبَتْنِي الْوَقَائِعُ
(3)
قوله: حتى رأيت كومين من طعام، الحديث؛ هو بفتح الكاف وضمها، أي جبلين، قال عياض رحمه الله: ضبطه بعضهم بالفتح وبعضهم بالضم، قال أبو مروان بن سراج بالضم اسم لما كُوِّم، وبالفتح المرة الواحدة، قال: والكومة بالضم الصبرة، والكوم العظيم من كل شيء، والكوم المكان المرتفع، قال عياض: والفتح هنا أولى لأنه المقصود هنا لأن مقصوده الكثرة
(4)
.
قوله: حتى رأيت وجه رسول الله تهلل، الحديث، أي: استنار فرحًا وسرورًا، أما سبب سروره صلى الله عليه وسلم ففرحًا لمبادرة المسلمين لطاعة الله تعالى وبذل أموالهم لله تعالى وامتثالهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدفع هؤلاء المحتاجين وشفقة المسلمين بعضهم على بعض وتعاونهم على البر والتقوى، وينبغي للإنسان إذا رأى شيئًا
(1)
سورة المائدة، الآية:31.
(2)
غريب الحديث (1/ 103) لابن الجوزى.
(3)
المجالسة (1013).
(4)
إكمال المعلم (3/ 540).
من هذا القبيل أن يفرح ويظهر السرور، ويكون فرحة لما ذكرناه، وبما حصل من الأجر للصحابة رضي الله عنهم
(1)
.
قوله: كأنه مذهبة، قال الحافظ: ضبطه بعض الحفاظ بدال مهملة وهاء مضمومة ونون، انتهى، والمذهبة: تأنيث المذهب، والمذهب: نقرة في الجبل يجتمع فيها ماء المطر، شبه صفاء وجهه الكريم بإشراق السرور عليه بصفاء هذا الماء المجتمع في الحجر والمذهب أيضًا؛ والمذهبة: الإناء الذي يذهب فيه أي: ما يجعل فيه الذهب، فيكون قد شبه وجهه الكريم بصفاء الدهن، انتهى، قال الحافظ رحمه الله: وضبطه بعضهم بذال معجمة وفتح الهاء وبعدها باء موحدة وهو الصحيح المشهور، وعليه اقتصر الحميدي في "الجمع بين الصحيحين"
(2)
.
قوله: وقال أبو القاسم الأصبهاني في كتابه
(3)
: والمذهبة صحيفة مشتقة بالذهب أو ورقة من القرطاس مطلية بالذهب، انتهى، وقال بعض العلماء: المذهبة من الشيء المذهب، وهو: المموه بالذهب أو من قولهم: فرس مذهب إذا علت حموته البقرة والأنثى مذهبة، وإنما خص الأنثى بالذكر لأنها أصفى لونًا وأرق بشرة، قاله في النهاية
(4)
، وفي حديث آخر: "كأن وجهه ورقة
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 103)، والديباجة (ص 89/ رسالة علمية).
(2)
المصدر السابق.
(3)
الترغيب والترهيب (1/ 404).
(4)
النهاية (2/ 173).
مصحف" يريد في حسنه ووضاءته كما في الحديث الآخر: "كأنها مذهبة" قيل: وهي إشارة إلى بياضه الممتزج بصفرة كلون الذرة، ويحتمل أنه يريد بها كأنه فضة مذهبة، أي: الذهب كما قال الشاعر: كأنها فضة يعلوها ذهب، فهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه.
قوله: أبو القاسم الأصبهاني، الأصبهاني بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة والهاء في آخره نون (هذه) النسبة إلى أشهر بلدة بالجبال، زاد الرشاطي في الأنساب أن بأصبهان (قرية فرسان) ولذلك يكتبها بعضهم بالفاء وهي بالفارسية راية الفرسان ولم يكن (يحمل لواء) الملك إلا أهل أصبهان، وقيل: سميت بأصبهان بن نوح الذي بناها، انتهى، إنما قيل لهذا على ما سمعت بعضهم أنها تسمى بالعجمية سباهان وسباه: العسكر وهان: الجمع، وكانت جموع عساكر الأكاسرة تجتمع إذا وقعت لهم واقعة بهذا الموضع مثل عسكر فارس وكرمان والأهواز فعرب، فقيل أصبهان، خرج منها كثير من العلماء في كل فن
(1)
.
96 -
وَعَن حُذَيْفَة رضي الله عنه: قَالَ: سَأَلَ رجل على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأمْسك الْقَوْم ثمَّ إِن رجلا أعطَاهُ فَأعْطى الْقَوْم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من سنّ خيرا فاستن بِهِ كَانَ لَهُ أجره وَمثل أجور من تبعه غير منقص من أُجُورهم شَيْئا وَمن سنّ شرا فاستن بِهِ كَانَ عَلَيْهِ وزره وَمثل أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم
(1)
انظر: اللباب (1/ 69)، والروض المعطار (ص 43).
شَيْئًا رَوَاهُ أَحْمد وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد
(1)
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هريرة
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة" الحديث، أي: أتى بطريقة مرضية يقتدى به فيها فله أجره، وفي عامة نسخ المصابيح فله أجران، وهو غير سديد رواية ومعنى، وإنما الصواب "أجره"، والضمير يعود إلى من صاحب الطريقة أي: له أجر عمله وأجر من عمل بسنته
(3)
، كذا قاله في شرح مشارق الأنوار، فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات والتحذير
(1)
أخرجه أحمد 5/ 387 (23289)، والبزار (2963 و 2964)، والطحاوي في مشكل الآثار (251) و (1542)، والطبراني في الأوسط (4/ 94 رقم 3693)، والحاكم 2/ 516 - 517 عن حذيفة. وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (62).
(2)
أخرجه أحمد 2/ 520 (10749)، وابن ماجه (204)، والطبراني في الأوسط (3/ 116 رقم 2656). وقال الهيثمى في المجمع 1/ 167: رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، إلا أبا عبيدة بن حذيفة، وقد وثقه ابن حبان.
وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن حماد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة إلا مؤمل ورواه سليمان بن حرب وغيره، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي عبيدة بن حذيفة، مقطوعا، وقد رواه عبد الوارث بن سعيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، كما رواه مؤمل، عن حماد.
قال البوصيرى في الزجاجة 1/ 28: هذا إسناد صحيح رواه مسلم في صحيحه والترمذي في جامعه من حديث جرير بن عبد الله. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (63).
(3)
أخرجه مسلم (194) عن حكيم بن حزام. وانظر: الميسر (1/ 102).
من اختراع الأباطيل [والمستقبحات]
(1)
، وسبب هذا الكلام في هذا الحديث أنه قال في أوله فجاء رجل بصرة كادت (كفه تعجر) عنها بل قد عجزت، فتتابع الناس فكان هذا الفضل العظيم للباديء هذا الخير والفاتح لباب هذا الإحسان
(2)
.
والتقييد بقوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة" يقتضي أنما صدر في الكفر من الخير لا أجر له فيه، واحتج بعض الفضلاء على أن من يؤتي به من أنواع البر لا يوصف بالبدعة وإن لم يكن يقع مثله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
.
قال ابن بطال شارح البخاري: إن الكافر إذا فعل أفعالا جميلة على جهة القرب لله تعالى كصدقة وصلة رحم وإعتاق وغير ذلك، ثم أسلم يكتب له كل ذلك ويثاب عليه إذا مات على الإسلام، وهذا أمر لا يحيله العقل، وقد ورد الشرع به فوجب فعله، انتهى
(4)
.
وقال غيره من العلماء: ولو صام الكافر في حال كفره لم يصح بلا خلاف سواء أسلم بعد ذلك أم لا، بخلاف ما إذا تصدق في كفره ثم أسلم فإن الصحيح أنه يثاب عليها لقوله صلى الله عليه وسلم:"أسلمت على ما أسلفت من خير"
(5)
انتهى.
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 104)، والديباجة (ع 89/ رسالة علمية).
(2)
شرح النووي على مسلم (7/ 104)، والديباجة (ع 89 - 90/ رسالة علمية).
(3)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين (1/ 303) للحميدي، والنهاية (1/ 106).
(4)
انظر شرح الصحيح (1/ 99) لابن بطال، وشرح النووي على مسلم (2/ 141)، والكواكب الدراري (1/ 167 - 168).
(5)
المجموع شرح المهذب (6/ 253).
تنبيه: ابن بطال، كنيته: أبو الحسن علي بن خليفة بن بطال القرطبي شارح البخاري، توفي رحمه الله سنة تسع وأربعين وأربع مائة، وهو أحد شيوخ أبي عمر بن عبد البر، والله أعلم.
وفي الحديث وهو حديث حسن بيان كرم الله تعالى حيث جعل لفاعل السنة أجور كل من اقتدى به فيها من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن هذا تظهر عظمة النبي صلى الله عليه وسلم (وما له من أجر) فإنه صلى الله عليه وسلم سن للناس سننًا لا تدخل تحت الإحصاء فهم يعملون به إلى يوم القيامة، والأجور مستمرة للنبي صلى الله عليه وسلم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، والله أعلم.
قوله: وعن حذيفة، هو: ابن اليمان، كنيته: أبو عبد الله، واسم اليمان حسل بضم الحاء وإسكان السين المهملتين، ويقال: حسيل بالتصغير واليماني لقبه حسل لقب لأنه أصاب دما في قومه فهرب إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل من الأنصار فسماه دومة اليماني لأنه حالف الأنصار وهم من اليمن، أسلم أبو حذيفة وأبوه وذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدا جميعا أحدا، وقتل أبوه يومئذ، قتله المسلمون خطأ فوهب لهم دمه، وأسلمت أم حذيفة وهاجرت رضي الله عنها على المشهور عند المحدثين إثبات الياء في اليماني والداجي وعبد الرحمن بن أخي الداجي بن الهادي
(1)
، والله أعلم.
قوله: سأل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمسك القوم، ثم إن رجلا أعطاه فأعطى القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن خيرا فاستن به كان له
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 153 - 155 ترجمة 114).
أجره ومثل أجور من تبعه" الحديث، وفي الحديث الآخر وهو حديث أنس بن مالك: "إيما داع دعا إلى هدى أو ضلالة فاتبع كان له مثل أجور من اتبعه"
(1)
وما أشبهه من الأحاديث، وهذه الأحاديث تدخل في عموم الدلالة على الخير، قال الله تعالى:(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)
(2)
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)
(3)
وقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ)
(4)
الآية، ففي هذه الأحاديث الحث على استحباب الدعاء إلى الخير والطاعة وتحريم الدعاء إلى الضلالة والبدعة، وإنه من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور تابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه سواء كان الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه أو كان مسبوقًا إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة أو آداب وغير ذلك، وهو مثل قوله:"من سن في الإسلام سنة حسنة أو سيئة" الحديث، قاله في الديباجة
(5)
.
قوله: رواه الإمام أحمد، هو: الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، صاحب المسند، قال أحمد بن محمد الكندي: قد رأيت الإمام أحمد بن حنبل في النوم، فقلت: يا أبا عبد الله، ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، ثم قال: يا أحمد
(1)
أخرجه ابن ماجه (205). وصححه الألباني في صحيح الجامع (2712).
(2)
سورة النحل، الآية:125.
(3)
سورة المائدة، الآية:2.
(4)
سورة آل عمران، الآية:104.
(5)
الديباجة (ص 93 - 94/ رسالة علمية).
ضربت فيّ ستين سوطًا، قلت: نعم يا رب، قال: هذا وجهي قد أبحتك فلتنظر إليه
(1)
؛ ورئي الإمام أحمد بن حنبل في المنام أيضًا، فقيل له: ما فعل الله بك يا إمام؟ فقال: قدم لي مائدة عليها من ألوان الأطعمة حتى المكتبك، وسمعته يقول عز وجل ذكره:[كردد ده ده ده]
(2)
أنا صاحب العزة، خضع كل شيء لسطاني ولعزي، ما قرئت على مريض إلا عافاه ولا مجنون إلا شفاه، وقال أبو بكر أحمد بن الحجاج حدثني رجل من أهل طرسوس قال: دعوت الله عز وجل أن يريني أهل القبور حتى أسألهم عن الإمام أحمد بن حنبل ما فعل الله به؟ فرأيت بعد عشر سنين في المنام كأن أهل القبور قد قاموا على قبورهم فبادروني بالكلام فقالوا: يا هذا تدعوا الله أن يريك إيانا تسألنا عن رجل لم يزل منذ فارقكم تحلية الملائكة تحت شجرة طوبى، قال أبو محمد عبد الحق: وهذا الكلام من أهل القبور إنما هو إخبار عن علو درجة أحمد بن حنبل وارتفاع مكانه وعظم منزلته، فلم يقدروا أن يعبروا عن عظمة حاله وعما هو فيه إلا بهذا وما هو في معناه
(3)
، قال صاجما العلم المشهور
(4)
: رحلت إلى مدينة واسط بالعراق فقرأت مسند الإمام أبي عبد الله أحمد بن حثبل، وفيه أربعون ألف حديث بزيادات ابنه عبد الله، قال حنبل بن إسحاق:
(1)
الروح (ص 49).
(2)
كذا هو بالأصل وحاشا أن يكون ما ذكر صوابا فهو من خرافات وضلالات الصوفية التي تعتمد طلاسما وألفاظا سريانية في أدعيتها الضالة.
(3)
الروح (ص 49).
(4)
العلم المشهور (لوحة (54/ خ).
جمعنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبد الله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه غيرنا، وقال لنا: هذا الكتاب قد جمعته من سبعمائة ألف وخمسين ألفا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة
(1)
. وكان قتيبة بن سعيد صاحب مالك بن أنس وشيخ أحمد بن حنبل يقول: أحمد بن حنبل إمام الدنيا، وقد ألف الناس في فضائله وأفردوا لها كتابًا كبيرًا، واختلف ولداه الإمامان أبو عبد الرحمن عبد الله، والثاني بأصبهان صالح، في أي شهر ولد الإمام أحمد؟ فحدثنا غير واحد من شيوخنا عن الثقة أبي علي الحداد فذكره إلى أن قال: حدثنا سليمان بن أحمد قال: سمعت عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل يقول: سمعت والدي يقول: ولدت سنة أربع وستين ومائتان أولها في شهر ربيع الآخر، قال عبد الله: وتوفي في يوم الجمعة ضحوة، ودفناه بعد العصر وصلى عليه محمد بن عبد الله بن طاهر غلبنا على الصلاة عليه، وكنا قد صلينا عليه نحن والهاشميون داخل الدار لاثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، وكانت له ثمان وسبعون سنة، قال عبد الله: خضب أبي رأسه ولحيته بالحاء وهو ابن ثلاث وستين سنة، وسنده إلى أبي نعيم فذكره إلى أن حدثنا أبو الفضل صالح بن الإمام أحمد قال: سمعت أبي يقول: ولدت سنة أربع وستين ومائة في أولها في شهر ربيع الأول، قال أبو الفضل: وتوفي أبي في يوم الجمعة لثنتي عشر ليلة خلت من ربيع الأول من
(1)
الفروسية (ص 271).
سنة إحدى وأربعين ومائتين، فكان سنه من يوم ولد إلى أن توفي سبعة وسبعين سنة، قال (ابن دحية) صاحب العلم المشهور: وقول أبي الفضل هو الصواب لأنه الذي يقتضيه الحساب أنه ولد على قوليهما سنة أربع وستين، وإنما اختلفا في الشهر فقط، وقيده بظاهر الحديث من الجانب المغربي من بغداد على دجلة وقد زرته غير مرة
(1)
، انتهى، وسيأتي الكلام على مناقبه أبسط من هذا.
قوله: ورواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة، ابن ماجه: الإمام الحافظ العلامة المفسر أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني المتقن الحجة ذو الرحلة الواسعة والعلوم النافعة، سمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر والشام وغيرها من البلاد جماعة يطول ذكرهم، قال الرافعي في أماليه: كان ابن ماجه من أئمة الحديت المعتبرين الموثوق بقولهم وكتابهم، صنف التفسير والتاريخ وجامع السنن، وكان يقول: عرضت هذه السنن على الحافظ أبي زرعة عبد الله بن عبد الكريم الرازي فنظر فيها وقالوا: ما أظن أن وقع هذا في أيدي الناس إلا بتعطيل هذه الجوامع أو أكثرها، ثم قال لعله لا يكون فيه تمام الثلاثين حديثًا مما في إسناده ضعف، وكان لأبي زرعة المنتهى في الحفظ، وكان لقب لأبيه بفتح الميم والجيم، وبينهما ألفٌ وفي آخره هاء ساكنة، قال أبو يعلى الخليلي وأبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: قال
(1)
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (1/ 110 - 112 ترجمة 46)، والعلم المشهور الوحة 54 و 55/خ).
الحافظ الذهبي في طبقات الحفاظ: كتاب السنن لابن ماجه كتاب حسن لولا ما كدره من الأحاديث الواهية، وليست بالكثيرة، وعدد كتب الكتاب المذكور اثنان وثلاثون كتابًا، قال أبو الحسن بن القطان: في السنن ألف وخمس مائة باب وجملة ما فيها أربعة آلاف حديث، ولد أبو عبد الله في سنة تسع ومائتين، وتوفي لثمان بقين من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين
(1)
، والله أعلم، قاله في الديباجة.
97 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ من نفس تقتل ظلما إِلَّا كَانَ على ابْن آدم الأول كفل من دَمهَا لِأَنَّهُ أول من سنّ الْقَتْل رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
(2)
.
قوله: عن عبد الله بن مسعود، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم "ما من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها" لأنه أول من سن القتل بابن آدم الأول هو قابيل، أي: على قابيل أول ولد لآدم عليه السلام، بسبب أنه سن القتل في بني آدم بقتله أخاه هابيل ظلمًا
(3)
، وهو أول من عصى على وجه الأرض، وقتل وكفر من الإنس، ولما فعل ذلك بأخيه هرب وبنى قرية يقال لها جمرة، وقابيل: هو أول من عبد النار،
(1)
انظر ترجمته: تهذيب الكمال (27/ الترجمة 5710).
(2)
أخرجه البخاري (3335) و (6867) و (7321)، ومسلم (27 - 1677)، والترمذى (2673)، والنسائي في المجتبى 6/ 474 (4020)، وابن ماجه (2616).
(3)
تحفة الأبرار (1/ 152).
وأنه أشقى البرية كلها وأن عليه نصف عذاب الخلق كلهم
(1)
.
وروى الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أشقى الناس ثلاثة: عاقر ناقة ثمود، وابن آدم الذي قتل أخاه، ما سفك على الأرض من دم إلا حقه منه لأنه لأول من سن القتل، والثلث: قاتل علي بن أبي طالب وهو ابن ملجم، لعنه الله"
(2)
.
وفي الحديث يقاسم ابن أدم أهل النار قسمة صحاحًا
(3)
يعني: قابيل الذي قتل أخاه قابيل أي: أنه تقاسم قسمة صحيحة، فله نصفها ولهم نصفها؛ الصحاح: بالفتح بمعنى الصحيح يقال: درهم صحيح وصحاح، ويجوز أن يكون بالضم كطوال في طويل، ومنهم من يرويه بالكسر، ولا وجه له، قاله
(1)
كنز الدرر (2/ 63 - 64).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 518 رقم 14399)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 307 - 308)، والواحدى في الوسيط (283). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 14) و (7/ 299):"قلت: سقط من الأصل الثالث، والظاهر أنه قاتل علي رضي الله عنه، وفيه ابن إسحاق وهو مدلس"، وقال في (7/ 299):"قلت: وأسقط الثالث، والظاهر أنه: قاتل علي ابن أبي طالب كما ورد؛ رواه الطبراني، وفيه حكيم بن جبير؛ وهو متروك، وضعفه الجمهور، وقال أبو زرعة: محله الصدق إن شاء الله، وابن إسحاق مدلس". قال أبو نعيم: غريب من حديث سعيد لم نكتبه إلا من حديث سلمة. وضعفه الألباني في الضعيفة (1987).
(3)
أخرجه البزار (2476)، والطبرى في التفسير (8/ 334) والطحاوى في مشكل الآثار (7/ 204)، والبيهقي في الشعب (7/ 242 رقم 4939) عن عبد الله بن عمرو موقوفا. وقال الهيثمى في المجمع 1/ 168: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، إلا أني لم أر من ترجم لشيخ البزار عبد الله بن إسحاق العطار، يروي عن عفان.
ابن الأثير في النهاية
(1)
.
وقابيل: هو أول من يساق إلى النار، قال الله تعالى:(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)
(2)
وهما: قابيل وإبليس، فإن ابن آدم الأول المذكور هنا قابيل أخاه هابيل لما تنازعا تزويج إقليميا فأمرهما آدم عليه السلام أن يقربا قربانا فمن يقبل قربانه كانت له فتقبل قربان هابيل فحسده قابيل فقتله بغيًا وعدوانًا
(3)
.
قال الماوردي في سبب هذا القتل منها قولان، أحدهما: أن قابيل وتوئمته كانتا من ولادة الجنة، وهابيل وتوأمه كانتا من ولادة الأرض، والثاني: أن توأمة قابيل كانت أحسن من توأمة هابيل فاختصما إلى آدم عليه السلام فأمرهما أن يقربا قربانا، وكان هابيل راعيا فقرب سخلة، وكان قابيل حراثًا فقرب حزمة زرع فنزلت نار من السماء رفعت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فكان ذلك علامة القبول
(4)
، انتهى.
وقيل: ولدت حواء لآدم عليه السلام أربعين [بطنًا]
(5)
في كل بطن ذكر وأنثى،
(1)
النهاية (3/ 12).
(2)
سورة فصلت، الآية:29.
(3)
المفهم (15/ 112).
(4)
النكت والعيون (2/ 28).
(5)
كذا بالأصل وصوابه: أربعين ولدا في عشرين بطنا. انظر: تفسير البغوى (3/ 41)، وبستان العارفين (ص 383)، والمنتظم (1/ 217)، والكامل (1/ 38)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 340).
قال الكسائي: إلا شيث عليه السلام فإنها حملت به وحده
(1)
لأن نور المصطفى صلى الله عليه وسلم يصل إليه، وكان آدم عليه السلام يزوج كل بطن بأنثى من بطن آخر ولا يزوج أحدا من نفس البطن، فأراد آدم عليه السلام أن يزوج أخت قابيل لهابيل فحسده قابيل وقتله، كما تقدم، والحسد أول معصية عصى الله بها في السماء وأول معصية عصى الله بها في الأرض، أول من حسد في السماء إبليس حسد آدم عليه السلام فلم يسجد له، وأول من حسد في الأرض قابيل فقتل هابيل، فكان الحسد حاملا لإبليس على الكفر وحاملا لقابيل على القتل
(2)
.
تتمة: قال أبو حامد الغزالي رحمه الله
(3)
: والحسد أنواع، الأول: أن يتمنى زوال النعمة عن غيره وحصولها، الثاني: أن يتمنى مجرد زوالها وإن لم تحصل له إما لأن عنده مثلها أو لكونه لا يطلبها لنفسه، وهذا أشر من الأول؛ الثالث: أن يكره حدوث النعمة لغيره وهو حرام، ويجب عليه أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويستحب أن يحمد الله تعالى على حصول النعمة لغيره كما يحمد الله تعالى عليها إذا حصلت له، قال جبريل عليه الصلاة والسلام حين شرب اللبن ليلة الإسراء الحمد لله، لو شربت الخمر لغوت أمتك، الرابع: أن لا يكره النعمة لغيره إذا كانت مساوية للنعمة التي عليه ويكره له حصول منزلة ودرجة أعلى من منزلته ودرجته ويرضى
(1)
عرائس المجالس (ص 69).
(2)
تنبيه الغافلين (1/ 178 - 179)، وأدب الدنيا والدين (ص 269).
(3)
الإحياء (3/ 191 - 192).
بالمساواة ولا يرضى بالزيادة، فهذه الأنواع كلها حرام يشملها اسم الحسد، والحسود غير راض بقسمة الله تعالى وحكمته في الخلق، فمن أعطى شيئا من هذه الأشياء فليشكر الله تعالى، ومن وجد في قلبه مرضا من هذه الأمراض فعليه بالتوبة حتى يزول فإن لم يعالجه أثم، والله أعلم، انتهى.
تتمة: وروى أن آدم عليه الصلاة والسلام نزل إلى مكة وجعل قابيل وصيا على أهل بيته فقتل قابيل هابيل، فلما رجع آدم قال: أين هابيل؟ قال قابيل: لا أدري، فقال آدم: اللهم العن أرضا شربت دمه فم ذلك الوقت ما شربت الأرض دما، ثم إن آدم عليه السلام بقي مائة عام لا يبتسم حتى جاءه ملك فقال له: حياك الله يا آدم وبياك، قال: ما يبكيك، قال: اضحك؛ وقال مقاتل: وكان قبل ذلك السباع والطيور تستأنس بآدم، فلما قتل قابيل هابيل هربت منه الطير والوحش وشاكت الأشجار وحمضت الفواكه وتملحت المياه واغبرت الأرض؛ وفي حديث وهب: تأبل آدم على ابنه المقتول كذا وكذا عاما لم يصب حواء، أي: امتنع من غشيانها أعواما وتوحش عنها، والفعل منه أبل يأبل إبالة إذا تنسك وترهب.
فائدة: الحكمة في أن الله تعالى بعث إلى قابيل لما قتل أخاه هابيل غرابا ولم يبعث له الطيور ولا من الوحش لأن القتل كان مستغربا جدًا إذ لم يكن معهودًا قبل ذلك فناسبه الغراب؛ وروى أن قابيل حمل أخاه ومشى حتى أروح فلم يدر ما يصنع به فبعث الله غرابين قتل أحدهما الآخر ثم بحث في الأرض بمنقاره ودفن أخاه فاقتدى به قابيل فكان بعث الغراب حكمة ليرى
ابن آدم كيفية المواراة وهو معنى: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ)
(1)
، واختلف في أول من سن القبر، فقيل: الغراب لما قتل قابيل هابيل لقوله تعالى تعلم الدفن ولكن ترك أخاه بالعراء استخفافا به، والأول أصح
(2)
.
لطيفة: أسند عن أبي مرواح قال: بعث نوح عليه السلام بالغراب والحمامة حيث استقرت السفينة على الجودي تلتمسان له الجد، يعني: الأرض، فأما الغراب فرأى جيفة فوقع عليها وأكل منها، وأما الحمامة فجاءت عاضة على غصن شجرة بطين، قال: فدعا للحمامة بالبركة وأما الغراب فلعنه وقال له قولًا شديدًا
(3)
، انتهى.
تتمة: قالوا ولم يمت آدم عليه السلام حتى رأى من نسله أربعين ألفا، ولم يبق من نسله أحد إلا نسل نوح عليه السلام، قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)}
(4)
الآية، ذرية نوح عليه السلام سام وحام ويافث، أبو الروم، قال سمعت وهب بن منبه يقول: إن سام بن نوح أبو العرب وفارس والروم، وإن حام بن نوح عليه السلام أبو السودان، وإن يافث بن نوح أبو الترك، وأن يأجوج ومأجوج هم بنوهم
(5)
، وقال بعض الفقهاء: ومن
(1)
سورة عبس، الآية:21.
(2)
حياة الحيوان (2/ 241).
(3)
روضة العقلاء (ص 113).
(4)
سورة الصافات، الآيتان: 77 - 78.
(5)
تاريخ ابن خيثمة (3320).
ذلك يأجوج ومأجوج والأتراك فمن يافث والسودان من حام والباقون من سام
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها"، والكفل: بكسر الكاف، والمرد به: الجزء والنصيب، وقال الخليل: هو الضعف
(2)
أي نصيبٌ من دم كل امرئ فقتل ظلمًا
(3)
، قال: وهذا الحديث من قواعد الإسلام، وهو: أن كل من ابتدع شيئا من الشر كان عليه مثل وزر كل منة اقتدى به في ذلك فعمل مثل عمله إلى يوم القيامة، ومثله من ابتدع شيئا من الخير كان له مثل أجر كل من يعمل به إلى يوم القيامة، وهو موافق للحديث الصحيح:"من سن سنة حسنة، ومن سن سنة سيئة" وللحديث الصحيح أيضًا: "ما من داع يدعو إلى هدى، وما من داع يدعو إلى ضلالة" وتقدم ذلك
(4)
.
وقال القرطبي: يدخل في عموم هذا الحديث نفس الذمي والمعاهد إذا قتل ظلما لأن نفسا نكرة في سياق النفي فهي للعموم، وقوله:"لأنه أول من سن القتل" نص على تعليل ذلك الأمر لأنه لما قال: "أول من قتل" كان قتله ذلك تنبيها لمن أتى بعده وتعليمًا له فيمن قتل كأنه اقتدى به في ذلك فكان
(1)
المدهش (ص 65).
(2)
إكمال المعلم (5/ 478)، مشارق الأنوار (1/ 364).
(3)
تحفة الأبرار (1/ 152).
(4)
شرح النووي على مسلم (11/ 166).
عليه من وزره، وهذا جارٍ في الخير والشر كما قرر
(1)
.
وَعَن وَاثِلَة بن الأسْقَع رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من سنّ سنة حَسَنة فَلهُ أجرهَا مَا عمل بهَا فِي حَيَاته وَبعد مماته حَتَّى تتْرك وَمن سنّ سنة سَيِّئَة فَعَلَيهِ إثمها حَتَّى تتْرك وَمن مَاتَ مرابطا جرى عَلَيْهِ عمل المرابط حَتَّى يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الطَّبرانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ.
(2)
قَالَ الْحَافِظ: وَتقدم فِي الْبَاب قبله حَدِيث كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبلَال بن الْحَارِث اعْلَم يَا بِلَال قَالَ مَا أعلم يَا رَسُول الله قَالَ إِنَّه من أَحْيَا سنة من سنتي قد أميتت بعدِي كَانَ لَهُ من الأجر مثل من عمل بهَا من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْئا وَمن ابتدع بِدعَة ضَلَالَة لَا يرضاها الله وَرَسُوله كَانَ عَلَيْهِ مثل آثام من عمل بهَا لَا ينقص ذَلِك من أوزار النَّاس شَيْئا رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه
(3)
.
قوله: وروى عن واثلة بن الأسقع، هو: واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة أبو الأسقع، ويقال: أبو قِرصافة بكسر القاف،
(1)
المفهم (15/ 121 - 122).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 74 رقم 184) والشاميين (2560)، وابن عدى في الكامل (7/ 398). قال ابن عدى: ولعمر بن رؤبة غير ما ذكرت وليس بالكثير، وإنما أنكروا عليه أحاديثه عن عَبد الواحد النصري. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 168: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (65) و (1222).
(3)
سبق تخريجه برقم (92) وهو ضعيف جدًّا.
ويقال: أبو الخطاب، ويقال: أبو شداد الليثي الكناني، أسلم قبل تبوك والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز لها، وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أهل الصفة فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الشام، وكان يشهد المغازي بدمشق وحمص، وقيل: إنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة وخمسون حديثا، روي له البخاري حديثا ومسلم آخر، سكن الشام ثم اسوطن بيت حيرين وهي بلدة بقرب بيت المقدس ودخل البصرة، وكان له دار، روى عنه: عبد الواحد بن عبد الله النصري بالصاد المهملة وأبو إدريس الخولاني ومكحول وغيرهم، توفي سنة ست أو خمس وثمانين وهو ابن ثمان وتسعين سنة، قاله أبو مسهر، قال سعيد بن خالد: توفي سنة ثلاث وثمانين وهو ابن مائة وخمس سنين، والصحيح: الأول، قال قتادة: كان آخر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم موتا بمكة عبد الله بن عمر، وكان آخرهم موتًا بالمدينة جابر بن عبد الله، وآخرهم موتًا بمصر سهل بن سعد، وآخرهم موتًا بالكوفة عبد الله بن أوفى، وآخرهم موتا بالبصرة أنس بن مالك، وآخرهم موتا بدمشق واثلة بن الأسقع، وآخرهم موتا بحمص عبد الله بن بسر يعني بعد أبي أمامة
(1)
، انتهى، قاله في الديباجة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة فله أجرها ما عمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك" الحديث، أي: أتى بطريقة مرضية يقتدى به فيها فله أجره، وتقدم الكلام على ذلك في البداءة بالخير، وقال بعض العلماء في قوله:"من سن سنة حسنة" أي: فعل فعلا بحيث يقتدى به، وكذلك إذا فعل فعلا قبيحًا
(1)
انظر ترجمته: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 141 - 142 ترجمة 662)، وتهذيب الكمال (30/ الترجمة 6659).
فاقتدى به، ويفيد الترغيب في الخير المتكرر إثمه بسبب الاقتداء، والتحذير من الشر المتكرر إثمه بحسب الاقتداء
(1)
. والله أعلم.
98 -
وَعَن سهل بن سعد رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن هَذَا الْخَيْر خَزَائِن ولتلك الخزائن مَفَاتِيح فطوبى لعبد جعله الله عز وجل مفتاحا للخير مغلاقا للشر وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن أبي عَاصِم وَفِي سَنَده لين وَهُوَ فِي التِّرْمِذِيّ بِقصَّة
(2)
.
قوله: "عن سهل بن سعد" هو أبو العباس، وقيل: أبو يحيى سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصارى الساعدى المدنى، كان اسمه حزنًا، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سهلًا. شهد سهل قضاء رسول الله في المتلاعنين، قال الزهرى: سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة. وتوفى بالمدينة سثة ثمان وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين. قال ابن سعد: هو آخر من مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ليس فيه خلاف. وقال غيره: بل فيه خلاف. روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثمانية وثمانون حديثًا، اتفقا على ثمانية وعشرين، وانفرد البخارى بأحد عشر. روى عنه الزهري،
(1)
المفهم (9/ 33).
(2)
أخرجه ابن ماجه (238)، وابن أبي عاصم في السنة (296 و 298). ولم يخرجه الترمذى.
وضعفه جدا الألباني في المشكاة (5208)، وحسنه فيصحيح الترغيب (66) والصحيحة (1332).
وأبو حازم، وغيرهما
(1)
.
قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا الخير خزائن، لتلك الخزائن مفاتيح" الحديث. قال العلماء رضي الله عنهم: قد جعل الله سبحانه وتعالى لكل مطلوب مفتاحا يفتح به، وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم، وأن من أنفع أبواب العلم باب معرفة مفاتيح الخير والشر، ولا يوفق لمعرفتها والعمل بها إلا من وفقه الله تعالى، فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحًا وبابًا يدخل منه إليه كما جعل الشرك والكفر والإعراض عما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا للنار، وجعل مفتاح الصلاة والطهور كما قال صلى الله عليه وسلم:"مفتاح الصلاة الطهور"، قال ابن العربي قوله صلى الله عليه وسلم:"مفتاح الصلاة الطهور"، من مجاز التشبيه؛ لأن الحديث لما كان مانعًا من الصلاة كان كالقفل الموضوع على الحدث حتى إذا توضأ انحل الغلق، وهذه استعارة بديعة، وكذلك قوله:"مفتاح الجنة الصلاة" بيَّن فيه أن أبواب الجنة مغلقة تفتحها الطاعات وركن الطاعات الصلاة، وقد ذكر البخاري عن وهب بن منبه أنه قال:"مفتاح الجنة لا إله إلا الله، وما من مفتاح إلا له أسنان"
(2)
يعني: العبادات؛ فإن جئت بالمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح، ويتفاضل الإنسان في الفعل في الصغر والكبر والتأصيل والتفريع،
(1)
انظر ترجمته: تهذيب الأسماء واللغات (1/ 238 ترجمة 237)، وتهذيب الكمال (12/ الترجمة 2612).
(2)
رواه البخاري تعليقًا 3/ 88 في الجنائز في فاتحته، قال الحافظ في الفتح: وقد وصله المصنف في التاريخ، وأبو نعيم في الحلية.
فكذلك العبادات، انتهى؛ وجعل مفتاح الحج الإحرام، ومفتاح البر الصدقة، ومفتاح الجنة التوحيد، ومفتاح العلم حسنة السؤال وحسن الإصغاء، ومفتاح النصر والظفر الصبر، ومفتاح المزيد الشكر، ومفتاح الإجابة الدعاء، ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا، ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه، ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى، ومفتاح كل خير الرغبة في الله تعالى والدار الآخرة، ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل، وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان، وجعل المعاصي مفتاح الكبر، وجعل الكذب مفتاح النفاق، وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم وأخذ المالى من غير حله، وجعل الخمر مفتاح كل إثم، وجعل النظر مفتاح النظر، وجعل مفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار، ومفتاح التقوى لا حول ولا قوة إلا بالله، ومفتاح الجنة والولاية الذكر، وجعل مفتاح إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب، وجعل الإعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مفتاح كل بدعة وضلالة، وهذه الأمور لا يصدق بها إلا من له بصيرة صحيحة وعقل يعرض به عما في نفسه وما في الوجود من خير أو شر، فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعله الله له، وكان أنس بن مالك يقول: إن الله جعل للخير مفاتيح وللشر مفاتيح وإن ثابت البناني من مفاتيح الخير
(1)
، انتهى، قاله في حادي الأرواح
(2)
.
(1)
الزهد (1420) لأحمد.
(2)
حادي الأرواح (ص 68 - 69).
قوله: "فطوبى لعبد جعله الله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر"؛ طوبى عند النحويين فعلى من الطيب، قلبت الياء فيه واوًا لانضمام ما قبلها وهو طيب العيش له، وقيل: طوبى هي الخير وأقصى الأمنية، وقيل: طوبى اسم الجنة، وقيل: اسم شجرة وقيل غير ذلك
(1)
.
قوله: "وويل لعبد جعله الله مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير"، الحديث؛ الويل: دعاء بالهلكة، يقال لكل واقع في هلكة، والويل والحزن والهلاك: المشقة من العذاب
(2)
، وسيأتي الكلام على ذلك قريبًا أبسط من هذا.
99 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله مَا من دَاع يَدْعُو إِلَى شَيْء إِلَّا وقف يَوْم الْقِيَامَة لَازِما لدعوته مَا دَعَا إِلَيْهِ وَإِن دَعَا رجل رجلا رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَرُوَاته ثِقَات
(3)
.
قوله: عن أبي هريرة؛ هو أحفظ هذه الأمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه:"أبو هريرة وعاء العلم"، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يرزقه علما لا ينسى، وقال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره
(4)
، قال أبو هريرة: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين، فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا
(1)
شرح النووي على مسلم (2/ 176).
(2)
النهاية (5/ 235 - 236).
(3)
أخرجه ابن ماجه (208)، وابن أبي عاصم في السنة (112). قال البوصيرى في الزجاجة 1/ 29: هذا إسناد ضعيف ليث هو ابن أبي سليم ضعفه الجمهور. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (43)، والظلال (112).
(4)
تاريخ دمشق (67/ 341).
الماء، الوعاء: ما يوضع فيه الشيء؛ وبثثته حتى نشرته وفرقته، والمراد: الحديث الذي رواه والبلعوم مجرى الطعام، ولقائل أن يقول: كيف استجاز كتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"بلغوا عني ولو آية"، وكيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما إذا قتل راويه وكيف يستجيز المسلمون من الصحابة الإخبار قتل من يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فالجواب: أن هذا الذي كتمه ليس أمر الشريعة فإنه لا يجوز كتمانها، وقد كان أبو هريرة يقول: لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى)
(1)
فكيف يظن به أنه يكتم شيئًا من الشريعة بعد هذه الآية وبعد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عنه، وقد كان يقول لهم:"ليبلغ الشاهد منكم الغائب"، وإنما هذا المكتوم مثل أن يقول: فلان منافق وستقتلون عثمان وهلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش بنو فلان، فلو صرح بأسمائهم لكذبوه وقتلوه، حكاه أبو الفرج عبد الرحمن بن علي، قاله في حاشية كتاب المشارق
(2)
، تقدم الكلام على مناقبه رضي الله عنه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من داع يدعوا إلى شيء إلا وقف يوم القيامة لازمًا لدعوته ما دعا إليه وإن دعا رجل رجلًا"، ومعنى الحديث، والله أعلم، أن كل من ابتدع شيئا من الشر كان عليه مثل وزر كل من اقتدى به في ذلك العمل مثل عمله إلى يوم القيامة ومثله من ابتدع شيئا من الخير كان له مثل أجر كل من يعمل
(1)
سورة البقرة، الآية:159.
(2)
كشف المشكل (2/ 534 - 535).
به إلى يوم القيامة وهو موافق للحديث الصحيح من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة وللحديث الصحيح من دل على خير فله مثل أجر فاعله ويدل لذلك من الكتاب العزيز قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)}
(1)
، وقوله:(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)
(2)
.
* * *
(1)
سورة الفرقان، الآية:74.
(2)
سورة التوبة، الآية:24.