المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌أهمية هذا الكتاب:

- ‌القسم الأول ترجمة الحافظ المنذري

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌نشأته وتعلمه:

- ‌شيوخه:

- ‌ومن أهم شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌مؤلفاته:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌أهم مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌القسم الثاني دراسة موجزة لكتاب الترغيب والترهيب للمنذري

- ‌الباعث على تأليفه:

- ‌موضوعه:

- ‌مصادره وكيفية عزوه إليها:

- ‌اصطلاحه في الكتاب:

- ‌حكمه على الحديث:

- ‌القيمة العلمية للكتاب:

- ‌تعقبات على الترغيب والترهيب:

- ‌مختصرات الترغيب والترهيب:

- ‌القسم الثالث ترجمة الشارح

- ‌اسمه، ونسبه، ونسبته:

- ‌شيوخه:

- ‌وأما أقرانه:

- ‌تلاميذه:

- ‌مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه وبعضر الانتقادات التي وجِّهت إليه:

- ‌عقيدته:

- ‌آثاره العلمية:

- ‌القسم الرابع: التعريف بكتاب فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب

- ‌نسبة الكتاب إليه وسبب تأليفه:

- ‌سبب تأليفه:

- ‌موضوع الكتاب:

- ‌موارد المؤلف في الكتاب، وطريقته في النقل منها:

- ‌أولًا: موارد المؤلف في الكتاب:

- ‌ثانيًا: منهجه وطريقته في النقل

- ‌المطلب الرابع: القيمة العلمية للكتاب، والمآخذ عليه

- ‌أولًا: القيمة العلمية للكتاب

- ‌ثانيًا: أهم المآخذ عليه:

- ‌وَصْفُ النُّسَخ الخَطِّيَّة المُعْتَمَدَةِ في التَّحقِيق، وصورٌ منها:

- ‌عملي في الكتاب:

- ‌أولًا: تحقيق النص:

- ‌منهجي في التحقيق:

- ‌توثيق النص:

- ‌نماذج من النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق

- ‌فصل فيما يتعلق بما [يخصه] قوله: "الحمد للّه

- ‌فصل في ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌الترغيب في الإخلاص والصدق والنية

- ‌خاتمة في المدح والذم

- ‌فصل

- ‌المعصية بأحد الحرمين

- ‌الترهيب من الرياء، وما يقوله من خاف شيئا منه

- ‌[من صلى فطولها من أجل الناس]

- ‌[سيدنا عوف بن مالك الأشجعي الصحابي]:

- ‌ عبد الملك بن مروان

- ‌[المعصية بأحد الحرمين]:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌[الترغيب في إتباع الكتاب والسنة]

- ‌الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء

- ‌خاتمة الباب

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْبدَاءَة بِالْخَيرِ ليستن بِهِ والترهيب من الْبدَاءَة بِالشَّرِّ خوف أَن يستن بِهِ]

- ‌كتاب العلم

- ‌الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌الترغيب في الرحلة في طلب العلم

- ‌الترغيب بها سماع الحديث وتبليغه ونسخه والترهيب من الكذب على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين

‌كتاب العلم

‌الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين

تقدم الكلام على الكتاب وأنه في اللغة مأخوذ من الكتب وهو الضم، يقال: تكتبت بنو فلان إذا تجمعوا، ومنه قيل لجماعة الخيل كتيبة، وللكتابة بالقلم كتابة لاجتماع الحبر، والباب في اللغة: ما يتوصل به إلى المقصود، وفي الاصطلاح: ما افتتح به أحكام مندرجة تحت اسم خاص، وقد يدرج في الباب ما لا يصدق عليه اسم الترجمة لتعلقه بها

(1)

. والله أعلم.

قوله: الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه، قد تظاهرت الآيات والأخبار والآثار وتواترت وتطابقت الدلائل الصريحة وتوافقت على فضيلة العلم والحث على تحصيله والاجتهاد في أسبابه وتعليمه، فأما الآيات: قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)

(2)

، وقال تعالى:(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)

(3)

، وقال تعالى:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)

(4)

وقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا

(1)

كفاية النبيه (1/ 106)، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 419).

(2)

سورة الزمر، الآية:9.

(3)

سورة طه، الآية:114.

(4)

سورة فاطر، الآية:28.

ص: 624

مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)

(1)

؛ وأما الأحاديث فسنذكر الأحاديث والآثار في ذلك أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر، فالعلم: معرفة المعلوم على ما هو عليه، فإذا قلت: عرفت زيدًا فالمراد: شخصه، وإذا قلت: علمت زيدًا، أردت العلم بأحواله من فضل ونقص، انتهى

(2)

.

100 -

عَن مُعَاوِيَة رضي الله عنه: قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدِّين" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مَاجَه

(3)

وَرَوَاهُ أَبُو يعلى وَزَاد فِيهِ وَمن لم يفقهه لم يبال بِهِ

(4)

. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير

(5)

وَلَفظه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول يَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا الْعلم بالتعلم وَالْفِقْه بالتفقه وَمن يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين و (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)

(6)

وَفِي إِسْنَاده راو لم يسم.

(1)

سورة المجادلة، الآية:11.

(2)

تفسير القرطبي (1/ 439)

(3)

أخرجه البخاري (71) و (3116) و (7312)، ومسلم (98 - 1037) و (100 - 1037) و (175 - 1037)، وابن ماجه (221).

(4)

أخرجه أبو يعلى (7381)، والطبراني في الشاميين (428). قال الهيثمى في المجمع 1/ 183: رواه أبو يعلى - وفي الصحيح منه: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" - وفيه الوليد بن محمد الموقري، وهو ضعيف. وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (6708).

(5)

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 395 رقم 929) والشاميين (758)، والبيهقي في المدخل (352). قال الهيثمى في المجمع 1/ 128: رواه الطبراني في الكبير، وفيه رجل لم يسم، وعتبة بن أبي حكيم وثقه أبو حاتم، وأبو زرعة، وابن حبان، وضعفه جماعة. وصححه الألباني في الصحيحة (342)، وصحيح الترغيب (67).

(6)

سورة فاطر، الآية:28.

ص: 625

قوله: عن معاوية؛ هو: معاوية بن أبي سفيان، فيمن نزل الشام من الصحابة، وهو من الموصوفين بالدهاء والحلم، وذكروا أن عمر بن الخطاب لما دخل الشام ورأى معاوية قال: هذا كسرى العرب، ولما حضرته الوفاة أوصى أن يكفن في قميص كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كساه إياه، وأن يجعل مما يلي جسده، وكان عنده قلامة أظفار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصى أن تسحق وتجعل في عينيه وفمه، وقال: افعلوا ذلك بي وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين

(1)

، وقال ابن قتيبة في المعارف

(2)

: لم يولد لمعاوية في خلافته ولد، وكان معاوية صاحبه (وصهره صلى الله عليه وسلم) وكاتبه وأمينه على وحي الله تعالى

(3)

، وتقدم الكلام على مناقبه مبسوطًا، والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" الحديث، فيه: فضيلة العلم والفقه في الدين والحث عليه، وسببه: أنه قائد إلى الله تعالى

(4)

.

وأقيم قوله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" مقتضاه: أن من لم يفقهه في الدين لا يراد به خيرًا، وكفى بذلك حسرة وشقاوة

(5)

.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 101 - 102 الترجمة 588).

(2)

المعارف (ص 250).

(3)

تاريخ بغداد (1/ 577).

(4)

انظر شرح النووي على مسلم (7/ 128)، وفى الديباجة (جزء من رسالة علمية ص 145) قال: وسببه أنه قائد إلى التقوى والتقوى قائد إلى الجنة.

(5)

مفتاح دار السعادة (1/ 60).

ص: 626

وقوله: "من يرد الله به خيرًا" مشتق من الإرادة وهي عند الجمهور صفة مخصصة لأحد طرفي المقدور بالوقوع، وقيل: اعتقاد النفع أو الضر، وقيل: ميل يتبعه الاعتقاد، وهذا لا يصح في الإرادة القديمة، وقوله:"خيرًا" أي: منفعة وهي اللذة

(1)

، فالمعنى: من يرد الله به جميع الخيرات

(2)

، و"يفقهه في الدين" أي: يفهمه، إذ الفقه الفهم، وفي بعض الروايات:"من يرد الله به خيرًا يفهمه في الدين "وكلاهما صحيح المعنى

(3)

، فأصل الفقه في اللغة: الفهم، والتفقه: أخذ الفقه شيئًا فشيئًا، وقيل: فهم الأشياء الدقيقة، وفي الاصطلاح: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية

(4)

.

فالفقه: الفهم، كما تقدم والتبصر بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فرب سامع لم يفهم ورب سامع فهم، ورب فاهم وغيره أفهم منه، قيل: استفتى الحسن البصري في مسألة فأجاب، فقيل له: إن فقهاءنا لا يقولون مثل هذا فقال: وهل رأيت فقيها قط، الفقيه القائم ليله الصائم نهاره الزاهد في الدنيا الذي لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله فإن قبلت منه حمد الله تعالى وإن ردت عليه حمد الله تعالى

(5)

، وفقه عن الله أمره ونهيه وعلم من صفاته ما يحبه ويكرهه، فذلك هو العالم الذي قيل فيه:"من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"،

(1)

الكواكب الدراري (2/ 37).

(2)

عمدة القارى (2/ 51)، وإرشاد السارى (5/ 204).

(3)

مشارق الأنوار (2/ 162).

(4)

النجم الوهاج (1/ 191).

(5)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (30).

ص: 627

فإذا لم يكن بهذه الصفة فهو من المغرورين

(1)

، انتهى، قاله في الديباجة.

قوله: في رواية أبي يعلى: "ومن لم يفقهه لم يبل به" معناه: أنه لا يبالي به، المراد به عدم الالتفات له (والقبول بنفي السبب وإرادة المسبب).

101 -

وَعَن عبد الله يَعْنِى ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا فقهه فِي الدّين وألهمه رشده" رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد لا بَأْس بِهِ

(2)

.

قوله: عن عبد الله بن مسعود

(3)

، تقدم الكلام على مناقبه.

(1)

الديباجة (ص 139 - 140)، والنجم الوهاج (6/ 282).

(2)

أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد (891)، والبزار (1700)، والطبراني في الكبير (10/ 197 رقم 10445)، وابن عدى في الكامل (1/ 400)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 107)، والبيهقي في القضاء والقدر (164) والمدخل (354). قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى، عن عبد الله إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه عن أبي بكر بن عياش إلا أحمد بن محمد بن أيوب.

وقال أبو نعيم: غريب من حديث الأعمش. تفرد به عنه أبو بكر بن عياش، واختلف في اسمه، فقيل: اسمه كنيته، وقيل: اسمه شعبة. قال الهيثمى في المجمع 1/ 121: رواه البزار والطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. وقال الألباني في الضعيفة (5032) وضعيف الترغيب (44): منكر بهذا التمام.

(3)

زاد في المخطوطة المغربية: عبد الله بن مسعود بن غافل بالغين المعجمة والفاء، الهذلي، حليف بني زهرة الكوفي، كنيته: أبو عبد الرحمن، وأمه: أم عبد بنت عبد ود، أسلمت وهاجرت، فهو صحابي بن صحابية، وكان كثير الولوج على رسول الله صلى الله عليه وسلم والخدمة له، وكان من كبار الصحابة وساداتهم وفقهائهم ومقرئيهم في القرآن والفقه والفتاوي، وفي الحديث قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذنك على أن ترفع الحجاب، وأن ترفع سوادي =

ص: 628

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد به خيرًا فقهه في الدين وألهمه رشده" تقدم الكلام على معنى الخيرية في الحديث قبله، وقيل: فهم الأشياء الدقيقة، يقال: فقه الرجل بالكسر يفقه فقها إذا فهم وعلم، وفقه بالضم إذا صار عالمًا ويفقهه في الدين أي: يجعله فقيها عالما بالأحكام الشرعية ذا بصيرة فيه، فيصير قلبه ينبوع العلم يستخرج بفهمه المعاني الكثيرة من اللفظ الموجز

(1)

.

قال الإمام أبو عبد الله الحكيم الترمذي

(2)

: الفقه هو انكشاف الغطاء عن الأمور، فإذا عبد الله بما أمر ونهى بعد أن فهمه وعدله وانكشف له الغطاء عن تدبيره فيما أمر ونهى فهي العبادة الخالصة، وذلك أن الذي يؤمر بالشيء زين ما أمر وشين ما نهى عنه عمل على بصيرة وعلى عليه أقوى ونفسه بها أسخى وحمد على ذلك وشكر، والذي يعمى عن ذلك فهو حامد القلب كسلان الجوارح، ثم إن الإنسان إذا أخذ حظًا وافرًا من الفقه ينبغي أن

= حتى أنهاك "رواه مسلم، السواد بكسر السين المهملة وبالدال، واتفق العلماء على أن المراد به السرار بكسر السين وبالراء المكررة وهو السر والمساررة، يقال: ساودت الرجل مساودة إذا ساررته، وفيه (دليل) لجواز اعتماد العلامة في الإذن في الدخول، فإذا جعل الأمير والقاضي أو غيرهما رفع الستر الذي على بابه علامة في الإذن في الدخول عليه (اللناس عامة) أو لطائفة خاصة أو لشخص أو جعل علامة غير ذلك جاز (اعتمادها) والدخول إذا وجدت بغير استئذان، وكذا إذا جعل الرجل ذلك علامة بينه وبين خدمه (ومماليكه) وكبار أولاده وأهله فمتى أرخى حجابه لا يجوز (الدخول عليه إلا باستئذان فإذا رفعه جاز) جاز بلا استئذان، والله أعلم، قاله في الديباجة، وتقدم الكلام على ترجمته مبسوطًا. قلت: وهذا كله كلام النووي في شرح مسلم (14/ 150).

(1)

الميسر (1/ 97).

(2)

نوادر الأصول (1/ 171 - 172).

ص: 629

لا يقتصر عليه ويكن ينظر في علم الزهد وفي كلام الحكماء وشمائل الصالحين، فإن الإنسان إذ تعلم الفقه ولم ينظر في الزهد والحكمة قسى قلبه وساء خلقه والقلب القاسي بعيد من الله تعالى، انتهى، قاله في شرح مشارق الأنوار. والمراد بقوله:"يفقهه في الدين" ما شرعه الله لعباده من الأحكام؛ والعباد: جمع عبد، وقيل المراد بالفقه: فهم الأشياء كما تقدم، قال ابن بطال

(1)

: التفهم للعلم هو الفقه فيه، ولا يتم العلم إلا بالتفهيم ولذلك قال علي رضي الله عنه: والله ما عندنا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مؤمن، فجعل الفهم درجة أخرى بعد حفظ كتاب الله تعالى، لأن بالفهم له تتبين معانيه وأحكامه، وقد نفى عليه الصلاة والسلام العلم عمن لا فهم له فقال:"رب حامل فقه لا فقه له"، وقال مالك: ليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو نور يضعه الله في القلوب يدرك فهم المعاني، فمن أراد الفهم فليحضر خاطره ويفرغ ذهنه وينظر إلى بساط الكلام ومخرج الخطاب ويتدبر اتصاله بما قبله وانفصاله منه، ثم يسأل ربه تبارك وتعالى أن يلهمه إلى إصابة المعنى، ولا يتم ذلك إلا لمن علم كلام العرب ووقف على أغراضها في تخاطبها وله عودة قريحة وثاقب ذهن، ألا ترى أن ابن عمر رضي الله عنه فهم من بساط الحديث ونفس القصة أن الشجرة هي النخلة لسؤاله صلى الله عليه وسلم لهم عنها حين أتى الجمار وقوي ذلك عنده بقوله عز وجل:{ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة} قال: هي النخلة، شبهها الله تعالى بالمؤمن، انتهى.

(1)

شرح الصحيح (1/ 157).

ص: 630

102 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الْعِبَادَة الْفِقْه وَأفضل الدّين الْوَرع رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي معاجيمه الثَّلَاثَة وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن أبي ليلى

(1)

.

قوله: عن ابن عمر، تقدم الكلام على ابن عمر مبسوطا في أول هذا التعليق.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل العبادة الفقه"، الفقه: التوصل إلى علم غائب بعلم حاضر، أي: يجعله عالما بالأحكام الشرعية فقيها ذا بصيرة فيبصر قلبه ينبوع الحكمة

(2)

، قال الشافعي: الْعِلمُ زَيْنٌ وَتَشْرِيفٌ لِصَاحِبِهِ

(3)

.

قوله: "وأفضل الدين الورع"، تقدم الكلام على الدين في الحديث قبله، والورع في الأصل: الكف عن المحارم والتحرج منه، يقال: ورع الرجل يرع بالكسر فيهما ورعا ورعة فهو ورع، وورع من كذا ثم استعير للكف عن

(1)

أخرجه الحكيم الترمذى في نوادر الأصول (111) و (1406)، والطبراني في الصغير (2/ 251 رقم 1114) والأوسط (9/ 1407 رقم 9264) والكبير (13/ 73 رقم 13706) و (13/ 205 رقم 13922)، والقضاعى في مسند الشهاب (1290)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 113 - 114 رقم 71 و 72). وقال الطبراني في الأوسط:"لم يرو هذا الحديث عن الشعبي إلا ابن أبي ليلى، ولا عن ابن أبي ليلى إلا خالد؛ تفرد به سليمان". قال الهيثمى في المجمع 1/ 120: رواه الطبراني في الثلاثة، وفيه محمد بن أبي ليلى، ضعفوه لسوء حفظه. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (45).

(2)

الميسر (1/ 97).

(3)

هو صدر من بيت ينسب لأبى الأسود الدؤلى عجزه: * فَاطْلُبْ - هُدِيتَ - فُنُونَ الْعِلْمِ وَالأدباء، انظر: المجموع شرح المهذب (1/ 22)، الفقيه والمتفقه (1/ 187).

ص: 631

المباح والحلال، قاله في النهاية

(1)

، وسيأتي الكلام على الورع في باب منفرد يبسط في الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى.

قوله: في إسناده محمد بن أبي ليلى، وأما ابن أبي ليلى الفقيه المكرر في كتب الفقه الذي له مذهب معروف فاسمه: محمد بن عبد الرحمن الأنصاري القاضي الكوفي، يروي عن شعبة وغيره وخلق، سيء الحفظ، وتوفي سنة ثمان وأربعين ومائة، روي له الأربعة

(2)

.

وأما: عبد الرحمن بن أبي ليلى فهو من أجلّ التابعين، قال عبد الرحمن بن الحارث: ما شعرت أن النساء ولدت مثله، قال عبد الملك بن عمير: رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى. في حلقه فيها نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون لحديثه وينصتون له فيهم البراء بن عازب، مات سنة ثلاث وثمانين، واسم أبي ليلى: يسار، وقيل: بلال، وقيل: داود، وقيل: لا يعرف اسمه، وأبو ليلى صحابي، قتل مع علي بصفين، وعبد الرحمن ثقة إمام، ذكره العقيلي في كتابه لأنه كان يصحب الأمراء مع أنه كان يقول: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من الأنصار إذا سئل عن شيء أحدهم أحب أن يكتبه صاحبه، وقال ابن سيرين: جلست إلى ابن أبي ليلى وأصحابه يعظمونه كأنه أمير

(3)

.

(1)

النهاية (5/ 174).

(2)

تهذيب الكمال (25/ الترجمة 5406)، وتذهيب تهذيب الكمال (8/ الترجمة 6138).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 303 - 304 الترجمة 361).

ص: 632

103 -

وَعَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فضل الْعلم خير من فضل الْعِبَادَة وَخير دينكُمْ الْوَرع رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأوْسَط وَالْبَزَّار بِإِسْنَاد حسن

(1)

.

قوله: عن حذيفة بن اليماني، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع"، يريد عليه الصلاة والسلام أن العالم وإن كان فيه تقصير في عبادته أفضل من جاهل مجتهد في العبادة لأن العالم يعرف ما يأتي به وما يجتنب، والعابد الجاهل

(1)

أخرجه البزار (2969)، والطبراني في الأوسط (4/ 196 - 197 رقم 3960)، وابن عدى في الكامل (6/ 540)، والحاكم (1/ 92)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 211 - 212)، والبيهقي في المدخل (455). قال البزار: وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وإنما يعرف هذا الكلام من كلام مطرف، ولا نعلم رواه، عن الأعمش إلا عبد الله بن عبد القدوس، ولم نسمعه إلا من عباد بن يعقوب. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا عبد الله بن عبد القدوس.

قال ابن عدى: وهذا لا أعرفه إلا من حديث عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش، وعبد الله بن عبد القدوس له غير ما ذكرت من الحديث، وعامة ما يرويه في فضائل أهل البيت.

قال أبو نعيم: لم يروه متصلا عن الأعمش، إلا عبد الله بن عبد القدوس ورواه جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن مطرف، عن النبي صلى الله عليه وسلم من دون حذيفة ورواه قتادة وحميد بن هلال، عن مطرف من قوله. قال البيهقي: هذا الحديث يروى مرفوعا بأسانيد ضعيفة وهو صحيح من قول مطرف بن عبد الله بن الشخير. وقال الهيثمى في المجمع 1/ 120: رواه الطبراني في الأوسط والبزار، وفيه عبد الله بن عبد القدوس، وثقه البخاري وابن حبان، وضعفه ابن معين وجماعة. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (68) و (1740).

ص: 633

منهوك فربما أتى بالشيء وهو يظن أنه صواب وهو خطأ، وتقدم الكلام على الورع في الحديث قبله.

104 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ قَلِيل الْعلم خير من كثير الْعِبَادَة وَكفى بِالْمَرْءِ فقها إِذا عبد الله وَكفى بِالْمَرْءِ جهلا إِذا أعجب بِرَأْيهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط

(1)

وَفِي إِسْنَاده إِسْحَاق بن أسيد وَفِيه تَوْثيق لين وَرفع هَذَا الحَدِيث غَرِيب قَالَ الْبَيْهَقِيّ ورويناه صَحِيحا من قَول مطرف بن عبد الله بن الشخير ثمَّ ذكره وَالله أعلم.

قوله: عن عبد الله بن عمرو، يعني: ابن العاص، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "قليل العلم خير من كثير العبادة" الحديث، اعلم: أن العلم أنواع، وكل ذلك بحمد الله تعالى حسنٌ، وليس كالفقه، وينبغي أن يكون تعلم الفقه أهم إليه من غيره، لأن من تعلم الفقه تيسر عليه سائر العلوم، والفقه هو قوام الدين، ففرض على كل إنسان أن يتعلم قدر ما يحتاج إليه لأمر دينه مما لابد له منه من أحكام الوضوء والصلاة وسائر شرائع الإسلام

(1)

أخرجه الدولابى في الكنى (1488)، والطبراني في الأوسط (8/ 301 - 302 رقم 8698) والكبير (31/ 619 - 620 رقم 14541) ومسند الشاميين (2098)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 173 - 174)، والبيهقي في المدخل (453) وابن عبد البر في جامع بيان العلم (95)، والخطيب في الموضح (1/ 425 - 421)، وفي الفقيه والمتفقه (90).

وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن رجاء بن حيوة إلا إسحاق أبو عبد الرحمن، تفرد به: الليث. وقال الهيثمى 1/ 120: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه إسحاق بن أسيد، قال أبو حاتم: لا يشتغل به. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (46).

ص: 634

ولأمور معاشه وما وراء ذلك ليس بفرض خاص، فإن تعلم الزيادة فهو أفضل وإن ترك فلا إثم عليه، انتهى، قاله أبو الليث السمرقندي

(1)

.

قوله: "وكفى بالمرء فقها إذا عبد الله"، تقدم الكلام على الفقه في الأحاديث قبله.

قوله: وفي إسناده إسحاق بن أسيد، هو: إسحاق بن أسيد (الخراساني: نزيل مصر قال أبو حاتم لا يشتغل به ومشاه غيره).

قوله: قال البيهقي: ورويناه من قول مطرف بن عبد الله بن الشخير، بكسر الشين وتشديد الخاء المعجمتين، الحرشي بفتح الحاء المهملة والراء وشين معجمة، العامري أبو عبد الله البصري، أخو يزيد وهانئ، وكان من سادات التابعين، وكان ثقة، له فضل وورع وأدب، وكان بينه وبين رجل كلام فكذب عليه، وقال: اللهم إن كان كاذبا فأمته فخر مكانه ميتا فرفع ذلك إلى زياد، فقال: قتلت الرجل؟ فقال: لا، ولكن دعوة وافقمت أجلًا، وكان رضي الله عنه يلبس المطارف والبرانس ويركب الخيل ويغشى السلطان، وهو مع ذلك قرة عين، مات سنة خمس وتسعين، وله كرامات، وربما (أضاء) سوطه وغيره، ورأى الأموات يقظة على قبورهم، وكلم بعضهم، ومناقبه كثيرة مذكور في الحلية وطبقات ابن سعد

(2)

، انتهى.

(1)

بستان العارفين (ص 312).

(2)

طبقات ابن سعد (7/ 141 - 146)، وحلية الأولياء (2/ 198 - 211).

ص: 635