الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعة فوجد الناس قد صلوا]
قوله: "الجماعة" الجماعة لفظها من الجمع وقد استعملوا ذلك في غير الناس حتى قالوا جماعة الشجر والأصل في مشروعيتها في الصلوات الخمس قوله: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ}
(1)
وإذا ثبتت في الخوف ففي الأمن أولى وكان صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يصلي بغير جماعة لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مقهورين يصلون في بيوتهم فلما هاجر إلى المدينة أقام الجماعة وواظب عليها وانعقد الإجماع عليها ونقل الزمخشري عن مقاتل بن حبان أنه سأل أبا حنيفة هل تجد صلاة الجماعة في القرآن قال: لا يحضرني، قال: في قوله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)}
(2)
وقال: ابن المبارك في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}
(3)
ونقل في الإحياء في آخر كتاب التوبة عن أبي سليمان الداراني أنه قال: لا تفوت أحدا صلاة الجماعة إلا بذنب أذنبه وروي البيهقي في الشعب عن نعيم بن حمَّاد قال: جاء ضمام بن إسماعيل إلى المسجد فوجد الجماعة قد فاتت فالزم نفسه أن لا يخرج من المسجد حتى يلقى الله تعالى فجعله بيته حتى
(1)
سورة النساء، الآية:102.
(2)
سورة الشعراء، الآية:219.
(3)
سورة آل عمران، الآية:103.
مات
(1)
وروى البيهقي في الشعب أيضًا عن ميمون بن مهران عن سعيد بن المسيب أنه مكث أربعين سنة ما لقي الناس خارجين من المسجد وهو داخل وكان يقول ما رأيتُ الناس منصرفين من المسجد منذ أربعين سنة ولا سمعتُ تأذينا في أهلي منذ ثلاثين سنة
(2)
وكان المزني رحمه الله إذا فاتته صلاة في جماعة صلى منفردًا خمسًا وعشرين صلاة استدراكًا لفضيلة الجماعة
(3)
انتهى. قاله الكمال الدميري
(4)
.
585 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "صَلَاة الرجل فِي جمَاعَة تضعف على صلَاته فِي بَيته وَفِي سوقه خمْسا وَعشْرين ضعفا وَذَلِكَ أَنه إِذا تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد لا يُخرجهُ إِلَّا الصَّلَاة لم يخط خطْوَة إِلَّا رفعت لَهُ بهَا دَرَجَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة فَإِذا صلى لم تزل الْمَلَائِكَة تصلي عَلَيْهِ مَادَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لم يحدّث اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارحمه وَلَا يزَال فِي صَلَاة مَا انْتظر الصَّلَاة" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه
(5)
.
(1)
الشعب (4/ 372 رقم 2670).
(2)
الشعب (4/ 370 رقم 2664 و 2665)
(3)
مناقب الشافعي (2/ 350).
(4)
النجم الوهاج (2/ 323 - 324).
(5)
أخرجه البخاري (477) و (647)(659) و (2119)، ومسلم (272 و 273 و 274 - 649)، وابن ماجه (786) و (799)، وأبو داود (559)، والترمذى (216) و (330).
قوله عن أبي هريرة تقدم الكلام على مناقبه، قوله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته خمسًا وعشرين ضعفًا" وفي بعض طرقه "درجة" فيحتمل أن يراد أن يصلي وحده في سوقه ويحتمل أن يراد أن يصلي في جماعة في السوق ولا يحصل له فضيلة جماعة المسجد قاله ابن عقيل في شرح الأحكام
(1)
.
قوله: "وذلك أنه أيضًا إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج على المسجد لا يخرجه إلا الصلاة" تقدم الكلام على ذلك قريبًا وتقدم الكلام أيضًا على الخطى والدرجات وحط السيئات.
قوله: "فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه ما لم يحدّث اللهم صلي عليه اللهم ارحمه" الحديث، الصلاة في اللغة الدعاء قال الله تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}
(2)
الآية أي ادع لهم والصلاة في الشرع: عبارة عن أركان معلومة وأفعال مخصوصة
(3)
، والصلاة من الله تعالى رحمة مقرونة بتعظيم، ومن الملائكة يعني استغفار، ومن الأدميين تضرع ودعاء
(4)
.
قوله: "ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة" أي يكتب له أجر المصلي قائمًا مادام قاعدًا ينتظر الصلاة وتقدم الكلام على ألفاظ الحديث مبسوطًا.
(1)
إحكام الأحكام (1/ 191)، وانظر المنتقى (1/ 229).
(2)
سورة التوبة، الآية:103.
(3)
انظر: البيان (2/ 7)، والعمدة (ص 53).
(4)
الإعلام (1/ 103).
586 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلَاة الْجَمَاعَة أفضل من صَلَاة الْفَذ بِسبع وَعشْرين دَرَجَة" رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
(1)
.
قوله: عن ابن عمر تقدم الكلام على مناقبه قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" الفذ: بالذال المعجمة المنفرد المصلي وحده وقد فذ الرجل عن أصحابه إذا شذ عنهم وبقي منفردا وفي حديث مسلم هذه الآية الفاذة الجامعة أي المنفردة في معناها والفذ أول سهام الميسر اعلم أن الفذ المذكور هو غير المعذور وأما المريض والمسافر وكل معذور فيكتب له فضلها وفيه خلاف قال عليه السلام: "إذا مرض العبد وسافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا وكذا الذي يصلي صلاة من الأرض وحده فإن صلاته بخمسين صلاة" كما رواه أبو داود قاله في شرح الإلمام قوله بسبع وعشرين درجة وفي حديث أبي هريرة بخمسة وعشرين جزءا وفي حديث أبي سعيد الخدري بخمس وعشرين درجة والكل في الصحيح وحديث أبي هريرة وابن عمر متفق عليهما وحديث أبي سعيد في البخاري.
قال: أبو عيسى الترمذي وعامة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: "خمسًا وعشرين" إلا ابن عمر فإنه قال: "بسبع وعشرين" فما وجه الجمع بينهما قال
(1)
أخرجه مالك (341)، والبخاري (645) و (649)، ومسلم (249 و 250 - 650)، وابن ماجه (789)، والترمذى (215)، والنسائي في المجتبى 2/ 281 (849) والكبرى (999).
الجمع بينهما أن تكون الدرجة أقل من الجزء وهو ضعف فكأن الخمسة وعشرين جزءًا إذا جزيت درجات فكانت سبعًا وعشرين درجة وقيل الدرجة غير الجزء وهو غفلة من قائله فقد ثبت فى بعض بخمس وعشرين درجة، وقيل أن السبع وعشرين وردت بعد الخمس والعشرين ولا حد ذكر القليل لا ينفي الكثير ولله تعالى أن يزيد من فضله ما يشاء، وقيل: أن قوله صلى الله عليه وسلم "بخمس وعشرين وبسبع وعشرين" راجع إلى أحوال المصلين وحال الجماعة فإذا كانت جماعة متوافرة وكان المصلي على غاية من التحفظ وكمال طهارة ومحافظته على هيائتها وخشوعها وشرف البقعة ونحوها كان هو الموعود بسبع وعشرين درجة إن كان على دون تلك الحالة كان هو الموعود بخمسة وعشرين درجة وقيل السبع والعشرين في العصر والصبح لمزيتهما على غيرهما فالمرجع في حقيقة ذلك إلى علوم النبوة التي قصرت عقول الألباب عن إدراك جملتها وتفاصيلها والله أعلم.
قال العُلماء رضي الله عنهم: استدل بهذا الحديث على صحة صلاة المنفرد لأن لفظة أفضل تقتضي الاشتراك في الأصل مع التفاضل في أحد الجانين وذلك يقتضي حصول فضيلة في صلاة المنفرد ولو كانت باطلة لم يكن فيها فضيلة، وفي الحديث دليل على عدم وجوب الجماعة لإثبات الفضيلة وذهب أبو داود إلى عدم صحة صلاة المنفرد وقال الجماعة شرط لصحة الصلاة وقال: الإمام أحمد بوجوبها فقال: من صلى وحده أثم وصحته والمختار عند الشافعية ونص عليه إمامهم أنها فرض كفاية وقيل سنة
وهو الأصح عند الرافعي وقيل فرض عين وسيأتي الكلام على من يقول بذلك في بابه فالمراد بالدرجة المذكورة في الحديث شرف المنزلة في الجنة لا مجرد الحسنة وقيل أيضًا لبعض العُلماء في طريق الجمع بين الأحاديث أن الدرجة أقل من الجزء كما تقدم فتكون الخمسة والعشرون جزء أقل من الدرجة وهذا القدر حدث لا دليل عليه والجواب ما ذكر من وجهين آخرين أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أولا بخمس وعشرين ثم أخبر ثانيا بالسبع والعشرين فيكون في ذلك البشارة مرتين ومن فوائد ذلك تنشيط النفس ومسارعتها إلى ما يحصل ذلك، الوجه الثاني أنه يحتمل أنه أوحي إليه أولا الخمس والعشرين فبشر به ثم أوحي إليه الزيادة فبشر بها وقد وردت البشارة ثلاثًا في قوله صلى الله عليه وسلم "ألا ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة" فكبرنا ثم قال "ألا ترضون أن تكونوا نصف أهل الجنة" فكبرنا ثم قال صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة عشرون ومائة صنف منها ثمانون من هذه الأمة" قيل وإنما كانت الثمانون من هذه الأمة لأن الله تعالى سماهم الوارثين قال الله تعالى:{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)}
(1)
ودار الجنة هي دار أبينا آدم صلى الله عليه وسلم والورثة يكون لهم الثلثان بطريق الأرث. والبقعة لغيرهم بطريق الوصية وأمته صلى الله عليه وسلم هم الوارثون جعلنا الله تعالى من أمته قيل وإنما كانت العدة سبعا وعشرين لأن الحسنة بعشر أمثالها والجماعة مأخوذة من الجمع فإذا صلى ثلاثة أنفس كانت صلاتهم
(1)
سورة المؤمنون، الآية:10.
ثلاثين حسنة ثلاثة أصول وسبعا وعشرين تضعيف فتكتب ذلك لكل واحد وهذا يقتضي أن هذا الثواب لا يحصل لصلاة الواحد ومذهب الشافعي زيادة الفضيلة بزيادة الجماعة وظاهر مذهب مالك رحمه الله تعالى تساوي الجماعة كلها في الفضل.
وذكر الحليمي في المنهاج ما يقتضي أنه لم يقصد بالسبع والعشرين هنا حقيقة العدد وإنما قصد به المبالغة لأن السبع والسبعين نقصد بهما المبالغة والكثرة فقول العرب سبع الله لك الأجر وإن ذلك راجع إلى تحصيل أنواع من العبادات لمن أتى الجماعة فإنه قال: يحتمل أنما فضلت الجماعة على الفذ بسبع وعشرين لأن كلّ صلاة أقيمت في الجماعة كصلاة يوم وليلة إذا أقيمت لا في جماعة لأن فرائض اليوم والليلة سبع عشرة ركعة والرواتب عشر فالجميع سبع وعشرون قال، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى ما فيها من الفوائد العايدة على المصلى من أمنه من السهو عن بعض الأركان وما في الجماعة من أظهار شعائر الدين وما فيها من كثرة العمل وانتظار الصلاة والمشي إليها والاجتماع على جماعة المسلمين وتفقد أحوالهم إفشاء السَّلام بينهم وسؤال بعضهم عن بعض وأدى اجتماعهم إلى إنشاء المساجد وعمارة مستهدمها ونصب مؤذن وإمام وتشبيه صلاتهم بالجمعة التي هي أكمل الصلوات وإيقاع الصلاة في أول الوقت غالبا بخلاف المنفرد فإنه يتكاسل فيؤخذ وما فاته الوقت تنبيه وهذا الحديث يقتضي أن يكون الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم سبع وعشرين ألفًا لأن صلاة الفذ فيه بألف صلاة
وكذلك مسجد مكة بمائة ألف مضروبة في سبع وعشرين ومسجد بيت المقدس في خمسمائة جزء وظاهر الحديث أن الاثنين جماعة لوجود مسمى الاجتماع فيهما وهو أحد القولين في مسمى الجمع هو مذهب الشافعي وقال: مالك لا يكونان جماعة إلا أن يكون إماما راتبا والله أعلم.
تتمه: أورد القرافي هنا سؤالا بناه على قاعدة أن ثواب الواجب أعظم من ثواب المندوب حتى لو تصدق الإنسان بعشرة آلاف دينار كان دينار الزكاة أفضل وإن كانت مصلحة العشرة آلاف أعظم فإذا تقرر هذا فالشارع صلى الله عليه وسلم رتب السبع والعشرين درجة على صلاة الجماعة ومجرد الصلاة في الجماعة مندوبة ولم يرتب على صلاة وحدها التي هي واجبة عليه إلا درجة واحدة وكان الجاري على القاعدة أن يكون السبع والعشرون على الفرض والدرجة على الجماعة وأجاب عنه بأن في المندوب مما يكون ثوابه أعظم من ثواب الواجب في ذلك صور معروف واستدل جملة من العُلماء بهذا الحديث على استوا الجماعة في الفضل وهو مذهب مالك وتقدم ذلك لأن القياس لا يدخل في الفضائل، ومذهب الشافعي والجمهور والتفضيل بذلك استدلالا وما كثر هو أحب إلى الله تعالى انتهى.
فائدة: فتستحب صلاة الفرض في المسجد وفي الجماعة سواء وجد فيه جماعة أو لا لشرف البقعة وإحياء المسجد بالذكر والتلاوة وإقامة لشعائر العبادة فيه، وللمسجد والجماعة أحكام يمتازا بها على غيرهما، منها: أن في صلاة الجماعة الإيتلاف وجمع القلوب ودعا بعضهم لبعض فيغفر للبعض
ببركة البعض، ومنها أن الجماعة غيظ للكفار إذا شاهدوا اجتماع المسلمين وإهتمامهم بأمر دينهم، ومنها: أن الصلاة في المسجد مضاعفة وإن صلى الإنسان فيه وحده، ومنها: أن من قصد الصلاة مع الجماعة ولم يدركهم كتب له أجر الجماعة لصلاته وحده ويعضد ذلك أحاديث وردت بذلك، منها حديث أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أتى المسجد لشيء فهو حظه" ومنها أن الله تعالى يعطي قاصد المسجد ثوابا زائدا على فضل الجماعة حيثما رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح" وغير ذلك من الأحاديث، ومنها أنه يكتب له أجرهم قائما مادام قاعدا ينتظر الصلاة وفي رواية أبي هريرة في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال العبد في صلاة ما كان في صلاة ينتظر الصلاة، ومنها التشبيه بالملائكة المقربين حيث يقولون وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون، ومنها التشبيه بصفوف المجاهدين الذين قال الله في حقهم:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)}
(1)
، ومنها: أن صلاة بعضهم خلف بعض أخضع ومن التجبّر أبعد، ومنها: أنه إذا دخل مع الجماعة من لا يحسن الصلاة تعلم منهم وصلى بصلاتهم فيكون في ذلك إعانة على البر والتقوي، ومنها: أن في الاقتداء بالإمام إظهارًا للانقياد والطاعة. ومنها: أن
(1)
سورة الصف، الآية:4.
القبلة هي البيت وعنده كانت إمامة جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن المصلين جماعة حول البيت عليهم استيفاء جميع جهاته بخلاف المنفرد، ومنها: تسليم بعضهم على بعض والعام يدعو لنفسه وللقوم وكل من القوم يدعو ويؤمن لنفسه وللقوم، ومنها: تشبهها بالحج وبالصوم لأن المسلمين يحجون معا ويصومون معا فناسب أن يصلوا معا وفي الجماعة إظهارا لاحتياج إلى غيره ليصلي فيقوى وفي الجماعة سببٌ لجهر الإمام في بعض الصلوات لولا الجماعة ما يحصل الجهر الذي هو زيادة في الخير، ومنها: أن الجماعة قريبة الفرض لأن الجماعة من مناسك الحج فناسب أن يجعل من مناسك الصلاة، ومنها: أن الجماعة نصرة حاضرة لو وقع خوف حرس بعضهم بعضا وصلاة الانفراد خذلان ووحشة، ومنها: ما ذكره النيسابوري أنه ما اجتمع أربعون رجلًا إلا كان فيهم عبد صالح لله عز وجل فبركته ترحم البقية ويسجد لهم وفي الصحيح من صلى عليه أربعون رجلًا شفعوا فيه، ومنها: أن الإنسان إذا ادعى لنفسه وحده واستجبت له داخله العجب والربا بخلاف ما إذا دعا والقوم يؤمنون فإنه يجوز أنه إنما استجبت له ببركة أدعيتم تأمينهم، ومنها: أن من شهد بتكبيرة الإحرام أربعين يومًا مع الإمام كتب له براتان براة من النفاق وبراة من النار كما ورد في الحديث سيأتي وتحصل هذه الفضيلة يعني فضيلة تكبيرة الإحرام بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم الإمام من غير وسوسة ظاهر كما قاله النووي في شرح المهذب ووهم من نفل عن شرح المهذب خلاف ذلك، ومنها: ما ذكره
بعضهم أن المياه المتفرقة فإنها تحمل النجاسة تلك الجماعة تدفع عنها دنس الذنوب لاجتماعها بخلاف المنفرد، ومنها: أن الشيطان لا يقوى على الجماعة وقوى على الواحد وإنما يأخذ الذئب من الغنم القاسية أي البعيدة المنفردة عن الجماعة، ومنها أن من أتى المسجد والجماعة تكتب أجرها به ورجوعه إلى منزله. قال صلى الله عليه وسلم: لأبي كعب أن الله قد أعطاك ذلك كله الحديث، ومنها: أن المنفرد لا تكتب له فيها إلا ما عقل كما ورد في الخبر وصلاة تكتب له أجر صلاته كاملا وإن لم تحضر فإنه فيها كلها لأنه إذا حضر قلب غيره فيها ينهى عنه تلفقت صلاة الجميع، ومنها: إن طباعة تسوق من طباع أهل الخير ومن شاهد المفلحين أفلح والطبع لص، ومنها: إذا حضر الجماعة عمت بركتهم وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم "الحيض وذوات الخدور أن يحضرن يوم العيد" فصلى المسلمين يشهدن الخير ودعوة المسلمين والمعنى فيه أن من حضر القسمة قسم له والخير يقسم على الجماعة، ومنها: أن الله تعالى يقول في الجلسين الذاكرين: "هم القوم لا يشقى بهم جليسيهم" فمن جالس الجماعة الملعونة مثل الظلمة وأعوانهم شاربي الخمر ولعبة النرد والمجتمعين على اللهو والطرب إذا نزلت اللعنة عليهم أصابت من جالسهم وفي الحديث "من كثر سواد قوم فهو منهم ومن أحب قوما حشر معهم" وقال: عمر رضي الله عنه لا تدخلوا عليهم كنائسهم فإن السخط ينزل عليهم، ومنها: أنه روي الأثران أنه من صلى الجماعة استحيا الله تعالى أن يرد دعوته رواه أبو نعيم في الحلية، ومنها: أن من شهد العشاء في جماعة كتب له قيام
نصف ليلة وإن صلى الصبح في جماعة كتب له قيام ليلة قال ابن حزم وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى العشاء والصبح في جماعة كتب له قيام ليلة"، ومنها: أن الملائكة تصلي على منتظر الجماعة يقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه أو يحدّث ومنها: أن من خرج إلى المسجد لقصد الجماعة كتب له من كلّ خطوة حسنة وحطت عنه بكل خطوة سيئة ورفع الدرجة فإذا حضر المسجد وانتظر الصلاة كتب له أجر مصلٍ
(1)
. فهذه الخصال التي تقدمت تنبيه على ما سواها من أنواع العبادات والله أعلم.
587 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ من سره أَن يلقى الله غَدا مُسلما فليحافظ على هَؤُلاءِ الصَّلَوَات حَيْثُ يُنَادى بِهن فَإِن الله تَعَالَى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنَن الْهدى وإنهن من سنَن الْهدى وَلَو أَنكُمْ صليتم فِي بُيُوتكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا المتخلف فِي بَيته لتركتم سنة نَبِيكُم وَلَو تركتُم سنة نَبِيكُم لَضَلَلْتُمْ وَمَا من رجل يتَطَهَّر فَيحسن الطّهُور ثمَّ يعمد إِلَى مَسْجِد من هَذِه الْمَسَاجِد إِلَّا كتب الله لَهُ بِكُل خطْوَة يخطوها حَسَنة وَيَرْفَعهُ بهَا دَرَجَة ويحط عَنهُ بهَا سَيِّئَة وَلَقَد رَأَيْتنَا وَمَا يتَخَلَّف عَنْهَا إِلَّا مُنَافِق مَعْلُوم النِّفَاق وَلَقَد كَانَ الرجل يُؤْتى بِهِ يهادي بَين الرجلَيْن حَتَّى يُقَام فِي الصَّفّ وَفِي رِوَايَة لقد رَأَيْتنَا وَمَا يتَخَلَّف عَن الصَّلَاة إِلَّا مُنَافِق قد علم نفَاقه أَو مَرِيض إِن كَانَ الرجل ليمشي بَين رجلَيْنِ حَتَّى يَأْتِي الصَّلَاة وَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم علمنَا سنَن الْهدى وَإِن من سنَن
(1)
تسهيل المقاصد (لوحة 37 و 38 و 39)، وكشف الأسرار (لوحة 40 و 41).
الْهدى الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الَّذِي يُؤذن فِيهِ رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه.
(1)
قَوْله: يهادي بَين الرجلَيْن يَعْنِي يرفد من جَانِبه وَيُؤْخَذ بعضده يمشى بِهِ إِلَى الْمَسْجِد.
قوله: عن ابن مسعود تقدم الكلام على مناقبه، قوله:"من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يتأدى هن" الحديث المحافظة المراقبة يقال: أنه لذو حفاظ ومحافظة إذا كانت له أنفة والتحفظ التيقظ وقلة الغفلة قال: الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}
(2)
قال: مسروق المحافظة عليها مراعاة وقتها والسهو عنها ترك وقتها قوله: قال: الله تعالى مشرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وأنهن من سنن الهدى سنن الهدى روي بضم السين وفتحها حكاه القاضي عياض وهما بمعنى متقارب أي طريق الهدى والصواب قوله ممن يعمد إلى مسجد من هذه المساجد يعمد بكسر الميم في المضارع وفتحها في الماضي لغتان أي يقصد وتقدم قوله ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف أي يرفد من جانبيه ويؤخذ بعضده يمشى به إلى المسجد قاله الحافظ.
(1)
أخرجه مسلم (256 و 257 - 654)، وابن ماجه (777)، وأبو داود (550)، والنسائي في المجتبى 2/ 289 (861) والكبرى (1010).
(2)
سورة البقرة، الآية:138.
وقال في الميسر
(1)
: ولعل هذا اللفظ أخذ من الهادي وهو العنق لأن الماشي من اثنين يميل عنقة تارة إلى ذاك وتارة إلى هذا. ويؤيد هذا التفسير ما روي في حديث الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة وفيه مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه شدة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه تخطان الأرض فدخل المسجد، الرجلان هما العبَّاس وعلي رضي الله عنهما، والتهادي المشي الثقيل مع التمايل، من تهادت المرأة في مشيتها إذا تمايلت وكل من فعل ذلك بأحد فهو يهاديه ويقال: أيضًا جاء فلان يهادي بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه متمايلا إليهما والله أعلم. وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة وتحمل المشقة في حضورها أنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها والله أعلم، قاله النووي.
واعلم أن الجماعة تحصل بصلاة الرجل في بيته مع زوجته وغيرها لكنها في المسجد أفضل وحيث كان الجمع في أكثر فهو أفضل كما تقدم عن الشافعي خلافا لمالك فلو كان بقربه مسجد قليل الجمع وبالبعد مسجد كثير الجمع فالبعيد أفضل إلا في حالين إحداهما أن تعطل جماعة القريب بعدوله عنه، الثانية: أن يكون إمام البعيد مبتدعا كالمعتزلي وغيره وكذا لو كان حنفيا لأنه لا يعتقد وجوب بعض الأركان وكذا المالكي وغيره والفاسق كالمبتدع
(1)
(1/ 299). [178 نسخة مغربية]
وأشد الفساق قضاة الظلمة والرشاق قال أبو إسحاق إن الصلاة منفردًا أفضل من الصلاة خلف الحنفي.
فرع: لو أدرك المسبوق الإمام قبل أن يسلم أدرك فضيلة الجماعة على الصحيح الذي قطع به الجمهور لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا جاء أحدكم ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئًا ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة" رواه أبو داود بإسناد لم يضعفه.
فرع آخر: ما يشاهد كثيرًا من المسبوق حال شروع الإمام في التلفظ بالسلام من غير نية مفارقة الإمام ظنا منه أن القدوة انقطعت بمجرد شروع الإمام في السَّلام وليس كذلك بل لا يجوز له القيام حتى يتم الإمام السَّلام الأول من قام قبل تمامه عمدا بطلت صلاته ومن أن لا يقوم حتى يسلم الإمام التسليمين فيجب على من باب يفعل ذلك أن يكون وبنهه على بطلان صلاته وتذكر أن بعضهم يدرك الإمام فيكبر عجلا واحدة ويركع معه وهذه البكيرة أن نوى بها تكبيرة الإحرام فتحت فلا تهوان نوى تكبيرة الركوع أو هما جميعا أو لم ينو بهما شيئًا لم نعتقد صلاته والله أعلم، قاله ابن النحل في تنبهه فرع أخر الواجب تسليمه واحدة وأما الثانية لو تركها لم تصوم الواجب من لفظ السَّلام أن يقول السَّلام عليكم وأن قال: سلام عليكم يجزئه على الصحيح فلو قال: السَّلام عليك أو سلامي عليكم أو سلام الله عليكم لم يجزيه شيء من هذا بلا خلاف إلا في قوله السَّلام عليهم فإنها لا تبطل صلاته به لأنه دعا والله أعلم قاله النووي.
فرع: آخر لو كان في البلد مساجد متفرقة فالأولى إقامة الجماعة فيها متفرقة فيها وإن كان الجمع الكثير أفضل لأن في إقامة الجماعة في جميعها إظهارا للنهار وانتشاره في البلد لئلا يؤدي إلى تعطيل المساجد وروى عنه صلى الله عليه وسلم "يصلي الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتبع المساجد" انتهى.
588 -
وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فضل صَلَاة الرجل فِي الْجَمَاعَة على صلَاته وَحده بضع وَعِشْرُونَ دَرَجَة وَفِي رِوَايَة كلهَا مثل صلَاته فِي بَيته رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه بِنَحْوِهِ
(1)
.
قوله: عنه تقدم الكلام على مناقبه "الصلاة في الجماعة على صلاته وحده" بضع وعشرون درجة الحديث البضع بكسر الباء وهو من الثلاث إلى التسع.
فائدة: ما الحكمة في الجماعة قيل: لأن المذنب إذا اعتذر من ما يجتمع الشفاء والمسلى يعتذر لأن طالب الحاجة يأتي بالشفعا لتقض حاجته في الصلاة ضاف ومائدة والكريم لا يطبع المائدة إلا لجماعة كبيرة وأيضًا لأن
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (190) والمصنف 2/ 226 (8389)، وأحمد 1/ 376 (3564) و (3567) و 1/ 382 (3623) و 1/ 423 (4159) و 1/ 452 (4323 و 4324) و 1/ 465 (4433)، والبزار (2057 و 2058)، وأبو يعلى (4995)، وابن خزيمة (1470)، والطبراني في الأوسط (3/ 94 رقم 2597) و (10/ 104 - 105 رقم 10099 و 10100 و 10101 و 10102 و 10103 و 10104). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 38: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في الكبير والأوسط - وهو الذي قال: في بيته في الكبير ورجال أحمد ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (405).
عمل الواحد. قال: جعفر سبحان من ستر علينا القبائح ونشر منا المذاع.
589 -
وَعَن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن الله تبارك وتعالى ليعجب من الصَّلَاة فِي الْجمع رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن
(1)
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عمر بِإِسْنَاد حسن
(2)
.
قوله: عمر بن الخطاب تقدم الكلام على فضائله.
قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليعجب من الصلاة في الجمع .. الحديث
(3)
.
590 -
وَعَن عُثْمَان رضي الله عنه أَنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من تَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء ثمَّ مَشى إِلَى صَلَاة مَكْتُوبَة فَصلاهَا مَعَ الإِمَام غفر لَهُ ذَنبه رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه
(4)
.
(1)
أخرجه ابن عدى في الكامل (3/ 31). قال ابن عدي وهذا الحديث قد شوش إسناده حمَّاد بن قيراط. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 39: رواه أحمد وإسناده حسن.
(2)
أخرجه أحمد 2/ 50 (5112)، والطبراني في الكبير (13/ 233 رقم 13966) و (13/ 289 رقم 14060)، وابن عدى (3/ 31). قال ابن عدي وهذا أشبه الذي جاء به الترجماني عن صالح المري من رواية حمَّاد بن قيراط عن صالح الذي ذكرته ولحماد بن قيراط غير ما ذكرت من الحديث وعامة ما يرويه فيه نظر. وقال الدارقطني في العلل (3028): يرويه مرثد بن عامر الهنائي، عن بشر بن حرب، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وخالفه حمَّاد بن زيد، رواه عن بشر بن حرب، عن ابن عمر، موقوفًا. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 39: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. وحسنه الألباني في الصحيحة (1652) وصحيح الترغيب (406).
(3)
بياض بمقدار أقل من سطر.
(4)
أخرجه ابن خزيمة (1489). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (407).
قوله: عن عثمان تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى صلاة مكتوبة صلاها مع الإمام غفر له ذنبه" تقدم الكلام على هذا الحديث.
591 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتَانِي اللَّيْلَة آتٍ من رَبِّي وَفِي رِوَايَة رَأَيْت رَبِّي فِي أحسن صُورَة فَقَالَ لي يَا مُحَمَّد، قلت لبيْك رب وَسَعْديك قَالَ هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الأعْلَى قلت لا أعلم فَوضَع يَده بَين كتِفي حَتَّى وجدت بردهَا بَين ثديي أَو قَالَ فِي نحري فَعلمت مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض أَو قَالَ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قَالَ يَا مُحَمَّد أَتَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الأعْلَى قلت نعم فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات وَنقل الأقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات، وإسباغ الْوضُوء فِي السبرات وانتظار الصَّلَاة وَمن حَافظ عَلَيْهِنَّ عَاشَ بِخَير وَمَات بِخَير وَكَانَ من ذنُوبه كيَوْم وَلدته أمه قَالَ يَا مُحَمَّد قلت لبيْك وَسَعْديك فَقَالَ إِذا صليت قل اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل الْخيرَات وَترك الْمُنْكَرَات وَحب الْمَسَاكِين وَإِذا أردْت بعبادك فتْنَة فاقبضني إِلَيْك غير مفتون قَالَ والدرجات إفشاء السَّلَام وإطعام الطَّعَام وَالصَّلاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب
(1)
.
الْمَلأ الأعْلَى هم الْمَلَائِكَة المقربون، والسبرات بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة
(1)
أخرجه أحمد 1/ 368 (3484)، وعبد بن حميد (682)، والترمذى (3233 و 3234)، والبزار (4727)، وأبو يعلى (2608). وصححه الألباني في الإرواء (684) وصحيح الترغيب (194) و (302) و (408) و (451).
وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة جمع سُبْرَة وَهِي شدَّة الْبرد.
قوله: عن ابن عباس تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني أت من ربي" وفي رواية "رأيتُ ربي في أحسن صورة" الحديث قيل رؤية العبد لله تعالى عبارة عن علمه به ولما كان علمه عليه السلام بربه تعالى أتم المعلوم تكون رؤيته على أحسن الصور والصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته وعلى معنى صفته يقال: صورة الفعل كذا كذا أي هيئته وصورة الأمر كذا وكذا: أي صفته فيكون المراد بما جاء في الحديث أنه أتاه في أحسن صفة ويجوز أن يعود المعنى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي أتاني ربي وأنا في أحسن صورة وتجري معاني الصورة كلها عليه إن شئت ظاهرها أو هيئتها أو صفتها فأما إطلاق ظاهر الصورة على الله تعالى فتعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا قاله في النهاية
(1)
.
فائدة: كان نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحوال مختلفة جمعها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فمنها النوم كما في حديث ابن إسحاق وكما قالت عائشة رضي الله عنها أيضًا أول ما يبدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة وفي بعض النسخ الصالحة وقد قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}
(2)
فقال: ابنه {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}
(3)
فدل على أن الوحي كان يأتيهم في النوم كما
(1)
النهاية (3/ 58 - 59).
(2)
سورة سورة الصافات، الآية:102.
(3)
سورة سورة الصافات، الآية:102.
يأتيهم في اليقظة، ومنها أن ننفث في روعه الكلام نفثا والنفث أقل من البزق كما قال: عليه السلام أن روح القدس وهو جبريل عليه السلام نفث في روعي أي في قلبي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ورزقها الحديث، وقال: مجاهد وأكثر المفسرين قوله سبحانه وتعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا}
(1)
قال: أن نفث في روعه بالوحي، ومنها أن يأتيه الوحي في مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليه وقيل أن ذلك ليستجمع قلبه عند تلك الصلصلة فيكون أوعى لما يسمع والقن لما يلقى، ومنها أن يصلى له الملك رجلًا فقد كان يأتيه في صورة دحية بن خليفة ويروي أن دحية ابن خليفة كان إذا قدم المدينة لم تبق معر إلا خرجت ينظر إليه لفرط جماله وقال: ابن سلام في قوله تبارك وتعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}
(2)
قال: كان اللهو نظرهم إلى وجه دحية كماله، ومنها أنه ترأى له جبريل في صورته التي خلقه الله تعالى فيها له ستمائة جناح ينتشر منها اللؤلؤ والياقوت وقد رآه صلى الله عليه وسلم في صورته مرتين، منها أن يكلمه الله من وراء حجاب أما في اليقظة كما في حديث الإسراء والصحيح في الإسراء أنها يقظة وأما في النوم كما في حديث ابن عباس هذا أماني ربي في أحسن صورة أو قال: رأيتُ ربي في أحسن صورته وقال يا محمد الحديث، ومنها أن كلمه الله من وراء حجاب أما في اليقظة كما في حديث الإسراء الصحيح، ومنها نزول إسرافيل عليه السلام بكلمات
(1)
سورة الشوري، الآية:51.
(2)
سورة الجمعة، الآية:11.
من الوحي قبل جبريل عليه السلام فقد ثبت بالطرق الصحيحة عن عامر بن شراحبيل الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل به إسرافيل صلى الله عليه وسلم فكان يترائي له ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة والشيء من الوحي ثم وكل به جبرائيل صلى الله عليه وسلم فجاءه بالقرآن والوحي ووقع لبعضهم أنه ميكائيل صلى الله عليه وسلم ومن قال ذلك قال لم ينزل عليه قرآن معهما والمشهور أن جبرائيل عليه السلام ابتدئ بالوحي إن الرؤيا لما كانت لنبي فهو وحي وإن كانت لغيره فليست وحيا وذكر بعضهم أن مدّة الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم بالرؤيا قبل الوحي إليه لمجيء الملك إليه ستة أشهر وجعل هذا توجيها لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة" لأن مدة حياته صلى الله عليه وسلم بعد النبوة ثلاث وعشرون سنة فنصف سنة هي جزء من ستة وأربعين جزءا وهذا محتمل قال السهيلي فهذه السبع صور في كيفية نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أر أحدا جمعها هذا الجمع ذكره في الروض الأنف على سيرة ابن هشام
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "قال هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى قلت لا أعلم" أي تتمنى الملائكة أن يفعلوا مثل فعل بنو آدم من الخصال التي ترفع الدرجات وتقدم معنى الاختصام في حديث تقدم والملأ الأعلى هم أكابر الملائكة المقربون والمراد جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم الصلاة والسلام
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فوضع يده بين كتفي"، والمراد الإحسان الذي به خصه في
(1)
الروض الأنف (2/ 393 - 396).
(2)
النهاية (4/ 351).
ذلك الوقت وفي رواية فوضع كفه وضع الكف عبارة عن التنبيه والعناية وكفه أي كنفه ولطفه ورحمته
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "بين كتفي حتى وجدت بردها ما بين ثديي وكتفي" وثديي على التثنية وفيه اطلاق اسم الثدي على جملة الرجل هذا هو الصحيح ومنهم من منعه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى وجدت بردها" وجدان البرد عبارة عن وصول الفيض إلى قلبه وتأثره عنه ورسوخه فيه
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فعلمت ما في السموات والأرض" أو قال: "ما بين المشرق والمغرب" هذا شك من الراوي فالعلم علمان علم مكسوب وموهوب فالمكسوب ما يأتي بالدرس والموهوب علم الله تعالى الذي يهبه لأنبيائه عليهم الصلاة والسلام كعلم الخضر حيث قال فيه: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}
(3)
وكعلم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال فيه: "وضع ربي يده بين كتفي ووجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السموات وما في الأرض" هذا الحديث ذكره صاحب زهر الكمام في قصة يوسف عليه السلام"
(4)
.
(1)
هذا التأويل ذكره ابن فورك في مشكل الحديث (ص 79) والتوربشتى كما في الميسر (1/ 210)، ومذهب أهل السنة كما ذكره الدارقطني وغيره إثباتها دون الخوض في تأويلها وحملها على ظاهرها كما جاءت.
(2)
شرح المشكاة (3/ 946).
(3)
سورة الكهف، الآية:65.
(4)
شرح المشكاة (3/ 946) ولم أعثر على الحديث في زهر الكمام.
قوله: "أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى قلت: نعم في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات" تقدم الكلام على الثلاث الأول وإسباغ الوضوء فى السبرات أى فى شدة البرد والسبرات جمع سبرة وهي شدة البرد.
قوله: "وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه" يعني لا ذنب له والمراد بذلك غفران الذنوب الصغائر دون الكبائر فإن الكبائر لا تغفر إلا بالتوبة كما تقدم.
592 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَو يعلم هَذَا المتخلف عَن الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة مَا لهَذَا الْمَاشِي إِلَيْهَا لأتاها وَلَو حبوا على يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي حَدِيث يَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي ترك الْجَمَاعَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(1)
.
قوله: عن أبي أمامة تقدم الكلام على.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم هذا المتخلف عن الصلاة في الجماعة ما لهذا الماشي من الأجر" والثواب.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لأتاها لو حبوا على يديه ورجليه" والحبو أن يمشي (على يديه ورجليه) أو استه
(2)
قال صاحب المجمل حبا الصبي إذا مشى على أربع
(3)
ونصب حبوا أي ولو حبا حبوا.
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 224 رقم 7886). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 43: رواه الطبراني في الكبير وفيه علي بن يزيد الألهاني عن القاسم وقد ضعفهما الجمهور واختلف في الاحتجاج بهما. وقال الألبانى: منكر الضعيفة (6722) وضعيف الترغيب (222) و (234).
(2)
النهاية (1/ 336).
(3)
مجمل اللغة (ص 262).
593 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صلى لله أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جمَاعَة يدْرك التَّكبِيرَة الأولى كتب لَهُ براءتان بَرَاءَة من النَّار وَبَرَاءَة من النِّفَاق رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ لا أعلم أحدا رَفعه إِلَّا مَا روى مُسلم بن قُتَيْبَة عَن طعمة بن عَمْرو
(1)
.
قَالَ المملي رضي الله عنه وَمُسلم وطعمة وَبَقِيَّة رُوَاته ثِقَات وَقد تكلمنا على هَذَا الحَدِيث فِي غير هَذَا الْكتاب.
قوله: عن أنس تقدم الكلام مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى" الحديث.
واعلم أن الصلاة لا تصح بدون تكبيرة الإحرام فريضة كانت أو نافلة والتكبيرة عند الشافعي رحمه الله والأكثرين [جزء] من الصلاة وركن من أركانها وعند أبي حنيفة هي شرط ليست من نفس الصلاة
(2)
.
واعلم مسألة: أما إدراك المأموم الإمام راكعا ذكروا له أحوال خمسة إحداها أن ينوي بها تكبيرة الإحرام فتصح فريضته والثانية أن ينوي بها تكبيرة الهوي فلا تنعقد صلاته، والثالثة أن ينويهما جميعا فلا تنعقد الصلاة نفلا ولا فرضا على الأصح، والرابعة أن يطلق فلا ينوي فرضا ولا نفلا فلا
(1)
أخرجه الترمذى (241)، والبيهقى في الشعب (4/ 345 رقم 2612 و 2613). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (409).
(2)
الأذكار (ص 101).
تنعقد صلاته على الصحيح، الخامسة: أن يقصد بالأولى تكبيرة الإحرام ثم يأتي بتكبيرة أخرى قاصدا بها تكبيرة الإحرام فتبطل صلاته بالثانية
(1)
انتهى.
[عدد التكبيرات فى الصلوات الخمس أربع وتسعون تكبيرة وهو سنة خلافا لأحمد فإنه أوجبها فى رواية وأجمعوا على وجوب تكبيرة الإحرام ولفظ التكبير أن تقول الله أكبر أو تقول الله الأكبر فهذان جائزان عند الشافعى وأبى حنيفة وآخرين ومنع مالك الثاني، فالاحتياط أن يأتي الإنسان بالأول ليخرج من الخلاف، ولا يجوز التكبير بغير هذين اللفظين. فلو قال: الله العظيم، أو الله المتعال، أو الله أعظم، أو أعز، أو أجل، وما أشبه هذا، لم تصح صلاته عند الشافعي والأكثرين، وقال أبو حنيفة: تصح
(2)
. قال النووى وإنما تحصل بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه؛ لأن الفضل معلق في الحديث بالإدراك، وإذا لم يتعقبه .. لم يسم مدركا، وفي (الصحيحين)(إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر .. فكبروا)، والفاء للتعقيب قال الرافعي: هذا إذا لم تكن وسوسة ظاهرة، فإذا منعته الوسوسة عن التعقيب .. حصلت الفضيلة كما جزم به في (التحقيق) و (شرح المهذب) وجزم في (شرح المهذب) بأن الوسوسة في القراءة ليست عذرا في التخلف عن الإمام بتمام ركعتين فعليتين والفرق: أن المخالفة في الأفعال أشد منها في الأقوال وفي (الاستيعاب) في ترجمة على: أن ابن مسعود قال: الوسوسة برزخ بين الشك
(1)
الروضة (1/ 374).
(2)
الأذكار للنووى (ص 99 - 100)، والقول التمام (ص 46).
اليقين، قال:(وقيل: بإدراك بعض القيام)؛ لأنه محل التكبيرة الأولى، قال:(وقيل: بأول ركوع)؛ لأن حكمه حكم قيامها، بدليل إدراك الركعة بإدراكه مع الإمام، ولأنه معظمها، واختاره القفال، والوجهان فيمن لم يحضر إحرام الإمام، أما من حضر وأخر فقد فاتته فضيلة التكبيرة وإن أدرك الركعة وفي وجه رابع: ما لم يشرع في (الفاتحة)، وخامس: إن اشتغل بأمر دنيوي لم يدرك بالركوع، أو بعذر أو سبب للصلاة كالطهارة أدرك، ولو خاف فوت هذه التكبيرة لم يسرع عند الأكثرين، بل يمشى بسكينة والله تعالى أعلم
(1)
.
تنبيه: كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: "الله أكبر". ولم يقل شيئًا قبلها، ولا تلفظ بالنية، هذه واحدة، والثانية قوله:"ولا قال: أصلي" والثالثة "صلاة" والرابعة "كذا" أي: الصبح مثلا، والخامسة "مستقبل القبلة" والسادسة "أربع ركعات" والسابعة "إمامًا أو مأمومًا" والثامنة "ولا أداء" والتاسعة "ولا قضاء" والعاشرة "ولا فرض الوقت، قال: وهذه عشر بدع" علم عدها، "لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أحد قط بإسناد صحيح، ولا ضعيف ولا مسند" أي: موصول، "ولا مرسل لفظة واحدة ألبتة"، "بقطع الهمزة"، "بل ولا عن أحد من الصحابة، ولا استحبه أحد من التابعين، ولا الأئمة الأربعة"
(2)
والله أعلم قاله فى تهذيب النفوس].
قوله صلى الله عليه وسلم: في الحديث "كتب له براءتان براءة من النار" براءة أي خلاص.
(1)
النجم الوهاج (2/ 329 - 330).
(2)
زاد المعاد (1/ 194).
قوله صلى الله عليه وسلم: "براءة من النفاق" أي نجاة لأن من سعى في الصلوات حتى يدرك التكبيرة الأولى مع الإمام فهذا الحرص منه على الصلاة يدل على كمال إيمانه لأن المنافق فيصلى بالجماعة حتى تفوته بعض الركعات لعدم اهتمامه بنيل ثواب الله
(1)
.
اعلم فائدة: ما أحدث من الوسوسة في نية الصلاة بدعة لم ترد عن أحد من السلف لأن الوسواس بدعة محرمة مع أن التلفظ بالنية وغيرها لا يجب بل لا يسن عند أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم وقد سئل العلماء ذلك في زمن العلامة شمس الدين بن القيم فأفتوا بما بما ذكر وانتهى السؤال إليه فأطال الجواب وقال من جملة ذلك فترى أحدهم يكررها ويجهد نفسه في التلفظ بها وليست من الصلاة في شيء وإنما النية قصد فعل الشيء فكل عازم على فعل فهو ناويه لا يتصور انفكاك ذلك عن النية فإنه حقيقتها فلا يمكن عدمها في حال وجودها ومن قعد ليتوضأ فقد نوى الوضوء ومن قام ليصلي فقد نوى الصلاة ولا يكاد العاقل يفعل شيئا من العبادات ولا غيرها بغير نية، قلت هذا الكلام لا شك فيه وإنما دخل عليهم من اشتراط مقارنة النية التكبيرة والأدلة على اشتراطها عقلية لا نقلية وإنما استحب المتأخرون التلفظ بالنية لأنه مظنة التذكار والقصور غالبا وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم إنما كان يعلم دخولهم الصلاة بالتكبير فحسب لا غير قال الإمام أبو العباس بن تيمية ومن هذا (ومن هؤلاء من يأتى) بعشر بدع لم
(1)
المفاتيح (2/ 246).
يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة واحدة منها فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم نويت أصلي الظهر مثلا فريضة الوقت أداء لله تعالى إماما أو مأموما أربع ركعات مستقبل القبلة ثم يزعج أعضاء ويحنى جبهته ويقيم عروق عنقه ويصرح بالنية كأنه يكبر على العدو ولو مكث أحدهم عمر نوح يفتش هل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من الصحابة شيئا من ذلك لما ظفر به إلا أن يجاهر بالكذب البحت فلو كان في هذا خير لسبقونا إليه ولدلونا عليه فإن كان هذا هدى فقد ضلوا عنه وإن كان الذي كانوا عليه الهدى الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال، ومن أصناف الوسواس ما يفسد الصلاة كالتلفظ ببعض الكلمة كقوله في التحيات أت أت أت التحي التحي في السلام أس أس ونحو ذلك فهذا الظاهر بطلان الصلاة به، وهو ربما كان إماما فأفسد صلاة المأمومين وصارت الصلاة التي هي من أكبر الطاعات أعظم إبعادا له عن الله من الكبائر، وما لم يبطل الصلاة من ذلك فمكروه وعدول عن السنة، ورغبة عن طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، وما كان عليه أصحابه
(1)
انتهى، قاله ابن النحاس في تنبيهه.
594 -
وَعَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يَقُول من صلى فِي مَسْجِد جمَاعَة أَرْبَعِينَ لَيْلَة لا تفوته الرَّكْعَة الأولى من صَلَاة الْعشَاء كتب الله لَهُ بهَا عتقاء من النَّار رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَاللَّفْظ لَهُ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ نَحْو حَدِيث
(1)
إغاثة اللهفان (1/ 238 - 241) بتصرف.
أنس يَعْني الْمُتَقَدّم وَلم يذكر لَفظه وَقَالَ هَذَا الحَدِيث مُرْسل
(1)
يَعْني أَن عمَارَة بن غزيَّة الرَّاوِي عَن أنس لم يدْرك أنسا وَذكره رزين الْعَبدَرِي فِي جَامعه وَلم أره فِي شَيْء من الأصُول الَّتِي جمعهَا وَالله أعلم.
قوله: عن عمر بن الخطاب تقدم الكلام على مناقبه ومن بعض مناقبه أيضا قال الحسن يجيء الإسلام يوم القيامة مع الخلق حتى يأتي عمر فيأخذه بيده فيصعد فيقول أي رب إني كنت خفيا وهذا أظهرني وأعزني وأنت أعلم قال: فتجيء الملائكة من عند الله تعالى فتأخذ بيد عمر فتدخله الجنة والخلق في كرب الحساب وقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرائيل عليه السلام أخبرني بفضائل عمر عندكم فقال: يا محمد لو مكث معك ما مكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ما نفذت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر وقيل إن عمر أول من كتب التاريخ وأول من سن قيام رمضان وأول من جمع القرآن في المصحف وأول من ضرب الخمر ثمانين أول من علق في عمله في المدينة وحمل الدرة وأدب بها وأول من فتح الفتوحات العظيمة وأول من وضع الخراج على الأرض والجزية على أهل الذمة وضع على المغنى ثمانية أربعين درهما وعلى المتوسط أربعة وعشرين
(1)
أخرجه ابن ماجه (798)، وأبو يعلى في المسند الكبير كما في مسند الفاروق لابن كثير 1/ 197، وأبو أحمد الحاكم في الفوائد (24)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 346 - 347 رقم 2616). وقال الدارقطنى في العلل (151): وإنما رواه أبو العلاء الخفاف، عن حبيب أبي عميرة الإسكاف الكوفي، عن أنس. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (223) و (227).
درهما وعلى الفقير اثني عشر درهما وزاد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم دار وغيرها وأخرج اليهود من أرض الحجاز وإجلائهم من جيرة العرب إلى الشام وفتح بيت المقدس ثم لم يزل يحج الناس خلافته كلهما فحج بهم عشر سنين وحج بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أخر حجة حجها واعتمر في خلافته ثلاث مرات وبسط الحصي من العقيق في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كراماته المشهورة أنه كان يخطب يوم الجمعة بالمدينة فقال في خطبة يا سارية بن حصين الجبل الجبل من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم وسارية بأقصى العراق فسمع سارية صوته وكان قد أطلعه الله على سارية وقد أحاط به العدو فالتفت الناس بعضهم إلى بعض فلم يفهموا مراده فلما قضى صلاته قال له علي رضي الله عنه ما هذا الذي قلت وفي بعض الصحابة إلى علي فأخبروه بذلك قال وسمعتة قال: نعم أنا وكل أهل المسجد قال وقع في (خلدي) أن المشركين هزموا إخواننا وركبوا أكتافهم وأنهم يمرون بجبل فإن عدلوا إليه (قاتلوا من وجدوه) وظفروا وإن جاوزوه هلكوا فخرج مني هذا الكلام وفي بعض النسخ قال علي رضي الله عنه للصحابة دعوا عمر رضي الله عنه فإنه ما دخل في شيء إلا كان له المخرج منه فجاء البشير بعد شهر فذكر أنهم سمعوا في ذلك اليوم وتلك الساعة حين جاوزوا الجبل صوتا يشبه صوت عمر يا سارية بن حصن الجبل فعدلوا إليه ففتح الله علينا كذا في تهذيب الأسماء واللغات
(1)
وفي طبقات بن سعد وأسد الغابة وتجريد الصحابة أنه ساريه بن زنيم بن عمرو بن عبد الله بن
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 3 - 15 ترجمة 436).
جابر
(1)
قاله في مجمع الأصحاب.
قال: صلى الله عليه وسلم "من صلى في مسجدا جماعة أربعين ليلة لا يفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء من النار" الحديث قول قال الترمذي وهذا الحديث مرسل تقدم الكلام على الحديث المرسل وقد ذكره رزين العبدري في جامعه هو رزين بن معاوية بن عمار العبدري المالكي الأندلسي الفقيه السرقسطي. فقيه فاضل من أصحاب مالك بن أنس من أهل سرقسطة، وهي من بلاد الأندلس بالمغرب، وكان إمام المالكية بحرم الله تعالى والمصلي بهم، إمامًا في المسجد الجامع. سمع الفقيه، أبا الحسن علي بن عبد الله الصقلي، وأبا العباس أحمد ابن الشَاطِبي، وغيرهما
(2)
.
595 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تَوَضَّأ فَأحْسن وضوءه ثمَّ رَاح فَوجدَ النَّاس قد صلوا أعطَاهُ الله مثل أجر من صلاهَا وحضرها لا ينقص ذَلِك من أُجُورهم شَيْئا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
(3)
وَتقدم فِي بَاب الْمَشْي إِلَى الْمَسَاجِد حَدِيث
(1)
الطبقات (1/ 195)، وأسد الغابة (2/ 154 ترجمة 1886)، وتجريد أسماء الصحابة (1/ 203).
(2)
المنتخب من معجم شيوخ السمعانى (ص 804 - 805).
(3)
أخرجه أحمد 2/ 380 (8947)، وعبد بن حميد (1455)، وأبو داود (564)، والبزار (8180)، والنسائي في المجتبى 2/ 293 (867) والكبرى (1016)، والحاكم 1/ 208 - 209. وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وصححه الألباني في المشكاة (1145) وصحيح أبي داود (573) وحسنه في صحيح الترغيب (410).
سعيد بن الْمسيب عَن رجل من الأَنْصَار قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول فَذكر الحَدِيث وَفِيه فَإِن أَتَى الْمَسْجِد فصلى فِي جمَاعَة غفر لَهُ فَإِن أَتَى الْمَسْجِد وَقد صلوا بَعْضًا وَبَقِي بعض صلى مَا أدْرك وَأتم مَا بَقِي كانَ كَذَلِك فَإِن أَتَى الْمَسْجِد وَقد صلوا فَأَتمَّ الصَّلَاة كانَ كَذَلِك
(1)
.
عن أبي هريرة تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: "من توضأ فأحسن الوضوء" تقدم الكلام على إحسان الوضوء الحديث.
قوله: "ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها" الحديث إذا لم يكن منه تقصير بتأخير الصلاة من غير عذر والله أعلم.
قوله: (عن سعيد بن المسيب) عن رجل من الأنصار تقدم الكلام على سعيد بن المسيب وعلى الأنصار وأنهم جمع نصير.
قوله صلى الله عليه وسلم: من أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له الحديث المراد بذلك غفران ذنوبه الصغائر وهو سترها عليه في القيامة كما تقدم وأما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة أو مسامحة الله تعالى العبد وفضله وفضل عظيم.
(1)
أخرجه أبو داود (563)، والبيهقى في الكبرى (3/ 98 رقم 5011). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (572) وحسنه في صحيح الترغيب (301) و (410).