الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون]
694 -
عَن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول ثَلَاَثة لا يقبل الله مِنْهُم صَلَاة من تقدم قوما وهم لَهُ كَارِهُون وَرجل يَأْتِي الصَّلَاة دبارا والدبار أَن يَأْتِيهَا بعد أَن تفوته وَرجل اعتبد محررا رواه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه كلَاهُمَا من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد الإفْرِيقِي
(1)
.
قوله: عن عبد الله بن عمرو تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة من تقدم قوما وهم له كارهون".
وفي الحاوي أن الشافعي قال ولا يحل لرجل أن يصلي لجماعة وهم له كارهون لأن في الخبر ملعون ملعون من صلى بقوم وهم له كارهون"
(2)
وقد عد بعض العُلماء هذا من الكبائر إمامة من يكرهونه لما ذكرنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمعه مع تفويت الصلاة واعتباد المحرر وإغضاب الزوج وكل ذلك من الكبائر
(3)
.
هذا إذا كان القوم يكرهونه لبدعه أو فسقه أو جهله بالإمامة أما إذا كان
(1)
أخرجه ابن ماجه (970)، وأبو داود (593)، والطبراني في الكبير (14/ 136 رقم 14759). وضعفه الألباني في المشكاة (1123) وضعيف أبي داود (93)، وضعيف الترغيب (256) و (1192).
(2)
الحاوى (2/ 323).
(3)
تنبيه الغافلين (ص 266).
بينهم وبينه عداوة وكراهة بسبب شيء دنيوي لا يكون للإمام هذا الحكم بل هم المسيئون
(1)
والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل يأتي الصلاة دبارا والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته" قال ابن الأعرابي: والدبار جمع دبر وهو آخر أوقات الشيء ومعناه بعدما يفوت الوقت
(2)
.
وقال في النهاية وقيل دبار جمع دبر، وهو آخر أوقات الشيء، كالأدبار في قوله تعالى "وأدبار السجود" ويقال فلان ما يدري قبال الأمر من دباره: أي ما أوله من آخره. والمراد أنه يأتي الصلاة حين أدبر وقتها. ومنه الحديث "لا يأتي الجمعة إلا دبرًا" يروى بالفتح والضم، وهو منصوب على الظرف ومنه حديث ابن مسعود" ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرًا"
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل اعتبد محررًا" المحرر الذي جعل من العبيد حرا فأعتق يقال حر العبد يحر حرارا بالفتح أي صار حرا ومنه حديث أبي هريرة "فأنا أبو هريرة المحرر" أي معتق وفي حديث أبي الدرداء "شراركم الذين لا يعتقون محررهم" أي أنهم إذا أعتقوه استخدموه فإذا أراد فراقهم ادعوا رقبة
(4)
.
(1)
المفاتيح (2/ 236).
(2)
تهذيب اللغة (14/ 78).
(3)
النهاية (2/ 97).
(4)
النهاية (1/ 362 - 363).
قوله: رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما من رواية عبد الرحمن بن زياد الإفريقي هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم بن محمد قاضي إفريقية العبد الصالح كان قوالا بالحق وهو أول مولود ولد بإفريقية في الإسلام محدّث مشهور جليل ضعفه ابن مَعين والنسائي وقال علي بن المديني كان أصحابنا يضعفونه على أنه كان رجلًا صالحا أمارا بالمعروف نهيا عن المنكر ورأيت محمد بن إسماعيل البخاري يقوي أمره ويقول هو مقارب الحديث ولم يذكره في كتاب الضعفاء وقال فيه يحيى بن سعيد ثقة قدم على السفاح أول خلفاء بني العبَّاس فوعظه وصدغه بأنهم ظلمة قال الإفريقي أرسل إليّ أبو جعفر المنصور فقدمت عليه والربيع قائم على رأسه فاستند إليّ ثم قال: يا عبد الرحمن كيف ما مررت به من الدنيا إلى أن وصلت إلينا قال: قلت يا أمير المؤمنين رأيتُ أعمالا سيئة وظلما وظننته هدي البلاد منك فجعلت كلما دنوت منك كان أعظم الأمر قال فنكس رأسه طويلا ثم رفعه وقال كيف بالرجال قلت أفليس عمر بن عبد العزيز يقول إن الموالي بمنزلة السوق ما غلب إليها ما يروج فيها فإن كان برا أتوه ببرهم وإن كان فاجرا أتوه بفجورهم قال فأطرق قليلا ثم قال لي الربيع وأومأ إليّ أن اخرج فخرجت وما عدت إليه، مات رضي الله عنه سنة ست وخمسين ومائة
(1)
قاله في الديباجة وغيرها.
695 -
وَعَن طَلْحَة بن عبيد الله رضي الله عنهما أَنه صلى بِقوم فَلَمَّا انْصَرف قَالَ إِنِّي نسيت أَن أستأمركم قبل أَن أتقدم أرضيتم بصلاتي قَالُوا نعم وَمن يكره ذَلِك يَا حوارِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول "أَيُّمَا رَجُلٍ
(1)
تهذيب الكمال (17/ 102 - 110 الترجمة 3817).
أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لَمْ تَجُزْ صَلَاُتهُ أُذُنَهُ" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة سُلَيْمَان بن أَيُّوب وَهُوَ الطلحي الْكُوفِي قيل فِيهِ لَهُ مَنَاكِير
(1)
.
قوله: عن طلحة بن عبيد الله تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: "إنه صلى بقوم فلما انصرف قال إني نسيت أن أستأمركم قبل أن أتقدم أرضيتم بصلاتي قالوا نعم ومن يكره ذلك يا حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحواري هو الناصر والمصافي والمعين للرجل وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في كتاب الأمر بالمعروف.
قوله: "إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما رجل أم قوما وهم له كارهون لم تجز صلاته أذنيه" أي لم ترفع تجاوز صلاته.
696 -
وَعَن عَطاء بن دِينَار الْهُذلِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَلاثَة لَا يقبل الله مِنْهُم صَلَاة وَلا تصعد إِلَى السَّمَاء وَلا تجَاوز رؤوسهم رجل أم قوما وهم لَهُ كارِهُون وَرجل صلى على جَنَازَة وَلم يُؤمر وَامْرَأَة دَعَاهَا زَوجهَا من اللَّيْل فَأَبت عَلَيْهِ" رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه هَكَذَا مُرْسلا وَرُوِيَ لَهُ سَنَد آخر إِلَى أنس يرفعهُ
(2)
.
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 115 رقم 210). قال الهيثمي (المجمع 2/ 68): سليمان بن أيوب الطلحي قال فيه أبو زرعة: عامة أحاديثه لا يتابع عليها. وقال صاحب الميزان: صاحب مناكير، وقد وثق. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (484).
(2)
أخرجه ابن خزيمة (1518) ومن طريقه ابن بشران في الأمالى (179). وأما حديث أنس: أخرجه الترمذى (358) وابن خزيمة (1519). وقال الترمذى: حديث أنس لا يصح، لأنه قد روي هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. ومحمد بن القاسم تكلم فيه =
قوله: عن عطاء بن دينار الهذلي [أبو الريان، وقيل: أبو طلحة المصري، مولى بني خناعة بطن من هذيل وثقه أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح وأبو داود وقال ابن يونس مستقيم الحديث، ثقة، معروف بمصر وداره بها في الحمراء في بني بحر نحو دار الليث بن داود لها بابان عظيمان قال أبو سعيد: رأيتُ في كتاب ربيعة الأعرج: توفي عطاء بن دينار مولى هذيل أول سنة ست وعشرين ومائة
(1)
] قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة ولا تصعد إلى السماء" الحديث، قال العُلماء لا يلزم من عدم القبول عدم الصحة فالصلاة صحيحة مجزئة لا يلزم إعادتها إلا أنها لا ثواب فيها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رجل أم قوما وهم له كارهون" وفي حديث علي أتاه قوم برجل فقالوا إن هذا يؤمنا ونحن له كارهون فقال له علي إنك لخروط
(2)
الخروط الذي يتهور في الأمور ويركب رأسه في كلما يريد جهلا وقلة معرفة كالفرس الخروط الذي يجتذب رسنه من يد ممسكه ويمضي لوجه والله أعلم قاله في النهاية
(3)
.
قال العُلماء في كتب الفقه يكره أن يؤم الرجل قوما وأكثرهم له كارهون قال النووي في شرح المهذب فإن كرهه نصفهم أو أقل لم تكره إمامته لهم
= أحمد بن حنبل وضعفه، وليس بالحافظ. وصححه الألباني في الصحيحة (650) وصحيح الترغيب (485).
(1)
تهذيب الكمال (20/ 67 - 69 الترجمة 3931).
(2)
أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (4/ 348) عن على بن أبي طالب.
(3)
غريب الحديث (4/ 348)، والنهاية (2/ 23).
قاله في الروضة وصرح به في الكفاية وأشار إليه البغوي
(1)
وهو مقتضى كلام الباقلاني قال في الجواهر لكن روى القاضي الطبري عن نص الشافعي رحمه الله أنه قال إذا أم رجل قوما وفيهم من يكرهه كرهنا له ذلك والأفضل أن لا يصلي بهم
(2)
وقال الإمام أحمد وإسحاق في هذا إذا كره واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس أن يصلي بهم حتى يكرهه أكثر القوم
(3)
ثم الاعتبار في الكراهة بأهل الدين دون غيرهم حتى قال في الإحياء لو كان الأقلون أهل الدين فالاعتبار بهم هذا إذا كرهوه بمعنى مذموم في الشرع لكونه ظالما كما تقدم أو متغلبا على الإمامة من غير استحقاق أو لا يحترز من النجاسات أو يتعاطى معيشة مذمومة أو يعاشر الظلمة أو الفساق أو يترك هيئات الصلاة ونحو ذلك فإن كرهوه لغير معنى شرعي لم تكره إمامته لهم واللوم على من كرههم وحيث ثبتت الكراهة فهي مختصة بالإمام
(4)
وهذه الكراهة للتحريم كما نص عليه الشافعي رحمه الله
(5)
.
وأما المأمومون فلا يكره لهم الاقتداء به ويكره أن يولي الإمام على جيش أو قوم رجلًا أو قاضيا يكرهه أكثرهم ولا يكره إن كرهه نصفهم أو أقل
(1)
المجموع (4/ 275)، وروضة الطالبين (1/ 378)، وكفاية النبيه (4/ 22).
(2)
كفاية النبيه (4/ 22).
(3)
شرح السنة (3/ 404).
(4)
النجم الوهاج (2/ 367 - 368).
(5)
الحاوى (2/ 323)، والنجم الوهاج (2/ 367).
بخلاف الإمامة العظمى فإنها تكره إذا كرهه بعضهم، ولو حضر جماعة في مسجد له إمام راتب فلم يحضر استحب أن يرسلوا إليه ليحض فإن خيف فوات الوقت استحب أن يقدم غيره، قال النووي فإن خيف فتنة صلوا فرادى واستحب لهم أن يعيدوا معه إذا حضر
(1)
.
فروع:
الأول: قال النووي في شرح المهذب وأما المأموم إذا كره حضوره أهل المسجد فلا يكره له الحضور نص عليه الشافعي وصرح به صاحب الشامل والتتمة
(2)
والله أعلم.
الثاني: لا يكره أن يؤم من فيهم أبوه أو أخوه الأكبر لأن الزبير كان يصلي خلف ابنه عبد الله وأنس كان يصلي خلف ابنه وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن سلمة أن يصلي بقومه وفيهم أبوه والله أعلم
(3)
.
الثالث: إمامة ولد الزنا ومن لا يعرف أبوه خلاف الأولى وأطلق جماعة أنها تكره وما قالوه من الكراهة صورته أن يكون ذلك في ابتداء الصلاة ولم يساوه المأموم فإن ساواه أو وجده قد أحرم فاقتدى به فلا بأس
(4)
.
(1)
المهذب (1/ 178)، والمجموع (4/ 207) وروضة الطالبين (1/ 357)، والقول التمام (ص 129 - 130)، والنجم الوهاج (2/ 368).
(2)
المجموع (4/ 276 - 277).
(3)
النجم الوهاج (2/ 367).
(4)
النجم الوهاج (2/ 367).
قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل صلى على جنازة ولم يؤمر" ويكره أن يصلي الرجل على جنازة ولم يأذن له الولي لأن الولاية له فلا يجوز التعدي على من له الولاية.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وامرأة دعاها زوجها من الليل فأبت عليه" الحديث أي دعاها إلى الفراش وتقدم أن بعض العُلماء عده من الكبائر.
697 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَلَاثَة لا ترْتَفع صلَاتهم فَوق رؤوسهم شبْرًا رجل أم قوما وهم لَهُ كَارِهُون وَامْرَأَة باتت وَزوجهَا عَلَيْهَا ساخط وَأَخَوَانِ متصارمان" رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة لا يقبل الله مِنْهُم صَلَاة إِمَام قوم وهم لَهُ كَارِهُون وَامْرَأَة باتت وَزوجهَا عَلَيْهَا غَضْبَان وَأَخَوَانِ متصارمان
(1)
.
قوله: عن ابن عباس تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا رجل أم قوما وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وأخوان متصارمان" التصارم التقاطع وسيأتي الكلام على التصارم مبسوطًا في بابه.
698 -
وَعَن أبي أمَامَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثَة لا تجَاوز صلَاتهم آذانهم العَبْد الْآبِق حَتَّى يرجع وَامْرَأَة باتت وَزوجهَا عَلَيْهَا ساخط وَإِمَام قوم وهم لَهُ كَارِهُون" رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب
(2)
.
(1)
أخرجه ابن ماجه (971)، وابن حبان (1757). وضعفه الألباني في المشكاة (1128)، غاية المرام (248)، وضعيف الترغيب (257).
(2)
أخرجه الترمذى (360)، والطبراني في الكبير (8/ 286 رقم 8098). وقال الترمذى: هذا =
قوله: عن أبي أمامة رضي الله عنه واسمه صدي بن عجلان الباهلي تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم -المراد نفي الكمال- العبد الآبق" أي الذي أبق من سيده وسيأتي الكلام عليه مبسوطا في بابه.
قوله: "وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط" الواجب على الزوجة طاعة زوجها فيما لا معصية فيه وقد تعاضدت الأحاديث ووردت الأخبار في هذا المعنى وسيأتي ذلك في كتاب النكاح، فحق الرجل على المرأة عظيم حتى روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها"
(1)
.
قوله: "وأخوان متصارمان" أي متقاطعان متهاجران والتصارم التقاطع.
خاتمة: قال المرزبانى رحمه الله: يحتاج المصلي إلى أربع خصال حتى ترفع صلاته: حضور القلب وشهود العقل وخضوع الأركان وخشوع الجوارح فمن صلّى بلا حضور القلب فهو مصلّ لاه، ومن صلى بلا شهود عقل فهو مصل ساه، ومن صلى بلا خضوع الجوارح فهو مصل خاطئ، ومن صلى بهذه الأركان فهو مصل واف
(2)
.
= حديث حسن غريب من هذا الوجه. وحسنه الألباني في المشكاة (1122) وصحيح الترغيب (487) و (1889).
(1)
أخرجه ابن حبان (4162) عن أبي هريرة. قال الألباني: حسن صحيح - الإرواء (1998).
(2)
شرح الأربعين (ص 9) للنووى.