الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترهيب من عود الإنسان في هبته]
3959 -
عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الَّذِي يرجع فِي هِبته كَالْكَلْبِ يرجع فِي قيئه
(1)
.
3960 -
وَفِي رِوَايَة مثل الَّذِي يعود فِي هِبته كَمثل الْكَلْب يقيء ثمَّ يعود فِي قيئه فيأكله. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَلَفظ أبي دَاوُد الْعَائِد فِي هِبته كالعائد فِي قيئه قَالَ قَتَادَة وَلَا نعلم الْقَيْء إِلَّا حَرَامًا
(2)
.
قوله: عن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الذي يرجع في هبته كالكلب يرجع في قيئه"، وفي رواية لأبي داود "العائد في هبته كالعائد في قيئه" قال قتادة: ولا نعلم القيء إلا حراما، الحديث، وفي رواية:"مثل الذي يتصدق بصدقة ثم يعود في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يعود في قيئه".
(1)
أخرجه البخاري (2621)، والنسائى في الكبرى (6486) و (6491) و (6496) والمجتبى 6/ 256 (3717) و 6/ 260 (3721) و 6/ 262 (3727).
(2)
أخرجه البخاري (2589) و (2621) و (6975)، ومسلم (5 و 7 و 8 - 1622)، وابن ماجه (2385)، وأبو داود (3538)، والترمذى (1298)، والنسائى في الكبرى (6488 و 6489 و 6490 و 3192 و 6493 و 6494 و 6495) والمجتبى 6/ 258 (3719) و 6/ 259 (3720) و 6/ 260 (3722) و (3723) و 6/ 261 (3724) و (3725) و 6/ 262 (3726) و 6/ 263 (3728).
قال النووي
(1)
: هذا ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضهما وهذا محمول عندنا على هبة الأجنبي.
ومن ذهب إلى الكراهة أخذ بالرواية التي فيها كالكلب يعود في قيئه، وقال: فعل الكلب لا يوصف بتحريم إذ لا تكليف عليه، فالمراد التنفير من العود بتشبهه بهذا المستقذر
(2)
.
قال الشيخ تقي الدين القشيري
(3)
: وقع التشديد في التشبيه من وجهين أحدهما: تشبيه الراجع بالكلب لتكالبه على الدنيا، والثاني: تشبيه المرجوع فيه بالقيء. وفي الحديث دليل على نجاسة القيء ويحرم أكله سواء تغير أم لا، وذهب مالك إلى أن القيء إذا لم يتغير يكون طاهرا والله أعلم.
أما إذا وهب الإنسان لولده أو ولد ولده وإن سفل شيئا وسلمه إليه فله الرجوع وكذلك الأمهات والأجداد، فأما غير الوالدين فلا رجوع لهم فيه وهو قول الشافعي غير أن الأولى للوالد أن لا يرجع إلا لغرض شرعي كما إذا أبدله بما هو أنفع للولد منه ولا رجوع في هبة الإخوة والأعمام وغيرهم من ذوي الأرحام، هذا مذهب الشافعي وبه قال مالك والأوزاعي والجمهور وقال أبو حنيفة وآخرون: يرجع كل واهب إلا الولد وكل ذي رحم محرم
(4)
، أ. هـ.
(1)
شرح النووي على مسلم (11/ 64).
(2)
طرح التثريب (4/ 89).
(3)
إحكام الأحكام (2/ 153).
(4)
شرح النووي على مسلم (11/ 64 - 65).
[ومنع قوم الرجوع مطلقا للولد والمحارم]، ومنعوا الرجوع في هبة ذي الرحم المحرم وفي هبة أحد الزوجين الآخر، وعن الإمام أحمد روايتان في رجوع المرأة فيما وهبته لزوجها بمسئلته
(1)
.
فرع: الهبة هي التمليك بلا عوض وهي مندوب إليها بإجماع العلماء وللأقارب أفضل ولا يصح شيء من الهبات إلا بالإيجاب والقبول لأنه تمليك ناجز فأشبه البيع قاله في هادي التنبيه
(2)
.
فرع آخر: فإن قلت: لم جوز الشافعي عود الوالد وأبو حنيفة عود الأجنبي ومالك العود لكنه مخصوص برجوع الواهب لحديث النعمان وأنه في الحقيقة ليس برجوع لأن الوالد وماله لأبيه وربما تقضي المصلحة الرجوع تأديبا، أ. هـ قاله الكرماني
(3)
.
فرع آخر: وإن وهب الأب أو الأم أو أبوهما أو جدهما شيئا للولد وأقبضه جاز له أن يرجع فيه سواء اتحد دينهما أو اختلف
(4)
.
فرع آخر: الهدية في ذلك كالهبة
(5)
.
فائدة: ويستحب لمن وهب لأولاده شيئا أن يسوي بينهم وكذا في الصدقة وسائر وجوه الإكرام فيهب كل واحد منهم مثل الآخر ولا يفضل ويسوي بين
(1)
طرح التثريب (4/ 90).
(2)
هادي النبيه (لوحة 189 و 190)[مخطوط 2121 - ظاهرية].
(3)
الكواكب الدرارى (11/ 126).
(4)
هادي النبيه (لوحة 191)[مخطوط 2121 - ظاهرية].
(5)
المصدر السابق.
الذكر والأنثى لقوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله وأعدلوا في أولادكم" وقال بعض أصحابنا: يفضل كقسمة الإرث والصحيح الأول لظاهر الحديث فلو فضل بينهم أو وهب لبعضهم دون بعض فمذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة أنه مكروه وليس بحرام والهبة صحيحة، وقال طاووس وعروة ومجاهد والثوري والإمام أحمد وداود: هو حرام، واحتجوا برواية:"لا أشهد على جور" وبغيرها من ألفاظ الحديث، واحتج الشافعي وموافقوه بقوله صلى الله عليه وسلم "فأشهد على هذا غيري" قالوا فلو كان حراما أو باطلا لما قال هذا الكلام، فإن قيل: قاله تهديدا؟ قلنا: الأصل من كلام الشارع غير هذا، ويحمل عند إطلاقه صيغة أفعل على الوجوب أو الندب فإن تعذر ذلك فعلى الإباحة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:"لا أشهد على جور" فليس فيه أنه حرام لأن الجور هو الميل عن الاستواء والاعتدال فكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور سواء كان حراما أو مكروها فيجب تأويل الجور على المكروه؛ وفي الحديث أن هبة بعض الأولاد دون بعض صحيحة وأن إن لم يهب الباقين مثل هذا استحب رد الأول قال أصحابنا: يستحب أن يهب الباقين مثل الأول فإن لم يفعله استحب رد الأول ولا يجب، وفيه جواز الرجوع للوالد في هبته للولد
(1)
.
وتقدم شيء من ذلك في كفالة البنات في قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان له أنثى فلم يئدها ولم يؤثر ولده الذكور عليها" والله أعلم.
(1)
شرح النووي على مسلم (11/ 66 - 37).
3961 -
وَعَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ حملت على فرس فِي سَبِيل الله فَأَرَدْت أَن أشتريه فَظَنَنْت أَنه يَبِيعهُ برخص فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَا تشتره وَلَا تعد فِي صدقتك وَإِن أعطاكه بدرهم فَإِن الْعَائِد فِي صدقته كالعائد فِي قيئه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم قَوْله حملت على فرس فِي سَبِيل الله أَي أَعْطَيْت فرسا لبَعض الْغُزَاة ليجاهد عَلَيْهِ
(1)
.
قوله: وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تقدمت ترجمته.
قوله: "حملت على فرس في سبيل الله فأردت أن أشتريه فظننت أنه يبيعه برخص فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تشتره ولا تعد في صدقتك" الحديث.
قوله: "حملت على فرس في سبيل الله" معناه: تصدقت به ووهبته لمن يقاتل عليه في سبيل الله، ومعنى في سبيل الله: أن الرجل كان غازيا، فآل الأمر بتمليكه إياه إلى أنه في سبيل الله وسمي بذلك لأن مقصوده أن يستعمل فيه على العادة، قال: ويؤيد ذلك أنه لو حبسه لم يبع ولأنكر عليه عمر بيعه إلى أن ينتهي إلى حالة لا ينتفع بها في ذلك وليس في اللفظ ما يشعر ولو كان محتسبا لتعلق به من يصحح حبس الحيوان، وفي حديث آخر:"فأضاعه صاحبه" الحديث
(2)
.
ومعنى "فأضاعه" أي قصر في القيام بعلفه ومؤنته وتربيته كما هو المعتاد
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (1490) و (2623) و (3003)، ومسلم (1 و 2 و 3 و 4 - 1620).
(2)
العدة شرح العمدة (2/ 1199).
(3)
كشف المناهج (2/ 155).
قوله: "فأردت أن أشتريه" فظننت أنه يبيعه برخص فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك" الحديث، والحكمة في شراءه أنه ربما سامحه البائع بشيء فكأنه رجع في ذلك القدر الذي سومح به، وهذا نهي تنزيه لا تحريم فيكره لمن تصدق بشيء أو أخرجه في زكاة أو كفارة أو نذر أو نحو لك من القربات أن يشتريه ممن دفعه هو إليه أو يتهبه أو يتملكه باختياره منه فأما إذا ورقه منه فلا كراهة فيه وكذا لو انتقل إلى ثالث ثم اشتراه منه المتصدق فلا كراهة
(1)
.
قال النووي في شرح مسلم: ها مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال جماعة من العلماء: النهي عن شراء صدقته للتحريم لظاهر حديث عمر
(2)
، أ. هـ. والمعنى فيه أنه إذا اشتراها المتصدق بها من المتصدق بها عليه ربما حاباه في ثمنها لمنته المتقدمة عليه فيكون رجوعا في الصدقة بقدر المحاباة
(3)
.
وقد تقدم في الحديث: فظننت أنه يبيعه برخص مطلقا، وقيد الصيدلاني كراهة الشيء للصدقة بما إذا علم الفقير أن الذي يشتري بها هو المتصدق لأنه قد يحابيه، فأما إذا اشتراها بوكيله وبنفسه ولم يعلم البائع أنه المتصدق لم يكره وفي معنى الرجوع في الصدقة ما إذا نوى التصدق بشيء ثم رجع إلى بيته ولم يتصدق بما نوى به التصدق فيكره ذلك، أ. هـ.
(1)
شرح النووي على مسلم (11/ 62)، وطرح التثريب (4/ 88).
(2)
شرح النووي على مسلم (11/ 62)، وطرح التثريب (4/ 88).
(3)
طرح التثريب (4/ 88 - 89).
فائدة: وإنما منعه صلى الله عليه وسلم من شراء صدقته لأنه أخرجها عن ملكه إلى الله تعالى فلما أراد أن يعود أشفق عليه أن يفسد نيته ويحبط أجره فنهاه وشبهه بالعود في القيء وإن كان بالثمن وليس من هذا الباب أن يشتري الرجل من غلة أرض كان تصدق بها لأنها غير تلك العين إنما هو شيء حادق منها كذا في شرح السنة
(1)
.
3962 -
وَعَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس رضي الله عنهم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يحل لرجل أَن يُعْطي لرجل عَطِيَّة أَو يهب هبة ثمَّ يرجع فِيهَا إِلَّا الْوَالِد فِيمَا يُعْطي وَلَده وَمثل الَّذِي يرجع فِي عطيته أَو هِبته كَالْكَلْبِ يَأْكُل فَإِذا شبع قاء ثمَّ عَاد فِي قيئه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح
(2)
.
قوله: وعن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، تقدم الكلام عليهما.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لرجل أن يعطي لرجل عطية أو يهب هبة ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" الحديث.
هذا الحديث دليل لمذهب الشافعي ومن وافقه في رجوع هبة الوالد فيما وهبه لولده فللوالد أن يرجع في هبته لولد غنيا كان أو فقيرا اتفق دينهما أو
(1)
شرح السنة (6/ 209).
(2)
أخرجه أبو داود (3539)، والترمذى (2132)، والنسائى في الكبرى (6498) والمجتبى 6/ 256 (3716) و 6/ 263 (3729). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في الإرواء (1622) وصحيح الترغيب (2612).
اختلف، وقال ابن سريج: لا يرجع إلا إذا قصد بهبته استجلاب بر أو دفع عقوق فلم يحصل وإن أطلق الهبة ولم يقصد ذلك فلا رجوع وقال أبو حنيفة: لا رجوع للأب مطلقا نعم يستحب الرجوع لمن ترك العدل بين أولاده ثم إن حق الرجوع ثابت له على التراخي فإن أسقط لم يسقط بل له الرجوع بعد ذلك وكذلك حكم سائر الأصول على المشهور لأنهم كالأب في الحرمة ووجوب النفقة وسقوط القصاص، والمعنى في تخصيص الأصول بذلك انتفاء التهمة عنهم لما طبع عليه الإنسان من إيثاره ولده على نفسه، وقيل: يختص بالأب، وقيل: بكل أصل له ولاية كالأب وأبيه وفي غيره قولان
(1)
، أ. هـ.
3963 -
وَعَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مثل الَّذِي يسْتَردّ مَا وهب كَمثل الْكَلْب يقيء فيأكل قيئه فَإِذا اسْتردَّ الْوَاهِب فليوقف فليعرف بِمَا اسْتردَّ ثمَّ ليدفع مَا وهب رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه
(2)
.
قوله: وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.
(1)
انظر كفاية النبيه (12/ 107 - 108).
(2)
أخرجه أحمد (6629)، وأبو داود (3540)، والنسائى في الكبرى (6483) والمجتبى 6/ 255 (3715)، وابن ماجه (2378). وقال الألباني: حسن صحيح، المشكاة (3020/ التحقيق الثاني)، وصحيح الترغيب (2613).
قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يسترد ما وهب" فذكره إلى أن قال: "فإذا استرد الواهب فليوقف فليعرف بما استرد ثم ليدفع ما وهب" معنى الحديث والله أعلم: [
…
]
(1)
.
(1)
بياض بالأصل.