الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهم
726 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خير صُفُوف الرِّجَال أَولهَا وشرها آخرهَا وَخير صُفُوف النِّسَاء آخرهَا وشرها أَولهَا رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
(1)
وَتقدم.
قوله: عن أبي هريرة تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها" الحديث، المعنى في ذلك والله أعلم: أن أهل الصف الأول أعلم بحال الإمام من غيره فيكون أشرف، والصف الأول الذي وردت الأحاديث والحث عليه هو الصف الذي يلي الإمام سواء جاء صاحبه متقدما أو متأخرًا، هذا هو الصحيح الذي تقتضيه ظواهر الأحاديث وصرح به المحققون.
وقالت طائفة من العلماء: الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه ولا يتخلله مقصورة ولا منبر ونحو ذلك فإن تخلل الذي يلي الإمام شيء فليس بأول بل الأول ما لا يتخلله شيء وإن تأخر.
(1)
أخرجه مسلم (132 - 440)، وابن ماجه (1000)، وأبو داود (678)، والترمذي (224)، والنسائي في المجتبى 2/ 269 (832) والكبرى (982).
وقيل: الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان إلى المسجد أولا وإن صلى في صف متأخر.
وهذان القولان غلط صريح، قال النووي: وإنما ذكرته ومثله لأنبه على بطلانه لئلا يغتر به
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" المراد بالشر قلة الثواب وكراهة ذلك الفعل
(2)
.
قلت: أخر مرتبتهن عن مرتبة الذكور لأن نوع الذكر أشرف على الإطلاق فهي محلها وشر صفوفها أولها لتعديها عن محلها
(3)
وإنما فضل أخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن عن مخالطة الرجال ورؤيتهم، وتعلق القلب بهن عند رؤية حركاتهن وسماع كلامهن ونحو ذلك
(4)
.
وتقدم الكلام على شيء من ذلك والله أعلم.
727 -
وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رأى فِي أَصْحَابه تأخرا فَقَالَ لَهُم تقدمُوا فائتموا بِي وليأتم بكم من بعدكم لَا يزَال قوم
(1)
شرح النووي على مسلم (4/ 160).
(2)
شرح النووي على مسلم (4/ 159).
(3)
شرح المصابيح (2/ 106) لابن الملك.
(4)
شرح النووي على مسلم (4/ 159).
يتأخرون حَتَّى يؤخرهم الله رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه
(1)
.
قوله: عن أبي سعيد هو الخدري، تقدم.
قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرًا فقال لهم: "تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم"، ومعني الحديث، اقتدوا بي مستدلين على أفعالي بأفعالكم، ففيه جواز اعتماد المأموم على متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه أو صف قدامه يراه متابعا للإمام
(2)
.
وينبغي أن يكون في الصف الأول من يعقل صلاة الإمام وفي الصف الثاني من يعقل صلاة الصف الأول وهلم جرا لتكون صلاتهم على وفق صلاة الإمام
(3)
.
قوله: "لا يزال قوم يتأخرون" أي: عن الصفوف الأول
(4)
.
قوله: "حتى يؤخرهم الله" الحديث أي: عن رحمته وعظيم فضله أو عظيم ثوابه ورفع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم (130 - 438)، وابن ماجه (978)، وأبو داود (680)، والنسائي في المجتبى 2/ 253 (807) و (808) والكبرى (958 و 959).
(2)
شرح النووي على مسلم (4/ 158 - 159).
(3)
انظر: شرح السنة (3/ 376)، والمسالك (3/ 144)، وشرح النووي على مسلم (4/ 154)، والمفهم (4/ 147)، وشرح المشكاة (4/ 1142).
(4)
شرح النووي على مسلم (4/ 159).
(5)
شرح النووي على مسلم (4/ 159).
728 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يزَال قوم يتأخرون عَن الصَّفّ الأول حَتَّى يؤخرهم الله فِي النَّار رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَابْن حبَان إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا حَتَّى يخلفهم الله فِي النَّار
(1)
.
قوله: عن عائشة تقدم الكلام على مناقبها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار" قيل: هذا في المنافقين.
وقيل: في غيرهم، وعلى هذا فيحتمل أنه يؤخرهم عن رتبة العلماء المأخوذ عنهم أو رتبة السابقين
(2)
، وفيه إشارة إلى من تساهل في ترك الفضائل قد يقع في ترك الواجبات، وكذا من تساهل في الصغائر قد تجره إلى الكبائر، وفيه: الحث على القرب من الإمام لمشاهدة أفعاله وسماع قراءته
(3)
، وتنبيهه إذا سهي وغير ذلك.
قال القاضي صدر الدين المناوي في التنقيح على المصابيح: ومر بي في بعض الكتب أن قوله: "لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله في النار" أن هذا في قوم متأخرون ليكونوا آخر صفوف الرجال فيليهم النساء، وقصدهم
(1)
أخرجه أبو داود (679) وابن خزيمة (1559)، وابن المنذر في الأوسط (1986)، وابن حبان (2156). وضعفه الألباني في المشكاة (1104). وقال في صحيح أبي داود (682) وصحيح الترغيب (510): حديث صحيح، دون قوله: في النار.
(2)
المفهم (5/ 1).
(3)
انظر: نهاية المطلب (3/ 50).
مسارقة النظر إليهن أو نحو ذلك، فإن ثبت ذلك فما يفعله إلا منافق إذ الصحابة رضي الله تعالى عنهم محفوظون من ذلك
(1)
والله أعلم.
729 -
وَعَن أَبِى مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا فِي الصَّلَاة وَيَقُول اسْتَووا وَلَا تختلفوا فتختلف قُلُوبكُمْ ليلني مِنْكُم أولو الأحلام والنهى ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ رَوَاهُ مُسلم وَغَيره
(2)
.
قوله: عن أبي مسعود، تقدم.
قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم"
(3)
الحديث، أراد وجوه القلوب
(4)
كحديثه الآخر "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"
(5)
أي هواها وإرادتها كما تقدم. ففيه من الفقه استحباب تسوية الصفوف، وفيه أن الإمام يتولى ذلك بنفسه، وقد كان عمر رضي الله عنه يسوي الصفوف بنفسه فيقول: تقدم يا فلان وتأخر يا فلان، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه: يوكل رجلا بتسوية الصفوف فإذا أخبروه بالتسوية أحرم
(6)
.
(1)
كشف المناهج (1/ 426).
(2)
أخرجه مسلم (122 و 123 - 432)، وابن ماجه (976)، وأبو داود (674)، والترمذي (228).
(3)
أخرجه مسلم (122 - 432) عن أبي مسعود.
(4)
المجموع المغيث (3/ 390)، والنهاية (5/ 158).
(5)
أخرجه أبو داود (664)، والنسائي في المجتبى 2/ 262 (823) والكبرى (973) عن البراء. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (670).
(6)
انظر: شرح الصحيح (2/ 344) لابن بطال، وشرح مسند الشافعي (1/ 533)، والإقناع (1/ 150).
قوله صلى الله عليه وسلم: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى" الحديث، هو بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون، ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد
(1)
، وتحريكها ههنا لحن أي الياء، واللام في أوله لام الأمر، أي: ليقرب مني مأخوذ من الولي وهو القرب
(2)
، وأولو الأحلام جمع حلم بضم الحاء، وقيل: جمع حلم بكسرها، والمراد بأولي الأحلام، فعلى الأول: البالغون، وعلى الثاني: أهل الحلم والفضل
(3)
، والنهى بضم النون جمع نهية بالضم، والمراد بالنهية العقل التام فعلى قول من يقول أولو الأحلام العقلاء يكون اللفظان بمعنى واحد، فلما اختلف اللفظ عطف أحدهما على الآخر تأكيدا، وعلى الثاني معناه البالغون العقلاء، وقيل: المراد بأولي الأحلام البالغون وبأولي النهى العاقلون
(4)
، وإنما أمرهم أن يليه أولي أولي النهى ليعقلوا عنه صلاته ويخلفوه في الإمامة إن حدث به عارض
(5)
، وفي هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنه أولى بالإكرام ولأنه ربما احتاج الإمام إلى الاستخلاف فيكون هو أولى ولا يختص هذا التقديم بالصلاة بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس كمجالس العلم والقضاء والذكر والمشاورة ومواقف القتال وإمامة
(1)
شرح النووي على مسلم (4/ 154 - 155).
(2)
تحفة الأبرار (1/ 336).
(3)
رياض الصالحين (ص 129).
(4)
شرح النووي على مسلم (4/ 155).
(5)
معالم السنن (1/ 184 - 185)، وشرح السنة (3/ 276).
الصلاة والتدريس والإفتاء وإسماع الحديث
(1)
، وفيه دليل على أنه يستحب للإمام الأمر بتسوية الصفوف وتنزيلهم منازلهم، والحكمة في تقديم العقلاء أن يفقهوا عنه أفعاله ويبلغوها للناس
(2)
، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يليه المهاجرون والأنصار وليحفظوا عنه كما رواه النسائي وابن حبان
(3)
، وقد روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل الرجال قدام الغلمان والغلمان خلفهم والنساء خلف الغلمان، ولأبي داود نحوه
(4)
، وشذ أبو حنيفة في ذلك فقال: فلو ساوت امرأة رجلًا أو تقدمته في اقتداء واحد، ودام ذلك في الركوع بطلت صلاته ولا تبطل فيما قبله ولا في الجنازة، وعند الشافعي تصح.
قوله: "ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" معناه: يقربون منهم في هذا الوصف كالمراهقين، ثم الذين يلونهم كالصبيان، ثم الذين يلونهم كالنساء، فإن نوع الذكر أشرف على الإطلاق، والمعنى فيه: أن الصف الأول أفضل والرجال أكمل فاختصوا به ووليهم الصبيان لأنهم من الرجال لكنهم دونهم، والفضيلة واحدة، هذا إذا حضروا جميعا
(5)
، أما إذا حضر الصبيان أولا ثم
(1)
شرح النووي على مسلم (4/ 155).
(2)
شرح المشكاة (4/ 1142).
(3)
أخرجه ابن ماجه (977)، والنسائي في الكبرى (8450)، وابن حبان (7258). وصححه الألباني في الصحيحة (1409).
(4)
أخرجه أحمد 5/ 344 (22911)، وأبو داود (677) عن أبي مالك. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (105)، المشكاة (1115).
(5)
مختصر الكفاية (لوحة 292/ خ رقم 2175 ظاهرية).
الرجال وقد استوعب الصبيان الصف الأول فليس لهم إزالتهم عن أمكنتهم، وإن حضر النساء أولا أخرن، وقيل: يقف كل صبي بين رجلين ليتعلم منهما أحكام الصلاة، والأول أصح
(1)
.
قال الدارمي في استدراكه: هذا إذا كان الرجال أفضل أو تساووا، فإن كان الصبيان أفضل قدموا
(2)
، قال العلماء في كتب الفقه: وإن حضر رجال وصبيان وخناثا ونساء قدم الرجال ثم الصبيان ثم الخنثاء ثم النساء
(3)
، والخناثاء: جمع خنثي، والخنثى المشكل هو الذي له فرج الرجل وفرج المرأة ويبول منهما دفعة واحدة، ويميل إلى الرجال والنساء ميلا واحدًا
(4)
.
فائدة فيها أعجوبة: ذكر ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة ثلاث وعشرين وستمائة أن صديقا له اصطاد أرنبا وله أنثيان وذكر وفرج أنثى فلما شقوا بطنه رأوا فيه ما يدل على ذلك، قال: وأعجب من ذلك أنه كان لنا جار له بنت اسمها صفية بقيت كذلك نحو خمس عشرة سنة ثم طلع لها ذكر ونبتت لها لحية فكان لها فرج رجل وفرج امرأة قاله في حياة الحيوان
(5)
.
فرع: العراة إذا كانوا عميا أو في ظلمة صلوا جماعة وتقدم إمامهم، وإن أبصروا أو كانوا في ضوء فالأظهر أن الجماعة والانفراد في حقهم سواء، وإن
(1)
النجم الوهاج (2/ 372).
(2)
النجم الوهاج (2/ 372).
(3)
انظر المجموع (4/ 293).
(4)
التنبيه (1/ 160).
(5)
حياة الحيوان (1/ 37).
صلوا جماعة وقف إمامهم وسطهم لئلا يقع بصر واحد منهم على عورة غيره، هذا إذا أمكن فإذا لم يمكن لضيق المكان فعن الإمام والمتولي أنهم يقفون صفا مع غض البصر، وإن كان فيهم مكتس أهل، استحب تقديمه ويصلون جماعة قولا واحدًا ويكونون صفا فإن تعذر فصفين أو أكثر بحسب الحاجة
(1)
والله أعلم.
730 -
وَعَن النُّعْمَان بن بشير رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لتسون صفوفكم أَو ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه
(2)
. وَفِي رِوَايَة لَهُم خلا البُخَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَوِّي صُفُوفنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بهَا القداح حتى رآنا أَنا قد عقلنا عَنهُ ثمَّ خرج يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَاد يكبر فرى رجلا باديا صَدره من الصَّفّ فَقَالَ عباد الله لتسون صفوفكم أَو ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم
(3)
.
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه أقبل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على النَّاس بِوَجْهِهِ فَقَالَ أقِيمُوا صفوفكم أَو ليخالفن الله بَين قُلُوبكُمْ قَالَ فَرَأَيْت الرجل يلزق مَنْكِبه بمنكب صَاحبه وركبته بركبة صَاحبه وكعبه بكعبه
(4)
(1)
النجم الوهاج (2/ 373).
(2)
أخرجه البخاري (717)، ومسلم (127 - 436)، وابن ماجه (994)، وأبو داود (663)، والترمذي (227)، والنسائي في المجتبى 2/ 262 (822) والكبرى (972).
(3)
أخرجه مسلم (128 - 436)، وأبو داود (663).
(4)
أخرجه أبو داود (662)، وابن حبان (2176). وصححه الألباني في الصحيحة (32)، صحيح أبي داود (668).
القداح بِكَسْر الْقَاف جمع قدح وَهُوَ خشب السهْم إِذا بري قبل أَن يَجْعَل فِيهِ النصل والريش.
قوله: عن النعمان بن بشير، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" الحديث، اللام في قوله:"لتسون صفوفكم" لام القسم أو للتقسيم، قال البيضاوي: اللام فيه هي التي يتلقى القسم بها وههنا القسم مقدورا، ولهذا أكده بالنون المشددة
(1)
.
قال الشيخ تقي الدين القشيري: تسوية الصفوف: اعتدال القائمين بها على سمت واحد. وقد تدل تسويتها أيضا على سد الفرج فيها، بناء على التسوية المعنوية. والاتفاق على أن تسويتها بالمعنى الأول والثاني أمر مطلوب. وإن كان الأظهر: أن المراد بالحديث الأول
(2)
.
وقوله: "أو ليخالفن الله بين وجوهكم" وفي رواية أبي داود وابن حبان: "أو ليخالفن الله بين قلوبكم" أي: بين مقاصدكم وقلوبكم فتختلفوا وتباغضوا، قال النووي في شرح مسلم: معناه مسخها وتحويلها عن صورتها كقوله صلى الله عليه وسلم: "يجعل الله صورته صورة حمار"
(3)
يعني: يقع من شؤم المخالفة اختلاف
(1)
تحفة الأبرار (1/ 335).
(2)
إحكام الأحكام (1/ 217).
(3)
شرح النووي على مسلم (4/ 157).
وكدورة قلوبكم بحيث يسري على ظاهركم فتقع بينكم عداوة
(1)
، وهو المراد بقوله:"أو ليخالفن الله بين قلوبكم" ويحتمل أن يخالف بتغير صورها أنواعا أخر قاله عياض
(2)
، وقيل: يغير صفتها، قال النووي: والأظهر والله أعلم أن معناه: يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما يقال تغير وجه فلان عليّ أي ظهر لي من وجهه كراهية لي، وتغير قلبه عليّ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن
(3)
والله أعلم.
ويؤخذ من الحديث أن تسوية الصفوف سبب لحصول الائتلاف والمودة والتواصل وزوال الوحشة الذي هو سبب السعادة الدنيوية والأخروية، وقد امتن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بتأليف قلوب أصحابه رضي الله تعالى عنهم فقال تعالى:{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}
(4)
الآية.
تنبيه: قال الكرماني
(5)
: أقول يحتمل أن يكون معنى مخالفة الوجوه تحولها إلى أدبارها، فإن قلت التسوية سنة والوعيد على تركها يدل على أنها واجبة؟ قلت: هذا الوعيد من باب التغليظ والتشديد تأكيدًا وتحريضًا على
(1)
المفاتيح (2/ 223).
(2)
مشارق الأنوار (1/ 238).
(3)
شرح النووي على مسلم (4/ 157).
(4)
سورة الأنفال الآية 63.
(5)
الكواكب الدراري (5/ 93).
فعلها، واعلم أن المراد من الوجه إما الذات فالمخالفة بحسب المقاصد وأما العضو المخصوص فالمخالفة إما بحسب الصورة الإنسانية وغيرها، وإما بحسب الصفة وإما بحسب القدام والوراء انتهى.
قوله: في الرواية الأخرى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح، الحديث، القداح: قال الحافظ بكسر القاف جمع قدح بكسر القاف أيضًا وهو خشب السهم إذا بري قبل أن يجعل فيه النصل والريش، انتهي، وزاد بعضهم: فإذا ريش وركب نصله فهو سهم
(1)
، وقيل: القدح هو السهم نفسه
(2)
، ومعناه: يبالغ في تسويتها حتى تصير كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها
(3)
والله أعلم.
وإنما جمع القداح وجمع الصفوف ولم يقل كنا يسوي الصف لأجل المقابلة كأنه يقول سووا كل صف على حدته كما يسوي الصانع كل قدح على حدته
(4)
، والسهام مما يطلب التحرير وإلا كان السهم طائشا مخالفا لغرض إصابة الغرض، فضرب به المثل لتحرير التسوية
(5)
والله أعلم.
قوله: حتى رأى أنا قد عقلنا، أي: حتى علم أنا قد فهمنا المقصود
(1)
شرح السنة (3/ 364)، والمفاتيح (2/ 223).
(2)
النهاية (2/ 429).
(3)
شرح النووي على مسلم (4/ 157)، وتحفة الأبرار (1/ 334 - 335)، والعدة شرح العمدة (1/ 409).
(4)
الميسر (1/ 290).
(5)
إحكام الأحكام (1/ 219).
وامتثلناه، أ. هـ؛ قال الراوي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي بين الصفوف حتى يدعه مثل القدح أو مثل الرمح فرأى صدر رجل باديا صدره من الصف فقال: "عباد الله لتسون صفوفكم" الحديث، وضرب المثل في تسوية الصفوف بالقدح من أبلغ الأشياء لأن القدح لا يصلح للأمر الذي عمل له إلا بعد الانتهاء إلى الغاية القصوى في الاستواء، والمراد من الحديث المبالغة في تسوية الصفوف.
قوله: في رواية أبي داود وابن حبان: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه؛ الكعب: هو العظم الناتئ بين مفصل الساق والقدم، ففي كل رجل كعبان، وإنما يلصق الكعب بالكعب إذا كان ما ذكرناه، وفي وجه أن الكعب هو الذي فوق مشط القدم وهو شاذ ضعيف، أنكره الأصمعي والله أعلم
(1)
، وفيه حجة لأحد القولين عندنا أن تسوية الصفوف تعتبر بالصدور لا بالأقدام
(2)
، وظاهر هذا الحديث أن تسوية الصفوف واجبة لما رتب على تركها من الوعيد
(3)
، والجواب عنه: أن الوعيد إنما رتبه على مخالفة القلوب فإن اختلافهم في الصفوف يدل على اختلاف قلوبهم، فجعل اختلاف الصفوف سببا لاختلاف القلوب
(4)
، وفيه دليل على
(1)
روضة الطالبين (1/ 54) والنجم الوهاج (1/ 332).
(2)
فتح البارى (6/ 283) لابن رجب.
(3)
انظر الكواكب الدراري (5/ 93)، والإعلام (2/ 517).
(4)
شرح النووي على مسلم (4/ 157).
أن تسوية الصفوف وظيفة الإمام، وأنها سنة مختصة به
(1)
والله أعلم قاله في الديباجة.
وفي الحديث دليل على جواز كلام الإمام بين الإقامة والدخول في الصلاة، قال النووي: هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء ومنعه بعض العلماء والصواب الجواز وسواء كان الكلام لمصلحة أو لغيرها أو لا لمصلحة
(2)
.
731 -
وَعَن الْبَراء بن عَازِب رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّل الصَّفّ من نَاحيَة إِلَى نَاحيَة يمسح صدورنا ومناكبنا وَيَقُول لَا تختلفوا فتختلف قُلُوبكُمْ وَكَانَ يَقُول إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصُّفُوف الأول" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظه كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا فيمسح عواتقنا وصدورنا وَيَقُول لَا تخْتَلف صفوفكم فتختلف قُلُوبكُمْ إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصَّفّ الأول
(3)
.
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة لَا تخْتَلف صدوركم فتختلف قُلُوبكُمْ.
قوله: عن البراء بن عازب، تقدم الكلام عليه.
(1)
إحكام الأحكام (1/ 219).
(2)
شرح النووي على مسلم (4/ 157).
(3)
أخرجه أبو داود (664)، والنسائي في المجتبى 2/ 262 (823) والكبرى (973)، وابن خزيمة (1551) و (1552) و (1556) و (1557)، وابن حبان (2157) و (2161).
وصححه الألباني في صحيح أبي داود (670) وصحيح الترغيب (493) و (502) و (513).
قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" تخلل الصفوف هو: عبارة عن تسويتها.
وقوله: في رواية ابن حبان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا يمسح عواتقنا وصدورنا؛ العواتق: جمع عاتق وهو عظم الكتف.
732 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لتسونَّ الصُّفُوف أَو لتطمسن الْوُجُوه أَو لتغمضن
(1)
أبصاركم أَو لتخطفن أبصاركم" رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عبيد الله بن زحر عَن عَليّ بن زيد وَقد مَشاهُ بَعضهم
(2)
.
قوله: "عن أبي أمامة"، واسمه صدي بن عجلان تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لتسون الصفوف أو لتطمسن الوجوه أو لتغمضن أبصاركم" تقدم الكلام على تسوية الصفوف، وأما طمس الوجوه فهو عبارة عن ذهابها فلا يبقى لها أثر
(3)
، ومنه قوله تعالى:{لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ}
(4)
وأما غمض
(1)
قال الحافظ الناجى في عجالة الإملاء (2/ 517): كذا وجد في النسخ أو لتغمِضُنَّ بألف، والصواب حذفها عطفًا على ما قبله، وهو ظاهر والله أعلم.
(2)
أخرجه أحمد 5/ 258 (22225)، وأبو يعلى في كما في إتحاف الخيرة للبوصيري (1765)، والروياني (1203)، والطبراني في الكبير (8/ 213 رقم 7859). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 90: رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه: عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد وهما ضعيفان. وضعفه جدًّا الألباني في ضعيف الترغيب (266).
(3)
انظر: الغريبين (4/ 1181)، والنهاية (3/ 139)، والتفسير (1/ 327) للعز بن عبد السلام، وتفسير القرطبى (5/ 244).
(4)
سورة يس، الآية:66.
الأبصار فهو عبارة عن إذهاب البصر.
قوله: "رواه الطبراني من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد [الإلهاني: قال الدارقطني: متروك، وقال البخاري منكر الحديث، وقال أبو زرعة ليس بقوي ووثقه أحمد وابن حبان].