الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترهيب من البصاق في المسجد وإلى القبلة، الباب إلى آخره]
434 -
عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يخْطب يَوْمًا إِذْ رأى نخامة فِي قبْلَة الْمَسْجِد فتغيظ على النَّاس ثمَّ حكها قَالَ: وَأَحْسبهُ قَالَ فَدَعَا بزعفران فلطخه بِهِ وَقَالَ إِن الله عز وجل قبل وَجه أحدكُم إِذا صلى فَلَا يبصق بَين يَدَيْهِ" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظ لَهُ
(1)
.
435 -
وروى ابْن مَاجَه عَن الْقَاسِم بن مهْرَان وَهُوَ مَجْهُول عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة فِي قبْلَة الْمَسْجِد فَأقبل على النَّاس فَقَالَ مَا بَال أحدكُم يقوم مُسْتَقْبل ربه فيتنخع أَمَامه أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يسْتَقْبل فيتنخع فِي وَجهه إِذا بَصق أحدكُم فليبصق عَن شِمَاله أَو ليتفل هَكَذَا فِي ثَوْبه ثمَّ أَرَانِي إِسْمَاعِيل يَعْنِي ابْن علية يبصق فِي ثَوْبه ثمَّ يدلكه
(2)
.
قوله: عن ابن عمر تقدم الكلام على فضائله.
قوله: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ رأى نخامة في قبلة المسجد" الحديث، المسجد بكسر الجيم ويقال بفتحها المسجد لموضع السجود.
(1)
أخرجه البخاري (406) و (753) و (1213) و (6111)، ومسلم (50 و 51 - 547)، وابن ماجه (763)، وأبو داود (479)، والنسائي في المجتبى 2/ 195 (736) والكبرى (613).
(2)
أخرجه مسلم (53 - 550)، وابن ماجه (1022)، والنسائي في المجتبى 1/ 444 (314) والكبرى (367).
قوله: "إذ رأى نخامة في قبلة المسجد" النخامة بضم النون وبالخاء المعجمة والميم قال ابن الأنباري هي بمعنى النخاعة بالعين وهما بمعنى ما يطرحه الإنسان من فيه من رطوبة صدره أو رأسه وفرق بعضهم بينهما فجعله من الرأس بالميم ومن الصدر بالعين فقال تنخم وتنخع حكاهما في المشارق
(1)
، وفي رواية "رأى مخاطا أو بصاقا في قبلة المسجد" قال أهل اللغة: المخاط من الأنف والبصاق من الفم
(2)
وفيه ثلاث لغات بالصاد والسين والزاي مشهورة وهم على وزن فعال بضم الفاء والثلاثة بمعنى واحد والمخاط أيضًا بوزنهم قاله الكرماني
(3)
.
قوله: "في قبلة المسجد" اختلفت الأحاديث في البصاق الذي وجده النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة هل كان في مسجده صلى الله عليه وسلم أو في مسجد آخر، فقيل إنه كان في مسجد الأنصار بدليل
(4)
ما رواه مسلم وأبو داود من رواية عبادة بن الوليد قال: أتينا جابرًا وهو في مسجده فقال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون ابن طاب، فرأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بالعرجون، الحديث
(5)
، وعرجون بن طاب نوع من تمور المدينة قاله عياض
(6)
.
(1)
مشارق الأنوار (3/ 6).
(2)
شرح النووي على مسلم (5/ 38).
(3)
الكواكب الدراري (3/ 98 - 99).
(4)
طرح التثريب (2/ 386).
(5)
أخرجه مسلم (74 - 3008)، وأبو داود (485).
(6)
مشارق الأنوار (1/ 324).
وفيه أن البصاق والمخاط والنخاعة طاهرات وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين إلا ما حكاه الخطابي عن إبراهيم النخعي أنه قال البصاق نجس قال النووي ولا أظنه يصح عنه
(1)
فإنه لو لم يكن طاهرا لما أمر بدفنه في المسجد في قوله صلى الله عليه وسلم "البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها"
(2)
ولا بأن يبصقه في ثوبه ويدلكه كما هو مذكور في آخر الحديث في قوله ثم أراني إسماعيل يعني ابن عليه يبصق في ثوبه ثم يدلكه
(3)
.
قوله: "فتغيظ على الناس" وفي حديث أبي سعيد الخدري الذي بعده "ثم أقبل على الناس مغضبا" كما سيأتي ما يدلّ على تحريم البصاق في القبلة أو في المسجد، وهذا النهي هل هو على التحريم أو التنزيه قال أبو عبد الله القرطبي: هذه الأحاديث تدل على التحريم
(4)
وأطلق جماعة من الشافعية كراهة البصاق في المسجد منهم المحاملي وسليمان الرازي والروياني وأبو العبَّاس الجرجاني وصاحب البيان والكراهة هنا محمولة على التحريم، وجزم النووي في شرح المهذب والتحقيق بتحريمه وكأنه تمسك بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "البصاق في المسجد خطيئة"
(5)
وحكى القرطبي عن
(1)
شرح النووي على مسلم (5/ 40).
(2)
أخرجه البخاري (415) ومسلم (55 و 56 - 552) عن أنس.
(3)
انظر: معالم السنن (1/ 143)، وطرح التثريب (2/ 385).
(4)
المفهم (5/ 90).
(5)
إعلام الساجد (1/ 308)، وطرح التثريب (2/ 381).
ابن مكي أنه إنما يكون خطيئة لمن تفل فيه ولم يدفنه
(1)
.
قوله: فدعا بزعفران فلطخه به وهذا يدلّ على استحباب تزيين المساجد بالصفرة والحمرة وقد قال عطاء لا بأس بكتابة القرآن في قبلة المسجد
(2)
، وعن عثمان رضي الله عنه أنه غير مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فزاد فيه زيادة كبيرة وزينها بالحجارة المنقوشة والفضة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج لكنه معارض بما روى أبو داود في سننه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أمرت بتشييد المساجد"، وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى"
(3)
وروى البخاري عن عمر أنه أمر ببناء المساجد وقال: أكن الناس [من المطر وإياك] أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس، وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلًا
(4)
، وفي الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، وفي آخر الحديث قال:"فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي"
(5)
، والخميصة كساء مربع له أعلام، وفي الحديث دليل على كراهة ما يلهي قلب المصلي بسببه، فكره
(1)
المفهم (5/ 92).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في المُصَنِّف 1/ 399 (4587).
(3)
أخرجه أبو داود (448)، وابن حبان (1615). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (475).
(4)
صحيح البخاري (1/ 96 - 97). ووصلهما ابن حجر في تغليق التعليق (2/ 235) وأسند أثر أنس ولم يسند أثر عمر.
(5)
أخرجه البخاري (373) و (5817)، ومسلم (62 - 556).
وجلان قلبه مما يشاهده ويراه، ومن ذلك الصلاة على الحصر المخططة والثياب التي فيها خطوط وألوان مختلفة كالثياب اليمينية التي تنسخ للصلاة عليها، ولذلك الصلاة على الجدران المزوقة بحمرة أو صفرة، ومذهبنا أنه يكره كتابة القرآن في جدران المسجد وسقفه وفي غير المسجد احتراما للقرآن فإنه يعرضه بالكتابة لوقوع الغبار عليه، وقد قال الله تعالى:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ}
(1)
والمكنون المصون
(2)
، [فتجب صيانته من وقوع الغبار عليه، ولأنه ربما سقط الجدار فوقع بالأرض وتفرَّقت حروفه ولو سقطت ورقة فيها آية مكتوبة أو اسم من أسماء الله تعالى فإن أمكنه صيانتها فى موضع يأمن عليها من الامتهان فعل وإن لم يمكنه حفظها وصيانتها فنقل القمولى فى الجواهر عن الشيخ عز الدين ابن عبد السَّلام إن شاء غسلها وإن شاء حرقها ولا يضعها فى مكان لأنها قد تسقط فتوطأ بالأقدام قال بعض مشايخنا الحرق على قصد صيانة اسم الله تعالى أولى من الغسل لأن الصحابة حرقوا مصاحف كتبت من القرآن ولأن كعب بن مالك ألقى الصحيفة التى جائته من ملك غسان فى التنور وفيها اسم الله قال الحليمى فى المنهاج: ومن تعظيم الله جل جلاله وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يحمل على مصحف القرآن، ولا على جوامع السنن كتاب ولا شيء من متاع البيت ما كان. وإن ينفض الغبار عنه إذا أصابه، وأن لا يمس أحد يده من
(1)
سورة الواقعة، الآيتان: 76 - 77.
(2)
تسهيل المقاصد (لوحة 50 و 51).
طعام ولا غيره بورقة فيها ذكر الله أو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يمزقها تمزيقًا
(1)
، لما فيه من تقطيع الحروف وتفريق الكلم وفى ذلك إزراء بالمكتوب والله أعلم
(2)
] انتهى.
وفيه: أن البصاق لا تبطل الصلاة وكذا النخع إن لم يبن منه حرفان أو كان مغلوقا عليه والله أعلم
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله قبل وجه أحدكم" قبل بفتح القاف وفتح الباء هو الجهة أي: رحمة الله وفضله وإقباله عليه فلا تقابل ذلك بالبصاق المستقذر الذي يحتقر به ويهان من يلقى عليه، وهذا أيضًا على سبيل التشبيه أي كأنه تعالى في مقابل وجهه، وفيه تعظيم جهة القبلة وتحذير من الاستخفاف بحقها، وقد جاء أن الرحمة تواجه المصلي
(4)
. وفيه: النهي عن البصاق بين يدي المصلي وعن يمينه، وهذا عام في المسجد وغيره
(5)
. وأجمع العُلماء على أن العمل القليل في الصلاة لا يضرها
(6)
، قال ابن عبد البر في التمهيد عند ذكر هذا الحديث: فما أدري أراد العمل القليل نفس البصاق أو أراد ما ورد في حديث
(1)
المنهاج (2/ 149 - 150).
(2)
تسهيل المقاصد (لوحة 51).
(3)
شرح النووي على مسلم (5/ 40).
(4)
انظر: التمهيد (14/ 157)، وشرح النووي على مسلم (5/ 38)، والمفهم (5/ 89 - 90)، وطرح التثريب (2/ 382).
(5)
شرح النووي على مسلم (5/ 39).
(6)
الاستذكار (2/ 273) والتمهيد (14/ 155)، وشرح النووي على مسلم (4/ 114) و (6/ 209).
آخر من كونه يبصق في ثوبه أو أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم حكه من القبلة وهو في الصلاة وهو الظاهر
(1)
والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أحدكم يقوم مستقبل القبلة" أو قال: "فيتنخع أمامه" بفتح الهمزة أي: قدامه، لعل النهي عن البصاق أمامه بكونه مناجاة لله، قاله في حديث ابن عمر في أول الباب، فإن الله قبل وجهه إذا صلي، أي: الجهة التي عظمها ولا منافاة بين هذا الحديث، فإن المراد إقبال الله على المصلي قال صاحب المفهم: إنه لما كان المصلي توجه بوجهه وقصده وكليته إلى هذه الجهة نزلها في حقه منزلة وجود الله تعالى فيكون هذا من باب الاستعارة كما قال في الحجر الأسود: "يمين الله في الأرض" أي: بمنزلة يمين الله، وقد أول الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث قال الإمام أبو عبد الله القرطبي، وقد يجوز أن يكون من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فكأنه قال: مستقبل قبلة ربه أو رحمة ربه
(2)
.
قال النووي: معنى الحديث، فإن الله قبل الجهة التي عظمها، وقيل: فإن قبلة الله وقبلة ثوابه ونحو ذلك [فلا يقابل هذه الجهة] بالبصاق الذي هو الاستخفاف لمن يبزق إليه وتحقيره
(3)
، فإن قلت: ما معنى كون
(1)
هذا وهم من المُصَنِّف فهو يشعر أن الكلام السابق لابن عبد البر وإنما هو تعليق ابن العراقى على قول ابن عبد البر: العمل القليل لا يضرها. انظر طرح التثريب (2/ 386).
(2)
المفهم (5/ 89 - 90)، وطرح التثريب (2/ 382).
(3)
شرح النووي على مسلم (5/ 38).
الرب بينه وبين القبلة إذ لا يصح على ظاهره، لأن الله تعالى منزه عن الحلول في المكان تعالى عنه، قلت: معناه: للتشبيه أي كأنه بينه وبين القبلة، قال الخطابي معناها أن توجهه إلى القبلة ينبي بالقصد منه إلى ربه فصار في التقدير كأن مقصوده بينه وبين قبلته فأمر أن تصان تلك الجهة عن البصاق ونحوه من أثقال البدن
(1)
والله أعلم.
قوله: في رواية ابن ماجه عن القاسم بن مهران وهو مجهول [كذا هو قال وإنما هو القاسم بن مهران القيسي، مولى بني قيس بن ثعلبة، وهو خال هشيم قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن مَعين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح
(2)
].
قوله: رواه إسماعيل، يعني ابن علية، هو إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية بضم العين وفتح اللام الإمام المشهور قاضي دمشق، كان يقال له ريحانة الفقهاء وسيد المحدّثين، قال الإمام أحمد بن حنبل: له المنتهى في التثبت بالبصرة، قال: وفاتني مالك فأخلف الله عليّ سفيان بن عيينة وفاتني حمَّاد بن زيد فأخلف الله عليّ ابن علية، وقال أبو داود: ما أحد من المحدّثين إلا وقد أخطأ إلا ابن علية وبشر بن الفضل ولا أحفظ للشافعي غلطا وكانت عُليّةَ أمه من الصالحات قرأ عليها صالح المري وغير توفي في سنة ثلاث وتسعين ومائة، روى له الجماعة
(3)
انتهى قاله في الديباجة.
(1)
الكواكب الدراري (4/ 70).
(2)
تهذيب الكمال (23/ الترجمة 4828).
(3)
تهذيب الكمال (3/ 23 - 33 الترجمة 417).
436 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِي رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعجبهُ العراجين أَن يمْسِكهَا بِيَدِهِ فَدخل الْمَسْجد ذَات يَوْم وَفِي يَده وَاحِد مِنْهَا فَرَأى نخامات فِي قبْلَة الْمَسْجِد فحتهن حَتَّى أنقاهن ثمَّ أقبل على النَّاس مغضبا فَقَالَ أَيُحِبُّ أحدكم أَن يستقبله رجل فيبصق فِي وَجهه إِن أحدكم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة فَإِنّمَا يسْتَقْبل ربه وَالْملك عَن يَمِينه فَلَا يبصق بَين يَدَيْهِ وَلا عَن يَمِينه الحَدِيث رَوَاهُ ابْن خُزَيمَة فِي صحِيحه
(1)
.
437 -
وَفي رِوَايَة لَهُ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنه قَالَ فِيهِ فَإِنَّ الله عز وجل بَين أَيْدِيكُم فِي صَلَاتكُمْ فَلَا توجهوا شَيْئا من الْأَذَى بَين أَيْدِيكُم الحَدِيث وَبَوَّبَ عَلَيْهِ ابْن خُزَيْمَة بَاب الزّجر عَن تَوْجِيه جَمِيع مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم أَذَى تِلْقَاء الْقبْلَة فِي الصَّلَاة
(2)
.
قوله: عن أبي سعيد الخدري، تقدم.
قوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب العراجين أن يمسكها بيده، الحديث؛ العراجين: جمع عرجون وهو عود [الكباسة] الذي يتفرق منه الشماريخ إذا يبس واعوج، قاله الأصمعي
(3)
.
قوله: فرأى نخامات في قبلة المسجد، والنخامات جمع نخامة، وتقدم
(1)
أخرجه أبو داود (480)، وابن خزيمة (880). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (282).
(2)
أخرجه ابن خزيمة (926). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (282).
(3)
مشارق الأنوار (2/ 72).
الكلام على النخامة والنخاعة والبزاق في أول الباب في الكلام على الحديث الأول والله أعلم.
قوله: فحتهن حتى أنقاهن، قال ابن بطال
(1)
: جاءني في بعض الطرق أنه حتها بعد الصلاة، والحت: حت الورق من الغصن أي إسقاطه وإزالته ثم إن كان ذلك في الصلاة فهو عمل يسير لا يؤثر في الصلاة كما تقدم قريبا، قاله الكرماني
(2)
.
قوله: "إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يستقبل ربه والملك عن يمينه فلا يبصقن بين يديه ولا عن يمينه" الحديث، وإنما نهى عن البصاق عن اليمين تشريفا لها، وفي رواية البخاري:"فلا يبصقن أمامه ولا عن يمينه" فإن عن يمينه ملكا، قال القاضي عياض رحمه الله: والنهي عن البصاق عن يمينه هو مع إمكان غير اليمين، فإن تعذر غير اليمين بأن يكون عن يساره مصلٍ فله البصاق عن اليمين لكن الأولى تنزيه اليمين عن ذلك ما أمكن
(3)
.
قوله: "فإن عن يمينه ملكا" وعلل النهي بذلك، قال صاحب المفهم يقال على هذا إن صح هذا التعليل لزم عليه أن لا يبصق عن يساره، فإن عليه أيضًا ملكًا بدليل قوله تعالى:{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}
(4)
قال: والجواب
(1)
شرح الصحيح (2/ 69).
(2)
الكواكب الدراري (5/ 119).
(3)
شرح النووي على مسلم (5/ 39).
(4)
سورة ق، الآية:17.
بعد تسليم أن على شماله ملكا أن ملك اليمين أعلى وأفضل فاحترم ما لم يحترم به غيره
(1)
.
تنبيه: فإن قلت: عن اليسار أيضًا ملك إذ كلّ إنسان يلزمه ملكان كاتب الحسنات على اليمين وكاتب السيئات على الشمال، قال الله تعالى:{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)}
(2)
.
قلت: عند الصلاة التي هي أم الحسنات البدنية لا دخل لكاتب السيئات فليس عند المصلي إلا ملك اليمين أو يقال: المراد بهذا الملك غير الكرام الكاتبين
(3)
والله أعلم.
فائدة: ينبغي أن يستثنى من كراهة البصاق عن اليمين إذا كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة فإن بصاقه عن يمينه أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره، وفي الأثر كما روى ابن عساكر عن عبادة بن الصامت عن معاذ بن جبل قال: ما بزقت عن يميني منذ أسلمت
(4)
.
438 -
وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: "أَتَانَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدنَا وَفِي يَده عرجون فَرَأى فِي قبْلَة الْمَسْجِد نخامة فَأقبل عَلَيْهَا فحتها بالعرجون ثمَّ قَالَ أَيّكُم يحب أَن يعرض الله عَنهُ إِن أحدكم إِذا قَامَ يُصَلِّي فَإِن الله تَعَالَى
(1)
المفهم (5/ 92).
(2)
سورة ق، الآية:17.
(3)
الكواكب الدراري (4/ 74).
(4)
النجم الوهاج (2/ 241)، ومغنى المحتاج (1/ 423).
قبل وَجهه فَلَا يبصقن قبل وَجهه وَلَا عَن يَمِينه وليبصق عَن يسَاره تَحت رجله الْيُسْرَى فَإِن عجلت بِهِ بادرة فليتفل بِثَوْبِهِ هَكَذَا وَوَضعه على فِيهِ ثمَّ دلكه" الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره
(1)
.
قوله: "عن جابر بن عبد الله"، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا وفي يده عرجون"، تقدم الكلام على العرجون وعلى النخامة وعلى بقية ألفاظ الحديث.
قوله: "وليبصق عن يساره تحت رجله اليسرى"، الحديث، وقد ورد في حديث آخر: الإذن في البصاق خلفه، رواه النسائي، وفي حديث جابر ما يثبت أن الترخص في البصاق في المسجد ما هو إذا كان فراش المسجد حصرًا وترابًا أو رملًا دون ما كان رخامًا أو بلاطًا أو بساطا أو حصيرًا، وقد حكاه صاحب المفهم عن بعضهم فقال: وقد سمعت من بعض مشايخنا أن ذلك إنما يجوز إذا لم يكن في المسجد إلا التراب أو الرمل كما كانت مساجدهم في الصدر الأول، فأما إذا كان في المسجد بسط أو ما له من الحصر مما يفسده البصاق ويقذره فلا يجوز احترامًا للملائكة، قال في شرح الأحكام: قلت: وقد ورد دلكها بالتفل عوضًا عن الدفن فيما رواه مسلم من حديث عبد الله ابن الشخير
(2)
.
(1)
أخرجه مسلم (3008) م، وأبو داود (485)، وابن حبان (2265). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (500)، وصحيح الترغيب (283).
(2)
طرح التثريب (2/ 384).
وقال بعض العلماء: الأمر بالبصاق عن يساره وتحت قدمه هو فيما إذا كان في غير المسجد، فأما إذا كان في المسجد فلا يبصق إلا في ثوبه
(1)
.
قوله: "فإن عجلت به بادرة" بالدال المهملة أي غلبته بصقة أو نخامة بدرت منه فلم يقدر على حبسها فليقل بثوبه هكذا ووضعه على فيه ودلكه.
439 -
وَعَن حُذَيْفَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تفل تجاه الْقبْلَة جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وتفلته بَين عَيْنَيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان في صَحِيحَيْهِمَا
(2)
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من حَدِيث أبي أُمَامَة وَلَفظه قَالَ من بَصق فِي قبْلَة وَلم يوارها جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أحمى مَا تكون حَتَّى تقع بَين عَيْنَيْهِ
(3)
تفل بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق أَي بَصق بوزنه وَمَعْنَاهُ.
قوله: عن حذيفة، هو حذيفة بن اليمان، أسلم حذيفة وأبوه وهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدا بدرًا وأحدًا مع رسول الله وقتل أبوه يومئذ قتله المسلمون خطأ فوهب حذيفة لهم دمه، وأسلمت أم حذيفة وهاجرت، وكان حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين يعلمهم وحده، وكان حذيفة كثير السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحاديث الفتن والشر ليجتنبها، وكانت وفاته
(1)
بستان العارفين (ص 376)، وشرح النووي على مسلم (5/ 39).
(2)
أخرجه أبو داود (3824)، وابن خزيمة (925) و (1314) و (1663)، وابن حبان (1639). وصححه الألباني في الصحيحة (222)، صحيح الترغيب (284).
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 245 رقم 7960). وقال الهيثمي في المجمع (2/ 19): رواه الطبراني في الكبير وفيه جعفر بن الزبير وهو ضعيف جدًّا. وضعفه الألباني جدًا في ضعيف الترغيب (189).
بعد قتل عثمان بأربعين ليلة، وفي صحيح مسلم عن حذيفة قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان إلى أن تقوم الساعة، وفي صحيح مسلم أيضًا عنه قال: والله إني أعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وقال حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، وتقدم الكلام أيضًا على مناقبه
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من تفل تجاه القبلة" الحديث، تفل بالتاء المثناة من فوق وفتح اللام وتقدم معناه، قاله المنذري. والتفل نفخ معه أدنى بصاق وهو أكثر من النفث، قاله ابن الأثير
(2)
.
قوله: ورواه الطبراني ولفظه: "من بصق في قبلة ولم يوارها" الحديث، بصق بالصاد المهملة والسين، وتقدم أن فيها ثلات لغات وأنكر ابن قتيبة بسق، وقال: قد أول بسق طال وارتفع، قال الله تعالى:{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ}
(3)
أي طويلات مرتفعات، قال الصيدلاني: وتجري اللغات في كلّ كلمة فيها صاد وقاف نحو صقر وسقر وزفر وكذلك الملصوق
(4)
.
فرع: يجوز البصاق في سائر المدارس والربط لأن حرمتها ليست كحرمة المسجد، ولهذا يجوز للجنب اللبث فيها كدار السكن، وينبغي تحريم
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 153 - 155 الترجمة 114).
(2)
النهاية (1/ 192).
(3)
سورة ق: الآية: 10.
(4)
تسهيل المقاصد (لوحة 26).
البصاق في قبلتها وكذا في قبلة مصلى العيد ونحو ذلك، ويدل عليه الأخبار السالفة
(1)
والله اعلم.
تتمة: قال ابن بطال: فيه إكرام القبلة وتنزيهها لأن المصلي يناجي ربه فوجب عليه أن يكرم القبلة بما يكرم به المخلوقين إذا ناجاهم واستقبلهم بوجهه بل قبلة الله تعالى أولى بالإكرام، ومن أعظم الجفاء وسوء الأدب أن يتوجه إلى رب الأرباب وتتنخم في توجهك وقد أعلمنا الله بإقباله على من توجه إليه
(2)
والله أعلم، انتهى.
440 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "يبْعَث صَاحب النخامة فِي الْقبْلَة يَوْم الْقِيَامَة وَهِي فِي وَجهه" رَوَاهُ الْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَهَذَا لَفظه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(3)
.
قوله: عن ابن عمر تقدم الكلام على بعض مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يبعث صاحب النخامة في القبلة وهي في وجهه" الحديث، النخامة هي البزقة تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء المعجمة
(4)
، وذكر رزين العبدري بسنده عن عبيدة بن عمير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة
(1)
تسهيل المقاصد (لوحة 26).
(2)
الكواكب الدراري (4/ 75).
(3)
أخرجه البزار (5904)، وابن خزيمة (1313)، وابن الأعرابى في المعجم (2345)، وابن حبان (1638). وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم يروى بهذا اللفظ إلا عن محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر. وصححه الألباني في "الصحيحة"(223)، وصحيح الترغيب (285).
(4)
النهاية (5/ 34).
في قبلة المسجد فقال: "من فعل هذا؟ أيسر أحدكم أن تكون كية في وجهه يوم القيامة"
(1)
وفي رواية من حديث عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وأن المسجد لبيت كل تقي، ومن ابتلع ريقه في المسجد تعظيما له أعقبه الله صحة في جسمه وعافية في بدنه"
(2)
وذكر أيضًا عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ازدرد ريقه في المسجد تعظيما لحق المسجد جعل الله ذلك صحة في جسمه وكتب له حسنة ومحا عنه سيئة"
(3)
فهذه الأحاديث صريحة في تحريم البصاق في المسجد والله أعلم.
441 -
وَعَن أنس رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "البصاق فِي الْمَسْجِد خَطِيئَة وكفارتها دَفنهَا" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
(4)
.
442 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "التفل فِي الْمَسْجِد سَيِّئَة وَدَفنه حَسَنة" رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد لا بَأْس بِهِ
(5)
.
(1)
ذكره ابن العماد في تسهيل المقاصد (لوحة 24)، والمراغى في تحقيق النصرة (لوحة 60). وأخرج الخبر عبد الرزاق في المصنف (1690) عن عمرو بن دينار عن رجل من الشام يقال له عبد الله.
(2)
المصدران السابقان.
(3)
ذكره ابن العماد في تسهيل المقاصد (لوحة 24)، والمراغى في تحقيق النصرة (لوحة 61). والخبر أخرجه الفاكهى في أخبار مكة (1278) عن الزهرى بلاغًا.
(4)
أخرجه البخاري (415)، ومسلم (55 و 56 - 552)، وأبو داود (474) و (475) و (476)، والترمذى (572)، والنسائى في المجتبى 2/ 195 (735) والكبرى (890).
(5)
أخرجه أحمد 5/ 260 (22243)، وأبو يعلى كما في إتحاف الخيرة (1471)، والطبراني في الكبير (8/ 241 رقم 8091) و (8/ 285 رقم 8094). وقال الهيثمي في المجمع =
قوله: عن أنس، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها" الحديث، والخطيئة: الإثم والكفارة التكفير الخطايا أي تسترها ونحوها.
واعلم أن البصق في المسجد خطيئة مطلقا سواء احتاج إلى البصاق أو لم يحتج بل يبصق في ثوبه فيحرم البصاق في المسجد كما جزم به النووي في التحقيق وشرح المهذب
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "البصاق في المسجد خطيئة" وكذا قال الصيمري: البصاق في المسجد معصية، كذا قال الروياني والجرجاني والمحاملي وسليم الرازي وغيرهم بالكراهة، الكراهة محمول على التحريم
(2)
كما تقدم، فمن بصق في المسجد فقد ارتكب الخطيئة وعليه أن يكفر هذه الخطيئة، وهذا هو الصواب أن البصاق في المسجد خطيئة كما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله العلماء.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وكفارتها" فمعناه: إن ارتكب هذه الخطيئة [218] فعليه تكفيرها كما أن الزنا وشرب الخمر وقتل الصيد في الإحرام محرمات وخطايا وإذا ارتكبها فعليه عقوبتها
(3)
، فالتكفير هو فعل ما يجب بالحنث
= (2/ 18): رواه أحمد والطبراني في الكبير، إلا أنه قال: خطيئة وكفارتها دفنها، ورجال أحمد موثقون. وقال الألبانى: حسن صحيح صحيح الترغيب (287).
(1)
إعلام الساجد (ص 308).
(2)
إعلام الساجد (ص 308).
(3)
شرح النووي على مسلم (5/ 41).
والاسم منه الكفارة والخطيئة هي فعله ولك أن تشدد الياء ومعناها الإثم كما تقدم
(1)
، قال ابن بطال وإنما كان البصاق في المسجد خطيئة لنهيه صلى الله عليه وسلم عنها ومن فعل ما نهي عنه فقد أتى بالخطيئة ثم إنه صلى الله عليه وسلم علم أنه لا يكاد يسلم من ذلك أحد فعرف أمته صلى الله عليه وسلم كفارة تلك الخطيئة
(2)
.
واختلف العلماء في المراد بدفنها فقال الجمهور يدفنها بتراب المسجد ورمله وحصائه إن كان فيه شيء من ذلك وإلا فيخرجها ولو مسحها بيده أو خرقة كان أفضل ولو كانت أرضا صلبة فليخرجها أو يمسحها بخرقة أو نحوها، وحكى الروياني من أصحابنا قولا أن المراد إخراجها من المسجد مطلقا، ولعله لاحظ خلاف بعضهم في نجاسة البصاق كما تقدم نقله بعضهم وقد حكاه ابن أبي شيبة عن سلمان الفارسي
(3)
.
فرع: لا يجوز دلك البصاق بنعل فيه نجاسة أو قذر يلوث المسجد قطعا وهذا ما يتساهل فيه بعض الناس فيجتنب
(4)
، وفي الحديث تنزيه المساجد عن النجاسات والمستقذرات ويكره تلويث المسجد بالأكل فيه ورمي العظم فيه
(5)
ويستحب تطييبه بالبخور ونحوه وإزالة ما يقع فيه مما نهي عنه
(1)
الكواكب الدراري (4/ 74).
(2)
شرح الصحيح (2/ 69 - 70).
(3)
إعلام الساجد (ص 308 - 309).
(4)
المجموع (4/ 101).
(5)
انظر: الاستذكار (2/ 449)، والمنتقى (3/ 471)، وطرح التثريب (2/ 140).
ولطخ مكانه بعبير ونحوه ولو خارقًا كما فعله صلى الله عليه وسلم لما حكه من القبلة، وأما في التراب فكفارته دفنه، ومن رأى من يبصق في المسجد لزمه الإنكار ومنعه منه إن قدر ومن رأى بصاقا أو نحوه في المسجد فالسنة أن يزيله بدفنه أو إخراجه
(1)
والله أعلم.
فائدة: حكى أبو العباس القرطبي عن بعضهم أنه قال: إنما يكون البصاق في المسجد خطيئة لمن تفل فيه ولم يدفنه لأنه يقذر المسجد ويتأذى به من تعلق به فأما من اضطر إلى ذلك ففعل ودفنه فلم يأت خطيئة ولهذا سماها كفارة فالتكفير التغطية فكأن دفنها غطى ما يكون عليه ممن الإثم، قال أبو العباس: ويدل على صحة هذا التأويل حديث أبي ذر: "وجدت في مساوئ أعمالها النخامة في المسجد لا تدفن"
(2)
بأن تدلك ويضعها غير مدفونة
(3)
.
قال القفال في فتاويه: وقد ذكر حديث "النخامة في المسجد خطيئة" هذا الخبر محمول على ما كان نزل من الرأس أما إذا كان من صدره نجسا فلا يجوز دفنه في المسجد انتهى قاله الزركشي الشافعي
(4)
، قال العلماء: أما البصاق في غير المسجد وغير الصلاة عن اليمين وقبالة المسجد فلا تكره
(1)
المجموع (4/ 101).
(2)
أخرجه مسلم (57 - 553)، وابن ماجه (3683). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2967).
(3)
إعلام الساجد (ص 309).
(4)
إعلام الساجد (ص 309).
مطلقا حملا لمطلق الروايات على مقيدها، ويحتمل أن يقال إنما يحمل المطلق على المقيد في الأمر لا في النهي قاله الكمال الدميري
(1)
.
وفي أمره صلى الله عليه وسلم بدفن النخامة في المسجد دليل على تنظيف المسجد وتنزيهه عما يستقذر وهو كذلك ويعضد ذلك أيضا ما روي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد، لا تدفن".
فهذه النخامة من مساوئ الأعمال فكيف بأعظم من ذلك أذى المسلم باليد واللسان وهتك العرض وانتهاك الحرمات، فيستحب لمن رأى نخامة في المسجد أن يدفنها أو يخرجها، فقد روى النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد، فغضب حتى احمر وجهه، فجاءته امرأة من الأنصار فحكتها، وجعلت مكانها خلوقًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما أحسن هذا" ولا خلاف أنه يحرم البصاق في المسجد بغير حاجة وأن من بصق في المسجد استهانة به كفر وكذلك لو بصق على القرآن بقصد الاستهانة كفر قاله ابن العماد في شرح العمدة
(2)
.
فائدة أخرى في قوله صلى الله عليه وسلم: "البصاق في المسجد خطيئة" الحديث، فإن قيل فحديث الصحيحين لا يدل على التحريم لأنه لا يلزم من الكفارة حصول
(1)
النجم الوهاج (2/ 242).
(2)
تسهيل المقاصد (لوحة 26).
الإثم فقد تكون الكفارة عن غيره كقتل الخطأ وقتل الصيد في الحرم خطأ والإحرام فقد يكون عن عمل لا إثم فيه ككفارة الحنث بالحلف بالله تعالى ومن قال لزوجته أو أمته أنت علي حرام يريد بذلك تحريم عينها فإن الكفارة تجب ولا إثم على قائله بل في الحديث دليل على الجواز لأنه لو كان معصية لم يكفر بالدين وحده بل بالتوبة والجواب أن التوبة عن كل ذنب معلوم وجوبه فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم وكفارتها دفنها أي مع التوبة أو أن ذلك شرطا من شروط التوبة بدليل تسميتها خطيئة وسيئة ولأنها جناية منه فاشترط لصحة التوبة إزالتها كما لا تصح التوبة من الغاصب والسارق إلا برد المغصوب والمسروق قاله أيضًا في شرح العمدة
(1)
.
443 -
وَعَن أبي سهلة السَّائِب بن خَلاد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن رجلا أم قومًا فبصق فِي الْقبْلَة وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينظر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين فرغ: "لا يُصَلِّي لكم هَذَا فَأَرَادَ بعد ذَلِك أَن يُصَلِّي لَهُم فمنعوه وَأَخْبرُوهُ بقول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ نعم وحسبت أَنه قَالَ إِنَّك آذيت الله وَرَسُوله" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(2)
.
قوله: عن أبي سهلة السائب بن خلاد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هو: أبو سهلة السائب بن خلاد [بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرؤ
(1)
تسهيل المقاصد (لوحة 25 و 26).
(2)
أخرجه أحمد 4/ 56 (16561)، وأبو داود (481)، وابن حبان (1636). وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (501) وصححه في صحيح الترغيب (288).
القيس بن عمرو بن امرؤ القيس بن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث الأنصاري، الخزرجي، وأمه ليلى بنت عبادة من بني ساعدة، والد خلاد بن السائب، له صحبة قال أبو عبيد: شهد بدرا، وولي اليمن لمعاوية، وله أحاديث. روى عنه ابنه خلاد
(1)
].
قوله: أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، الحديث، قال العلماء إذا كان الإمام يرتكب المكروهات في الصلاة كره الاقتداء به لحديث أبي سهلة هذا، وينبغي للناظر وولي الأمر عزله إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم عزله بسبب بصاقه في قبلة المسجد وكذلك يكره الإقتداء به، والموسوس لأنه يشك في أفعال نفسه كما نقله أبو الفتوح العجلي
(2)
، ومن المكروهات أيضًا السدل في الصلاة [وهو إرسال الثوب إلى السراويل] حتى تصيب الأرض، ويحرم على قصد الخلاء ولا يكره السدل حتى لمن طلب بالزيادة الستر ويكره أيضًا أن يصلي الرجل وهو متلثم لأنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا كذلك فقال [اكشف وجهك واللحية] فإنها من الوجه، أورده في الحاوي
(3)
، ويكره للمرأة أيضًا أن تصلي وهي منتقبة
(4)
ذكره ابن العماد في كتابه. وتحريم البصاق في المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم سماها خطيئة وسيئة، وقد قال لفاعله: "إنك [آذيت الله ورسوله] وعزله عن
(1)
الاستيعاب (2/ ترجمة 890)، وأسد الغابة (2/ ترجمة 1909)، والإصابة (3/ ترجمة 3029).
(2)
القول التمام (ص 115 - 116)، وتسهيل المقاصد (لوحة 93).
(3)
الحاوى (2/ 192).
(4)
المجموع (3/ 179).
ولاية الإمامة حين رأى ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغضب إلا أن تنتهك حرمات الله كما صرح البغوي بتحريم نضح المسجد بالماء المستعمل فتحريم البصاق أولى، وقال جماعة من الأصحاب لفظ الكراهة على البصاق في المسجد ولعل مرادهم كراهة التحريم للفعلين الأولين للتعبير عن التحريم بالكراهة، قال الصيدلاني في شرح المختصر: كانوا يتحرزون عن قولهم حرام تأدبا لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ}
(1)
، وقد سمى الله تعالى الحرام مكروهًا قال الله تعالى:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}
(2)
قاله ابن العماد
(3)
.
444 -
وَعَن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ الظّهْر فتفل فِي الْقبْلَة وَهُوَ يُصَلِّي للنَّاس فَلَمَّا كَانَت صَلَاة الْعَصْر أرسل إِلَى آخر فأشفق الرجل الأول فجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أأنزل فِي شَيْء قَالَ لا وَلَكِنَّك تفلت بَين يَديك وَأَنت قَائِم تؤم النَّاس فآذيت الله وَالْمَلَائِكَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد جيد
(4)
.
قوله: "عن ابن عمر"، تقدم الكلام على مناقبه.
(1)
سورة النحل، الآية:116.
(2)
سورة الإسراء: الآية: 38.
(3)
تسهيل المقاصد (لوحة 24 و 25).
(4)
أخرجه الطبراني في الكبير (14/ 80 - 81 رقم 14688). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 20): "رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات". وصححه الألباني في صحيح الترغيب (289).
قوله: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يصلي بالناس الظهر فتفل في القبلة، الحديث؛ تفل معناه بصق، وتقدم الكلام على البصاق وأن فيه ثلاث لغات.
قوله: فلما كانت صلاة العصر أرسل إلى آخر فأشفق الرجل الأول، الإشفاق هو الخوف.
445 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِن العَبْد إِذا قَامَ فِي الصَّلَاة فتحت لَهُ الْجنان وكشفت لَهُ الْحجب بَينه وَبَين ربه واستقبله الْحور الْعين مَا لم يمتخط أَو يتنخع" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِي إِسْنَاده نظر
(1)
.
قوله: عن أبي أمامة هو الباهلي، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا قام في الصلاة فتحت له الجنان وكشفت له الحجب بينه وبين ربه واستقبله الحور العين ما لم يتمخط أو يتنخع" سيأتي الكلام على فتح أبواب الجنان في ذكر الجنة وعلى كشف الحجب بين العبد وبين ربه وعلى الحور العين إن شاء الله تعالى، وتقدم الكلام على المخاط أنه من الأنف، قاله أهل اللغة، والتنخع والنخاعة وهي البزقة التي تخرج من أصل الفم مما يلي أصل النخاع
(2)
.
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 250 رقم 7980). وقال الهيثمي في المجمع (2/ 19 - 20): رواه الطبراني في الكبير من طريق طريف بن الصلت عن الحجاج بن عبد الله بن هرم ولم أجد من ترجمهما. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (190)، والضعيفة (6719) وقال: منكر.
(2)
النهاية (5/ 33).
446 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من سمع رجلًا ينشد ضَالَّة فِي الْمَسْجِد فَلْيقل لَا ردهَا الله عَلَيْك فَإِن الْمَسَاجِد لم تبن لهَذَا رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَغَيرهم
(1)
.
قوله: عن أبي هريرة، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك" الحديث، أي: يرفع صوته في المسجد، قال أهل اللغة: يقال: نشدت الضالة إذا طلبتها وأنشدتها إذا عرفتها، ورواية هذا الحديث ينشد ضالة بفتح الياء وضم الشين
(2)
، وسمي ناشدا لها لرفع صوته بالطلب
(3)
، والضالة لما ذهب عنه ولم يجده
(4)
، وإنما نهي عن إنشاد الضالة في المسجد لما فيه من التشويش على المصلين والإقبال على الدنيا في موضع الآخرة وله مندوحة عن ذلك بأن يقف على بابه والشوارع والأسواق والمحافل، وأما المساجد فلا لما يتعلق لذكر الله وما يتعلق بأمور الآخرة وليست من أسواق الدنيا ولا بأس بالشيء الخفيف من ذلك كتفريق الصدقة وقسمة مال الغنيمة كما وضع عليه السلام في مسجده المال الذي جاء من الغزو وقسمه فيه، ولا ينشد فيه الضالة إجماعًا
(5)
، قاله في شرح الإلمام.
(1)
أخرجه مسلم (79 - 568)، وابن ماجه (767)، وأبو داود (473)، والترمذى (1321).
(2)
شرح النووي على مسلم (5/ 54).
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (4/ 167).
(4)
مطالع الأنوار (4/ 338).
(5)
انظر: عارضة الأحوذى (3/ 17 - 19).
قوله: وإنشاد الشعر أي: رفع الصوت به، وقيل: معنى نشدتك الله أي سألتك بالله برفع نشيدتي أي صوتي
(1)
، والضالة أيضا الحيوان يضل بنفسه
(2)
واللقطة ما سواه من الأموال كالدراهم والدنانير ونحوها، وقد تطلق اللقطة على الضالة مجازا، والفرق بين اللقطة والمال الضائع معروف
(3)
، تعرف اللقطة عند أبواب المساجد حال خروج الناس من الصلاة ولا تُعرف داخلها لكن صحح الماوردي والشافعي ذلك في المسجد الحرام
(4)
، ولعل ذلك مخصوص بأيام الحج، وينبغي استثناء مسجد منى في أيام العشر ومسجد المدينة وبيت المسجد في أيام زيارتهما
(5)
والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فليقل له لا ردها الله عليك" دعاء عليه، وذهب بعض أهل العلم إلى إيجاب الدعاء عليه، وأوجب الأئمة الظاهرية بما ورد وعندنا لا يجب بل يستحب للأمر به وكأنه يستحق ذلك بعد أن علم، وهذا فيمن لم يقدر على أن يسكته أو يخرجه من المسجد وهو عالم بالنهي وإلا فالنهي والإحرام متعين أو مستحب، ولمن يقول بالكراهة أنه لا يفعل ذلك لعموم تحريمه بل يزجره بأي شيء كان والله أعلم قاله في شرح الإلمام.
(1)
العزيز شرح الوجيز (12/ 234).
(2)
الحاوى (8/ 4)، والمجموع (15/ 252).
(3)
النجم الوهاج (6/ 8).
(4)
النجم الوهاج (6/ 29).
(5)
النجم الوهاج (6/ 29).
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن المساجد لم تبن لهذا" أشار صلى الله عليه وسلم للضالة، ويدخل في هذا كل أمر لم يبن المسجد له من معاملات الناس واقتضاء حقوقهم وغيره، وفي الحديث النهي عن نشد الضالة في المسجد وكراهة رفع الصوت فيه
(1)
.
447 -
وَعنهُ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا رَأَيْتُمْ من يَبِيع أَو يبْتَاع فِي الْمَسْجِد فَقولُوا لَا أربح الله تجارتك وَإِذا رَأَيْتُمْ من ينشد ضَالَّة فَقولُوا لَا ردهَا الله عَلَيْك رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِنَحْوِهِ بالشطر الأول
(2)
.
قوله: وعنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد" الحديث يبتاع معناه: يشتري، قد كره بعض الشافعية البيع والشراء في المسجد وحرمه الظاهرية وظاهر الحديث يقتضي التحريم فينبغي أن لا يمسك ضالة في المسجد ولا
(1)
انظر: معالم السنن (1/ 143).
(2)
أخرجه الدارمى (1441)، والترمذى (1321)، والبزار (8260)، والنسائى في اليوم والليلة (176) والكبرى (10114)، وابن خزيمة (1305)، وابن حبان (1650)، والطبراني في الأوسط (3/ 97 رقم 2605)، والحاكم 2/ 56. قال الترمذى: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب. قال البزار: وهذا الحديث لو ثبت، عن أبي هريرة ما كان يحفظ له، عن أبي هريرة طريقا غير هذا الطريق. وصححه الحاكم. وصححه الألباني في المشكاة (733)، والإرواء (1295)، وصحيح الترغيب (291).
يبيع ولا يشتري ولا يؤجر ولا يستأجر، ويلتحق بالبيع والشراء ما في معناه من العقود، وللشافعي قول إنه لا يكره فيه البيع ولا الشراء، ورخص للمعتكف البيع والشراء في المسجد من غير إحضار السلعة فيه للحاجة، وذكر صاحب البيان المسألة في كتاب الاعتكاف، وحكى فيه قولين عن حكاية ابن الصباغ فإن يكون محتاجا إلى شراء قوته وما لابد منه لم يكره، وإن كان أكثر من ذلك لم يبطل اعتكافه قاله الزركشي
(1)
، وذهبت الحنفية إلى أن المراد بالحديث أن يتخذ المسجد سوقا، وظاهر الحديث يأبي ذلك، وقال ابن خزيمة في صحيحه: لو لم يكن البيع منعقد لم يكن لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا أربح الله تجارتك" معنىً
(2)
، وقال الطحاوي رحمه الله: هذا إذا غلب عليه كالمستغرق، أما الفعل القليل منه فلا بأس به، وينبغي اجتنابه، وقد قال الرافعي في كتاب الشهادات، قال صاحب العمدة: من الصغائر البيع والشراء في المسجد، قال في الروضة في [زوائد الروضة في آخر كتاب الجمعة:] البيع في المسجد مكروه يوم الجمعة وغيره على الأظهر، ومنها: الجلوس للبيع والشراء للتجارة وهو ممنوع منه إذ حرمة المسجد تأبي اتخاذه حانوتًا
(3)
.
قوله: "فقولوا لا أربح الله تجارتك" تقدم الكلام على أن المراد بذلك الدعاء عليه وأن بعض العلماء ذهب إلى إيجاب الدعاء عليه كما تقدم.
(1)
إعلام الساجد (1/ 325).
(2)
صحيح ابن خزيمة (1/ 642).
(3)
إعلام الساجد (1/ 324 - 325).
قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا رأيتم من ينشد ضالة، فقولوا لا رد الله عليك" تقدم الكلام على ذلك في الحديث قبله.
فائدة في رد الضالة: روي عن ابن عمر أنه قال: من ضلت ضالته يصلي ركعتين ثم يقول بعد الفراغ من التشهد: اللهم يا هادي الضالة ويا راد الضالة اردد علي ضالتي بعزك وسلطانك فإنه من فضلك وعطائك
(1)
، انتهى.
448 -
وَعَن بُرَيْدَة رضي الله عنه أَن رجلًا نَشد فِي الْمَسْجِد فَقَالَ من دَعَا إِلَى الْجمل الْأَحْمَر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا وجدت إِنَّمَا بنيت الْمَسَاجِد لما بنيت لَهُ رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه
(2)
.
قوله: عن [بريدة هو ابن الحصيب وتقدم ترجمته].
قوله: أن رجلًا نشد في المسجد فقال: من دعا لي الجمل الأحمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا وجدت" الحديث، قوله: من دعا لي الجمل الأحمر، هو بإسكان الياء من (إلي) يريد من وجده فدعا إليه لا أنه نهى أن تنشد الضالة في
(1)
الوابل الصيب (ص 142 - 143). أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 43 رقم 4626) والصغير (1/ 394 رقم 660) والكبير (12/ 340 رقم 13289)، والبيهقى في الدعوات (556). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن عجلان إلا ابن عيينة، تفرد به: عبد الرحمن بن يعقوب، ولا يروى هذا الحديث عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد. قال البيهقي هذا موقوف، وهو حسن. وقال الهيثمي في المجمع 10/ 133: رواه الطبراني في الثلاثة، وفيه عبد الرحمن يعقوب بن أبي عباد المكي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
(2)
أخرجه مسلم (80 و 81 - 569)، وابن ماجه (765)، والنسائى في اليوم والليلة (174) والكبرى (10112)، وابن خزيمة (1301)، وابن حبان (1652).
المسجد قاله في النهاية
(1)
، وظاهر كلام الشيخين وابن الرفعة أن إنشاد الضالة في المسجد حرام، وقد نقول فيه الكراهة كما جزم به في شرح المهذب في آخر باب [الجناية] وحكى الماوردي الاتفاق على تحريمه
(2)
.
قوله: "لا وجدت" قال صلى الله عليه وسلم: ذلك له حيث طلب ضالته في المسجد وطلب الضالة فيه ورفع الصوت بغير الذكر مكروه، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إن يقال له مثل هذا فهو عقوبة له على مخالفته وعصيانه" فينبغي للسامع أن يقول له: لا وجدت فإن المساجد لم تبن لهذا أو يقول: لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له كما قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم"
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لما بنيت له" معناه لذكر الله تعالى والقرآن والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها فليكن ذلك فعل الداخل فيه قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}
(4)
الآية، قال القاضي عياض: فيه دليل على منع عمل الصنائع في المسجد كالخياطة وشبهها كما تقدم قال ومنع بعض العلماء من تعليم الصبيان في المسجد قال وقال بعض مشايخنا إنما تمنع المساجد من عمل الصنائع التي يختص بنفعها آحاد الناس ويكتسب به فلا يتخذ المسجد متجرًا، أما الصنائع التي يشمل نفعها
(1)
النهاية (2/ 121).
(2)
النجم الوهاج (6/ 29).
(3)
شرح النووي على مسلم (5/ 55 - 56).
(4)
سورة النور، الآية:36.
المسلمون في دينهم كالمثاقفة وإصلاح آلات الجهاد مما لا امتهان فيه للمسجد في عمله فلا بأس، وحى بعضهم خلافا في تعليم الصبيان فيها
(1)
والله أعلم.
تتمة: تتعلق بما نحن فيه أو من ضاع له شيء أو يجمع الله بينه وبين إنسان: عن جعفر الخلدي قال: ودعت أبا الحسن المزين الصغير فقلت له: زودني شيئًا فقال لي: إذا ضاع منك شيء أو أردت أن يجمع الله عز وجل بين وبين إنسان فقل: يا جامع الناس ليوم ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد اجمع بيني وبين كذا فإن الله عز وجل يجمع بينك وبين ذلك الشيء أو ذلك الإنسان، قال: فما دعوت بها في شيء إلا استجيب لي، توفي الشيخ أبو الحسن بمكة سنة ثمان وعشرين وثلثمائة، انتهى، قاله في حياة الحيوان
(2)
.
449 -
وَعَن ابْن سِيرِين رضي الله عنه أَو غَيره قَالَ سمع ابْن مَسْعُود رجلا ينشد ضَالَّة فِي الْمَسْجِد فأسكته وانتهره وَقَالَ قد نهينَا عَن هَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن سِيرِين لم يسمع من ابْن مَسْعُود وَتقدم حَدِيث وَاثِلَة فِي الْبَاب قبله جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ وشراءكم وَبَيْعكُمْ الحَدِيث
(3)
.
(1)
شرح النووي على مسلم (5/ 55).
(2)
صفة الصفوة (1/ 442).
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 256 رقم 9268). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 25: رواه الطبراني في الكبير، وابن سيرين لم يسمع من ابن مسعود. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (191).
450 -
وَعَن مولى لأبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: بَينا أَنا مَعَ أبي سعيد وَهُوَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ دَخَلنَا الْمَسْجِد فَإِذا رجل جَالس فِي وسط الْمَسْجِد مُحْتَبِيًا مشبكا أَصَابِعه بَعْضهَا فِي بعض فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلم يفْطن الرجل لإشارة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَالْتَفت إِلَى أبي سعيد فَقَالَ إِذا كَانَ أحدكُم فِي الْمَسْجِد فَلَا يشبكن فَإِن التشبيك من الشَّيْطَان وَإِن أحدكُم لا يزَال فِي صَلَاة مَا كَانَ فِي الْمَسْجِد حَتَّى يخرج مِنْهُ رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن
(1)
.
451 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فِي بَيته ثمَّ أَتَى الْمَسْجِد كَانَ فِي الصَّلَاة حَتَّى يرجع فَلَا يقل هَكَذَا وَشَبك بَين أَصَابِعه رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا وَفِيمَا قَالَه نظر
(2)
.
452 -
وَعَن كَعْب بن عجْرَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِذا تَوَضَّأ أحدكُم ثمَّ خرج عَامِدًا إِلَى الصَّلَاة فَلَا يشبكن بَين يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاة رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد جيد وَالتِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ من رِوَايَة سعيد المَقْبُري عَن رجل عَن كَعْب بن عجْرَة وَابْن مَاجَه من رِوَايَة سعيد المَقْبُري
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 419)(4824)، وأحمد (3/ 42) (11385) و (3/ 54) (11512). وقال الهيثمي في المجمع (2/ 25): رواه أحمد وإسناده حسن. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (192).
(2)
أخرجه ابن خزيمة (439) و (446) و (447)، والحاكم (1/ 206). وصححه الحاكم. وصححه الألباني في الصحيحة (1294) وصحيح الترغيب (293).
أَيْضا عَن كَعْب وَأسْقط الرجل الْمُبْهم
(1)
.
453 -
وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد رضي الله عنه قَالَ: دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِد وَقد شبكت بَين أَصَابع فَقَالَ لي يَا كَعْب إِذا كنت فِي الْمَسْجِد فَلَا تشبكن بَين أصابعك فَأَنت فِي صَلَاة مَا انتظرت الصَّلَاة" وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِنَحْوِ هَذِه
(2)
.
قوله: عن مولى لأبي سعيد الخدري قال: بينا أنا مع أبي سعيد الخدري وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلنا المسجد فإذا رجل جالس وسط المسجد محتبيًا مشبكًا أصابعه بعضها في بعض، الحديث، هذا الرجل المشبك أصابعه هو أبو ثمامة الحناط ويقال القماح، ووسط فيه لغتان الإسكان والتحريك، وقيل: ما صلح فيه بين سكن وما لا حرك، وأما الوسط بمعنى الخيار فيحرك لا غير والله أعلم، وقال بعضهم أيضًا الوسط بفتح السين قال أهل اللغة: كل ما كان يبين بعضه من بعض كوسط الصف [والقلادة والسبحة وحلقة الناس ونحو ذلك فهو وسط بالإسكان] وما كان مصمتا لا
(1)
أخرجه أحمد (4/ 241)(18103) و (4/ 242)(18114) و (18115)، وابن ماجه (967)، وأبو داود (562)، والترمذى (386). وقال الترمذى: حديث كعب بن عجرة رواه غير واحد، عن ابن عجلان مثل حديث الليث، وروى شريك، عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث، وحديث شريك غير محفوظ. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (571) وصحيح الترغيب (294).
(2)
أخرجه أحمد 4/ 243 (18130)، وابن حبان (2149) و (2150). وقال الألبانى: حسن صحيح - الصحيحة (1294)، صحيح الترغيب (294).
يبين بعضه من بعض كالدار والسباخة والرأس فهو سوط بفتح السين، قال الأزهري والجوهري وغيرهما: وقد أجازوا في المفتوح الإسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح
(1)
، انتهى.
وقوله: محتبيا، الاحتباء بالمد وهو أن يقعد الإنسان على أليتيه ويعتمد بهما ويحتوي عليهما بثوب آخر أو نحوه أو ببدنه، وهذا القعدة يقال لها الحبوة بضم الحاء وكسرها وكان هذا الاحتباء عادة العرب في مجالسهم فنهي عنه إذا أدى إلى انكشاف العورة بأنه يكون عليه ثوب واحد قصير، فإذا قعد على هذه الهيئة انكشفت عورته ولو كان عليه ثياب كثيرة وكلها قصيرة بحيث تنكشف عورته إذا جلس هكذا كان حرامًا أيضًا
(2)
، ومنه حديث "الاحتباء حيطان العرب"، أي: ليس في البوادي حيطان فإذا أرادوا أن يستندوا احتبوا لأن الثوب يمنعهم من السقوط ويصير لهم كالجدار، ويقال: احتبى يحتبي احتباء والجمع حُبا وحِبا، ومنه أيضًا أنه نهي عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب، وإنما نهي عنه لأن الاحتباء يجلب النوم فلا يسمع الخطبة ويعرض طهارته للانتقاض، قاله في النهاية
(3)
والله أعلم.
فائدة: ومن هيئات القعود القرفصاء: وهو بضم القاف وسكون الراء وفتح الفاء أو ضمها وبالمهملة ممدودًا أو مقصورًا ضرب من القعود، وإذا قلت
(1)
تحرير ألفاظ التنبيه (ص 80) وشرح النووي على مسلم (8/ 123)، وكفاية النبيه (4/ 59).
(2)
شرح النووي على مسلم (14/ 76 - 77).
(3)
المجموع المغيث (1/ 396 - 397)، والنهاية (1/ 335 - 336).
قعد فلان القرفصاء فكأنَّك قلت: قعد قعودا مخصوصا وهو أن يجلس على أليَتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه فيضمهما على ساقيه
(1)
والله أعلم.
قوله: مشبكًا أصابعه بعضها في بعض، قال الخطابي رحمه الله: وردنا آثار مرسلة وغير مرسلة في النهي عن تشبيك الأصابع منها: هذا الحديث، ومنها: حديث أبي هريرة الذي رواه ابن خزيمة والحاكم، ومنها: حديث كعب بن عجرة الذي رواه الإمام وغيرهما
(2)
، وهو: كعب بن عجرة، وعجرة بضم العين وإسكان الجيم وكعب بن عجرة كان حليفا للأنصار، وتأخر إسلامه وشهد بيعة الرضوان وغيرها، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وأربعون حديثا، اتفقا منها على حديثين وانفرد مسلم بآخر، روى عنه: ابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمرو بن العاصي وطارق بن شهاب وأبو وائل وابن أبي ليلى وبنوه إسحاق وهبد الملك ومحمد والربيع أولاد كعب وزيد بن وهب والشعبي وغيرهم، سكن الكوفة وتوفي بالمدينة سنة إحدى وقيل: اثنتين، وقيل: ثلاث وخمسين وله سبع وسبعون سنة، وقيل: خمس وسبعون
(3)
، قاله في الديباجة، والشعبي المذكور فيمن روى عن كعب ابن عجرة، بفتح الشين، اسمه: عامر بن شراحيل، وقيل: ابن شرحبيل، والأول هو المشهور منسوب إلى شطب بطن من همدان، ولد بست سنين
(1)
الصحاح (3/ 1051).
(2)
قائل هذا الكلام ابن بطال كما في شرح الصحيح (2/ 125).
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 68 الترجمة 527)، وتهذيب الكمال (24/ 179 - 182 الترجمة 4975).
خلت من خلافة عمر بن الخطاب، وكان الشعبي إماما عظيما جليلا جامعا للتفسير والحديث والفقه والمغازي والعبادة
(1)
.
قوله: في حديث كعب، رواه الترمذي من حديث سعيد المقبري عن رجل، قال النووي: يقال [لكل واحد] من الابن والأب المقبري، وإن كان الأصل هو الأب، واسم أبي سعيد [كيسان] والمقبري بضم الباء وفتحها منسوب إلى مقبرة بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مجاورا لها، وقيل: كان منزله عند المقابر، وقيل: جعله عمر على حفر القبور، ويحتمل أنه اجتمع فيه الأمران، والمقبري صفة لأبي سعيد
(2)
، وسيأتي الكلام عليه أيضا مبسوطا.
قال الخطابي رحمه الله: تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضهما في بعض والإمساك بها
(3)
، وقيل: كره ذلك كما كره عقص الشعر واشتمال الصماء، والاحتباء وقد فعله بعض الناس عبثا وبعضهم يفعله ليفرقع أصابعه، وقيل: إنما كره لأنه إذا احتبى [بيديه يريد] الاستراحة وشبك بين أصابعه ربما غلبه النوم فتنتقض طهارته فنهي عن ذلك لئلا تنتقض طهارته، فقيل: لمن تطهر وخرج إلى المسجد متوجها إلى الصلاة لا تشبك بين أصابعك لأن جميع ما ذكرنا من هذه الوجوه على اختلاف أنواعها لا يلائم شيء منها الصلاة
(4)
.
(1)
تهذيب الكمال (14/ 28 - 40 الترجمة 3042).
(2)
شرح النووي على مسلم (2/ 69) والكواكب الدراري (1/ 161).
(3)
شرح السنة (3/ 294).
(4)
شرح السنة (3/ 294).
وقسم بعض المتأخرين التشبيك إلى أقسام، أحدها: إذا كان الإنسان في الصلاة ولا شك في كراهته، وثانيها: إذا كان في المسجد يباشر الصلاة أو هو عامد إلى المسجد يريدها بعد ما تطهر، فالظاهر كراهته لحديث كعب هذا، وثالثها: أن يكون في المسجد بعد فراغه من الصلاة وليس يريد صلاة ولا ينتظرها فلا يكره لحديث ذي اليدين الذي رواه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم شبك بين أصابعه في المسجد بعد ما سلم من الصلاة عن ركعتين وشبك في غيره لأن الكراهة إنما في حق الصلاة وقاصد الصلاة، وهذا كان منه صلى الله عليه وسلم بعدها، رابعها: في غير المسجد فهو أولى بالإباحة وعدم الكراهة
(1)
، وقال الإمام مالك: إنهم ينكرون التشبيك في المسجد وما به بأس وإنما يكره في الصلاة، وقال الكرماني: فتفيد أنه كان إذا كان التشبيك لغرض صحيح جاز بخلاف العبث
(2)
.
تنبيه: وتأوله بعضهم أن يشبك اليد كناية عن ملابسة الخصومات والخوض فيها، واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام حين ذكر الفتن فشبك بين أصابعه وقال بيده فكانوا هكذا
(3)
انتهى.
454 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ خِصَال لَا ينبغين فِي الْمَسْجِد لا يتَّخذ طَرِيقا وَلَا يشهر فِيهِ سلَاح وَلا ينبض فِيهِ بقوس
(1)
إعلام الساجد (ص 334 - 335).
(2)
الكواكب الدراري (4/ 141 - 142).
(3)
غريب الحديث (1/ 592)، والمجموع المغيث (2/ 172)، والنهاية (2/ 441).
وَلا ينثر فِيهِ نبل وَلَا يمر فِيهِ بِلَحْم نيء وَلا يضْرب فِيهِ حد وَلَا يقْتَصّ فِيهِ من أحد وَلَا يتَّخذ سوقا رَوَاهُ ابْن مَاجَه
(1)
وروى مِنْهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير
(2)
وَلا تَتَّخِذُوا الْمَسَاجِد طرقا إِلَّا لذكر أَو صَلَاة وَإسْنَاد الطَّبَرَانِيّ لا بَأْس بِهِ. قَوْله وَلَا ينبض فِيهِ بقوس يُقَال أنبض الْقوس بالضاد الْمُعْجَمَة إِذا حرك وترها لترن نيء بِكَسْر النُّون وهمزة بعد الْيَاء ممدودا هُوَ الَّذِي لم يطْبخ وَقيل لم ينضج.
قوله: عن ابن عمر، تقدم الكلام على مناقبه في أول الكتاب.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خصال لا ينبغين في المسجد: لا يتخذ طريقا، ولا يشهر فيه سلاح" الحديث، المرور في المسجد واتخاذه طريقا من غير صلاة قلة احترام للمسجد
(3)
، وقد روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن تتخذ المساجد طرقا أو تقام فيها الحدود أو تنشد فيها الأشعار، أورده عبد الحق في الأحكام
(4)
.
(1)
أخرجه ابن ماجه (748)، وابن حبان في المجروحين (1/ 310)، وابن عدى (4/ 154). قال ابن عدى: ولزيد بن جبيرة غير ما ذكرت من الحديث وليس بالكثير وعامة ما يرويه عمن روى عنهم لا يتابعه عليه أحد. وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (1497) وضعيف الترغيب (193).
(2)
أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 14 رقم 31) والكبير (12/ 314 رقم 13219). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن سالم إلا أبو قبيل المعافري واسمه: حيي بن هانئ، ولا عن أبي قبيل إلا علي بن حوشب. تفرد به: يحيى بن صالح. قال الهيثمي في المجمع 2/ 24: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون. وصححه الألباني في الصحيحة (1001) وصحيح الترغيب (295).
(3)
تسهيل المقاصد (لوحة 35).
(4)
الأحكام الوسطى (1/ 297) وقال: وفرات هذا منكر الحديث ضعيفه.
قوله: "ولا يشهر فيه سلاح" يستحب لمن دخل المسجد ومعه سلاح أن يمسك حده كنصل السيف وسنان الرمح ونحوه لحديث جابر رضي الله عنه أن رجلا مر بسهامه في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمسك بنصالها"
(1)
وكذلك أمر رسول الله من يمر في السوق أن يفعل ذلك مخافة أن يصيب أحدا، رواه البيهقي، والأولى أن لا يدخل المسجد بسلاح من غير حاجة، ولأن في حمل السلاح من غير حاجة تضييقا على المصلين
(2)
.
قوله: "ولا ينبض فيه بقوس" يقال: أنبض القوس الصياد إذا حرك وترها لترن قاله المنذري.
قوله: "ولا يمر فيه بلحم نيء" والنيء بكسر الهمزة بعد الياء ممدودا هو الذي لم يطبخ، وقيل: لم ينضج قاله المنذري.
قال بعض العلماء: فيحرم على الإنسان أن يدخل معه المسجد لحم نيء إذ خشي التلويث
(3)
والله أعلم.
قوله: "ولا يضرب فيه حد" ولا يقتص فيه من أحد، فقد أوردنا النهي عن إقامة الحدود في المسجد مبسوطًا، قال عمر: فمن لزمه حد أخرجاه من المسجد، ويذكر عن علي نحوه، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: إن المساجد
(1)
المجموع (2/ 178). والحديث أخرجه البخاري (442) و (7073) و (7074)، ومسلم (120 و 121 و 122 - 2614) عن جابر.
(2)
تسهيل المقاصد (لوحة 34).
(3)
تسهيل المقاصد (لوحة 15).
طهرت من خمس: من أن يقام فيها الحدود، أو يقتص فيها، أو ينشد فيها الأشعار، أو ينشد فيها الضالة، أو تتخذ سوقًا
(1)
، ولم ير بعض العلماء في القضاء في المسجد بأسًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وبين امرأته في المسجد، ولاعن عمر عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
، وقد ذكر شيء من ذلك في الباب قبله في حديث:"جنبوا مساجدكم صبيانكم" الحديث.
فرع: قال العلماء: لا بأس بإغلاق المسجد في غير أوقات الصلاة صيانة وحفظًا لها خلافًا لأبي حنيفة فإنه منع من إغلاقها بحال قاله الدميري في شرح الكفاية
(3)
ونقله في الروضة عنه وأقره، وفي بعض كتب الحنفية: يكره غلق المسجد لقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}
(4)
وخولف في ذلك فقيل: كان هذا في زمان السلف، فأما في زماننا فقد كثرت فيه الخيانات فلا بأس بإغلاقها على متاع المسجد، وتحرزا على بيوت الجيران من المسجد، انتهى قاله الزركشي.
فائدة في السؤال في المسجد: قال أبو مطيع البلخي: لا يحل لرجل أن يعطي سؤال المسجد، قال: والمختار أنه إذا كان السائل لا يتخطى رقاب
(1)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (413).
(2)
شرح السنة (2/ 376).
(3)
وقاله في تسهيل المقاصد (لوحة 44) نقلًا عن الصيمرى كما في البيان (2/ 114)، والمجموع (2/ 178).
(4)
سورة البقرة، الآية:114.
الناس ولا يفرض يمين المصلي ولا يسأل الناس إلحافًا فلا بأس بالسؤال والإعطاء لأن السُّؤال كانوا يسألون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حتى يروى أن عليًّا رضي الله عنه تصدق بخاتمه وهو في الركوع فمدحه الله تعالى بقوله: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}
(1)
، وإن كان يتخطى رقاب الناس ويمر بين يدي المصلي وغيره يكره إعطاؤه لأنه إعانة له على أذى الناس حتى قيل [هذا فلس] واحد يحتاج إلى سبعين عليه كفارته هذا في كتاب الكسب لمحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة قاله الزركشي
(2)
.
وقال ابن النحاس في كتابه تنبيه الغافلين: يكره السؤال في المسجد وكذلك تخطى رقاب الناس أو يتخطاهم من يحيي له الناس لم يجز ذلك فيجب على كل قادر إنكار ذلك منهم، وقد يضم السؤال إلى ذلك القراءة على عدم الصحة وذكر الأحاديث الموضوعة والآثار المكذوبة والقصص الباطلة فيتأكد وجوب الإنكار ويعظم الإثم في السكوت لأن المسجد يمتنع عنه هذا الفعل إنتهاء لا إيهاما والعوام أن ذلك جائز [فيكون سببا] منه لتجري غيره على مثل فعله وسببا لعطاء العوام أو ترغيبهم له في ذلك [الفعل]، وقد قال بعض الحنفية: لو تصدق بأربعين فلسا خارج المسجد لم يكن ذلك كفارة [لذلك الفلس] الذي أعطاه للسائل في المسجد حكاه ظهير الدين في فتاويه، فإن كان المعطي ممن يعظم أو يتوهم الناس من عطائه أن ذلك جائز عظم
(1)
سورة المائدة، الآية:55.
(2)
إعلام الساجد (ص 353 - 354).
الإثم في عطائه بمساعدته له وترغيبه له بالسكوت مع ما ترتب عليه من إثم السكوت عن الإنكار عليه والله أعلم
(1)
.
455 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ أَبُو بدر أرَاهُ رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِن الْحَصَاة تناشد الَّذِي يُخرجهَا من الْمَسْجِد" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد جيد وَقد سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَذكر أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا على أبي هُرَيْرَة وَقَالَ رَفعه وهم من أبي بدر
(2)
وَالله أعلم.
قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام عليه.
قوله: "إن الحصاة تناشد الذي يخرجها من المسجد" الحديث، قال الجوهري: الحصاة واحدة الحصى والجمع حصيات مثل تمرة وتمرات، وحصاة المسك [قطعة صلبة توجد في فأرته]، وفلان ذو حصاة أي ذو عقل ولب
(3)
، قال النووي رحمه الله:[لا يجوز] أخذ شيء من أجزاء المسجد
(1)
تنبيه الغافلين (ص 438).
(2)
أخرجه أبو داود (460)، والعقيلى (2/ 184). وقال الدارقطني في العلل (1505): اختلف فيه على أبي صالح، فرواه أبو حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بالشك في رفعه، قاله أبو بدر، عن شريك، عن أبي حصين، ورواه إسرائيل، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن كعب قوله. واختلف عن الأعمش؛ فرواه أبن فضيل، وأبو حمزة السكري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة موقوفًا. ورواه أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، ولم يجاوز به ورفعه، وهم من أبي بدر. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (194).
(3)
النجم الوهاج (3/ 521).
كحجر وحصاة وتراب وغيره لهذا الحديث
(1)
ولأنه يفرش المسجد، قال الزركشي: ومثله الزيت والشمع، وقال ابن عباس لنفيع: ردها وإلا خاصمتك يوم القيامة، ورواه ابن أبي شيبة
(2)
.
قال بعض العلماء: يجوز أخذ الحصى من الحصر وأخذه من المسجد إن كان جزءا منه، وللمسجد موضع، وفي شرح المهذب: الجزم بتحريم أخذ الحصى من المسجد لهذا الحديث
(3)
، وقد صحح النووي: أنه لا يجوز التيمم بتراب المسجد وقال: إن الشافعي رحمه الله كره للمحرم أخذ الحجر من ثلاثة مواضع من الحش ومن المسجد والمرمي أما المسجد فلأنه فرشه ويكره تعطيل فرش المسجد وأما الحش فلأن أحجاره نجسة، ويكره الرمي بالنجس والحش بضم الحاء المهملة وكسرها هو المرحاض، وأصله في اللغة [البستان] وأما المرمي فلأن ما بقي من الحجارة منها مردود غير مقبول
(4)
.
قوله: وقد سئل [الدارقطنى] عن هذا الحديث فذكر أنه روي موقوفا على أبي هريرة، تقدم الكلام على فضائله ومناقبه، وتقدم الكلام أيضًا على الحديث الموقوف في اصطلاح المحدثين.
(1)
المجموع (2/ 179).
(2)
إعلام الساجد (ص 340 - 341).
(3)
المجموع (2/ 179).
(4)
كفاية النبيه في شرح التنبيه (7/ 451).
456 -
وَعَن عبد الله يَعْنِي ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَيكون فِي آخر الزَّمَان قوم يكون حَدِيثهمْ فِي مَسَاجِدهمْ لَيْسَ لله فيهم حَاجَة رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
(1)
.
قوله: عن عبد الله بن مسعود، تقدم الكلام على ترجمته.
قوله صلى الله عليه وسلم: "سيكون في آخر الزمان ناس من أمتي حديثهم في مساجدهم فليس لله فيهم حاجة" وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد ويقعدون فيها حلقا حلقا ذكرهم الدنيا فلا تقعدوا معهم ولا تخالطوهم ولا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة" قال العلماء: يكره للإنسان أن يقعد في المسجد ويخوض في الحديث المباح وحديث الدنيا ونحو ذلك وكذلك رفع الصوت واللغط فيه لحديث على بن أبى طالب رضي الله عنه المطول: "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء وعد منها: إذا رفعوا الأصوات في المساجد"
(2)
وسيأتي هذا الحديث في أواخر هذا التعليق والكلام عليه مبسوطًا، قال العلماء أيضًا: جلوس الناس في المسجد لحديث الدنيا بدعة إذ المساجد إنما بنيت لذكر الله والصلاة وانتشار العلم ونحو ذلك، وعلى هذا كان يجتمع السلف الصالح في
(1)
أخرجه ابن أبي عاصم في الزهد (284)، وابن حبان (6761)، والطبراني في الكبير (10/ 198 رقم 10452). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 24: رواه الطبراني في الكبير، وفيه بزيع أبو الخليل ونسب إلى الوضع. وحسنه الألباني في الصحيحة (1163) وصحيح الترغيب (296).
(2)
تسهيل المقاصد (لوحة 10).
المساجد لأنها تذكر الآخرة، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الله تعالى لا يتحدثون فيها عن الدنيا
(1)
، وقد ورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن مسجدا ارتفع بأهله إلى السماء يشكوهم إلى الله تعالى لما يتحدثون فيه من أحاديث الدنيا
(2)
، وقد ورد أن الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش أو النار الحطب
(3)
، قال الكمال الدميري: هذا الحديث [باطل من الأحاديث] المشهورة، وقال سعيد بن المسيب: من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه عز وجل [فما حقه أن يقول إلا] خيرًا
(4)
.
فائدة تتعلق بذكر النوم في المسجد: قال شيخ الإسلام النووي: يجوز النوم في المسجد كما نص عليه الشافعي في الأم، قال ابن المنذر في الإشراف [رخص في] النوم في المسجد ابن المسيب وعطاء والشافعي، وقال ابن عباس: لا تتخذوه مرقدًا، وروي عنه رضي الله عنه[إن كنت تنام] فيه للصلاة فلا بأس كما تقدم عنه، وقال الإمام أحمد بن حنبل: إن كان مسافرًا [أو شبهه] فلا بأس وإن اتخذه مبيتا مقيلًا فلا، وهذا قول إسحاق وهذا ما حكاه ابن المنذر واحتج من يجوزه بنوم علي بن أبي طالب وابن عمر وأهل الصفة والمرأة صاحبة الوشاح وثمامة بن أثال وصفوان بن أمية وغيرهم
(1)
تنبيه الغافلين (ص 439).
(2)
تفسير القرطبى (12/ 278).
(3)
قال العراقى في تخريج الإحياء (ص 180): لم أقف له على أصل.
(4)
تسهيل المقاصد (لوحة 10).
أحاديثهم في الصحيحين مشهورة
(1)
. ويجوز أن يمكن الكافر من دخول المسجد بإذن المسلمين ويمنع من دخوله بغير إذن
(2)
.
خاتمة تتعلق بالمسجد: [عارية حصر] المسجد وقناديله في الولائم والأفراح ونحو ذلك لا يجوز بل لا يجوز أن يعاروا لمسجد آخر فكيف وفي الغالب لا ترجع الحصر إلا وقد تقطع بعضها إن سلمت من التنجيس حتى لقد أخبرني من أثق بهم أنهم يأخذون البسط الموقوفة على الصخرة والمسجد فارغ فيفترشها النظار في بيوتهم ويتعاطون عليها ما لا يجوز ثم بعد تنجيسها يردونها إلى المسجد، والحاصل أنهم يأخذون أحسن منها يردونها في الصيف ويأخذون غيرها في الشتاء حتى لا يكاد يسلم شيء من البسط من تنجيسهم له وامتهانهم إياه ويأتي المصلون فيصلون عليها ولا يشعرون بتنجيسها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قاله ابن النحاس في تنبيه الغافلين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد صنف أيضا كتابا مستقلا في الجهاد نحوا من أذكار النووي أو الرياض وقد قتل رحمه الله شهيدًا ودفن بثغر دمياط قال ذلك بعض الأصحاب أنه شاهد دفنه وهو مقتول ودفن بجوار مزار لبعض الصالحين وقبره مشهور ورؤي له منامات حسنة تدل على صلاحه أعاد الله على سائر المسلمين من بركاته آمين
(3)
.
(1)
المجموع (2/ 173).
(2)
تسهيل المقاصد (لوحة 13).
(3)
تنبيه الغافلين (ص 739).