المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترهيب من عقوق الوالدين] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٠

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[ترغيب الإمام وغيره من ولاة الأمور في اتخاذ وزير صالح وبطانة حسنة]

- ‌[الترهيب من شهادة الزور]

- ‌[كتاب الحدود وغيرها]

- ‌[الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترهيب من تركهما والمداهنة فيهما]

- ‌[الترهيب من أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر ويخالف قوله فعله]

- ‌[الترغيب في ستر المسلم والترهيب من هتكه وتتبع عورته]

- ‌[الترهيب من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم]

- ‌[الترغيب في إقامة الحدود والترهيب من المداهنة فيها]

- ‌[الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها والتشديد في ذلك والترغيب في تركه والتوبة منه]

- ‌[الترهيب من الزنا سيما بحليلة الجار والمغيبة والترغيب في حفظ الفرج]

- ‌فصل

- ‌[الترهيب من اللواط وإتيان البهيمة والمرأة في دبرها سواء كانت زوجته أو أجنبية]

- ‌[الترهيب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق]

- ‌[الترهيب من قتل الإنسان نفسه]

- ‌[الترهيب أنه يحضر الإنسان قتل إنسان ظلما أو ضربه وما جاء فيمن جرد ظهر مسلم بغير حق]

- ‌[الترغيب في العفو عن القاتل والجاني والظالم والترهيب من إظهار الشماتة بالمسلم]

- ‌[الترهيب من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب والإصرار على شيء منها]

- ‌[كتاب البر والصلة وغيرهما]

- ‌[الترغيب في بر الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما]

- ‌[الترهيب من عقوق الوالدين]

- ‌[الترغيب في صلة الرحم وإن قطعت والترهيب من قطعها]

- ‌[الترغيب في كفالة اليتيم ورحمته والنفقة عليه والسعي على الأرملة والمسكين]

- ‌[الترهيب من أذى الجار وما جاء في تأكيد حقه]

- ‌[الترغيب زيارة الإخوان والصالحين وما جاء في إكراه الزائرين]

- ‌[الترغيب في الضيافة وإكراه الضيف وتأكيد حقه وترهيب الضيف أن يقيم حتى يؤثم أهل المنزل]

- ‌[الترهيب أن يحقر المرء ما قدم إليه، ويحتقر ما عنده أن يقدمه للضيف]

- ‌[الترغيب في الزرع وغرس الأشجار المثمرة]

- ‌[الترهيب من البخل والشح والترغيب في الجود والسخاء]

- ‌[الترهيب من عود الإنسان في هبته]

- ‌[الترغيب في قضاء حوائج المسلمين وإدخال السرور عليهم وما جاء فيمن شفع فأهدي إليه]

- ‌فصل

- ‌[كتاب الأدب وغيره

- ‌الترغيب في الحياء وما جاء في فضله والترهيب من الفحش والبذاء]

الفصل: ‌[الترهيب من عقوق الوالدين]

[الترهيب من عقوق الوالدين]

3773 -

عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رضي الله عنه عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن اللّه حرم عَلَيْكُم عقوق الأُمَّهَات ووأد الْبَنَات ومنعا وهات وَكره لكم قيل وَقَالَ وَكَثْرَة السُّؤَال وإضاعة المَال رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره

(1)

.

قوله: عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه[المغيرة، بضم الميم وكسرها، والضم أشهر. وهو أبو عبد اللّه، ويقال: أبو عيسى، ويقال: أبو محمد المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب، بالعين المهملة المفتوحة، ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسى بن منبه، وهو ثقيف بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة، بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة، ابن قيس عيلان، بالعين المهملة، ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الثقفى الكوفى الصحابي، أسلم عام الخندق. روى له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مائة وستة وثلاثون حديثًا، اتفقا منها على تسعة، وانفرد البخاري بحديث، ولمسلم حديثان]

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن اللّه حرم عليكم عقوق الأمهات" الحديث، وفي حديث آخر في الصحيحين "ووأد".

(1)

أخرجه البخاري (2408) و (5975) و (6473)، ومسلم (12 و 14 - 593)، وابن حبان (5555) و (5556).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 109 - 110 ترجمة 599).

ص: 478

"البنات" ولم يذكر الحافظ في هذا الحديث: "وأد البنات".

قوله: "إن اللّه حرم عليكم عقوق الأمهات" قال ابن الأثير

(1)

: يقال عن والده يعقه عقوقا فهو عاق إذا أذاه وعصاه وخرج عليه وهو ضد البر به، وأصل العقوق من العق وهو الشق والقطع فكأن العاق في شق ووالده في شق بسبب المخالفة وقيل هو شق عصى الطاعة لوالده

(2)

، واكتفي بذكر أحد الوالدين عن الآخر. وهو كلّ فعل غير واجب يتأذى به الوالدان ويقال طاعتهما واجب فيما ليس بمعصية ومخالفة أمرهما فيه عقوق

(3)

.

والأمهات بإثبات الهاء وهو الأشهر في جمع أم من يعقل، والمراد بالأمهات الأم وسائر الجدات وهو نوع من مجاز التغليب قيل وإنما خص الأمهات مع امتناع العقوق في الآباء أيضًا، وقال بعضهم

(4)

: وإن كان عن الآباء وغيرهم من ذوي الحقوق عظيمًا، فالعقوق للأمهات [له مزية] في [القبح] وقال بعضهم أيضًا

(5)

: إنما خص الأمهات بالذكر لعظم حقهن وحقهن مقدم على حق الأب كما قدمهن في البر، وإنما يخص الشيء بالذكر من بين جنسه لمعنى فيه يزيد على غيره انتهى، وقيل

(6)

: لأجل شدة حقوقهن

(1)

النهاية (3/ 277).

(2)

المفهم (16/ 80).

(3)

الكواكب الدرارى (11/ 174).

(4)

النهاية (3/ 277).

(5)

كشف المشكل (4/ 103) لابن الجوزى.

(6)

إحكام الأحكام (1/ 323).

ص: 479

ورجحان الْأَمر ببرهن بالنسبة إلى الآباء ولما في عقوق الأمهات من مزيد القبح، ولهذا قيل إن للأم ثلاثة أرباع البر

(1)

وأخذ ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم حين سأله السائل: "من أبر؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثلاثًا ثم قال في الرابعة: ثم أبوك"

(2)

ويحتمل أنما قدم الأم في الذكر لضعفها وعدم قوتها على رد الابن إلى الطاعة إذا خولفت والأولاد في الغالب إنما يخالفون الأمهات بخلاف الآباء فإن الآباء عند المخالفة لهم قدرة على الانتصاف من الأولاد وردهم إلى الطاعة إما بأيديهم أو برفعهم إلى ولاة الأمور ولهذا كان الأب هو الذي يتولي النظر في مصالح الابن فيما يتعلق بماله وبدنه والأم لا ولاية لها شرعا على الولد بخلاف الأب، وقد سوى اللّه تعالى بين الأبوين فقال تعالى:{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}

(3)

الآية، وهذا النهي للتحريم ذكره ابن العماد.

تنبيه: عقوق الأمهات حرام وهو من الكبائر بإجماع العُلماء وكذلك عقوق الآباء من الكبائر أيضًا، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على عد ذلك من الكبائر واللّه أعلم

(4)

. وقال بعض الحكماء: من عصى والديه لم ير السرور من ولده، ومن لم يستشر في الأمور لم يصل إلى حاجته ومن لم يدار

(1)

قاله منصور كما في الزهد (2/ 476) لهناد.

(2)

أخرجه البخاري (5971)، ومسلم (1 و 2 و 3 و 4 - 2548)، وابن ماجة (2706) و (3658) عن أبي هريرة.

(3)

سورة الإسراء، الآية:23.

(4)

شرح النووي على مسلم (12/ 11).

ص: 480

مع أهله ذهبت لذة عيشه

(1)

، أ. هـ.

قوله: "ومنعا وهات" هو بكسر التاء من هات، ومعنى الحديث أنه نهي أن يمنع الرجل ما توجه عليه الحقوق أو يطلب ما لا يستحقه

(2)

، قال القرطبي وهذا راجع إلى المسئول والسائل نهي المسئول عن المنع مع القدرة، وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال:"للسائل حق وإن جاء على فرس"

(3)

ونهي السائل أن يسئل بعد المنع لأنه إذا منع وعاد إلى السؤال يصير إلحافا ويحتمل حمل: "وهات" على السؤال مع عدم الحاجة فإنه مكروه أيضًا، واللّه أعلم.

قوله: "وكره لكم قيل وقال" الحديث، اختلف العُلماء في حقيقة هذين اللفظين على قولين أحدهما أنهما فعلان فقيل مبني لما لم يسم فاعله، وقيل: فعل ماض، والثاني: أنهما اسمان مجروران منونان لأن القال والقيل والقالة كلّه بمعنى، ومنه قوله تعالى:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ}

(4)

ومنه قولهم: كثر القيل والقال

(5)

.

فأما القيل والقال فهو الخوض في أخبار الناس وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم

(6)

، قال ابن العماد في شرح العمدة: وأيضًا فإن الإخبار

(1)

البستان (ص 407) و: تنبيه الغافلين (ص 131) للسمرقندى.

(2)

شرح النووي على مسلم (12/ 12).

(3)

أخرجه أبو داود (1665)، وابن خزيمة (2468) عن حسين بن علي.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (4746).

(4)

سورة النساء، الآية:122.

(5)

شرح النووي على مسلم (12/ 11).

(6)

إكمال المعلم (5/ 569) وشرح النووي على مسلم (12/ 11).

ص: 481

التي تنقل في الغالب تكون سقيمة ويقال إن شيطانا يسمى [مطون] ينقل الأخبار الكاذبة ويلقيها في أفواه الناس فيتحدّثون بها وقد ثبت عنه أنه قال: "كفى بالمرء إثما أن يحدّث بكل ما سمع"

(1)

وقال بعض السلف: لا يكون إماما من حدّث بكل ما سمع

(2)

، ومما قيل في الصمت عما لا يعني:

منع اللسان من الكلام فإنه

كهف البلاء وجالب الآفات

فإذا نطقت فكن لربك ذاكرا

لا تنسه واحمده في الحالات

وقال آخر:

قد أفلح الساكت الصموت

كلامه ما يعد قوت

ما كل نطق له جواب

جواب ما يكره السكوت

واعجبى لأمري ظلوم

مستيقن أنه يموت

قوله: "وكثرة السؤال" الحديث، وكثرة السؤال: هو الإلحاح فيما لا حاجة إليه، وقيل: المراد به التنطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لا يقع ولا تدعوا إليه حاجة وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك، وقيل: يحتمل ان المراد كثرة السؤال، وكان السلف رضي الله عنهم يكرهون ذلك ويرونه من التكلف المنهي عنه، وفي الصحيح: كره رسول اللّه المسائل وعابها وقيل المراد به سؤل الناس أموالهم وما في أيديهم وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك، وقيل: إنه يحتمل أن المراد كثرة السؤال عن

(1)

أخرجه مسلم في المقدمة (ج 1/ 10)، وأبو داود (4992)، وابن حبان (30) عن أبي هريرة. وصححه الألباني في الصحيحة (2025).

(2)

العدة (2/ 650).

ص: 482

أخبار الناس وأحداث الزمان وما لا يعني الإنسان، وهذا ضعيف لأنه قد عرف هذا من النهي عن قيل وقال، وقيل: يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره فدخل ذلك في سؤله عما لا يعنيه ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسئول فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله فإن أخبره شق عليه وإن كذبه في الإخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب

(1)

، أ. هـ.

فائدة: في الحديث دليل على أن غير الكثير في السؤال لا يتعلق به النهي وهو كذلك، قال العُلماء: وقد يجب السؤال في بعض الصور وذلك عند الإضرار أو خوف فوات واجب كالصوم ونحوه إذا لم يأكل قالوا: وقد سأل موسى والخضر قال اللّه تعالى: {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا}

(2)

والتعرض للسؤال يكون في معنى السؤال وكثرة السؤال منهي عنها في صور، الأولى: إذا سأل الفقير فقيل له يفتح اللّه فأعاد السؤال فيحرم عليه ذلك لأنه نوع من الإيذاء، قال الحليمي: فإن ألح وزاد على الثلاث مرات جاز ضربه ودفعه، الصورة الثانية: أن يعم الناس بسؤاله فيسئل هذا هذا وهذا، قال اللّه تعالى:{لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}

(3)

لأنه يعم الناس بمسألة كالملحفة تعم من يلتحف بها

(4)

، الصورة الثالثة: أن يسأل شخصا فيعطيه ثم يعود إليه في

(1)

شرح النووي على مسلم (12/ 11).

(2)

سورة الكهف، الآية:77.

(3)

سورة البقرة، الآية:273.

(4)

تفسير القرطبي (2/ 342).

ص: 483

اليوم الثاني فيعطيه ثم في الثالث فهذه كثرة بالإضافة إلى الشخص الواحد وإن لم يكن في نفس السؤال، ووجه الكراهة في ذلك أن الشخص الواحد إذا كرر عليه السؤال ربما يزعجه ذلك ويقلقه هذا إن حمل السؤال في الحديث على سؤال المال ويستدل به على أن من قدر على السؤال والمشي لا يجب عليه الحج وهو كذلك عند الشافعي ولا يكون ذلك من الاستطاعة، وقال الإمام مالك: يجب عليه الحج تعويلا على السؤال

(1)

، قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد

(2)

: ويجوز أن يكون السؤال راجعا إلى الأمور الشرعية، وقد كانوا يكرهون تكلف السؤال عما لا تدعوا الحاجة إليه، وقال صلى الله عليه وسلم:"أعظم الناس جرما عند اللّه من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته"

(3)

أ. هـ قاله ابن العماد.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وإضاعة المال".

تنبيه: المال ما تملكته من جميع الأشياء وأكثر ما يطلق عند العرب على الإبل لأنها كانت أكثر أموالهم، قال سيبويه: من شاذ الإمالة إمالة المال والجمع أموال وتصغيره مويل

(4)

. وفي حلية الأولياء عن سفيان الثوري أنه قال: سمي المال مالا لأنه يميل القلوب

(5)

.

(1)

المعونة (1/ 500)، وشرح الرسالة (2/ 87).

(2)

إحكام الأحكام (1/ 322).

(3)

أخرجه البخاري (7289)، ومسلم (132 و 133 - 2358)، وأبو داود (4610) عن سعد بن أبي وقاص.

(4)

المحكم (10/ 440).

(5)

حلية الأولياء (6/ 386).

ص: 484

قال النووي: وهذا مناسب في المعنى لكنه ليس مشتقا من ذلك فإن عين المال واو، والإمالة من الميل بالياء وشرط الاشتقاق التوافق في الحروف الأصلية

(1)

قلت: يدل عليه الأموال ومويل وتمول زيد كذا إلى غير ذلك واللّه أعلم.

ونهيه صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال هو تبذيره وصرفه في غير الوجوه المأذون فيها من مقاصد الآخرة والدنيا [وترك حفظه مع إمكان الحفظ] فأما بذله وكثرة إنفاقه في تحصيل مصالح الآخرة فذلك مطلوب بشروط وقد قالوا الإسراف في الخير كالضيافة ونحوها وأما بذله في مصالح الدنيا وملاذ النفس على وجه لا يليق بحالط المنفق وقدر ماله ففي كونه إسرافا خلافٌ، والمشهور عند المالكية أنه إسراف وقال بعض أصحابنا: ليس بإسراف وظاهر القرآن يمنعه والأشهر أنه مباح إذا كان في غير معصية

(2)

[وفي المذهبي] عندنا: يكره لمن لا يصبر على الإضافة التصدق بجميع ماله

(3)

، وقال الزناتي شارح الرسالة

(4)

: لا خلاف عند المالكية في منعه سواء أنفقه على أولاده أو على الفقراء، وحكي عن سحنون أنه ترد صدقته ويحال بينه وبين ماله لظهور سفهه وربما يؤدب على سوء صنيعه ومنعه الباجي

(5)

وعند

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (4/ 147).

(2)

إحكام الأحكام (1/ 322)، والعدة (2/ 650 - 651).

(3)

المهذب (1/ 322)، والوسيط (4/ 577)، والمجموع (6/ 236).

(4)

شرح الرسالة المسماة (حلل المقالة في شرح الرسالة)(لوحة 80).

(5)

فتح البارى (10/ 408).

ص: 485

وعند ابن كثير إنفاقه في مصالح الدنيا مكروه كما إذا تلذذ به وجمع بين الأطعمة المفتخرة ونحوها.

واختلف العُلماء في وجوب الحجر على البالغ المضيع لماله فقال الجمهور يجب، منهم علي وابن عباس وابن الزبير وأبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وقالت طائفة: لا حجر عليه وبه قال النخعي وابن سيرين وأبو حنيفة وزفر

(1)

، أ. هـ قاله في شرح الإلمام.

ويدخل فيه سوء القيام على ما يملكه من الرقيق والدواب حتى تضيع فتهلك، وقسم ما لا ينتفع به الشريك كاللؤلؤة والسيف والحمام الصغير واحتمال الغبن الفاحش في البياعات ونحوها وكذلك دفع المال لمن لم يؤنس رشده

(2)

.

وسبب النهي أنه إفساد واللّه لا يحب المفسدين، ولأنه إذا ضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس وأما صرفه في مصالح الآخرة فيمنع ولا يسمي ذلك تضييعا لأنه يقال في الخير أنفقت وفي الباطل ضيعت وخسرت وغرمت

(3)

ولهذا كرهوا للإنسان أن يقول ضيعت على حجي كذا وإنما يقال أنفقت على حجي كذا، ولا يكره إنفاق جميع ماله في مصالح الآخرة في حق من يصبر على الإضافة قال اللّه تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ

(1)

التوضيح (10/ 516) و (15/ 456)، وعمدة القاري (9/ 61).

(2)

شرح السنة (1/ 204) وعنه كشف المناهج (4/ 276).

(3)

دقائق المنهاج (ص 28).

ص: 486

وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}

(1)

الآية، وقد روى عن الحسن رضي الله عنه أنه تجرد من ماله مرتين ويكره في حق من لا يصبر على الضرر والإضافة ويحرم على من عليه دين أو نفقة زوجة أو مملوك أو قريب التصدق بما يحتاج إليه لنفقتهم، قال صلى الله عليه وسلم:"كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول"

(2)

فإن تصدق في هذه الحالة لم يملكه الفقير كما قاله في الكفاية، ووجهه أن قد تعلق به حق آدمي فأشبه المرهون والمرهون لا يحل التصدق به ولا يملكه الآخذ، ولذلك لو تصدق بما تعلق به حق اللّه تعالى حرم ولم يملكه الآخذ فلو في خل الصلاة وتصدق بما معه من المال الذي يحتاج إليه للطهارة لم يجز تيممه ما دام المال موجودا في يد الآخذ ولو تصدق بالثوب الذي يستر عورته في الصلاة أو غيرها لم يجز لتعلق حق اللّه تعالى بساتر العورة، وكذا لو باع ساتر العورة أو جعله صداقا وأراد أن يقعد عريانا لم يصح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي [قال] ليس معي إلا إزاري هذا، فقال:"إزارك إن أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك"

(3)

فمنعه من جعله صداقا واللّه أعلم، أ. هـ قاله ابن العماد.

قوله في الرِّواية الأخرى: "ووأد البنات" وأما وأد البنات فبالهمزة فهو دفنهن في حياتهن فيمتن تحت التراب وهو من الكبائر الموبقات لأنه قتل

(1)

سورة الحشر، الآية:9.

(2)

أخرجه مسلم (40 - 996)، وأبو داود (1692) عن عبد اللّه بن عمرو.

(3)

أخرجه مالك في الموطأ (1498)، وأبو داود (2111)، والترمذى (1114)، وابن حبان (4093) عن سهل بن سعد. قال الألباني: صحيح - صحيح أبي داود (1838)، الإرواء (6/ 345/ 1245).

ص: 487

نفس بغير حق، ويتضمن أيضًا قطيعة الرحم وإنما اقتصر على البنات لأنه المعتاد التي كانت الجاهلية تفعله

(1)

، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)}

(2)

الآية إلى قوله: {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}

(3)

كانت العرب في الجاهلية تكره الأنثى ويقولون أنها لا تنصر على العدو ولا تقري الضيف.

وبشر أحدهم ببنت فقال: ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء وبزها سرقة، والبز بفتح الباء وبالزاي معناه السلب فهي بضعفها لا تنصر على العدو إلا بالبكاء والصراخ ولا تقدر على سل مال العدو إلا بالسرقة، ويروي برها بالراء المهملة وكانوا لا يورثون البنات لذلك فجبرهن اللّه تعالى بتقديمهن في الذكر فقال اللّه تعالى:{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}

(4)

الآية، وجعل نصيب الذكر في آية المواريث معتبرا بحظ الانثيين تنبيها على تأصلهن في الميراث وقياسا للذكر عليهن.

فإن قيل: قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "دفن البتات من المكرمات"

(5)

(1)

شرح النووي على مسلم (12/ 12).

(2)

سورة النحل، الآية:58.

(3)

سورة النحل، الآية:59.

(4)

سورة الشوري، الآية:49.

(5)

أخرجه البزار كما في كشف الأستار (790)، والدولابى في الذرية (73)، والطبرانى في الكبير 11/ 366 - 367 (12350)، في الأوسط 2/ 372 (2263) وابن الجوزى في الموضوعات (2/ 236) عن ابن عباس. وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد =

ص: 488

وقيل في ذلك: دفن البنات من المكرمات أما ترى الرب سبحانه قد جعل النفس تحب البنات، وقال بعضهم: حين دفنت ابنته مؤنة كفيت وعورة سترت ونعم الصهر القبر ومن الكلام الشائع على سبيل المثال البنت تجلب العار والعدو إلى الدار، أ. هـ.

فائدة: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث "ووأد البنات" قيل: هذا لا يدلّ على جواز قتلهن، فإن قتل النفس لم يبح في ملة من الملل ووأد البنات كان معلوم التحريم من القواعد الكلية فما فائدة النهي عن وأدهن، فجوابه أن ذلك لتأكيد الحرمة والتحذير عنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء تأكيدا لحرمته وحثا على صومه فإنهم كانوا يصومونه قبل ذلك بمكة وأمر بصيامه ثانيًا تأكيدا لحرمته قاله ابن العماد.

= اللّه بن ذكوان الدمشقي. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 11: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، والبزار إلا أنه قال: موت البنات، وفيه عثمان بن عطاء الخراساني، وهو ضعيف. وأخرجه ابن عدى (3/ 407)، وابن الجوزى في الموضوعات (2/ 235) عن ابن عمر. قال ابن الجوزى: هذا حديث لا يصح عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. أما حديث ابن عمر فتفرد به محمد بن معمر عن حميد بن حمَّاد. قال ابن عدي: حميد تحدّث عن الثقاة بالمناكير.

وأما حديث ابن عباس فقال أبو نعيم: تفرد به عراك، وقد ذكرناه عن محمد بن عبد الرحمن، فأما عراك فقال أبو حاتم الرازي: مضطرب الحديث ليس بالقوى وأما محمد بن عبد الرحمن فقال ابن عدي: ضعيف يسرق الحديث، وأما عثمان بن عطاء فقال يحيى بن مَعين: هو ضعيف، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بروايته، قال: وكان أبوه عطاء ردئ الحفظ يخطئ ولا يعلم فبطل الاحتجاج به وسمعت شيخنا عبد الوهَّاب بن المبارك الأنماطي يحلف بالله عز وجل أنه ما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من هذا شيئًا قط. وقال الألباني في الضعيفة (185): موضوع.

ص: 489

3774 -

وَعَن أبي بكرَة رضي الله عنه، قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أَلا أنبئكم بأكبر الْكَبَائِر ثَلَاثًا قُلْنَا بلَى يَا رَسُول اللّه قَالَ الإِشْرَاك بِاللّه وعقوق الْوَالِدين وَكَانَ مُتكئا فَجَلَسَ فَقَالَ أَلا وَقَول الزُّور وَشَهَادَة الزُّور فَمَا زَالَ يكررها حَتَّى قُلْنَا ليته سكت رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ

(1)

.

قوله: وعن أبي بكرة رضي الله عنه. تقدم الكلام على ترجمته.

قوله: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا؟ " قلنا: بلى يا رسول اللّه، قال "الإشراك باللّه وعقوق الوالدين"وذكر الحديث إلى أن قال: وكان متكئا فجلس فقال: "ألا وقول الزور وشهادة الزور" فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت، الحديث، فجلوسه صلى الله عليه وسلم لهذا الْأَمر، وهو يفيد تأكيد تحريمه وعظم قبحه؛ وأما قوله:"ليته سكت" إنما قالوه وتمنوه شفقة على رسول اللّه وكراهة لما يزعجه ويغيظه واللّه أعلم، وتقدم الكلام على هذا الحديث مبسوطا في الترهيب من شهادة الزور.

3775 -

وَعَن عبد اللّه بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما. عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْكَبَائِر الإِشْرَاك باللّه وعقوق الْوَالِدين وَقتل النَّفس وَالْيَمِين الْغمُوس رَوَاهُ البُخَارِيّ

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري (2654) و (5976) و (6273 و 6274) و (6919)، ومسلم (143 - 87)، والترمذى (1901) و (2301) و (3019).

(2)

أخرجه البخاري (6675) و (6870) و (6920)، والترمذى (3021)، والنسائي في المجتبى 6/ 490 (4046) و 7/ 443 (4912).

ص: 490

3776 -

وَعَن أنس رضي الله عنه: قَالَ ذكر عِنْد رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِر فَقَالَ الشّرك بِاللّه وعقوق الْوَالِدين الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَفِي كتاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كتبه إِلَى أهل الْيمن وَبعث بِهِ مَعَ عَمْرو بن حزم وَإِن أكبر الْكَبَائِر عِنْد اللّه يَوْم الْقِيَامَة الإِشْرَاك بِاللّه وَقتل النَّفس المؤمنة بِغَيْر الْحق والفرار فِي سَبِيل اللّه يَوْم الزَّحْف وعقوق الْوَالِدين وَرمي المحصنة وَتعلم السحر وَأكلّ الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم الحَدِيث رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه: تقدم الكلام على ترجمته.

قوله: ذكر عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الكبائر، فقال:"الشرك باللّه وعقوق الوالدين" الحديث، فإن قلت: العقوق كيف يكون في درجة الإشراك وهو كفر، قلت: ادخل في سلكه تعظيما لأمر الوالدين وتغليظا على [العاق] أو المراد أن [أكبر الكبائر] فيما [يتعلق بحق] اللّه تعالى الإشراك فيما يتعلق

(1)

أخرجه البخاري (2653) و (5977)، ومسلم (144 - 88)، والترمذى (1257) و (3018)، والنسائي في الكبرى (3459) و (11533) والمجتبى 6/ 490 (4045) و 7/ 443 (4911) عن أنس.

وأخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير - السفر الثانى 1/ 374 (1314)، وابن حبان (6559)، والطبراني في الطوال (56)، والبيهقى في الكبرى (4/ 149 - 151 رقم 7255)، والخطيب في الكفاية (ص 103 - 104). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 72: رواه الطبراني في الكبير، وفيه سليمان بن داود الحرسي، وثقه أحمد، وتكلم فيه ابن مَعين، وقال أحمد: إن الحديث صحيح. قلت: وبقية رجاله ثقات. وقال الألباني: صحيح لغيره - "الإرواء"(122)، "المشكاة"(465) وصحيح الترغيب (1341) و (2515) و (2801) و (3541).

ص: 491

بحق الناس العقوق وقال اللّه تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}

(1)

أ. هـ قاله الكرماني

(2)

.

قوله: في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كتبه إلى أهل اليمن وبعث به مع عمرو بن حزم وإن أكبر الكبائر عند اللّه يوم القيامة، فذكر فيه "والفرار في سبيل اللّه يوم الزحف [وعقوق الوالدين ورمي المحصنة] وتعلم السحر" الحديث، عمرو بن حزم هو الضحاك ويقال أبو محمد عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان بفتح اللام وإسكان الواو وبذال معجمة ابن عمرو عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري المدني وقيل في نسبه غيره هذا، أول مشاهده مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الخندق، واستعمله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على نجران باليمن وهو ابن تسع عشرة سنة وبعث معه كتابا فيه الفرائض والصدقات والجروح والديات وكتابه هذا مشهور في كتب السير، رواه أبو داود والنسائي توفي بالمدينة سنة إحدى وقيل ثلاث وقيل أربع وخمسين، واللّه أعلم بالصواب

(3)

.

أما عده التولي يوم الزحف من الكبائر فدليل صريح لمذهب العُلماء كافة في كونه كبيرة إلا ما حكى عن الحسن البصري أنه قال: ليس هو من الكبائر والآية الكريمة الواردة إنما وردت في أهل بدر خاصة، والصواب ما قاله

(1)

سورة الإسراء، الآية:23.

(2)

الكواكب الدرارى (22/ 107).

(3)

الاستيعاب (3/ الترجمة 1907)، وأسد الغابة (3/ الترجمة 3899).

ص: 492

الجماهير أنه عام باق واللّه أعلم وأما عده صلى الله عليه وسلم السحر من الكبائر فهو دليل لمذهبنا الصحيح المشهور ومذهب الجماهير أن السحر حرام من الكبائر تعلمه وتعليمه

(1)

.

3777 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما عَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاثَة لَا يْنظر اللّه إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة الْعَاق لوَالِديهِ ومدمن الْخمر والمنان عطاءه وَثَلَاثَة لا يدْخلُونَ الْجنَّة الْعَاق لوَالِديهِ والديوث والرجلة رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَاللَّفْظ لَهُ بِإِسْنَادَيْنِ جَيِّدين وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وروى ابْن حبَان فِي صَحِيحه شطره الأول الديوث بتَشْديد الْيَاء هُوَ الَّذِي يقر أَهله على الزِّنَا مَعَ علمه بهم

(2)

.

والرجلة بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْجِيم هِيَ المترجلة المتشبهة بِالرِّجَالِ.

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة العاق لوالديه ومدمن الخمر" الحديث، تقدم معنى نظره سبحانه وعلى ألفاظ الحديث.

(1)

شرح النووي على مسلم (2/ 88).

(2)

أخرجه أحمد 2/ 134 (6180)، والبزار (6050 و 6051)، والنسائي في الكبرى (2354) والمجتبى 4/ 561 (2581)، وأبو يعلى (5556)، والرويانى (1400)، وابن حبان (7340)، والطبرانى في الأوسط (2/ 51 رقم 2443) والكبير (12/ 302 رقم 13180)، والحاكم في المستدرك (1/ 72 و 4/ 246)، والبيهقى في الشعب (10/ 224 - 225 رقم 7417) و (10/ 278 رقم 7493). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الصحيحة (674) و (1397) و (3099) وصحيح الترغيب (2070) و (2511).

ص: 493

3778 -

وَعَن عبد اللّه بن عَمْر رضي الله عنهما

(1)

أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاثَة حرم اللّه تبارك وتعالى عَلَيْهِم الْجنَّة مدمن الْخمر والعاق والديوث الَّذِي يقر الْخبث فِي أَهله رَوَاهُ أَحْمد وَاللَّفْظ لَهُ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد

(2)

.

قوله: وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حرم اللّه تبارك وتعالى عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق والديوث" تقدم الكلام على ألفاظ هذا الحديث.

وقوله: "حرم عليهم الجنة" فيه التأويلان السابقان في نظائره ولا يحمل على ظاهره.

3779 -

وَروِيَ عَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يراح ريح الْجنَّة من مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَلَا يجد رِيحهَا منان بعَمَلِهِ وَلَا عَاق وَلَا مدمن خمر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير

(3)

.

(1)

في الأصل بن عمرو بن العاص.

(2)

أخرجه أحمد 2/ 69 (5372) و 2/ 128 (6113). قال الهيثمي في المجمع 4/ 327: رواه أحمد، وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات. وقال في 8/ 147: رواه أحمد، وفيه راو لم يسم. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2366) و (2512).

(3)

أخرجه الطبراني في الصغير (1/ 250 رقم 408) والأوسط (5/ 159 رقم 4938)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 307) و أخبار أصبهان (2/ 283). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن هارون بن رئاب إلا الربيع بن بدر. وقال أبو نعيم: غريب من حديث هارون عن مجاهد، ورواه موسى الجهني عن منصور، عن مجاهد، عن أبي هريرة موقوفًا. قال الهيثمي في المجمع 5/ 75: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عباد بن كثير وهو متروك. =

ص: 494

3780 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة لا يقبل اللّه عز وجل مِنْهُم صرفا وَلَا عدلا عَاق وَلَا منان ومكذب بِقدر رَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم فِي كتاب السّنة بِإِسْنَاد حسن وَتقدم فِي شرب الْخمر حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَربع حق على اللّه أَن لَا يدخلهم الْجنَّة وَلَا يذيقهم نعيمها مدمن الْخمر وآكل الرِّبَا وآكل مَال الْيتيم بِغَيْر حق والعاق لوَالِديهِ رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد

(1)

.

قوله: وعن أبي أمامة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يقبل اللّه عز وجل منهم صرفا ولا عدلا" الحديث، أي فريضة ولا نافلة على أحد الأقوال في ذلك

(2)

وتقدم الكلام على ذلك

= وقال في 8/ 148: رواه الطبراني في الصغير، وفيه الربيع بن بدر وهو متروك. وقال الألباني: ضعيف جدًّا الضعيفة (2302) وضعيف الترغيب (1413) و (1483).

(1)

أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (323)، والرويانى (1191) والطبراني في الكبير (8/ 240 رقم 7938) وابن عدى (2/ 156) والبيهقى في القضاء (430) وابن الجوزى في العلل (1121) بزيادة وَمُدْمِنُ خَمْرٍ، والطبراني في الكبير (8/ 119 رقم 7547)، والبيهقى في القضاء والقدر (432)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (464) و (2254)، وابن الجوزى في العلل المتناهية (239). قال ابن الجوزى: هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن حبان: عمر بن يزيد يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ومنهم ابن عباس رويت عنه أحاديث.

وقال الهيثمي في المجمع 7/ 206: رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما بشر بن نمير وهو متروك، وفي الآخر عمر بن يزيد وهو ضعيف. وحسنه الألباني في الصحيحة (1785) وصحيح الترغيب (2513). وضعفه جدًّا بزيادة ومدمن خمر في الضعيفة (2740).

(2)

قال الأصبهانى في الترغيب والترهيب (3/ 121): قال صاحب [الغريبين]: قال مكحول: [الصرف]: التوبة، و [العدل]: الفدية. وقال غيره: [الصرف]: النافلة، [العدل]: الفريضة.

ص: 495

مبسوطا في إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء.

3781 -

وَرُوِيَ عَن ثَوْبَان رضي الله عنه عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاثَة لا ينفع مَعَهُنَّ عمل الشّرك بِاللّه وعقوق الْوَالِدين والفرار من الزَّحْف رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير

(1)

.

قوله: وعن ثوبان رضي الله عنه: مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تقدمت ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينفع معهن عمل الشرك باللّه وعقوق الوالدين والفرار من الزحف" تقدم الكلام على هذه الألفاظ.

3782 -

وَعَن عبد اللّه بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما. أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ من الْكَبَائِر شتمِ الرجل وَالِديهِ قَالُوا يَا رَسُول اللّه وَهل يشْتم الرجل وَالِديهِ قَالَ نعم يسب أَبَا الرجل فيسب أَبَاهُ ويسب أمه فيسب أمه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ

(2)

.

3783 -

وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ وَمُسلم إِن من أكبر الْكَبَائِر أَن يلعن الرجل وَالِديهِ قيل يَا رَسُول اللّه وَكيف يلعن الرجل وَالِديهِ قَالَ يسب أَبَا الرجل فيسب أَبَاهُ ويسب أمه فيسب أمه

(3)

.

قوله: عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، تقدم.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 95 رقم 1420). قال الهيثمي في المجمع 1/ 104: رواه الطبراني في الكبير، وفيه يزيد بن ربيعة، ضعيف جدًّا. وضعفه الألباني جدًّا في الضعيفة (1384) وضعيف الترغيب (837) و (1484).

(2)

أخرجه مسلم (146 - 90)، والترمذى (1902).

(3)

أخرجه البخاري (5973) وأبو داود (5141).

ص: 496

قوله صلى الله عليه وسلم: "من الكبائر شتم الرجل والديه" الحديث، قال في المفهم

(1)

: يعني من أكبر الكبائر لأن شتم المسلم كبيرة فشتم الأب أكبر منه وفيه نظر، أ. هـ قاله الكرماني.

فإن قلت: الكبيرة معصية توجب الحد واللعن لا حد له قلت اللعن السب والقذف وله حد مع أن الكبيرة أصح حدودها معصية، توعد الشارع عليها بخصوصها وقيل هي ما تشعر بقلة المبالاة بالدين، وفي الجملة تعريفات متعددة، فإن قلت: لم كان من أكبرها؟ قلت: لأنه نوع من العقوق وهو إساءة في مقابلة إحسان الوالدين وهو أن لحقوقهما وهو قبيح أيضًا عرفا وعادة انتهى

(2)

.

تنبيه: فإن قلت: جاء في بعض الروايات أن الكبائر سبع وفي بعضها ثلاث ثلاث وقال بعضهم: ليس لها عدد معين، فما التلفيق؟ قلت: لا منافاة لعدم اعتبارها مفهوم العدد، فإن قلت: فما وجه تخصيص هذه الأربعة بالذكر المذكور في غير هذا الحديث. قلت: لأنها أكثرها ولأن اللّه أوعد على القتل ما أوعد على الشرك حيث قال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}

(3)

الآية، قاله الكرماني

(4)

.

(1)

المفهم (2/ 47).

(2)

الكواكب الدرارى (21/ 148 - 149).

(3)

سورة النساء، الآية:96.

(4)

الكواكب الدرارى (11/ 174).

ص: 497

وأما قوله صلى الله عليه وسلم من الكبائر شتم الرجل والديه إلى آخره، ففيه دليل على أن من تسبب في شيء جاز أن ينسب إليه ذلك الشيء دائمًا

(1)

.

قوله: "وهل يشتم الرجل والديه" استفهام انكار واستبعاد لوقوع ذلك من أحد من الناس وهو دليل لما كنوا عليه من المبالغة في بر الوالدين ومن الملازمة لمكارم الأخلاق والآداب والحديث دليل على أن سبب الشيء قد ينزل منزلة الشيء في المنع فيكون حجة لمن منع بيع العنب ممن يعصره خمرًا ومنع بيع ثياب الحرير ممن يلبسها وهي لا تحل له على أحد القولين عند [المالكية]، وأفتى به بعض الشافعية وفيه حجة للقول بسد الذرائع وهو نحو قوله تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}

(2)

(3)

.

قال النووي: وإنما جعل هذا عقوقا لكونه يحصل منه ما يتأذى به الوالدن تأذيًا ليس بالهين كما تقدم في حد العقوق واللّه أعلم

(4)

.

فرع: يحرم انتهار الوالد والوالدة وشبههما تحريما غليظا لهذا الحديث قال اللّه تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}

(5)

الآية كلها

(6)

، أ. هـ.

(1)

شرح النووي على مسلم (2/ 88).

(2)

سورة الأنعام، الآية:108.

(3)

المفهم (2/ 47).

(4)

شرح النووي على مسلم (2/ 88).

(5)

سورة الإسراء، الآية:23.

(6)

الأذكار (ص 579).

ص: 498

3784 -

وَعَن عَمْرو بن مرّة الْجُهَنِيّ رضي الله عنه: قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول اللّه شهِدت أَن لا إِلَه إِلَّا اللّه وَأَنَّك رَسُول اللّه وَصليت الْخمس وَأديت زَكَاة مَالِي وَصمت رَمَضَان فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من مَاتَ على هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة هَكَذَا وَنصب أصبعيه مَا لم يعق وَالِديهِ رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا صَحِيح وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا بِاخْتِصَار

(1)

.

قوله: وعن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه: تقدم الكلام عليه.

قوله: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه شهدت أن لا إله إلا اللّه، الحديث، تقدم الكلام عليه في الصدقات.

3785 -

وَعَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه: أَوْصَانِي رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم بِعشر كَلِمَات قَالَ لَا تشرك بِاللّه شَيْئًا وَإِن قتلت وَحرقت وَلَا تعقن والديك وَإِن

(1)

أخرجه أحمد 5/ 466 (24009/ 81)، وابن معين في الثاني من حديثه (190)، والبخاري في التاريخ الكبير 6/ 308، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ 1/ 333، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير - السفر الثانى 1/ 378 (1332)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2558)، والبزار (25 - كشف الأستار)، وابن خزيمة (2212)، وابن قانع (2/ 197)، وابن حبان (3438)، والطبراني في الشاميين (2939)، والبيهقى في الشعب (5/ 229 رقم 3345)، والخطيب في الجامع (1632) وتالى تلخيص المتشابه (1/ 172).

قال الهيثمي في المجمع 1/ 46: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخي البزار، وأرجو إسناده أنه إسناد حسن أو صحيح. وقال في 8/ 147: رواه أحمد والطبراني بإسنادين ورجال أحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (361) و (749) و (1003) و (2515).

ص: 499

أمراك أَن تخرج من أهلك وَمَالك الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَغَيره وَتقدم فِي ترك الصَّلاة بِتَمَامِهِ

(1)

.

قوله: وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه تقدم الكلام على ترجمته.

قوله: أوصاني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات، الحديث، تقدم الكلام عليه في ترك الصلاة.

3786 -

وَرُوِيَ عَن جَابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما. قالَ خرج علينا رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم وَنحن مجتمعون فَقَالَ يَا معشر الْمُسلمين اتَّقوا اللّه وصلوا أَرْحَامكُم فَإِنَّهُ لَيْسَ من ثَوَاب أسْرع من صلَة الرَّحِم وَإِيَّاكُم وَالْبَغي فَإِنَّهُ لَيْسَ من عُقُوبَة أسْرع من عُقُوبَة الْبَغي وَإِيَّاكُم وعقوق الْوَالِدين فَإِن ريح الْجنَّة تُوجد من مسيرَة ألف عَام وَاللّه لا يجدهَا عَاق وَلَا قَاطع رحم وَلَا شيخ زَان وَلَا جَار إزَاره خُيَلَاء إِنَّمَا الْكِبْرِيَاء للّه رب الْعَالمين وَالْكذب كلّه إِثْم إِلَّا مَا نَفَعت بِهِ مُؤمنا وَدفعت

(1)

أخرجه أحمد 5/ 238 (22750)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (921)، والطبراني في الكبير 20/ 82 (156) والأوسط (8/ 58 رقم 7956) وفي الشاميين (2204)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 306). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن يونس إلا عمرو بن واقد، ولا يروى عن معاذ إلا بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في المجمع (1/ 105): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمرو بن واقد، ضعفه البخاري وجماعة، وقال الثوري: كان صدوقا.

وقال الهيثمي في المجمع (4/ 215): رواه أحمد، والطبراني في الكبير، ورجال أحمد ثقات إلا أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير لم يسمع من معاذ، وإسناد الطبراني متصل، وفيه عمرو بن واقد القرشي، وهو كذاب. وصححه الألباني في الإرواء (2026) وصحيح الترغيب (569 و 570) و (2516).

ص: 500

بِهِ عَن دين وَإِن فِي الْجنَّة لسوقا مَا يُبَاع فِيهَا وَلَا يشترى لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الصُّور فَمن أحب صُورَة من رجل أَو امْرَأَة دخل فِيهَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَتقدم فِي اللواط حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لعن اللّه سَبْعَة من فَوق سبع سماواته وردد اللَّعْنَة على وَاحِد مِنْهُم ثَلَاثًا وَلعن كلّ وَاحِد مِنْهُم لعنة تكفيه قَالَ مَلْعُون من عمل عمل قوم لوط مَلْعُون من عمل عمل قوم لوط مَلْعُون من عمل عمل قوم لوط مَلْعُون من ذبح لغير اللّه مَلْعُون من عن وَالِديهِ الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد وَتقدم أَيْضًا حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لعن اللّه من ذبح لغير اللّه وَلعن اللّه من غير تخوم الْأَرْض وَلعن اللّه من سبّ وَالِديهِ الحَدِيت رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: وعن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر المسلمين اتقوا اللّه وصلوا أرحامكم" الحديث تقدم وسيأتي الكلام على صلة الرحم.

3787 -

وَعَن أبي بكرَة رضي الله عنه: عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ كلّ الذُّنُوب يُؤَخر اللّه مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا عقوق الْوَالِدين فَإِن اللّه يعجله لصَاحبه فِي الْحَيَاة

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 18 رقم 5664) وعنه أبو نعيم في صفة الجنة (195).

وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن جابر إلا بهذا الإسناد، تفرد به أحمد بن محمد بن طريف. قال الهيثمي في المجمع 5/ 125: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن كثير الكوفي، وهو ضعيف جدًّا. وقال في 8/ 149: رواه الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن كثير، عن جابر الجعفي، وكلاهما ضعيف جدًّا. وضعفه الألباني جدًّا في الضعيفة (5369) وضعيف الترغيب (1245) و (1437) و (1485) و (2180).

ص: 501

قبل الْمَمَات رَوَاهُ الْحَاكِم والأصبهاني كِلَاهُمَا من طَرِيق بكار بن عبد الْعَزِيز وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد

(1)

.

قوله: وعن أبي بكرة رضي الله عنه تقدم الكلام على ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "كلّ الذنوب يؤخر اللّه منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن اللّه يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات" الحديث، تقدم الكلام على الحقوق.

3788 -

وَرُوِيَ عَن عبد اللّه بن أبي أوفى رضي الله عنه: قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ شَاب يجود بِنَفسِهِ فَقيل لَهُ قل لا إِلَه إِلَّا اللّه فَلم يسْتَطع فَقَالَ كَانَ يُصَلِّي فَقَالَ نعم فَنَهَضَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ونهضنا مَعَه فَدخل على الشَّاب فَقَالَ لَهُ قل لَا إِلَه إِلَّا اللّه فَقَالَ لا أَسْتَطِيع قَالَ لم قَالَ كَانَ يعق والدته فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أحية والدته قَالُوا نعم قَالَ ادعوها فدعوها فَجَاءَت فَقَالَ هَذَا ابْنك قَالَت نعم فَقَالَ لهَا أَرَأَيْت لَو أججت نَار ضخمة فَقيل لَك إِن شفعت لَهُ خلينا عَنهُ وَإِلَّا حرقناه بِهَذِهِ النَّار أَكنت تشفعين لَهُ قَالَت يَا رَسُول اللّه إِذا أشفع لَهُ قَالَ فأشهدي اللّه واشهديني قد رضيت عَنهُ قَالَت اللَّهُمَّ إِنِّي أشهدك وَأشْهد رَسُولك أَنِّي قد رضيت عَن ابْني فَقَالَ لَهُ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَا غُلَام قل لَا إِلَه إِلَّا

(1)

أخرجه الفسوى في مشيخته (14)، والبزار (3693)، الخرائطي (236)، الحاكم 4/ 156، والبيهقى في الشعب (10/ 288 - 289 رقم 7505 و 7506)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (468 و 2211)، وابن الجوزى في البر (126 و 243). وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي فقال: بكار بن عبد العزيز ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1486)، وغاية المرام (279).

ص: 502

اللّه وَحده لا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَقَالَهَا فَقَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم الْحَمد للّه الَّذِي أنقذه بِي من النَّار رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَأحمد مُخْتَصرا

(1)

.

قوله: وعن عبد اللّه بن أبي أوفى رضي الله عنه: تقدم الكلام عليه في الأذان وغيره.

قوله: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه آت فقال شاب يجود بنفسه، أي يخرجها ويدفعها كما يجود الإنسان بإخراج ماله.

قوله: فقيل له قل لا إله إلا اللّه فلم يستطع، الحديث.

تنبيه: في سنن أبي داود وغيره عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللّه: "من كان آخر كلامه لا إله إلا اللّه دخل الجنة" قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد

(2)

، قال العُلماء: فإن لم يقل هو لا إله إلا اللّه لقنه من حضره ويلقنه

(1)

أخرجه أحمد 4/ 382 (19411)، وابن ابى الدنيا في المحتضرين (15)، والعقيلى في الضعفاء (3/ 460)، والخرائطى في المساوئ (241)، والدينورى في المجالسة (516)، والبيهقى في الشعب (10/ 290 - 291 رقم 7508)، وابن الجوزى في الموضوعات (3/ 87). قال عبد اللّه بن أحمد: ولم يحدّثنا أبي بهذين الحديثين، ضرب عليهما من كتابه لأنه لم يرض حديث فائد بن عبد الرحمن أو كان عنده متروك الحديث. قال ابن الجوزى: هذا حديث لا يصح عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وفي طريقه فايد.

قال الهيثمي في المجمع 8/ 148: رواه الطبراني وأحمد باختصار كثير، وفيه فائد أبو الورقاء وهو متروك. قال البوصيرى في إتحاف الخيرة 5/ 476: وقال الحاكم: روى عن ابن أبي أوفى أحاديث موضوعة. وقال الألباني في ضعيف الترغيب (1487): ضعيف جدًّا وقال في الضعيفة (3183): موضوع.

(2)

أخرجه أحمد 5/ 233 (22340) و 5/ 247 (22127)، وأبو داود (3116)، والبزار (2626)، والشاشى (1299 و 1300)، والطبراني في الكبير 20/ 112 (221)، وفي =

ص: 503

برفق مخافة أن يضجر فيردها وإذا قالها مرة لا يعيدها عليه إلا أن يتكلم بكلام آخر قال أصحابنا، ويستحب أن يكون الملفت غير متهم لئلا يخرج الميت ويتهمه، واعلم أن جماعة من أصحابنا قالوا: يلقن ويقول لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه واقتصر الجمهور على قول لا إله إلا اللّه

(1)

، أ. هـ.

قوله: لو أججت نار ضخمة، تأججت النار بفتح الهمزة، أي: اشتعلت يقال أجت النار إذا اشتعلت والضخمة من النار هي الشديدة الاشتعال.

3789 -

وَعَن الْعَوام بن حَوْشَب رضي الله عنه: قَالَ نزلت مرّة حَيا وَإِلَى جَانب ذَلِك الْحَيّ مَقْبرَة فَلَمَّا كَانَ بعد الْعَصْر انْشَقَّ مِنْهَا قبر فَخرج رجل رَأسه رَأس الْحمار وَجَسَده جَسَد إِنْسَان فنهق ثَلَاث نهقات ثمَّ انطبق عَلَيْهِ الْقَبْر فَإِذا عَجُوز تغزل شعرًا أَو صُوفًا فَقَالَت امْرَأَة ترى تِلْكَ الْعَجُوز قلت مَا لَهَا قَالَت تِلْكَ أم هَذَا قلت وَمَا كانَ قصَّته قَالَت كانَ يشرب الْخمر فَإِذا رَاح تَقول لَهُ أمه يَا بني اتَّقِ اللّه إِلَى مَتى تشرب هَذِه الْخمر فَيَقُول لهَا إِنَّمَا أَنْت تنهقين كمَا ينهق الْحمار قَالَت فَمَاتَ بعد الْعَصْر قَالَت فَهُوَ ينشق عَنهُ الْقَبْر بعد الْعَصْر كلّ يَوْم فينهق ثَلَاث نهقات ثمَّ ينطبق عَلَيْهِ الْقَبْر رَوَاهُ الأصْبَهَانِيّ وَغَيره وَقَالَ الأصْبَهَانِيّ حدّث أَبُو الْعَبَّاس الأصَم إملاء بنيسابور بمشهد من الْحفاظ فَلم ينكروه

(2)

.

= الدعاء (1471)، وابن منده في التوحيد (187)، والحاكم 1/ 351 و 500 - 501.

وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الإرواء (687).

(1)

الأذكار (ص 143).

(2)

أخرجه اللالكائى في أصول السنة (2157)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (471).

وقال الألباني: حسن موقوف صحيح الترغيب (2517).

ص: 504

قوله: عن العوام بن حوشب رضي الله عنه هو العوام بن حوشب بن [يزيد بن الحارث الشيباني الربعي، أبو عيسى الواسطي وكان له من الأَخُوة: خراش بْن حوشب، وطلاب بْن حوشب، وثمامة بْن حوشب، ومزيدة بْن حوشب، ومالك بْن حوشب، ويوسف بْن حوشب. أسلم جدّه يزيد على يد عَلِيّ بْن أَبي طالب فوهب له جارية فولدت له حوشبا، وكان على شرطته، ثقة صاحب سنة، ثبت، صالح، وكان أبوه على شرطة الحجَّاج، وكان أخوه خراش على شرطة يوسف بْن عُمَر. روى نحوا من مئتي حديث أو أكثر قليلا قال يزيد بْن هارون: كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عَنِ المنكر مات سنة ثمان وأربعين ومئة

(1)

].

قوله: قال نزلت مرةً حيًا وإلى جانب ذلك الحي مقبرة، الحديث، الحي هو مجتمع القوم [قال الأزهري: الحي من أحياء العرب يقع علي بني أب كثروا أم قلوا] والمقبرة هي التي يدفن فيها الموتى وفي باء المقبرة ثلاثة أوجه الضم والفتح والكسر وذكر ذك النووي في تحريره وغيره

(2)

واللّه أعلم.

قوله: حدّث أبو العبَّاس الأصم إملاء بنيسابور [بمشهد] من الحُفَّاظ، أبو العبَّاس الأصم اسمه [محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان بن عبد اللّه الأموي مولاهم أبو العبَّاس الأصم النيسابوري، سمع الكثير وطاف البلاد ودخل مصر وسمع بها من الربيع بن سليمان مسند الشافعي رضي الله عنه وسمع من محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم وبحر بن نصر وغيرهم، حدث

(1)

تهذيب الكمال (22/ الترجمة 4541)، وتهذيب التهذيب: 8/ 163.

(2)

تحرير ألفاظ التنبيه (ص 58).

ص: 505

عنه الحُفَّاظ أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الحاكم وأبو عبد اللّه محمد بن إسحاق بن منده ومحمد بن الحُسين بن موسى السلمي وأبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ومحمد بن موسى الحرشي، قال الحاكم أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه النيسابوري في تاريخه هو محدّث عصره بلا مدافعة حدّث في الإسلام ستا وسبعين سنة وأذن سبعين سنة على الصلوات الخمس حسن الخلق سخي النفس لا يختلف في صدقه وثقته وصحة سماعاته وضبط أبيه يعقوب الوراق سمع منه الآباء والأنباء والأحفاد وقصده الرحالة من سائر البلاد ولد سنة سبع وأربعين ومائتين وتوفي ليلة الاثنين ودفن عشية الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاثماثة

(1)

].

قوله: ونيسابور مدينة عظيمة في أرض سهلة وليس بها ماء جار إلا نهرًا يخرج إلهيم فضلة في اسنة ولا يدوم من فضل مائه شيء.

لطيفة: يختم بها الباب فيها بشرى يؤمر برجل عاق لوالديه إلى النار قال فيطلب الرجل أن يرده اللّه تعالى فيقول ردوه فيقول له أيها العبد لأي شيء تطلب الرد إليَّ فيقول إلاهي رأيتُ أني سائر إلى النار وإذ لابد لي منها وكنت عاقا لأبي وهو سائر إلى النار مثلي فضعف عليَّ به عذابي وأنقذه منها قال فيضحك اللّه تعالى ويقول عققته في الدنيا وبررته في الآخرة خذ بيد أبيك وانطلقا إلى الجنة فما من أحد يذهب إلى النار إلا والملائكة توقفه لعلمهم بسر أحكام الآخرة، أ. هـ، ذكره الغزالي في كتابه الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة

(2)

.

(1)

التقييد (ترجمة 140) لابن نقطة.

(2)

الدرة الفاخرة (ص 108 - 109) والتذكرة (ص 733 - 734).

ص: 506