المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترهيب من شهادة الزور] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٠

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[ترغيب الإمام وغيره من ولاة الأمور في اتخاذ وزير صالح وبطانة حسنة]

- ‌[الترهيب من شهادة الزور]

- ‌[كتاب الحدود وغيرها]

- ‌[الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترهيب من تركهما والمداهنة فيهما]

- ‌[الترهيب من أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر ويخالف قوله فعله]

- ‌[الترغيب في ستر المسلم والترهيب من هتكه وتتبع عورته]

- ‌[الترهيب من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم]

- ‌[الترغيب في إقامة الحدود والترهيب من المداهنة فيها]

- ‌[الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها والتشديد في ذلك والترغيب في تركه والتوبة منه]

- ‌[الترهيب من الزنا سيما بحليلة الجار والمغيبة والترغيب في حفظ الفرج]

- ‌فصل

- ‌[الترهيب من اللواط وإتيان البهيمة والمرأة في دبرها سواء كانت زوجته أو أجنبية]

- ‌[الترهيب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق]

- ‌[الترهيب من قتل الإنسان نفسه]

- ‌[الترهيب أنه يحضر الإنسان قتل إنسان ظلما أو ضربه وما جاء فيمن جرد ظهر مسلم بغير حق]

- ‌[الترغيب في العفو عن القاتل والجاني والظالم والترهيب من إظهار الشماتة بالمسلم]

- ‌[الترهيب من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب والإصرار على شيء منها]

- ‌[كتاب البر والصلة وغيرهما]

- ‌[الترغيب في بر الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما]

- ‌[الترهيب من عقوق الوالدين]

- ‌[الترغيب في صلة الرحم وإن قطعت والترهيب من قطعها]

- ‌[الترغيب في كفالة اليتيم ورحمته والنفقة عليه والسعي على الأرملة والمسكين]

- ‌[الترهيب من أذى الجار وما جاء في تأكيد حقه]

- ‌[الترغيب زيارة الإخوان والصالحين وما جاء في إكراه الزائرين]

- ‌[الترغيب في الضيافة وإكراه الضيف وتأكيد حقه وترهيب الضيف أن يقيم حتى يؤثم أهل المنزل]

- ‌[الترهيب أن يحقر المرء ما قدم إليه، ويحتقر ما عنده أن يقدمه للضيف]

- ‌[الترغيب في الزرع وغرس الأشجار المثمرة]

- ‌[الترهيب من البخل والشح والترغيب في الجود والسخاء]

- ‌[الترهيب من عود الإنسان في هبته]

- ‌[الترغيب في قضاء حوائج المسلمين وإدخال السرور عليهم وما جاء فيمن شفع فأهدي إليه]

- ‌فصل

- ‌[كتاب الأدب وغيره

- ‌الترغيب في الحياء وما جاء في فضله والترهيب من الفحش والبذاء]

الفصل: ‌[الترهيب من شهادة الزور]

[الترهيب من شهادة الزور]

3470 -

عَن أبي بكرَة رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلا أنبئكم بأكبر الْكَبَائِر ثَلَاثًا الْإِشْرَاك بِالله وعقوق الْوَالِدين وَشَهَادَة الزُّور أَلا وَشَهَادَة الزُّور وَقَول الزُّور وَكَانَ مُتكئا فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يكررها حَتَّى قُلْنَا ليته سكت رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ

(1)

.

قوله: عن أبي بكرة

(2)

رضي الله عنه أبو بكرة: اسمه نفيع، وقيل: نويفع بن الحارث بن كلدة بفتح الكاف واللام، وأمه وأم أخيه زياد سمية أمة الحارث بن كلدة، وقيل: له أبو بكرة لأنه تدلى إلى رسول الله من حصره الطائف بكرة، مات بالبصرة رضي الله عنه سنة إحدى وخمسين وقيل اثنين وخمسين.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا" الحديث، فيه: دليل على انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر وعليه يدل قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}

(3)

الآية

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري في الصحيح (2654) و (5976) و (6273 و 6274) و (6871) و (6919) والأدب المفرد (15) وبر الوالدين (20)، ومسلم (143 - 87)، والترمذي (1901) و (2301) و (3019). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وأبو بكرة اسمه نفيع بن الحارث. وقال في الرواية الأخيرة: هذا حديث حسن غريب صحيح.

(2)

الاستيعاب (4/ ترجمة 2660 و 5/ ترجمة 2877، وأسد الغابة (5/ ترجمة 4869 و 5/ ترجمة 5289)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ ترجمة 743)، والإصابة 6/ ترجمة 8818.

(3)

سورة النساء، الآية:31.

(4)

إحكام الأحكام (2/ 273)، والعدة في شرح العمدة (3/ 1568).

ص: 10

وقال الأستاذ أبو إسحاق

(1)

: ليس في الذنوب صغائر بل الجميع كبائر نظرًا إلى عظمة من يعصي فكل ما نهي الله تعالى عنه فهو كبيرة.

وعلى الأول فاختلفوا في الكبائر فمنهم من حصرها بالعد فعدها سبعا وزاد بعض السلف فقال: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع ومنهم من سلك طريق الحصر بالضوابط فقال بعضهم: كل ذنب قرب به لعن أو وعيد أو حد فهو كبيرة فتغيير منار الأرض كبيرة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من غير منار الأرض"

(2)

والمراد طرفها وحدودها وقتل المؤمن كبيرة لاقتران الوعيد به والمحاربة والزنى والقذف والسرقة كبائر لاقتران الحدود بها، قال في الروضة

(3)

: وعد من الكبائر القتل والزنا واللواط وشرب قليل الخمر والسرقة والقذف وشهادة الزور وغصب المال والفرار من الزحف وأكل

(1)

هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الاسفراييني. الأصوليّ، الشافعيّ، الملقب: ركن الدين. من مصنفاته: جامع الخلي في أصول الدين، والرد على الملحدين في خمس مجلدات. توفي سنة 418 بنيسابور. انظر: الأنساب للسمعاني 1/ 237، واللباب لابن الأثير 1/ 55، وسير أعلام النبلاء 17/ 353، وشذرات الذهب 3/ 209، وطبقات الشافعيّة 4/ 256. وقوله هذا نقله القرطبي في التفسير (5/ 159)، وابن العطار في العدة شرح العمدة (3/ 1568 - 1569)، والنووى في شرحه على مسلم (2/ 84)، وابن حجر في فتح الباري (10/ 409)، وابن النحاس في تنبيه الجاهلين (ص 131) ونسب هذا القول إلى المحققين القاضي عياض كما في إكمال المعلم (1/ 355).

(2)

أخرجه مسلم (43 و 44 و 45 - 1978)، والنسائي في المجتبى 7/ 154 (4463) والكبرى (4496) عن على بن أبي طالب.

(3)

روضة الطالبين (11/ 222 - 224).

ص: 11

الربا ومال اليتيم وعقوق الوالدين والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدا وكتمان الشهادة بلا عذر والإفطار في رمضان بلا عذر واليمين الفاجرة وقطع الرحم والخيانة في كيل أو وزن وتقديم الصلاة على وقتها أو تأخيرها عنه بلا عذر وضرب مسلم بلا حق وسب الصحابة وأخذ الرشوة والدياثة والقيادة من الرجل والمرأة والسعاية عند السلطان ومنع الزكاة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة ونسيان القرآن واحراق الحيوان وامتناع المرأة من زوجها بلا سبب واليأس من رحمة الله والأمر من مكر الله تعالى والوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن ومما عد من الكبائر الظهار وأكل لحم الخنزير والميتة بلا عذر ومن الكبائر السحر، ونقل المحاملي عن الشافعي أنه قال: الوطء في الحيض كبيرة والنميمة، وقد عد بعضهم الغيبة من الصغائر وهو صاحب العمدة وفي عد الغيبة من الصغائر نظر

(1)

، فقد نقل الكرابيسي

(2)

عن الشافعي في أدب القضاء إن الغيبة كبيرة مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" الحديث

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وشهادة الزور وقول الزور" الحديث، الظاهر الذي يقتضيه عموم الحديث وإطلاقه والقواعد أنه لا فرق في كون شهادة الزور بالحقوق

(1)

إحكام الأحكام (2/ 276)، والعدة (3/ 1577).

(2)

خادم الرافعى (مخ 2350 ظاهرية/ لوحة 5/ أ).

(3)

الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 20). والحديث أخرجه البخاري (67) و (105) و (4406) و (5550) و (7078) و (7447)، ومسلم (30 - 1679)، وابن حبان (3848) و (5973) عن أبي بكرة.

ص: 12

كبيرة بين أن تكون بحق عظيم أو حقير

(1)

.

قوله: وكان متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت، فجلوسه للاهتمام بهذا الأمر وهو يعيد تأكيد تحريمه وعظم قبحه فدل الحديث على تعظيم إثم شهادة الزور وكثرة التساهل فيها فأكد ذلك فإن التكرار يفيد التأكيد لا سيما وكان متكئا فجلس تعظيما لشأنها ومبالغة في التحذير منها واهتماما بتبليغها

(2)

.

وأما قولهم: "ليته سكت" إنما قالوه وتمنوه شفقة على رسول الله وكراهة لما يزعجه ويغضبه من شدة المبالغة في ذلك

(3)

. وفيه ما كانوا عليه من تعظيمه عليه السلام ومحبته والشفقة عليه حتى يودوا لو فدوه بأنفسهم

(4)

.

ففيه الدليل على عظيم أمرها وإنما كررها لعظم مفسدتها وعظم المفسدة من وجهين، أحدهما: ذكر بعضهم أن شاهد الزور يهلك ثلاثة نفسه والمشهود له والمشهود عليه، الثاني: أن شاهد الزور لما كان متمكنا من الشهادة على الدماء وإهلاك الأنفس والأموال وغيرها وقد تحمله العداوة والحسد على ذلك أغلظ صلى الله عليه وسلم في الزجر عنها لعظم مفسدتها وتعدي ضررها

(5)

، أ. هـ قاله ابن العماد في شرح عمدة الأحكام.

(1)

شرح النووي على مسلم (2/ 88).

(2)

العدة (3/ 1576 - 1577) وشرح النووي على مسلم (2/ 88).

(3)

العدة (3/ 1577) وشرح النووي على مسلم (2/ 88).

(4)

شرح النووي على مسلم (2/ 88).

(5)

رياض الأفهام (5/ 378).

ص: 13

3471 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ ذكر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِر فَقَالَ الشّرك بِالله وعقوق الْوَالِدين وَقتل النَّفس وَقَالَ أَلا أنبئكم بأكبر الْكَبَائِر قَول الزُّور أَو قَالَ شَهَادَة الزُّور رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(1)

.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه تقدم.

قوله: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر فقال "الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس" الحديث، فإن قلت: لا شك أن الشرك أكبر الكبائر فما وجه الآخرين؟ قلت: لأنهما أيضًا يشابهانه من حيث أن الأب سبب وجوده ظاهر أو هو يرثه ومن حيث أن المزور يثبت الحق لغير مستحقه [وكذلك] ذكرهما الله تعالى في سلكه قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}

(2)

وقال: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}

(3)

(4)

.

قوله في آخر الحديث: "قول الزور أو قال شهادة الزور" الزور الكذب والباطل، سمي زورًا لأنه ميل عن الحق، ومنه قوله تعالى:{تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ}

(5)

ومدينة ومدينة زوراء أي مائلة وكل ما عدا الحق فهو كذب وباطل وزور

(6)

، أ. هـ.

(1)

أخرجه البخاري (2653) و (5977)، ومسلم (144 - 88)، والترمذي (1207) و (3018)، والنسائي في المجتبى 6/ 490 (4045) و 7/ 443 (4911).

(2)

سورة الإسراء، الآية:23.

(3)

سورة الحج، الآية:30.

(4)

الكواكب الدرارى (11/ 175).

(5)

سورة الكهف، الآية:17.

(6)

تفسير القرطبي (12/ 55).

ص: 14

3472 -

وَعَن خريم بن فاتك رضي الله عنه قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: صَلَاة الصُّبْح فَلَمَّا انْصَرف قَامَ قَائِما فَقَالَ عدلت شَهَادَة الزُّور بالإشراك بِالله ثَلَاث مَرَّات ثم قَرَأَ {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}

(1)

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاللَّفْظ لَهُ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير مَوْقُوفا على ابْن مَسْعُود بِإِسْنَاد حسن

(2)

.

قوله: وعن خريم بن فاتك

(3)

رضي الله عنه هو: أبو يحيى، وقيل: أبو أيمن، خريم بضم الخاء وفتح الراء بن فاتك بن القليب بضم القاف بن عمرو بن أسد بن

(1)

سورة الحج، الآيتان: 30 - 31.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (744 و 745) والمصنف 4/ 549 (23039)، وأحمد 4/ 321 (19200)، وأبو داود (3599)، والترمذي (2300)، وابن ماجه (2372)، والبرديجى في من روى في الكبائر (8)، والطبراني في الكبير (4/ 209 رقم 4162)، والبيهقي في الآداب (303) والكبرى (10/ 207 رقم 20383) والشعب (6/ 493 - 494 رقم 4520). وقال الترمذي: هذا عندي أصح، وخريم بن فاتك له صحبة، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وهو مشهور. وضعفه الألباني في الضعيفة (1110) والمشكاة (3779) وضعيف الترغيب (1382).

وأما موقوف ابن مسعود: وأخرجه عبد الرزاق (15395)، وابن أبي شيبة في المصنف 4/ 549 (23038)، والخلال في السنة (1324)، وابن المنذر في الأوسط (6689)، والطبراني في الكبير (9/ 109 رقم 8569)، والبيهقي في الشعب (6/ 494 - 495 رقم 4521). قال الهيثمي في المجمع 4/ 200 - 201: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2301).

(3)

ترجمته: الاستيعاب 2/ الترجمة 643، وأسد الغابة 2/ الترجمة 1440، والإصابة 2/ الترجمة 2251.

ص: 15

خزيمة الأسدي، شهد هو وأخوه سبرة بدرا، وقيل: لم يشهدها والصحيح الأول وبه قال البخاري والأكثرون، وهو معدود في الشاميين وقبل في الكوفيين نزل الرمية.

قوله: "صلاة الصبح فلما انصرف قام قائما فقال عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثلاث مرات" وإنما عادلته لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}

(1)

ثم قال: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}

(2)

فهذا الحديث ليس على ظاهره وذلك أن الشرك أكبر من شهادة الزور بلا شك وكذلك قتل النفس فلا بد من تأويله

(3)

، وقال النووي

(4)

: ليس على ظاهره المتبادر إلى الأفهام منه وذلك أن الشرك أكبر منه بلا شك وكذلك القتل فلا بد من تأويله، وفي تأويله أوجه، أحدها: أنه محمول على الكفر فإن الكافر شاهد بالزور وقائل به والثاني أنه محمول على المستحيل فيصير بذلك كافرا، والثالث: أن المراد من أكبر الكبائر [كما قدمناه] في نظائره وهذا الثالث هو الظاهر والصواب فأما حمله على الكفر [فضعيف لأن] هذا [خرج مخرج] الزجر عن شهادة الزور في الحقوق وأما قبح الكفر وكونه أكبر الكبائر فكان معروفا عندهم ولا يتشكك أحد من أهل القبلة في ذلك فحمله عليه يخرجه عن الفائدة.

(1)

سورة الفرقان، الآية:68.

(2)

سورة الفرقان، الآية:72.

(3)

شرح النووي على مسلم (2/ 88).

(4)

شرح النووي على مسلم (2/ 87 - 88).

ص: 16

3473 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من شهد على مُسلم شَهَادَة لَيْسَ لَهَا بِأَهْل فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته ثِقَات إِلَّا أَن ثَانِيه لم يسم

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من شهد على مسلم شهادة ليس لها بأهل فليتبوأ مقعده من النار" تقدم الكلام على ذلك في مواضع من هذا التعليق.

3474 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لن تَزُول قدم شَاهد الزُّور حَتَّى يُوجب الله لَهُ النَّار رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَلَفظه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الطير لتضرب بمناقيرها وتحرك أذنابها من هول يَوْم الْقِيَامَة وَمَا يتَكَلَّم بِهِ شَاهد الزُّور وَلَا تفارق قدماه على الأَرْض حَتَّى يقذف بِهِ فِي النَّار

(2)

.

(1)

أخرجه الطيالسي (2717)، وأحمد 2/ 509 (10767)، وابن أبي الدنيا في الصمت (258) وذم الغيبة (122)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 230). قال العراقى في تخريج الإحياء (1048): أخرجه أحمد وابن أبي الدنيا وفي رواية أحمد رجل لم يسم أسقطه ابن أبي الدنيا في الإسناد. وقال الهيثمي في المجمع 4/ 200: رواه أحمد. وتابعيه لم يسم، وبقية رجاله ثقات. وقال البوصيرى في الاتحاف 5/ 426: هذا حديث ضعيف، لجهالة بعض رواته. وضعفه الألباني في الضعيفة (6655) وضعيف الترغيب (1383).

(2)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 208)، وابن ماجه (2373)، وحنبل في جزئه (12)، والحارث في المسند (465)، ووكيع في أخبار القضاة (3/ 34)، وأبو يعلى (5672)، وابن المنذر في الأوسط (6693)، والعقيلي 4/ 123 و 4/ 363، والطبراني في الأوسط (7/ 319 - 320 رقم 7616) و (8/ 191 رقم 8367) والكبير (13/ 131 رقم =

ص: 17

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار" الحديث، ففي رجاله محارب بن دثار استدل به الشيخ لتفريق الشهود إذا ارتاب الحاكم فيهم، وله قصة وهي أن أبا حنيفة قال: كنت عند محارب بن دثار وهو قاض بالكوفة فجاءه رجل ادعى على رجل حقا فأنكره فأحضر المدعي

= 13802)، وابن عدي في الكامل (7/ 316)، والحاكم 4/ 98، وأبو نعيم في الحلية (7/ 264)، والخطيب في تاريخ بغداد 3/ 705 و 12/ 338، والبيهقي في الكبرى (10/ 208 رقم 20384)، وابن الجوزى في العلل (1268 - 1270). قال أبو حاتم في العلل (1426): هذا حديث منكر، ومحمد بن الفرات ضعيف الحديث. وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير إلا أبو الجهم، ولا عن أبي الجهم إلا سعد بن الصلت، تفرد به: شاذان. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وقال الدارقطني في أطراف الغرائب والأفراد 3/ 428: تفرد به محمد بن خليد عن خلف بن خلاف عن مسعر عنه. قال ابن الجوزى: هذا حديث لا يثبت أما الطريق الأول والثاني فقال يحيى محمد ابن الفرات ليس بشيء وقال أبو بكر بن أبي شيبة هو كذاب وقال أبو داؤد روى عن محارب بن دثار أحاديث موضوعة وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به وأما الطريق الثالث ففيه محمد بن خليد. قال ابن حبان: يقلب الأخبار ويسند الموقوف لا يحل الاحتجاج به إذا انفرد.

وقال الهيثمي في المجمع 4/ 200: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه من لا أعرفه. وقال في 10/ 336: رواه أبو يعلى، والطبراني باختصار عنه إلا أنه قال:"وتطرح ما في بطونها، وليست عليها مظلمة، فاتقه". وفي إسناده محمد بن الفرات، وهو كذاب. وقال البوصيرى في الزجاجة 3/ 55: هذا إسناد ضعيف محمد بن الفرات أبو علي الكوفي متفق على ضعفه وكذبه الإمام أحمد. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (1259) و (1260) و (2510) وضعيف الترغيب (1384).

ص: 18

شاهدين فشهدا له، فقال المشهود عليه: والذي بأمره تقوم السماء والأرض لقد كذبا على في الشهادة، وكان محارب متكئا فاستوى جالسا وقال: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الطير لتخفق بأجنحتها وترمي ما في حواصلها من هول القيامة وإن شاهد الزور لا تزول قدمها حتى يتبوأ مقعده من النار" فإن صدقتما فاثبتا وإن كبتما فغطيا رءوسكما وانصرفا

(1)

، أ. هـ، وهذا رواه الحسن بن زياد اللؤلؤي عن أبي حنيفة بنحوه وأبسط من هذا.

تتمة: محارب بن دثار السدوسي قاضي الكوفة توفي سنة عشرين ومائة، روى البيهقي عن أبي الصهباء التيمي أنه قال: جئت محارب بن دثار فإذا هو قائم يصلي فلما رأني أخف الصلاة ثم جلس في مجلس القضاء ثم بعث إلي مخاصم أو مسلم أو ذو حاجة قال: فقلت بل مسلم فذهب الرسول فأخبره ثم أتاني فقال لي نم فقمت فسلمت عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أجلس هذا المجلس الذي ابتليتني به وقدرته علي إلا وأنا أكرهه وأبغضه فاكفني شر ثم أخرج خرقة نظيفة فوضعها على وجهه ولم يزل يبكي حتى قمت قال: فمكث ما شاء الله ثم ولي بعده ابن شبرمة قال: فجئت إليه فإذا هو قائم يصلي فلما رآني خفف الصلاة ثم بعث إلي أمخاصم أو مسلم أو حاجة فقلت: لا بل مسلم، فذهب الرسول فأخبره ثم أتاني فقال: قم فقمت فسلمت عليه وجلست إلى جانبه فقال: حدثني حديث [أخي]

(1)

الشرح الكبير على المقنع (28/ 490)، والقناع (6/ 349 - 350).

ص: 19

محارب بن دثار فحدثته الحديث، فقال: اللهم (إنك) تعلم أني لم أجلس هذا المجلس الذي ابتليتني به إلا وأنا أحبه وأشتهيه فاكفني شر عواقبه ثم أخرج خرقة فوضعها على وجهه فما زال يبكي حتى قمت

(1)

.

[وقال أبو جعفر محمد بن العباس:] ولما ولي محارب بن دثار القضاء قيل للحكم بن عيينة ألا تأتيته، قال: والله ما نال عندي غنيمة فأهنيه عليها ولا أصيب عند نفسه بمصيبة فأعزيه وما كنت زوارا له قبل اليوم فأزوره اليوم

(2)

.

وروي البيهقي

(3)

عن محارب بن دثار أنه كان يرفع صوته بالليل يقول: إلهي أنا الصغير الذي ربيته فلك الحمد وأنا الضعيف الذي قويته فلك الحمد وأنا الفقير الذي أغنيته فلك الحمد وأنا الصعلوك الذي مولته فلك الحمد وأنا الأعزب الذي زوجته فلك الحمد وأنا الساغب الذي أشبعته فلك الحمد وانا العاري الذي كسوته فلك الحمد وأنا الغريب الذي آويته فلك الحمد وأنا المسافر الذي صاحبته فلك الحمد وأنا الراجل الذي حملته فلك الحمد وأنا المريض الذي شفيته فلك الحمد وأنا الداعي الذي أجبته فلك الحمد ربنا ولك الحمد ربنا حمدا كثيرا على كل حال، أ. هـ.

خاتمة الباب: اختلف العلماء في عقوبة شاهد الزور فذكر عبد الرزاق عن مكحول عن الوليد بن أبي الوليد أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله بالشام

(1)

أخرجه البيهقي (10/ 167 رقم 20232).

(2)

أخرجه البيهقي في الكبرى (10/ 167 - 168 رقم 20233).

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الشكر (199) ومن طريقه البيهقي في الشعب (6/ 325 - 326 رقم 4276).

ص: 20

في شاهد الزور أن يجلد أربعين ويسخم وجهه ويحلق رأسه ويطال حبسه

(1)

.

وفي رواية أخرى عن [ابن]

(2)

عمر أنه أمر أن يسخم وجهه وتلقى عمامته في عنقه ويطاف به في القبائل ويقال هذا شاهد زور ولا تقبل شهادته أبدًا

(3)

.

وروي ابن وهب عن مالك أنه يجلد ويطاف به ويشنع به، وقال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال: لا تقبل شهادته أبدا وإن تاب وحسنت توبته اتباعا لقول عمر بن الخطاب، وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد: يعزر، وقال الشافعي: يعزره ويشهر به، وقال [أحمد وإسحاق و] أبو ثور كذلك وقال شريح: يشهر ولا يعزر وهو قول أبي حنيفة، وقال الطحاوي

(4)

: شهادة الزور فسق ومن فسق (رجلا عزر بوجود الفسق فيه أولى أن يستحق به التعزير، ولا يختلفون أن من فسق بغير شهادة الزور؛ أن توبته مقبولة) وشهادته بعد التوبة مقبولة

(5)

والله أعلم قاله في شرح الإلمام.

3475 -

وَعَن أبي مُوسَى رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من كتم شَهَادَة إِذا دعِي إِلَيْهَا كَانَ كمن شهد بالزور حَدِيث غَرِيب رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط

(1)

أخرجه عبد الرزاق (15392 و 15393) وابن أبي شيبة في المصنف 5/ 532 (28713) من طريقين عن مكحول عن الوليد بن أبي مالك.

(2)

كذا هو في الأصل وإنما هو عن عمر وابن عمر لم يل من الأمر شيئًا.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (15394) من طريق الأحوص بن حكيم، عن أبيه.

(4)

شرح الصحيح (8/ 32) لابن بطال.

(5)

شرح صحيح البخاري (8/ 32) لابن بطال.

ص: 21

من رِوَايَة عبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث وَقد احْتج بِهِ البُخَارِيّ

(1)

.

قوله: وعن أبي موسى رضي الله عنه تقدم الكلام عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "من كتم شهادة إذا دعي إليها كان كمن شهد بالزور" الحديث، وأما كتمان الشهادة بلا عذر فالذي يظهر أن مفسدته لا تنتهي إلى مفسدة شهادة الزور ولتمكن المدعي من تحليف المدعي عليه ولأنه قد يشهد بعد ذلك والله أعلم.

* * *

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 270 رقم 4167). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن مكحول إلا العلاء، ولا عن العلاء إلا معاوية، ولا عن معاوية إلا عبد الله بن صالح، تفرد به: أبو قرة.

قال الهيثمي في المجمع 4/ 200: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عبد الله بن صالح وثقه عبد الملك بن شعيب بن الليث، فقال: ثقة مأمون. وضعفه جماعة. وضعفه الألباني في الضعيفة (1267) وضعيف الترغيب (1385) وضعيف الجامع (5811).

ص: 22