المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٣

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تخميرها]

- ‌[الترهيب من البصاق في المسجد وإلى القبلة، الباب إلى آخره]

- ‌[الترغيب في المشي إلى المساجد سيما في الظهر وما جاء في فضلها]

- ‌[الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها]

- ‌[الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراتًا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة]

- ‌[ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومها وترهيبهن من الخروج منها]

- ‌[الترغيب في الصلوات الخمس والإيمان بوجوبها]

- ‌[الترغيب في الصلاة مطلقا وفضل الركوع والسجود]

- ‌[الترغيب في الصلاة في أول وقتها]

- ‌[الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعة فوجد الناس قد صلوا]

- ‌[الترغيب في كثرة الجماعة]

- ‌[التَّرْغِيب فِي الصَّلاة فِي الفلاة

- ‌[الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعة والترهيب من التأخير عنهما]

- ‌[الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر]

- ‌[الترغيب في صلاة النافلة في البيوت]

- ‌[الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة]

- ‌[الترغيب على المحافظة على الصبح والعصر]

- ‌[الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر]

- ‌[الترغيب في أذكار يقولها بعد صلاة الصبح وصلاة العصر والمغرب]

- ‌[الترهيب من فوات العصر]

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسان والترهيب منها عند عدمها

- ‌[الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون]

- ‌[الترغيب في الصف الأول وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر]

- ‌[الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج]

- ‌فرعان لهما تعلق بوصل الصفوف:

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهم

- ‌[الترغيب في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء وما يقوله في الاستفتاح والاعتدال]

- ‌[الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود]

- ‌[الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود، وإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع]

الفصل: ‌[الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر]

[الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر]

667 -

عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صلى الصُّبْح فِي جمَاعَة ثمَّ قعد يذكر الله حتى تطلع الشَّمْس ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ كانَت لَهُ كأَجر حجَّة وَعمرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَامَّة تَامَّة تَامَّة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب

(1)

.

قوله: عن أنس تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الصبح في جماعة" الحديث، للصبح أربعة أسماء الفجر والصبح والوسطى والبرد وفي الحديث "من صلى البردين دخل الجنة" وهما الصبح والعصر وتقدم، وتسمى أيضا الغداء وتقدم أيضا وللصبح أوقات منها وقت الفضيلة وهو أول الوقت ومنها وقت الاختيار وهو إلى الأسفار وهو حين تتراءى الوجوه مأخوذا من أسفر إذا كشف وتبين ومنه سمي الكتاب سفرا لأنه يبين الأحكام وضبط بعضهم هذا الوقت بالوقت الذي يغدو فيه الغراب من وكره لطلب الرزق والمعتمد الأول

(2)

.

تنبيه: اختلف العلماء في وقت الصبح على أقوال أصحها أنه من النهار

(1)

أخرجه الترمذى (586)، والبغوى في شرح السنة (710). قال الترمذى: هذا حديث حسن غريب. وحسنه الألباني في المشكاة (971)، والصحيحة (3403)، وصحيح الترغيب (464).

(2)

القول التمام (ص 178).

ص: 474

وهو قول الخليل والثاني أنه من الليل لقول الشاعر

(1)

:

وما الدهر إلا ليلة ونهارها

وإلا طلوع الشمس ثم غيارها

والثالث أنه لا من الليل ولا من النهار

(2)

.

قوله: "ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة" قال في اللطائف لما كان الحج من أفضل الأعمال والنفوس تتوق إليه لما وضع الله سبحانه وتعالى في القلوب من الحنين إلى ذلك البيت المعظم وكان كثير من الناس يعجز عنه ولاسيما كل عام، شرع الله سبحانه لعباده أعمالا يبلغ أجرها أجر الحج فيتعوض بذلك العاجز عن التطوع بالحج شهود الجمعة تعدل حجة تطوع، قال سعيد بن المسيب: هو أحب إلى من حجة نافلة وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم المبكر إليها كالمهدي هديا إلى بيت الله الحرام، وفي حديث ضعيف "الجمعة حج المساكين" وفي تاريخ ابن عساكر عن الأوزاعي قال: مر يونس بن ميسرة بن حلبس بمقابر باب توما فقال السلام عليكم يا أهل القبور أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع رحمنا الله وإياكم وغفر لنا ولكم فكأن قد صرنا إلى ما صرتم إليه فرد الله الروح إلى رجل منهم فأجابه فقال طوبى لكم يا أهل الدنيا حين تحجون في الشهر أربع مرار قال وإلى أين يرحمك الله قال إلى

(1)

من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي من الطويل يرثي بها نسيبة بنت عنس بن محرث الهذلي (عمدة القاري 21/ 37).

(2)

القول التمام (ص 178).

ص: 475

الجمعة أما تعلمون أنها حجة مبرورة متقبلة قال ما خير ما قدمتم قال الاستغفار يا أهل الدنيا

(1)

.

668 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِأَن أقعد أُصَلِّي مَعَ قوم يذكرُونَ الله تَعَالَى من صَلاة الْغَدَاة حَتَّى تطلع الشَّمْس أحب إِلَيّ من أَن أعتق أَرْبَعَة من ولد إِسْمَاعِيل وَلِأَن أقعد مَعَ قوم يذكرُونَ الله من صَلَاة الْعَصْر إِلَى أَن تغرب الشَّمْس أحب إِلَيّ من أَن أعتق أَرْبَعَة.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَبُو يعلى قَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أحب إِلَىّ من أَن أعتق أَرْبَعَة من ولد إِسْمَاعِيل دِيَة كل وَاحِد مِنْهُم اثْنَا عشر ألفا.

(2)

رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا بالشطر الأول إِلَّا أَنه قَالَ أحب إِلَيّ مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس

(3)

.

قوله: وعنه تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لأن أقعد أصلي مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل" الحديث

(1)

اللطائف (ص 250).

(2)

أخرجه أبو داود (3667)، والفسوى في مشيخته (78)، والبزار (6512) و (7244)، وأبو يعلى (3392)، والطبراني في الدعاء (1878) والأوسط (6/ 137 رقم 6022)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 87 - 88 رقم 557). وحسنه الألباني في المشكاة (970) والصحيحة (2916) وصحيح الترغيب (465).

(3)

أخرجه الطيالسى (2218)، والحارث (1048)، وأبو يعلى (4125)، والطحاوى في مشكل الآثار (3907 و 3908). وصححه الألباني في الصحيحة (2916).

ص: 476

وإنما خص أولاد إسماعيل بالذكر لشرف منزلتهم وانتسابهم لكونهم أفضل أصناف الأمم فإن العرب أفضل الأمم ثم أولاد إسماعيل أفضل العرب لكون العرب منهم النبي صلى الله عليه وسلم وقيل من فضائلهم أنهم لم يجر عليهم الرق أصلا وذكر بعض من يعرف أنساب العرب أنه ليس من قبائل العرب قبيلة إلا وهي تنتمي إلى إسماعيل من جهة ما غير أربع قبائل ثقيف وسلف وأوزاع والحضرميون، والحديث فى ليل على استحباب الذى بعد الصلاتين إلى الطلوع والغروب والمواظبة عليه فهما لهما أثر عظيم في النفوس قاله في شرح المصابيح

(1)

.

وإنما قيد بالأربعة من جهة الحصر لأن الموجب لذلك أي للعتق أربعة أشياء الذكر والقعود والاجتماع والاستمرار إلى الطلوع والغروب

(2)

.

فائدة: روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: لا يزال الفقيه يصلي قيل له وكيف ذلك؟ قال لا تلقاه إلا وذكر الله على لسانه يحل حلالا ويحرم حرامًا

(3)

قال الطرطوسي لقد ظفرت بهذا في كتاب المعين قال الله تعالى لهارون وموسى لما بعثهما إلى فرعون {وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي}

(4)

فسمي تبليغ الرسالة ذكرا فعلى هذا يتحقق أن حلق العلم وما يتجاوبون في العلم

(1)

الميسر (1/ 263).

(2)

المفاتيح (1/ 313).

(3)

تنبيه الغافلين (ص 430)، والمدخل (1/ 97).

(4)

سورة طه، الآية:42.

ص: 477

ويتراجعون من سؤال وجواب أنها حلق الذكر وأهلها أهل الذكر وكذا قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}

(1)

والمراد أهل العلم والفقه نقل ذلك الطرطوسي في كتاب الذكر له

(2)

.

فائدة أخرى: كان سيدي أبو محمد المرجاني يأخذ هذه الأحزاب ويقرؤها جماعة ويذكرها جماعة بعد الصبح والعصر ولم يزل على ذلك دأبه إلى موته وكان يخبر بأن ذلك بدعة وأنه إنما فعله لضرورة وهي أن الهمم قد قلت وقل فقير أن يصلي الصبح أو العصر ثم يقوم فيذكر الله تعالى ويقرأ في هذين الوقتين المشهودين إلا أنهم يقومون من مصلاهم، أما النوم إن كان في الصبح أو للتحدث فيما لا يعني إن كان في العصر إن سلموا من الغيبة والنميمة فلما أن تحققوا وقوع هذا المحذور ردعوه بهذا المكروه لأن ارتكاب المكروهات أولى بل أحب من ارتكاب المحذورات هكذا يجب أن تكون المحافظة على السنن وحفظها

(3)

والله أعلم.

669 -

وَعَن سهل بن معَاذ عَن أَبِيه رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "من قعد فِي مُصَلَّاهُ حِين ينْصَرف من صَلَاة الصُّبْح حَتَّى يسبح رَكعَتي الضُّحَى لَا يَقُول إِلَّا خيرا غفر لَهُ خطاياه وَإِن كانَت أَكثر من زبد الْبَحْر" رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو يعلى وَأَظنهُ قَالَ من صلى صَلَاة الْفجْر ثمَّ قعد يذكر الله حَتَّى تطلع

(1)

سورة الأنبياء، الآية:7.

(2)

المدخل (1/ 97).

(3)

المدخل (1/ 97 - 98).

ص: 478

الشَّمْس وَجَبت لَهُ الْجنَّة

(1)

قَالَ الْحَافِظ رَوَاهُ الثَّلَاثَة من طَرِيق زبان بن فائد عَن سهل وَقد حسنت وصححها بَعضهم.

قوله: عن سهل بن معاذ تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى" الحديث، قال العلماء كل صلاة يتطوع لها تسمى تسبيح وسبحة

(2)

وسيأتي الكلام على ذلك وكم صلاة الضحى وأكثرها وأقلها في بابه.

قوله "غفر له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر" زبد البحر هو ما يلقيه على شاطئه وغفران هو سترها والمراد الصغائر كما تقدم.

قوله: رواه الثلاثة من طريق زبان بن فائد، وزبان بن فائد [ضعفه ابن معين، وقال أحمد: أحاديثه مناكير ووثقه أبو حاتم وقال ابن يونس: كان على مظالم مصر وكان من أعدل ولاتهم].

670 -

وَرُوِيَ عَنِ الْعَلَاءِ، وَأَبِي الْجَهْمِ، قَالَا: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ جَالِسًا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَدَعَاهُ وَجُلَسَاءَهُ إِلَى طَعَامٍ فَأَضْرَبَ

(1)

أخرجه أحمد 3/ 438 (15623)، وأبو داود (1287)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص 296، وأبو يعلى (1487)، والطبراني في الكبير 20/ (442)، والبيهقى في الكبرى (3/ 69 رقم 4907).

وضعفه الألباني في المشكاة (1317) وضعيف أبي داود (238)، وضعيف الترغيب (242).

(2)

معالم السنن (1/ 161).

ص: 479

عَنْهُ ثُمَّ عَادَ فَدَعَاهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ لِجُلَسَائِهِ: قُومُوا فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أُجِيبَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ ثُمَّ ذَكَرَ اللهَ عز وجل حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَمْ تَمَسَّ جِلْدَهُ النَّارُ"، وَأَخَذَ الْحَسَنُ بِجِلْده فَمَدَّهُ وفى لفظ:"مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ قَعَدَ فِي مَجْلِسِهِ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَلْفَحَهُ أَوْ تَطْعَمَهُ" رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ

(1)

.

قوله: عن أبي أمامة، أبو أمامة صدي بن عجلان بضم الصاد وفتح الدال وتشديد الياء، ويقال الصدي بالألف واللام الباهلي، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتا حديث وثلاثون حديثا، روى له البخاري منها خمسة ومسلم ثلاثة، وسكن مصر ثم حمص وبها توفي سنة إحدى وثمانين، قيل: هو آخر من توفي من الصحابة بالشام، وعامة حديثه عن الشاميين

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر ثم ذكر الله حتى تطلع الشمس لم تمس جلده النار أبدا" تقدم أن الصبح يسمي الفجر، وتقدم الكلام على الذكر في صلاة الصبح في الأحاديث المتقدمة.

(1)

أخرجه أحمد بن منيع كما في المطالب (645)، والدولابى في الذرية (141)، وابن عدى (4/ 385)، وابن شاهين في فضائل الأعمال (111) و (112)، والبيهقى في الشعب (4/ 384 رقم 2697) و (5/ 430 رقم 3671)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (1368) و (1970) و (2000). وقال الألبانى: موضوع ضعيف الترغيب (244) والضعيفة (3289).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 176 الترجمة 718).

ص: 480

قوله: عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، كنية الحسن أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي المدني سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين، ولد الحسن رضي الله عنه في نصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث، وروت عنه عائشة رضي الله عنها، وروى عنه جماعات من التابعين، منهم: ابنه الحسن بن الحسن وأبو الحوراء بالراء المهملة ربيعة بن سنان والشعبي وأبو وائل وابن سيرين وآخرون، توفي رضي الله عنه بالمدينة مسمومًا سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، ودفن بالبقيع وقبره فيه مشهور، صلى عليه سعيد بن العاصي، وكان الحسن شبيها بالنبي صلى الله عليه وسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم وعق عنه يوم سابعه وحلق رأسه وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة، قال أبو أحمد العسكري: سماه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن وكناه أبو محمد كما تقدم، قال: ولم يكن هذا الاسم يعرف في الجاهلية، ثم روى عن ابن الأعرابي عن المفضل قال: إن الله تعالى حجب اسم الحسن والحسين حتى سمى الله بهما النبي صلى الله عليه وسلم ابنيه الحسن والحسين، قال قلت له فالذي باليمن، قال: ذاك حسن بإسكان السين وحسين بفتح الحاء وكسر السين، جمعته أم الفضل امرأة العباس مع ابنها قثم ابن العباس، ونقلوا أن الحسن حج ماشيًا، وقال: إني أستحيي من الله أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، وكان

ص: 481

حليما كريما ورعا، دعاه ورعه إلى أن ترك الخلافة

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الغداة ثم ذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين أو أربع ركعات" الحديث، تقدم أن الصبح يسمى الغداة والبرد وغير ذلك، وتقدم أن المراد بالركعتين أو الأربع صلاة الضحى، وسيأتي ذلك في بابه.

قوله: "لم تمس جلده النار، وأخذ الحسن بجلده فمده"، وروى عن الحسن بن علي قال: قال صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة الفجر ثم جلس في مجلسه حتى تطلع الشمس وصلى من الضحى ركعتين حرم الله على النار أن تلفحه أو تطعمه" قاله ابن زنجويه في ترغيبه.

671 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأن أقعد أذكر الله تَعَالَى وأكبره وأحمده وأسبحه وأهلله حَتَّى تطلع الشَّمْس أحب إِلَيّ من أَن أعتق رقبتين [و أكثر] من ولد إِسْمَاعِيل وَمن بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس أحب إِلَيّ من أَن أعتق أَربع رقبات من ولد إِسْمَاعِيل رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن

(2)

.

قوله: عن أبي أمامة، تقدم.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 158 - 160 ترجمة 118).

(2)

أخرجه أحمد 5/ 253 (22185) و 5/ 255 (22194)، والرويانى (1262)، والطحاوى في مشكل الآثار (3909)، والطبراني في الدعاء (1882)، والطبراني في الكبير (8/ 265 رقم 8028). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 104: رواه كله أحمد، والطبراني بنحوه، وأسانيده حسنة. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (466).

ص: 482

قوله صلى الله عليه وسلم: "لأن أقعد أذكر الله تعالى وأكبره وأحمده وأسبحه وأهلله حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق رقبتين" الحديث، فشرع الذكر بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس ومن بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وهذان الوقتان أعني وقت الفجر ووقت العصر هما أفضل أوقات النهار للذكر، ولهذا أمر الله تعالى بذكره فيهما في مواضع من القرآن العظيم كقوله تعالى:{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)}

(1)

وقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}

(2)

والآيات في ذلك كثيرة، وأفضل ما قيل في هذين الوقتين من الذكر صلاة الفجر وصلاة العصر وهما أفضل الصلوات وقيل: في كل منهما إنها الصلاة الوسطى

(3)

، وقد اختلف العلماء من الصحابة فمن بعدهم في الصلاة الوسطى، فقال أبو حنيفة والإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الصحابة والتابعين هي العصر، وقال طائفة هي الصبح، وهو مذهب الإمام مالك والشافعي وجمهور الصحابة وغيرهم، وقالت طائفة: هي الظهر، نقلوه عن زيد بن ثابت وأسامة وأبي سعيد الخدري وعائشة وعبد الله بن شداد ورواية عن أبي حنيفة، وقال قبيصة بن ذؤيب: هي المغرب، وقال غيره: هي العشاء، وقيل: إحدى الخمس مبهمة،

(1)

سورة الأحزاب، الآية:42.

(2)

سورة غافر، الآية:55.

(3)

الأذكار (ص 173).

ص: 483

وقيل: غير ذلك

(1)

، وقيل: الصبح والعصر البردان اللذان من يحافظ عليهما دخل الجنة قاله ابن رجب الحنبلي في شرح الأربعين النواوية

(2)

.

قوله: "أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل" تقدم الكلام على الحكمة في أولاد إسماعيل.

672 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صَلَاة الْغَدَاة فِي جمَاعَة ثمَّ جلس يذكر الله حَتَّى تطلع الشَّمْس ثمَّ قَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ انْقَلب بِأَجْر حجَّة وَعمرَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَإِسْنَاده جيد

(3)

.

قوله: وعنه، يعني: أبي أمامة تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين" الحديث، تقدم أن الغداة اسم لصلاة الصبح، وأن المراد بالركعتين هي صلاة الضحى وهي أقلها.

قوله: "انقلب بأجر حجة وعمرة" يعني: رجع، والانقلاب يعني الرجوع، والحج والعمرة، سيأتي الكلام عليهما في بابهما.

(1)

شرح النووي على مسلم (5/ 128 - 129).

(2)

جامع العلوم والحكم (3/ 1299 - 1300).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 178 رقم 7741) والشاميين (885). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 104: رواه الطبراني، وإسناده جيد.

وقال الألبانى: حسن صحيح صحيح الترغيب (467).

ص: 484

673 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا صلى الْفجْر لم يقم من مَجْلِسه حَتَّى تمكنه الصَّلَاة وَقَالَ من صلى الصُّبْح ثمَّ جلس فِي مَجْلِسه حَتَّى تمكنه الصَّلَاة كَانَ بِمَنْزِلَة عمْرَة وَحجَّة مُتَقَبَّلَتَيْنِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط وَرُوَاته ثِقَات إِلَا الْفضل بن الْمُوفق فَفِيهِ كَلَام

(1)

.

قوله: عن ابن عمر، تقدم الكلام على ترجمته في مواضع من هذا التعليق.

قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصلاة" وقال: "من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة كان بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين"، قال العلماء: وهذا إذا لم يكن المكان مشتركا ولم يكن إماما، فإن كان إماما فقال النووي في شرح المهذب: يستحب للإمام إذا سلم أن يقوم من مصلاه عقيب سلامه إذا لم يكن خلفه نساء، هكذا قاله الشافعي في المختصر والأصحاب، أما إذا كان وراءه نساء مكث حتى ينصرفن، ويسن لهن الانصراف عقيب سلام الإمام لأن الاختلاط بهن مظنة الفساد

(2)

، وروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد السلام:"اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" لا يقعد إلا قدر ذلك، وقد تكلم الطرطوسي في آخر شرحه

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 375 رقم 5602). وقال الهيثمى: لم يرو هذا الحديث عن مالك بن مغول إلا الفضل بن موفق. وقال الهيثمي في المجمع 10/ 105: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الفضل بن موفق، وثقه ابن حبان، وضعف حديثه أبو حاتم الرازي، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (468).

(2)

المجموع (3/ 489 - 490)، والقول التمام (ص 196).

ص: 485

في الرسالة على هذه المشكلة كلاما شافيًا، فقال: قال مالك إذا سلم الإمام فلا يثبت في مجلسه بعد سلامه فإن ذلك بدعة إلا أن يكون بمحلة أو فلاة من الأرض أو شريعة في غير المسجد، وذلك واسع، وأما أئمة المساجد فلا ينبغي لهم ذلك، وذكر في ذلك أحاديث كثيرة فمن جملتها أنه روي عن نافع عن ابن عمر قال: كان أبو بكر وعمر إذا قضيا الصلاة وثبا من المحراب وثوب البعير إذا حل من عقاله، هذا كلام الطرطوسي، وفيه فوائد منها: أن المحراب أفضل بقعة في المسجد، ومنها: أن الإمام أو غيره إذا قعد فيه وقد تحجره ومنع غيره من الصلاة فيه وذلك لا يجوز أيضًا، فأما السر في المحارب يكون أمام المصلين فشوش عليهم لأن القلوب تشتغل بما تراه أمامها، ولذلك الذي يجلس في الصف الأول أمام الناس من غير حاجة صلاة، ومنها: أن الإمام إذا صلى في غير المسجد استحب له الجلوس في مصلاه والاشتغال بذكر الله سبحانه وتعالى، وإذا صلى في المسجد استحب له الانتقال من موضعه والجلوس في أخريات المسجد أو الانصراف فإن كان المسجد ضيقا على المصلين الذين يأتون بعده وجب عليه الانصراف إذا لم يرد الصلاة معهم، فعلى هذا يقال لغز: رجل ليس بجنب وهو مسلم يجب إخراجه من المسجد والله أعلم قاله ابن العماد

(1)

، قال ابن الرفعة: إنما يستحب له يعني الإمام القيام بعد الذكر والدعاء، وقال الدميري: قلت: ينبغي أن يستثنى من ذلك ما إذا قعد مكانه يذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح

(1)

القول التمام (ص 196 - 198)، وتسهيل المقاصد (لوحة 87 و 88 و 89).

ص: 486

إلى أن تطلع الشمس لأن ذلك بحجة وعمرة تامة تامة تامة

(1)

.

فرع: إذا أراد الإمام أن ينفتل من المحراب فلينفتل عن يمينه والأصح في كيفية ذلك يدخل يساره في المحراب ويجعل يمينه إلى الناس لما روى مسلم عن البراء قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه فسمعته يقول:: "رب قني عذابك يوم تبعث عبادك" وسيأتي هذا الحديث قريبا، وقيل: يستدبر القبلة، وقيل: يلي المحراب يمينه ويساره إلى الناس وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى قال الدميري، قلت: ينبغي أن يترجح هذا في محراب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إن فعل الصف الأولى يصير مستدبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو قبلة آدم عليه السلام ومن بعده من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

(2)

.

تنبيه: في كامل ابن عدي في ترجمة بحر بن كنيز بن عدي السقاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الانصراف قال: "اللهم بحمدك انصرفت وبذنبي اعترفت وأعوذ بك من شر ما اقترفت"

(3)

.

قوله: وعن ابن عمر تقدم الكلام على ابن عمر رضي الله عنه.

قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى يمكنه الصلاة وقال: "من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى يمكنه الصلاة كان بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين" الحديث، المراد بقوله "حتى يمكنه الصلاة"

(1)

النجم الوهاج (2/ 185).

(2)

النجم الوهاج (2/ 185).

(3)

أخرجه ابن عدى (2/ 233). وقال الألبانى: موضوع الضعيفة (1059).

ص: 487

صلاة الضحى، قد وردت أحاديث في استحباب القعود المذكر منها حديث معاذ الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قعد في مصلاه حتى ينصرف من الصبح حتى يصلي ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرا غفر له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" ومنها الأحاديث التي تأتي بعد ومنها بقية أحاديث الباب.

قوله: ورواته ثقات إلا الفضل بن الموفق.

674 -

وَعَن عبد الله بن غابر أَن أبا أُمَامَة وَعتبَة بن عبد رضي الله عنهما حَدَّثَاهُ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من صلى صَلَاة الصُّبْح فِي جمَاعَة ثمَّ ثَبت حَتَّى يسبح لله سبْحَة الضُّحَى كانَ لَهُ كأَجر حَاج ومعتمر تَاما لَهُ حجه وعمرته

رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَبَعض رُوَاته مُخْتَلف فِيهِ وَللْحَدِيثِ شَوَاهِد كَثِيرَة

(1)

.

قوله: عن عبد الله بن غابر أن أبا أمامة وعتبة بن عبد حدثناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح لله سبحة الضحى" الحديث، أما عبد الله بن غابر [هو أبو عامر الشامي الحمصي. أدرك عمر بن الخطاب قال الآجري عن أبي داود شيوخ حريز كلهم ثقات

(1)

أخرجه الدينورى في المجالسة (3089)، والطبراني في الكبير (8/ 148 رقم 7649) و (17/ 129 رقم 317)، وابن شاهين في الترغيب (116). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 104 - 105: رواه الطبراني، وفيه الأحوص بن حكيم، وثقه العجلي وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم خلاف لا يضر. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (469).

ص: 488

وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطني حمصي لا بأس به وقال العجلي شامي تابعي ثقة

(1)

]، وأبو أمامة الباهلي تقدم الكلام عليه، وأما عتبة بن عبد [السلمي يكنى أبا الوليد كان اسمه عتلة فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عتبة، سكن حمص، حديثه عند شريح بن عبيد، ولقمان بن عامر، وكثير بن مرة الحضرمي، وخالد بن معدان، وعبد الله بن ناسح، وعقيل بن مدرك، وحبيب بن عبيد الرحبي، وراشد بن سعد، وغيرهم

(2)

]، وأما سبحة الضحى فهي ركعتا الضحى، وتقدم أن كل صلاة يتطوع بها فهي تسبيح وسبحة.

675 -

وَرُوِيَ عَن عمْرَة رضي الله عنها قَالَت سَمِعت أم الْمُؤمنِينَ تَعْنِي عَائِشَة رضي الله عنها تَقول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من صلى الْفجْر أَو قَالَ الْغَدَاة فَقعدَ فِي مَقْعَده فَلم يلغ بِشَيْء من أَمر الدُّنْيَا وَيذكر الله حَتَّى يُصَلِّي الضُّحَى أَربع رَكْعَات خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه لَا ذَنْب لَهُ

رَوَاهُ أَبُو يعلى وَاللَّفْظ لَهُ وَالطَّبَرَانِيّ

(3)

.

قوله: عن عمرة بنت [عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، والدة أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، وكانت في حجر عائشة

(1)

تهذيب الكمال (15/ 417 - 418 ترجمة 3475)، وتهذيب التهذيب (5/ 354).

(2)

أسد الغابة (3/ 556 ترجمة 3552).

(3)

أخرجه أبو يعلى (4365)، والطبراني في الأوسط (6/ 106 رقم 5940). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 105: رواه أبو يعلى، والطبراني في الأوسط بنحوه، وفيه الطيب بن سلمان، وثقه ابن حبان، وضعفه الدارقطني، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح. وضعفه الألباني في الضعيفة (5043) وضعيف الترغيب (246).

ص: 489

زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال يحيى: ثقة، حجة، وذكرها علي ابن المدينى: ففخم من أمرها، وقال: عمرة أحد الثقات العلماء بعائشة الأثبات فيها

(1)

].

قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر أو قال الغداة فقعد في مقعده فلم يلغ بشيء من أمر الدنيا ويذكر الله حتى يصلي الضحى أربع ركعات" الحديث، تقدم أن صلاة الصبح تسمى الفجر والغداة، وتقدم أن اللغو القول الباطل، وتقدم أن صلاة الضحى ثمان ركعات وأقلها ركعتان، وسيأتي الكلام عليها مبسوطا في بابه.

قوله: "خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب له" المراد بذلك الصغائر كما تقدم في نظائره والله أعلم.

676 -

وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعث بعثا قبل نجد فغنموا غَنَائِم كثِيرَة وأسرعوا الرّجْعَة فَقَالَ رجل منا لم يخرج مَا رَأينَا بعثا أسْرع رَجْعَة وَلَا أفضل غنيمَة من هَذَا الْبَعْث فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَلا أدلكم على قوم أفضل غنيمَة وأسرع رَجْعَة قوم شهدُوا صَلَاة الصُّبْح ثمَّ جَلَسُوا يذكرُونَ الله حَتَّى طلعت الشَّمْس أُولَئِكَ أسْرع رَجْعَة وَأفضل غنيمَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات من جَامعه

(2)

وَرَوَاهُ الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يِنَحْوِهِ وَذكر الْبَزَّار فِيهِ أَن الْقَائِل مَا رَأينَا هُوَ أَبُو بكر رضي الله عنه

(1)

تهذيب الكمال (35/ 241 - 243 ترجمة 7895).

(2)

أخرجه الترمذى (3561)، وابن عدى في الكامل (3/ 12) وقال الترمذى: وهذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وضعفه الألباني في المشكاة (977) وضعيف الترغيب (247).

ص: 490

وَقَالَ فِي آخِره فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا بكر أَلا أدلك على مَا هُوَ أسْرع إيابا وَأفضل مغنما من صلى الْغَدَاة فِي جمَاعَة ثمَّ ذكر الله حَتَّى تطلع الشَّمْس

(1)

.

قوله: عن عمر بن الخطاب، تقدم الكلام على بعض فضائله.

قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا قبل نجد فغنموا غنائم كثيرة وأسرعوا الرجعة، الحديث، البعث السرية وهي طائفة من الجيش تخرج منه تغدو وترجع إليه، قال إبراهيم الحربي: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها تبعث إلى العدو، وقيل: المراد ما بين خمسة أنفس إلى ثلثمائة، وجمعها سرايا، وخير السرايا أربعمائة، وقالوا: سميت سرية لأنها تسري في الليل وتخفي ذهابها، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري وهو النفيس، قاله ابن الأثير، وقيل: سموا بذلك لأنهم ينفدون سرا وخفية وليس بالوجه

(2)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في اتحاف الخيرة (521/ 1)، ومحمد بن عاصم في جزئه (35)، والبزار (9314)، وأبو يعلى كما في اتحاف الخيرة (521/ 2)، وابن حبان (2535)، وابن شاهين في الترغيب (175)، وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه، إلا حميد وحميد هذا لا نعلم أحدا شاركه في هذه الأحاديث عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال الهيثمي في المجمع 10/ 107: رواه البزار، وفيه حميد مولى ابن علقمة، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (248). وصححه الألباني من طريق ابن حبان في الصحيحة (2531)، صحيح الترغيب (669).

(2)

النهاية (2/ 363)، وشرح النووي على مسلم (12/ 37).

ص: 491

وحكمهم: أن أمير الجيش يبعثهم وهو خارج إلا بلاد العدو فإذا غنموا شيئًا كان بينهم وبين الجيش عامة لأنهم رد لهم فيه، وأما إذا بعثهم وهو مقيم فإن القاعدين معهم لا يشاركونهم في المغنم وإن كان كان جعل نفلا من الغنيمة لم يشركهم غيرهم في شيء منه على الوجهين معا

(1)

.

قوله: قبل نجد، أي: إلى جهتها، والنجد بفتح النون في اللغة ما علا من الأرض وارتفع، والنجد: اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق

(2)

، وقيل: ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق

(3)

، ونجد كلها من عمل اليمامة

(4)

، واليمامة مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف وصاحبها مسيلمة الكذاب

(5)

، ونجد: ما حرس على سواد الكوفة، وحدها: مما يلي المغرب والحجاز وعن يسار الكعبة اليمن

(6)

، وأرض نجد أرض عظيمة واسعة كثيرة الخير بها مياه جارية وأشجار وثمار وبها أخلاط العرب

(7)

.

(1)

النهاية (2/ 363).

(2)

النهاية (5/ 19).

(3)

الصحاح (2/ 542).

(4)

المشارق (2/ 34)، والمطالع (4/ 244).

(5)

تهذيب الأسماء واللغات (4/ 201).

(6)

المشارق (2/ 34)، والمطالع (4/ 244).

(7)

خريدة العجائب (ص 149).

ص: 492

قوله: "فغنموا غنائم كبيرة" الغنائم جمع غنيمة والغنيمة: ما أخذ من الكافر بالقتال وإيجاف الخيل والركاب

(1)

.

فائدة: اختلف أهل السير في غزو النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه فقيل: الغزوات خمس وعشرون، وقيل: ستة وعشرون، وقيل: سبع وعشرون وقيل: أقل من ذلك، والسرايا خمس وقيل: خمس وخمسون، وقيل أقل من ذلك، وقال شيخ الإسلام النووي قدس الله روحه: ونقل أبو عبد الله محمد بن سعد في الطبقات الاتفاق على أن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم سبع وعشرون وسراياه ست وخمسون وعدها واحدة واحدة مرتبة على حسب وقوعها

(2)

والله أعلم.

قوله: فقال رجل منا لم يخرج: ما رأينا بعثا أسرع رجعة ولا أفضل من هذا البعث، ذكره البزار فيه أن القائل ما رأينا هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفي آخره هل أدلك على ما هو أسرع إيابا وأفضل غنيمة من صلى الغداة في جماعة ثم ذكر الله حتى تطلع الشمس.

677 -

وَعَن جَابر بن سَمُرَة رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا صلى الْفجْر تربع فِي مَجْلِسه حَتَّى تطلع الشَّمْس حسنا رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَلَفظه كَانَ إِذا صلى الصُّبْح جلس يذكر الله حَتَّى تطلع الشَّمْس وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَلَفظه قَالَ عَن سماك أَنه سَأل جَابر بن

(1)

النهاية (3/ 389).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 31).

ص: 493

سَمُرَة كيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إِذا صلى الصُّبْح قَالَ كَانَ يقْعد فِي مُصَلَّاهُ إِذا صلى الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس

(1)

.

قوله: عن جابر بن سمرة، هو أبو عبد الله، ويقال: أبو خالد جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير بن رباب بن حبيب بن سواءة بالمد وضم السين السوائي وهو وأبوه صحابيان روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وستة وأربعون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على حديثين، وانفرد مسلم بثلاثة وعشرين، روى عنه جماعات من التابعين، توفي سنة ست وستين، روي في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال: والله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ألفي صلاة

(2)

.

قوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسنا، وحسنا بفتح الحاء والسين المهملتين والتنوين أي طلوعا حسنا أي مرتفعا

(3)

ورواه بعضهم حسينا بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف هكذا عند ابن أبي جعفر أي زمنا كأنه يريد مدّة

(1)

أخرجه مسلم (287 - 670)، وأبو داود (1294) و (4850)، والترمذى (585)، والنسائي في المجتبى 3/ 141 (1373) و 3/ 142 (1374)، وابن خزيمة (757)، وابن حبان (2028)، والطبراني في (2/ 216 رقم 1885 و 1888) و (2/ 221 رقم 1913) و (2/ 224 رقم 1927) و (2/ 226 رقم 1933) و (2/ 231 رقم 1960) و (2/ 235 رقم 1982) و (2/ 240 رقم 2006) و (2/ 241 رقم 2013) و (2/ 245 رقم 2045).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 142 ترجمة 99).

(3)

شرح النووي على مسلم (5/ 170 - 171).

ص: 494

جلوسه والأول أظهر

(1)

ورواه بعضهم حسناء بفتح الحاء المهملة وسكون السين على وزن فعلاء ممدودة وإنما يظهر حسنها إذا أخذت في الارتفاع فحينئذ يتكامل ضوءها وتحسن

(2)

فيكون حالا من الشمس أي تطلع نقية بيضاء زائلة عنها الصفرة

(3)

وفي فعله صلى الله عليه وسلم فوائد منها:

- الجلوس للذكر فإنه وقت شريف، وقد جاءت أحاديث مطهرة في الذكر في ذلك الوقت.

- الثاني: أنه لما تعبد الإنسان لله عز وجل قبل طلوع الشمس لازم مكان الغداة إلى أن تنتهي حركات الساجدين للشمس إذا طلعت.

- الثالت: يجيء سائل عن أمر دينه أو من يقص رؤياه أو نحو ذلك، انتهى قاله صاحب التنقيح على كتاب المصابيح

(4)

.

قوله: في رواية ابن خزيمة عن سماك سأل جابر بن سمرة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا صلى الصبح" الحديث، هو سماك بن حرب فيكنى أبا المغيرة الذهلي أدرك جماعة من الصحابة ثمانين نفسا قاله البخاري منهم ابن سمرة والنعمان بن بشير وروى عنه شعبة وزائدة له نحو مائتي حديث وهو ثقة بما حفظه قاله الذهبي وذهب بصره فدعا الله فرده الله عليه وروي أنه

(1)

مطالع الأنوار (2/ 354 - 355).

(2)

كشف المشكل (1/ 461).

(3)

تحفة الأبرار (3/ 215)، وشرح المشكاة (10/ 3072)، وكشف المناهج (4/ 183).

(4)

كشف المناهج (4/ 183).

ص: 495

رأى الخليل عليه السلام فمسح على عينه وقال ائت الفرات واغتمس فيه وافتح عينيك، فرد الله بصره، وثقه ابن مَعين وأبو حاتم قيل لابن مَعين فما الذي عبت عليه؟ قال أسند أحاديث لم يسندها غيره وقال الشعبي: عليكم بسماك وقال العجلي: هو تابعي جائز الحديث وكان عالما بالسير وأيام الناس فصيحا أخرج له مسلم وصحح له الترمذي وابن حبان والحاكم واستشهد له به البخاري وتوفي سنة ثلات وعشرين ومائة

(1)

قاله في شرح الإلمام.

خاتمة: قال العُلماء نهي عن الصلاة بعد الصبح الصحيح أن هذا النهي للتحريم والمراد بعد فعل الصبح وهذا الوقت قد يتسع لتقديم الصلاة في أول الوقت وقد يضيق بتأخيرها وقد لا يوجد أصلا كما لو سلم من الصبح عند طلوع الشمس وكذلك القول في العصر أي ونهي عن الصلاة بعد العصر أي بعد فعل العصر حتى تغرب الشمس

(2)

، واعلم أن أوقات الكراهة خمسة، وقتان يتعلقان بالفعل وهما بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر وهذان الوقتان قد يتسعان وقد يضيقان وقد لا يوجدان كما سبق ذكره ولو جمع العصر بوقت الظهر في السفر كرهت النافلة

(3)

وإن لم يدخل وقت العصر لأن

(1)

شرح الإلمام (1/ 287 - 293).

(2)

العدة (1/ 333 و 335)، وكفاية النبيه (3/ 504 - 508)، والنجم الوهاج (2/ 31)، وطرح التثريب (2/ 188).

(3)

القول التمام (ص 173).

ص: 496

الوقت متعلق بفرض العصر فيدخل في عموم الخبر صرح به في الكفاية

(1)

، وثلاثة أوقات متعلقة بالزمان الأول بعد طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح ويصفو بياضها والآخر عند استواء الشمس حتى تزول والآخر عند الاصفرار حتى تغرب

(2)

، والمعنى أنه يكره تأخير صلاة العصر إلى هذه الحالة فإن أخرها كره ووجب صلاة العصر قبل أن تغيب الشمس فإن قيل كيف يستقيم أن يكون وقت الاصفرار وقت الكراهة ووقت الإيجاب الفعل فيه والواجب لا يمكن وصفه بالكراهة، وجوابه: أن نفس التأخير هو المكروه ونفس إيقاع الصلاة لا كراهة فيه

(3)

، وكما تكره الصلاة في هذه الأوقات يكره دفن الميت فيها إذا تحرى ذلك، والأوقات المتعلقة بالزمان في حديث أبي سعيد الخدري، وقوله:"لا صلاة" عام في كلّ صلاة عند أبي حنيفة، وخصه الشافعي ومالك بالنوافل التي لا سبب لها، أما الفرائض الفوائت والنوافل ذات السبب فتفعل في سائر الأوقات

(4)

، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم:"من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها لا وقت لها إلا ذلك" انتهي، قاله الكمال الدميري

(5)

.

(1)

كفاية النبيه (3/ 508) والنجم الوهاج (2/ 31 - 32).

(2)

كفاية النبيه (3/ 504).

(3)

المجموع (4/ 170).

(4)

إحكام الأحكام (1/ 182).

(5)

النجم الوهاج (2/ 32).

ص: 497