الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تخميرها]
424 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَة سَوْدَاء كَانَت تقم الْمَسْجِد ففقدها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عَنْهَا بعد أَيَّام فَقيل لَهُ: إِنَّهَا مَاتَت، فَقَالَ:"فَهَلا آذنتموني؟ " فَأتى قبرها فصلى عَلَيْهَا، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح وَاللَّفْظ لَهُ، وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه إِلَّا أَنه قَالَ: إِن امْرَأَة كَانَت تلقط الْخرق والعيدان من الْمَسْجِد
(1)
.
425 -
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضًا وَابْن خُزَيْمَة عَن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ: كَانَت سَوْدَاء تقم الْمَسْجِد فَتُوُفِّيَتْ لَيْلًا، فَلَمَّا أصبح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بهَا فَقَالَ:"أَلا آذنتموني؟ " فَخرج بِأَصْحَابِهِ فَوقف على قبرها فَكبر عَلَيْهَا وَالنَّاس خَلفه ودعا لهَا ثمَّ انْصَرف
(2)
.
قوله: "عن أبي هريرة"، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: "أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنها ماتت، قال: "فهلا آذنتموني؟ "
(1)
أخرجه البخاري (460) و (1337)، ومسلم (71 - 956)، وابن ماجه (1527)، وأبو داود (3203)، وابن خزيمة (1299 و 1300)، وابن حبان (3086).
(2)
أخرجه ابن ماجه (1528)، وابن حبان (3083) و (3087). وقال الألباني: صحيح لغيره - أحكام الجنائز (ص 114)، الإرواء (4/ 184 - 185)، وصحيح الترغيب (277).
فأتى قبرها فصلى عليها" الحديث. ورواه ابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: "إن امرأة كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد"، وروى أبو الشيخ الأصبهاني عن عبيد بن مرزوق قال: كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد فماتت فلم يعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذا القبر؟ " فقالوا: أم محجن، قال: "التي كانت تقم المسجد" قالوا: نعم، فصف الناس فصلى عليها، الحديث
(1)
.
وروى الطبراني عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يعلموه بموتها فلم يعلموه بذلك كرهوا أن يشقوا عليه
(2)
كما ذكر من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن مسكينة ماتت
(3)
وهذه المسكينة هي المرأة في هذا الحديث، ويحكى أن امرأة كانت تكنس المساجد وكانت تُسمّى مسكينة فرؤيت في المنام فقيل لها: كيف حالك يا مسكينة؟ فقالت: هيهات ذهبت المسكنة
(4)
، وروي عن ابن عباس قال: مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده فمات بالليل فدفنوه ليلًا فلما أصبح أخبروه فقال: "ما منعكم أن تعلموني؟ " قالوا: كان الليل فكرهنا وكانت [ظلمة] فكرهنا أن نشق عليك، فأتى قبرها فصلى عليه،
(1)
أخرجه الرويانى (43)، والبيهقى في الكبرى (4/ 80 رقم: 7020) من حديث بريدة. وحسنه ابن حجر في الفتح (2/ 99). قلت: فيه محمد بن حميد وهو ضعيف.
(2)
أخرجه البخاري (1321)، وابن ماجه (1530)، والطبراني في الكبير (12/ 94 رقم 12582 و 12583).
(3)
أخرجه مالك (607) ومن طريقه النسائي في المجتبى 4/ 66 (1923) و 4/ 112 (1985) و 4/ 121 (1997).
(4)
ذكره ابن أبي الدنيا في المنامات (147)، ومن طريقه الدينورى في المجالسة (3530).
هذا لفظ البخاري، وهذا الحديث متفق عليه
(1)
، وفي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، أو شابًّا ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها أو عنه فقالوا: ماتت وذكر الحديث، إلى أن قال:"إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها بصلاتي عليها" وهذا الحديث قد اختلف فيه: هل كانت امرأة أو رجلًا، وقد روي بالشك، وعند ابن ماجه: أن امرأة سوداء، وعنه في طريق آخر ورجل فلعلهما اثنان.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فهلا آذنتموني" إلى آخره، أي: فهل لا أعلمتموني؟ وفي رواية أبي الشيخ: أم محجن؛ والحاصل من الحديث أن من دفن بغير صلاة فإنه يصلى على قبره ولا يخرج ولا يترك بغير صلاة، وفيه سؤاله صلى الله عليه وسلم عن هذه المسكينة، ففيه تنبيه على أن لا تحتقر مسلم ولا تصغر أمره.
وفيه: بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والرفق بأمته، وحسن تعهده وكرم أخلاقه ورأفته ورحمته والقيام بحقوقهم والاهتمام بمصالحهم في آخرتهم ودنياهم. وفيه: دليل على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الخلق الجميل في العفو وأنه أمر أصحابه فلم يفعلوا ما أمرهم به وله معاتبتهم.
وفيه: دليل لاستحباب الإعلام بالموت وذلك ردًّا على من قال: إذا مت لا تشعروا بي أحدًا [وسلوني] إلى ربي سلًا
(2)
، وقد كان جماعة يكرهون
(1)
أخرجه البخاري (1247)، ومسلم (68 و 69 - 954) عن ابن عباس.
(2)
قاله الربيع بن خثيم كما في الزهد (1996) لأحمد بن حنبل، وهو مذهب حذيفة وابن مسعود وعلقمة.
ذلك ورخص فيه آخرون، ودلائل السنة تدل على جواز ذلك والحمد لله، فأما الذين كرهوا ذلك فابن مسعود وأصحابه، واختلف في ذلك عن ابن عمر وإبراهيم وعلقمة، قال إبراهيم: إذا كان من يحمل الجنازة فلا يؤذن أحدًا مخافة أن يقال: ما أكثر من اتبعه
(1)
، وقال علقمة بن قيس حين حضرته الوفاة: فإذا مت فلا تؤذنوا بي أحدًا، يتبعني من يحملني إلى حفرتي، ورخص في الإعلام بالموت جماعة منهم أبو هريرة وغيره، والأصل في الباب قوله صلى الله عليه وسلم:"أفلا آذنتموني بها" ونعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي للناس، ونعى النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا أصحاب مؤتة على المنبر رجلًا رجلًا
(2)
، قال أبو عمر: شهود الجنائز أجر وبر وتقوي، والإذن بها تعاون على البر والتقوى وإدخال الأجر على الشاهد والميت
(3)
، وفيه دلالة على مذهب الشافعي والإمام أحمد وإسحاق وسائر أصحاب الحديث وابن وهب وابن عبد الحكم وابن [علي]، قال الإمام أحمد: رويت الصلاة على القبر من ستة وجوهٍ حسان كلها، زاد ابن عبد البر فيها وجهان، وقد فعل ذلك الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد شهر، وعنه أنه صلى الله عليه وسلم
(1)
قائل هذا الكلام هو علقمة بن قيس كما في مصنف عبد الرزاق (6054) وأما إبراهيم فقال: "لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه، إنما كانوا يكرهون أن يطاف به في المجالس، أنعي فلانًا كفعل الجاهلية" مصنف عبد الرزاق (6056).
(2)
التمهيد (6/ 255 - 256).
(3)
التمهيد (6/ 258).
صلى على قبر بعد ثلاث ليال، رواه الدارقطني، وعن سعيد بن المسيب أن أم سعد ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر، رواه الترمذي
(1)
، وروى الإمام أحمد من حديث ابن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق توفي فحمل على الرقاب ستة أميال إلى مكة وكانت عائشة قد قدمت بعد ذلك فقالت: أروني قبر أخي فأروها، فصلت عليه وكان قدومها بعد ذلك بشهور
(2)
، انتهى
(3)
.
وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما: لا تعاد الصلاة ولا يصلى على القبر وبه قال الثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث بن سعد، وتأول أصحاب مالك بحيث منعوا الصلاة على القبر بتأويلات لا فائدة في ذكرها لظهور فسادها
(4)
، فمنها: أن ذلك لا يجوز بحيث لم يصل الوالي أو الولي فإن كان كذلك جاز للولي والوالي أن يصلي عليه وهو عليه السلام، قال الله تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}
(5)
، ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان وعدها أن
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في المُصَنِّف 3/ 41 (11932)، والترمذى (1038)، وابن المنذر في الأوسط (3087)، والطبراني في الكبير (6/ 20 رقم 5378)، والبيهقي في الكبرى (4/ 80 رقم 7021). قال البيهقى: وكذلك رواه ابن أبي عروبة، عن قتادة، وهو مرسل صحيح. وضعفه الألباني في المشكاة (1912).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (6539)، وابن أبي شيبة في المُصَنِّف 3/ 41 (11939).
(3)
انظر: التمهيد (6/ 258 - 278).
(4)
التمهيد (6/ 259 - 260)، وشرح النووي على مسلم (7/ 25).
(5)
سورة الأحزاب، الآية:6.
يصلي عليها ووفى بوعده، ومنها: أن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم، قيل: الأصل فيه التخصيص قال ابن القاسم قلت: لمالك فالحديث الذي جاء أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة، قال: جاء هذا [الحديث] وليس عليه العمل، قلت: عمل من ذكرناه والحمد لله، وإنما أراد عمل عصره، [وقال أبو عمر] من صلى على جنازة قد صلي عليها فقد فعل خيرًا، ولم يأت بما يدلّ على منعه ولا نسخه، وقد أجمع العُلماء أنه لا يصلى على القبور القديمة قاله القرطبي في شرح [الموطأ]
(1)
، وفيه [نظر ونقل ابن الصباغ من الشافعية عن مذهبه وجها] بإنه يصلي على القبر أبدًا
(2)
، فعلى هذا تجوز الصلاة على قبور الصحابة [إلى اليوم]، وقيل: غير ذلك وهذا كلّه في غير قبر النبي صلى الله عليه وسلم فلا تجوز الصلاة على قبره صلى الله عليه وسلم على الأوجه كلها، والحكمة فيه أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام [يرفعون] بعد موتهم
(3)
، وقال أبو الوليد النيسابوري: تجوز الصلاة عليه فرادى لا جماعة [والنهي الوارد] في الأحاديث الصحيحة إنما هو عن الجماعة فيها، وكان أبو الوليد يقول: أنا أصلي [اليوم على قبور] الأنبياء والصالحين، وقطع بهذا أبو الطيب والمحاملي ورجحه أبو حامد وغير من أكابر الشافعية
(4)
، انتهي، قاله في شرح الإلمام، وفيه: الحث على
(1)
انظر: التمهيد (6/ 278 - 279).
(2)
رياض الأفهام (3/ 206).
(3)
البيان (3/ 74).
(4)
المجموع (5/ 249).
عيادة المريض وإباحة عيادة المرأة بشرطه، وفيه: أن الصلاة على القبر واقفا يفعل كما يفعل على الجنائز سواء، وفيه: الصف على الجنائز وجواز التكبير عليها أربع تكبيرات
(1)
، وسيأتي ما يدعى به للميت وما يقوله في كلّ تكبيرة في بابه إن شاء الله تعالي، وفيه: أن الدفن كان ليلا، وقد جاء النهي أن يقبر الرجل ليلًا، وقد اختلف العُلماء في الدفن بالليل فكرهه الحسن البصري وغيره من السلف فإن اضطر إلى ذلك فلا بأس، وقال جماهير العُلماء من السلف والخلف لا يكره الدفن بالليل واستدلوا بأن أبا بكر الصديق، وجماعة من السلف دفنوا ليلًا من غير إنكار وبحديث المرأة السوداء المذكور في الباب أنه توفيت ليلا فدفنت بالليل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم "أفلا آذنتموني"
(2)
والله أعلم.
426 -
وروى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن امْرَأَة كانَت تلقط القذى من الْمَسْجِد فَتُوُفِّيَتْ فَلم يُؤذن النَّبي صلى الله عليه وسلم بدفنها فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "إِذا مَاتَ لكم ميت فآذنوني" وَصلَّى عَلَيْهَا وَقَالَ إِنِّي رَأَيْتهَا فِي الْجنَّة تلقط القذى من الْمَسْجِد
(3)
.
(1)
العدة (2/ 764).
(2)
شرح النووي على مسلم (7/ 11).
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 143 رقم 8220) والكبير (11/ 238 رقم 11607). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الحكم بن أبان إلا فائد بن عمر، تفرد به: الذماري. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 10: رواه الطبراني في الكبير وقال في تراجم النساء: الخرقاء السوداء التي كانت تميط الأذى عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بعد هذا الكلام إسنادًا =
427 -
وروى أَبُو الشَّيْخ الأصْبَهَانِيّ عَن عبيد الله بن مَرْزُوق قَالَ كَانَت امْرَأَة بِالْمَدِينةِ تقم الْمَسْجِد فَمَاتَتْ فَلم يعلم بهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَمر على قبرها فَقَالَ مَا هَذَا الْقَبْر فَقَالُوا قبر أم محجن قَالَ الَّتِي كَانَت تقم الْمَسْجِد قَالُوا نعم فَصف النَّاس فصلى عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ أَي الْعَمَل وجدت أفضل قَالُوا يَا رَسُول الله أتسمع قَالَ مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهَا فَذكر أنَّهَا أَجَابَتْهُ قُم الْمَسْجِد وَهَذَا مُرْسل.
(1)
قُم الْمَسْجِد: بِالْقَافِ وَتَشْديد الْمِيم هُوَ كَنْسه.
قوله صلى الله عليه وسلم في رواية الطبراني: أن امرأة كانت تلقط القذى من المسجد، الحديث، والقذى جمع قذاة وهو ما يقع فى الماء والعين والشراب من تراب أو تبن أو ريح أو غير ذلك
(2)
، ويؤيد ذلك أيضًا ما في حديث أبي هريرة الذي رواه ابن خزيمة وغيره أن امرأة كانت تلقط الخرق والعيدان من المسجد
(3)
.
428 -
وَرُوِيَ عَن أبي قرصافة أَنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول ابْنُوا الْمَسَاجِد وأخرجوا القمامة مِنْهَا فَمن بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله وَهَذِه الْمَسَاجِد الَّتِي تبنى فِي الطَّرِيق قَالَ نعم وَإِخْرَاج القمامة
= عن أنس قال: فذكر الحديث ورجال إسناد أنس رجال الصحيح، وإسناد ابن عباس فيه عبد العزيز بن فائد وهو مجهول وقيل فيه: فائد بن عمر وهو وهم. وضعفه الألباني في الضعيفة (6718) وضعيف الترغيب (181).
(1)
أخرجه أبو الشيخ في ثواب الأعمال. قال ابن رجب في فتح البارى (3/ 352): وهذا مرسل غريب. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (182).
(2)
النهاية (4/ 30).
(3)
أخرجه ابن خزيمة (1300). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (276).
مِنْهَا مُهُور الْحور الْعين رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير
(1)
.
القمامة بِالضَّمِّ الكناسة وَاسم أبي قرصافة بِكَسْر الْقَاف جندرة بن خيشنة.
قوله: "عن أبي قرفاصة"، واسم أبي قرفاصة بكسر القاف: جندرة بن خيشنة، كذا قاله الحافظ المنذري.
قوله صلى الله عليه وسلم: "نظفوا المساجد وأخرجوا القمامة منها" الحديث، القمامة بالضم الكناسة، قاله المنذري، والجمع: قمام، قاله الجوهري
(2)
.
429 -
وَعَن أنس رضي الله عنه: قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "عرضت عَليّ أجور أُمتِي حَتَّى القذاة يُخرجهَا الرجل من الْمَسْجِد، وَعرضت عَليّ ذنُوب أمتِي فَلم أر ذَنبًا أعظم من سُورَة من الْقُرْآن أَو آيَة أوتيها رجل ثمَّ نَسِيَهَا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه كلهم من رِوَايَة الْمطلب ابن عبد الله بن حنْطَب عَن أنس، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، قَالَ وذاكرت بِهِ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَعْنِي البُخَارِيّ فَلم يعرفهُ وَاسْتَغْرَبَهُ، وَقَالَ مُحَمَّد: لَا أعرف للمطلب بن عبد الله سَمَاعًا من أحد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَوْله: حَدثنِي من شهد خطْبَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَسمعت عبد الله بن عبد الرَّحْمَن يَقُول: لا نَعْرِف للمطلب سَمَاعًا من أحد من أَصْحَاب
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 19 رقم 2521). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 9: رواه الطبراني في الكبير، وفي إسناده مجاهيل. وضعفه الألباني في الضعيفة (1675) وضعيف الترغيب (183).
(2)
الصحاح (5/ 2025).
النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ عبد الله: وَأنكر عَليّ بن الْمَدِينِيّ أَن يكون الْمطلب سمع من أنس
(1)
. قَالَ الْحَافِظ: عبد الْعَظِيم قَالَ أَبُو زرْعَة: الْمطلب ثِقَة أَرْجُو أَن يكون سمع من عَائِشَة وَمَعَ هَذَا فَفِي إِسْنَاده عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد وَفِي توثيقه خلاف يَأْتِي فِي آخر الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قوله: "عن أنس"، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد" الحديث، الأجور جمع أجر وهو ما جزى الله به العبد في الآخرة في مقابلة الأعمال الصالحات، وتقدم تفسير القذاة في الحديث قبله، ورووه كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب، قال الحافظ: قال أبو زرعة المطلب فقد جاز أن يكون سمع من عائشة، انتهى.
قال في الديباجة: المطلب بن عبد الله بن حنطب أبو الحكم المدني قال ابن سعد: روى عن أبيه وعمر بن الخطاب وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وأبي رافع وعائشة وأم سلمة، قال ابن سعد: قد كان كثير الحديث لا يحتج به لأنه كان يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا وليس له لقي، وعامة أصحابه يدلسون وعامة أحاديثه مرسلة، وقال الدَّارقُطْنِي: هو ثقة وكذا قال أبو زرعة فيه كما تقدم من قول المنذري، والده
(1)
أخرجه الفاكهى في أخبار مكة (1289)، وأبو داود (461)، والترمذي (3243)، والبزار (6219)، وأبو يعلى (4265)، وابن خزيمة (1297). وضعفه الألباني في المشكاة (720) وضعيف الترغيب (184 و 872).
عبد الله بن حنطب فهو صحابي، وقيل: لا صحبة له، وروى له الترمذي، ووقع في رواية عن عبد العزيز بن المطلب عن أبيه عن جدّه عن عبد الله بن حنطب، وذلك وهم وليس عن جدّه عن عبد الله بن حنطب، قال الترمذي: هذا مرسل عبد الله بن حنطب يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
انتهى.
قوله: "ففي إسناده عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد"، قال النووي: اسم أبي رواد ميمون، وعبد العزيز يكنى أبا عبد الرحمن وهو خراساني، سمع نافعًا وسالمًا وعكرمة، قال ابن معين: هو ثقة صدوق
(2)
، وقال شقيق: ذهبت بصر عبد العزيز عشرين سنة ولم يعلم به أهله ولا ولده فتأمله ابنه [ذات يوم فقال: يا أبت] ذهبت عيناك، قال نعم يا بني، الرضا عن الله أذهب عين أبيك منذ عشرين سنة
(3)
، وقال يوسف بن أسباط: مكث عبد العزيز بن أبي رواد أربعين سنة لم يرفع طرفه إلى السماء، فبينما هو يطوف حول الكعبة إذ طعنه المنصور بإصبعه في خاصرته فالتفت إليه وقال: قد علمت أنها طعنة جبار
(4)
، أسند عبد العزيز عن جماعة من كبار التابعين وهو مولى المهلب بن أبي صفرة الأزدي، أخو عثمان وجبلة والحكم وعباد، وفي اسم أبيه أقوال، قال القطَّان: ثقة لا يترك حديثه لرأي أخطأ فيه وهو
(1)
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 98 ترجمة 581)، وتهذيب الكمال (14/ 435 - 436 ترجمة 3235) و (28/ 81 - 85 الترجمة 6006).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 308 ترجمة 370).
(3)
حلية الأولياء (8/ 191).
(4)
حلية الأولياء (8/ 191).
الإرجاء، وثقه ابن معين وأبو هشام، وقال ابن المبارك: أنه كان يتكلم ودموعه تسيل وكان من أعبد الناس وتوفي بمكة سنة تسع وخمسين ومائة
(1)
، قاله في كتاب مختصر مجمع الأحباب.
430 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أخرج أَذَى من الْمَسْجِد بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَفِي إِسْنَاده احْتِمَال للتحسين
(2)
.
قوله: "عن أبي سعيد الخدري"، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أخرج أذى من المسجد" الحديث، تقدم الكلام على إخراج القمامة من المسجد وغيرها.
431 -
وَعَن سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه قَالَ: "أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نتَّخذ الْمَسَاجِد في دِيَارنَا وأمرنا أَن ننظفها" رَوَاهُ أَحْمد وأبو داود
(3)
وَقَالَ حَدِيث صَحِيح
(4)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 307 ترجمة 368)، وتهذيب الكمال (18/ 136 - 140 ترجمة 3448).
(2)
أخرجه ابن ماجه (757). قال البوصيرى في الزجاجة 1/ 96: هذا إسناد ضعيف مسلم هو ابن يسار لم يسمع من أبي سعيد الخدري. وقال الألبانى: منكر الضعيفة (6518) وضعيف الترغيب (185).
(3)
في الأصل الترمذى.
(4)
أخرجه أحمد 5/ 17 (20184)، وأبو داود (456). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (278).
432 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: "أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِبِنَاء الْمَسَاجِد فِي الدّور وَأَن تنظف وتطيب" رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح إِلَيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه
(1)
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مُسْندًا ومرسلا وَقَالَ فِي الْمُرْسل هَذَا أصح
(2)
.
قوله: عن سمرة بن جندب، كنيته: أبو سعيد، ويقال: أبو عبد الرحمن وأبو عبد الله وأبو سليمان وأبو سمرة، جندب بن هلال بن حريج بحاء مفتوحة ثم راء مكسورة ثم مثناة تحت ثم جيم، توفي أبوه وهو صغير فقدمت به أمه المدينة فتزوجها أنصاري وكان في حجره حتى كبر قبل إجازة النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وغزى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوات، سكن البصرة، يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثلاثة وعشرون حديثًا، اتفقا منها على حديثين، فانفرد البخاري بحديثين ومسلم بأربعة أحاديث، توفي بالبصرة سنة تسع وخمسين وقيل سنة ثمان وخمسين، وقال البخاري: توفي سمرة بعد أبي هريرة يقال: آخر سنة تسع وخمسين، ويقال: سنة ست
(3)
.
قوله: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجمل المساجد في ديارنا، قال ذو النسيبين
(1)
أخرجه أحمد 6/ 279 (26386)، وابن ماجه (758 و 759)، وأبو داود (455)، والترمذى (594)، وابن خزيمة (1294)، وابن حبان (1634). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (480)، وصحيح الترغيب (279).
(2)
أخرجه الترمذى (595 و 596) مرسلًا. قال الترمذى: وهذا أصح من الحديث الأول.
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 235 - 236 ترجمة 233).
ابن دحية في كتابه العلم المشهور إذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله بكذا ونهانا عن كذا وجب حمله على الوجوب، وحكى عن أبي بكر بن داود إذا قال: لا يحمل على الوجوب حتى ينقل إلينا لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم وما قاله ليس بصحيح لأن معرفة الأمر من غير طريقة اللغة، وإذا كنا نحتج في اللغة والتمييز بين الأمر وغيره بقول امرؤ القيس والنابغة وهما كأقران فبأن يحتج بقول الصحابي أولى لكونهم من أفصح العرب وما يقترن بذلك من ثناء الله عليهم بالفضل والدين والصحبة لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
(1)
انتهى.
قوله: "وأن نتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها" وفي رواية من حديث سمرة "أن نصلح صنعها" وفي حديث عائشة الذي بعده فقالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد كما تقدم وأن تنظف وتطيب، الحديث، قال سفيان: الدور هي القبائل والمحال، قال العُلماء: يستحب بناء المساجد وعمارتها واتخاذها في السكك والمحال والدور، ولا يمنع أحد من بناء المساجد إلا أن يقصد به الضرر فيمنع، ففيه الرخصة لمن بعد عن المسجد أن يبني في محلته مسجدا [وإن قدر على] الإتيان من البعد وليس هذا من باب تفريق الجماعات فإن ذلك عند القرب بخلاف [كلمة غير واضحة] المسجد تجد المسجد أو قريبا منه، فإن ذلك يشبه مسجد الضرار وربما يكعون للمباهاة، والافتخار، وإن كان ضيقا استحب توسعته واتخاذ
(1)
الإشارة في أصول الفقه (ص 58) للباجي.
مسجدًا آخر
(1)
، قال البغوي
(2)
: قال عطاء: لما فتح الله تعالى على عمر بن الخطاب الأمصار أمر المسلمين ببناء المساجد وأمرهم أن لا يبنوا في مدينتهم مسجدين يضار أحدهما الآخر، وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: أمر النبي صلى الله عليه وسلم قبائل الأنصار ببناء المساجد فيهم لئلا يشق عليهم الاختلاف إلى مسجده صلى الله عليه وسلم فيؤدي ذلك إلى إسقاط الجماعة
(3)
.
قوله: "وأمرنا أن ننظفها" أو في حديث عائشة: "وأن تنظف" ففيه استحباب كنس المساجد وتطهيرها، ويستحب أن لا يمتهن بأكل ما يلوثها ونحو ذلك
(4)
.
وأما الوضوء فيها فقد بوب ابن ابي شيبة في مصنفه على أجره، ونقل فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة وغيرهم، قال: ولا أعلم أحدًا كرهه
(5)
.
وكره ابن عباس أن يتخذ المسجد مقيلًا ومبيتًا، وقد نقل نوم أهل الصفة فيه وغير ذلك فتحمل كراهته على من كان له مأوى بخلاف الغريب
(1)
تسهيل المقاصد (لوحة 65 و 66).
(2)
تفسير البغوي (4/ 95).
(3)
عارضة الأحوذى (3/ 120).
(4)
الاستذكار (2/ 449)، وشرح الصحيح (2/ 107)، وإعلام الساج (ص 335)، وطرح التثريب (2/ 385).
(5)
انظر: المُصَنِّف (1/ 41) وقد نقل في كراهته عن ابن سيرين، وانظر: الأوسط (5/ 139 - 141)، والمجموع (2/ 174) وشرح النووي على مسلم (3/ 192).
ونحوه
(1)
، وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطًا.
قوله: "وتطيب"، فيه استحباب تجمير المساجد بالبخور ونحوه وهو مطلوب معمول به وكما تنظف من الأشياء الحسية فكذلك المعنوية كاللغط والكذب والأقوال والأفعال المكروهة وكذلك الطيب المعنوي بالقراءة والذكر والصلاة ونحوها
(2)
، والله أعلم.
433 -
وَرُوِيَ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ وشراءكم وَبَيْعكُمْ وَخُصُومَاتكُمْ وَرفع أَصْوَاتكُم وَإِقَامَة حُدُودكُمْ وسل سُيُوفكُمْ وَاتَّخذُوا على أَبْوَابهَا الْمَطَاهِر وَجَمِّرُوهَا فِي الْجمع" رَوَاهُ ابْن مَاجَه
(3)
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أبي الدَّرْدَاء وَأبي أُمَامَة وواثلة
(4)
وَرَوَاهُ فِي الْكَبِير أَيْضا بِتَقْدِيم وَتَأْخِير من
(1)
انظر: الأوسط (5/ 137 - 138)، وشرح السنة (2/ 379)، وشرح النووي على مسلم (3/ 192).
(2)
انظر: التنبيهات المستنبطة (1/ 190 - 191)، وإعلام الساجد (ص 326 و 328 و 338).
(3)
أخرجه ابن ماجه (750)، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة المنورة 1/ 35، والطبراني في الكبير 22/ 57 (136)، وفي الشاميين (3385). قال البوصيرى في الزجاجة 1/ 95: هذا إسناد ضعيف أبو سعيد هو محمد بن سعيد الصَّواب قال أحمد عمدا كان يضع الحديث وقال البخاري تركوه وقال النسائي كذاب قلت والحارث بن نبهان ضعيف. وضعفه الألباني جدًا في ضعيف الترغيب (186)، الأجوبة النافعة (55)، الإرواء (7/ 361).
(4)
أخرجه العقيلي (3/ 347)، والطبراني في الكبير (8/ 132 رقم 7601) والشاميين (3436)، والبيهقى في الكبرى (10/ 177 رقم 20268)، وابن الجوزى في العلل (677). قال ابن الجوزى هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أحمد: بن حنبل =
رِوَايَة مَكْحُول عَن معَاذ وَلم يسمع مِنْهُ.
(1)
جمروها أَي بخروها وزنا وَمعنى.
قوله: عن واثلة بن الأسقع، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم" الحديث، الصبيان بكسر الصاد هي اللغة المشهورة، وحكى ابن دريرد ضمها، قال الجوهري الصبي الغلام والجمع صبية وصبيان، والجارية صبية والجمع الصبايا مثل مطية ومطايا، والصبا أيضًا مر الشوق، فقال منه: تصابا وصبا يصبو صبوة، أي: مال إلى الجهل
(2)
.
قال الشاعر:
شيئان يعجز ذو الرياضة عنهما
…
رأي النساء وإمرة الصبيان
أما النساء فميلهن إلى الهوى
…
وأخو الصبا يجري بغير عنان
(3)
= العلاء ليس بشيء وقال البخاري منكر الحديث وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. قال الهيثمي في المجمع 2/ 25 - 26: رواه الطبراني في الكبير وفيه العلاء بن كثير الليثي الشامي وهو ضعيف. وضعفه الألباني جدًا في ضعيف الترغيب (187).
(1)
أخرجه إسحاق كما في اتحاف الخيرة (2/ 41 رقم 998) والمطالب (356)، والطبراني في الكبير (20/ 173 رقم 369) والشاميين (3591). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 26: رواه الطبراني في الكبير، ومكحول لم يسمع من معاذ. وقال ابن حجر: هذا منقطع. قال البيهقي (10/ 103)، وقيل: عن مكحول، عن يحيى بن العلاء، عن معاذ مرفوعًا، وليس بصحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (188).
(2)
الصحاح (6/ 2398).
(3)
ثمار القلوب في المضاف والمنسوب (306).
والصبوة الميل إلى الجهل ومنه قولهم لكل شاب صبوة ولكل جواد كبوة ولكل عالم غفلة، وكما قالوا الجواد يكبو والنار تخبو والصارم ينبو، والإنسان محل النسيان
(1)
انتهى. قاله في الديباجة.
قال النووي رحمه الله: قال جماعة منهم المتولي: يكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد من غير حاجة مقصودة لأنه لا يؤمن بتنجيسهم المسجد ولا يحرم ذلك لأنه ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى حاملا أمامة بنت زينب وطاف على بعيره ولا ينفي هذا الكراهة لأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بيانا للجواز أو ليظهر ليقتدى به صلى الله عليه وسلم فيكون حينئذ أفضل في حقه فإن البيان واجب عليه صلى الله عليه وسلم
(2)
، ونقل في الروضة في كتاب الشهادات باب العدة أن إدخال الصبيان والمجانين المسجد حرام
(3)
انتهى.
وأطلق النووي في الروضة المنع من دخول الصبيان والمجانين في المسجد وهو ظاهر في المجانين إذا خيف منهم تلوث أما مع الأمن والتمييز فلا لأن غير المميز كالبهيمة ويحمل على أن لا نمنعه من إدخاله المسجد وإن كان الأولى فيه تنزيه المسجد عمن لا يؤمن منه حدّث.
فرع: ثياب الصبيان وأبدانهم ولعابهم محمولة على الطهارة حتى تتيقن النجاسة فيجوز الصلاة في ثيابهم والأكل معهم في المائع إذا غمسوا فيه
(1)
مغنى اللبيب (ص 13).
(2)
المجموع (2/ 176)، وشرح النووي على مسلم (3/ 192).
(3)
روضة الطالبين (11/ 224).
أيديهم ودلائل هذا كلّه من السنة والإجماع مشهورة قاله النووي
(1)
.
قوله: وشراؤكم وبيعكم وسيأتي الكلام على البيع والشراء في المسجد قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: وخصوماتكم ورفع أصواتكم" يكره اللغط ورفع الصوت في المسجد، ففي مصنف ابن أبي شيبة أن عمر رضي الله عنه رجلًا رافعا صوته في المسجد، فقال: "أتدري أين أنت؟ " وحكى بن عبد البر في كتاب العلم عن مالك أن سئل عن رفع الصوت في المسجد للعلم فقال لا خير في ذلك العلم ولا في غيره لقد أدركت الناس قديما يعيبون ذلك في مجلسه وأنا أكره ذلك ولا أرى فيه خيرا، قال أبو عمر: وأجاز ذلك قوم منه أبو حنيفة ومسلمة بن مسلمة من المالكية
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وإقامة حدودكم" يكره إقامة الحدود في المسجد الحرام وغيره من المساجد، قال أبو حنيفة يحرم إقامة الحدود في المسجد الحرام على من جنى خارجه ثم التجأ إليه لاحتمال تلوث المسجد بجرح أو حدّث نص عليه الإمام الشافعي في الأم ونقله عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى خالف فيه، فلو فعل ذلك في المسجد وقع الموقع لكن هل يكون حراما ظاهر كلام البغوي والرافعي في باب حد الشرب أنه حرام لأنه ما شبهاه بالصلاة بالأرض المغصوبة يعصي وتجزئ وعليه اقتصر بن الصباغ في باب الأقضية وصرح
(1)
شرح النووي على مسلم (4/ 66).
(2)
إعلام الساجد (ص 326 - 327).
الرافعي في باب الأقضية بأنه مكروه كراهة تنزيه وبه صرح الروياني في البحر، ولعل وجه من حرمه أنه مظنة خروج النجاسة فالتحق بالحائض في تحريم العبور إذا خافت التلويث وعبارة الشافعي في المختصر والأم لإقامة الحدود في المسجد كره قال الروياني فإن كان في إقامته تلويمث المسجد كقطع يده في السرقة ونحوه حرم فعله في المسجد قال ابن المنذر: وروينا عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنهما أمرا بإخراج من عليه عقوبة من المسجد وهو مذهب عكرمة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والقاضي وابن البلخي وروينا عن الشعبي أنه ضرب يهوديا حدا في المسجد وقال ابن أبي ليلى فيه قول ثالث وهو التسهيل في ضرب الدرة والدرتين في المسجد ومنع إقامة الحدود فيه الأكثرون من أهل العلم على القول الأول ولا يتبين لي أن يأثم من إقامة الحد في المسجد لأني لم أجد الدلالة على ذلك قال الروياني وحكم التعزير حكم الحد في أنه لا يقام في المسجد إلا التعزير بالكلام فلا بأس به في أي موضع كان والله أعلم قاله الزركشي
(1)
.
فائدة: يكره اتخاذ المسجد أيضًا مجلسًا للحكم والفصل بين الخصوم ولأن مجلس القاضي معرض لحضور الخصوم وربما كان فيهم الكافر والحائض والجنب وربما ارتفعت أصواتهم وحصل منهم اللغط. في الخصومات وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت في المساجد فإن اتخذه مجلسًا للحكم فطريقه ألا يمكن أحدًا من المسجد
(1)
إعلام الساجد (ص 371 - 372).
الخصوم بل يتركون خارجه لما تجري بينهم من خصومة ونحوها كحلف وصلح وغير ذلك ثم يستدعي المتداعين والشهود ومن دعته الضرورة إلي عنده ويأمرهم بحفظ حرمة المسجد، وقال الإمام مالك لا يكره الجلوس في المسجد للقضاء ولعله محمول على غير أوقات الصلاة فأما أوقات الصلاة فإنه يجوز بشرط أن لا يشوش على الحاضرين والمصلين لأن البقعة مستحبة للصلاة والقراءة ونحوها ونص الشافعي في الأم على كراهة القضاء أيضًا واختلف كلام ابن الصباغ فأجاب في الأقضية بالتحريم وفي باب الحدود بالكراهة وقال الصيدلاني في شرح المختصر: أما إذا اتفق حكم في المسجد فلا بأس إنما المكروه أن يتخذ المسجد لهذا، قال: وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز، قال: ويستحب أن يكون مجلس القاضي بقرب المسجد لتؤكد اليمين به والله أعلم قاله ابن العماد في الكتاب الذي ألفه لزوار المساجد
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وسل سيوفكم" والمعنى في ذلك تأكيد لحرمة المسجد لئلا يروع بها أو يؤذى بها لأن المساجد مملوءة بالخلق ولاسيما أوقات الصلاة
(2)
ويكره أيضًا سل السيوف في المسجد، وأما إقراره صلى الله عليه وسلم الحبشة على لعبهم بالحراب والسيوف في المسجد يوم العيد فهو مخصوص بما أقره صلى الله عليه وسلم من جهة التدريب على الحرب والتمرين فيه والتفنن
(1)
تسهيل المقاصد (لوحة 45).
(2)
إعلام الساجد (ص 354 - 355)، وطرح التثريب (8/ 140).
عليه فهو من باب المندوب ويلتحق به ما في معناه من الأسياف المعينة للجهاد وأنواع البر
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "واتخذوا على أبوابها المطاهر": يجوز بناء المطاهر بالقرب من المساجد والتوضأ منها
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وجمروها في الجمع" أي بخروها وزنه ومعناه قاله الحافظ المنذري وقال بعضهم التجمير مأخوذ من جمر النار ولأن الغالب في البخور أن يجعل الجمر في المجمر ويوضع عليه الطيب ما كان من عود أو نحوه ثم يتبخر به فقال المنذري يلي ذلك مجمر ومجمر، ومنه نعيم المجمر كان يلي أجمار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله في كتاب المغيث
(3)
وأنكر الإمام مالك تجمير المسجد، واستحب بعض السلف تخليق المساجد بالزعفران والطيب وروي عنه صلى الله عليه وسلم فعله وقاله الشعبي هو سنة وذكر بن أبي شيبة عن أبي نجيح أن ابن الزبير لما بنى الكعبة طلى حيطانها بالمسك قاله الزركشي
(4)
.
(1)
إعلام الساجد (ص 355).
(2)
إعلام الساجد (ص 383).
(3)
المجموع المغيث (1/ 346).
(4)
إعلام الساجد (ص 338).