المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء وما يقوله في الاستفتاح والاعتدال] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٣

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تخميرها]

- ‌[الترهيب من البصاق في المسجد وإلى القبلة، الباب إلى آخره]

- ‌[الترغيب في المشي إلى المساجد سيما في الظهر وما جاء في فضلها]

- ‌[الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها]

- ‌[الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراتًا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة]

- ‌[ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومها وترهيبهن من الخروج منها]

- ‌[الترغيب في الصلوات الخمس والإيمان بوجوبها]

- ‌[الترغيب في الصلاة مطلقا وفضل الركوع والسجود]

- ‌[الترغيب في الصلاة في أول وقتها]

- ‌[الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعة فوجد الناس قد صلوا]

- ‌[الترغيب في كثرة الجماعة]

- ‌[التَّرْغِيب فِي الصَّلاة فِي الفلاة

- ‌[الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعة والترهيب من التأخير عنهما]

- ‌[الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر]

- ‌[الترغيب في صلاة النافلة في البيوت]

- ‌[الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة]

- ‌[الترغيب على المحافظة على الصبح والعصر]

- ‌[الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر]

- ‌[الترغيب في أذكار يقولها بعد صلاة الصبح وصلاة العصر والمغرب]

- ‌[الترهيب من فوات العصر]

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسان والترهيب منها عند عدمها

- ‌[الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون]

- ‌[الترغيب في الصف الأول وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر]

- ‌[الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج]

- ‌فرعان لهما تعلق بوصل الصفوف:

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهم

- ‌[الترغيب في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء وما يقوله في الاستفتاح والاعتدال]

- ‌[الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود]

- ‌[الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود، وإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع]

الفصل: ‌[الترغيب في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء وما يقوله في الاستفتاح والاعتدال]

[الترغيب في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء وما يقوله في الاستفتاح والاعتدال]

733 -

عَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذا قَالَ الإِمَام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}

(1)

فَقولُوا آمين فَإِنَّهُ من وَافق قَوْله قَول الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(2)

وفى رواية البخاري: إذا قال أحدكم آمين، وقالت الملائكة في السماء آمين، فوافقت إحداهما الأُخرى غُفر له ما تقدم من ذنبه

(3)

. وفي رواية لابن ماجه والنسائي: إذا أمن القارئُ فأمنوا، الحديث

(4)

.

وفي رواية للنسائي: وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} .

فقولوا: آمين. فإنه من وافق كلامه كلام الملائكة غُفر لمن في المسجد

(5)

.

(1)

سورة الفاتحة، الآية:7.

(2)

أخرجه مالك (232)، والبخاري (782) و (4475)، ومسلم (72 و 73 و 74 و 75 - 410)، وأبو داود (935)، والنسائي في المجتبى 2/ 354 (941) و 2/ 448 (1075).

(3)

أخرجه البخاري (781).

(4)

أخرجه ابن ماجه (851) و (852)، والنسائي في المجتبى 2/ 352 (937) و 2/ 353 (938) و 2/ 354 (940). وصححه الألباني في الإرواء (344)، صحيح أبي داود (866)، وصحيح الترغيب (514).

(5)

أخرجه أحمد 2/ 440 (9682)، والنسائي في الكبرى (11905)، والبيهقى في الكبرى (2/ 131 رقم 2593). وضعفه الألباني في أصل صفة صلاة النبي (1/ 383 - 384) وصحيح الترغيب (514).

ص: 597

(آمين): تمد وتقصر، وتشديد الممدود لغيّة، وقيل: هو اسم من أسماء الله تعالي، وقيل معناها: اللهم استجب، أو كذا فافعل، أو كذلك فليكن.

قوله: "عن أبي هريرة"، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}

(1)

فقولوا آمين" قال العلماء رضي الله عنهم: يستحب عقب الفاتحة آمين سواء كان في الصلاة أو خارجها وهو في الصلاة أشد استحبابا لما روى أبو داود والترمذي والدارقطني وابن حبان عن وائل بن حجر قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} قال: "آمين" ومد بها صوته

(2)

، وروى الدارقطني أيضا والحاكم وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال:"آمين"

(3)

، وروى أبو هريرة "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أمن أمن من خلفه حتى إن للمسجد ضجة"، وروي "لجة"

(4)

، وقال

(1)

سورة الفاتحة، الآية:7.

(2)

أخرجه أبو داود (932)، والترمذي (248)، وابن حبان (1805)، والدارقطني (1269).

وقال الترمذي: حديث وائل بن حجر حديث حسن. وصححه الألباني في المشكاة (845)، الصحيحة (464) صحيح أبي داود (863).

(3)

أخرجه ابن حبان (1806)، والدارقطني (1274)، والحاكم 1/ 223. قال الدارقطني: هذا إسناد حسن. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الصحيحة (464).

(4)

قال ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط (2/ 111 - 112): وهو غير صحيح مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال النووي في "التنقيح": هكذا ذكر هذا الحديث هو في (البسيط)، و (شيخه) في "النهاية" وهو غلط، وصوابه ما رواه الشافعي عن عطاء فذكره.

ص: 598

البخاري: وقال عطاء: أمن ابن الزبير ومروان حتى إن للمسجد للجة

(1)

، اللجة: بفتح اللام وهي اختلاف الأصوات

(2)

، وأجيب عن الخبر بأن الجمع إذا كثروا واجتمعت أنفاسهم حصلت منه لجة

(3)

، وقال عطاء: أدركت مائتين من الصحابة رضي الله عنهم إذا قال الإمام: {وَلَا الضَّاَلِّينَ} رفعوا أصواتهم بآمين، رواه ابن حبان بها ثقاته

(4)

، قال الحافظ: آمين تمد وتقصر وتشديد الممدود لغية، قيل: هي اسم من أسماء الله تعالي، وقيل: معناها اللهم استجب أو كذلك فافعل أو كذلك فليكن

(5)

انتهى.

وقال بعض العلماء أيضًا: آمين مبنية على الفتح مثل كيف وأين، وفيها لغات الأولى المد وتخفيف الميم، وهذه هي اللغة الفصيحة المشهورة؛ الثانية: بالقصر وتخفيف الميم لأنه لا يخل بالمعني، والأولى والثانية هما أشهرهما، الثالثة بالإمالة وتخفيف الميم، وكذا حكاه الواحدي، الرابعة: بالمد وتشديد الميم ومعناها قاصدين إجابتك، والمشهور أنها لحن هنا

(6)

،

(1)

ذكره البخاري في الصحيح (1/ 156). وأخرجه الشافعي في المسند (217 و 218)، وعبد الرزاق (2640) و (2643)، وابن المنذر في الأوسط (1370).

(2)

هامش التنقيح على الوسيط (2/ 120) للنووي، وشرح مشكل الوسيط (2/ 112) لابن الصلاح، وكفاية النبيه (3/ 129).

(3)

كفاية النبيه (3/ 130).

(4)

الثقات (6/ 264).

(5)

شرح السنة (3/ 63).

(6)

النجم الوهاج (2/ 123 - 124).

ص: 599

وقيل: معناها جئناك قاصدين ودعوناك راغبين فلا تردنا

(1)

، وقال أبو علي الفارسي: آمين جملة من فعل واسم معناه استجب لي، ودليل ذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام لما دعا على فرعون وأتباعه فقال:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ}

(2)

قال هارون عليه السلام: آمين، فطبق الجملة بالجملة، لذلك حكى ابن سيدة في المحكم عن أبي علي الفارسي، قال الشاعر في آمين:

يا رب لا تسلبني حبها أبدًا

ويرحم الله عبدا قال آمينا

(3)

وقال آخر:

آمين آمين لا أرضي بواحدة

حتى أبلغها ألفين آمينا

(4)

واختلف العلماء في بطلان الصلاة بها، فذهب المتولي والروياني إلى ذلك، وقال الشيخان أبو محمد ونصر المقدسي: لا تبطل بذلك وإن تعمده ورجحه شيخ الإسلام النووي قدس الله روحه

(5)

، قال الشافعي رحمه الله في في الأم: ولو قال آمين رب العالمين وغير ذلك من الذكر كان حسنًا

(6)

، وروى البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قال:{وَلَا الضَّاَلِّينَ} قال: رب

(1)

حاشية الرملى على أسنى المطالب (1/ 154).

(2)

سورة يونس، الآية:88.

(3)

المحكم (10/ 494 - 495).

(4)

النجم الوهاج (2/ 124).

(5)

النجم الوهاج (2/ 124).

(6)

الأم (1/ 131).

ص: 600

اغفر لي آمين

(1)

، وقيل: آمين كفن يغطاه قائلها، وقيل: هي اسم تستنزل به الرحمة، قال البغوي في تفسيره: كان معاذ رضي الله عنه: إذا ختم سورة البقرة قال: آمين

(2)

فعلى هذا يستحب للمصلي أن يختم البقرة بآمين، وقيل: هي اسم من أسماء الله تعالى كأن المصلي قال: اهدنا يا الله، وروي: آمين خاتم رب العالمين ومعناه أن الله تعالى دفع به الآفات والبلايا عن عباده فكان كخاتم الكتاب الذي يصونه ويمنع من فساده وإظهار ما فيه، وقل: آمين طابع على الدعاء وخاتم عليه يختم على الشيء ليحفظ، كأن الداعي يختم على دعائه بهذا حتى يحفظ عمله من الشيطان، وجاء أنها طابع على القراءة أيضًا، وروي أن آمين درجة في الجنة يعني أنها كلمة يكتسب بها قائلها درجة في الجنة

(3)

.

لطيفة فيها بشرى: عن وهب بن منبه قال: آمين أربعة أحرف فمن قالها خلق الله تعالى بعدد كل حرف منها ملكا يستغفر لقائلها إلى يوم القيامة، وفي حديث آخر: "يخلق الله من كل حرف ملكا يقول اللهم اغفر لكل من قال

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 42 رقم 107)، والبيهقى في الكبرى (2/ 84 رقم 2450) عن وائل ابن حجر. قال ابن رجب في الفتح (7/ 99): وهذا الإسناد لا يحتج به. وقال العراقى في طرح التثريب (2/ 269): في إسناده أبا بكر النهشلي وهو ضعيف.

(2)

تفسير البغوي (1/ 358).

(3)

انظر: شرح السنة (3/ 63)، ومطالع الأنوار (1/ 290 - 291)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 13).

ص: 601

آمين"

(1)

قال العلماء: ورد في الحديث النهي أن يسبق المأموم الإمام بآمين، فقد روى الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لبلال: "يا بلال لا تسبقني بآمين"

(2)

؛ يستحب التأمين في الصلاة للإمام والمأموم والمنفرد، ويجهر به الإمام والمنفرد في الصلاة الجهرية، والصحيح أن المأموم أيضًا يجهر به وسواء كان الجمع قليلا أو كثيرا، ويستحب أن يكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده، وليس في الصلاة موضع يستحب أن يقترن فيه قول المأموم بقول الإمام إلا في قوله آمين، وأما باقي الأقوال فيتأخر قول المأموم فيها عن الإمام، هذا مذهب الشافعي والإمام أحمد بن حنبل؛ وقال مالك في رواية: لا يؤمن المأموم في الجهرية، وعن الإمام مالك أيضًا رواية أن الإمام لا يأتي بالتأمين لحديث:"قسمت الصلاة" وليس فيه التأمين، قلنا: قوله: "إذا أمن الإمام فأمنوا" يرده، وأما "قسمت الصلاة" فالمراد الفاتحة وليس التأمين منها، قال العلماء: فيستحب فصل آمين من الفاتحة لئلا يتوهم متوهم أنها منها والله أعلم، وقال أبو حنيفة والكوفيون ومالك أيضًا في رواية: لا يجهر بالتأمين، وقال الأكثرون: يجهر

(3)

.

(1)

تفسير الثعلبي (1/ 126)، وتفسير القرطبي (1/ 127).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 219). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وضعفه البيهقي في خلاصة الأحكام (1195).

(3)

انظر: الأذكار (ص 118) والتبيان (ص 134 - 135) وشرح النووي على مسلم (4/ 130) والمجموع (3/ 371 - 374).

ص: 602

تنبيه: قال ابن العماد في مصنفاته: وكثير من جهلة العوام إذا فرغ الإمام من قراءة {وَلَا الضَّالِّينَ} بادروا بالتأمين قبل شروع الإمام فيه وهم مخطئون في إصابة السنة ومحرومون من مغفرة ما تقدم من ذنوبهم بسبب عدم الموافقة في التأمين.

فائدة: يستحب في الصلاة خمس سكتات، الأولى: عقيب تكبيرة الإحرام حتى لا يصلها بدعاء الاستفتاح؛ الثانية: يسكت بعد الفراغ من دعاء الاستفتاح سكتة يسيرة ولا يصل القراءة بالدعاء؛ الثالثة: إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} استحب أن سكتة لطيفة ثم يقول آمين لئلا يتوهم متوهم أن آمين من الفاتحة؛ الرابعة: يسكت بين آمين وبين قراءة السورة ولا يصلها بها ويسكت الإمام بقدر ما يقرأ المأموم الفاتحة؛ الخامسة: إذا فرغ من قراءة السورة سكت سكتة لطيفة ولا يصلها بتكبيرة الهوى إلى الركوع والله أعلم

(1)

.

لطيفة: في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المواصلة في الصلاة قال في الإحياء: السنة أن يفصل بين التسليمتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المواصلة في الصلاة، عزاه رزين إلى الترمذي، قال عبد الله ابن الإمام أحمد: ما كنا ندري ما المواصلة في الصلاة حتى قدم علينا الإمام الشافعي قدس الله سره فمضى إليه أبي فسأله عن أشياء وكان فيما سأله عن المواصلة في الصلاة، وليس في الإحياء قول عبد الله ابن الإمام أحمد إلى آخره فقال الشافعي:

(1)

نزهة المجالس (1/ 144).

ص: 603

هي مواضع في الصلاة منها أن يقول الإمام {وَلَا الضَّالِّينَ} فيقول من خلفه آمين معا أي يقولها بعد أن يسكت الإمام؛ ومنها: أن يصل القراءة بالتكبير، ومنها: السلام عليكم ورحمة الله فيصلها بالتسليمة الثانية فالأولى فرض والثانية سنة، فلا يجمع بينهما، ومنها: إذا كبر الإمام فلا يكبر معه حتى يسبقه ولو بواو

(1)

.

فرع: قال في البحر في كتاب الصلاة: لا يجوز أن يؤمن على دعاء الكافر لأن دعاءه غير مقبول، قال الله تعالى:{وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}

(2)

قال ابن عباس رضي الله عنهما: أصواتهم محجوبة عن الله تعالى فلا يسمع دعاءهم، وروى أصحاب السنن والحاكم بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الدعاء هو العبادة" والعبادة لا تصح من الكافر، وقال آخرون: قد يستجاب للكافر كما يستجيب لإبليس في الإنظار، وأجابوا عن الآية بأن المراد بالدعاء العبادة

(3)

انتهى.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" في هذا الحديث استحباب التأمين عقب الفاتحة للإمام والمأموم والمنفرد كما تقدم لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا قال {وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا آمين" ليوافق تأمين الملائكة المقتضية مغفرة ما تقدم من الذنوب، قال النووي رحمه الله:

(1)

النهاية (5/ 193)، والنجم الوهاج (2/ 173).

(2)

سورة الرعد، الآية:14.

(3)

النجم الوهاج (2/ 575 - 576).

ص: 604

والظاهر والله أعلم أن المراد الموافقة في الزمان فإن الإمام عند فراغ الفاتحة يؤمن وكذلك المأموم والملائكة فإنه قد قيل: إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه كما رواه البخاري أيضًا معناه: وافقهم في وقت التأمين فأمر مع تأمينهم هذا هو الصحيح والصواب

(1)

، وفي ذلك مزية عظيمة ودرجة رفيعة للإمام تقتضي التهالك على الإمامة لينال هذا الأجر العظيم، فإن لم تتفق موافقته أمن عقبه فإن لم يؤمن الإمام أو لم يسمعه أو لم يدر هذا أمن أو لا أمن هو، ولو آخر الإمام التأمين عن الوقت المستحب فيه أمن المأموم

(2)

والله أعلم.

وحكى القاضي عياض

(3)

قولا سبقه إليه الخطابي أن معناه وافقهم في الصفة والخشوع والإخلاص لقوله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" وقيل في اللفظ: لا في الزمان، ومعنى قوله:"إذا أمن فأمنوا" أي: إذا شرع فاشرعوا ليحصل التوافق

(4)

، وبه تجتمع الأحاديث ولم أجد في الحديث:"فمن وافق تأمينه تأمين الإمام" وقد نقلها الشيخ علاء الدين ابن العطار رواية ولم يعزها إلى كتاب

(5)

قاله في شرح الإلمام.

(1)

شرح النووي على مسلم (4/ 130).

(2)

النجم الوهاج (2/ 124).

(3)

إكمال المعلم (2/ 309).

(4)

فتح الباري (7/ 97) لابن رجب.

(5)

العدة (1/ 421 - 422).

ص: 605

قال شيخ الإسلام النووي في شرح مسلم: واختلفوا في هؤلاء الملائكة المذكورين، فقيل: هم الحفظة والراجح أنهم غيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين" الحديث رواه مسلم، فهذا يدل على أنهم غير الحفظة لأن لفظ السماء مشعر بأنه لا يختص الملائكة بالحفظة، وأجاب الأولون القائلون بأنهم الحفظة عنه بأنه إذا قالها الحاضرون من الحفظة يقولها من فوقهم حتى تنتهي إلى أهل السماء

(1)

، وفي هذا الحديث أن الملائكة يدعون للبشر ويستغفرون لهم ويؤمنون على دعاء المؤمن طمعا في الإجابة والقبول وليس المعنى الموافقة في اللفظ بها في وقت واحد بل المعنى أن تأمين الملائكة عن ثقة بالله وإخلاص

(2)

، وفيه دليل على قراءة الفاتحة لأن التأمين لا يكون إلا عقبها

(3)

، وفيه أن التأمين سنة لكل مصل إماما ومأموما ومنفردا

(4)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "غفر له ما تقدم من ذنبه" هو لفظ عام فيقتضي عموم مغفرة الذنوب إلا ما يتعلق بحقوق الناس فإنها لا تغفر بقول آمين وذلك معلوم من الأدلة الخارجية المخصصة لعمومات مثله، وقيل معنى غفر له يعني غفر له وإن لم ينال المغفرة لأن الملائكة قد سألت المغفرة له والمراد بالذنوب هنا والله

(1)

شرح النووي على مسلم (4/ 130).

(2)

رياض الأفهام (2/ 137).

(3)

شرح النووي على مسلم (4/ 130).

(4)

المجموع (3/ 371) وفتح الباري (7/ 100) لابن رجب.

ص: 606

أعلم الصغائر كما تقدم في نظائره فإن لم يكن له صغائر فيرجى تخفيف الكبائر فإن الكبائر لا تغفر إلا بالتوبة فإن لم يكن له كبائر فترفع له الدرجات

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم في رواية ابن ماجه والنسائي: "إذا أمن القارئ فأمنوا" ظاهره مشكل يقتضي إيقاع تأمين المأمون عقم تأمين الإمام وللشافعي أن يقال في الكلام حذف والمعنى إذا أراد التأمين فأمنوا

(2)

كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}

(3)

الآية أي إذا أردت قراءة القرآن ولو سبق المأموم الإمام بقراءة الفاتحة قال البغوي لا يؤمن حتى يفرغ الإمام من الفاتحة ويؤمن معه

(4)

والأصح أنه يؤمن لقراءته ثم يؤمن مع الإمام

(5)

والله أعلم.

734 -

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا حسدتكم الْيَهُود على شَيْء مَا حسدتكم على السَّلَام والتأمين" رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَأحمد وَلَفظه إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عِنْده الْيَهُود فَقَالَ إِنَّهُم لم يحسدونا على شَيْء كَمَا حسدونا على الْجُمُعَة الَّتِي هدَانَا الله لهَا وَضَلُّوا عَنْهَا وعَلى الْقبْلَة الَّتِي هدَانَا الله لهَا وَضَلُّوا عَنْهَا وعَلى قَوْلنَا خلف الإِمَام آمين

(6)

. رَوَاهُ

(1)

شرح النووي على مسلم (3/ 113)، والعدة (1/ 434)، والكواكب الدراري (5/ 141).

(2)

المجموع (3/ 372).

(3)

سورة النحل، الآية:98.

(4)

التهذيب (2/ 98).

(5)

المجموع (3/ 373).

(6)

أخرجه أحمد 6/ 134 (25029)، والبخاري في الأدب المفرد (988) والتاريخ الكبير (1/ 22)، وابن ماجه (856)، وابن خزيمة (574) و (1585). قال الهيثمي في المجمع =

ص: 607

الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِإِسْنَاد حسن وَلَفظه قَالَ إِن الْيَهُود قد سئموا دينهم وهم قوم حسد وَلم يحسدوا الْمُسلمين على أفضل من ثَلَاث رد السَّلَام وَإِقَامَة الصُّفُوف وَقَوْلهمْ خلف إمَامهمْ فِي الْمَكْتُوبَة آمين

(1)

.

قوله: عن عائشة تقدم الكلام على بعض مناقبها.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين" وفي الرواية الأخرى التي في الطبراني "إقامة الصفوف" سيأتي الكلام على حقيقة الحسد ومعناه في بابه مبسوطا، وأما التأمين فتقدم الكلام عليه في أول الباب وأما إقامة الصفوف وهو تسويتها فتقدم قريبا.

735 -

وَعَن أنس رضي الله عنه: قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم جُلُوسًا فَقَالَ إِن الله قد أَعْطَانِي خِصَالًا ثَلَاثَة أَعْطَانِي صَلَاة فِي الصُّفُوف وَأَعْطَانِي التَّحِيَّة إِنَّهَا لتحية أهل الْجنَّة وَأَعْطَانِي التَّأْمِين وَلم يُعْطه أحدا من النَّبِيين قبلي إِلَّا أَن يكون الله

= 2/ 15: رواه أحمد، وفيه علي بن عاصم شيخ أحمد وقد تكلم فيه بسبب كثرة الغلط والخطأ، قال أحمد: أما أنا فأحدث عنه، وحدثنا عنه، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (515).

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 146 - 147 رقم 4910) والشاميين (1896) ومن طريقه ابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 28). وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن معاذ بن جبل إلا بهذا الإسناد، ولا نعلم منبهًا أبا وهب أسند حديثًا غير هذا. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 112 - 113: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. وقال الحافظ: قلت: رواته موثقون إلا عيسي، وفي طبقته عيسى بن يزيد بن بكر بن داب، فإن كان هو فهو ضعيف، وإلا فمجهول. وضعفه الألباني في الضعيفة (5048) وضعيف الترغيب (267).

ص: 608

قد أعطَاهُ هَارُون يَدْعُو مُوسَى ويؤمن هَارُون رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من رِوَايَة زَرْبِي مولى آل الْمُهلب وَتردد فِي ثُبُوته

(1)

.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه تقدم الكلام على بعض مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أعطاني خصالا ثلاثة أعطاني صلاة في الصفوف وأعطاني التحية إنها لتحية أهل الجنة وأعطاني التأمين ولم يعطه أحدا من النبيين قبلي إلا أن يكون الله قد أعطاه هارون يدعو موسى" الحديث تقدم الكلام على صلاة الصفوف وأما التحية فهي السلام سيأتي الكلام عليه في بابه وتقدم الكلام على التأمين.

تنبيه: كان هارون عليه السلام أكبر من موسى عليه السلام بثلاث سنين وأحب إلى بني إسرائيل من موسى لأنه كان لين الغضب وكان هارون عليه السلام أخاه لأبيه وأمه ليرققه ويستعطفه وقيل كان أخاه لأمه دون أبيه

(2)

والله اعلم.

فائدة: قال العلماء كلمة آمين لم تكن قبلنا لموسى وهارون عليهما السلام ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وأسند عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله أعطى أمتي ثلاثا لم يعطها أحدا قبلهم السلام وهو تحية أهل الجنة" الحديث وفي آخره "وآمين إلا ما كان من موسى وهارون عليهما السلام" قال أبو عبد الله معناه أن موسى دعا على فرعون وأمن هارون فقال

(1)

أخرجه ابن خزيمة (1586)، والبيهقي في الدعوات (659). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (268) وضعيف الجامع (1559).

(2)

تفسير البغوي (3/ 284).

ص: 609

تبارك وتعالى عندما ذكر دعاء موسى في تنزيله {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}

(1)

ولم يذكر مقالة هارون وقال موسى ربنا وكان من هارون التأمين فسماه في القرآن داعيا

(2)

قال القرطبي وقيل إن آمين خاص بهذه الأمة لهذا الحديث

(3)

.

736 -

وَعَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قَالَ الإِمَام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}

(4)

قَالَ الَّذين خَلفه آمين الْتَقت من أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض آمين غفر الله للْعَبد مَا تقدم من ذَنبه قَالَ وَمثل الَّذِي لَا يَقُول آمين كَمثل رجل غزا مَعَ قوم فاقترعوا فَخرج سِهَامهمْ وَلم يخرج سَهْمه فَقَالَ مَا لسهمي لم يخرج قَالَ إِنَّك لم تقل آمين رَوَاهُ أَبُو يعلى من رِوَايَة لَيْث بن أبي سليم

(5)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم.

(1)

سورة يونس، الآية:89.

(2)

نوادر الأصول (4/ 20).

(3)

تفسير القرطبي (1/ 130).

(4)

سورة الفاتحة، الآية:7.

(5)

أخرجه أبو يعلى (6411) وعنه أبو الشيخ في الأمثال (277). قال الهيثمي في المجمع 2/ 113: رواه أبو يعلى وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة مدلس وقد عنعنه. وقال البوصيرى في اتحاف الخيرة 2/ 166 - 167: ليث هو ابن أبي سليم ضعيف، وهو في الصحيحين وغيرهما دون قوله: ومثل الذي لا يؤمن

إلى آخره. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (269).

ص: 610

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}

(1)

قال الذين خلفه آمين التقت من أهل السماء وأهل الأرض آمين غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه" غفران الذنوب هو سترها والمراد الصغائر دون الكبائر كما في نظائره وتقدم الكلام على آمين.

قوله: رواه أبو يعلى أبو يعلى اسمه [أحمد بن عليّ بن المثني بن يحيى بن عيسى بن هلال التَّميميّ، أبو يعلى الموصليّ الحافظ].

وقوله: من رواية ليث بن أبي سليم قال في العلم المشهور ليث بن أبي سليم اختلط في آخر عمره أي اختل رأيه وثار غضبه واشتقاقه من الاختلاط وهو الغضب قال أبو عبيد والعرب تقول أول العي الاختلاط وأسوأ القول الإفراط

(2)

حكى قول أبي عبيد ابن فارس في مجمل اللغة في حرف الحاء المهملة

(3)

والله أعلم.

737 -

وَعَن سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا قَالَ الإِمَام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}

(4)

فَقولُوا آمين يجبكم الله رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير

(5)

وَرَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي حَدِيث طَوِيل عَن أبي مُوسَى

(1)

سورة الفاتحة، الآية:7.

(2)

تصحيح التصحيف (ص 88).

(3)

مجمل اللغة (ص 249).

(4)

سورة الفاتحة، الآية:7.

(5)

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 214 رقم 6891). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 113: رواه الطبراني في الكبير وفيه سعيد بن بشير وفيه كلام. وصححه الألباني في صحيح =

ص: 611

الْأَشْعَرِيّ قَالَ فِيهِ إِذا صليتم فأقيموا صفوفكم وليؤمكم أحدكُم فَإِذا كبر فكبروا وَإِذا قَالَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}

(1)

فَقولُوا آمين يجبكم

(2)

.

قوله: وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}

(3)

فقولوا آمين يجبكم الله" الحديث قال في الغنية في قوله يجبكم الله هو بضم الياء وبعدها جيم من إجابة الدعاء لأن آمين معناها اللهم استجب وكثير من الناس يقرأه بالحاء المهملة فيجعله من المحبة وليس هذا موضعه والله أعلم ففي هذا الحديث حث عظيم على التأمين فيتأكد الاهتمام به والله أعلم.

738 -

وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا حسدتكم الْيَهُود على شَيْءٍ مَا حسدتكم على آمين فَأَكْثِرُوا من قَول آمين" رَوَاهُ ابْن مَاجَه

(4)

.

= الترغيب (516).

(1)

سورة الفاتحة، الآية:7.

(2)

أخرجه مسلم (62 - 404)، وأبو داود (972)، والنسائي في المجتبى 2/ 273 (842) و 2/ 448 (1076) و 2/ 524 (1185) و 3/ 79 (1296) والكبرى (972) و (762) و (906) و (1204). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (893) وصحيح الترغيب (517).

(3)

سورة الفاتحة، الآية:7.

(4)

أخرجه ابن ماجه (857). وقال البوصيري في الزجاجة 1/ 107: هذا إسناد ضعيف =

ص: 612

739 -

وَعَن أبي مصبح المقرائي قَالَ كُنَّا نجلس إِلَى أبي زُهَيْر النميري رضي الله عنه وَكَانَ من الصَّحَابة يحدّث أحسن الحَدِيث فَإِذا دَعَا الرجل منا بِدُعَاء قَالَ اختمه بآمين فَإِن آمين مثل الطابع على الصَّحِيفَة قَالَ أَبُو زُهَيْر النميري أخْبركُم عَن ذَلِك خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَات لَيْلَة نمشي فأتينا على رجل قد ألح فِي الْمَسْأَلَة فَوقف النَّبِي صلى الله عليه وسلم يستمع مِنْهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أوجب إِن ختم فَقَالَ رجل من الْقَوْم بِأَيّ شَيْء يخْتم فَقَالَ بآمين فَإِنَّهُ إِن ختم بآمين فقد أوجب فَانْصَرف الرجل الَّذِي سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأتى الرجل فَقَالَ اختم يَا فَلَان بآمين وأبشر رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(1)

.

مصبح بِضَم الْمِيم وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا حاء مُهْملَة والمقرائي بِضَم الْمِيم وَقيل بِفَتْحِهَا وَالضَّم أشهر وبسكون الْقَاف وَبعدهَا رَاء ممدودة نِسْبَة إِلَى قَرْيَة بِدِمَشْق.

قوله: "وعن أبي مصبح المقرائي" أبو مصبح اسمه [لا يعرف قال أبو داود: المقرائي قبيلة من حمير وهكذا ذكره غيره الروياني الأوزاعي الحمصي روى عن ثوبان وأبي زهير الأنماري وشداد بن أوس وشرحبيل بن

= لاتفاقهم على ضعف طلحة بن عمرو. وقال الألباني: ضعيف جدا ضعيف الترغيب (270).

(1)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (9/ 32)، وأبو داود (938)، والدولابى في الكنى (198)، والطبراني في الدعاء (218) والكبير (22/ 296 رقم 756). وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (168)، والمشكاة (846)، وضعيف الترغيب (271).

ص: 613

السمط وواثلة وجابر وغيرهم وعنه صبيح بن محرز المقرأي وحريز بن عثمان والأوزاعي وعبد الرحمن بن يزيد وأبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد وغيرهم قال أبو زرعة ثقة لا أعرف اسمه وذكره ابن حبان في الثقات].

والمقرائي نسبة إلى قرية بدمشق وهو بضم الميم وروي بفتحها والضم أشهر وبسكون القاف ممدودا قاله الحافظ وكان من الصحابة رضي الله عنه يحدث أحسن الحديث.

قوله: "فأتينا على رجل قد ألح في المسألة"، أي بالغ في الدعاء والسؤال من الله عز وجل.

قوله: "فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوجب إن ختم بآمين" يقال أوجب الرجل إذا عمل عملا يوجب له الجنة أو النار.

قوله: "فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب" أي استجيب إذا قال آمين في آخر دعائه استجاب الله منه دعاءه ومسألته قاله في شرح المصابيح.

740 -

وَعَن حبيب بن سَلمَة الفِهري رضي الله عنه وَكَانَ مجاب الدعْوَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا يَجْتَمع مَلأ فيدعو بَعضهم ويؤمن بَعضهم إِلَّا أجابهم الله رَوَاهُ الْحَاكِم

(1)

.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (4/ 21 رقم 3536)، والحاكم (3/ 347). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 170: رواه الطبراني وقال: الهنباط بالرومية: صاحب الجيش. ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة، وهو حسن الحديث. وضعفه الألباني في الضعيفة (5968) وضعيف الترغيب (272).

ص: 614

قوله: "وعن حبيب بن سلمة الفهري رضي الله عنه وكان مجاب الدعوة"، هو حبيب بن مسلمة الفهري المكي نزيل الشام مختلف في صحبته روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقال له حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم وأنكر الواقدي كونه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وقال كان حبيب يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ابن اثنتي عشرة سنة وآخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم تبوك وكان ابن إحدى عشرة سنة وقال يحيى بن معين يقول أهل المدينة إنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وأهل الشام يقولون قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وقال البخاري له صحبة توفي في خلافة معاوية سنة إحدى وقيل سنة اثنتين وأربعين

(1)

انتهى وسيأتي الكلام عليه أيضا بزيادة.

قوله "لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله" الملأ الجماعة وتقدم الكلام على ذلك في كتاب العلم في حديث الخضر عليه السلام وتقدم الكلام على تأمين في أول الباب.

741 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ بَيْنَمَا نَحن نصلي مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ رجل من الْقَوْم الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الْقَائِل كلمة كذَا وَكذَا، فَقَالَ رجل من الْقَوْم أَنا يَا رَسُول الله فَقَالَ عجبت لَهَا فتحت لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء، قَالَ ابْن عمر فَمَا تركتهن مُنْذُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول ذَلِك، رَوَاهُ مُسلم

(2)

.

(1)

أسد الغابة (1/ 681 الترجمة 1068).

(2)

أخرجه مسلم (150 - 601)، والترمذي (3592)، والنسائي في المجتبى 2/ 319 (897) و 2/ 319 (898) والكبرى (1049 و 1050). وصححه الألباني في صحيح الترغيب =

ص: 615

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما تقدم.

قوله: قال بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرًا" الحديث.

قوله الله أكبر كبيرًا منصوب بإضمار فعل كأنه قال أكبر كبيرا وقيل هو منصوب على القطع من اسم الله تعالى قاله في النهاية

(1)

ففي هذا الحديث دليل لمذهب الشافعي رحمه الله وأبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل والجمهور أنه يستحب دعاء الاستفتاح وجاءت فيه أحاديث كثيرة في الصحيح منها هذا الحديث ومنها "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وجهت وجهي إلخ" رواه البيهقي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك حين يفتتح الصلاة وقال مالك لا يستحب دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام ودليل الجمهور هذه الأحاديث الصحيحة وحديث "اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد" الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله بعد تكبيرة الإحرام حجة على مالك رحمه الله

(2)

.

فرع: فلو تلبس المصلي بفرض القراءة لم يعد إليه وكذا لو تلبس بسنة

= (518).

(1)

النهاية (4/ 140 - 141).

(2)

انظر: المجموع (3/ 321) وشرح النووي على مسلم (5/ 96 - 97)، والكواكب الدراري (5/ 112 - 113).

ص: 616

التعوذ على الأصح

(1)

وحكمة تقدم دعاء الافتتاح على الفاتحة أن يكون بين يدي الفاتحة كالركعتين بين يدي الفريضة تمرينا لينشرح للإتيان بالفرض على أكمل حاله قاله في شرح الإلمام.

742 -

وَعَن رفاعة بن رَافع الزرقي رضي الله عنه قَالَ كُنَّا نصلي وَرَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رفع رَأسه من الرَّكْعَة قَالَ سمع الله لمن حَمده قَالَ رجل من وَرَائه رَبنَا وَلَك الْحَمد حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرف قَالَ من الْمُتَكَلّم قَالَ أَنا قَالَ رَأَيْت بضعَة وَثَلَاثِينَ ملكا يبتدرونها أَيهمْ يَكْتُبهَا أول رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ

(2)

.

قوله: "وعن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه" كنيته أبو معاذ رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان الأنصاري الزرقي منسوب إلى زريق بطن من الأنصار من الخزرج المدني شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة وبدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان والمشاهد كلها، وأبو رفاعة صحابي واختلفوا في شهوده بدرا وشهد العقبتين الأولى والثانية روى رفاعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وعشرين حديثا روى البخاري منها ثلاثا توفي رضي الله عنه في أول خلافة معاوية رضي الله عنه

(3)

.

قوله: "قال كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع

(1)

انظر: المهذب (1/ 171)، والتهذيب (2/ 92)، والبيان (2/ 332)، والمجموع (2/ 318).

(2)

أخرجه مالك (565)، والبخاري (799)، وأبو داود (770) و (773)، والترمذي (404)، والنسائي في المجتبى 2/ 447 (1074) والكبرى (735).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 190 - 1914 الترجمة 169).

ص: 617

الله لمن حمده قال رجل من ورائه ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه" الحديث، طيبًا قيل: خالصًا وسيأتي الكلام على التسميع والتحميد في الحديث بعده.

قوله: "فلما انصرف" أي من الصلاة "قال من المتكلم قال أنا قال رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول" البضع بكسر الباء وفتحها ما بين الثلاثة إلى العشرة.

قوله: "أيهم يكتبها أول" يعني كل واحد منهم يسرع ليكتب هذه الكلمات قبل الآخر ويصعد بها إلى حضرة الله تعالى لعظم قدر هذه الكلمات والله أعلم، وفي هذا الحديث دليل على أن بعض الطاعات يكتبها غير الحفظة

(1)

والله أعلم.

تنبيه: قال بعض العلماء إن الحكمة في كونهم بضعة وثلاثين ملكا كون حروفها بضعة وثلاثين حرفا لكل حرف ملك يكتبه

(2)

والله أعلم قاله في تهذيب النفوس.

743 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا قَالَ الإِمَام سمع الله لمن حَمده فَقولُوا اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد فَإِنَّهُ من وَافق قَوْله قَول الْمَلائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ

(3)

وَفِي

(1)

انظر: عمدة القارى (6/ 75).

(2)

كشف المشكل (4/ 161).

(3)

أخرجه مالك (234)، والبخاري (796) و (3228)، ومسلم (71 - 409) و (409 م)، =

ص: 618

رِوَايَة للْبُخَارِيّ وَمُسلم فَقولُوا رَبنَا وَلَك الْحَمد بِالْوَاو

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد" وإنما خص هذا بالذكر لأنهم كانوا يسمعون جهر النبي صلى الله عليه وسلم بسمع الله لمن حمده فإن السنة فيه الجهر ولا يسمعون قوله ربنا لك الحمد غالبا لأنه كان يأتي به سرا فكانوا يوافقون في سمع الله لمن حمده فلم يحتج إلى الأمر به ولا يعرفون ربنا لك الحمد فأمروا به

(2)

ويستدل به من يقول إن التسميع خاص بالإمام وأن قوله ربنا لك الحمد مختص بالمأموم وهو اختيار مالك

(3)

ومذهب الشافعي أنه يستحب للمأموم أن يجمع بينهما ويسر فيقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، قال العلماء معنى قوله سمع الله لمن حمده أجاب حمد من حمده بفضله يقال اسمع دعائي، أي: أجب لأن غرض السائل الإجابة والقبول ومعناه أن من حمد الله تعالى متعرضا لثوابه استجاب الله له وأعطاه ما تعرض له فإنا نقول ربنا لك الحمد لتحصيل ذلك

(4)

والله أعلم.

= وأبو داود (848)، والترمذي (267)، والنسائي في المجتبى 2/ 448 (1075) والكبرى (736).

(1)

هذا لفظ الترمذي والنسائي.

(2)

المجموع (3/ 420).

(3)

إحكام الأحكام (1/ 224).

(4)

شرح النووي على مسلم (4/ 193).

ص: 619

قوله: "فقولوا اللهم ربنا لك الحمد" الحديث جاء في رواية مالك والبخاري ومسلم وأبي داود وغيرهم بحذف الواو واقتصر النووي والجمهور على ربنا لك الحمد بلا واو وفي رواية للبخاري ومسلم "فقولوا ربنا ولك الحمد" بالواو وأكثر الروايات بالواو فإثبات الواو وحذفها في ذلك وزيادة اللهم فكل جائز ولكن الاختيار الإثبات والزيادة وقال الشافعي في الأم وهو أحب إلي وقد نص الشافعي على استحباب الواو في البويطي قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في شرح العمدة: كأن إثبات الواو دال على معنى زائد لأنه يكون التقدير يا الله يا ربنا استجب ولك الحمد أي ربنا اسمع دعاءنا ولك الحمد فيكون الكلام مشتملا على معنى الدعاء ومعنى الخبر، وقال بعض العلماء إنهما جملتان بخلاف الحذف وأن معناه النداء بالحمد لا غير قال بعض العلماء والعمل برواية إثبات الواو أولى وإذا قيل بإسقاط الواو دل على أحد هذين

(1)

، وقد حكي عن الشافعي حكاه عنه ابن قدامة وقال إن الواو للعطف وليس ها هنا شيء يعطف عليه وعن مالك وأحمد في ذلك خلاف، روى ابن القاسم عن مالك أن الأفضل إثباتها وقال النووي قدس الله سره كلاهما جاءت به روايات كثيرة والمختار أنه على وجه الجواز وأن الأمرين جائزان ولا ترجيح لأحدهما على الآخر قاله في شرح الأحكام

(2)

.

(1)

إحكام الأحكام (1/ 224).

(2)

انظر: شرح النووي على مسلم (4/ 121)، وإحكام الأحكام (1/ 224)، والعدة (1/ 422 - 423)، ورياض الأفهام (2/ 197 - 198)، وطرح التثريب (2/ 332 - 333).

ص: 620

قوله: "فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" ففيه أن الملائكة يشاركون المصلين في ذلك ويدعون لهم وبهذا يعظم جزاء المصلي لا سيما في الجماعة واختلف العلماء في هؤلاء الملائكة فقيل هم الحفظة وقيل هم غيرهم ممن يبلغه ذلك قال بعضهم يقول ذلك من سمع المصلي من ملائكة الأرض والطبقة الذين فوقهم وكذلك كل طبقة إلى أن ينتهي إلى ملائكة السماء فيكون اجتماع حمدهم مع حمد المصلي سببا للمغفرة لصعوده دفعة واحدة من قوم صالحين

(1)

.

والحكمة في التحميد بعد التسميع ما فيه من التعرض لإجابة دعائه بدخوله فيمن سمع الله لهم وأما قوله غفر له ما تقدم من ذنبه فالظاهر أنه مختص بالصغائر كما قيل في موافقة التأمين بشرط أن لا يتعلق بالآدمي كالغيبة فإنها صغيرة على الصحيح عندنا وكذا القليل من المال والكذب الخفيف وأما الكبائر فلا بد فيها من التوبة وإلا فصاحبها في المشيئة وقال بعضهم لا بد من التوبة في الجميع ويحتمل أن يغفر للجميع

(2)

والله أعلم قاله في شرح الإلمام.

(1)

انظر: شرح النووي على مسلم (4/ 130) والمجموع (3/ 372)، وتنوير الحوالك (1/ 85).

(2)

النفح الشذى (4/ 452)، والكواكب الدراري (5/ 141).

ص: 621