المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في الصلوات الخمس والإيمان بوجوبها] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٣

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تخميرها]

- ‌[الترهيب من البصاق في المسجد وإلى القبلة، الباب إلى آخره]

- ‌[الترغيب في المشي إلى المساجد سيما في الظهر وما جاء في فضلها]

- ‌[الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها]

- ‌[الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراتًا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة]

- ‌[ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومها وترهيبهن من الخروج منها]

- ‌[الترغيب في الصلوات الخمس والإيمان بوجوبها]

- ‌[الترغيب في الصلاة مطلقا وفضل الركوع والسجود]

- ‌[الترغيب في الصلاة في أول وقتها]

- ‌[الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعة فوجد الناس قد صلوا]

- ‌[الترغيب في كثرة الجماعة]

- ‌[التَّرْغِيب فِي الصَّلاة فِي الفلاة

- ‌[الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعة والترهيب من التأخير عنهما]

- ‌[الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر]

- ‌[الترغيب في صلاة النافلة في البيوت]

- ‌[الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة]

- ‌[الترغيب على المحافظة على الصبح والعصر]

- ‌[الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر]

- ‌[الترغيب في أذكار يقولها بعد صلاة الصبح وصلاة العصر والمغرب]

- ‌[الترهيب من فوات العصر]

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسان والترهيب منها عند عدمها

- ‌[الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون]

- ‌[الترغيب في الصف الأول وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر]

- ‌[الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج]

- ‌فرعان لهما تعلق بوصل الصفوف:

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهم

- ‌[الترغيب في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء وما يقوله في الاستفتاح والاعتدال]

- ‌[الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود]

- ‌[الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود، وإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع]

الفصل: ‌[الترغيب في الصلوات الخمس والإيمان بوجوبها]

[الترغيب في الصلوات الخمس والإيمان بوجوبها]

521 -

عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ بني الإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلاة وإيتاء الزَّكاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة

(1)

.

قوله فيه حديث ابن عمر تقدم الكلام علي مناقب ابن عمر.

قوله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس" الحديث قوله بني الإسلام أي أسس على خمس جاء على خمسة وكلاهما صحيح، والمراد بروايتها أي خمسة أركان أو أشياء، وبرواية حذف الهاء أي خمس خصال أو دعائم أو قواعد أو ذلك هي خصاله المذكورة، أي: إن لم تلحق الهاء في خمس

(2)

.

فقوله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس" تقتضي أن الخمس غيره لأن المبني قيد المبني عليه، وجوابه: أن الإسلام كالقبة المبنية على الدعائم الخمس، وإنما ذكر من جملتها الإسلام مع أنه أصلها لأنها لا تستمسك إلا به، يعني: أن هذه الخمس أساس دين الإسلام وقواعد ثقلها تبنى عليها وبها تقوم، والمراد من هذا الحديث: أن الإسلام مبني على هذه الخمس فهي كالأركان والدعائم لبنيانه، وقد خرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة

(1)

أخرجه البخاري (8) و (4513) و (4514، 4515)، ومسلم (19 و 20 و 21 و 22 - 16)، والترمذى (2609)، والنسائي في المجتبى 7/ 531 (5045) عن ابن عمر.

(2)

شرح النووي على مسلم (1/ 178).

ص: 188

ولفظه: "بني الإسلام على خمس دعائم"

(1)

فذكره، والمقصود تمثيل الإسلام ببنيان ودعائم، والبنيان هذه الخمس ولا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإسلام التي البنيان فإذا فقد منها شيء نقص البنيان وهو قائم لا ينقص بخلاف ذلك تقل هذه الدعائم الخمس فإن الإسلام نزول بفقدها جميعا بغير أشكال ولذلك يزول بفقد الشهادتين

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله" والمراد من الشهادتين الإيمان بأن لا إله إلا الله وأني رسوله، وفي رواية لمسلم على أن تعبد الله وتكفر بما دونه

(3)

وبهذا يعلم أن الإيمان بالله ورسوله داخل في ضمن الإسلام

(4)

.

واعلم أن هذه الدعائم الخمس بعضها مرتبط ببعض وقد روي أنه لا يقبل بعضها دون بعض

(5)

كما في مسند الإمام أحمد عن زياد بن نعيم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع فرضهن الله في الإسلام فمن جاء بثلاث، لم يغنين عنه شيئًا، حتى يأتي بهن جميعا الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت"

(6)

.

(1)

أخرجه المروزى في تعظيم قدر الصلاة (413).

(2)

جامع العلوم والحكم (1/ 147 - 148)، وفتح البارى (1/ 22) لابن رجب.

(3)

أخرجه مسلم (20 - 16).

(4)

جامع العلوم والحكم (1/ 148).

(5)

جامع العلوم والحكم (1/ 152).

(6)

أخرجه أحمد 4/ 200 (17789). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 47: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفي إسناده ابن لهيعة. وضعفه الألباني في الضعيفة (6735) وضعيف الترغيب (307) و (466).

ص: 189

قوله صلى الله عليه وسلم: "وإقام الصلاة" أصله إقامة الصلاة ولكن حذفت التاء في لغة القرآن وحذفت في اللغة طلبا للازدواج مع وإيتاء الزكاة والحذف ونحوها للازدواج كثير في لغة العرب نحو (الغدايا والعشايا و"ارجعن مأزورات غير مأجورات" و"الرجس النجس" وهو كثير)

(1)

.

والصلاة في اللغة الدعاء بخير والصلاة من الله الرحمة وهي في الشرع أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة وقيل لإنها تفضي إلى المغفرة والمغفرة صلاة قال الله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}

(2)

أي مغفرة والأصل في وجوب الصلاة قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}

(3)

أي حافظوا عليها قوله: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}

(4)

أي محتمة مؤقتة

(5)

وكان فرض الصلاة ليلة المعراج قبل الهجرة بسنة وقيل بستة عشر شهرًا وتختص الوقت وجوبا موسعا إلى أن لا يبقى ما يسعها كلها، فإذا أراد تأخيرها إلى أثناء الوقت (لزمه العزم) على فعلها في أصح الوجهين ويجريان في كل واجب موسع

(6)

انتهى.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وإيتاء الزكاة" محذوف المفعول أي: وإيتاء الزكاة

(1)

التعيين (ص 78 - 79).

(2)

سورة البقرة، الآية:157.

(3)

سورة البقرة، الآية:43.

(4)

سورة النساء، الآية:103.

(5)

النجم الوهاج (2/ 7).

(6)

النجم الوهاج (2/ 7).

ص: 190

أهلها بدليل {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى}

(1)

والإيتاء: الإعطاء وآت الزكاة فهي في اللغة الزيادة والنماء وفي الشرع إخراج جزء مقدر من مال مخصوص إلى جهة مخصوصة على القربة

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وصوم رمضان"، الصوم في اللغة الإمساك وفي الشرع إمساك ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس عن المفطرات الشرعية بنية القربة وسمي رمضان لاشتداد حر الرمضاء فيه حين وضع له هذا الاسم

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وحج البيت"، والحج في اللغة القصد وفي الشرع قصد المسجد الحرام وما حوله لأداء النسك

(4)

.

وإنما خص هذه بالذكر ولم يذكر معها الجهاد، مع أنه به ظهر الدين، وانقمع به عتاة الكافرين؛ لأن هذه الخمس فرض دائم على الأعيان، ولا تسقط عمن اتصف بشروط ذلك، والجهاد من فروض الكفايات، وقد يسقط في بعض الأوقات، بل وقد صار جماعة كثيرة إلى أن فرض الجهاد قد سقط بعد فتح مكة، وذكر أنه مذهب ابن عمر، والثوري، وابن سيرين

(5)

.

وفي هذا الحديث تعظيم لأمر الصلاة والزكاة والحج والصيام والمبالغة

(1)

سورة البقرة، الآية:177.

(2)

التعيين (ص 79).

(3)

التعيين (ص 80).

(4)

التعيين (ص 79 - 80).

(5)

المفهم (1/ 83).

ص: 191

في ذلك حتى أن مفهومه أن من لم يأت بها لم يكن مسلما ولابد من تأويله إما بجحود أو بحق وإما وأما من لم يكن له مال ولا استطاعة سقط عنه ركنان ويقوم بناؤه على ثلاثة أركان ولا نقص فيه غير أنه يحرم أجرهما إلا أن ينوي أو يتمنى أن يكون له مال حتى يفعلهما انتهى.

واعلم أن الشرع تعبد الناس في أبدانهم وأموالهم فلذلك كانت العبادات إما بدنية كالصلاة أو مالية كالزكاة ومركبة كالحج والصوم لدخول التكفير بالمال فيهما وعمل البدن فيهما ظاهر كالطواف (وتجويع) البدن وظاهر هذا الحديث أن من ترك شيئًا من هذه الخمس يخرج عن ملة الإسلام بقدر ما ترك منها (لكنه لا يدخل) في الكفر إلا أنه لا يترك في ذلك جاحدا [لوجوبه إذ قد بينا] أن الإسلام غير الإيمان وإنما يكفر من فارق الإيمان بأن كذب على الله وملائكته وكتبه واليوم الآخر أو [بعضها] وأما من فارق [الإسلام] أو [بعضه] فإنما [يدخل] في الفسق [لا في][*] الكفر، وظاهر هذا التقرير أن تارك الصلاة تهاونا لا يكفر بخلاف المشهور من قول (الحنابلة)

(1)

.

وهاهنا تقسيم هو أن الإيمان والإسلام قد عرف عقيدتهما أو معناهما فمن أتاها فهو مؤمن ومن تركها فهو كافر، ومن ترك الإسلام وحده فهو فاسق مؤمن ناقص، ومن ترك الإيمان وحده فهو منافق يؤمن بلسانه وفعله ويكفر باعتقاده ومرجع هذا الحديث من الكتاب إلى قوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا

(1)

التعيين (ص 80 - 81).

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات كلمات مضطربة في المطبوع، أصلحناها من «التعيين في شرح الأربعين»

ص: 192

اللَّهُ}

(1)

، وقوله:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}

(2)

الآية {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}

(3)

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}

(4)

{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}

(5)

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}

(6)

{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}

(7)

انتهى قاله الطوفي

(8)

.

لطيفة: قوله بني الإسلام على خمس قال الواحدي في الوسيط

(9)

: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بشهادة أن لا إله إلا الله فلما صدق بها المؤمنون زادهم الصلاة فلما صدقوا بها زادهم الزكاة فلما صدقوا بها زادهم الصيام فلما صدقوا به زادهم الحج فلما صدقوا به زادهم الجهاد ثم أكمل لهم الدين وهذا يدل على الترتيب بينهم كما ذكره في الحديث

(10)

والله أعلم. قاله ابن رجب في شرح الأربعين النووية

(11)

.

(1)

سورة محمد، الآية:19.

(2)

سورة محمد، الآية:29.

(3)

سورة النساء، الآية:77.

(4)

سورة البقرة، الآية:183.

(5)

سورة البقرة، الآية:185.

(6)

سورة البقرة، الآية:196.

(7)

سورة آل عمران، الآية:97.

(8)

التعيين (ص 81).

(9)

التفسير الوسيط (2/ 153).

(10)

المفاتيح (1/ 57)، وشرح المصابيح (1/ 28).

(11)

فتح البارى (1/ 169).

ص: 193

522 -

وَعَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ بَيْنَمَا نَحن جُلُوس عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ طلع علينا رجل شَدِيد بَيَاض الثِّيَاب شَدِيد سَواد الشّعْر لا يرى عَلَيْهِ أثر السّفر وَلا يعرفهُ منا أحد حَتَى جلس إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فأسند رُكبَتَيْهِ إِلَى رُكبَتَيْهِ وَوضع كفيه على فَخذيهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّد أَخْبرنِي عَن الإِسْلَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أَن تشهد أَن لا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْت. الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(1)

وَهُوَ مَرْوِيّ عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة فِي الصِّحَاح وَغَيرهَا.

قوله: "عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشراف قريش ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمر شديدًا عليه وعلى المسلمين ثم لطف الله تعالى وأسلم قديما بعد أربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأة وسبب إسلامه مشهور وهو أن أخته فاطمة بنت الخطاب كانت زوجة سعيد بن زيد أحد العشرة وكانت قد أسلمت مع زوجها فسمع عمر بذلك (فقصدهما) ليعاتبهما فقرأت عليه القرآن فأوقع الله تعالى في قلبه الإسلام فأسلم ثم جاء ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم مجتمعون في دار عند الندوة فأظهر إسلامه فكبر المسلمون فرحا بإسلامه ثم خرج إلى مجامع قريش فنادى بإسلامه وضربه جماعة

(1)

أخرجه البخاري (50) و (4777)، ومسلم (5 و 6 و 7 - 9)، وابن ماجه (64)، وأبو داود (4698)، والنسائي في المجتبى 7/ 520 (5035) عن أبي هريرة. وأخرجه مسلم (1 و 2 و 3 و 4 - 8)، وابن ماجه (63)، وأبو داود (4695) و (4697)، والترمذى (2610)، والنسائي في المجتبى 7/ 518 (5034) عن عمر بن الخطاب.

ص: 194

وضربهم ولم يزل كذلك إلى أن أظهر الله الإسلام وقال ابن مسعود كان إسلام عمر فتحا وكانت هجرته نصرا وكانت إمامته رحمة (ولقد) رأيتنا وما نستطيع (أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا) وقيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس ثم بكى وقال أين عمر بن الخطاب قال: فوثب إليه عمر وقال: ها أنا يا رسول الله فقال ادن مني فدنا منه فضمه على صدره وقبل بين عينيه وبكى حتى خرجت دموعه على صدره ثم قال: بأعلى صوته معاشر المسلمين هذا عمر بن الخطاب هذا شيخ المهاجرين والأنصار هذا الذي أمرني الله أن أتخذه مشيرا وظهيرا هذا الذي أنزل الله الحق على لسانه هذا الذي يقول الحق وإن كان مرا هذا الذي لا يخاف في الله لومة لائم هذا سراج أهل الجنة هذا الذي يفر منه الشيطان فعلى مبغضه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين والله تعالى بريء ممن (يبغضه وأنا منه بريء) ثم قال اجلس يا عمر (فقد غفر الله) وفضائله (أشهر) من أن تذكر وأكثر من أن تحصى

(1)

اهـ. قاله في مجمع الأحباب وتقدم الكلام على مناقبه.

قوله: "بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم" قيل أصل بينا بين أشبعت فتحته فتولدت منها ألف وقد يزاد فيها ما فيقال بينما وكلاهما ظرف زمان من المفاجأة فإن إلى جملة من فعل وفاعله أو مبتدأ أو خبره ويحتاجان إلى

(1)

انظر: الرياض النضرة (1/ 49)، الوسيلة [ج 5 - ق - 2/ 178].

ص: 195

جواب يتم به المعنى والله أعلم ذكره صاحب المغيث

(1)

.

قوله: "لا يرى أثر السفر عليه" قال القاضي عياض أو النووي على الشك ضبطاه بالياء المثناة من تحت المضمومة وكذلك ضبطاه في الجمع بين الصحيحين وغيره على ما لم يسم فاعله وضبطه الحافظ أبو حازم العبدري هنا نرى بالنون المفتوحة على تسمية الفاعل وكذلك هو في مسند أبي يعلى الموصلي وكلاهما صحيح

(2)

والله أعلم.

قوله: "ووضع كفيه على فخذيه" معناه أن الرجل الداخل وضع كفيه على فخذي نفسه وجلس على هيئة المتعلم ذكره النووي في شرح مسلم

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله" هذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر وحكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين وأن الصلاة والزكاة والصوم والحج لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم الاستسلام، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده واختلاله ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر الإسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات لكونها ثمرات التصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان ومقويات ومتممات وحافظات له ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان وإعطاء الخمس من المغنم

(1)

المجموع المغيث (1/ 209).

(2)

شرح النووي على مسلم (1/ 157).

(3)

شرح النووي على مسلم (1/ 157).

ص: 196

وقيل غير ذلك هذا [ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو بدل فريضة لأن اسم الشيء مطلقا يقع على الكامل منه ولا يستعمل في الناقص ظاهرا إلا بقيد ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله صلى الله عليه وسلم لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن واسم الإسلام يتناول أيضًا ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ويتناول أصل الطاعات فإن ذلك كله استسلام قال فخرج مما ذكرناه وحققنا أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان وأن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا قال وهذا تحقيق وافر بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون وما حققناه من ذلك موافق لجماهير العُلماء من أهل الحديث وغيرهم هذا آخر كلام الشيخ] أبي عمرو بن الصلاح

(1)

.

[قوله صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث: "وأن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله" الحديث الملائكة هو جمع ملك نظرًا إلى أصله الذي هو ملاك مفعل من الألوكة بمعنى الرسالة والتاء زيدت فيه لتأكيد معنى الجمع أو لتأنيث الجمع وهم أجسام علوية نورانية متشكلة بما شاءت من الأشكال

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: وكتبه ورسله تقدم الكلام على الكتب المنزلة ورسله جمع رسول وهو النبي الذى أنزل عليه الكتاب والنبي أعم منه

(3)

والله أعلم].

(1)

شرح النووي على مسلم (1/ 157).

(2)

الكواكب الدراري (1/ 194).

(3)

الكواكب الدراري (1/ 194).

ص: 197

وسيأتي هذا الحديث بتمامه والكلام عليه مبسوطا فى موضع آخر إن شاء الله تعالى.

523 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول أَرَأَيْتُم لَو أَن نَهرا بِبَاب أحدكم يغْتَسل فِيهِ كلّ يَوْم خمس مَرَّات هَل يبْقى من درنه شَيْء قَالُوا لا يبْقى من درنه شَيْء، قَالَ فَكَذَلِك مثل الصَّلَوَات الْخمس يمحو الله بِهن الْخَطَايَا" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ

(1)

وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عُثْمَان

(2)

.

الدَّرن بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَالرَّاء جَمِيعًا هُوَ الْوَسخ.

قوله: عن أبي هريرة [تقدم الكلام على فضائله]

قوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم" الحديث أي أخبروني لو أن نهرا إشارة إلى سهولته وقرب متناوله

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "هل يبقى من درنه شيء" قد فسر الحافظ رحمه الله الدرن بأنه الوسخ ا. هـ.

(1)

أخرجه البخاري (528)، ومسلم (283 - 667)، والترمذى (2868)، والنسائي في المجتبى 1/ 566 (469).

(2)

أخرجه أحمد (518)، وعبد بن حميد (56)، وابن ماجه (1397)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (84) و (85)، والطحاوى في مشكل الآثار (4962). وقال البوصيرى في الزجاجة 2/ 12: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وصححه الألباني في الصحيحة (1614)، والإرواء (1/ 47 - 48)، وصحيح الترغيب (353).

(3)

إكمال المعلم (2/ 644).

ص: 198

ومنه حديث الزكاة ولم يعط الهرمة ولا الدرنة أي الجرباء وأصله من الوسخ. قاله في النهاية

(1)

.

524 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة كَفَّارَة لما بَينهُنَّ مَا لم تغش الْكَبَائِر" رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا

(2)

.

قوله: عن أبي هريرة أيضًا تقدم الكلام عليه أيضًا.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن" الحديث أي باترات ماحيات لما بينهن من الأثام وحمله القاضي عياض على غفران الصغائر خاصة وقال هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تغش الكبائر هو مذهب أهل السنة وأن الكبائر إنما يكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله فإن قال قائل اجتناب الكبائر مكفر للصغائر بنص القرآن فأي شيء تكفر الصلوات وغيرها قلنا إذا لم تجد الصلاة ذنوبا تكفرها فلا يبعد أن الله تعالى يرفع لفاعلها الدرجات وينزل ذلك منزلة تكفير الخطيئات

(3)

.

وأما ما يحكى عن أبي إسحاق الإسفرايني أنه قال: الذنوب كلها كبائر وليس فيها صغائر فليس المراد أنها مستوية في الإثم بحيث يكون إثم النظرة المحرمة كإثم الوطء المحرم وإنما المراد أنها بالنسبة إلى عظمة

(1)

النهاية (2/ 115).

(2)

أخرجه مسلم (14 و 15 و 16 - 233)، وابن ماجه (1086)، والترمذى (214).

(3)

المجموع (6/ 382) وشرح النووي على مسلم (3/ 113).

ص: 199

من عصي بها كلها كبائر ومع هذا فبعضها أكبر من بعض وعلى هذا فالأمر في ذلك لفظي لا يرجع إلى معنى

(1)

قاله ابن عقيل في شرحه الأحكام.

525 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول الصَّلَوَات الْخمس كَفَّارَة لما بَينهَا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرَأَيت لَو أَن رجلًا كَانَ يعتمل وَكانَ بَين منزله وَبَين معتمله خَمْسَة أَنهَار فَإِذا أَتَى معتمله عمل فِيهِ مَا شَاءَ الله فَأَصَابَهُ الْوَسخ أَو الْعرق فَكلما مر بنهر اغْتسل مَا كانَ ذَلِك يبقي من درنه فَكَذَلِك الصَّلَاة كلما عمل خَطِيئَة فَدَعَا واستغفر غفر لَهُ مَا كَانَ قبلهَا، رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْكَبِير بِإِسْنَاد لا بَأْس بِهِ

(2)

وشواهده كَثِيرَة.

526 -

وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل الصَّلَوَات الْخمس كمثل نهر جَار غمر على بَاب أحدكُم يغْتَسل مِنْهُ كلّ يَوْم خمس مَرَّات رَوَاهُ مُسلم.

(3)

والغمر بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْمِيم بعدهمَا رَاء هُوَ الْكثير.

(1)

مدارج السالكين (1/ 322).

(2)

أخرجه البزار (344/ كشف الأستار)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (86)، والطبراني في ا لأوسط (1/ 71 رقم 198) والكبير (6/ 37 رقم 5444). وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، تفرد به: يحيى بن أيوب. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 298: رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير وزاد فيه: "ثم صلى صلاة استغفر، غفر الله له ما كان قبلها". وفيه عبد الله بن قريظ ذكره ابن حبان في الثقات، وبقية رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (355).

(3)

أخرجه أحمد (2/ 426)(9505) و (3/ 305)(14275) و (3/ 317)(14408) و (3/ 357)(14853)، ومسلم (284 - 668)، وابن حبان (1725). وصححه الألباني في الإرواء (15)، وصحيح الترغيب (356).

ص: 200

قوله: وعن جابر تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر" الحديث.

أما الغمر من الماء فهو الماء الكثير كذا فسره الحافظ رحمه الله وهو بفتح الغين المعجمة الموحّدة وإسكان الميم بعدهما راء.

قال بعض العُلماء: هو الماء الكثير الذي يغمر ويغطي من دخله، قال: وهو من الرجال الكثير العطاء فإن الماء الكثير إنما سمي غمرا بمصدر فعله لأنه يغمر الأشياء غمرا أي يغطيها، يقال: غمره الماء يغمره وهو غامره، وشبه الرجل الكبير العطاء لأنه يغمر السؤال بغطاء ومنها الحديث "أعوذ بك من موت الغمر" أي الغرق

(1)

.

527 -

وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تحترقون تحترقون فَإِذا صليتم الصُّبْح غسلتها ثمَّ تحترقون تحترقون فَإِذا صليتم الظّهْر غسلتها ثمَّ تحترقون تحترقون فَإِذا صليتم الْعَصْر غسلتها ثمَّ تحترقون تحترقون فَإِذا صليتم الْمغرب غسلتها ثمَّ تحترقون تحترقون فَإِذا صليتم الْعشَاء غسلتها ثمَّ تنامون فَلَا يكْتب عَلَيْكُم حَتَّى تستيقظوا" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير والأوسط وَإِسْنَاده حسن وَرَوَاهُ فِي الْكَبِير مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَهُوَ أشبه وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح

(2)

.

(1)

انظر: جمهرة اللغة (2/ 781)، وتهذيب اللغة (8/ 127)، والنهاية (3/ 383).

(2)

أخرجه الطبراني في الصغير (1/ 91 رقم 121) والأوسط (2/ 358 رقم 2224) مرفوعًا. وأخرجه الطبراني في الكبير (9/ 148 رقم 8739) موقوفًا. وقال الطبراني: رفعه علي بن =

ص: 201

قوله: عن عبد الله بن مسعود تقدم الكلام على فضائله.

قوله صلى الله عليه وسلم: "تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصبح غسلتها" الحديث المراد بالاحتراق الذنوب، والمراد بغسلها غفرانها والغفران هو ستر ذنوب العبد.

سؤال: من صلى هذه الصلوات أولا؟

قيل: أول من صلى الفجر آدم صلى الله عليه وسلم، والظهر إبراهيم صلى الله عليه وسلم والعصر يونس عليه السلام، والمغرب عيسى عليه السلام، والعتمة موسى عليه السلام، وقال أول من صلى هذه الصلوات الملائكة فأمهم جبريل عليه السلام، ويقال أول من صلى هذه الصلوات أدم شكرا لقبول توبته، فائدة: فيها بشرى فلم أمر بسبع عشر ركعة في الليل والنهار وهي خمس صلوات قيل لأن المفاصل سبعة عشر مفصلا فأراد أن يعتق بكل مفصل قاله في كشف الأسرار

(1)

.

فائدة أخرى: جليلة فيها بشرى لبني أدم روي عن وهب أن عبادة أهل السماء الدنيا القيام يعني في الصلاة، وعبادة أهل السماء الثانية الركوع، وعبادة أهل السماء الثالثة السجود، وعبادة أهل السماء الرابعة القراءة، وعبادة أهل السماء الخامسة التسبيح، وعبادة أهل السماء السادسة الذكر، وعبادة أهل

= عثمان اللاحقي. ورواه جماعة: عن حمَّاد بن سلمة موقوفًا. وقال الهيثمي في المجمع (1/ 299): رواه الطبراني في الثلاثة إلا أنه موقوف في الكبير، ورجال الموقوف رجال الصحيح، ورجال المرفوع فيهم عاصم بن بهدلة، وحديثه حسن. وقال الألبانى: حسن صحيح صحيح الترغيب (357).

(1)

كشف الأسرار (لوحة 37 و 39).

ص: 202

السماء السابعة الجلوس في التحيات قلت سبحان الله ما أحسن هذا الحديث في تشريف ابن أدم على الملائكة، وكون الشريعة هي مجموع عبادات أهل السموات السبع في فروض الصلاة لابن آدم قاله في كنز الدرر

(1)

.

528 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن لله ملكا يُنَادي عِنْد كلّ صَلَاة يَا بني آدم قومُوا إِلَى نيرانكم الَّتِي أوقدتموها فأطفئوها" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالصَّغِير وَقَالَ تفرد بِهِ يحيى بن زُهَيْر الْقرشِي

(2)

.

قَالَ المملي رضي الله عنه: وَرِجَاله كلهم مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح سراة.

قوله: عن أنس بن مالك تقدم الكلام ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم "إن لله ملكا ينادي عند كل صلاة يا بني أدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموهما" الحديث المراد بذلك الذنوب كما تقدم.

(1)

كنز الدرر (1/ 72).

(2)

أخرجه الطبراني في الصغير (2/ 262 رقم 1135) والأوسط (9/ 173 - 174 رقم 9452)، والضياء في المختارة (7/ 161) (2590) و (7/ 161 - 162) (2591). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ابن عون إلا أزهر، تفرد به يحيى بن زهير القرشي. وقال الضياء: إسناده لا بأس به.

وقال الهيثمي في المجمع 1/ 299: رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وقال: تفرد به يحيى بن زهير القرشي. قلت: ولم أجد من ذكره إلا أنه روى عن أزهر بن سعد السمان، وروى عنه يعقوب بن إسحاق المخرمي، وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني في الضعيفة (3057) وحسنه في صحيح الترغيب (358).

ص: 203

قوله: "عن أنس تفرد به يحيى القرشي" هو يحيى بن زهير أبو عبد الرحمن القرشي الفهري حدّث عن: محمد بن ربيعة الكلابي، وعبد الرحمن بن مسهر، وجرير ابن عبد الحميد، وأزهر بن سعد السمان، روى عنه: يعقوب بن إسحاق المخرمي، وأحمد بن محمد بن يزيد الزعفراني، وإسماعيل بن العبَّاس الوراق، ومحمد بن مخلد الدوري

(1)

.

529 -

وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ يبْعَث مُنَاد عِنْد حَضْرَة كل صَلَاة فَيَقُول يَا بني آدم قومُوا فأطفئوا مَا أوقدتم على أَنفسكُم فَيقومُونَ فيتطهرون وَيصلونَ الظّهْر فَيغْفر لَهُم مَا بَينهمَا فَإِذا حضرت الْعَصْر فَمثل ذَلِك فَإِذا حضرت الْمغرب فَمثل ذَلِك فَإِذا حضرت الْعَتَمَة فَمثل ذَلِك فينامون فمدلج فِي خير ومدلج فِي شرّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير

(2)

.

قوله: "عن عبد الله بن مسعود" تقدم.

قوله: "يبعث مناد عند حضرة كل صلاة فيقول يا بني أدم أوقدتم على

(1)

تاريخ بغداد (16/ 304).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 141 - 142 رقم 10252 و 10253) وعنه أبو نعيم في الحلية (4/ 189 - 190). قال أبو نعيم: حديث الربيع ينفرد به عبد ربه وحديث هشام أيوب بن حسان.

وقال الهيثمي في المجمع (1/ 299): رواه الطبراني في الكبير، وفيه أبان بن أبي عيَّاش وثقه أيوب وسلم العلوي، وضعفه شعبة وأحمد وابن معين وأبو حاتم. وحسنه الألباني في الصحيحة (2520) وصحيح الترغيب (359).

ص: 204

أنفسكم" أي قوموا إلى الصلاة فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم أي من الذنوب التي فعلتموها. قوله: فإذا حضرت العصر أي جاء وقت فعلها، ويقال حضرت بفتح الضاد المعجمة وكسرها لغتان مشهورتان الفتح أشهر.

قوله: في آخر الحديث فمدلج في خير ومدلج في شر المدلج وهو المسافر أول الليل والله أعلم.

530 -

وَعَن طَارق بن شهَاب أَنه بَات عِنْد سلمَان الْفَارِسِي رضي الله عنه لينْظر مَا اجْتِهَاده قَالَ فَقَامَ يُصَلِّي من آخر اللَّيْل فَكَأَنَّهُ لم ير الَّذِي كَانَ يظنّ فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ سلمَان حَافظُوا على هَذِه الصَّلَوَات الْخمس فَإِنَّهُنَّ كَفَّارَات لهَذه الْجِرَاحَات مَا لم تصب المقتلة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير مَوْقُوفا هَكَذَا بِإِسْنَاد لا بَأْس بِهِ وَيَأْتِي بِتَمَامِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(1)

.

قوله: عن طارق بن شهاب هو أبو عبد الله طارق بن شهاب بن عبد شمس بن سملة الكوفي البجلي الأحمسي بالحاء والسين المهملتين منسوب إلى أحمس بن الغوث بن أنمار أدرك الجاهلية، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وغزا في زمن أبي بكر وعمر ثلاثًا وثلاثين أو ثلاثًا وأربعين غزوة، وروى عن الخلفاء الأربعة وابن مسعود وسلمان وخالد وأبي موسى وحذيفة، وروى عنه

(1)

أخرجه عبد الرزاق (148) و (4737) ومن طريقه الطبراني في الكبير (6/ 217 رقم 6051) وأبو نعيم في الحلية (1/ 189 - 190)، وأبو داود في الزهد (256). وقال الهيثمي في المجمع (1/ 300): رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (360) و (633).

ص: 205

جماعات من التابعين منهم قيس بن مسلم ومخازن بن عبد الله وإسماعيل بن أبي خالد سليمان بن ميسرة وغيرهم سكن الكوفة وتوفي سنة ثلاث وثمانين

(1)

.

قوله أنه بات عند سلمان الفرسي لينظر ما اجتهاده.

سلمان هو أبو عبد الله سلمان الخير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسئل عن نسبه فقال: إنا سلمان بن الإسلام أصله من فارس من حي قرية من قرى أصبهان وقيل غير ذلك وسبب إسلامه مشهور أنه هرب من أبيه وكان مجوسيا فجلس براهب ثم بجماعة رهبان واحد بعد واحد يصحبهم إلى وفاتهم إلى أن دله الأخير على الذهاب إلى الحجاز وأخبره بظهور النبي صلى الله عليه وسلم فقصده وقصته مشهورة وأول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ولم يتخلف عن مشهد بعدها وأخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي وكان من فضلاء الصحابة، وزهادهم وعلمائهم وسكن العراق وكان يعمل الخوص بيده فيأكل منه وكان أبو الدرداء قد سكن الشام فكتب إلى سلمان أما بعد فإن الله رزقني بعدا ممالا وولد ونزلت الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان أما بعد فإنك كتبت إليّ أن الله رزقك مالا وولدا فأعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد ولكن أن يكثر الله حلمك وينفعك علمك وكتبت إلى أنك في الأرض المقدسة وأن الأرض لا تقدس أحدا، ونقلوا اتفاق العلماء على أن سلمان الفارسي عاش مائتين وخمسين سنة وقيل ثلاثمائة وخمسين سنة وقيل أنه أدرك وصي عيسى عليه السلام روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستون

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 251 الترجمة 268).

ص: 206

حديثًا اتفق البخاري ومسلم منها على ثلاثة ولمسلم ثلاثة توفى رضي الله عنه بالمدائن في أول سنة ست وثلاثين وقيل غير ذلك وكان له ثلاث بنات بنت بأصبهان وبنتان بمصر ومناقبه كثيرة مشهورة

(1)

.

قوله: على هذه الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذا الجراحات المراد بالجراحات الصغائر.

قوله ما لم تصب المقتلة المقتلة عبارة عن ارتكاب الذنوب الكبائر التى لا تغفر إلا بالتوبة أو يغفرها الله لمن شاء

(2)

والله أعلم.

لطيفة: قال أبو محمد الجريري قصدت الجنيد فوجدته في الصلاة فأطال جدًا فقلت قد كبرت ووهن عظمك ورق جلدك وضعفت قوتك فلو اقتصرت على بعض صلاتك فقال: اسكت طريق عرفنا به ربنا لا ينبغي أن نقتصر منه على بعضه

(3)

. ودخلوا على الجنيد عند موته وهو يصلي فقالوا في هذا الوقت فقال الآن حين تطوى الصحائف

(4)

.

531 -

وَعَن عَمْرَو بن مرّة الْجُهَنِيّ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن شهِدت أَن لا إِلَه إِلَّا الله وَأنَك رَسُول الله وَصليت الصَّلَوَات الْخمس وَأديت الزَّكَاة وَصمت رَمَضَان وقمته فَمِمَّنْ أَنا

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 226 - 228 الترجمة 218).

(2)

انظر: الاستذكار (1/ 202)، وجامع العلوم والحكم (2/ 506).

(3)

الصلاة والتهجد (ص 309) لابن الخراط.

(4)

المدهش (ص 471).

ص: 207

قَالَ من الصديقين وَالشُّهَدَاء. رَوَاهُ الْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَاللَّفْظ لِابْنِ حبَان

(1)

.

قوله وعن عمرو بن مرة الجهني هو (عمرو بن مرة بن عبس بن مالك بن الحارث بن مازن بن سعد بن مالك ابن رفاعة بن نصر بن مالك بن غطفان بن قيس بن جهينة الجهني، ثم أحد بني غطفان، ويقال: الأسدي، ويقال: الأزدي، والأول أكثر. يكنى أبا مريم وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: آمنت بكل ما جئت به من حلال وحرام، وإن أرغم ذلك كثيرًا من الأقوام. وكان إسلامه قديما، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر المشاهد، وسكن الشأم، روى عنه عيسى بن طلحة، وسبرة بن معبد، ومضرس بن عثمان، وغيرهم

(2)

.

قوله: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت أن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأديت الزكاة وصمت رمضان تقدم الكلام على الصلاة والزكاة وصوم رمضان قريبًا والله أعلم.

الصديقون فجمع صديق وهو كثير الصدق وأما الشهداء فجمع شهيد

(1)

أخرجه يحيى بن معين في الثانى من حديثه (190)، والبخاري في التاريخ الكبير (6/ 308)، والبزار (25/ كشف الأستار)، وابن خزيمة (2212)، وابن حبان (3438)، والطبراني في الشاميين (2939). قال البزار: وهذا لا نعلمه مرفوعًا إلا عن عمرو بن مرة بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 46: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخي البزار، وأرجو إسناده أنه إسناد حسن أو صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (361) و (749) و (1003).

(2)

أسد الغابة (3/ الترجمة 4019)، وتهذيب الكمال (22/ الترجمة 4449).

ص: 208

وهو من قتل في سبيل الله في معركة الكفار بسبب من أسباب.

532 -

وَعَن أبي مُسلم التغلبي قَالَ دخلت على أبي أُمَامَة رضي الله عنه وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فَقلت يَا أَبَا أُمَامَة إِن رجلًا حَدثنِي عَنْك أنَك سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من تَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء فَغسل يَدَيْهِ وَوَجهه وَمسح على رَأسه وَأُذُنَيْهِ ثمَّ قَامَ إِلَى صَلَاة مَفْرُوضَة غفر الله لَهُ فِي ذَلِك الْيَوْم مَا مشت إِلَيْهِ رِجْلَاهُ وقبضت عَلَيْهِ يَدَاهُ وَسمعت إِلَيْهِ أذنَاهُ وَنظرت إِلَيْهِ عَيناهُ وَحدّث بِهِ نَفسه من سوء فَقَالَ وَالله قد سمعته من النَّبِي صلى الله عليه وسلم أمرا" رَوَاهُ أَحْمد وَالْغَالِب على سَنَده الحسن

(1)

وَتقدم لَهُ شَوَاهِد فِي الْوضُوء وَالله أعلم.

قوله: عن أبي مسلم التغلبي أبو مسلم اسمه

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء" تقدم الكلام على معنى الوضوء وأنه من الوضاءة وهو الحسن وتقدم الكلام أيضًا على إحسان الوضوء فى عدة مواضع من هذا التعليق.

(1)

أخرجه أحمد 5/ 263 (22272)، وأحمد بن منيع في مسنده كما في إتحاف الخيرة (1/ 306 رقم 518/ 5)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (8/ 266 رقم 8032)، وابن شاهين في الترغيب في الفضائل (28). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 222: رواه أحمد والطبراني بنحوه في الكبير، وفيه أبو مسلم، ولم أجد من ترجمه بثقة ولا جرح، غير أن الحاكم ذكره في الكني، وقال: روى عنه أبو حازم. وهنا روى عنه أبان بن عبد الله. وكذلك ذكره ابن أبي حاتم. وقال في 1/ 300: رواه الطبراني في الكبير من رواية أبي مسلم الثعلبي عنه، ولم أر من ذكره، وبقية رجاله موثقون. وقال الألباني في الضعيفة (6711): منكر بذكر: (اليوم، وتحديث النفس). وضعفه في ضعيف الترغيب (134) و (209).

(2)

بياض بمقدار كلمة واحدة.

ص: 209

قوله صلى الله عليه وسلم: "غفر الله له في ذلك اليوم ما مشت إليه رجلاه" الحديث فالذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة والاعتبار فالذي يكفره الوضوء والصلاة والصغائر لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" وقد يقال إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة وإذا كفرت الصلوات فماذا تكفر الجماعات ورمضان إلى رمضان وكذلك صوم يوم عرفة كفارة سنتين يوم عاشوراء كفارة سنة وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه والجواب: ما أجاب به العلماء رضي الله عنهم أن كل واحدة من هذا المذكورات صالح للتكفير فإن وجد ما يكفر من الصغائر وإن لم يصادق صغيرة ولا كبيرة كتب له بها حسنات ورفعت له بها درجات وأن صادق كبيرة أو كبائر ولم يصادق صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر

(1)

.

533 -

وَعَن سلمَان الْفَارِسِي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُسلم يُصَلِّي وخطاياه مَرْفُوعَة على رَأسه كلما سجد تحات عَنهُ فيفرغ من صلَاته وَقد تحاتت عَنهُ خطاياه"، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالصَّغِير وَفِيه أَشْعَث بن أَشْعَث السعداني لم أَقف على تَرْجَمته

(2)

.

(1)

المجموع (6/ 382) وشرح النووي على مسلم (3/ 113).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (6/ 250 رقم 6125)، وفي الصغير (2/ 272 رقم 1153)، وأبو الطاهر المخلص في المخلصيات (2813)، والبيهقي في الشعب (4/ 503 رقم 2875)، والخطيب في المتفق والمفترق (1/ 542 - 543) وتاريخ بغداد =

ص: 210

قوله: "في حديث سلمان وفيه أشعث بن أشعت السعداني" من أهل البصرة، يروي عن: عمران القطَّان، يروي عنه بشر بن آدم، ابن ابنة أزهر السمان، يغرب

(1)

.

قوله: "عن أبي عثمان كنت مع سلمان تحت شجرة فأخذ غصنا منها يابسا فهزه حتى تحات ورقه". أبو عثمان هذا اسمه (عبد الرحمن بن مل بن عمرو بن عدي بن وهب بن ربيعة بن سعد بن جذيمة أبو عثمان النهدي الكوفي، سكن البصرة، أدرك الجاهلية وأسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصدق إليه، ولم يلقه، متفق على توثيقه

(2)

.

534 -

وَعَن أبي عُثْمَان قَالَ: كنت مَعَ سلمَان رضي الله عنه تَحت شَجَرَة فَأخذ غصنا مِنْهَا يَابسا فهزه حَتَّى تحات ورقه ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا عُثْمَان أَلا تَسْأَلنِي لم أفعل هَذَا قلت وَلم تَفْعَلهُ قَالَ هَكَذَا فعل بِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنا مَعَه تَحت

= (16/ 460)، وابن غنائم في الفوائد (20).

قال الطبراني في المعجم الصغير: "لم يروه عن سليمان إلا عمران، ولا عن عمران إلا أشعث بن أشعث، تفرد به بشر". ووقع في المعجم الكبير: "بشر بن موسى"، بدل "بشر بن آدم". وقال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الكبير والصغير والبزار، وفيه أشعث بن أشعث السعداني، ولم أجد من ترجمه. وقال الألباني في الصحيحة (3402) وصحيح الترغيب (362): حسن صحيح. قال أبو حاتم في العلل (342): هذا خطأ؛ إنما هو عن سلمان قوله (9)، وأشعث مجهول لا يعرف.

(1)

الثقات (8/ 128).

(2)

تهذيب الكمال (17/ الترجمة 3968).

ص: 211

شَجَرَة وَأخذ مِنْهَا غصنًا يَابسًا فهزَّه حَتَّى تحات ورقه فَقَالَ: يَا سلمَان أَلا تَسْأَلنِي لم أفعل هَذَا؟ قلت: وَلم تَفْعَلهُ؟ قَالَ: إِن الْمُسلم إِذا تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ صلى الصَّلَوَات الْخمس تحاتت خطاياه كَمَا تحات هَذَا الْوَرق وَقَالَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)}

(1)

، رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ ورواة أَحْمد مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح إِلَّا عَليّ بن زيد

(2)

.

وتقدم الكلام على سلمان.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس" الحديث تقدم الكلام على ألفاظ هذا الحديث في الأحاديث قبله وفي الصحيح عن ابن مسعود أن رجلًا أصاب من امرأة قبله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأنزل الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} فقال الرجل: لمن

(1)

سورة هود، الآية:114.

(2)

أخرجه الطيالسي (687)، وأبو عبيد في الطهور (11)، وابن أبي شيبة في المُصَنِّف 1/ 16 (52)، والمسند (456)، وأحمد في مسنده (5/ 437 و 438 رقم 23707 و 23716)، والدارمي (746)، والبزار (2508)، والطبراني في الكبير (6/ 257 رقم 6151 و 6152).

قال الهيثمي في المجمع 1/ 297 - 298: رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير. وفي إسناد أحمد علي بن زيد، وهو مختلف في الاحتجاج به، وبقية رجاله رجال الصحيح. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (363).

ص: 212

هذا يا رسول الله؟ قال: "لمن عمل بها في أمتي" هذا الرجل هو أبو يسر كعب بن عمرو

(1)

.

قوله: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} أي: ساعة بعد ساعة، يقرب بعضها من بعض، الواحدة زلفة، وعني بالزلف من الليل المغرب والعشاء

(2)

.

وقوله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} اعلم أن صغائر الذنوب تقع مكفرات بما يتبعها من الحسنات، وكذا ما خفي من الكبائر، لعموم قوله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وقوله عليه السلام: "أتبع الحسنة السيئة تمحها"، فأما ما ظهر منها وتحقق عند الحاكم لم يسقط حدها إلا بالتوبة، وفي سقوطه بها خلاف، وخطيئة هذا الرجل في حكم المخفي، لأنه ما بينها، فلذلك سقط حدها بالصلاة، سيما وقد انضم إليها ما أشعر بإنابته عنها وندامته عليها

(3)

.

535 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد رضي الله عنهما قَالا: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ثَلَاث مَرَّات ثمَّ أكب فأكب كل رجل منا يبكي لا نَدْرِي على مَاذَا حلف ثمَّ رفع رَأسه وَفِي وَجهه الْبُشْرَى وَكَانَت أحب

(1)

أخرجه البخاري (526) و (4687)، ومسلم (39 و 40 و 41 و 42 و 43 - 2763).

وانظر: الإفصاح (2/ 55). وقيل في اسم الرجل: ثلاثة أقوال: أحدها، أنه عمرو بن غزية أبو حية الأنصاري، قاله ابن عباس. والثاني: عامر بن قيس الأنصاري، قاله مقاتل. والثالث: أبو اليسر كعب بن عمرو، وذكره أبو بكر الخطيب.

(2)

الغريبين (3/ 827)، وشرح السنة (2/ 178).

(3)

تحفة الأبرار (1/ 229 - 230).

ص: 213

إِلَيْنَا من حمر النعم قَالَ: مَا من رجل يُصَلِّي الصَّلَوَات الْخمس ويصوم رَمَضَان وَيخرج الزَّكاة ويجتنب الْكَبَائِر السَّبع إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى إِنَّهَا لتصطفق" ثمَّ تَلا {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)}

(1)

، وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الإِسْنَاد

(2)

.

قوله: عن أبي هريرة وعن أبي سعيد تقدم الكلام على مناقبهما رضي الله عنهما.

قوله: "والذي نفسي بيده ثلاث مرات" الحديث فيه جواز الحلف من غير ضرورة لكن المستحب تركه إلا لحاجة كتأكيد أمر وتفخيمه والمبالغة في تحقيقه وتمكينه من النفوس وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من الحلف

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده" ولفظ اليد من المتشابهات وفي مثله افترقت الأمة فرقتين مفوضة وهم الذين يفوضون الأمر فيها إلى الله قائلين {وَمَا

(1)

سورة النساء، الآية:31.

(2)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 316)، والنسائي في المجتبى 4/ 454 (2457) والكبرى (2424)، والحاكم (2/ 240)، وابن فاخر في موجبات الجنة (68). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وحسنه ابن حجر في موافقة الخبر الخبر (1/ 352). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (210) و (452).

(3)

شرح النووي على مسلم (4/ 150).

ص: 214

يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}

(1)

ومؤولة وهم الذين يؤولونها كما يقال المراد من اليد القدرة عاطفين {الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}

(2)

على {إِلَّا اللَّهُ} والأول أسلم والثاني أحكم

(3)

والله أعلم.

وقال بعض العُلماء في قوله "بيده" والمراد في قبضته وقدرته ومما أفاد بعض علمائنا أن آيات الصفات وأحاديثها لا تذكر إلا حيث ذكرت وليس لأحد أن يتكلم بذلك ويقول أردت كذا فإن له مندوحة من ذلك بالتصريح بمراده على مورد التنزيه [كلمة غير واضحة] تأويل وهو أعلم أو بإمراره على ما ورد مع القطع بنفي التشبيه وهو أسلم والله أعلم قاله فى شرح الإلمام.

تنبيه: وهذه كانت غالب يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ومقلب القلوب وسببه ما فيهما من التنبيه على تسليم الأمر كله لله وأن جميع حركاته وتقلباته بيد خالقه فينشأ عن ذلك الرضا بالقضاء وسكون القلب إلى القضاء والقدر.

قوله: "فرفع رأسه وفي وجهه البشرى وكانت أحب إلينا من حمر النعم حمر بضم الحاء المهملة والميم الإبل الحمر" وهي أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وأنه ليس أعظم منه قاله النووي في شرح مسلم

(4)

.

(1)

سورة آل عمران، الآية:7.

(2)

سورة آل عمران، الآية:7.

(3)

الكواكب الدراري (1/ 97).

(4)

شرح النووي على مسلم (15/ 178).

ص: 215

قوله صلى الله عليه وسلم: "وتجتنب الكبائر السبع" الحديث فهذا يدل على تعظيم هذه السبعة وأن من سلم منها كان على نجا إلى إن وقع في غيرها أو ليس فيه نفي ما عداها أن يكون كبيرة بل إنها أعظم الكبائر والتنصيص عليها اهتماما بأمرها وإلا فهي إلى السبعين أقرب بل إلى السبعمائة ولهذا أسماها الموبقات أي المهلكات.

قال في المفهم يحتمل أن يكون اقتصر عليها لأنها هي التي أعلم بها في ذلك الوقت بالوحي ثم أعلم بعد ذلك بغيرها أو لأن تلك السبع هي التي دعت الحاجة إليها في ذلك الوقت أو التي سئل عنها فيه وكذلك القول في كل حديث خص عددا من الكبائر

(1)

.

536 -

وَعَن عُثْمَان رضي الله عنه قَالَ حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد انصرافنا من صَلَاتنَا أرَاهُ قَالَ الْعَصْر فَقَالَ مَا أَدْرِي أحدّثكُم أَو أسكت قَالَ فَقُلْنَا يَا رَسُول الله إِن خيرا فحدّثنا وَإِن كَانَ غير ذَلِك فَالله وَرَسُوله أعلم قَالَ مَا من مُسلم يتَطَهَّر فَيتم الطَّهَارَة الَّتِي كتب الله عَلَيْهِ فَيصَلي هَذِه الصَّلَوَات الْخمس إِلَّا كَانَت كفَّارَات لما بَينهَا وَفِي رِوَايَة أَن عُثْمَان رضي الله عنه قَالَ وَالله لأحدّثكم حَدِيثا لَوْلا آيَة فِي كتاب الله مَا حَدَّثتكُمُوهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لا يتَوَضَّأ رجل فَيحسن وضوءه ثمَّ يُصَلِّي الصَّلَاة إِلَّا غفر الله لَهُ مَا بَينهَا وَبَين الصَّلاة الَّتِي تَلِيهَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(2)

.

(1)

المفهم (2/ 45).

(2)

أخرجه مسلم (10 و 11 - 231)، وابن ماجه (459)، والنسائي في المجتبى (1/ 334)(151) والكبرى (181) باللفظ الأول. وأخرجه مسلم (5 و 6 - 227)، والنسائي في المجتبى (1/ 334)(150) والكبرى (180) باللفظ الثانى.

ص: 216

537 -

وَفِي رِوَايَة لمُسلم قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من تَوَضَّأ للصَّلَاة فأسبغ الْوضُوء ثمَّ مَشى إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة فَصلاهَا مَعَ النَّاس أَو مَعَ الْجَمَاعَة أَو فِي الْمَسْجِد غفر لَهُ ذنُوبه

(1)

.

538 -

وَفِي رِوَايَة أَيْضا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من امرئ مُسلم تحضره صَلَاة مَكْتُوبَة فَيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إِلَّا كَانَت كَفَّارَة لما قبلهَا من الذُّنُوب مَا لم تؤت كبِيرَة وَذَلِكَ الدَّهْر كُله

(2)

.

قوله: وعن عثمان كنيته أبو عمرو ويقال أبو عبد الله وأبو ليلى عثمان بن عفان القرشي الأموي المكي ثم المدني أمير المؤمنين أمه أروى بنت كريز بن ربيعة وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر عثمان الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة فهاجر بزوجته رقيه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرتين الأولى والثانية ويقال لعثمان ذو النورين لأنه تزوج بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما بعد الأخرى قالوا أو لا يعرف أحد تزوج بنتي نبي غير عثمان تزوج رقية قبل النبوة توفيت عنده في أيام غزوة بدر في شهر رمضان السنة الثانية من الهجرة وكان رضي الله عنه تأخر عن بدر لتمريضها بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء البشير بنصر المؤمنين ببدر يوم دفنها بالمدينة رضي الله عنها ثم تزوج بعد وفاتها أختها أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفيت عنده سنة تسع من الهجرة ولم تلد له شيئًا روي لعثمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة

(1)

أخرجه مسلم (12 و 13 - 232).

(2)

أخرجه مسلم (7 - 228).

ص: 217

حديث وستة وأربعون حديثًا اتفق البخاري ومسلم منها على ثلاثة وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بخمسة ولد عثمان في السنة السادسة بعد الفيل وقتل شهيدا يوم الجمعة لثمان عشرة خلون من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وقيل يوم الأربعاء وهو ابن تسعين سنة وقيل غير ذلك وبويع لعثمان بالخلافة [163 المغربي] غرة المحرم سنة أربع وعشرين فكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا ليالي، قال ابن عبد البر

(1)

: بويع يوم السبت بعد دفن عمر بثلاثة أيام وحج فيها بالناس عشر سنين متوالية وصلى عليه جبير بن مطعم ودفن ليلًا بالبقيع وأخفى قبره ذلك الوقت ثم أظهر وقيل صلى عليه حكيم بن حزام وقيل المسور بن مخرمة وإنما دفن ليلا للعجز عن إظهار دفنه بسبب غلبة قاتليه وعثمان بن عفان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وروي أنه قال رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأبا بكر وعمر فقالوا اصبر فإنك تفطر عندنا الليلة القابلة ثم دعا بالمصحف فقتل وهو بين يديه واعتق عشرين مملوكا وهو محصور رضي الله عنه ومناقبه كثيرة مشهورة

(2)

.

قوله: "ما أدري أحدّثكم أو أسكت" الحديث فيحتمل أن يكون معناه ما أدري هل ذكري لكم هذا الحديث في هذا الزمن مصلحة أم لا ثم ظهرت مصلحته في الحال عنده صلى الله عليه وسلم فحدّثهم به لما فيه من ترغيبهم في الطهارة وسائر أنواع الطاعات وسبب توقفه أولا أنه خاف مفسدة اتكالهم ثم رأى المصلحة

(1)

الاستيعاب (3/ 1044).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 321 - 325 الترجمة 395).

ص: 218

في التحديث به، وأما قولهم إن كان خيرا فحدّثنا فيحتمل أن يكون معناه إن كان بشارة لنا وسببا لنشاطنا وترغيبنا في الأعمال أو تحذيرا وتنفيرا من المعاصي والمخالفات فحدّثنا به لنحرص على عمل الخير والإعراض عن الشر وإن كان حديثًا لا يتعلق بالأعمال ولا ترغيب فيه ولا ترهيب فالله ورسوله أعلم ومعناه فإذا فيه رأيك والله أعلم

(1)

.

قوله: فقلنا يا رسول الله إن كان خيرا فحدّثنا وإن كان غير ذلك فالله ورسوله أعلم الحديث، هذا من حسن أدبهم وأنهم علموا أنه صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب فعرفوا أنه ليس المراد مطلق الإخبار بما يعرفون والله أعلم، قاله النووي في شرح مسلم

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يتطهر فيتم الطهارة التي كتب الله عليه فيصل هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارة لما بينها" الحديث هذه الرِّواية فيها فائدة نفيسة وهي قوله صلى الله عليه وسلم "فيتم الطهارة التي كتب الله عليه" فإنه دل على أن من اقتصر في وضوئه على طهارة الأعضاء الواجبة المذكورة في الآية وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}

(3)

وترك السنن المستحبات كانت هذه الفضيلة حاصلة له وإن كان من أتى

(1)

شرح النووي على مسلم (3/ 115).

(2)

شرح النووي على مسلم (11/ 169).

(3)

سورة المائدة، الآية:6.

ص: 219

بالسنن أكمل وأشد تكفيرا والله أعلم.

قول عثمان: والله لولا آية في كتاب الله الحديث فيه جواز الحلف من غير ضرورة ولا أستحلف وتقدم هذا قريبا قوله رضي الله عنه لولا آية في كتاب الله ما حدّثتكم، قال: عروة الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى}

(1)

الآية معناه لولا أن الله تعالى أوجب على من علم علما إبلاغه لما كنت حريصا على تحديثكم ولست متكثرا بتحديثكم وهذا كلّه ما وقع في الأصول التي ببلادنا ولأكثر الناس من غيرهم لولا آية بالياء المثناة من تحت ومد الألف ورواه الباجي بالنون في الحديث، فقال: لولا أنه قال القاضي عياض اختلف العُلماء في تأويل ذلك ففي مسلم قال عروة الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} الآية التي ذكرت وعلى هذا فتح رواية النون وفي الموطأ قال مالك أراه يريد الآية {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}

(2)

الآية

(3)

.

سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه" تقدم معنى ذلك مرارا عديدة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها بعدها وغفران الذنوب سترها" قوله صلى الله عليه وسلم وفي رواية مسلم "من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في

(1)

سورة البقرة، 159.

(2)

سورة هود، الآية:114.

(3)

شرح النووي على مسلم (3/ 111).

ص: 220

المسجد غفر له ذنوبه" تقدم معنى الإسباغ والمشي إلى المسجد وسيأتي الكلام على فضل الصلاة في الجماعة وفي غفران الذنوب هل يشمل الصغائر والكبائر أو يختص بالصغائر، قوله صلى الله عليه وسلم في الرِّواية الأخرى: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة" الصلاة المكتوبة هي المفروضة التي كتبها الله تعالى على عباده وهو احتراز من النافلة فإنها وإن كانت من وظائف الإسلام لكنها ليست من أركانه فتحمل المطلقة هاهنا على المقيدة في الرِّواية الأخرى جمعا بينها والله أعلم، قاله الكرماني

(1)

.

قوله: إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله الحديث معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة فإن كانت لا يغفر شيء من الصغائر فإن هذا وإن كان محتملا فسياق الحديث يأباه قال القاضي عياض رحمه الله هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تكن كبيرة هو مذهب أهل السنة وأن الكبائر إنما يكفرها التوبة أو رحمة الله وفضله وتقدم ذلك

(2)

والله أعلم.

قوله: وذلك الدهر كله أي ذلك مستمر في جميع الأزمان ثم إنه وقع في هذا الحديث ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وفي

(1)

الكواكب الدراري (1/ 195).

(2)

شرح النووي على مسلم (3/ 112).

ص: 221

الحديث الآخر الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر، وقد يقال إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة وإذا كفرت الصلوات فماذا تكفر الصلوات الجماعات ورمضان إلى رمضان وكذلك صوم يوم عرفة كفارة سنتين يوم عاشوراء كفارة سنة وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، الجواب: ما أجاب به العُلماء رضي الله عنهم أن كلّ واحدة من هذه المذكورات صالح للتكفير فإن وجد ما يكفر من الصغائر كفره وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتب لديها حسنات ورفعت له بها درجات وأن صادفت كبيرة أو كبائر ولم يصادق صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر

(1)

والله أعلم.

قال فى حدائق الأولياء: بعد سياق الحديث عند قوله وذلك الدهر كلها أي لا خصوصية مكان ولا زمان ولا شخص ولا حال فالإحسان زائد وتعميم التكفير متزايد

(2)

.

539 -

وَعَن أبي أَيُّوب رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن كلّ صَلَاة تحط مَا بَين يَديهَا من خَطِيئَة رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن

(3)

.

(1)

المجموع (6/ 382) وشرح النووي على مسلم (3/ 113).

(2)

حدائق الأولياء (2/ 96).

(3)

أخرجه أحمد 5/ 413 (23503)، والطبراني في الكبير (4/ 126 رقم 3879 و 3880) و (4/ 127 رقم 3881) والشاميين (210) و (1550) و (1638) و (3516) وابن عدي في الكامل 3/ 298، والمخلص في المخلصيات (1497) و (1533)، وتمام الرازي في =

ص: 222

540 -

وَعَن الْحَارِث مولى عُثْمَان قَالَ جلس عُثْمَان رضي الله عنه يَوْمًا وَجَلَسْنَا مَعَه فجَاء الْمُؤَذّن فَدَعَا بِمَاء فِي إِنَاء أَظُنهُ يكون فِيهِ مد فَتَوَضَّأ ثمَّ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأ وضوئي هَذَا ثمَّ قَالَ من تَوَضَّأ وضوئي هَذَا ثمَّ قَامَ يُصَلِّي صَلَاة الظّهْر غفر لَهُ مَا كانَ بَينهَا وَبَين الصُّبْح ثمَّ صلى الْعَصْر غفر لَهُ مَا كانَ بَينهَا وَبَين الظّهْر ثمَّ صلى الْمغرب غفر لَهُ مَا كانَ بَينهَا وَبَين الْعَصْر ثمَّ صلى الْعشَاء غفر لَهُ مَا كانَ بَينهَا وَبَين الْمغرب ثمَّ لَعَلَّه يبيت يتمرغ ليلته ثمَّ إِن قَامَ فَتَوَضَّأ فصلى الصُّبْح غفر لَهُ مَا بَينهَا وَبَين صَلَاة الْعشَاء وَهن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات قَالُوا هَذِه الْحَسَنَات فَمَا الْبَاقِيَات يَا عُثْمَان قَالَ هِيَ لا إِلَه إِلَّا الله وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله وَالله أكبر وَلا حول وَلا قُوَّة إِلَّا بِالله رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار

(1)

.

= فوائده (1259) و (1261)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 190). قال أبو نعيم: تفرد به أبو معبد حفص بن غيلان، عن مكحول. قال الهيثمي في المجمع 1/ 298: رواه أحمد، وإسناده حسن. وقال الألبانى: حسن صحيح صحيح الترغيب (365).

(1)

أخرجه أحمد 1/ 71 (513) ومن طريقه الضياء في المختارة 1/ 450 - 451 (324)، ابن أبي عمر كما في اتحاف الخيرة (1/ 307 رقم 519/ 1)، والبزار (405)، وأبو يعلى (183/ المقصد العلى)، والسمرقندى في تنبيه الغافلين (367). قال البزار: لا نعلمه يروى بلفظه عن عثمان، إلا من هذا الوجه. قال الضياء: رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني في مسنده عن المقرئ عن سعيد بن أيوب وحيوة جميعا عن أبي عقيل ونحوه (إسناده صحيح).

قال الهيثمي في المجمع 1/ 297: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، ورجاله رجال الصحيح غير الحارث بن عبد الله مولى عثمان بن عفان، وهو ثقة. وقال البوصيرى: ورواه أحمد =

ص: 223

وعن الحارث مولي عثمان (هو أبو صالح الحارث بن عبد مولى عثمان بن عفان روى عنه أبو عقيل زهرة بن معبد حديث الوضوء مات في ولاية معاوية

(1)

.

قوله: جلس عثمان يومًا وجلسنا معه فجاء المؤذن فدعا بماء في إناء أظنه يكون فيه مد فتوضأ الحديث المد رطل وثلث قيل سمي مدا لأنه ملء كفي الإنسان إذا مدهما طعاما

(2)

والصاع أربعة أمداد

(3)

والمكوك مكيال معروف بالعراق بفتح الميم وتشديد الكاف بعدها يسع صاعا ونصفا من صاع النبي صلى الله عليه وسلم بالمد ويجمع مكاكي ومكاكيك وبالروايتين جاء في صحيح مسلم قاله القاضي عياض

(4)

.

قال [الترمذي]: وقال الشافعي وأحمد وإسحاق ليس معنى الحديث التوقيت أنه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه بل ما يكفي ثم عقبه حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الوضوء شيطانا يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء" قال أبو عيسى وهو حديث غريب

(5)

ا. هـ.

= ابن حنبل في مسنده بإسناد حسن، والبزار. وقال ابن حجر في الأمالى المطلقة (ص 110): هذا حديث حسن ورجاله رجال الصحيح. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (366).

(1)

الثقات (4/ 136).

(2)

مشارق الأنوار (1/ 375).

(3)

المشارق (2/ 52).

(4)

المشارق (1/ 379).

(5)

انظر: سنن الترمذى عقب حديث (56). وأما الحديث فأخرجه أحمد (5/ 136)(21238)، وابن ماجه (421)، والترمذى (57)، وابن خزيمة (122)، والحاكم (1/ 162). وضعفه الألباني في المشكاة (419).

ص: 224

قال ابن العربي ومعناه أن يكون بالكيل لا بالوزن لأن كيل المد والصاع بالماء أضعافه بالوزن فتفطن لهذه الدقيقة

(1)

ا. هـ.

وقد نقل الطبري إجماع المسلمين على أن ماء الطهارة ليس له قدر معلوم لا يجوز النقص عنه والعبرة بالإسباغ وهذا الاختلاف يدل على عدم الحرج فإن الأمر واسع الصاع والمد تقريب لا تحديد ويستحب تقليل الماء وعدم الإسراف

(2)

ا. هـ.

فائدة: والمستحب [164 المغربي] أن لا ينقص الغسل عن صاع ولا في الوضوء عن مد اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والأصح أن المداد بالصاع والمد هنا صاع ومدها غسل الصاع هنا ثمانية أرطال والمدد رطلان وقال وإذا وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وكلام الأصحاب يدل على أن المستحب الاقتصار على الصاع والمد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "سيأتي أقوام يستقلون فمن رغب في سنتي وتمسك بها بعث معي في حظيرة القدس" فإن نقص عن ذلك وأسبغ أجزأه وقد نص عليه الشافعي رحمه الله تعالى لأن الله تعالى لم يقدرهما بشيء وفعله صلى الله عليه وسلم محمول على الاستحباب يدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم توضأ بما لا يبل الثرى ذكره في مختصر الكفاية لابن النقيب

(3)

.

(1)

عارضة الأحوذى (4/ 2).

(2)

المجموع (2/ 189).

(3)

مختصر الكفاية (لوحة 123/ مخطوط 2175 ظاهرية) وانظر كفاية النبيه (1/ 505 - 507) و (1/ 291).

ص: 225

تنبيه: قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السَّلام: إذا كان المتوضئ ضئيلا أو متفاحش الطول والعرض يستحب له أن يستعمل ما يكون نسبته إلى جسده كنسبة المد إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الغسل فلا يمكن أن يكون في الوجود أعلم منه صلى الله عليه وسلم ولا أرفق ولا أحوط ولا أسوس (لمراد) الشريعة ومكارم الأخلاق منه صلى الله عليه وسلم

(1)

انتهى.

قوله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ثم قال "من توضأ هكذا ثم قام فصلى صلاة الظهر غفر له ما كان بينها وبين صلاة الصبح" الحديث المراد بذلك غفران صغائر الذنوب كما تقدم.

وللظهر ثلاث أسماء الأول الظهر وسميت ظهر لأنها تفعل في وقت الظهيرة أو لأنها أول صلاة ظهرت بفعل جبريل عليه السلام، والثاني: الصلاة الأولى لأنها أول صلاة ظهرت في الإسلام، والثالث: صلاة الهجيرة لأنها تفعل في وقت الهاجرة ذكره ابن العماد في كتاب القدوة

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم "غفر له ما كان بينها وبين صلاة الصبح" يعني الصغائر على ما تقدم من أقوال العُلماء وسيأتي الكلام على أسماء بقية الصلوات الخمس إن شاء الله تعالى.

541 -

وَعَن جُنْدُب بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله فَلَا يطلبكم الله من ذمَّته بِشَئ فَإِنَّهُ من يَطْلُبهُ من ذمَّته

(1)

قواعد الأحكام للعز بن عبد السَّلام (2/ 207).

(2)

القول التمام (ص 181).

ص: 226

بِشَيْء يُدْرِكهُ ثمَّ يكبه على وَجهه فِي نَار جَهَنَّم رَوَاهُ مُسلم وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهم

(1)

. وَيَأْتِي فِي بَاب صَلَاة الصُّبْح وَالْعصر إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قوله: وعن جندب بن عبد الله تقدم الكلام عليه قوله صلى الله عليه وسلم "من صلى الصبح فهو في ذمة الله" الحديث الذمة والذمام وهما بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق وسمي أهل الذمة بذلك لدخولهم في عرف المسلمين وأمانهم قاله في النهاية

(2)

وسيأتي الكلام على بقية ألفاظ هذا الحديث في بابه وسيأتي الكلام على هذا الحديث في صلاة الصبح إن شاء الله تعالى مبسوطا

542 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وملائكة بِالنَّهَارِ ويجتمعون فِي صَلَاة الصُّبْح وَصَلَاة الْعَصْر ثمَّ يعرج الَّذين باتوا فِيكُم فيسألهم رَبهم وَهُوَ أعلم بهم كَيفَ تركْتُم عبَادي فَيَقُولُونَ تركناهم وهم يصلونَ وأتيناهم وهم يصلونَ رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ

(3)

.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم: "يتعاقبون

(1)

أخرجه مسلم (261 و 262 - 657)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير - السفر الثانى 1/ 124 (357)، والترمذى (222)، والرويانى (955)، والسراج (848)، وأبو عوانة (1321 و 1322 و 1323 و 1324).

(2)

النهاية (2/ 168).

(3)

أخرجه مالك (472)، والبخاري (555) و (3223) و (7429) و (7486)، ومسلم (210 - 632)، والنسائي في المجتبى 1/ 581 (495) والكبرى (544) و (7910).

ص: 227

فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" الحديث ومعنى يتعاقبون تأتي طائفة بعد طائفة، وقال: بعضهم هو أن يأتي هذا في عقب هذا وهذا في عقب هذا على باب المفاعلة ومنه تعقب الجيوش وهو أن يذهب إلى ثغر قوم ويجيء آخرون

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" اختلف العُلماء في المراد بهؤلاء الملائكة هل هم الحفظة أو غيرهم، فحكى صاحب المفهم عن الجمهور أنهم الحفظة وكذا قال القاضي عياض الأظهر وقول الأكثرين أن هؤلاء الملائكة هم الحفظة الكتاب وقال صاحب المفهم أن الأظهر عنده أنهم غير الحفظة وما ذكر أنه الأظهر هو الذي لا يتجه غيره لأنه لم ينقل لأن حفظة الليل غير حفظة النهار، وقال القاضي عياض وقيل يحتمل أن يكونوا من جملة الملائكة كجملة الناس غير الحفظة

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر" الحديث أما اجتماعهم في الفجر والعصر ففيه لطف من الله تعالى بعباده المؤمنين وتكرمة لهم أن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم فتكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير ولم يجعل اجتماعهم معهم في حالة خلواتهم ولذاتهم وانهماكهم على شهواتهم

(1)

شرح النووي على مسلم (5/ 133).

(2)

إكمال المعلم (2/ 598)، وشرح النووي على مسلم (5/ 133 - 134)، والمفهم (6/ 49)، وطرح التثريب (3/ 305).

ص: 228

فله الحمد على توفيقه للخير وإظهاره والإثابة عليه وعلى ستره للقبيح ومحبته ستره وكراهة إشاعته

(1)

وفيه فضيلة صلاة العصر والصبح لاجتماع الملائكة فيهما وهما المراد بقوله تبارك وتعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}

(2)

كما قاله جرير بن عبد الله

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم الذين باتوا فيكم" الحديث ولم يذكر عروج الملائكة الذين كانوا بالنهار ولا أن الله تعالى يسألهم كيف تركتم عبادي كما سأل ملائكة الليل فهل يظهر لذلك معنى أو لا؟ والجواب عنه: أن الليل محل اختفاء واستتار عن الأعين وإغلاق الناس أبوابهم على ما يبيتون عليه فكان سؤال ملائكة الليل أبلغ في أنهم لم يروا إلا خيرا من مجيئهم إليهم وهم يصلون وتركهم وهم يصلون بخلاف النهار فإنه محل الانتشار والإظهار وإن أمكن الاختفاء فيه والإظهار في الليل ولكن جرى على غالب الأحوال

(4)

.

سؤال آخر: ملائكة الليل إذا صلوا معهم صلاة الصبح عرجوا فحسن سؤالهم ليجيبوا بما فارقوهم عليه وملائكة النهار قد لا يعرجون بعد الصلاة بل يستكملون في الأرض بقية النهار لأنهم يضبطون ما وقع في جميع النهار

(1)

شرح النووي على مسلم (5/ 133)، والمفهم (6/ 49)، وطرح التثريب (2/ 306 - 307).

(2)

سورة طه، الآية:130.

(3)

طرح التثريب (2/ 305).

(4)

طرح التثريب (2/ 306).

ص: 229

بناء على القول بأنهم الحفظة وعلى تقدير كونهم غير الحفظة فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنهم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار والظاهر منهم استيعاب النهار وإذا لم يفارقوا بني أدم عقيب الصلاة أمكن أن يطرأ بعد الصلاة ما لا يريد الله منهم الإخبار به وهو أعلم وما لا يريدون هم أن يشهدوا به فلم يسألهم عن ذلك

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فيسألهم ربهم هو أعلم بكم كيف تركتم عبادي" الحديث فهذا السؤال على ظاهره وهو تعبد منه لملائكته كما أمرهم بكتب الأعمال وهو أعلم بالجميع.

543 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أول مَا افْترض الله على النَّاس من دينهم الصَّلَاة وَآخر مَا يبْقى الصَّلَاة وَأول مَا يُحَاسب بِهِ الصَّلَاة وَيَقُول الله انْظُرُوا فِي صَلَاة عَبدِي فَإِن كَانَت تَامَّة كتبت تَامَّة وَإِن كَانَت نَاقِصَة يَقُول انْظُرُوا هَل لعبدي من تطوع فَإِن وجد لَهُ تطوع تمت الْفَرِيضَة من التَّطَوُّع ثمَّ قَالَ انْظُرُوا هَل زَكَاته تَامَّة فَإِن كَانَت تَامَّة كتبت تَامَّة وَإِن كَانَت نَاقِصَة قَالَ انْظُرُوا هَل لَهُ صَدَقَة فَإِن كَانَت لَهُ صَدَقَة تمت لَهُ زَكَاته رَوَاهُ أَبُو يعلى

(2)

.

قوله: وروي عن أنس بن مالك تقدم الكلام على أنس.

(1)

طرح التثريب (2/ 306).

(2)

أخرجه أبو يعلى (4124). قال البوصيرى في الاتحاف (1/ 419): مدار حديث أنس بن مالك على يزيد بن أبان الرقاشي، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (211).

ص: 230

قوله صلى الله عليه وسلم: "عن أول ما افترض الله على الناس من دينهم الصلاة وآخر ما يبقى الصلاة" قال البندنيجى: وكان فرض الصلوات الخمس ليلة المعراج قبل الهجرة بسنة وقيل لستة عشر شهرًا في شوال وفرض الصوم قبل الهجرة بثلاث سنين والحج بعدها بست وقيل غير ذلك، والزكاة قبل الصوم وقيل بعده

(1)

ا. هـ. قاله في مختصر الكفاية.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "وأول ما يحاسب به العبد المسلم الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا فقيل انظروا هل له من تطوع" الحديث، والحديث أيضًا عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" قال النووي: أن حديث هذا الباب فيها بين العبد وبين الله وحديث ابن مسعود فيها بين العباد فليس أحدهما مخالفا للآخر

(2)

.

قوله تعالى: "فيقول انظروا في صلاة عبدي فإن كانت تامة كتبت وإن كانت ناقصة يقول انظروا هل لعبدي من تطوع فإن وجدوا له تطوعا تمت الفريضة من الصلاة" الحديث قال شيخ الإسلام ابن عبد السَّلام ما ورد في الحديث أن نوافل الصلوات تكملوا الفرائض قال البيهقي: معنى ذلك أنها تجبر السنن التي في الصلوات ولا يمكن أن يعدل شيء من السنن واجبا أبدًا والذي يدل على هذا الذم في قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى "وما تقرب إلي أحد بمثل ما أداء ما افترضت عليه" الحديث ففضل الفرض على النفل سواء قل أو كثر

(1)

كفاية النبيه (2/ 327).

(2)

شرح النووي على مسلم (11/ 167).

ص: 231

ولا شك أن هذا وإن كان يعضده الظاهر إلا أنه يشكل من جهة أن الثواب والعقاب مرتبتان على حسب المصالح والمفاسد ولا يمكنا أن نقول عن درهم من الزكاة الواجبة تربى مصلحته على مصلحة ألف درهم تطوعا وأن قيام الدهر كلّه لا يعدل ركعتي الصبح هذا على خلاف قواعد الشريعة

(1)

.

قال في الإحياء: أن العبد إذا صلى ركعتين عجبت منه عشرة صفوف من الملائكة كلّ صف [165 المغربي] منهم فيه عشرة الألف وباهي الله به مائة ألف ملك وذلك أن العبد قد جمع الله له في عبادته بين القيام والقعود والركوع والسجود وقد فرق ذلك على أربعين ألف ملك لا يركعون إلا يوم القيامة والساجدون لا يرفعون إلا يوم القيامة وهكذا الراكعون والقاعدون فإن ما رزق الملائكة من القرب والرتبة لازم لهم مستمر على حال واحدة واحدة لا تزيد ولا تنقص ولذلك قالوا: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)}

(2)

وفارق الإنسان الملائكة في الترقي من درجة إلى درجات فإنه لا يزال إلى الله تعالى ويستفيد بقربه زيادة درجة حتى يقرب رتبة الملائكة إذا باب المزيد مسدود عليهم وليس لكل واحد منهم إلا التي وقف عليها وعبادته التي هو مشغول بها لا يتنفل إلى غيرها ولا فتر عنها كما قال {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)}

(3)

ومفتاح مزيد الدرجات هو الصلاة وقال الله عز

(1)

حاشية السيوطي على النسائي (1/ 234 - 235).

(2)

سورة الصافات، الآية:164.

(3)

سورة الأنبياء، الآية:20.

ص: 232

وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)}

(1)

فمدحهم بعد الإيمان بصلاة مخصوصة وهي المقرونة بالخشوع ثم ختم أوصاف المفلحين بالصلاة أيضًا فقال الله تعالى في آخرها: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)}

(2)

ثم قال تعالى في ثمرة تلك الصفات: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)}

(3)

وما عندي أن هدرمة اللسان مع غفلة القلب تنتهي درجته إلى هذا ولذلك قال تعالى: في أضدادهم {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)}

(4)

فالمصلون هم ورثة الفردوس وهم المشاهدون لنور الله تعالى والمتنعمون بقربه وذكره من قلوبهم نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم وأن يعيذنا من عقوبته بمنه وكرمه

(5)

ا. هـ، قاله في الديباجة.

اعلم أن التطوع من النوافل والنوافل هي الزيادة ولذلك سمي النفل نفلا وهو ما ينفله الإمام لمن يراه زائدا على نصيبه من الغنيمة قال الله سبحانه وتعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}

(6)

أي زيادة لك من فضلنا على اقتضيت ما الفرائض لك واعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يوجب شيئًا من

(1)

سورة المؤمنون، الآيتان: 1 - 2.

(2)

سورة المعارج، الآية:34.

(3)

سورة المؤمنون، الآيتان: 10 - 11.

(4)

سورة المدثر، الآيتان: 42 - 43.

(5)

إحياء علوم الدين (1/ 170 - 171).

(6)

سورة الإسراء، الآية:79.

ص: 233

الواجبات غالبا إلا وجعل من جنسه نافلة إذا قام العبد بذلك الواجب وفيه خلل ما جبر بالنافلة التى هى من جنسه ولذلك جاء فى أنه ينظر فى صلاة العبد فإن قام بها كما أمر الله بها جوزى عليها وأثبتت له وإن كان فيها خلل أكملت من نافلته ا. هـ. قاله ابن عطاء في كتابه لطائف المنن

(1)

والله أعلم.

وقال بعض العُلماء أيضًا: يقوم النفل مقام الفرض في الدار الآخرة ويحسب عنه بشرط أن يترك الفرض ساهيا فإذا جاء العبد يوم القيامة وعليه فرائض من صلاة أو صيام أو حج أو زكاة كملت الفرائض بالنوافل وكملت الزكاة بصدقة التطوع، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: هذا إن ترك الفرض ناسيا في الدنيا

(2)

.

وقال أبو عمر ابن عبد البر في كتاب التمهيد: في إكمال الفريضة من التطوع إنما يكون ذلك والله أعلم فيمن سها عن فريضة فلم يأت بها أو لم يحسن ركوعها ولا سجودها ولم يدر قدر ذلك، وأما من تعمد تركها أو نسي ثم ذكرها فلم يأت بها عامدا واشتغل بالتطوع عن أداء فريضة وهو ذاكر له فلا تكمل له فريضة تلك من تطوعه

(3)

.

وقال الإمام أبو عبد الله القرطبي في التذكرة: فينبغي للإنسان أن يحافظ على أداء فرضه فيصليه كما أمر من إتمام ركوع وسجود وحضور قلب فإن

(1)

لطائف المنن (ص 43 - 44).

(2)

القول التمام (ص 169)، والمنثور (3/ 309) وفيه أن القائل هو الماوردى.

(3)

التمهيد (24/ 81).

ص: 234

غفل عن شيء من ذلك فيجتهد بعد ذلك في نفله ولا يتساهل فيه ولا في تركه ومن لا يحسن أن يصلي الفرض فأحرى أن لا يحسن النفل لا جرم بل تنفل الناس في أشد ما فيكون من النقصان والخلل في التمام لخفة النفل عندهم وتهاونهم به، ولعمر الله لقد نشاهد في الوجود من يشار إليه ويطربه العلم تنفله كذلك بل فرضه إذا ينقره نقر الديك فكيف بالجهال الذين لا يعلمون وإذا كان هذا فكيف يكمل بهذا النفل ما نقص من الفرض هيهات هيهات ما علموا أية الصلاة بهذه الصفة دخل صاحبها في معنى قوله تعالى:{خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ}

(1)

الآية.

قال: جماعة من العُلماء التضييع للصلاة هو أن لا يضيع يقيم حدودها من مراعاة وقت وطهارة وإتمام ركوع وسجود ونحو ذلك وهو مع ذلك يصليها ولا يمنع من القيام بها في وقتها وغير وقتها قالوا فأما من تركها أصلًا ولم يصليها فهو كافر

(2)

وسيأتي اختلاف العُلماء في ذلك في باب ترك الصلاة إن شاء الله تعالى.

فائدة: من ترك الصلاة عمدا من غير عذر مع علمه بوجوبها وفرضها ثم تاب وندم فقال الأئمة الأربعة توبته بالندم والاشتغال بأداء الفرائض المستأنفة وقضاء الفرائض المتروكة وشذ أهل الظاهر فقالوا لا تقضي الصلاة بل يتوب بالندم والملازمة في المستقبل حجه الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم:

(1)

سورة مريم، الآية:59.

(2)

التذكرة (ص 667).

ص: 235

"من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها"

(1)

فأوجب القضاء على الناسى فالعامل أولى فكيف يظن بالشارع صلى الله عليه وسلم أنه يخفف عن هذا المفرط العامد العاصي ويوجب على النائم والناسي ولأن الصلاة خارج الوقت بدل عن الصلاة فى الوقت والعبادة إذا كان لها بدل وتعذر المبدل انتقل المكلف إلى البدل كالتيمم مع الوضوء

(2)

.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها" قال العُلماء يؤخذ منه الحث على المبادرة إلى فعلها خشية الموت فإن مات وعليه صلاة لا تقضى عنه كما تقضى يقضى الحج ولا يعطي عنها الكفارة كما يعطى عن الصوم وهذا الحديث حجه في الرد على قائل ذلك ويؤخذ من هذا الحديث أن النافلة لا تجبر الفريضة في الدار الآخرة وقد ورد في الحديث أن الشخص إذا حوسب على الصلاة ونقص شيء من الفرائض جبرت بالنوافل وهو حديث الباب الذي تقدم الكلام عليه وأنه يوجد سائر الأعمال على حساب ذلك والشافعي حمل ذلك على ما إذا ترك ركعة من الصلاة أو سجدة ناسيا أو ترك صلاة ناسيا ولم يتذكر حتى مات فأما إذا ترك الصلاة متعمدا أو ترك قضائها متعمدًا فلا تجبرها النوافل ونقل ذلك القرطبي عن الشافعي

(3)

ا. هـ قاله في شرح العمدة.

(1)

أخرجه البخاري (597)، ومسلم (314 و 315 و 316 - 684) عن أنس.

(2)

انظر: مدارج السالكين (1/ 380 - 381).

(3)

انظر: معالم السنن (1/ 140)، وشرح السنة (2/ 244)، والمفهم (6/ 97).

ص: 236

سؤال: من أخل بشيء من العبادات هل يقضيه يوم القيامة والجواب أنه لا قضاء هناك بالفعل وإنما قضاؤه أن يؤخذ من نوافل ذلك العمل ما يكمل به ما وقع فيه الخلل من فرائضه كما تقدم فإن لم يكن له نوافل فمن حسناته من جنس آخر قال فإن لم يكن له حسنات فيطرح عليه بمقدار ما بقي عليه سيئات إلا أن يغفر الله له ويسمح له والله أعلم. قاله شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله تعالى.

فرع. ومن عليه فوات لا يعرف عددها قال القفال: يقضي ما تحقق تركه، وقال القاضي حسين يقضي ما زاد على ما حقّق فعلا وهو ما قاله الكمال الدميري

(1)

.

فائدة: من صلى جاهلا بكيفية الصلاة لم تصح صلاته وإن أصاب كما لو توضأ جاهلا بكيفية الوضوء بل لابد من تعلم الفرض قبل الشروع وهذا كما أن من فسر آية من كتاب الله تعالى بغير علم يأثم وإن أصاب وكما أن القاضي إذا حكم بين الناس وهو يجهل حكم الله تعالى يدخل النار وإن أصاب وهو كما أن الطبيب إذا عالج الداء وهو لا يعرف الطب يأثم وإن أصاب ويكون ضامنا لقوله صلى الله عليه وسلم: "من تطبب ولم يعرف الطب فهو ضامن" رواه أبو داود وابن ماجه

(2)

وعلى هذا لو وصف دواء لأبيه أو زوجته وهو لا

(1)

النجم الوهاج (2/ 30).

(2)

أخرجه ابن ماجه (3466)، وأبو داود (4586)، والنسائي في المجتبى 7/ 419 (4873). وحسنه الألباني في الصحيحة (635).

ص: 237

يعرف الطب فمات أو ماتت لم يرث منهما لتعديه وإن وصف لهما الدواء وهو عارف بالطب وماتا ورثهما ولو ماتت زوجته بالطلق من وطئه ورثها لأنه غير قاتل بدليل أنه كفارة عليه وكل قتل لا تجب به كفارة لا يمنع الإرث غالبا

(1)

والله أعلم.

وفي أبي داود عن ابن عمر كانت الصلوات خمسين والغسل من الجنابة سبعا وغسل البول من الثوب سبع مرات فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم "يسأل ربه حتى جعل الصلوات خمسا والغسل مرة"

(2)

والله أعلم.

544 -

وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خمس من جَاءَ بِهن مَعَ إِيمَان دخل الْجنَّة من حَافظ على الصَّلَوَات الْخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وَصَامَ رَمَضَان وَحج الْبَيْت إِن اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَآتى الزَّكَاة طيبَة بهَا نَفسه وَأدّى الأمَانَة قيل يَا رَسُول الله وَمَا أَدَاء الأمَانَة قَالَ الْغسْل من الْجَنَابَة إِن الله لم يَأْمَن ابْن آدم على شَيْء من دينه غَيرهَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد

(3)

.

(1)

انظر القول التمام (ص 167 - 168).

(2)

أخرجه أحمد 2/ 109 (5884)، وأبو داود (247). وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (36)، والإرواء (1/ 186).

(3)

أخرجه أبو داود (429)، والمروزى في مختصر قيام الليل (ص 272)، والعقيلى في الضعفاء (3/ 123)، وابن الأعرابى (130)، والآجرى في الأربعون حديثًا (18) والشريعة (274)، والطبراني في الصغير (2/ 56 رقم 772)، والسمرقندى في تنبيه الغافلين (362)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 234)، والبيهقى في الشعب (4/ 265 - 266 =

ص: 238

قوله: من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن الحديث سيأتي الكلام على ذلك في أماكن متفرقة.

545 -

وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول خمس صلوَات كتبهن الله على الْعباد فَمن جَاءَ بِهن وَلم يضيع مِنْهُنَّ شَيْئا اسْتِخْفَافًا بحقهن كَانَ لَهُ عِنْد الله عهد أَن يدْخلهُ الْجنَّة وَمن لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عهد إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ أدخلهُ الْجنَّة، رَوَاهُ مَالك وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

546 -

وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول خمس صلوَات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وَأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كَانَ لَهُ على الله عهد أَن يغْفر لَهُ وَمن لم يفعل فَلَيْسَ على الله عهد إِن شَاءَ غفر لَهُ وَإِن شَاءَ عذبه

(2)

.

= رقم 2495). قال الهيثمي في المجمع 1/ 47: رواه الطبراني في الكبير وإسناده جيد. وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (457) وصحيح الترغيب (369) و (738).

(1)

أخرجه مالك (320)، وأحمد 5/ 315 (22693) و 5/ 317 (22704) و 5/ 319 (22721) و 5/ 322 (22752)، وابن ماجه (1401)، وأبو داود (425) و (1420)، والنسائي في المجتبى 1/ 564 (468) والكبرى (398)، وابن حبان (1731) و (1732) و (2417)، والطبراني في الأوسط (5/ 56 رقم 4658) و (9/ 126 رقم 9315)، والبيهقى في الكبرى (2/ 305 رقم 3166) و (3/ 511 رقم 6500)، والبغوى (978). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (370) و (396) و (400)، والمشكاة (570)، التعليق الرغيب (1/ 141 - 142)، صحيح، صحيح أبي داود (451) و (452) و (1276).

(2)

انظر ما قبله.

ص: 239

قوله: وعن عبادة بن الصامت تقدم الكلام عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن" أي استهانة قاله عياض

(1)

. وفي حديث الإسراء هي خمس وهن خمسون

(2)

وفي حديث معاذ في الصحيحين وأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليله

(3)

وقال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ}

(4)

الآية فقبل طلوع الشمس صلاة الفجر وقبل الغروب الظهر والعصر ومن الليل المغرب والعشاء والإجماع منعقد على ذلك وكان فرض الصلوات الخمس ليلة المعراج قبل الهجرة بسنة وقيل بستة عشر شهرا كما تقدم قريبًا.

قوله: "كان له على الله عهد أن يدخله الجنة" الحديث.

العهد في القرآن على تسعة أوجه:

أحدها: الأمر كقوله في البقرة {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}

(5)

، وقوله تعالى:{وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ}

(6)

.

(1)

مشارق الأنوار (1/ 245).

(2)

أخرجه البخاري (7517)، ومسلم (259 - 162) عن أنس.

(3)

أخرجه البخاري (1395) و (1458) و (1496) و (4347) و (7372)، ومسلم (29 و 30 و 31 - 19) عن ابن عباس.

(4)

سورة طه، الآية:130.

(5)

سورة الرعد، الآية:25.

(6)

سورة البقرة، الآية:125.

ص: 240

والثاني: الفرائض كقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي}

(1)

.

والثالث: الجنة كقوله تعالى: {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}

(2)

.

والرابع: الوعد كقوله في البقرة: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ}

(3)

.

الخامس: الكرامة كقوله في البقرة لا ينال عهدي الظالمين.

والسادس: الوحي كقوله في آل عمران أن الله عهد إلينا.

والسابع: لا إله إلا الله كقوله في الرعد: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ}

(4)

، ومريم:{مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}

(5)

.

والثامن: اليمين كقوله في النحل: {وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}

(6)

.

والتاسع: العقل كقوله في يس: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ}

(7)

(8)

انتهى قاله في الديباجة.

قوله صلى الله عليه وسلم في رواية أبي داود: "خمس صلوات افترضهن الله من أحسن

(1)

سورة ق، الآيتان: 39 - 40.

(2)

سورة البقرة، الآية:40.

(3)

سورة البقرة، الآية:80.

(4)

سورة الرعد، الآية:20.

(5)

سورة مريم، الآية:87.

(6)

سورة النحل، الآية:95.

(7)

سورة يس، الآية:60.

(8)

سورة القرآن (ص 382 - 383) للنيسابورى.

ص: 241

وضوئهن وصلاهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن" الحديث الخشوع السكون والتذلل يقال خشع له يقال خشع له وتخشع، قاله في الغريبين

(1)

وقال الليث الخشوع قريب من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والخشوع في القلب والصوت

(2)

ا. هـ.

وقيل: الخشوع قيام القلب بين يدى الرب تبارك وتعالى بالخضوع والذل، والجمعية عليه، قال الجنيد: الخشوع تذلل القلوب لعلام الغيوب، وأجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب، وثمرته على الجوارح، وهي تظهره

(3)

، "ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: لو خض قلب هذا لخشعت جوارحه"

(4)

"قال النبي صلى الله عليه وسلم التقوى هاهنا وأشار إلى صدره ثلاث مرات"

(5)

.

وهذا الحديث فيه دليل على عدم تكفير تارك الصلاة إذا اعتقد وجوبها خلافا للإمام أحمد حيث قال بتكفيره ووافقه بعض الشافعية.

وهذا الحديث فيه دليل على عدم تكفير تارك الصلاة إذا اعتقد وجوبها فالمصلي خاطب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المصلي خاطب وأكثركم أزواجا في

(1)

الغريبين (2/ 557).

(2)

معجم الفروق اللغوية (1/ 217)، والغريبين (2/ 557).

(3)

مدارج السالكين (1/ 516 - 517).

(4)

أخرجه الحكيم الترمذى (824) و (1305) و (1620). وضعفه الألباني في الإرواء (2/ 93) وقال في الضعيفة (110): موضوع.

(5)

أخرجه مسلم (32 - 2564) عن أبي هريرة.

ص: 242

الجنة أكثركم صلاة في الدنيا"

(1)

فالذي يقوم في الصلاة "فإنما هو مناج لربه تبارك تعالى"

(2)

كما صح بذلك الحديث وهو قارع باب الملك كما روى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال من كان في الصلاة فهو يقرع باب الملك ومن يقرع باب الملك يوشك أن يفتح له

(3)

، يوشك أي يسرع فانظر رحمك الله كيف تقرع باب الملك بأدب وخشوع وتضرع وكان الجريري لا يمد رجليه في الخلوة فقيل له إنه ليس يراك أحدا وقد خلوت بنفسك فهلا مددت رجليك فقال: حفظ الأدب مع الله أحق وكان إبراهيم يصلي قاعدا فجلس ومد رجليه فهتف به هاتف هكذا يجلس المملوك بين يدي الملك

(4)

، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا خير في صلاة لا خشوع فيها ولا خير في قراءة لا تدبر فيها ولا خير في عبادة لا فقه فيها

(5)

، ورأى أبو الدرداء رجلًا يخشع في صلاته قال إني لأرجو أن تدخل الجنة وأنت تضحك رأى بعضهم رجلًا خاشع المنكبين والبدن فقال: يا فلان الخشوع هاهنا وأشار إلى صدره لا هاهنا وأشار إلى منكبه، وكان بعضهم يقول أعوذ بالله من خشوع النفاق فقيل له

(1)

ذكره ابن الجوزى في بستان الواعظين (ص 304) بصيغة التمريض وبلفظ: (أكثركم علي صلاة أكثركم أزواجا في الجنة).

(2)

مر تخريجه في تحريم البزاق في القبلة من حديث أنس.

(3)

أخرجه البيهقى في الشعب (4/ 505 رقم 2879).

(4)

الرسالة (2/ 446)، وإحياء علوم الدين (4/ 402).

(5)

أخرجه الدارمى (355 و 306)، وابن الضريس في فضائل القرآن (69)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 77).

ص: 243

وما خشوع النفاق فقال: أن ترى البدن خاشعًا والقلب غير خاشع، وقال: حذيفة رضي الله عنه أول ما تفقدون من دينكم الخشوع يوشك أن تدخل الجماعة فلا ترى فيهم خاشعًا، وقال سهل رحمة الله عليه: من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان

(1)

، وسيأتي الكلام على الخشوع مطولًا قريبًا إن شاء الله.

547 -

وَعَن سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه قَالَ كَانَ رجلَانِ أَخَوان فَهَلَك أَحدهمَا قبل صَاحبه بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة فَذكرت فَضِيلَة الأول مِنْهُمَا عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ألم يكن الآخر مُسلمًا قَالُوا بلَى وَكَانَ لا بَأْس بِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمَا يدريكم مَا بلغت بِهِ صلَاته إِنَّمَا مثل الصَّلَاة كمثل نهر عذب غمر بِبَاب أحدكُم يقتحم فِيهِ كلّ يَوْم خمس مَرَّات فَمَا ترَوْنَ فِي ذَلِك يبقي من درنه فَإِنَّكُم لا تَدْرُونَ مَا بلغت بِهِ صلاته رَوَاهُ مَالك وَاللَّفْظ لَهُ

(2)

وَأحمد بِإِسْنَاد حسن وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه إِلَّا أَنه قَالَ عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص قَالَ سَمِعت سَعْدًا وناسًا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ كَانَ رجلَانِ أَخَوان فِي عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ أَحدهمَا أفضل من الآخر فَتوفي الَّذِي هُوَ أفضلهما ثمَّ عمر الآخر بعد أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ توفّي فَذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ألم يكن يُصَلِّي قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله وَكَانَ لا بَأْس بِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وماذا يدريكم مَا بلغت بِهِ صلَاته الحَدِيث

(3)

.

(1)

مدارج السالكين (1/ 517).

(2)

أخرجه مالك (482).

(3)

أخرجه أحمد 1/ 177 (1534)، والدورقي في مسند سعد (40)، وابن خزيمة (310)، والطبراني في الأوسط (6/ 303 - 304 رقم 6476)، والحاكم 1/ 200، وابن عبد البر في =

ص: 244

قوله: وعن سعد ابن أبي وقَّاص هو الإمام فارس الإسلام سعد بن أبي وقَّاص قال: أبو الفرج اسم أبيه مالك كنيته أبو وقَّاص بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن عبد مناف يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في الأب الخامس أسلم قديما وهو ابن سبع عشر سنة وكان ثالثا في الإسلام وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقال له بفارس الإسلام وكان من أراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مجاب الدعوة مسدد الرمية رمى في يوم أحد ألف سهم وولاه أمير المؤمنين عمر العراق ولقد استعمله على الجيوش التى ذهبت لقتال الفرس وكان هو أمير الجيش والفتح على يديه هو الذي فتح أيضًا مدائن كسرى وهو الذي بنى الكوفة وقال سعد: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم سدد رميته وأجب دعوته" دعا سعد فقال: يا رب إن لي بنين فأخر عني الموت حتى يبلغا فأخر عنه الموت

= التمهيد 24/ 221.

قال الطبراني: "ولم يرو هذا الحديث عن عامر بن سعد، عن أبيه، إلا بكير بن عبد الله بن الأشج، ولا رواه عن بكير إلا مخرمة، تفرد به ابن وهب. ورواه ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن صالح بن عبد الله بن أبي فروة، عن عامر بن سعد، عن أبان بن عثمان، عن أبيه". وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، فإنهما لم يخرجا لمخرمة بن بكير، والعلة فيه أن طائفة من أهل مصر ذكروا أنه لم يسمع من أبيه لصغر سنه، وأثبت بعضهم سماعه منه، وكذا قال الذهبي. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 297: رواه أحمد، والطبراني في الأوسط إلا أنه قال: ثم عمر الآخر بعده أربعين ليلة. ورجال أحمد رجال الصحيح. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (371).

ص: 245

حتى بلغ عشرين ولي الكوفة لعمر مرتين ولعثمان ولزم بيته وجماعته ومات في قصره بالعتق وهو على عشرة أميال من المدينة وحمل على رقاب ودفن بالعقيق سنة خمس وخمسين وقيل سنة ست وقيل وله بضع وسبعون وقيل نيف وثمانون

(1)

ا. هـ.

روي لسعد بن أبي وقَّاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتا حديث وسبعون حديثًا

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم "إنما مثل الصلاة كمثل نهر غمر عذب بباب أحدكم" يقتحم فيه كلّ يوم خمس مرات تقدم الكلام على النهر وأن فيه لغتين التحريك والسكون والعذب هو الحلو والغمر هو الذي يغمر من دخل فيه.

وقوله يقتحم فيه الاقتحام هو الدخول في (الشيء بغتة من غير روية).

قوله: "فما ترون؟ " أى تظنون والدرن الوسخ.

قوله ورواه ابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: عن عامر بن سعد بن أبي وقَّاص، وعامر ابنه روى عن أبيه وعثمان والعباس وعائشة وأبي هريرة وغيرهم قال: ابن سعد كان فقيها أكثر الحديث توبها سنة أربع ومائة وقيل ثلاث ومائة وقيل ست وتسعين

(3)

قاله في شرح الإلمام تقدم تفسير ذلك بها أول الباب.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 213 - 214).

(2)

كشف المشكل (1/ 231)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 213).

(3)

انظر تهذيب الأسماء واللغات (1/ 256 الترجمة 278).

ص: 246

548 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ كَانَ رجلَانِ من بلي حَيّ من قضاعة أسلما مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أَحدهمَا وَأخر الآخر سنة قَالَ طَلْحَة بن عبيد الله فَرَأَيْت الْمُؤخر مِنْهُمَا أَدخل الْجنَّة قبل الشَّهِيد فتعجبت لذَلِك فَأَصْبَحت فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو ذكر لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَليْسَ قد صَامَ بعده رَمَضَان وَصلى سِتَّة آلاف رَكعَة وَكذَا وَكذَا رَكعَة صَلَاة سنة رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ كلهم عَن طَلْحَة بِنَحْوِهِ أطول مِنْهُ وَزَاد ابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي آخِره فَلَمَّا بَينهمَا أبعد من السَّمَاء وَالأرْض

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة قوله كان رجلًا من بلى حي من قضاعة الحديث، أما معنى الحي فقال: صاحب المطالع الحي اسم لمنزل القبيلة ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض

(2)

، وبلى اسم قبيلة والله أعلم.

قوله: من قضاعة أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة الحديث قضاعة اسم قبيلة وهو قضاعة ابن مالك ابن حمير بن سبأ

(3)

ا. هـ.

(1)

أخرجه أحمد 2/ 333 (8399) و (8400)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 220) عن أبي هريرة. وقال الهيثمي في المجمع 10/ 204: رواه أحمد، وإسناده حسن. وأخرجه أحمد 1/ 161 (1389) و 1/ 163 (1403)، وابن ماجه (3925)، والطحاوى في مشكل الآثار (2309) و (2310)، وابن حبان (2982)، والبيهقى في الكبرى (3/ 520 رقم 6530) عن طلحة بن عبيد الله. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (372) و (3365).

(2)

مطالع الأنوار (3/ 376).

(3)

طبقات خليفة (ص 126)، والتاريخ الكبير (2/ 762) لابن أبي خيثمة، والإنباه على قبائل الرواة (ص 33).

ص: 247

قوله: أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستشهد أحدهما يحتمل أنه أراد بالمعية الصحبة اللائقة. [167 المغربي]

قوله: قال: طلحة فرأيت المؤخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد الحديث هو طلحة بن عبيد الله كنيته أبو محمد بن عثمان بن كعب بن عمرو بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التميمي المكي المدني يجتمع نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب وكان كثير الكرم والجود وباع أرضا له بسبع مائة ألف فأصبح وعنده منها درهمًا واحدا، وعن موسى بن طلحة عن أبيه قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد صعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قرأ قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}

(1)

الآية فقام إليه رجل فقال يا رسول الله من هؤلاء قال طلحة فأقبلت وعلي ثوبان أخضران فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها السائل هذا منهم"، وقالت عائشة: بينما رسول الله مع أصحابه إذ أقبل طلحة بن عبيد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة"، وأمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء بن الحضرمي أسلمت وهاجرت واسم الحضرمي عبد الله بن عمار بن أكبر وطلحة أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة الخير وطلحة الجود، وهو من المهاجرين الأولين ولم يشهد بدرا

(1)

سورة الأحزاب، 23.

ص: 248

لكن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه كمن حضر وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد روي لطلحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وثلاثون حديثًا اتفق البخاري ومسلم منها على (حديثين) وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بثلاثة قتل رضي الله عنه يوم الحمل لعشر خلوان من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وهذا لا خلاف فيه وكان عمره أربعا وستين سنة وقيل ثمان وخمسين وقيل غير ذلك وقبره في البصرة مشهور يزار ويتبرك به وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن أبي وقَّاص ومناقبه كثيرة مشهورة

(1)

.

قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة وكذا كذا ركعة صلاة سنة فلما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض" الحديث قال سعيد بن عامر وهو مذكور فى سند هذا الحديث (حسبته أنا) فبلغت صلاة السنة ستة آلاف ركعة وثماني عشرة ركعة كلّ يوم سبع عشرة ركعة قاله ابن زنجويه في ترغيبه.

الموتى في قبورهم يتحسرون على زيادة في أعمالهم بتسبيحة أو بركعة ومنهم من يسأل الرجعة إلى الدنيا لذلك فلا يقدرون على ذلك قد حيل بينهم وبين العمل، وغلقت منهم الرهون، رئي بعضهم في المنام فقال: قدمنا على أمر عظيم نعلم ولا نعمل وأنتم تعملون لا تعلمون والله لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان في صحيفة أحدنا أحب إليه من الدنيا وما فيها

(2)

.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 251 - 253 الترجمة 270).

(2)

لطائف المعرف (ص 302).

ص: 249

وقيل لبعض السلف طاب الموت، قال: لا لفعل لساعة تعيش فيها تستغفر الله خير لك من موت الدهر وقيل لشيخ كبير منهم: تحب الموت، قال: لا، قيل: ولم، قال: ذهب الشباب وشده وجاء الكبر وحيره فإذا قمت قلت باسم الله وإذا قعدت قلت الحمد لله فأنا أحب أن يقر لي هذا

(1)

.

وبكى يزيد الرقاشي عند موته وقال أبكي على ما يفوتني من قيام الليل وصيام النهار ثم بكى وقال من يصلي لك يا يزيد بعدك ومن يصوم ومن تتقرب لك بالأعمال الصالحة ومن يتوب لك من الذنوب السالفة، وجذع بعضهم عند موته وقال إنما أبكي على أن يصوم الصائمون ولست فيهم ويصلي المصلون ولست فيهم ويذكر الذاكرون ولست فيهم فذلك الذي أبكاني وأحوال القوم كبيرة لا تنحصر

(2)

.

549 -

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاث أَحْلف عَلَيْهِنَّ لَا يَجْعَل الله من لَهُ سهم فِي الإِسْلَام كمن لا سهم لَهُ وأسهم الإِسْلَام ثَلَاثَة الصَّلاة وَالصَّوْم وَالزَّكَاة وَلا يتَوَلَّى الله عبدًا فِي الدُّنْيَا فيوليه غَيره يَوْم الْقِيَامَة وَلا يحب رجل قوما إِلَّا جعله الله مَعَهم وَالرَّابِعَة لَو حَلَفت عَلَيْهَا رَجَوْت أَن لا إِثْم لا يستر الله عبدا فِي الدُّنْيَا إِلَّا ستره يَوْم الْقِيَامَة، رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد

(3)

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من حَدِيث ابْن مَسْعُود

(4)

.

(1)

لطائف المعرف (ص 300 - 301).

(2)

لطائف المعرف (ص 301).

(3)

أخرجه أحمد 6/ 145 (25121) و 6/ 160 (25271)، وأبو يعلى (4566)، والطحاوى في مشكل الآثار (2185)، والخرائطى في مكارم الأخلاق (437) و (438)، والدارقطنى في المؤتلف والمختلف (2/ 835)، والحاكم (1/ 19). قال الحاكم: فيه شيبة الحضرمي قال: خرج به البخاري. وتعقبه الذهبى فقال: ما خرج له سوى النسائي هذا الحديث، وفيه جهالة. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 37: رواه أحمد، ورجاله ثقات، ورواه أبو يعلى أيضًا. وصححه الألباني في الصحيحة (1387) وصحيح الترغيب (374) و (740) و (3039).

(4)

أخرجه أبو يعلى (4567) مرفوعًا. وأخرجه عبد الرزاق في الجامع (20318)، وابن أبي عمر في الإيمان (10)، وأبو داود في الزهد (127)، والخرائطى في المكارم (443)، والطبراني في الكبير (9/ 159 رقم 8799) و (9/ 160 رقم 8800) موقوفًا. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (375).

ص: 250

قوله: "عن عائشة رضي الله عنها" تقدم الكلام على فضائلها.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجعل الله من له سهم كمن لا سهم له وأسهم الإسلام ثلاثة الصلاة والصوم والزكاة ولا يتولى الله عبدا يوم الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة الحديث المراد بالسهم هنا"[النصيب].

550 -

وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مِفْتَاح الْجنَّة الصَّلَاة. رَوَاهُ الدَّارمِيّ وَفِي إِسْنَاده أَبُو يحيى القَتَّات

(1)

.

قوله: "عن جابر بن عبد الله تقدم الكلام عليه"، قوله صلى الله عليه وسلم:"مفتاح الجنة الصلاة" وتقدم الكلام على المفتاح رواه الدارمي، الدارمي كنيته أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن منسوب إلى دارم جد قبيلة.

(1)

أخرجه أحمد 3/ 340 (14662)، والبزار (4)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (175)، والعقيلى في الضعفاء (2/ 136)، والطبراني في الأوسط (4/ 336 رقم 4364) والصغير (1/ 356 رقم 596)، وابن عدى في الكامل (4/ 241)، وأبو الشيخ في طبقات أصبهان (2/ 280 - 281). وضعفه الألباني في المشكاة (294) وضعيف الترغيب (212).

ص: 251

قوله: "في إسناده أبو يحيى القتات" وقد اختلف في اسمه فقيل عبد الرحمن بن دينار وقيل غير ذلك وهو كوفي ولا يحتج بحديثه وهو منسوب إلى بيع القت

(1)

.

551 -

وَعَن عبد الله بن قرط رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة الصَّلَاة فَإِن صلحت صلح سَائِر عمله وَإِن فَسدتْ فسد سَائِر عمله" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَلا بَأس بِإِسْنَادِهِ إِن شَاءَ الله

(2)

.

552 -

وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة الصَّلَاة ينظر فِي صلَاته فَإِن صلحت فقد أَفْلح وَإِن فَسدتْ خَابَ وخسر رَوَاهُ فِي الْأَوْسَط أَيْضًا

(3)

.

(1)

تهذيب الكمال (34/ 401 - 403 الترجمة 7699).

(2)

أخرجه الطوسي في مختصر الأحكام (398)، والطبراني في الأوسط (2/ 240 رقم 1859)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (2005)، والضياء في المختارة 7/ 144 - 145 (2578) عن أنس. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 291 - 192: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه القاسم بن عثمان قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما أخطأ. وصححه الألباني في الصحيحة (1358) وصحيح الترغيب (376).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 124 رقم 3782)، وابن شاهين في الترغيب في الفضائل (44). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن قتادة عن أنس إلا خليد بن دعلج، تفرد به روح بن عبد الواحد. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 292: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه خليد بن دعلج، ضعفه أحمد والنسائي والدارقطني، وقال ابن عدي: عامة حديثه تابعه عليه غيره. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (377).

ص: 252

قوله: عن عبد الله بن قرط، عبد الله بن قرط كان اسمه شيطان بن قرط فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وقرط بضم القاف وسكون الراء المهملة وبعدها طاء مهملة

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة" تقدم الكلام في ذلك وعلى قوله في الحديث الآخر "أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء"

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن صلحت صلح سائر عمله" وفي حديث آخر "فقد أفلح وأنجح" أي صارت حاجته نافذة

(3)

، وحديث أنس بعده فقد أفلح "وإن فسدت فقد خاب وخسر" أي إن لم يؤدي بسببه جميع الفرائض أو إذا أداها غير صحيحة فقد خاب وخسر

(4)

.

553 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لا إِيمَان لمن لا أَمَانَة لَهُ وَلا صَلَاة لمن لَا طهُور لَهُ وَلا دين لمن لا صَلَاة لَهُ إِنَّمَا مَوضِع الصَّلَاة من الدّين كموضع الرَّأْس من الْجَسَد، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالصَّغِير وَقَالَ تفرد بِهِ الْحُسَيْن بن الحكم الْحبرِي

(5)

.

(1)

تهذيب الكمال (15/ 444 - 446 ترجمة 3489).

(2)

أخرجه البخاري (6533) و (6864)، ومسلم (28 - 1678) عن ابن مسعود.

(3)

المفاتيح (2/ 306).

(4)

المفاتيح (2/ 306)، وشرح المصابيح (2/ 209).

(5)

أخرجه الطبراني في الصغير (1/ 113 رقم 162) والأوسط (2/ 383 رقم 2292)، والمخلص في المخلصيات (2529)، والقضاعى في مسند الشهاب (268). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا مندل، ولا عن مندل إلا حسن، =

ص: 253

قوله: عن ابن عمر تقدم الكلام عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له ولا صلاة لمن لا طهور له ولا دين لمن لا صلاة له" تقدم الكلام على الإيمان وسيأتي الكلام على الأمانة والمراد بالطهور الوضوء وتقدم الكلام على الصلاة مبسوطًا.

قوله: "ولا دين لمن لا صلاة له" سيأتي الكلام على ترك الصلاة في بابه إن شاء الله تعالي، قوله تفرد به الحُسين بن الحكم الحبري بكسر الحاء المهملة وفتح الموحّدة كما قاله السمعاني

(1)

.

554 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لمن حوله من أمته اكفلوا لي بست أكفل لكم بِالْجنَّةِ قَالُوا وَمَا هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالأمَانَة والفرج والبطن وَاللِّسَان رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَقَالَ لا يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَّا بِهَذَا الإِسْنَاد

(2)

، قَالَ الْحَافِظ وَلا بَأْس بِإِسْنَادِهِ.

= تفرد به: الحُسين بن الحكم. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 292: رواه الطبراني في الأوسط والصغير وقال: تفرد به الحُسين ابن الحكم الحبري. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (213) و (302).

(1)

الأنساب (4/ 45).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 154 رقم 4925) و (8/ 268 رقم 8599). وقال الطبراني في الموضع الأول: لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الله بن عمر. وقال في الثانى: لم يرو هذا الحديث عن عصمة بن زامل إلا جميل بن حمَّاد، تفرد به: عبد الله بن عمر بن أبان. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 293: رواه الطبراني في الأوسط وقال: لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد. قلت: وإسناده حسن. وضعفه الألباني في الضعيفة (2899) وضعيف الترغيب (214) و (455) و (1770).

ص: 254

وبه عن أبي هريرة تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة" الحديث الكفالة هي الضمان.

555 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما أَن رجلًا أَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَألهُ عَن أفضل الْأَعْمَال فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الصَّلَاة قَالَ ثمَّ مَه قَالَ ثمَّ الصَّلَاة قَالَ ثمَّ مَه قَالَ ثمَّ الصَّلَاة ثَلاث مَرَّات قَالَ ثمَّ مَه قَالَ الْجِهَاد فِي سَبِيل الله فَذكر الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ

(1)

.

قوله: عن عبد الله بن عمرو تقدم الكلام على مناقبه.

قوله: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال: "الصلاة" قال: ثم مه؟ قال: "الصلاة" الحديث، مه أصلها ما هذا وهو استفهام أي ثم ماذا ثم أبدل الألف هاء وقد تكون مه بمعنى اكفف

(2)

والله أعلم.

556 -

وَعَن ثَوْبَان رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: اسْتَقِيمُوا وَلنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَن خير أَعمالكُم الصَّلَاة وَلنْ يحافظ على الْوضُوء إِلَّا مُؤمن رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا وَلا عِلّة لَهُ سوى وهم أبي بِلَال وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من غير طَرِيق أبي بِلَال بِنَحْوِهِ وَتقدم هُوَ وَغَيره فِي

(1)

أخرجه أحمد 2/ 172 (6602)، وابن حبان (1722). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 301: رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، وقد حسّن له الترمذي، وبقية رجاله رجال الصحيح! كذا قال مع أن حيي بن عبد الله لم يخرجا له، ولا أحدهما. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (378).

(2)

الصحاح (6/ 2550)، ومشارق الأنوار (1/ 389).

ص: 255

الْمُحَافظَة على الْوضُوء

(1)

، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث سَلمَة بن الأكْوَع وَقَالَ فِيهِ وَاعْلَمُوا أَن أفضل أَعمالكُم الصَّلَاة

(2)

.

قوله عن ثوبان: تقدم الكلام عن ترجمته وأنه من الموالي.

قوله صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تحصوا واعملوا أن خيرا أعمالكم الصلاة" تقدم معنى الاستقامة في المحافظة على الوضوء مبسوطا، قوله:"واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة" قال: العُلماء في كتب الفقه أفضل عبادات البدن الصلاة أي بعد الشهادتين لإشتمالها على النطق وعمل واعتقاد وسمى الله تعالى الصلاة إيمانا، فقال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}

(3)

أي صلاتكم إلى

(1)

أخرجه أحمد 5/ 76 (22378) و 5/ 280 (22414) و 5/ 282 (22433) و (22436)، وابن ماجة (277)، وابن حبان (1037)، والحاكم (1/ 130). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علة! قال البوصيري في مصباح الزجاجة 1/ 41: هذا الحديث رجاله ثقات أثبات إلا أنه منقطع بين سالم وثوبان فإنه لم يسمع منه بلا خلاف لكن له طريق أخرى متصلة أخرجها أبو داود الطيالسي في مسنده وأبو يعلى الموصلي والدارمي في مسنده وابن حبان في صحيحه من طريق حسان بن عطية أن أبا كبشة حدّثه أنه سمع ثوبان، ورواه الحاكم من طريق سالم عن ثوبان وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولا أعرف له علة.

قلت: علته أن سالم لم يسمع من ثوبان قاله أحمد وأبو حاتم والبخاري وغيرهم.

وقال الألباني: حسن صحيح، الصحيحة (115)، الروض (177)، والمشكاة (292) وصحيح الترغيب (197) و (379).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 25 رقم 6270). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 250: رواه الطبراني في الكبير وفيه: الواقدي، وهو ضعيف. وصححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب (380).

(3)

سورة البقرة، الآية:143.

ص: 256

البيت المقدس ولأنها يجمع من القرب ما تفرق في غيرها من ذكر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم والقرآن والتسبيح واللبث والاستقبال والطهارة والستارة وترك الأكل والكلام وغير ذلك مع اختصاصها بالركوع والسجود وغيرهما، واحترز بالبدن عن عبادة القلب، وهي الإيمان فإنه أفضل العبادات، وقيل احترز أيضًا من العبادة المالية فإنها أفضل الصلاة لتعدى معها وصرح القاضي حسين بأن الحج أفضل لأنه عبادة مال وبدن وغير ذلك والصحيح أن أفضل عبادات البدن الصلاة

(1)

تقدم الكلام على ذلك أيضًا مبسوطا.

557 -

وَعَن حَنْظَلَة الْكَاتِب رضي الله عنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: "من حَافظ على الصَّلَوَات الْخمس ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وَعلم أنَّهُنَّ حق من عِنْد الله دخل الْجنَّة أَو قَالَ: وَجَبت لَهُ الْجنَّة أَو قَالَ: حرم على النَّار" رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد وَرُوَاته رُوَاة الصَّحِيح

(2)

.

قوله: عن حنظلة الكاتب رضي الله عنه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من حافظ على الصلوات الخمس وركوعهن، وسجودهن ومواقيتهن وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة" تقدم الكلام على

(1)

كفاية النبيه (3/ 294 - 296).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (832)، وأحمد 4/ 267 (18345) و (18346)، والطوسى في مختصر الأحكام (197)، والطبراني في الكبير (4/ 12 رقم 3494 و 3495)، والبيهقى في الشعب (4/ 313 رقم 2566). قال الهيثمي في المجمع 1/ 288 - 289: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (381).

ص: 257

الصلوات ومتى فرضت وسيأتي الكلام على الركوع والسجود في الباب بعده.

558 -

وَعَن عُثْمَان رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من علم أَن الصَّلَاة حق مَكْتُوب وَاجِب دخل الْجنَّة رَوَاهُ أَبُو يعلى وَعبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد على الْمسند وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَلَيْسَ عِنْده وَلَا عِنْد عبد الله لَفْظَة مَكْتُوب

(1)

، قَالَ الْحَافِظ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: وَسَتَأْتِي أَحَادِيث أخر تنتظم فِي سلك هَذَا الْبَاب فِي الزَّكاة وَالْحج وَغَيرهمَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قوله: عثمان بن عفان تقدم الكلام عليه: من علم أن الصلاة حق مكتوب دخل الجنة معناه مفروض.

قوله: رواه عبد الله بن الإمام أحمد في زياداته على المسند هو عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة كما في إتحاف الخيرة (1/ 409 - 410 رقم 748/ 1)، وعبد بن حميد (49)، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند 1/ 60 (423) ومن طريقه البيهقى في الشعب (4/ 300 - 301 رقم 2551)، والبزار (439) و (440)، وأبو يعلى (182/ المقصد العلى)، وابن خزيمة في التوحيد (75)، والحاكم (1/ 72). قال علي ابن المدينى: وحديث عثمان أنه قال من علم أن الصلاة حق أخرجه الإمام أحمد رواه عمران ابن حدير وهو ثقة عن رجل مجهول يقال له عبد الملك بن عبيد يرويه عن حمران العلل (ص 96). قال البزار: وهذا الحديث مرفوعًا لا نعلم روي إلا عن عثمان. وصححه الحاكم. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 288: رواه عبد الله بن أحمد في زياداته، وأبو يعلى إلا أنَّه قال:"حق مكتوب واجب"، والبزار بنحوه، ورجاله موثقون. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (382).

ص: 258