المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٣

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تخميرها]

- ‌[الترهيب من البصاق في المسجد وإلى القبلة، الباب إلى آخره]

- ‌[الترغيب في المشي إلى المساجد سيما في الظهر وما جاء في فضلها]

- ‌[الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها]

- ‌[الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراتًا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة]

- ‌[ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومها وترهيبهن من الخروج منها]

- ‌[الترغيب في الصلوات الخمس والإيمان بوجوبها]

- ‌[الترغيب في الصلاة مطلقا وفضل الركوع والسجود]

- ‌[الترغيب في الصلاة في أول وقتها]

- ‌[الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعة فوجد الناس قد صلوا]

- ‌[الترغيب في كثرة الجماعة]

- ‌[التَّرْغِيب فِي الصَّلاة فِي الفلاة

- ‌[الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعة والترهيب من التأخير عنهما]

- ‌[الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر]

- ‌[الترغيب في صلاة النافلة في البيوت]

- ‌[الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة]

- ‌[الترغيب على المحافظة على الصبح والعصر]

- ‌[الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر]

- ‌[الترغيب في أذكار يقولها بعد صلاة الصبح وصلاة العصر والمغرب]

- ‌[الترهيب من فوات العصر]

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسان والترهيب منها عند عدمها

- ‌[الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون]

- ‌[الترغيب في الصف الأول وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر]

- ‌[الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج]

- ‌فرعان لهما تعلق بوصل الصفوف:

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهم

- ‌[الترغيب في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء وما يقوله في الاستفتاح والاعتدال]

- ‌[الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود]

- ‌[الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود، وإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع]

الفصل: ‌[الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة]

[الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة]

641 -

عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا يزَال أحدكُم فِي صَلَاة مَا دَامَت الصَّلَاة تحبسه لَا يمنعهُ أَن يَنْقَلِب إِلَى أَهله إِلَّا الصَّلَاة" رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي أثْنَاء حَدِيث وَمُسلم

(1)

.

642 -

وللبخاري: "إِن أحدكُم فِي صَلَاة مَا دَامَت الصَّلَاة تحبسه وَالْمَلَائِكَة تَقول: اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ اللَّهُمَّ ارحمه مَا لم يقم من مُصَلَّاهُ أَو يحدث"

(2)

.

643 -

وَفِي رِوَايَة لمُسلم وَأَبُو دَاوُد قَالَ: "لَا يزَال العَبْد فِي صَلَاة مَا كَانَ فِي مُصَلَّاهُ ينْتَظر الصَّلَاة وَالْمَلَائِكَة تَقول: اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ اللَّهُمَّ ارحمه حَتَّى ينْصَرف أَو يحدث"، قيل: وَمَا يحدث؟ قَالَ: "يفسو أَو يضرط"

(3)

.

وَرَوَاهُ مَالك مَوْقُوفا عَن نعيم بن عبد الله المجمر أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: "إِذا صلى أحدكُم ثمَّ جلس فِي مُصَلَّاهُ لم تزل الْمَلَائِكَة تصلي عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ اللَّهُمَّ ارحمه فَإِن قَامَ من مُصَلَّاهُ فَجَلَسَ فِي الْمَسْجِد ينْتَظر الصَّلَاة لم يزل فِي صَلَاة حَتَّى يُصَلِّي"

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري (659)، ومسلم (282 - 666)، وابن ماجه (774) و (281).

(2)

أخرجه البخاري (3229).

(3)

أخرجه مسلم (274 - 649)، وأبو داود (471).

(4)

أخرجه مالك (69).

ص: 428

قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على فضائله.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال أحدكم في الصلاة ما دامت الصلاة تحسبه" الحديث، أي: مادام انتظار الصلاة يحبسه في المسجد، فحذف المضاف وأعرب المضاف إليها بإعرابه.

قوله: "لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة" المراد بالأهل الزوجة، هذا هو المشهور، أي: لا يمنعه شيء إلا انتظار الصلاة، ومعنى الانقلاب إلى الأهل الرجوع إليهم.

قوله: "والملائكة تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يقم من مصلاه أو يحدث" وفي بعض طرق الحديث قال أبو رافع لأبي هريرة: وما يحدث؟ قال: يفسو أو يضرط بكسر راء يضرط قاله النووي

(1)

والدال في يحدث مخففة لما روي أن أبا هريرة لما روى هذا الحديث قال له رجل من حضرموت: وما يحدث يا أبا هريرة؟ قال: "فساء أو ضراط" ومن شدد الدال فقد غلط

(2)

، وإنما فسره أبو هريرة بهذا تمسكا بالعرف الشرعي، وقد فسره غيره بأنه الحدث الذي هو يصرفه عن إحضار قصد الصلاة، ويحمله على الإعراض عن ذلك وهو تمسك بأصل اللغة وحمله بعضهم على إحداث مأثم

(3)

، وجوز بعضهم أن يراد بالحدث الكلام القبيح من الشتم والغيبة،

(1)

شرح النووي على مسلم (5/ 166 - 167).

(2)

شرح المصابيح (1/ 425).

(3)

المفهم (6/ 76)، وطرح التثريب (2/ 368).

ص: 429

وفيه تضعيف لأن الظاهر أن المراد به الحدث الناقض للوضوء يؤيد ذلك أنه قال في بعض الأحاديث ما لم يؤذ فيه، فشمل جميع أنواع الأذى فلو حمل الحديث على المأثم والغيبة كان داخلا في الأول فحمله على ما هو مغاير أولى

(1)

.

قوله رواه مالك موقوفا عن نعيم بن عبد الله المجمر هو بضم الميم الأولى وإسكان الجيم وكسر الميم الثانية اسم فاعل من الإجمار على الأشهر وفي بعضها من التجمير ويقال المجمر بفتح الجيم وتشديد الميم الثانية المكسورة وكنيته أبو عبد الله نعيم بن عبد الله العدوي المدني كان أبوه مولى لعمر بن الخطاب فأمره بأن يجمر الكعبة أى يبخرها فقيل له المجمر فعلى هذا التقرير يكون المجمر صفة لعبد الله لا لنعيم وهو ظاهر اللفظ ويطلق على ابنه مجازا فقول صاحب العمدة عن نعيم المجمر فيه تسامح قال المجمر جالست أبا هريرة عشرين سنة روى له الجماعة وقال: إبراهيم الحربي سمعت أن عمر جعل أبا سعيد المقبري على حفر القبور فسمى المقبري وجعل نعيما على إجمار المدينة فقيل له المجمر والراجح الأولى وقيل سمي بذلك لأن أباه كان يأخذ المجمر قدام عمر بن الخطاب إذا خرج إلى المسجد في شهر رمضان

(2)

.

(1)

انظر: شرح الصحيح (2/ 284) لابن بطال، وطرح التثريب (2/ 369 - 370).

(2)

انظر شرح النووي على مسلم (2/ 69) و (3/ 134)، وإحكام الأحكام (1/ 92) وشرح الإلمام (4/ 280 - 282)، والعدة (1/ 106)، والكواكب الدراري (2/ 171).

ص: 430

وفي هذا الحديث تنبيه على فضيلة القعود في المسجد لانتظار الصلاة وحكى قال أن كل مشتغل بسبب من أسباب أعمال الخير فله من الثواب نحو الذي له منه على اشتغاله بعمله تفضلا من الله جل جلاله على عبده والله أعلم.

644 -

وَعَن أنس رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أخر ليْلَة صَلَاة الْعشَاء إِلَى شطر اللَّيْل ثمَّ أقبل بِوَجْهِهِ بَعْدَمَا صلى فَقَالَ صلى النَّاس ورقدوا وَلم تزالوا فِي صَلَاة مُنْذُ انتظرتموها رَوَاهُ البُخَارِيّ

(1)

.

قوله: عن أنس تقدم الكلام على مناقبه قوله: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخر ليلة صلاة العشاء إلى الشطر الليل" الشطر النصف العشاء بكسر العين بالمد يريد به صلاة العشاء وهي الصلاة التي وقتها بعد غروب الشفق والعشاءان المغرب والعتمة وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم: أعتم حتى رقد النساء واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا فقام عمر رضي الله عنه فقال: الصلاة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا"

(2)

وفي رواية أبي هريرة "لأمرتهم أن يؤخروها إلى ثلث الليل"

(3)

وفي حديث عمر دليل على تنبيه الأكابر وإعلامهم حضور الجماعة وبدخول وقت الصلاة، وقوله: أعتم

(1)

أخرجه البخاري (572) و (600) و (661) و (847) و (5869)، ومسلم (222 و 223 - 640).

(2)

أخرجه البخاري (571) و (7239)، ومسلم (225 - 642) عن ابن عباس.

(3)

أخرجه الترمذى (167). وقال الترمذى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في المشكاة (611).

ص: 431

هو بالعين المهملة الثاء المتثاة يقال أعتم الرجل إذا دخل في العتمة وهي ظلمة الليل وكانت الأعراب يسمون العشاء العتمة قوله رقد النساء والصبيان يحتمل أن يكون راجعا إلى من حضر المسجد منهم يحتمل أن يكون المراد من حضر المسجد منهم؛ لقلة احتمالهم المشقة في السهر، فيرجع ذلك إلى أنهم كانوا يحضرون المسجد لصلاة الجماعة ويحتمل أن يكون المراد من خلفه المصلون في البيوت، من النساء، والصبيان، ويكون قوله:"رقد النساء" إشفاقا عليهن من طول الانتظار وخوفا على البيوت من سارق ونحوه

(1)

.

وفيه دليل على استحباب تأخير العشاء إلى هذه الساعة وهو قول الشافعي أنه يستحب تأخير العشاء إلى الشطر الأول وهو وقت الاختيار وقيل وقت الاختيار نصف الليل واختلف على الأفضل تقديم العشاء أو تأخيرها وهما مذهبان مشهوران للسلف وقولان لمالك وللشافعي فمن فضل التأخير احتج بحديث عبد الله بن عمرو بن العاصي وقت العشاء إلى نصف الليل

(2)

ومن فضل التقديم احتج بأن العادة الغالبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقدمها وإنما أخرها في أوقات يسيرة لبيان الجواز أو لشغل أو لعذر وفي بعض الأحاديث إشارة إلى ذلك والله أعلم

(3)

.

(1)

إحكام الأحكام (1/ 177)، ورياض الأفهام (1/ 577 و 579 و 580).

(2)

أخرجه مسلم (171 و 172 و 173 و 174 - 612)، وأبو داود (396)، والنسائى في المجتبى 2/ 32 (532).

(3)

شرح النووي على مسلم (5/ 136)، والقول التمام (ص 177).

ص: 432

واعلم أن التأخير المذكور في هذا الحديث وغيره كله تأخير لم يخرج عن وقت الاختيار

(1)

وللشافعي قولان أحدهما أن وقت الاختيار يمتد إلى ثلث الليل والثاني إلى نصفه وهو الأصح وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة العشاء إلى ثلث الليل قال أبو العباس ابن سريح لا اختلاف في الروايات ولا عن الشافعي بل المراد ثلث الليل أنه أول ابتدائها وبنصفه آخر انتهائها ويجمع بين الأحاديث بهذا وهذا الذي قاله يوافق ظاهر ألفاظ هذه الأحاديث لأن قوله صلى الله عليه وسلم "وقت العشاء إلى نصف الليل" ظاهره أنه أخر وقتها المختار، وأما حديث بريدة وأبي موسى فيهما أنه شرع بعده لنصف الليل وحينئذ يمتد إلى قريب من النصف فتتفق الأحاديث الواردة في ذلك قولا وفعلا

(2)

، وقال ابن أبى هريرة: من علم حاله أن النوم لا يغلبه فالتأخير فى حقه أفضل، ومن لا يكون منه ذلك فالتعجيل له أفضل ونزل النص على اختلاف الحالين

(3)

وقال آخرون أنه اختلف باختلاف الأوقات ففي الشتاء ورمضان يؤخر وفي غيرهما يقدم وإنما أخرت فى الشتاء لطول الليل وكراهة الحديث بعدها وقيل غير ذلك

(4)

والله أعلم.

وللعشاء وقت الفضيلة أول وقت ووقت الاختيار إلى ثلث الليل وقيل

(1)

شرح النووي على مسلم (5/ 137).

(2)

شرح النووي على مسلم (5/ 116 - 117).

(3)

النجم الوهاج (2/ 23).

(4)

إحكام الأحكام (1/ 166).

ص: 433

إلي نصف الليل ووقت جواز بلا كراهة إلى الفجر وقال: الشيخ أبو حامد لها وقت كراهة وهو ما بين الفجرين

(1)

،

قال الشيخ زين الدين بن رجب الحنبلي فيستحب تأخير العشاء إلى ثلث الليل كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة -وهو مذهب الإمام أحمد وغيره- حتى يفعل هذه الصلاة في أفضل وقتها، وهو آخره، ويشتغل منتظر هذه الصلاة في الجماعة في هذا الثلث الأول من الليل بالصلاة، أو بالذكر وانتظار الصلاة في المسجد، ثم إذا صلى العشاء، وصلى بعدها ما يتبعها من سننها الراتبة، أو أوتر بعد ذلك إن كان يريد أن يوتر قبل النوم فإذا أوى إلى فراشه بعد ذلك للنوم، فإنه يستحب له أن لا ينام إلا على طهارة وذكر، فيسبح ويحمد ويكبر تمام مائة، كما علم النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وعليا أن يفعلاه عند منامهما ويأتي بما قدر عليه من الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند النوم، وهي أنواع متعددة من تلاوة القرآن وذكر الله، ثم ينام على ذلك فإذا استيقظ من الليل وتقلب على فراشه فليذكر الله كلما تقلب فمن كان حاله على ما ذكرنا، لم يزل لسانه رطبا بذكر الله، فيستصحب الذكر في يقظته حتى ينام عليه، ثم ببدأ به عند استيقاظه، وذلك من دلائل صدق المحبة والله أعلم

(2)

.

قوله ثم أقبل بوجهه بعدما صلى فقال: صلى الناس ورفدوا لم تزالوا في صلاة وتقدم معنى ذلك في الحديث قبله.

(1)

القول التمام (ص 177).

(2)

جامع العلوم والحكم (3/ 1300 - 1302).

ص: 434

فائدة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها وإنما كره النوم قبلها أي بعد دخول وقتها لأنه قد يكون سببا في نسيانها أو تأخيرها إلى خروج وقتها لأن القيام بالليل فيه عسر ولا يتيسر معه صلاة الجماعة وأما كراهة الحديث بعدها فإنه قد يؤدي إلى سهر يقضي النوم عن الصبح أو إلى إيقاعها في غير وقتها المستحب ويستثنى من ذلك ما إذا كان الحديث يتعلق بالدين أو بمصلحة المسلمين من الأمور الدنيوية فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه بعد العشاء وترجم له البخاري باب السهر في العلم ويستثنى أيضا ما تدعو الحاجة إلى الحديث فيه من الأشغال المتعلقة بمصلحة الإنسان وقد ورد في الحديث لا سمر بعد العشاء إلا لمصل أو مسافر ويستثنى من ذلك أيضا حديث الضيف وتأنيس الزوجة والأمة فهذه ثماني صور

(1)

والله أعلم.

645 -

وَعَن أنس رضي الله عنه أَن هَذِه الْآية {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}

(2)

نزلت فِي انْتِظَار الصَّلَاة الَّتِي تدعى الْعَتَمَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب

(3)

.

(1)

إحكام الأحكام (1/ 169 - 170)، والعدة (1/ 300).

(2)

سورة السجدة، الآية:16.

(3)

أخرجه الترمذى (3196) والعلل (657)،.

وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (444) و (589).

ص: 435

قوله: عن أنس أيضا تقدم.

قوله: إن هذه الآية {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة بفتح العين المهملة والتاء المثناة يقال: أعتم الرجل إذا دخل في العتمة وهي ظلمة الليل، وكانت الأعراب يسمون صلاة العشاء العتمة تسمية بالوقت فنهاهم عن الاقتداء بهم ذكر لذكر الظلمة واستحب لهم التمسك بما نطق به القرآن

(1)

وإنما سمتها عائشة بذلك لتبين لهم وأيضا فخاطبهم بما يفهمون وقال: بعض العلماء أيضا: قد ثبت النهي عن تسمية العشاء عتمة وجوابه من وجهين أحدهما أن هذه التسمية بيان للجواز وأن ذلك ليس للتحريم، والثاني وهو الأظهر أن استعمال العتمة هنا لمصلحة ونفي مفسدة لأن العرب كانت تستعمل لفظ العشاء في المغرب فلو قال "لو يعلمون ما في العشاء والصبح" كما ذكر في الحديث الآخر لحملوها على المغرب ففسد المعنى وفات المطلوب فاستعمل العتمة التي يعرفونها ولا يشكون فيها وقواعد الشرع متظاهرة على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما

(2)

وتقدم الكلام على شيء من ذلك قريبا والله أعلم.

646 -

وَعَن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ صلينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمغرب فَرجع من رَجَعَ وعقب من عقب فجَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا قد حفزه النَّفس قد حسر عَن رُكبَتَيْهِ قَالَ أَبْشِرُوا هَذَا ربكُم قد فتح بَابا من أَبْوَاب السَّمَاء يباهي بكم الْمَلَائِكَة يَقُول انْظُرُوا إِلَى عبَادي قد قضوا فَرِيضَة وهم

(1)

النهاية (3/ 180).

(2)

شرح النووي على مسلم (4/ 158).

ص: 436

ينتظرون أُخْرَى رَوَاهُ ابْن مَاجَه

(1)

عَن أبي أَيُّوب عَنهُ وَرُوَاته ثِقَات وَأَبُو أَيُّوب هُوَ المراغي الْعَتكِي ثِقَة مَا أرَاهُ سمع عبد الله وَالله أعلم حفزه النَّفس هُوَ بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْفَاء وبعدهما زَاي أَي سَاقه وتعبه من شدَّة سَعْيه، وحسر هُوَ بِفَتْح الْحَاء وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ أَي كشف عَن رُكْبَتَيْهِ.

قوله: عن عبد الله بن عمرو تقدم.

قوله: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع وعقب من عقب فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا قد حفزه النفس حفزه هو بفتح الحاء المهملة والفاء وبعدهما زاى أي ساقه وأتعبه من شدة سعيه قاله الحافظ، وقال: بعضهم أي ضغطه لسرعته

(2)

.

قوله: قد حسر عن ركبتيه هو بفتح الحاء والسين المهملتين أي كشف عن ركبته، قاله الحافظ يعني لشدة ما هو فيه من العجلة.

قوله قال: أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء الحديث أبشروا بقطع الهمزة وجاز لغة أبشروا بضم الشين من البشر بمعنى الابشار أي أبشروا بالثواب على العمل وإن قل قاله الكرماني

(3)

والله أعلم.

قوله يباهي بكم الملائكة المباهاة: المفاخرة وأصل البهاء الحسن

(1)

أخرجه أحمد (2/ 187 رقم 6750 و 6751 و 2/ 208 رقم 6946)، وابن ماجه (801)، والطبراني في الكبير (13/ 586 - 587 رقم 14500) و (13/ 605 رقم 14523). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (445) والصحيحة (661).

(2)

شرح النووي على مسلم (5/ 97).

(3)

الكواكب الدراري (1/ 162).

ص: 437

والجمال وفلان يباهى بماله وولده أي يفخر ويتجمل بهم على غيرهم ويظهر الحسن والجمال بهم قاله القاضي عياض في شرح مسلم

(1)

.

قوله: أبو أيوب، وأبو أيوب اسمه (يحيى بن مالك، ويقال: حبيب بن مالك) هو المراغي العتكي ثقة.

647 -

وَعَن أبي أُمَامة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وصَلَاة في إثْر صَلَاة لا لَغْو بَينهمَا كتاب فِي عليين" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَتقدم بتَمَامِهِ

(2)

.

قوله: وعن أبي أمامة تقدم الكلام على مناقبه

قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب فى عليين" إثر بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة ويجوز بفتح الهمزة والثاء لغتان مشهورتان

(3)

.

قوله: لا لغو بينهما اللغو هو الكلام الباطل واللفظ واختلاط الأصوات.

قوله كتاب في عليين قال البغوي: في شرح السنة عليين هم الذين في أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله تعالى في الدار الآخرة. وقال: مجاهد عليون السماء السابعة، وقال: قتادة تحت قائمة العرش

(4)

، وقيل اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد

(5)

(1)

شرح النووي على مسلم (17/ 23).

(2)

أخرجه أحمد 5/ 263 (22273) و 5/ 268 (22304)، وأبو داود (558) و (1288). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (446).

(3)

المفاتيح (2/ 82).

(4)

شرح السنة (14/ 100).

(5)

النهاية (2/ 294)، وشرح المشكاة (3/ 949).

ص: 438

ويعرب بالحروف والحركات كقنسرين وأشباهها

(1)

وتقدم الكلام أيضًا على عليين في المشي إلى المساجد مبسوطًا والله أعلم.

648 -

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدُلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويكفر به الذنوب؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكروهات وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط". رواه ابن حبان في صحيحه

(2)

، ورواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبى هريرة

(3)

، وتقدم.

قوله: عن جابر هو جابر بن عبد الله تقدم.

قوله: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب" قد يراد به محو الخطايا من ديوان الحفظة وهو دليل على غفرانها

(4)

وقيل غير ذلك وتكفير الذنوب المراد به الصغائر وأما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة أو برحمة الله وبفضله على العبد

(5)

.

قوله: "فذلكم الرباط" الرباط في الأصل الإقامة على جهاد العدو بالحرب وارتباط الخيل وأعدادها فشبه به ما ذكر من الأفعال الصالحة والعبادة، قال

(1)

النهاية (2/ 294).

(2)

أخرجه ابن حبان (1039). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (447).

(3)

أخرجه مالك (445)، ومسلم (41 - 251)، وابن ماجه (428)، والترمذى (51 و 52)، والنسائى في المجتبى 1/ 332 (148).

(4)

إكمال المعلم (2/ 55).

(5)

إكمال المعلم (2/ 15)، وشرح النووي على مسلم (3/ 112).

ص: 439

القتيبي: وأصل المرابطة أن يربط الفريقان خيولهما في ثغر كل منها معد لصاحبه فسمي المقام في الثغور رباطًا

(1)

ومنه قوله: "فذلكم الرباط" أي أن المرابطة على الطهارة والصلاة والعبادة كالجهاد في سبيل الله فيكون الرباط مصدر رابطت أي لازمت وقيل الرباط هاهنا اسم لما يربط به الشيء أي يشد يعني أن هذه الخلال تربط صاحبها من المعاصي وتكفه عن المحارم قاله في النهاية

(2)

وتقدم الكلام على حديث علي والذي بعده.

649 -

وَعَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إسباغ الْوضُوء فِي المكاره وإعمال الْأقْدَام إِلَى الْمَسَاجِد وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة يغسل الْخَطَايَا غسلًا" رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَزَّار بِإِسْنَاد صَحِيح وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(3)

.

(1)

لسان العرب: 7/ 302 - 303 مادة (ربط).

(2)

النهاية (2/ 185 - 186).

(3)

أخرجه أبو عبيد في الطهور (14)، وعبد بن حميد (91)، والبزار (528) و (529)، وأبو يعلى (488)، وابن شاهين في الترغيب (36)، والدارقطنى في العلل (3/ 223)، والحاكم (1/ 132).

وقال الدارقطنى في العلل (374): هو حديث يرويه الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب واختلف عنه؛ فرواه صفوان بن عيسى، عن الحارث، عن سعيد بن المسيب، عن علي، وخالفه أبو ضمرة، فرواه عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي العباس، عن سعيد بن المسيب، عن علي، ورواه محمد بن فليح، عن الحارث، عن أبي العباس، وروى هذا الحديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن سعيد بن المسيب، فأسنده عن أبي سعيد الخدري، وكلاهما ضعيفان. وصححه الحاكم. =

ص: 440

650 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِن العَبْد إِذا جلس فِي مُصَلَّاهُ بعد الصَّلَاة صلت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة وصلاتهم عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وَإِن جلس ينْتَظر الصَّلَاة صلت عَلَيْهِ وصلاتهم عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ اللَّهُمَّ ارحمه" رَوَاهُ أَحْمد وَفِيه عَطاء بن السَّائِب

(1)

.

651 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "منتظر الصَّلَاة بعد الصَّلاة كفارس اشْتَدَّ بِهِ فرسه فِي سَبِيل الله على كشحه وَهُوَ فِي الرِّبَاط الْأكْبَر" رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأوْسَط وَإسْنَاد أَحْمد صَالح

(2)

.

قوله: عن أبي هريرة تقدم. قوله: "ننتظر الصلاة بعد الصلاة كفارس اشتد

= وقال الهيثمي في المجمع 2/ 36: رواه أبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح، وزاد البزار في أوله:"ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا"، وزاد في أحد طريقيه رجلا وهو أبو العياس غير مسمى وقال: إنه مجهول، قلت: أبو العياس بالياء المثناة آخر الحروف والسين المهملة. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (313) و (449).

(1)

أخرجه أحمد 1/ 144 (1219) و 1/ 147 (1251)، والبزار (597)، والبيهقى في الشعب (4/ 386 - 387 رقم 2700).

وقال الهيثمي في المجمع 2/ 36: رواه أحمد وفيه عطاء بن السائب وهو ثقة ولكنه اختلط في آخر عمره. وقال في 10/ 107: رواه البزار، وعطاء بن السائب قد اختلط. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (239).

(2)

أخرجه أحمد 2/ 352 (8625)، والطبراني في الأوسط (8/ 118 رقم 8144)، وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبد الرحمن بن مهران إلا يحيى بن سليم، ولا عن يحيى إلا نافع بن سليمان، تفرد به: ابن لهيعة. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 36: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه نافع بن سليمان القرشي، وثقه أبو حاتم، وبقية رجاله رجال الصحيح. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (450).

ص: 441

به فرسه في سبيل الله على كشحه وهو في الرباط الأكبر" الحديث الكشح هو الخصر، أو الذي يطوي عنك كشحه أى باطنه ولا يألفك

(1)

.

652 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَانِي اللَّيْلَة آتٍ من رَبِّي وَفِي رِوَايَة رَبِّي فِي أحسن صُورَة فَقَالَ لي يَا مُحَمَّد قلت لبيْك رَبِّي وَسَعْديك قَالَ هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الأعْلَى قلت لا أعلم فَوضع يَده بَين كَتِفي حَتَّى وجدت بردهَا بَين ثديي أَو قَالَ فِي نحري فَعلمت مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأرْض أَو قَالَ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قَالَ يَا مُحَمَّد أَتَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الأَعْلَى قلت نعم فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات وَنقل الأقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وإسباغ الْوضُوء فِي السبرات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة وَمن حَافظ عَلَيْهِنَّ عَاشَ بِخَير وَمَات بِخَير وَكَانَ من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه" الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب وَتقدم بِتَمَامِهِ

(2)

.

قوله: عن ابن عباس تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني أت من ربي" وفي رواية "رأيت ربي في أحسن صورة" الحديث ثبت وتقرر أن الله تعالى لا مناسبة بينه وبين العالم المحدث من كل وجه من الوجوه لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}

(3)

ولو

(1)

النهاية (4/ 175).

(2)

أخرجه أحمد (3484)، وعبد بن حميد (682)، والترمذى (3233) و (3234)، والبزار (4727)، وأبو يعلى (2608)، وابن خزيمة في التوحيد (56 و 57). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (194) و (302) و (408) و (451).

(3)

سورة الشورى، الآية:11.

ص: 442

تمسكنا بظواهر الأخبار لجعلناه مثل العالم المحدث ولم نكن عالمين بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فيجب أن يكون لهذه الأخبار معان الله ورسوله أعلم بها ثم إن العلماء أعلم بمعانيها فيجب على المسلم أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى لا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات ولا يوصف بالصورة والتحول والانتقالات وإذا رأى آية مشكلة أو خبرا مشكلا يقتضي التشبيه والتحول والانتقال والتغير اعتقاد عما هو عليه وبكل معناه إلى الله ورسوله ثم العلماء فإن قيل فما معنى الصورة في قوله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ربي في أحسن صورة" قيل معنى الصورة هنا عائد على النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ربي وأنا في أحسن صورة" لأن الإنسان يكون أحسن ما يكون وجهه إذا رأى أشر الأشياء وأفضلها عنده قال المحاسبي في عقيدته

(1)

والله أعلم. قوله: "هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى" الملأ الأعلى الملائكة المقربين وسموا بذلك لأنهم في السماء وتقدم معنى الاخصام،

قوله "فوضع يده بين كتفي" اعلم أن اليد التي وضعها الرب سبحانه وتعالى هي يد الامتنان والاختصاص والتقريب والاصطفاء وهو الأخذ الذي يأخذه الرب إليه وهي سنته في أرباب حضرته مع أصحاب الأوقات من دعاة

(1)

هذا كلام مخالف لما عليه السلف وما أحسن ما قال ابن قتيبة: الصورة ليست بأعجب من اليدين، والأصابع، والعين، وإنما وقع الإلف لتلك؛ لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه؛ لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد تأويل مختلف الحديث (ص 221).

ص: 443

الحق إليه من الأنبياء والأولياء صلوات الله وسلامه عليهم والله أعلم وتقدم الكلام على هذا الحديث مبسوطًا.

653 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلا أدلكم على مَا يكفر الله بِهِ الْخَطَايَا وَيزِيد بِهِ في الْحَسَنَات قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إسباغ الْوضُوء أَو الطّهُور فِي المكاره وَكَثْرَة الخطا إِلَى الْمَسْجِد وَالصَّلَاة بعد الصَّلَاة وَمَا من أحد يخرج من بَيته متطهرا حَتَّى يَأْتِي الْمَسْجِد فَيصَلي فِيهِ مَعَ الْمُسلمين أَو مَعَ الإِمَام ثمَّ ينْتَظر الصَّلَاة الَّتِي بعْدهَا إِلَّا قَالَت الْمَلَائِكَة اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ اللَّهُمَّ ارحمه" الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ والدارمي فِي مُسْنده

(1)

.

قوله: عن أبي سعيد الخدري تقدم قوله: "ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به الحسنات" تقدم الكلام على ألفاظ هذا الحديث قوله عن أنس تقدم الكلام على مناقبه قوله ثلاث كفارات وثلاث درجات منجيات الحديث فإن الثلاث الكفارات أي كفارات الذنوب والخطايا وأما الثلاث الدرجات المراد بالدرجات أعلى المنازل في الجنة وأما باقي ألفاظ الحديث فسيأتي الكلام عليها في أماكن متفرقة من هذا التعليق.

654 -

وَعَن أنس رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: "ثَلَاث كفَّارَات وَثَلَاث دَرَجَات وَثَلَاث منجيات وَثَلَاث مهلكات فَأَما الكَفَّارَات فإسباغ الْوضُوء فِي

(1)

أخرجه الدارمى (725 و 726)، وابن ماجه (427)، وابن خزيمة (177) و (357) و (1562)، وابن حبان (402). وقال الألبانى: حسن صحيح صحيح الترغيب (452).

ص: 444

السبرات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة وَنقل الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وَأما الدَّرَجَات فإطعام الطَّعَام وإفشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام وَأما المنجيات فالعدل فِي الْغَضَب وَالرِّضَا وَالْقَصْد فِي الْفقر والغنى وخشية الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَأما المهلكات فشح مُطَاع وَهوى مُتبِع وَإِعْجَاب الْمَرْء بِنَفسِهِ" رَوَاهُ الْبَزَّار وَاللَّفْظ لَهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا

(1)

وَهُوَ مَرْوِيّ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَأَسَانِيده وَإِن كَانَ لَا يسلم شَيْء مِنْهَا من مقَال فَهُوَ بمجموعها حسن إِن شَاءَ الله تَعَالَى السبرات جمع سُبْرَة وَهِي شدَّة الْبرد.

655 -

وَعَن دَاوُد بن صَالح قَالَ: قَالَ لى أَبُو سَلمَة: "يَا ابْن أخي تَدْرِي فِي أَي شَيْء نزلت {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}

(2)

قلت: لا قَالَ: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول لم يكن فِي زمَان النَّبِي صلى الله عليه وسلم غَزْو يرابط فِيهِ وَلَكِن انْتِظَار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة" رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح الإِسْنَاد

(3)

.

(1)

أخرجه البزار (6491)، والطبراني في الأوسط (5/ 328 رقم 5452)، وابن شاهين في الترغيب (33) و (525)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 268 - 269)، وابن بشران (1383)، والبيهقى في الشعب (2/ 203 - 204 رقم 731). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 91: رواه البزار، والطبراني في الأوسط ببعضه، وقال: إعجاب المرء بنفسه من الخيلاء، وفيه زائدة بن أبي الرقاد وزياد النميري، وكلاهما مختلف في الاحتجاج به. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (453).

(2)

سورة آل عمران، الآية:200.

(3)

أخرجه الحاكم (2/ 301)، والبيهقى في الشعب (4/ 359 رقم 2638). وصححه الحاكم. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (240).

ص: 445

قوله عن داود بن صالح هو داود بن صالح التمار المدني الأنصاري مولاهم روى عن سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وغيرهما روى عنه هشام بن عروة وابن جريج والدراوردي قال: الإمام أحمد بن حنبل لا أعلم به بأسا

(1)

.

والدراروردي من دراورد قرية بخرسان وقيل بفارس جده منها وقيل كان من أهل أصبهان نزل المدينة قال: ابن سعد كان ثقة كبير توفي سنة سبع وثمانين ومائة وكان من أئمة العلم قال معن بن عيسى: يصلح أن يكون أمير المؤمنين

(2)

.

قوله: قال: لي أبو سلمة يا ابن أخي تدري في أي شيء نزلت اصبروا وصابروا قلت لا الحديث أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن واحتج أبو سلمة بقوله عليه السلام "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة"، وقال محمد بن كعب اصبروا [على دينكم وصابروا] لوعدي الذي وعدتكم عليه ورابطوا عدوي وعدوكم حتي يترك دينه لدينكم واتقوا الله فيما بيني وبينكم لعلكم تفلحون إذا لقيتموني

(3)

.

(1)

الجرح والتعديل (3/ 415 - 416).

(2)

تهذيب الكمال (18/ ترجمة 3470)، وتاريخ الإسلام (4/ 915).

(3)

تفسير الطبرى (6/ 333).

ص: 446

وقال الحسن: اصبروا على المصائب وصابروا على الصلوات الخمس

(1)

.

وقال الزمخشري في نفس الآية: اصبروا على الدين وتكاليفه وصابروا أعداء الله في الجهاد أي غالبوهم في الصبر ورابطوا أي أقيموا على الثغور مرابطين خيلكم فيها مترصدين مستعدين للغزو

(2)

قاله في الديباجة.

656 -

وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: "الْقَاعِد على الصَّلَاة كالقانت وَيكْتب من الْمُصَلِّين من حِين يخرج من بَيته حَتَّى يرجع إِلَيْهِ" رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَرَوَاهُ أَحْمد وَغَيره أطول مِنْهُ إِلَّا أَنه قَالَ والقاعد يرْعَى الصَّلَاة كالقانت

(3)

.

وَتقدم بِتَمَامِهِ فِي الْمَشْي إِلَى الْمَسَاجِد.

قَوْله: الْقَاعِد على الصَّلَاة كالقانت أَي أجره كَأَجر الْمُصَلِّي قَائِما مَادَامَ قَاعِدا ينْتَظر الصَّلَاة لِأَن المُرَاد بِالْقُنُوتِ هُنَا الْقيام فِي الصَّلَاة.

قوله: عن عقبة بن عامر تقدم قوله: صلى الله عليه وسلم القاعد على الصلاة كالقانت

(1)

تفسير ابن المنذر (2/ 543).

(2)

تفسير الزمخشرى (1/ 460).

(3)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (410)، وأحمد 4/ 157 (17440) و 4/ 159 (17459 و 17460 و 17461)، وأبو يعلى (1747)، وابن حبان (2038)، والطبراني في الكبير (17/ 305 رقم 842) والأوسط (1/ 66 رقم 185)، والحاكم (1/ 112). وصححه الحاكم. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 29: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، وفي بعض طرقه ابن لهيعة وبعضها صحيح، وصححه الحاكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (298) و (454).

ص: 447

ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته الحديث.

قوله: القاعد على الصلاة كالقانت المراد بالقعود هنا القيام في الصلاة أي أجره كأجر المصلي قائما مادام قاعدا منتظر الصلاة قاله الحافظ وقال في النهاية: القنوت في الحديث يرد بمعان متعددة كالطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والقيام فطول القيام والسكوت فنصرف في كل هذه المعاني إلى ما احتمله اللفظ الحديث الوارد فيه وفي الحديث زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}

(1)

عن الكلام أراد به السكوت، وقال ابن الأنباري القنوت على أربعة أقسام الصلاة وطول القيام وإقامة الطاعة والسكوت

(2)

انتهى وتقدم مبسوطا من هذا والله أعلم.

657 -

وَعَن امْرَأَة من المبايعات رضي الله عنها أنَّهَا قَالَت: جَاءَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أَصْحَابه من بني سَلمَة فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَامًا فَأكل ثمَّ قربنا إِلَيْهِ وضُوءًا فَتَوَضَّأ ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ: "أَلا أخْبركُم بمكفرات الْخَطَايَا؟ " قَالُوا: بلَى قَالَ: "إسباغ الْوضُوء على المكاره وَكَثْرَة الخطا إِلَى الْمَسَاجِد وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة" رَوَاهُ أَحْمد وَفِيه رجل لم يسم وَبَقِيَّة إِسْنَاده مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح

(3)

.

(1)

سورة البقرة، الآية:238.

(2)

النهاية (4/ 111).

(3)

أخرجه أحمد 5/ 270 (22326)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (3407)، والطبراني في الكبير (24/ 234 رقم 593 و 594). وسماها الطبراني خولة بنت قيس بن =

ص: 448

قوله: عن امرأة من المبايعات المتابعة مأخوذة من البيع وسيأتي الكلام عليها مبسوطا، قالت: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه من بني سلمة بكسر اللام قبيلة معروفة من الأنصار

قوله ثم قربنا إليه وضوءا فتوضأ، الوضوء بفتح الواو اسم للماء الذي يتوضأ به وأما بضم الواو فهو الفعل وتقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بمكفرات الخطايا" المراد الصغائر كما تقدم نقله قوله: "إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد" الحديث تقدم الكلام على ذلك.

= قهد. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 236: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وإسناده محتمل. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (455).

ص: 449