المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في بر الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٠

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[ترغيب الإمام وغيره من ولاة الأمور في اتخاذ وزير صالح وبطانة حسنة]

- ‌[الترهيب من شهادة الزور]

- ‌[كتاب الحدود وغيرها]

- ‌[الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترهيب من تركهما والمداهنة فيهما]

- ‌[الترهيب من أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر ويخالف قوله فعله]

- ‌[الترغيب في ستر المسلم والترهيب من هتكه وتتبع عورته]

- ‌[الترهيب من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم]

- ‌[الترغيب في إقامة الحدود والترهيب من المداهنة فيها]

- ‌[الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها والتشديد في ذلك والترغيب في تركه والتوبة منه]

- ‌[الترهيب من الزنا سيما بحليلة الجار والمغيبة والترغيب في حفظ الفرج]

- ‌فصل

- ‌[الترهيب من اللواط وإتيان البهيمة والمرأة في دبرها سواء كانت زوجته أو أجنبية]

- ‌[الترهيب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق]

- ‌[الترهيب من قتل الإنسان نفسه]

- ‌[الترهيب أنه يحضر الإنسان قتل إنسان ظلما أو ضربه وما جاء فيمن جرد ظهر مسلم بغير حق]

- ‌[الترغيب في العفو عن القاتل والجاني والظالم والترهيب من إظهار الشماتة بالمسلم]

- ‌[الترهيب من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب والإصرار على شيء منها]

- ‌[كتاب البر والصلة وغيرهما]

- ‌[الترغيب في بر الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما]

- ‌[الترهيب من عقوق الوالدين]

- ‌[الترغيب في صلة الرحم وإن قطعت والترهيب من قطعها]

- ‌[الترغيب في كفالة اليتيم ورحمته والنفقة عليه والسعي على الأرملة والمسكين]

- ‌[الترهيب من أذى الجار وما جاء في تأكيد حقه]

- ‌[الترغيب زيارة الإخوان والصالحين وما جاء في إكراه الزائرين]

- ‌[الترغيب في الضيافة وإكراه الضيف وتأكيد حقه وترهيب الضيف أن يقيم حتى يؤثم أهل المنزل]

- ‌[الترهيب أن يحقر المرء ما قدم إليه، ويحتقر ما عنده أن يقدمه للضيف]

- ‌[الترغيب في الزرع وغرس الأشجار المثمرة]

- ‌[الترهيب من البخل والشح والترغيب في الجود والسخاء]

- ‌[الترهيب من عود الإنسان في هبته]

- ‌[الترغيب في قضاء حوائج المسلمين وإدخال السرور عليهم وما جاء فيمن شفع فأهدي إليه]

- ‌فصل

- ‌[كتاب الأدب وغيره

- ‌الترغيب في الحياء وما جاء في فضله والترهيب من الفحش والبذاء]

الفصل: ‌[الترغيب في بر الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما]

[كتاب البر والصلة وغيرهما]

[الترغيب في بر الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما]

3740 -

عَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَي الْعَمَل أحب إِلَى الله قَالَ الصَّلَاة على وَقتهَا قلت ثمَّ أَي قَالَ بر الْوَالِدين قلت ثمَّ أَي قَالَ الْجِهَاد فِي سَبِيل الله رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(1)

.

قوله: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: تقدمت ترجمته رضي الله عنه.

قوله: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين"، قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" والكلام الآن على بر الوالدين.

واعلم أن بر الوالدين واجب في الجملة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وأما ثوابه فيكفي أنه تلو الإيمان قال الله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}

(2)

وقال تعالى: {لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}

(3)

وبر الوالدين هو الإحسان وفعل الجميل معهما وفعل ما يسرهما، ويدخل فيه الإحسان إلى صديقهما ولأن الله تعالى قرن الشكر لهما بشكره فقال الله تعالى: {أَنِ

(1)

أخرجه البخاري (527) و (2782) و (5970) و (7534)، ومسلم (137 و 138 و 139 و 140 - 85).

(2)

سورة لقمان، الآية:14.

(3)

سورة البقرة، الآية:83.

ص: 425

اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} وهو دليل على تعظيمه وتفضيله على الجهاد ويشهد لذلك أنه صلى الله عليه وسلم جاءه رجل يريد الجهاد فقال: ألك أبوان قال: نعم قال: كيف تركتهما قال: تركتهما يبكيان قال: "ارجع فأضحكما كما أبكيتهما وبر الوالدين" قيل: إنه مأخوذ من البر لسعته، والمعنى: أنه ينبغي أن يحسن إلى أبويه إحسانا واسعا كسعة البر، ولا شك أن أذاهما بغير ما يجب ممنوع ففي هذا الحديث أن بر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيله وفضل الجهاد لا ينحصر فما أعلاها من مرتبة والله أعلم

(1)

.

لطيفة: روى أن موسى عليه الصلاة والسلام لما كلمه ربه رأى رجلا قائما عند ساق العرش فتعجب من علو مكانه فقال يا رب بما بلغ هذا العبد هذا المحل فقال إنه كان لا يحسد عبدا من عبادي على ما آتيته وكان بارا بوالديه

(2)

أ. هـ ذكره القشيري.

تنبيه: قال أهل اللغة يقال بررت والدي الراء أبره بضم الراء مع فتح الباء برا وأنا بر به بفتح الباء وبار وجمع البر الأبرار وجمع البار البررة، أ. انتهى.

قوله: قلت: ثم أي الجهاد في سبيل الله فيه دليل على تأكد الجهاد ومزيد فضله وأنه فضل مما سواه من بقية فروض الكفايات وفروض الأعيان كالزكاة والحج، وهذا قد يشكل بما نص عليه الإمام الشافعي أن فروض العين أفضل من فروض الكفاية فإنه ذكر أنه لو كان في الطواف وحضرت صلاة الجنازة لم يقطع الطواف لئلا يقطع فرض العين لفرض

(1)

حدائق الأولياء (1/ 513).

(2)

الرسالة (1/ 289)، والأسنى في أسماء الله الحسنى (1/ 335).

ص: 426

الكفاية قال: ولو أقيمت المكتوبة في جماعة قطع الطواف واشتغل بها

(1)

ويشكل أيضا بما نقله [البيهقى] في طبقاته عن الشافعي أن الاشتغال بالعلم أفضل من الجهاد في سبيل الله [ومن صلاة النافلة]

(2)

.

وقد يجاب عن الحديث بأن الجهاد ما دام فرض عين فالاشتغال به أهم من الاشتغال بالعلم ما دام فرض الكفاية فالاشتغال بالعلوم الشرعية أفضل، وكذلك قال النووي في فتاويه

(3)

فيحمل الحديث على فرض العين أو يحمل ذلك على حال السائل كما سبق والله تعالى أعلم قاله ابن العماد في شرح عمدة الأحكام.

3741 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لا يَجْزِي ولد وَالِده إِلَا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه رَوَاه مسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(4)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره وكان أبو هريرة ينزل بالمدينة بذي الحليفة وله بها دار ومات بالمدينة سنة تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة ودفن بالبقيع وماتت عائشة رضي الله عنها قبله بقليل وهو صلى عليها وكان رضي الله تعالى عنه من

(1)

الأم (2/ 195)، والمجموع (8/ 47 - 48).

(2)

مناقب الشافعي (2/ 138) للبيهقى، وطبقات الشافعيين (1/ 29) لابن كثير.

(3)

فتاوى النووي (ص 170).

(4)

أخرجه مسلم (25 - 1510)، وأبو داود (5137)، والترمذى (1906)، وابن ماجه (3659)، والنسائى في الكبرى (4876).

ص: 427

ساكني الصفة ملازميها، قال أبو نعيم في حلية الأولياء: كان عريف أهل الصفة وأشهر من سكنها، وأما أبو هريرة فهو أول من كني بهذة الكنية، واختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولا وأصحها عبد الرحمن بن صخر، قال: وعلى هذا اعتمدت طائفة صنفت في الأسماء والكنى وكذا قال الحاكم أبو أحمد أصح شيء عندنا في اسمه عبد الرحمن بن صخر، قال: وعلى هذا سبب تكنيته أبو هريرة فإنه كان له في صغره هرة صغيرة يا حب بها، ولأبي هريرة منقبة عظيمة وهو أنه أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الإمام الحافظ تقي الدين بن مخلد الأندلسي في مسنده لأبي هريرة خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا وليس لأحد من الصحابة هذا القدر ولا ما يقاربه والله أعلم، ذكره النووي في شرح مسلم

(1)

وتقدمت ترجمته بزيادة على هذا ونقصان في أماكن من هذا التعليق والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه" الحديث، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ملك ذا رحم محرم عتق" أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث سمرة

(2)

.

قوله: "لا يجزي" بفتح أوله من غير همزة من الجزاء بمعنى المجازاة أي لا يقوم بماله عليه من الحق أي لا يكافئه بإحسانه وقضاء حقه إلا أن يعتقه

(3)

(1)

شرح النووي على مسلم (1/ 67 - 68).

(2)

أخرجه أبو داود (3949)، والترمذي (1416)، وابن ماجه (2524)، والنسائي في الكبرى (4878 - 4882). وقال الألباني: صحيح، الإرواء (1746).

(3)

شرح النووي على مسلم (10/ 153).

ص: 428

[والحكمة فيه أن الرق للإنسان كالعدم وعتقه إخراج له من العدم إلى الوجود فأشبه إخراج الولد من العدم بالولادة فكافأه بذلك

(1)

] أ. هـ.

وقوله: "فيعتقه" لم يرد أن إنشاء العتق شرط بل أراد أن بالشراء يخلصه عن الرق، كذا في شرح السنة

(2)

، وظاهر الحديث أنه لا يعتق عليه بمجرد الملك حتى يعتقه هو واليه، ذهب أهل الظاهر والأودني من الشافعية وخالفهم جمهور علماء الأمصار واختلف العلماء في عتق الأقارب إذا ملكوا فقال أهل الظاهر لا يعتق أحد منهم بمجرد الملك سوى الوالد والولد وغيرهما بل لابد من إنشاء عتق، واحتجوا بمفهوم هذا الحديث.

وقال جماهير العلماء: يحصل العتق في الآباء والأجداد والأمهات والجدات وإن علوا أو علون، وفي الأبناء والبنات وأولادهم الذكور والإناث وإن سفلوا بمجرد الملك سواء المسلم والكافر والقريب والبعيد والوارث وغيره ومختصره أنه يعتق عمود النسب بكل حال واختلفوا فيما وراء عمودي النسب فقال الشافعي وأصحابه لا يعتق غيرهما بالملك لا الأخوة ولا غيرهم وذهب مالك إلى أن الذي يعتق بالملك عمود النسب والجناحان وهم الإخوة وعن مالك أيضا عمود النسب علوا أو سفلوا وبه قال الشافعي وعن مالك أيضا ذوو الأرحام المحرمة وبه قال أبو حنيفة

(3)

(1)

الإقناع (2/ 413).

(2)

شرح السنة (9/ 364).

(3)

شرح النووي على مسلم (10/ 153).

ص: 429

واستدل القرطبي أيضا بقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى}

(1)

الآية، قال: وليس من الإحسان إليهم استرقاقهم لما فيه من الإذلال، فإن قيل: فيلزم ذلك فيما يعد من القرابة أيضا، قلنا: الحديث خصص المحارم

(2)

.

واعلم أنه لا فرق في ذلك بين الأب وآبائه والأم وأمهاتها وكذلك الولد وأولاده الذكور والإناث مسلمهم وكافرهم قريبهم وبعيدهم وارثا كان أو غير وارث، وأما ذو المحارم من الرضاع فلا يعتقون على قول أكثر أهل العلم وكان شريك القاضي يعتقهم

(3)

، أ. هـ وقال أبو حنيفة وأصحابه والإمام أحمد وإسحاق: يعتق جميع ذوي الأرحام المحرمة وتأول الجمهور الحديث على أنه لما تسبب في شرائه الذي يترتب عليه عتقه أضيف العتق إليه والله أعلم

(4)

. ذكره شارح مشارق الأنوار، انتهى.

وقال غيره: ففي هذا الحديث أن الأبوة منزلة لا يجزيها الولد إلا أن يخرج الأب من ربقة الرق كمال الحرية الوجود بعد العدم إذ منافعه لغيره وتصرفه مسلوب فوجوده لغيره والله أعلم ذكره في الحدائق

(5)

.

(1)

سورة البقرة، الآية:83.

(2)

المفهم (14/ 7).

(3)

معالم السنن (4/ 72 - 73).

(4)

شرح النووي على مسلم (10/ 153).

(5)

حدائق الأولياء (1/ 513).

ص: 430

3742 -

وَعَن عبد اللّه بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ جَاءَ رجل إِلَى نَبِي اللّه صلى الله عليه وسلم فاستأذنه فِي الْجِهَاد فَقَالَ أَحَي والداك قَالَ نعم قَالَ فيهمَا فَجَاهد رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ

(1)

.

3743 -

وَفِي رِوَايَة لمُسلم قَالَ أقبل رجل إِلَى رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أُبَايِعك على الْهِجْرَة وَالْجهَاد أَبْتَغِي الأجر من اللّه قَالَ فَهَل من والديك أحد حَيّ قَالَ نعم بل كِلَاهُمَا حَيّ قَالَ فتبتغي الأجر من اللّه قَالَ نعم قَالَ فَارْجِع إِلَى والديك فَأحْسن صحبتهما

(2)

.

3744 -

وَعَن عبد اللّه بن عَمْرو رضي الله عنهما قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ جِئْت أُبَايِعك على الْهِجْرَة وَتركت أَبَوي يَبْكِيَانِ فَقَالَ ارْجع إِلَيْهِمَا فأضحكهما كَمَا أبكيتهما رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(3)

.

قوله: وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ترجمته.

قوله: جاء رجل إلى نبي اللّه صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك قال: نعم قال "فيهما فجاهد" وفي الرِّواية الأخرى في صحيح مسلم: "أقبل رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من اللّه" الحديث، المبايعة مأخوذة من البيع وهو أخذ العهد وتقدم ذلك في مواضع، هذا

(1)

أخرجه البخاري (3004) و (5972)، ومسلم (5 - 2549)، وأبو داود (2529)، والترمذى (1671)، والنسائي في المجتبى 5/ 350 (3126).

(2)

أخرجه سعيد بن منصور (2335)، ومسلم (6 - 2549).

(3)

أخرجه أبو داود (2528)، وابن ماجة (2782)، والنسائي في المجتبى 6/ 604 (4201).

وقال الألباني: صحيح، الإرواء (1199)، وصحيح الجامع (892)، وصحيح الترغيب (2481).

ص: 431

كلّه دليل لعظم فضيلة برهما وأنه آكد من الجهاد وفيه حجة لما قاله العُلماء أنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما إذا كانا مسلمين أو بإذن المسلم منهما فلو كانا مشركين لم يشترط إذنهما عند الشافعي ومن وافقه وشرطه الثوري، وهذا كلّه إذا لم يحضر، ويتعين القتال فحينئذ يجوز بغير الإذن وأجمع العُلماء على الْأَمر بين الوالدين وأن عقوقهما حرام من الكبائر واللّه أعلم

(1)

.

قوله: وعن عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما أيضًا، تقدم الكلام على ترجمته أيضًا.

قوله: جاء رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان، الحديث، تقدم الكلام على المبايعة في الحديث قبله والهجرة.

وقوله: وتركت أبوي يبكيان، بغير ألف فالخارج إلى الجهاد إذا كان متطوعا فإن ذلك لا يجوز إلا بإذن الأبوين وتقدم ذلك فأما إذا وجب عليه فرض الجهاد فلا حاجة به إلى إذنهما وإن منعاه عصاهما وخرج في الجهاد وهذا إذا كانا مسلمين، فإن كانا كافرين فلا سبيل لهما إلى منعه من الجهاد فرضا كان أو نفلا وطاعتهما.

حنيئذ معصية للّه عز وجل ومعونة للكفار، وقال سفيان الثوري: هما كالمسلمين وتقدم، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون هذا كان بعد الفتح وسقوط فرض الهجرة والجهاد وظهور الدين وكان ذلك من الأعراب

(1)

شرح النووي على مسلم (16/ 104).

ص: 432

وعمن كانت تجب عليه الهجرة فرجح بر الوالدين على الجهاد، وفي هذا الحديث فضل بر الوالدين وتعظيم حقهما وكثرة الثواب على برهما ولا خلاف في وجوب برهما وأن عقوقهما من الكبائر، وتقدم ذلك فدل هذا على أن برهما أفضل من الجهاد، ففي هذا الحديث وجوب بر الوالدين وأنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما أو من [بقى منهما] إذا كانا مسلمين، قال ابن عبد البر

(1)

: لا [خلاف] أعلمه أنه لا يجوز له الغزو ووالداه كارهان أو أحدهما لأن مخالفتهما في غير الفرائض عقوق وهو من الكبائر، والغزو إذا لم يتعين عليه فهو كذلك ولو كانا مشركين لم يشترط إذنهما عند الشافعي وجماعة وشرطه الثوري قال في المفهم وفيه ما يدلّ على أن المفتي إذا خاف على السائل الغلط أو عدم الفهم تعين عليه [الاستفصال] وعلى أن الفروض أو المندوبات مهما اجتمعت قدم الأهم منها وأن القائم على الأبوين يكون له أجر مجاهد وزيادة، قوله: ففيهما فجاهد أي جاهد نفسك في برهما وطاعتهما فهو أولى بك لأن الجهاد فرض كفاية وبر الوالدين فرض عين فلو تعين الجهاد وكان والده في كفاية ولم يمنعاه أو أحدهما من ذلك بدأ بالجهاد فلو لم يكونا في كفاية تعين عليه القيام بهما فبدأ به ولو كان في كفاية ومنعاه لم يلتفت لمنعهما لأنهما عاصيان بذلك المنع وإنما الطاعة في المعروف كما لو منعاه من صلاة الفرض وأما الحج فله أن يؤخره السنة والسنتين ابتغاء رضاهما، قال مالك: نعم وإن قلنا إنه على الفور مراعاة للخلاف في أنه

(1)

الاستذكار (5/ 40).

ص: 433

للتراخي وكذلك الهجرة تسقط لحديث الأعرابي الذي قال: يا رسول اللّه أبايعك على الهجرة أي أن أهجر دار قومي وأقيم معك في المدينة، قوله:"ارجع إلى والديك وأحسن صحبتهما" وذلك لأن حق الوالدين آكد لكن هذا فيمن يسلم له دينه في موضعه فأما من خاف الفتنة على دينه فإنه يجب عليه الفرار بدينه وترك أبيه وأولاده كما فعل المهاجرون الذين هم صفوة اللّه تعالى من عباده

(1)

أ. هـ قاله في شارح الإلمام.

قوله: "ففيهما فجاهد" الجار والمجرور متعلق بمقدر وهو جاهد والمذكور مفسر له وتقديره إن كان لك أبوان فجاهد فيهما.

3745 -

وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه أَن رجلًا من أهل الْيمن هَاجر إِلَى رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَل لَك أحد بِالْيمن قَالَ أبواي قَالَ أذنا لَك قَالَ لا قَالَ فَارْجع إِلَيْهِمَا فاستأذنهما فَإِن أذنا لَك فَجَاهد وَإِلَا فبرهما رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(2)

.

قوله: وعن أبي سعيد، هو الخدري رضي الله عنه: تقدم الكلام على ترجمته.

قوله: أن رجلًا من أهل اليمن هاجر إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، الحديث، اليمن اسم إقليم وأرض اليمن تقابل أرض البربر وأرض الزنج وبينهما عرض البحر واليمن على ساحل بحر القلزوم من الغرب، وتقدم الكلام على الهجرة.

(1)

المفهم (21/ 58 - 59).

(2)

أخرجه أحمد 3/ 76 (11721)، وأبو داود (2530)، وابن الجارود (1035)، وأبو يعلى (1402)، وابن حبان (422)، والحاكم 2/ 103 - 104، وأبو نعيم في الحلية 8/ 328.

وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله: دراج واه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2482).

ص: 434

قوله: فقال "هل لك أحد باليمن قال أبواي" قال "أذنا لك" قال: لا، قال:"فارجع إليهما فاستأذنهما" الحديث، قال ابن النحاس

(1)

: وأجمع العُلماء على أن الغزو لا يجوز إلا بإذن الأبوين المسلمين والجد والجدة كالأبوين عند عدمهما وكذا مع وجودهما في أصح الوجهين.

مسألة: لو رضي الأبوان ثم رجعا أو أحدهما قبل حضوره الصف وجب عليه الرجوع إلا أن يخاف على نفسه أو ماله أو انكسار قلوب المسلمين برجوعه وإن أمكنه الإقامة في قرية في الطريق حين خاف على نفسه لزمه ذلك إلى أن يرجع مع الجيش وإن رجعا بعد أن شرع في القتال حرم الانصراف في الأصح وهو مذهب الإمام أحمد في المسألة كلها ذكرها في المغني

(2)

.

واختلفوا فيمن عليه دين حال فقال الإمام أبو بكر بن المنذر في كتاب الإشراف: كان مالك يرخص في الخروج في الغزو لمن عليه دين لم يجد قضاؤه ورخص الأوزاعي أن ينفر من عليه دين بغير إذن صاحبه، وقال الشافعي رحمه الله إذا كان عليه دين ليس له أن يغزو إلا بإذن أهل الدين وسواء كان الدين لمسلم أو كافر، قال المؤلف رحمه الله: وقد نص الإمام أحمد على أن من ترك وفاء فله الغزو بغير إذن، قال أبو زكريا النووي

(3)

: وإن كان معسر فليس له منعه على الصحيح إذ لا مطالبة في الحال كذا ذكره في

(1)

مشارع الأشواق (ص 99)، وكذلك قال ابن المنذر كما في الإنجاد (ص 56).

(2)

مشارع الأشواق (ص 99 - 100)، والمغني (9/ 209)، ومنهاج الطالبين (1/ 207).

(3)

روضة الطالبين (10/ 210).

ص: 435

أصل الروضة ومن خطه نقلت، وقال: لو استتاب الموسر من يقضي دينه من مال حاضر فله الخروج وإن أمره بالقضاء من غائب فلا فإن كان الدين مؤجلا ليس لصاحب الدين المنع به من الجهاد في أصح الأوجه، قال المؤلف: هذا كلّه في الجهاد الذي هو فرض كفاية انتهى

(1)

.

فرع: للولد مخالفة الوالدين في السفر في طلب العلم وفرض الحج وفرض الجهاد إذا كانا كافرين وإن كانا مسلمين لم يجز إلا برضاهما وله مخالفتهما أيضًا في شهود الجمعة والجماعات، أ. هـ.

أما سفر تعلم فرض العين فيسافر بغير إذن الأبوين حيث لا يجد من يعلمه إياه لإضطراره محج يضيق عليه بل أولى وأما سفر التجارة فإن كان أي السفر قصيرا جاز بلا إذن وإن كان طويلا فإن كان فيه خوف ظاهر كركوب البحر والبراري الخطيرة فهو كسفر الجهاد وإن غلب الأمن فالأصح الجواز بلا استئذان ولا منع لهما

(2)

انتهى قاله في الديباجة.

3746 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنهُ فِي الْجِهَاد فَقَالَ أَحَي والداك قَالَ نعم قَالَ ففيهما فَجَاهد رَوَاهُ مسلم وَأَبُو دَاوُد وَغَيره

(3)

.

(1)

مشارع الأشواق (ص 100 - 101)، والنوادر والزيادات (2/ 319) و (3/ 23)، والإنجاد (ص 75 - 58).

(2)

انظر منهاج الطالبين (1/ 307)، والنجم الوهاج (9/ 311).

(3)

هذا وهم وتكرار لأنه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. قال الحافظ الناجى في عجالة الإملاء (5/ 1094 - 1905): ثم قال: وعن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم =

ص: 436

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام على ترجمته.

قوله: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال "أحي والداك؟ " قال: "نعم" قال: "ففيهما فجاهد" الحديث، الحديث.

تنبيه: أما العقوق فهو مضاد لما أمر اللّه به من الشكر في قوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} فثنى بذكره بعده ولأنه سبب في إخراجه من العدم إلى الوجود واتصاله [

]

(1)

بخدمة الملك المعبود فقطيعته من أكبر الكبائر، وللعقوق مراتب، قال الشيخ الإمام أبو محمد بن عبد السَّلام رحمه اللّه تعالى

(2)

: لم أقف في عقوق الوالدين وفيما يخصان به من الحقوق على ضابط أعتمد عليه، فإنه لا يجب طاعتهما في كلّ ما يأمران به ولا في كلّ ما ينهيان عنه باتفاق العُلماء، وقد حرم على الولد الجهاد بغير إذنهما لما يشق عليهما من توقع قتله أو قطع عضو من أعضائه ولشدة تفجعهما على ذلك، وقد ألحق بذلك كلّ سفر يخافان فيه على نفسه أو على عضو من أعضائه، وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه

(3)

: العقوق المحرم كلّ فعل يتأذى به الوالد

= يستأذنه في الجهاد، فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد. ثم قال: رواه مسلم وغيره. انتهى ما ذكره ملخصًا. ولا شك أن الحديث الأخير، وَهِمَ فيه وكرره، وهو حديث عبد اللّه بن عمرو الأول بعينه سواء بسواء، لم يروه مسلم ولا غيره من حديث أبي هريرة.

(1)

بياض بالأصل.

(2)

قواعد الأحكام (1/ 24).

(3)

الفتاوى (1/ 201).

ص: 437

أو نحوه تأذيا ليس بالهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة، قال: وربما قيل: طاعة الوالدين واجبة في كلّ ما ليس بمعصية ومخالفة أمرهما في ذلك عقوق، قال: وليس قول من قال من علمائنا يجوز له السفر في طلب العلم وفي التجارة بغير إذنهما مخالفا لما ذكرته واللّه أعلم، أ. هـ.

3747 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ أتى رجل رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّي أشتهي الْجِهَاد وَلَا أقدر عَلَيْهِ قَالَ هَل بَقِي من والديك أحد قَالَ أُمِّي قَالَ فَابْلُ اللّه فِي برهَا فَإِذا فعلت ذَلِك فَأَنت حَاج ومعتمر وَمُجاهد رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير والأوسط وإسنادهما جيد مَيْمُون بن نجيح وَثَّقَهُ ابْن حبَان وَبَقِيَّة رُوَاته ثِقَات مَشْهُورُونَ

(1)

.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه: تقدم الكلام على ترجمته.

(1)

أخرجه أبو يعلى (2760) ومن طريقه الضياء في المختارة 5/ 225 - 226 (1855)، والطبراني في الصغير (1/ 144 رقم)، والأوسط (3/ 199 رقم 2915) و (4/ 372 رقم 4466) ومن طريقه الضياء في المختارة 5/ 227 (1857)، والبيهقى في الشعب (10/ 255 - 251 رقم 7451). وقال الطبراني في الموضع الأول: لم يرو هذا الحديث عن الحسن إلا ميمون. وقال في الثانى: لم يرو هذا الحديث عن الحسن إلا ميمون بن نجيح، تفرد به: إبراهيم بن الحجَّاج، ولا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد. وقال الضياء: إسناده حسن.

وقال الهيثمي في المجمع 8/ 138: رواه أبو يعلى والطبراني في الصغير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير ميمون بن نجيح ووثقه ابن حبان. وقال البوصيرى في الإتحاف 5/ 474: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط والصغير بإسناد جيد. وقال الألباني: منكر الضعيفة (3195) وضعفه في الترغيب (1475).

ص: 438

قوله صلى الله عليه وسلم: "هل بقي من والديك أحد؟ " قال: أمي، قال:"قابل اللّه في برها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد" الحديث.

وقوله: "قابل اللّه في برهما"، قيل: أبلي بمعنى أعطي، وأبلاه أحسن إليه يعني أحسن فيما بينك وبين اللّه تعالى ببرك إياها، قاله صاحب المغيث في محل مشكل القرآن والحديث

(1)

، وقال الجوهري في قوله:"فابل اللّه في برهما" أي أعطه وأبلغ العذر فيها إليه، المعنى: أحسن فيما بينك وبين اللّه ببرك إياها.

وقال ابن الأثير

(2)

: "أبل اللّه تعالى عذرا في برها"، أي: أعطه وأبلغ العذر فيها إليه، المعنى: أحسن فيما بينك وبين اللّه ببرك إياها.

3748 -

وَرُوِيَ عَن طَلْحَة بن مُعَاوِيَة السّلمِيّ رضي الله عنه: قَالَ أتيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقلت يَا رَسُول اللّه إِنِّي أُرِيد الْجِهَاد فِي سَبِيل اللّه قَالَ أمك حَيَّة قلت نعم قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الزم رجلهَا فثم الْجنَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ

(3)

.

(1)

المجموع المغيث (1/ 189).

(2)

النهاية (1/ 155).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في المُصَنّف 5/ 219 (25411) و 6/ 518 (33460)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (8/ 311 رقم 8162) وأبو الشيخ في الفوائد (24). قال أبو زرعة كما في العلل (936): وهم عبدة في هذا الحديث؛ روى هذا الحديث أيضًا عبد الرحيم بن سليمان، فقال: عن ابن إسحاق، عن محمد بن طلحة، عن أبيه طلحة بن معاوية السلمي. ورواه محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن طلحة ابن عبد الله بن أبي بكر الصديق، عن أبيه طلحة، عن معاوية بن جاهمة السلمي. قال أبو زرعة: الصحيح: حديث محمد بن سلمة هذا. قال الدَّارقُطْنِي في العلل (1227): "وقال عبدة: عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن ابن طلحة بن عبيد اللّه، عن معاوية السلمي، فوهم في موضعين: في ذكر =

ص: 439

قوله: وروي عن طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه[طلحة بن معاوية بن جاهمة السلمي، روى عنه ابنه محمد].

قوله: قال "أمك حية" قلت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الزم رجلها" رجلها بالحاء المهملة يعني دارها ومسكنها كما سيأتي تفسيره في حديث معاوية بن جاهمة.

قوله: "فثم الجنة" ثم معناه [هناك].

3749 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه أَن رجلًا قَالَ يَا رَسُول اللّه مَا حق الْوَالِدين على ولدهما قَالَ هما جنتك ونارك رَوَاهُ ابْن مَاجَة من طَرِيق عَليّ بن يزِيد عَن الْقَاسِم

(1)

.

= الزهري، وليس من حديث الزهري، وفي قوله: ابن عبيد الله" ورواه بشر بن السري، عن شيخ له، سماه عليا، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، عن ابن لمعاوية بن جاهمة، عن أبيه.

ورواه ابن جريج، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، عن معاوية بن جاهمة: أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وجعل الحديث لجاهمة، وقول ابن جريج أشبه بالصواب، وحدّث به عبيد العجلي، عن هشام بن يونس اللؤلؤي، عن المحاربي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن معاوية السلمي، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، ووهم فيه هو أو هشام حدّثه به.

ورواه غيره، عن هشام، عن المحاربي، عن ابن إسحاق، عن محمد بن طلحة، عن معاوية السلمي، وهو أشبه بالصواب. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 138: رواه الطبراني عن ابن إسحاق وهو مدلس، عن محمد بن طلحة ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. قال الحافظ في الإصابة (1/ 229) معلقًا على هذا الحديث: وهو غلط نشأ عن تصحيف وقلب، والصواب عن محمد بن طلحة، عن معاوية بن جاهمة، عن أبيه، فصحف (عن) فصارت (ابن) وقدم على قوله عن أبيه فخرج منه أن لطلحة صحبة، وليس كذلك، بل ليس بينه وبين معاوية بن جاهمة نسب. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2484).

(1)

أخرجه ابن ماجة (3662). قال البوصيرى في الزجاجة 4/ 99: هذا إسناد ضعيف.

وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1476)، والمشكاة (4941/ التحقيق الثاني).

ص: 440

قوله: وعن أبي أمامة رضي الله عنه: تقدم الكلام على ترجمته.

قوله: ما حق الوالدين على ولدهما، قال:"هما جنتك ونارك" الحديث، انفرد به ابن ماجة ومعناه: أن من رضاهما كانا سببا لدخوله الجنة وأن سخطهما كان الْأَمر بضد ذلك، ويحكي عن لقمان أنه قال: من أرضي والديه فقد أرضي الرحمن ومن أسخطهما فقد أسخط الرحمن يا بني إنما الوالدان باب من أبواب الجنة إن أرضيتهما مضيت إلى الجنان كان أسخطتهما حجبت

(1)

.

وكان طلق بن حبيب من العباد وكان يقبل رأس أمه ولا يمشي فوق بيت هي فيه إجلالا لها

(2)

، وقال بعض العُلماء: من وقر أباه طال عمره ومن وقر أمه رأى ما يسره، وفي حديث ابن عمر أن رجلًا حج بأمه فحملها على عاتقه فسأله هل قضى حقها، قال: ولا طلقة واحدة، الطلق: وجع الولادة، والطلقة المرة الواحدة، قاله في النهاية

(3)

.

فرع: روى عن الضحاك أنه قال: الأب أحق بالطاعة والأم أحق بالبر، فإن أراد أن يحج عنها بدأ بالأب

(4)

، ذكر الخلال في كتابه بر الوالدين بإسناده إلى الضحاك. أ. هـ.

(1)

البر والصلة (ص 80)، وبر الوالدين ص 37 للطرطوشى.

(2)

بر الوالدين للحافظ الطرطوشي، 78.

(3)

النهاية (3/ 135 - 136).

(4)

النجم الوهاج (2/ 419).

ص: 441

3750 -

وَعَن مُعَاوِيَة بن جاهمة أَن جاهمة جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول اللّه أردْت أَن أغزو وَقد جِئْت أستشيرك فَقَالَ هَل لَك من أم قَالَ نعم قَالَ فالزمها فَإِن الْجنَّة عِنْد رجلهَا رَوَاهُ ابْن مَاجَة وَالنَّسَائِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد

(1)

.

3751 -

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد وَلَفظه قَالَ أتيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَسْتَشِيرهُ فِي الْجِهَاد فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَلَك والدان قلت نعم قَالَ الزمهما فَإِن الْجنَّة تَحت أرجلهما

(2)

.

قوله: وعن معاوية بن جاهمة، قال ابن ماجة

(3)

: هذا جاهمة بن عباس بن مرداس السلمي الذي عاتب رسول اللّه يوم حنين وكذا قاله أبو عمر بن عبد البر وغيره

(4)

فإنه ليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث، ومعاوية بن جاهمة السلمي له صحبة، وقال محمد بن سعد: ابن جاهمة العبَّاس بن مرداس السلمي له هذا الحديث الواحد.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (563)، وأحمد 3/ 429 (15538)، وابن ماجة (2781)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (1371)، والنسائي في الكبرى (4297) والمجتبى 5/ 350 (3127)، والطجاوى في مشكل الآثار (2132 و 2133)، والحاكم (2/ 104) و (4/ 151). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2485)

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 289 رقم 2202). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 138: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2485).

(3)

قاله عقب حديث (2781)، ومعاتبته أوردها ابن سعد (4/ 271).

(4)

الاستيعاب (1/ 267)، وأسد الغابة (1/ 503).

ص: 442

قوله: فقال: يا رسول اللّه أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، الحديث، وفي رواية أن معاوية بن جاهمة قال: أتيت رسول اللّه فقلت يا رسول اللّه: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه اللّه والدار الآخرة، فقال:"ويحك، أحية أمك؟ " قلت: نعم يا رسول اللّه، قال:"فارجع فبرها" ثم أتيته من الجانب الآخر، فقلت: يا رسول اللّه إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه اللّه والدار الآخر، قال:"ويحك أحية أمك؟ " فقلت: نعم يا رسول اللّه، قال:"فارجع إليها فبرها" فذكر الحديث إلى أن قال: ثم أتيته من أمامه فقلت يا رسول اللّه إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه اللّه والدار الآخر، قال:"ويحك أحية أمك؟ " قلت: نعم يا رسول اللّه، قال:"ويحك ازم رجلها فثم الجنة" رواه النسائي وأحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد.

وقوله: "الزم رحلها" هو بالحاء المهملة يعني دارها ومسكنها، ومنه حديث:"إذا ابتلت النعال فصلوا في الرحال" يعني الدور والمساكن والمنازل، ويقال لمنزل الإنسان ومسكنة رحله، وفي الحديث: وانتهينا إلى رحالنا أي منازلنا

(1)

.

قال ابن أبي زيد المالكي في رسالته

(2)

: ولا يغزي بغير إذن الأبوين إلا أن يفجأ العدو ومدينة قوم ويغيرون عليهم ففرض عليهم، ودفعهم ولا يستأذن الأبوان في مثل هذا انتهى.

(1)

النهاية (2/ 209)، وكشف المناهج (1/ 419).

(2)

الرسالة (ص 85).

ص: 443

3752 -

وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه أَن رجلًا أَتَاهُ فَقَالَ إِن لي امْرَأَة وَإِن أُمِّي تَأْمُرنِي بِطلاقِهَا فَقَالَ سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول الْوَالِد أَوسط أَبْوَاب الْجنَّة فَإِن شِئْت فأضع هَذَا الْبَاب أَو احفظه رَوَاهُ ابْن مَاجَة وَالتِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ رُبمَا قَالَ سُفْيَان أُمِّي وَرُبمَا قَالَ أبي قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث صَحِيح

(1)

.

3753 -

وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظه أَن رجلًا أَتَى أَبَا الدَّرْدَاء فَقَالَ إِن أبي لم يزل بِي حَتَّى زَوجنِي وَإنَّهُ الآن يَأْمُرنِي بِطَلَاقِهَا قَالَ مَا أَنا بِالَّذِي آمُرك أَن تعق والديك وَلَا بِالَّذِي آمُرك أَن تطلق امْرَأَتك غير أَنَّك إِن شِئْت حدّثتك بِمَا سَمِعت من رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم سمعته يَقُول الْوَالِد أَوسط أَبْوَاب الْجنَّة فحافظ على ذَلِك الْبَاب إِن شِئْت أَو دع قَالَ فأحسب عَطاء قَالَ فَطلقهَا

(2)

.

قوله: وعن أبي الدرداء رضي الله عنه تقدم الكلام على ترجمته.

قوله: أن رجلًا أتاه فقال إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها، قال سفيان: وربما قال أبي، فقال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه".

قوله: "أوسط أبواب" أي: خيرها وأعدلها

(3)

يقال هو من أوسط قومه أي خيرهم وأشرفهم وأحسبهم ومنه الحديث أنه كان من أوسطه قومه أي من

(1)

أخرجه ابن ماجة (2089) و (3663)، والترمذى (1900). وقال الترمذي: وهذا حديث صحيح. وصححه الألباني في الصحيحة (914) وصحيح الترغيب (2486).

(2)

أخرجه ابن حبان (425)، والحاكم 2/ 197 و 4/ 152. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الصحيحة (914) وصحيح الترغيب (2486).

(3)

كشف المناهج (4/ 283).

ص: 444

أشرفهم وأحسبهم وفي الحديث أيضًا: "خير الأمور أوسطها" وذلك أن كلّ خصلة محمودة لها طرفان مذمومان فإن السخاء وسط بين البخل والتبذير والشجاعة وسط بين الجبن والتهور والإنسان مأمور أن يجتنب كلّ وصف مذموم ويجتبنه بالتعري منه والبعد عنه فكلما ازداد منه بعدا ازداد منه تعريا وأبعد الجهالات والمقادير والمعاني من كلّ طرفين وسطهما وهو غاية البعد عنهما فإذا كان في الوسط فقد بعد عن الأطراف المذمومة بقدر الإمكان

(1)

أ. هـ قاله في الديباجة.

لطيفة: ما الحكمة في أن الوالد أوسط أبواب الجنة؟ قال شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين البلقينى: الذي ظهر لى واللّه أعلم أن الحكمة في ذلك هي أن المعاملة على ثلاثة أقسام معاملة مع الخالق ومعاملة مع الوالد الذي هو واسطة في الإيجاد ومعاملة مع الخلائق سواه فلذلك كان الوالد وسطا بهذا الاعتبار وقد عد من الأبواب باب الصلة فيشمل ذلك من بر والديه وغيرهما فمعاملة الخلق باب التوحيد وهو باب التوبة وباب الصلاة وباب الصوم وباب الحج، وفي معاملة المخلوقين باب الزكاة وباب الجهاد وإن كان فيهما حق اللّه إلا أن أغلبهما متعلق بالآدميين وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، أ. هـ.

3754 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ كَانَ تحتي امْرَأَة أحبها وَكَانَ عمر يكرهها فَقَالَ لي طَلقهَا فأبيت فَأتى عمر رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ لي

(1)

النهاية (5/ 184).

ص: 445

رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم طَلقهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح

(1)

.

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ترجمته.

قوله: قال ابن عمر: كان تحتي امرأة أُحِبُّها وكان عمر يكرهُها فقال: لي طلقها فأبيت فأتى عمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"طلقها". قال بعض العُلماء: فقوله له في محبوبته طلقها لإرضاء أبيه فيه إشارة إلى امتثال الولد أمر الوالدين، وعد ابن الرفعة من الطلاق المستحب طلاق الولد عند أمر الوالد لحديث ابن عمر هذا، وكذلك قصة إبراهيم خليل الرحمن مع ولد إسماعيل عليهما السلام في قوله:"غير عتبة دارك".

فرع: لو أمره أبوه أو أمه بطلاق امرأته استحب له أن يطلقها، قاله الغزالي في الإحياء وغيره

(2)

، قال ابن حبان في صحيحه

(3)

إلا في مسئلتين، الأولى: أن لا يكون في ذلك قطيعة رحم فإن كانت زوجته من ذوات رحمه لم يطع أباه أو أمه في طلاقها، والمسألة الثانية: إذا كان يعلم أنه إذا طلقها يصبر عنها

(1)

أخرجه أحمد 2/ 20 (4711) و 2/ 42 (5011) و 2/ 53 (5144) و 2/ 157 (6470)، وأبو داود (5138)، وابن ماجة (2088)، والترمذي (1226)، والنسائي في الكبرى (5631)، وابن حبان (426) و (427). وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وصححه الألباني في الصحيحة (919) وصحيح الترغيب (2487).

(2)

الإحياء (2/ 55).

(3)

بوب ابن حبان على حديث ابن عمر فقال: استحباب طلاق المرء امرأته بأمر أبيه إذا لم يفسد ذلك عليه دينه ولا كان فيه قطيعة رحم (2/ 169).

ص: 446

استحب فإن كان شديد الحب لها بحيث يعلم أنه إذا طلقها لا يصبر عنها ويخشى الوقوع في فتنة بسبب زيادة محبتها لم يستحب له طاعة الأب أو الأم في ذلك ذكره ابن اللوحة [263] متكررة مع سابقتها [262] اللوحة العماد في شرح العمدة.

تنبيه: قال مؤلفه: وسمعت شخصا من بعض طلبة العلم يقول: رأيتُ نقلًا وهو عزيز الوجود في بعض الكتب يستحب للولد طاعة الوالد في ذلك بخلاف الأم لأن الأب أسد رأيا من الأم وأكمل عقلا.

فائدة: سأل رجل بشر بن الحارث عن رجل له زوجة تأمره بطلاقها فقال: إن كان بر أمه في كلّ شيء ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته فليفعل وإن كان يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم بعد ذلك إلى أمه فيضربها فلا يفعل

(1)

أ. هـ ذكره ابن رجب الحنبلي.

فائدة: روى أبو عمر بن عبد البر في التمهيد

(2)

أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية أخت سعيد بن زيد وكانت من المهاجرات تزوجها عبد اللّه بن أبي بكر الصديق وهو أكبر ولده وهو الذي كان يختلف إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الغار وكانت حسناء جميلة ذات خلق بارع فولع بها وشغلته عن مغازيه وكان معجبا بها فأمره أبوه بطلاقها لذلك فقال فيها:

يقولون طلقها وخيم مكانها

مقيمًا تمني النفس أحلام نائم

(1)

جامع العلوم والحكم (1/ 304).

(2)

رواه ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1876 - 1880)، والتمهيد (23/ 404 - 407).

ص: 447

وإن فراقي أهل بيت جميعهم

عَلَى كثرة مني لإحدى العظائم

أراني وأهلي كالعجول تروّحت

إلى بوّها قبل العشار الروائم

فعزم عليه أبو بكر فطلقها، ثم أتبعتها نفسه فهجم عليه أبو بكر فسمع ينشد ويقول:

أعاتك لا أنساك مَا ذر شارق

وما ناح قمري الحمام المطوق

أعاتك قلبي كلّ يوم وليلة

إليك بما تخفي النفوس معلق

ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها

ولا مثلها فِي غير جرم تطلق

لهَا خلق جزل ورأي ومنصب

وخلق سويٌ فِي الحياء ومصدق

فرق عليه أبو بكر فأمره فارتجعها، ثم شهد عبد اللّه الطائف مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرمي بسهم فمات منه بعد في المدينة فتزوجها زيد بن الخطاب وقتل يوم اليمامة شهيدًا ثم خطبها عمر بن الخطاب سنة اثنتي عشرة من الهجرة فاشترطت عليه أن لا يضربها ولا يمنعها صلاة العشاء في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فكانت تصلي في المسجد ثم قتل عمر فخطبها الزبير فاشترطت عليه ما اشترطت على عمر فقال لك ذلك فتزوجها فكانت إذا أرادت أن تخرج إلى المسجد يشق على الزبر، فلما عيل صبره خرجت ليلة إلى العشاء فسبقها الزبير فقعد على الطريق من حيث لا تعلم فلما مرت به جلس [خلفها] فضربها بيده على عجيزتها فنفرت من ذلك أومضت]، فلما كانت الليلة المقبلة سمعتُ الأذان فلم تخرج فقال لها الزبير: ما لك لا تخرجين قالت فسد الناس ثم لم تخرج بعدها لصلاة العشاء إلى أن ماتت ثم لما قتل الزبير خطبها علي

ص: 448

بعد انقضاء عدتها من الزبير فأرسلت إليه إني لأضن بك يا أمير المؤمنين عن القتل فما تزوجني أحد إلا قتل فلم تتزوج بعد ذلك حتى ماتت.

وأطلق الطرطوشي المالكي وغيره أنه يجب طاعة الوالدين في كلّ ما ليس بمعصية وهو الضابط يرد عليه ما إذا كان للولد على الوالدين دين فأمره الوالد بإبرائه منه، قال الشيخ: الذي يظهر لنا أنه لا يجب على الولد ذلك لأن الوالد متعنت بذلك ليس له فيه قصد صحيح نعم يجب على الولد الإحسان إلى الأب والإجمال في الطلب، فأما الإسقاط بالكلية فلا يكلفه الشرع إياه، ويبقي أمر الأب فيه كأنه على خلاف الشرع متعلقًا من بطره، وقال في الإحياء

(1)

: أكثر العُلماء على أن طاعة الوالدين واجبة في الشبهات وإن لم تجب في الحرام المحض حتى إذا كانا يغضبان بانفرادك عنهما بالطعام فعليك أن تأكل معهما لأن ترك الشبعة ورع ورضي الوالدين حتم واللّه أعلم قاله في الديباجة.

وفي الحديث قال رجل يا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن لي امرأة لا ترد يد لامس، قال: طلقها قال إني أحبها قال: أمسكها

(2)

وإنما أمره رسول اللّه بإمساكها مخافة أن

(1)

إحياء علوم الدين (2/ 218).

(2)

أخرجه أبو داود (2049)، والنسائي في المجتبى 5/ 437 (3253) و 6/ 70 (3490) و (3491) عن ابن عباس. قال أبو عبد الرحمن النسائي: هذا الحديث ليس بثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي، وهارون بن رئاب أثبت منه وقد أرسل الحديث، وهارون ثقة، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1804).

ص: 449

تحمله محبته إياها على الوقوع عليها في الحرام بعد الطلاق

(1)

ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا زنت أمة أحدكم فبيعوها ولو بضفير"

(2)

إنما أمره ببيعها لعله يشتريها من كان يزني بها فترتفع حرمة الزنا، أ. هـ.

قال الطرطوشي في كتابه بر الوالدين

(3)

: وروي أن رجلًا أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه إن أبي ينقصني مالي وينفقه على عياله فبكى الشيخ، وقال: وأي عيال يا رسول اللّه واللّه ما هو إلا أمه وأختاه وأنشأ يقول:

حببتك مولودًا وعلتك يافعًا

تُعَلَّ بما أجني عليك وتنهل

إذا لية ضامتك بالسقم لم أبت

لسقمك إلا ساهرًا أتململ

كأني أنا المطروق دونك بالذي

طرقت به وجدا فعيناي تهمل

بقاؤك لي هم وموك فجعة

وخيرك مصروف وشرك مقبل

تخاف الردي نفسي عليك وإنني

لأعلم أن الموت دين مؤجل

فلما بلغت السر والغاية التي

إليها رجاء ما كنت فيك آمل

جعلت جزائي غلظة وفظاظة

كأنك أنت المنعم المتفضل

وسميتني باسم المفند رأيه

برد على أهل الصَّواب موكل

فليتك إذلم ترع حق أبوتي

فعلت كما الجار المجاور يفعل

فأوليتني حق الجوار ولم تكن

علي بمال دون مالك تبخل

(1)

تحفة المحتاج (8/ 2).

(2)

أخرجه مالك (2390)، والبخارى (2555) و (6837)، ومسلم (32 - 1703) عن أبي هريرة.

(3)

بر الوالدين للإمام الطرطوشي ص 108 - 109.

ص: 450

فرق له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقال: أنت ومالك لأبيك

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك" حقيقة اكتنفها مجازان فالحقيقة إضافة المال إلى الولد.

وقوله: "ومالك لأبيك" كجاز آخر ومما يدلّ على أن المال للابن حقيقة قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ}

(2)

واللّه وأما طاعة الوالدين في المباحات فذكر في الروضة أنه لا يجب ذلك، قال: ونقل الغزالي في الإحياء: وجوبه عن كثير من العُلماء واللّه أعلم.

3755 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من سره أَن يمد لَهُ فِي عمره وَيُزَاد فِي رزقه فليبر وَالِديهِ وَليصل رَحمَه رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح وَهُوَ فِي الصَّحِيح بِاخْتِصَار ذكر الْبر

(3)

.

(1)

أخرجه الطبراني في الصغير (2/ 152 رقم 947) والأوسط (6/ 339 - 340 رقم 6570)، والبيهقى في دلائل النبوة (6/ 304 - 305). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث بهذا اللفظ والشعر عن المنكدر بن محمد بن المنكدر إلا عبد الله بن نافع، تفرد به عبيد بن خلصة. وقال الهيثمي في المجمع 4/ 155: رواه الطبراني في الصغير، والأوسط، وفيه من لم أعرفه. والمنكدر بن محمد ضعيف، وقد وثقه أحمد، والحديث بهذا التمام منكر، وقد تقدمت له طريق مختصرة رجال إسنادها رجال الصحيح.

(2)

سورة النساء، الآية:11.

(3)

أخرجه أحمد 3/ 229 (13401) و 3/ 266 (13811)، والمروزى في البر والصلة (199)، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (244)، وأبو نعيم في الحلية 3/ 107، والبيهقى في الشعب (10/ 264 - 265 رقم 7471). قال الهيثمي في المجمع 8/ 136: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وقال البوصيرى في الإتحاف 5/ 469: رواه محمد =

ص: 451

قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه تقدم الكلام على ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يمد له في عمره ويزاد في رزقه فليبر والديه" الحديث، سئل الحسن البصري عن بر الوالدين فقال: أن تبذل لهما ما ملكت وتطيعهما فيما أمراك ما لم يكن إثما

(1)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "وليصل رحمه" وصلة الرحم الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول فتارة يكون بالمال وتارة بالخدمة وتارة بالزيارة والسلام وغير ذلك.

71 -

وَعَن معَاذ بن أنس رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: من بر وَالِديهِ طُوبَى لَهُ زَاد اللّه فِي عمره رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكم والأصبهاني كلهم من طَرِيق زبان بن فائد عَن سهل بن معَاذ عَن أَبِيه وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الإِسْنَاد

(2)

.

قوله: وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه تقدم الكلام على ترجمته.

= بن يحيى بن أبي عمر وأحمد بن حنبل بسند الصحيح، وهو في الصحيح باختصار البر.

وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2488).

(1)

الجامع (121) لابن وهب.

(2)

أخرجه ابن وهب في الجامع (111)، والبخارى في الأدب المفرد (22)، وأبو يعلى في المفاريد (ص 28) والمسند (1494)، والطبراني في الكبير (20/ 198 رقم 447)، والحاكم (4/ 154). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 137: رواه أبو يعلى والطبراني، وفيه زبان بن فائد، وثقه أبو حاتم وضعفه غيره، وبقية رجال أبي يعلى ثقات. وضعفه الألباني في الضعيفة (4567)، وضعيف الترغيب (1477).

ص: 452

قوله صلى الله عليه وسلم: "من بر والديه طوبى له" الحديث، طوبى اسم الجنة وقيل اسم شجرة فيها، وتقدم الكلام على ذلك في الجهاد وغيره.

قوله صلى الله عليه وسلم: "زاد اللّه في عمره" وجمهور العُلماء على أنها زيادة معنوية، والمعنى بها أن يبارك له في الطاعات والإقبال على اللّه تعالى فيتنزل ذلك منزلة الزيادة الحقيقية وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطًا

(1)

.

قوله: رووه كلهم من طريق زبان بن فائد [ضعيف الحديث، مع صلاحه وعبادته].

3756 -

وَعَن ثَوْبَان رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يُصِيبهُ وَلَا يرد الْقدر إِلَّا الدُّعَاء وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر رَوَاهُ ابْن مَاجَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم بِتَقْدِيم وَتَأْخِير وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد.

قوله: وعن ثوبان رضي الله عنه هو مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، تقدمت ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" الحديث قال العُلماء: وربما حرم الإنسان رزقه وبعضهم بذنب يصيبه ذكره ابن رجب

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر" تقدم الكلام على قوله "ولا يرد القدر إلا الدعاء" وأما قوله: "ولا يزيد في العمر إلا البر" يريد

(1)

شرح النووي على مسلم (16/ 114).

(2)

جامع العلوم والحكم (3/ 1271).

ص: 453

بالبر هاهنا بر الوالدين وجميع البر مثل بر العُلماء والمؤمنين والصالحين ومن يستحق البر.

وقوله: "ولا يزيد في العمر" أي ببر هؤلاء تكثر له الحسنات فيكون يوم واحد له في هذا الشأن أفضل وأكثر حسنات منه إذا لم يعتقد ذلك ويجوز أنه ربما ببرهم فيدعو له أحد هؤلاء فتستجاب دعوته فيفوز بخير الدنيا والآخرة فيجزيه اللّه بطيب الحياة في الدنيا فيكون يومه في الدنيا أحسن من أيام كثيرة فكأنه زيادة في العمر وقد يقال: كانت على الليلة أطول من سنة بمعنى من شدة ما لاقيت فيها وكذلك طيّب الحياة يومًا أو ليلة ألذ وأطيب منه في ليال وأيام واللّه أعلم.

3757 -

وَعَن سلمَان رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: لا يرد الْقَضَاء إِلَّا الدُّعَاء وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حَدِيث حسن غَرِيب

(1)

.

قوله: وعن سلمان رضي الله عنه هو: الفارسي تقدم الكلام عليه وتقدم أيضًا الكلام على هذا الحديث في الدعاء.

(1)

أخرجه الترمذي (2139)، والبزار (2540)، والطحاوى في مشكل الآثار (3068)، والطبراني في الدعاء (30) والكبير (6/ 251 رقم 6128). وقال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب من حديث سلمان، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن الضريس، وأبو مودود اثنان، أحدهما: يقال له: فضة، والآخر: عبد العزيز بن أبي سليمان، أحدهما بصري والآخر مدني، وكانا في عصر واحد، وأبو مودود الذي روى الحديث اسمه فضة بصري. وحسنه الألباني في الصحيحة (154)، وصحيح الترغيب (1639) و (2489).

ص: 454

3758 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ عفوا عَن نسَاء النَّاس تعف نِسَاؤُكمْ وبروا آبَاءَكُم تبركم أبناؤكم وَمن أَتَاهُ أَخُوهُ متنصلا فليقبل ذَلِك محقا كَانَ أَو مُبْطلًا فَإِن لم يفعل لم يرد على الْحَوْض رَوَاهُ الْحَاكم من رِوَايَة سُوَيْد عَن أبي رَافع عَنهُ وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد قَالَ الْحَافِظ سُوَيْد عَن قَتَادَة هُوَ ابْن عبد الْعَزِيز واه

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام على تجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم" تقدم الكلام على بر الوالدين.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن أتاه أخوه".

لطيفة: في بر الوالدين في الطيور طير يقال له القاوند يتخذ وكره في ساحل البحر ويحضن بيضه في الرمل سبعة أيام وتخرج أفراخه في اليوم السابع ثم يرزقها سبعة أيام والمسافرون في البحر يتمنون يهدم الأيام ويوقنون بطيب الوقت وحلول أوان السفر قيل: إن اللّه تعالى إنما أمسك البحر عن هيجانه في زمن الشتاء عن بيض هذا الطائر وفراخه لبره بأبويه عند كبرهما وذلك أنهما إذا كبرا حمل إليها قوتهما وعالهما حياتهما إلى ان يموتا، أ. هـ قاله في حياة الحيوان

(2)

.

(1)

أخرجه أبو الفتح الأزدى في أحاديث منتقاة (8)، والحاكم (4/ 154)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 255). وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي فقال: قلت: بل فيه سويد أبو حاتم، ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (2043) وضعيف الترغيب (1479).

(2)

حياة الحيوان (2/ 324).

ص: 455

قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك محقا كان أو مبطلا" الحديث، التنصل الاعتذار ومعناه فليقبل ذلك من أخيه حقا كان أو باطلا

(1)

.

3759 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم بروا آبَاءَكُم تبركم أبناؤكم وعفوا تعف نِسَاؤُكمْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِماِسْنَاد حسن وَرَوَاهُ أَيْضًا هُوَ وَغَيره من حَدِيث عَائِشَة

(2)

.

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ترجمته، وتقدم الكلام أيضًا على هذا الحديث في الحديث قبله.

3760 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ رغم أَنفه ثمَّ رغم أَنفه ثمَّ رغم أَنفه قيل من يَا رَسُول اللّه قَالَ من أدْرك وَالِديهِ عِنْد الْكبر أَو أَحدهمَا ثمَّ لم يدْخل الْجنَّة رَوَاهُ مُسلم رغم أَنفه أَي لصق بالرغام وَهُوَ التُّرَاب

(3)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدمت ترجمته.

(1)

النهاية (5/ 67).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 299 رقم 1002). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 138 - 139: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني أحمد غير منسوب، والظاهر أنه من المكثرين من شيوخه فلذلك لم ينسبه، واللّه أعلم. وضعفه الألباني جدًّا في ضعيف الترغيب (1480). وأما حديث عائشة: أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 241 رقم 6295)، وأبو الشيخ في الفوائد (26). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عامر بن عبد اللّه بن الزبير إلا عبد الملك بن يحيى بن الزبير، تفرد به خالد بن يزيد العمري. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 81: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه خالد بن زيد العمري وهو كذاب. وقال الألباني: موضوع ضعيف الترغيب (1671).

(3)

أخرجه مسلم (9 و 10 - 2551)، والترمذى (3545)، وابن حبان (908). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

ص: 456

قوله صلى الله عليه وسلم: "رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه" الحديث، أي: لصق بالرغام وهو التراب، أ. هـ قاله المنذري، وقال أهل اللغة معناه ذل وقيل كره وخزي كأنه لصق بالرغام بالفتح وهو التراب يقال رغم بفتح الغين المعجمة وكسرها وهو الرغم بضم الراء وفتحها وكسرها وأصله لصق أنفه بالرغام وهو تراب مختلط برمل وقيل الرغم كلّ ما أصاب الأنف مما يؤذيه

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما أو كليهما فلم يدخلاه الجنة" الجنة.

قوله: "أو أحدهما أو كلاهما" كذا في نسخ المصابيح المعتمدة وكثير من نسخ مسلم وفي بعضها أحدهما أو كليهما وخص الكبر لأنه أحوج إلى الخدمة بالنصب بدل البعض من والديه، قال القرطبي

(2)

: وهو الرِّواية الصحيحة وأما الرفع فعلى الابتداء ويتكلف لهما إضمار الخبر واللّه أعلم.

وخص الكبر لأنه أحوج إلى الخدمة.

وقوله: "فلم يدخلاه الجنة" أي: بسبب عقوقه وتقصيره في حقوقهما ثم إن كان هو مستحلا لذلك لم يدخل الجنة مطلقا وإلا لم يدخل فيها قبل العقوبة على ما ارتكبه من العقوق، ففي هذا الحديث الحق على بر الوالدين وعظم ثوابه ومعنى الحديث أن برهما عند كبرهما وضعفهما بالخدمة أو النفقة أو غير ذلك سبب لدخول الجنة فمن قصر في ذلك فإنه يحرم دخول الجنة

(1)

شرح النووي على مسلم (16/ 108 - 109).

(2)

المفهم (21/ 66).

ص: 457

وأرغم اللّه تعالى أنفه

(1)

، أ. هـ قال في حدائق الأولياء

(2)

: قلت فما أشد حسرته وخسرانه ولا له من أحد رحمة لعامة تفريطه وشدة معانته وتهاونه، أ. هـ.

3761 -

وَعَن جَابر يَعْنِي ابْن سَمُرَة رضي الله عنه قَالَ صعد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَر فَقَالَ آمين آمين آمين قَالَ أَتَانِي جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام فَقَالَ يَا مُحَمَّد من أدْرك أحد أَبَوَيْهِ فَمَاتَ فَدخل النَّار فَأَبْعَده اللّه فَقل آمين فَقلت آمين فَقَالَ يَا مُحَمَّد من أدْرك شهر رَمَضَان فَمَاتَ فَلم يغْفر لَهُ فَأدْخل النَّار فَأَبْعَده اللّه فَقل آمين فَقلت آمين قَالَ وَمن ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَمَاتَ فَدخل النَّار فَأَبْعَده اللّه فَقل آمين فَقلت آمين رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بأسانيد أَحدهَا حسن وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِلَّا أَنه قَالَ فِيهِ وَمن أدْرك أَبَويهِ أَو أَحدهمَا فَلم يَبرهُمَا فَمَاتَ فَدخل النَّار فَأَبْعَده اللّه فَقل آمين فَقلت آمين رَوَاهُ أَيْضًا من حَدِيث الْحسن بن مَالك بن الْحُوَيْرِث عَن أَبِيه عَن جدّه وَتقدم وَرَوَاهُ الْحَاكِم وَغَيره من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة وَقَالَ فِي آخِره فَلَمَّا رقيت الثَّالِثَة قَالَ بعد من أدْرك أَبَوَيْهِ الْكبر عِنْده أَو أَحدهمَا فَلم يدْخلَاهُ الْجنَّة قلت آمين وَتقدم أَيْضًا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ وَفِيه وَمن أدْرك وَالِديهِ أَو أَحدهمَا فَلم يَبرهُمَا دخل النَّار فَأَبْعَده اللّه وأسحقه قلت آمين

(3)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (16/ 109).

(2)

حدائق الأولياء (1/ 515).

(3)

أما حديث جابر بن سمرة: أخرجه البزار (4277)، والطبراني في الكبير (2/ 243 رقم 2022) و (2/ 246 رقم 2034). وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن جابر بن سمرة إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أحدا رواه عن سماك إلا قيس، ولا نعلم أحدا رواه عن =

ص: 458

قوله: وعن جابر يعني ابن سمرة رضي الله عنه تقدم الكلام على ترجمته.

قوله: صعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: "آمين آمين آمين" الحديث، الصعود هو الرقي على المنبر أو غير والمنبر معروف.

= قيس إلا إسماعيل بن أبان. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 139: رواه الطبراني بأسانيد وأحدها حسن، ولهذا الحديث طرق في الأدعية في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2491).

وأما حديث أبي هريرة: أخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (646)، وإسماعيل القاضي (18)، والبزار (8116)، وأبو يعلى (5922)، وابن خزيمة (1888)، وابن حبان (907)، والطبراني في الأوسط (8/ 113 رقم 8131). وقال الألباني: حسن صحيح في صحيح الترغيب (997) و (1679) و (2492). وأما حديث مالك بن الحويرث: أخرجه ابن حبان (409)، وابن عدي في الكامل 8/ 116، والطبراني 19/ 91. (649). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 166: رواه الطبراني، وفيه عمران بن أبان، وثقه ابن حبان، وضعفه غير واحد، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (996) و (1678) و (2493).

وأما حديث كعب بن عجرة: أخرجه إسماعيل القاضي (19)، والطبراني في الكبير 19/ 144 (315)، وابن شاهين في فضائل رمضان (3)، والحاكم 4/ 153 - 154. وقال الهيثمي في المجمع 10/ 166: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2494).

وأما حديث ابن عباس: أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 182 رقم 11115) و (12/ 81 رقم 12551)، وابن شاهين في فضائل رمضان (1). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 165: رواه الطبراني، وفيه يزيد بن أبي زياد، وهو مختلف فيه، وبقية رجاله ثقات.

وقال أيضًا: رواه الطبراني، وفيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان، وفيه ضعف. وضعفه الألباني جدًّا في الضعيفة (6644) وحسنه في صحيح الترغيب (2495).

ص: 459

قوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل عليه السلام " جبريل هو رسول رب العالمين، تقدم الكلام على ترجمته في الجمعة.

3762 -

وَعَن مَالك بن عَمْرو الْقشيرِي رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول من أعتق رَقَبَة مسلمة فَهِيَ فداؤه من النَّار وَمن أدْرك أحد وَالِديهِ ثمَّ لم يغْفر لَهُ فَأَبْعَده اللّه زَاد فِي رِوَايَة وأسحقه رَوَاهُ أَحْمد من طرق أَحدهَا حسن

(1)

.

قوله: وعن مالك بن عمرو القشيري رضي الله عنه: [وقيل: الكلابي، وقيل: العقيلي، وقيل: الأنصاري مختلف فيه، فقيل: مالك بن عمرو، وقيل: عمرو بن مالك، وقيل: أبي بن مالك، وقيل: مالك بن الحارث].

قوله: زاد في رواية "وأسحقه" السحق [الثوب الخلق الذي انسحق وبلي، كأنه بعد من الانتفاع به].

(1)

أخرجه ابن سعد (7/ 41)، وأحمد 4/ 344 (19027) و (19028) و (19029) و (19030) و 5/ 29 (20328) و (20330)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ 1/ 342 - ومن طريقه البيهقي في الشعب (13/ 388 رقم 10520) -، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (1478 و 1479)، والبغوى في معجم الصحابة (2072 و 2073)، والطبراني في الكبير 19/ 299 (666) و (667)، وأبو نعيم في المعرفة (6019).

وقال الهيثمي في المجمع 4/ 243: رواه أحمد، وهو في البر والصلة، وفيه علي بن زيد، وفيه ضعف، وهو حسن الحديث. وقال في 8/ 140: رواه أحمد وفي بعض طرقه: "أيما مسلم ضم يتيما بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه، حتى يستغني وجبت له الجنة البتة". فذكر نحوه وإسناده حسن. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2496).

ص: 460

3763 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول انْطلق ثَلَاثَة نفر مِمَّن كَانَ قبلكُمْ حَتَّى آواهم الْمبيت إِلَى غَار فدخلوه فانحدرت صَخْرَة من الْجَبَل فَسدتْ عَلَيْهِم الْغَار فَقَالُوا إِنَّه لَا ينجيكم من هَذِه الصَّخْرَة إِلَّا أَن تدعوا اللّه بِصَالح أَعمالكُم قَالَ رجل مِنْهُم اللَّهُمَّ كَانَ لي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كبيران وَكنت لا أغبق قبلهمَا أَهلا وَلَا مَالا فنأى بِي طلب شجر يَوْمًا فَلم أرح عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا فحلبت لَهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فَكرِهت أَن أغبق قبلهمَا أَهلا أَو مَالا فَلَبثت والقدح على يَدي أنْتَظر استيقاظهما حَتَّى فرق الْفجْر فَاسْتَيْقَظَا فشربا غبوقهما اللَّهُمَّ إِن كنت فعلت ذَلِك ابْتِغَاء وَجهك فَفرج عَنَّا مَا نَحن فِيهِ من هَذِه الصَّخْرَة فانفرجت شَيْئا لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج وَقَالَ الآخر اللَّهُمَّ كَانَت لي ابْنة عَم وَكَانَت أحب النَّاس إِلَيّ فأردتها الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَتقدم بِتَمَامِهِ وَشرح غَرِيبه فِي الإِخْلَاص

(1)

.

3764 -

وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ قَالَ بَيْنَمَا ثَلَاَثة نفر يتماشون أَخذهم الْمَطَر فمالوا إِلَى غَار فِي الْجَبَل فانحطت على غارهم صَخْرَة من الْجَبَل فأطبقت عَلَيْهِم فَقَالَ بَعضهم لبَعض انْظُرُوا أعمالا عملتموها للّه عز وجل صَالِحَة فَادعوا اللّه بهَا لَعَلَّه يفرجها فَقَالَ أحدهم اللَّهُمَّ إِنَّه كَانَ لي والدان شَيْخَانِ كبيران ولي صبية صغَار كنت أرعى فَإِذا رحت عَلَيْهِم فحلبت لَهُم بدأت بوالدي أسقيهما قبل وَلَدي وَإنَّهُ نأى الشّجر فَمَا أتيت حَتَّى أمسيت فوجدتهما قد نَامَا فحلبت كلمَا كنت أحلب فَجئْت بالحلاب فَقُمْت عِنْد

(1)

أخرجه البخاري (2215) و (2272) و (2333) و (3465)، ومسلم (100 - 2743).

ص: 461

رؤوسهما أكره أَن أوقظهما من نومهما وأكره أَن أبدأ بالصبية قبلهمَا والصبية يتضاغون عِنْد قدمي فَلم يزل ذَلِك دأبي ودأبهم حَتَّى طلع الْفجْر فَإِن كنت تعلم أَنِّي فعلت ذَلِك ابْتِغَاء وَجهك فافرج لنا فُرْجَة نرى مِنْهَا السَّمَاء فَفرج اللّه عز وجل لَهُم حَتَّى رَأَوْا مِنْهَا السَّمَاء وَذكر الحَدِيث

(1)

.

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الغار: "انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم" تقدم الكلام على هذا الحديث في باب الإخلاص مبسوطًا.

قوله صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري: "فلم يزل ذلك دأبي وأدبهم حتى طلع الفجر" الحديث، أي حالي اللازمة وعادتي والدأب الملازمة للشيء والاعتناء به.

وقوله: "فافرج عنا فرجة نرى منها السماء" الفرجة بالضم والفتح [وهو الخلل بين شيئين].

3765 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم خرج ثَلَاثَة فِيمَن كَانَ قبلكُمْ يرتادون لأهلهم فَأَصَابَتْهُمْ السَّمَاء فلجؤوا إِلَى جبل فَوَقَعت عَلَيْهِم صَخْرَة فَقَالَ بَعضهم لبَعض عَفا الْأَثر وَوَقع الْحجر وَلَا يعلم بمكانكم إِلَّا اللّه فَادعوا اللّه بأوثق أَعمالكُم فَقَالَ أحدهم اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنه كَانَت لي امْرَأَة تعجبني فطلبتها فَأَبت عَليّ فَجعلت لهَا جعلا فَلَمَّا قربت نَفسهَا تركتهَا فَإِن كنت تعلم أَنِّي إِنَّمَا فعلت ذَلِك رَجَاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عَنَّا فَزَالَ ثلث الْحجر وَقَالَ الآخر اللَّهُمَّ إِن كلنت تعلم أَنه كَانَ لي

(1)

أخرجه البخاري (5974) ومسلم (2743) م.

ص: 462

والدان وَكنت أحلب لَهما فِي إنائهما فَإِذا أتيتهما وهما نائمان قُمْت حَتَّى يستيقظا فَإِذا استيقظا شربا فَإِن كنت تعلم أَنِّي فعلت ذَلِك رَجَاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عَنَّا فَزَالَ ثلث الْحجر وَقَالَ الثَّالِث اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنِّي اسْتَأْجَرت أَجِيرا يَوْمًا فَعمل لي نصف النَّهَار فأعطيته أجرا فسخطه وَلم يَأْخُذهُ فوفرتها عَلَيْهِ حَتَّى صَار من كلّ المَال ثمَّ جَاءَ يطْلب أجره فَقلت خُذ هَذَا كلّه وَلَو شِئْت لم أعْطه إِلَّا أجره الأول فَإِن كنت تعلم أَنِّي فعلت ذَلِك رَجَاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عَنَّا فَزَالَ الْحجر وَخَرجُوا يتماشون رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام على ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "خرج ثلاثة فيمن كان قبلكم" الحديث، تقدم الكلام عليه في الحديث قبله.

(1)

أخرجه البزار (9498) و (9556)، وابن حبان (971)، والطبراني في الأوسط (3/ 54 - 55 رقم 2454) و (5/ 33 - 34 رقم 4597). والدعاء (193 و 194). قال البزار في الموضع الأول: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن عوف عن خلاس إلا المعتمر.

وقال في الثانى: وهذا الكلام ونحوه وقريب منه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه فرواه قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن بن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولا نعلم رواه عن قتادة إلا عمران القطَّان. وقال الطبراني: لم يروه عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن إلا عمران. وقال في الثانى: لم يرو هذا الحديث عن داود بن أبي هند إلا عبد اللّه بن عرادة، تفرد به: داهر بن نوح.

وقال الهيثمي 8/ 142 - 143: رواه البزار والطبراني في الأوسط بأسانيد، ورجال البزار وأحد أسانيد الطبراني رجالهما رجال الصحيح. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (2498).

ص: 463

قوله: "فإذا رحت عليهما جلبت لهما" أي إذا صرفت الماشية من مرعاها بالعشي إلى موضع مبيتهما، والمراح مكان مبيتهما، وقيل: مسيرهما إليه.

قوله: "فسدت عليهم الغار" أي على باب غارهم والحلاب بكسر الحاء الإناء الذي يحلب فيه ويراد به هنا اللبن المحلوب فيه.

قوله: "يتضاغون" من باب التفاعل من الضغاء بالمعجمتين وهو الصياح بالبكاء أي يضجون

(1)

.

قوله: "فانساخت الصخرة" هكذا روي بالخاء المعجمة وإنما هو بالمهملة بمعنى انشقت يقال انساح الثوب إذا انشق من قبل نفسه وألفها منقلبة عن الواو وإنما ذكرناها هاهنا لأجل روايتهما بالخاء المعجمة ويروي بالسين وتقدم ذلك في أول هذا التعليق قاله في النهاية

(2)

قال الخطابي: روى بالحاء المهملة وبالخاء المعجمة

(3)

.

قوله في حديث أبي هريرة: "عفا الأثر ووقع الحجر" وهو بمعنى درس وانمحي ولم يبق له أثر وقيل: عفا أي درس أثر الحجَّاج في الأرض.

قوله: "حلابهما" والحلوب أي المحلوب.

قوله: "ففرج عنا" أي فرجة أخرى لأكلها.

قوله: "اللهم" قال الطيبي: كرر لفظ اللهم في القريبة الثانية لأن هذا المقام أصعب المقامات، [وأشقها فإنه] ردع لهوى النفس، قال [ذلك البقر] ذلك

(1)

الكواكب الدرارى (10/ 66).

(2)

النهاية (3/ 64 - 65).

(3)

أعلام الحديث (3/ 1570)، والكواكب الدرارى (14/ 98).

ص: 464

باعتبار [السواد] المرئي وأنث الضمير الراجع إلى البقر باعتبار الجنس، الفرق بفتح الفاء والراء وبسكونها ظرف يسع ثلاثة آصع وهي ستة عشر رطلا، فإن قلت: فيه صحة بيع الفضولي [وأجاب أصحابنا بأن] هذا شرع من قبلنا ثم ليس فيه أن الفرق كان معينا ولم يكن في الذمة وقبضه الأجير ودخل في ملكه بل كان هذا تبرعا منه له

(1)

.

قال الخطابي

(2)

: قد احتج به أحمد بن حنبل وإسحاق في قولهما أن من استوح مالا فاتجر فيه بغير إذن صاحبه أن الربح لرب المال، وقال أصحاب الرأي للمضارب ويتصدق به وهو ضامن لرأس المال، قال الخطابي

(3)

: ويشبه على قول أحمد أن يكون هذا الرجل إنما استأجر على فرق أرز معلوم بعينه حتى تكون التجارة وقعت بمال الأجير وأما إذا كانت الأجرة غير معينة فإنما وقعت الإجارة في مال المستأجر لأنها من ضمانه والربح له لأنه المالك والعامل والمتصرف فيه إلا أنه لا حجة له في واحد من الأمرين أيهما كان لأن [هذا قول] ثناء ومدح استحقه هذا الرجل في أمر تبرع به لم يكن يلزمه [من جهة الحكم فحمد عليه، وإنما هو الترغيب في الإحسان والندب إليه وليس من باب ما يجب ويلزم] في شيء أ. هـ.

قوله: "تفض الخاتم إلا بحقه" أي: لا تكسره وهو عبارة عن افتراع البكر وافتضاض عذرتها وكسر خاتم اللّه الذي جعله اللّه تعالى عليها، يقال: افتض

(1)

شرح المشكاة (10/ 3710 - 3711)، والكواكب الدرارى (14/ 98).

(2)

معالم السنن (3/ 91).

(3)

المصدر السابق (3/ 92).

ص: 465

الجارية واقتضها [بالفاء والقاف] قاله عياض

(1)

أي: لا تستبحها إلا بحق الشرع

(2)

.

قوله: "وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا" بفتح الهمزة وضم الباء هذا هو الصحيح المشهور.

3766 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول اللّه من أَحَق النَّاس بِحسن صَحَابَتِي قَالَ أمك قَالَ ثمَّ من قَالَ أمك قَالَ ثمَّ من قَالَ أمك قَالَ ثمَّ من قَالَ أَبوك رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(3)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: جاء رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه من أحق الناس بحسن صحابتي، الحديث، الصحابة هنا بفتح الصاد بمعنى الصحبة من الصحابة والصحبة الحفظ ومنه الحديث اللهم اصحبنا بصحبة واقلبنا بذمة أي: احفظنا بحفظك في سفرنا وارجعنا بأمانك وعهدك إلى بلدنا

(4)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أمك، قال ثم من: قال أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك"، وفي رواية قال:"أمك ثم أمك ثم أبوك".

وقوله: "ثم أباك" هكذا هو منصوب بفعل محذوف أي ثم بر أباك، وفي رواية أبوك وهذا واضح قال: ثم من قال: الأدنى فالأدني، ففي هذه

(1)

مشارق الأنوار (2/ 160).

(2)

مطالع الأنوار (2/ 414).

(3)

أخرجه البخاري (5971)، ومسلم (1 و 2 و 3 و 4 - 2548)، وابن حبان (434).

(4)

النهاية (3/ 11).

ص: 466

الأحاديث الحث على بر الأقارب وأن الأم أحقهم بذلك ثم بعدها الأب ثم الأقرب فالأقرب، قال العُلماء رضي الله عنهم: وسبب تقديم الأم في البر لأنها أضعف ولكثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حملة ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته ومعالجة أوساخه وتمريضه وغير ذلك

(1)

، ولهذا قال الفقهاء: تقدم الأم على الأب في أخذ النفقة

(2)

، قال بعض العُلماء في هذا الحديث ينبغي أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببرها ثلاثًا وببر الأب مرة، وقال بعضهم: لها ثلثا البر لحديث ورد ذكر الأم فيه مرتين والأب مرة رواه ابن حبان في صحيحه، وتقدم ذكره، واستدل به على ذلك.

قال صاحب التنقيح على المصابيح

(3)

: وليس بين الحديث الذي ظاهره أن الأم لها ثلاثة أرباع البر وبين الحديث المقتضي المثلثين بل يحمل الحديث الأول على أم ربت الولد وأرضعته، والثاني: على أم لم يوجد منها ذلك وهذا سنح به الخاطر ولعله الصَّواب واللّه تعالى أعلم.

ونقل الحارث المحاسبي إجماع العُلماء على أن الأم تفضل في البر على الأب وحكي القاضي عياض خلافا في ذلك والجمهور بتفضيلها والصحيح عندنا أي الشافعي أنه إذا اجتمع الأب والأم في الاحتياج إلى النفقة وليس عند الولد إلا كفاية أحدهما قدمت الأم وقيل الأب، وقيل هما سواء، قال:

(1)

شرح النووي على مسلم (16/ 102).

(2)

كشف المناهج (4/ 272)، وانظر شرح النووي (16/ 102 - 103).

(3)

المصدر السابق.

ص: 467

ونسب بعضهم هذا إلى الإمام مالك أي أنهما في البر سواء والصواب الأول لصريح هذه الأحاديث ثم المعنى المذكور واللّه أعلم.

قال القاضي

(1)

: وأجمعوا على أن الأم والأب آكد خدمة في البر ممن سواهما، قال: وتردد بعضهم بين الأجداد والإخوة لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم أدناك فأدناك" قال أصحابنا: يستحب أن يقدم في البر الأم ثم الأب ثم الأجداد ثم الجدات ثم الإخوة ثم الأخوات ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات والأخوال والخالات ويقدم الأقرب فالأقرب، ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بأحدهما ثم بذي الرحم غير المحرم كابن العم وبنيه وأولاد الأخوال والخالات وغيرهم ثم بالمصاهرة ثم بالولاء من أعلى وأسفل ثم الجار ويقدم القريب البعيد الدار على الجار وكذا لو كان القريب في بلد آخر قدم على الجار الأجنبي وألحقوا الزوج والزوجة بالمحارم واللّه أعلم قاله في الديباجة واللّه أعلم.

3767 -

وَعَن أَسمَاء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قَالَت قدمت عَليّ أُمِّي وَهِي مُشركَة فِي عهد رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قلت قدمت عَليّ أُمِّي وَهِي راغبة أفأصل أُمِّي قَالَ نعم صلى أمك رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَلَفظه قَالَت قدمت عَليّ أُمِّي راغبة فِي عهد قريب وَهِي راغمة مُشركَة فَقلت يَا رَسُول اللّه إِن أُمِّي قدمت عَليّ وَهِي راغمة مُشركَة أفأصلها قَالَ نعم صلي أمك راغبة أَي طامعة فِيمَا عِنْدِي تَسْأَلني الإِحْسَان إِلَيْهَا راغمة أَي كارهة لِلْإِسْلامِ

(2)

.

(1)

إكمال المعلم (8/ 5).

(2)

أخرجه البخاري (2620) و (3183) و (5978) و (5979)، ومسلم (49 و 50 - 1003)، وأبو داود (1668)، وابن حبان (452).

ص: 468

قوله: وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، زوج الزبير بن العوام أم عبد اللّه بن الزبير، لما قتل ابنها عبد اللّه قال لها ابن عمر اصبري فقالت: وكيف لا وقد أتيت بغي من بغايا بني إسرائيل برأس يحيى بن زكريا، توفيت رضي الله عنها بعد قتل ابنها بعشر ليال وهي ابنة مائة سنة لم يتغير عليها من عقلها شيء

(1)

.

قولها: قالت قدمت عليَّ أمي [في عهد قريش] وهي راغمة. الحديث، وفي رواية لأبي داود: قدمت علي أمي وهي راغبة راهبة، أي: طامعة فيما عندي تَسْأَلنِي الإحسان إليها، يقال: رغب يرغب رغبة إذا حرص على الشيء ورغب فيه، والرغبة السؤال والطلب، وأصل الرغبة الحرص على الجمع والمنع عن الحق وراغمة أي كارهة للإسلام، أ. هـ قاله الحافظ وزاد غيره "ساخطة عليّ" أ. هـ فالمعنى [ذليلة] محتاجة لعطائي.

أفأصلها: أي أفأعطيها شيئًا "صليها"؟ أي: أعطيها؟ يعني: الإحسان إل الكفار، وكان ذلك في زمان معاهدة النبي الكفار ومدة مصالحتهم، قال اللّه تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ}

(2)

ولما كان العاجز الذليل لا يخلو من غضب قالوا: ترغم إذا غضب وراغمة أي غاضبة يريد أنها قدمت علي غضبى لإسلامي وهجرتي متسخطة لأمري أو كارهة مجيئها إلى لولا مسيس الحاجة وقيل: راغمة من قومك من قوله تعالى {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 329 - 330).

(2)

سورة الممتحنة، الآية:8.

ص: 469

كَثِيرًا}

(1)

أي: هربا ومتسعا ومنه الحديث إن السقط ليراغم ربه إن أدخل أبويه إلى النار أي لتغاضبه، أ. هـ قاله في النهاية

(2)

.

تنبيه: راغبة وراهبة [

]

(3)

بالنصب على الحال ويصح فيهما الرفع على أن خبرهما مبتدأ محذوف، راغبة: بالباء بعد الغين المعجمة، وقال القاضي عياض

(4)

: قيل معناه راغبة عن الإسلام وكارهة له، وقيل: معناه طامعة فيما أعطيتها حريصة عليه وطامعة طالبة صلتي وراغمة بالميم معناه كارهة للإسلام ساخطته، ومعنى:"في عهد قريش" أي في المدة التي عاهدت قريش فيها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "نعم صلي أمك" فيه جواز صلة القريب المشرك، وأم أسماء: اسمها قيلة بفتح القاف وسكون الياء التحتانية على الأصح، وقيل: قتيلة بضم القاف وفتح التاء ثالثة الحروف وسكون الياء آخر الحروف وهي قيلة بنت عبد العزى القرشية العامرية وهي أم عبد اللّه بن أبي بكر الصديق

(5)

، فأما أم عائشة وعبد الرحمن فأم رومان، وأم محمد أسماء بنت عميس.

واختلف العُلماء في أنها أسلمت أو ماتت على كفرها، قال ابن عبد البر: ولم يبلغنا إسلامها ولا ذكرها أيضًا ابن عبد البر في الصحابيات والأكثرون

(1)

سورة النساء، الآية: 1

(2)

النهاية (2/ 239).

(3)

بياض بالأصل.

(4)

إكمال المعلم (3/ 523).

(5)

شرح النووي على مسلم (7/ 89).

ص: 470

على موتها مشركة. واختلفوا أيضًا هل كانت أمها التي ولدتها وهي قيلة أولا وقيل إن القادمة على أسماء لم تكن أمها من النسب بل الرضاع والصحيح أنها أمها من النسب وهي قيلة

(1)

. وفي الحديث: أن كفر الأرحام ليس بمانع من برهم وصلتهم، والصلة هي العطية والإنعام

(2)

.

3768 -

وَعَن عبد اللّه بن عَمْرو رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم رضَا اللّه فِي رضَا الْوَالِد وَسخط اللّه فِي سخط الْوَالِد رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَرجح وَقفه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِلَّا أَنه قَالَ طَاعَة اللّه طَاعَة الْوَالِد ومعصية اللّه مَعْصِيّة الْوَالِد وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث عبد اللّه بن عمر أَو ابْن عَمْرو وَلَا يحضرني أَيهمَا وَلَفظه قَالَ رضَا الرب تبارك وتعالى فِي رضَا الْوَالِدين وَسخط اللّه تبارك وتعالى فِي سخط الْوَالِدين

(3)

.

(1)

كشف المناهج (4/ 273)

(2)

المصدر السابق.

(3)

أخرجه ابن مَعين كما في تاريخ ابن محرز (2/ 26)، والترمذى في العلل (579) والسنن (1899)، وبحشل في تاريخ واسط (ص 45)، وابن حبان (429)، والطبراني في جزء من اسمه عطاء (14)، وأبو الشيخ في الفوائد (28)، والحاكم في المستدرك (4/ 151 - 152)، والبيهقى في الشعب (10/ 247 رقم 7447) والبغوى (3424) مرفوعًا.

وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2501)، والصحيحة (516). أخرجه ابن وهب في الجامع (92)، والبخارى في الأدب المفرد (2)، والطبراني في الكبير (13/ 494 رقم 14367) والبغوى (3423) موقوفًا. وقال الترمذي: وهكذا روى أصحاب شعبة، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد اللّه =

ص: 471

3769 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنه قَالَ أَتَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رجل فَقَالَ إِنِّي أذنبت ذَنبا عَظِيما فَهَل لي من تَوْبَة فَقَالَ هَل لَك من أم قَالَ لا قَالَ فَهَل لَك من خَالَة قَالَ نعم قَالَ فبرها رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم إِلَّا أنَّهُمَا قَالا هَل لَك والدان بالتثنية وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرطهمَا

(1)

.

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ترجمته.

قوله: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني أذنبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ الحديث، فذكره إلى أن قال:"فقال: هل لك من أم؟ قال: لا، قال: فهل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبرها".

تنبيه: صح أن النبي قال: "الخالة بمنزلة الأم"

(2)

فيجب برها ويحرم عقوقها، والعم أيضًا بمنزلة الأب فيجب بره ويحرم عقوقه، أ. هـ وهو دال على تفاوت مراتب الرحم واللّه أعلم. أ. هـ.

تنبيه: وفي قوله "الخالة بمنزلة الأم" فيه دليل لتنزيلها منزلتها عند أهل التنزيل في توريث ذوي الأرحام، وفيه: دليل على استحقاقها للحضانة لكن

= بن عمرو، موقوفًا. وقال البيهقى: ورويناه أيضًا من حديث خالد بن الحارث، وأبي إسحاق الفزاري، وزيد بن أبي الزرقا وغيرهم مرفوعًا، ورواه آدم بن أبي إياس، ومسلم بن إبراهيم، وجماعة، عن شعبة موقوفًا.

(1)

أخرجه أحمد 2/ 13 - 14 (4624)، والترمذي (1904 م)، وابن حبان (435)، والحاكم 5/ 154، والسهمي في تاريخ جرجان ص 334، والبيهقي في الشعب (10/ 269 رقم 7480). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2504) و (2526).

(2)

أخرجه البخاري (2699) و (4251)، والترمذى (1904).

ص: 472

لو عارضها عصوبة قدمت فتقدم عليها الأخت لقوة عصوبتها، والحديث يحمل على أنه لم يكن هناك أحد من نساء العصبة

(1)

.

3770 -

وَعَن أبي أسيد مَالك بن ربيعَة السَّاعِدِيّ رضي الله عنه قَالَ بَينا نَحن جُلُوس عِنْد رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رجل من بني سَلمَة فَقَالَ يَا رَسُول اللّه هَل بَقِي من بر أَبَوي شَيْء أبرهما بِهِ بعد مَوْتهمَا قَالَ نعم الصَّلاة عَلَيْهِمَا وَالاسْتِغْفَار لَهما وإنفاذ عهدهما من بعدهمَا وصلَة الرَّحِم الَّتِي لَا توصل إِلَّا بهما وإكرام صديقهما رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَزَاد فِي آخِره قَالَ الرجل مَا أَكثر هَذَا يَا رَسُول اللّه وأطيبه قَالَ فاعمل بِهِ

(2)

.

قوله: وعن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه أسيد الساعدي بضم الهمزة وفتح السين وسكون الياء المثناة من تحت، اسمه مالك بن ربيعة بن البدي، ويقال: عن البدي وهم، والصواب: البد، شهد بدرا مع رسول اللّه، وذهب بصره في آخر عمره، وقال: لو كنت ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتماري، شهد بدرا وأحدا

(1)

العدة (3/ 1396).

(2)

أخرجه أحمد 3/ 497 (16059)، والبخارى في الأدب المفرد (35)، وأبو داود (5142)، وابن ماجة (3664)، والرويانى (1460)، وابن حبان (418)، والحاكم (4/ 154)، وابن عساكر في أربعون حديثًا (ص 87). وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. قال ابن عساكر: هذا حديث حسن من حديث أبي أسيد مالك بن ربيعة. وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (4/ 266): هذا حديث حسن. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(597) والمشكاة (4936) وضعيف الترغيب (1482).

ص: 473

والمشاهد كلها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، مات بالمدينة سنة ستين في العام الذي مات فيه معاوية [وقيس بن سعد فيما ذكر المدائني] وهو ابن خمس وسبعين سنة وهو آخر من مات من البدريين، روى له الجماعة واللّه أعلم

(1)

.

قوله: بينا نحن جلوس عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، تقدم الكلام على ذلك في حديث جبريل عليه السلام المطول.

قوله: إذ جاء رجل من بني سلمة، بنو سلمة بكسر اللام قبيلة معروفة من الأنصار

(2)

، وتقدم ذكر ذلك في المشي إلى المساجد.

قوله: فقال يا رسول اللّه هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما قال: "نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما" الحديث، الصلاة عليهما هو الدعاء لهما لأن الصلاة في اللغة هي الدعاء، قال اللّه تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}

(3)

الآية، أي: ادع لهم كقوله عليه السلام: "إذا أكل عنده الطعام صلت عليه الملائكة" وكقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب وإن كان صائما فليصل" أي فليدع لأهل الطعام بالمغفرة والبركة والدعاء ينفع الميت بالإجماع.

(1)

تهذيب الكمال (27/ 29 - 141 ترجمة 5738).

(2)

قاله النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/ 290) وزاد: والنسبة إليهم: سلمي، بفتح اللام، هذا هو الصحيح المعروف الذي قاله أهل اللغة، والمحققون من المحدّثين، وقد كسرها كثيرون أو الأكثرون من المحدّثين.

(3)

سورة التوبة، الآية:103.

ص: 474

فإن قيل: لم يذكر فيه الصدقة وهي تصل إلى الميت بالإجماع؟ فالجواب: أن السائل لعله كان لا يستطيعها أو أن الصلاة عليهما شاملة لذلك، وقال صلى الله عليه وسلم:"ما على أحدكم إذا أراد أن يتصدق أن يجعلها لوالديه أجرها ويكون له مثل أجورهما من غير أن ينقص من أجورهما شيء"

(1)

رواه الطبراني في الأوسط.

قوله: "وإنفاذ عهدهما من بعدهما" أي إمضاء وصيتهما وما عهدا به قبل موتهما.

قوله: "وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما" والرحم القرابة وتقد الكلام على الصلة في مواضع كثيرة من هذا التعليق.

3771 -

وَعَن عبد اللّه بن دِينَار عَن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أَن رجلًا من الأعْرَاب لقِيه بطرِيق مَكَّة فَسلم عَلَيْهِ عبد اللّه بن عمر وَحمله على حمَار كَانَ يركبه وَأَعْطَاهُ عِمَامَة كَانَت على رَأسه قَالَ ابْن دِينَار فَقُلْنَا لَهُ أصلحك اللّه فَإِنَّهُم الأعْرَاب وهم يرضون باليسير فَقَالَ عبد اللّه بن عمر إِن أَبَا هَذَا كَانَ ودا

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 92 رقم 6950) و (7/ 358 رقم 7726)، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاصى بلفظ: ما على أحدكم إذا أراد أن يتصدق بصدقة أن يجعلها عن أبويه، فلا ينقص من أجورهم شيئًا. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عثمان بن سعد إلا خارجة بن مصعب، ولا عن خارجة إلا علي بن الحسن، تفرد به: محمد بن عبد اللّه بن قهزاذ. وقال في الموضع الثانى: لم يرو هذا الحديث عن عثمان بن سعد إلا خارجة بن مصعب. وقال الهيثمي في المجمع 3/ 138 - 139: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه خارجة بن مصعب الضبي، وهو ضعيف.

ص: 475

لعمر بن الْخطاب وَإِنِّي سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن أبر الْبر صلَة الْوَلَد أهل ود أَبِيه رَوَاه مسلم

(1)

.

قوله: وعن عبد اللّه بن دينار، وعبد اللّه بن دينار هذا هو القرشي مولى ابن عمر تابعي توفي سنة سبع وعشرين ومائة

(2)

.

قوله: عن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه إذا مل ركوب الراحلة وعمامة يشد بها رأسه فبينما هو يومًا على ذلك لقيه أعراب، الحديث.

قوله: فقال عبد اللّه بن عُمر: إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب، الحديث قال القاضي عياض رحمه الله

(3)

: رويناه بضم الواو وكسرها أي صديقا [من أهل مودته] وهي محبته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه" الحديث، قال النووي

(4)

: الود هنا بضم الواو والود المحبة يقال وددت ودا إذا أحببته والبر الإحسان وأبر البر أحسنه وأفضله والبر في اللغة اسم جامع للخير كلّه، وفي هذا

(1)

أخرجه مسلم (11 و 12 و 13 - 2552)، والترمذى (1903)، وأبو داود (5143)، وابن حبان (430).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 264 - 265 ترجمة 294) وقال النووي: سمع ابن عمر، وأنسا، وجماعات من التابعين. روى عنه ابنه عبد الرحمن، ويحيى الأنصاري، وسهيل، وربيعة الرأي، وموسى بن عقبة، وهؤلاء تابعيون، وخلائق غيرهم، واتفقوا على توثيقه.

(3)

إكمال المعلم (8/ 115)، وشرح النووي على مسلم (16/ 109).

(4)

شرح النووي على مسلم (16/ 109 - 110).

ص: 476

الحديث فضل صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم وإكرامهم وهو متضمن لبر الأب وإكرامه لكونه بسببه ويلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشايخ والزوج والزوجة وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل صدائق خديجة برا بها صلى الله عليه وسلم ورضى عنها.

3772 -

وَعَن أبي بردة قَالَ قدمت الْمَدِينةَ فَأَتَانِي عبد اللّه بن عمر فَقَالَ أَتَدْرِي لم أَتَيْتُك قَالَ قلت لا قَالَ سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول من أحب أَن يصل أَبَاهُ فِي قَبره فَليصل إخْوَان أَبِيه بعده وَإنَّهُ كَانَ بَين أبي عمر وَبَين أَبِيك إخاء وود فَأَحْبَبْت أَن أصل ذَاك رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: وعن أبي بردة، تقدم الكلام على ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده" وتقدم معنى الصلة واللّه أعلم.

(1)

أخرجه أبو يعلى (5669)، وابن حبان (432). وصححه الألباني في الصحيحة (1432)، وصحيح الترغيب (2506).

ص: 477