المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في الصلاة مطلقا وفضل الركوع والسجود] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٣

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تخميرها]

- ‌[الترهيب من البصاق في المسجد وإلى القبلة، الباب إلى آخره]

- ‌[الترغيب في المشي إلى المساجد سيما في الظهر وما جاء في فضلها]

- ‌[الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها]

- ‌[الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراتًا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة]

- ‌[ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومها وترهيبهن من الخروج منها]

- ‌[الترغيب في الصلوات الخمس والإيمان بوجوبها]

- ‌[الترغيب في الصلاة مطلقا وفضل الركوع والسجود]

- ‌[الترغيب في الصلاة في أول وقتها]

- ‌[الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعة فوجد الناس قد صلوا]

- ‌[الترغيب في كثرة الجماعة]

- ‌[التَّرْغِيب فِي الصَّلاة فِي الفلاة

- ‌[الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعة والترهيب من التأخير عنهما]

- ‌[الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر]

- ‌[الترغيب في صلاة النافلة في البيوت]

- ‌[الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة]

- ‌[الترغيب على المحافظة على الصبح والعصر]

- ‌[الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر]

- ‌[الترغيب في أذكار يقولها بعد صلاة الصبح وصلاة العصر والمغرب]

- ‌[الترهيب من فوات العصر]

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسان والترهيب منها عند عدمها

- ‌[الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون]

- ‌[الترغيب في الصف الأول وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر]

- ‌[الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج]

- ‌فرعان لهما تعلق بوصل الصفوف:

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهم

- ‌[الترغيب في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء وما يقوله في الاستفتاح والاعتدال]

- ‌[الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود]

- ‌[الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود، وإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع]

الفصل: ‌[الترغيب في الصلاة مطلقا وفضل الركوع والسجود]

[الترغيب في الصلاة مطلقا وفضل الركوع والسجود]

559 -

عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الطّهُور شطر الإِيمَان وَالْحَمْد لله تملأ الْمِيزَان وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله تملآن أَو تملأ مَا بَين السَّمَاء وَالأرْض وَالصَّلَاة نور وَالصَّدَقَة برهَان وَالصَّبْر ضِيَاء وَالْقُرْآن حجَّة لَك أَو عَلَيْك رَوَاهُ مسلم وَغَيره

(1)

وَتقدم.

عن أبي مالك الأشعري اسمه الحارث بن عاصم الأشعري وليس لأبي مالك في صحيح مسلم غير حديثين [168 المغربي] أحدهما هذا الحديث، والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أربع من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة" قاله في التنقيح على المصابيح

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان" هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام وقد اشتمل على مهمات من قواعد الإسلام

(3)

والطهور الرِّواية فيه بفتح الطاء وهو ما يتطهر به من مائع أو جامد

(4)

وفيه محذوف تقديره استعمال

(1)

أخرجه مسلم (1 - 223)، وابن ماجه (280)، والترمذى (3517)، والنسائي في المجتبى 4/ 452 (2456) والكبرى (2423).

(2)

كشف المناهج (1/ 175 - 176).

(3)

شرح النووي على مسلم (3/ 100).

(4)

التعيين (ص 174).

ص: 259

الطهور هو آلة الطهارة أما الطهور بضم الطاء فهو الوضوء وجعل الطهور شطر الإيمان قيل لأن الطهور يكفر الخطيئات كما أن الإسلام يهدم الكفر قال وهو ضعيف إذا لا دلالة في ذلك على الشطر بل غايته مماثلة الطهارة للإيمان والصحيح الذي عليه الأكثرون أن المراد هاهنا بقوله "الطهور شطر الإيمان" التطهير بالماء من الأحداث وعلى هذا فاختلف الناس في معنى كون الطهور بالماء شطر الإيمان فمنهم من قال: المراد بالشطر الجزء لا أنه النصف بعينه فيكون الطهور جزءا من الإيمان وهذا فيه ضعف أيضًا لأن الشطر إنما يعرف استعماله لغة في النصف، ومنهم من قال: المعنى أنه يضاعف ثواب الوضوء إلى نصف ثواب الإيمان لكن من غير تضعيف، ومنهم من قال الإيمان يكفر الكبائر كلها والوضوء يكفر الصغائر فهو شطر الإيمان هذا الاعتبار، ومنهم من قال المراد هاهنا الصلاة كما في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}

(1)

أي صلاتكم إلى بيت المقدس فإذا كان المراد بالإيمان الصلاة فالصلاة لا تقبل إلا بطهور فصار الطهور شطر الإيمان بهذا الاعتبار أيضًا وحكى هذا التفسير محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وأما الطهارة بالماء فهي تختص بتطهير الجسد وتنظيفه فصارت خصال الإيمان قسمين أحدهما تطهير الظاهر والآخر تطهير الباطن فهما نصفان بهذا الاعتبار أيضًا والله أعلم بمراده ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك كله

(2)

.

(1)

سورة البقرة، الآية:143.

(2)

انظر: جامع العلوم والحكم (2/ 632 - 638).

ص: 260

قوله صلى الله عليه وسلم: "والحمد لله تملأ الميزان" أي التلفظ بهذه الكلمة فالمراد ثوابها يملأ ميزان قائلها خيرا

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وسبحان الله والحمد لله تملأن أو تملأ ما بين السماء والأرض" فشك الراوي فى الذي يملأ ما بين السماء والأرض هل هو الكلمتان أو إحداهما وهل المراد أنهما يملأن ما بين السماء والأرض أو أن كلا منهما يملأ ذلك وهذا محتمل

(2)

يعني أن ثواب تلك الكلمات قدر أجساما لملأت تلك الأجسام كفة الحسنات وملأت ما بين السموات والأرض كل ذلك عبارة عن وفور الثواب لكون الحمد من أعلى مقامات العبد وبكل حال فالتسبيح دون التحميد في الفضل كما جاء صريحا في حديث عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو والرجل الذي من بني سليم أن التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملوه وتتمة ذلك أن التحميد إثبات المحامد كلها فدخل في ذلك إثبات صفات الكمال ونعوت الجلال كلها والتسبيح هو تنزيه الله تعالى عن النقائص والعيوب ولإثبات أكمل من السلب ولهذا لم يراد إلا التسبيح مجرد ولكن مقرونا بما يدلّ على إثبات الكمال فتارة يقرن بالحمد كقوله "سبحان الله وبحمده سبحان الله والحمد لله"، وتارة باسم من الأسماء الدالة على العظمة والجلال كقوله:"سبحان الله العظيم" فإن كان حديث أبي مالك يدلّ على أن الذي يملأ ما بين السماء والأرض هو مجموع التسبيح والتكبير

(1)

التعيين (ص 175)، والمفاتيح (1/ 346).

(2)

جامع العلوم والحكم (2/ 641).

ص: 261

فالأمر ظاهر وإن كان المراد كلا منهما يملأ ذلك فإن الميزان أوسع مما بين السماء والأرض فما يملأ الميزان فهو أكبر مما بين السماء والأرض وأما التكبير ففي الحديث أنه وحده يملأ ما بين السماء والأرض وفي حديث علي أن التكبير والتهليل يملأ ما بين السماء والأرض وما بينهما، وأما التهليل وحده فإنه يصل إلى الله من غير حجاب بينه وبين الله تعالى

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء" فهذه الأنواع الثلاثة من الأعمال أنوار كلها لكن منها ما يختص بنوع من أنواع النور فالصلاة نور مطلق فقد روي عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلاة نور المؤمن"

(2)

فهي للمؤمنين في الدنيا والآخرة نور في قلوبهم ومقابرهم تتشرف بها قلوبهم وتستنير بها بصائرهم ولهذا هي قرة عين المتقين وهي نور المؤمنين في قبورهم ولاسيما صلاة الليل وهي في الآخرة نور للمؤمنين في ظلمات القيامة وعلى الصراط

(3)

فقد جاء في الطبراني من حديث ابن عباس وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "من صلى الصلوات الخمس في جماعة جاز على الصراط كالبرق اللامع في أول زمرة من السابقين وجاء يوم القيامة وجهه

(1)

جامع العلوم والحكم (2/ 641 - 642).

(2)

أخرجه ابن ماجه (4210)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (176)، وأبو يعلى (3655)، والقضاعي في مسند الشهاب (144). وضعفه الألباني في الضعيفة (1660) و (1901).

(3)

جامع العلوم والحكم (2/ 645 - 646).

ص: 262

كالقمر ليلة البدر"

(1)

وفي حديث آخر الصلاة قربان كلّ تقي أي أن الأتقياء من الناس يتقربون بها إلى الله تعالى أي يطلبون القرب منه بها والصلاة أيضًا برهان على صحة الإسلام فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصلاة برهان"

(2)

وروي أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهد أن لا إله إلا الله وفي آخره ويقيموا الصلاة يؤتوا الزكاة"

(3)

فالصلاة هي الفارقة بين الكفر والإسلام وهي أيضًا أول ما يحاسب به المرء يوم القيامة فإن تمت صلاته فقد أفلح وأنجح الحديث وأما الصدقة فهي برهان والبرهان هو الشعاع الذي على وجه الشمس، ومنه حديث أبي موسى أن روح المؤمن تخرج من جسده لها برهان كبرهان الشمس منه سمت الحجة القاطعة برهان لوضوح دلالتها على ما دلت عليه فكذلك الصدقة برهان على صحة إيمان المتصدق أو على أنه ليس من المنافقين {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ

(1)

أخرجه الحارث كما في المطالب (245)، والطبراني في الأوسط (6/ 369 - 370 رقم 6641) و (6/ 373 رقم 6656)، وابن شاهين (72). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن موسى بن أبي عائشة إلا عمار أبو إسحاق، تفرد به بقية. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 39: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس وقد عنعنه. قال ابن حجر في المطالب العالية: هذا حديث موضوع.

(2)

أخرجه الترمذى (614) عن كعب بن عجرة. وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى. وأيوب بن عائذ يضعف ويقال: كان يرى رأي الإرجاء. وسألت محمدًا عن هذا الحديث، فلم يعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى واستغربه جدًّا. وصححه الألباني في صحيح الترمذى.

(3)

أخرجه البخاري (25)، ومسلم (36 - 22) عن ابن عمر.

ص: 263

الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ}

(1)

أو على صحة محبة المتصدق لله تعالى وما لديه من الثواب إذ قد أثر محبة الله تعالى وابتغاء ثوابه على ما جبل عليه من حب المال حتى أخرجه لله تعالى هو أن راد أنها دالة على محبته الشريعة المطهرة وطيب النفس بها علامة وجود حلاوة الإيمان وطعمه، وأما الصبر فإنه ضياء والضياء هو النور الذي يحصل به نوع حرارة وإحراق كضوء الشمس بخلاف القمر فإنه نور محض فيه إشراق بغير إحراق قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا}

(2)

ومن هنا وصف الله تعالى شريعة موسى صلى الله عليه وسلم أنها ضياء كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ}

(3)

وإن كان ذكره الله في التوراة نورا كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ}

(4)

كان الغالب على شريعتهم الضياء لما فيها من الأضاد والأغلال والأقفال ووصف الله شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها نور لما فيه من الحنيفية السمحة قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}

(5)

وإن كان الصبر شاقا على النفوس يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها أو كفها عما تهواه كان ضياء فإن

(1)

سورة التوبة، الآية:79.

(2)

سورة يونس، الآية:5.

(3)

سورة الأنبياء، الآية:48.

(4)

سورة المائدة، الآية:44.

(5)

سورة المائدة، الآية:15.

ص: 264

معنى الصبر في اللغة الحبس ومنه قتل صبرًا وهو أن يحبس حتى يقتل، والصبر المحمود أنواع منه صبر على طاعة الله عز وجل ومنه صبر عن معاصي الله عز وجل ومنه الصبر على الأقدار المؤلمة صرح بذلك السلف منهم سعيد جبير وميمون بن مهران وغيرهما

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "والقرآن حجة لك أو عليك" يجوز أن المراد به عند نزوله نزول الملكين في القبر وعند الميزان ويجوز أن يراد به المناجاة عند البحث والمناظرة

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "كلّ الناس يغدو فبائع نفسه" الحديث، قد دل الحديث على أن كلّ إنسان فهو ساع في إهلاك نفسه أو في فكهاكها، الفكاك بكسر الفاء هو ما ينفك به، وفكه وافتكه بمعنى خلصه، قاله الكرماني

(3)

، فمن سعى في طاعة الله فقد باع نفسه لله وأعتقها من عذابه، ومن سعى في معصية الله فقد باع نفسه بالهوان وأوبقها بالآثام المزجية لغضب الله وعقابه، قاله ابن رجب الحنبلي

(4)

.

560 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خرج فِي الشتَاء وَالْوَرق يتهافت فَأخذ بِغُصْن من شَجَرَة قَالَ فَجعل ذَلِك الْوَرق يتهافت فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَر" قلت لبيْك يَا رَسُول الله، قَالَ: "إِن العَبْد الْمُسلم ليُصَلِّي الصَّلَاة يُرِيد بهَا وَجه الله

(1)

جامع العلوم والحكم (2/ 644 - 649).

(2)

المفهم (3/ 103 - 104).

(3)

الكواكب الدراري (2/ 119).

(4)

جامع العلوم والحكم (2/ 652).

ص: 265

فتهافت عَنهُ ذنُوبه كَمَا تهافت هَذَا الْوَرق عَن هَذِه الشَّجَرَة" رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن

(1)

.

قوله: "عن أبي ذر" اسمه جندب بن جنادة الغفاري قال: أبو الفرج بن الجوزي في اسمه اختلاف كبير وكان يتعبد قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قديما وقال: كنت في الإسلام خامسا فى الإسلام ورجع إلى قومه فأقام عندهم حتى مضت بدر وأحد والخندق ثم هاجر إلى المدينة

(2)

وكان شجاعا ينفرد وحده فيقطع الطريق، وقال: صليت قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين فقيل لمن قال لله عز وجل

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله تهافت ذنوبه كما تهافت هذا الورق" الحديث التهافت التساقط قاله عياض

(4)

والمراد كما سبق بيانه في الوضوء وغيره وأما الكبائر فلا يغفر إلا بالتوبة أو عفو الله تعالى وفضله الواسع.

561 -

وَعَن مَعْدان بن أبي طَلْحَة رضي الله عنه قَالَ لقِيت ثَوْبَان مولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقلت أَخْبرنِي بِعَمَل أعمله يدخلني الله بِهِ الْجنَّة أَو قَالَ قلت بِأحب

(1)

أخرجه أحمد 5/ 179 (21556). قال الهيثمي في المجمع 2/ 248: رواه أحمد، ورجاله ثقات. وحسنه الألباني في المشكاة (576) وصحيح الترغيب (384).

(2)

كشف المشكل (1/ 350).

(3)

أخرجه البزار (3946 و 3947)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 157).

(4)

مشارق الأنوار (2/ 272).

ص: 266

الأعْمَال إِلَى الله فَسكت ثمَّ سَأَلته فَسكت ثمَّ سَأَلته الثَّالِثَة فَقَالَ سَأَلت عَن ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَلَيْك بِكَثْرَة السُّجُود فَإنَّك لا تسْجد لله سَجْدَة إِلَّا رفعك الله بهَا دَرَجَة وَحط بهَا عَنْك خَطِيئَة رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

.

قوله: وعن مَعْدان بن أبي طلحة ومعدن بن أبي طلحة ثقة روى له مسلم والأربعة والله أعلم.

قوله: "لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم" تقدم الكلام على ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "عليك بكثرة السجود لله تعالى" الحديث فيه الحث على كثرة السجود والترغيب فيه والمراد به السجود في الصلاة وسواء في ذلك الفرض والنفل وسبب الحث على السجود

(2)

، قوله: صلى الله عليه وسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"

(3)

وأقرب هنا بالرتبة والكرامة لا بالمسافة لتنزهه عن المكان

(4)

فلا يلزم من القرب زيادة الفضيلة وهذا مشاهد فقد يقرب الشخص من الملك وغيره أفضل منه وفي الحديث دليل لمن يقول تكثير

(1)

أخرجه مسلم (225 - 488)، وابن ماجه (1423)، والترمذى (388 و 389)، والنسائي في المجتبى 2/ 500 (1150) والكبرى (814).

(2)

شرح النووي على مسلم (4/ 206).

(3)

أخرجه مسلم (215 - 482) عن أبي هريرة.

(4)

المفهم (5/ 21).

ص: 267

السجود أفضل من إطالة القيام وسائر أركان الصلاة

(1)

وقد اختلف العُلماء في السجود في الصلاة والقيام أيهما أفضل وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب للعلماء أحدها: مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومن وافقهما أن تطويل القيام أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر في صحيح مسلم "الصلاة طول القنوت" والمراد بالقنوت القيام في الصلاة ولأن ذكر القيام هو القرآن وذى السجود التسبيح والقرآن أفضل فكان ما طول به أفضل.

والمذهب الثاني أن تطويل السجود وتكثير الركوع والسجود أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" وبأن السجود لله يقع من المخلوقات كلها علويها وسفليها وبأن الساجد أذل ما يكون لربه وأخضع له وذلك وأشرف حالات العبد

(2)

وحكى ذلك الترمذي والبغوي عن جماعة من العُلماء وممن قال بتفضيل تطويل السجود ابن عمر رضي الله عنهما.

والمذهب الثالث: أنهما سواء، قال: الإمام أحمد بن حنبل روي فيه حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم وتوقف الإمام أحمد بن حنبل في هذه المسألة ولم يقض فيها بشيء، وقال: إسحاق بن راهويه وأما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل وأما بالليل فتطويل القيام أفضل إلا أن يكون رجل له حزب بالليل يأتي عليه فكثرة الركوع والسجود في هذا أحب إليّ لأنه يأتي على حزبه وقد ربح كثرة الركوع والسجود، وقال: الترمذي وإنما قال إسحاق هذا لأنه

(1)

شرح النووي على مسلم (4/ 206).

(2)

زاد المعاد (1/ 229).

ص: 268

وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وصف طول القيام، وأما بالنهار فلم يوصف من صلاته صلى الله عليه وسلم من طول القيام ما وصف بالليل

(1)

والله أعلم.

فائدة: في الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم"

(2)

ففي هذا الحديث فوائد منها أن أعضاء السجود سبعة، وأنه ينبغي للمصلي أن يسجد عليها

(3)

والحكمة في كونها سبعة أنها إذا ضمت إلى الإيمان كانت ثمانية بعدد أبواب الجنة وإذا لم يوجد الإيمان بها كانت سبعا بعدد أبواب جهنم أعاذنا الله منها والمستحب أن يسجد على الجبهة والأنف جميعا فيضعهما دفعة واحدة ويجب وضع الجبهة مكشوفة

(4)

إلا لمرض أو جراحة فيكفي وضعها معصوبة

(5)

ووضع الأنف مستحب فلو تركه جاز ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجزه هذا مذهب الشافعي ومالك.

وقال أبو حنيفة وأبو القاسم من أصحاب مالك يجب أن يسجد الجبهة والأنف جميعا لظاهر الحديث قال الأكثرون: وظاهر الحديث أنهما كعضو واحدا لأنه قال في الحديث سبعة فإن جعلا عضوين صارت ثمانية وذكر الأنف استحبابًا

(6)

والإشارة في الحقيقة كانت إلى الجبهة فهي مصروفة إليها

(1)

المجموع (3/ 267 - 272) وشرح النووي على مسلم (4/ 200 - 201).

(2)

أخرجه البخاري (812) و (816)، ومسلم (228 - 490) عن ابن عباس.

(3)

شرح النووي على مسلم (4/ 208).

(4)

شرح النووي على مسلم (4/ 208).

(5)

روضة الطالبين (1/ 256) والنجم الوهاج (2/ 145).

(6)

شرح النووي على مسلم (4/ 208).

ص: 269

وإن كانت من قبل الأنف وأما اليدان والقدمان فهل يستحب السجود عليهما فيه قولان للشافعية أحدهما لا يجب لكن يستحب استحبابًا متأكدًا والثاني يجب وهو الأصح

(1)

والذي رجحه الشافعي عملا بظاهر الحديث ولقوله {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)}

(2)

قيل المساجد الأعضاء السبعة

(3)

فلو أخل بعضو منها لم تصح صلاته وإذا أوجبناه لم يجب كشف الركبتين والقدمين

(4)

لأن كشف الركبتين يؤدي إلى كشف العورة وكشف القدمين يؤدي أيضًا إلى إبطال الصلاة لأنهما قد يكونان في الخفين

(5)

وفى الكفين وجهان أصحهما لا يجب

(6)

لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسجدون وأيديهم داخل البرانس.

والثاني: يجب قياسًا على الجبهة

(7)

ثم الواجب وضع الكفين أو بطون الأصابع وكذلك يجب وضع بطون أصابع الرجلين على الأرض ويجب رفع الكفين عن الأرض في الجلوس بين السجدتين

(8)

بقوله صلى الله عليه وسلم في اليدين "إنهما

(1)

شرح النووي على مسلم (4/ 208).

(2)

سورة الجن، الآية:18.

(3)

ذكره الهروى في الغريبين (3/ 867).

(4)

شرح النووي على مسلم (4/ 208).

(5)

المجموع (3/ 426).

(6)

المجموع (3/ 426 - 427)، وشرح النووي على مسلم (4/ 208).

(7)

نهاية المحتاج (1/ 512).

(8)

كفاية النبيه (3/ 184 - 185).

ص: 270

يسجدان كما تسجد الجيهة فإذا سجد أحدكم فليضعهما وإذا رفع فليرفعهما" رواه أبو داود والنسائي

(1)

وفي ذلك لمالك قولان والله أعلم.

562 -

وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من عبد يسْجد لله سَجْدَة إِلَّا كتب الله لَهُ بهَا حَسَنه ومحا عَنهُ بهَا سَيِّئَة وَرفع لَهُ بهَا دَرَجَة فاستكثروا من السُّجُود رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح

(2)

.

قوله: "عن عبادة بن الصامت" تقدم الكلام عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة ورفع له درجة ومحى عنه بها سيئة" تقدم الكلام على رفع الدرجات وهي أعلى المنازل في الجنة ومحو السيئات من كتاب الحفظة في الوضوء.

563 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أقرب مَا يكون العَبْد من ربه عز وجل وَهُوَ ساجد فَأَكْثرُوا الدُّعَاء رَوَاهُ مُسلم

(3)

.

قوله أبي هريرة تقدم الكلام عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" معناه أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله، [170 مغربي] وفيه

(1)

أخرجه أبو داود (894)، والنسائي في المجتبى 2/ 470 (1104) والكبرى (683)، وابن خزيمة (630)، والحاكم (1/ 226). وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبى. وصححه الألباني في المشكاة (905).

(2)

أخرجه ابن ماجه (1424)، والبزار (2705) و (2706)، والطبراني في الأوسط (1/ 266 رقم 867) والشاميين (2226)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 130). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (386).

(3)

أخرجه مسلم (215 - 482)، وأبو داود (875)، والنسائي في المجتبى 2/ 499 (1148) والكبرى (812).

ص: 271

الحث على الدعاء في السجود

(1)

خلافا لأبي حنيفة حيث كرهه في الفرض

(2)

وسبب الحث عليه في السجود أنه مقام تضرع وذلة وانكسار بين يدي الله عز وجل والله سبحانه وتعالى أقرب ما يكون إلى عبده عند ذله وانكسار قلبه كما في الأثر الإسرائيلي يارب أين أجدك قال: عند المنكسرة قلوبهم من أجلي

(3)

ولأن السجود غاية التواضع والعبودية لله تعالى وفيه تمكين أعز أعضاء الإنسان وأعلاها وهو وجهه من التراب الذي يداس ويمتهن

(4)

فكانت الإجابة فيه مرجوة قوله فأكثروا الدعاء ولا فرق بجواز الدعاء بين أن يكون مما يتعلق بالآخرة أو الدنيا خلافا لأبى حنيفة فقد روي عنه بطلان صلاة بدعاء يتعلق بالدنيا كما لو سأل امرأة حسناء

(5)

ونحو ذلك جاء في الحديث وأما السجود فأكثروا من الدعاء فيه فقمن أن يستجاب لكم

(6)

، يقال: قمن بفتح الميم وكسرها ويجوز في اللغة قمين بزيادة ياء ومعناه حقيق وخليق وجدير فمن فتح الميم لم يثن ولم يجمع ولم يؤنث لأنه مصدر ومن كسر ثني وجمع وأنث لأنه وصف وكذلك القمين قاله في النهاية

(7)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (4/ 200).

(2)

المفهم (5/ 142).

(3)

مدارج السالكين (1/ 306).

(4)

شرح النووي على مسلم (4/ 206).

(5)

فتح البارى (7/ 344)، والتوضيح (7/ 279)، وأسنى المطالب (1/ 166).

(6)

أخرجه مسلم (207 - 479) عن ابن عباس.

(7)

النهاية (4/ 111).

ص: 272

وروي في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده "اللهم اغفر لي ذنبي دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره"

(1)

قوله دقه وجله بكسر أولهما ومعناه قليله وكثيره

(2)

، وفي صحيح مسلم من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"

(3)

والمراد بالروح جبرائيل عليه السلام وقيل وقيل ملك له ألف رأس لكل رأس مائة ألف وجه ولكل وجه مائة ألف فم في كل فم مائة ألف لسان يسبح الله تعالى بلغات مختلفة، وقيل خلق من الملائكة يرون الملائكة ولا تراهم فهم للملائكة كالملائكة لبني آدم

(4)

والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "اغفر لي ذنبي" ويعنى سؤاله صلى الله عليه وسلم المغفرة مع أنه مغفور له إنما يسأل ذلك تواضعا وخشوعا وإشفاقا وإجلالًا ولنقتدي به فى أصل الدعاء والخضوع وحسن التضرع وفي هذا الحديث وغيره مواظبته صلى الله عليه وسلم على الذكر والدعاء والاعتراف لله تعالى بحقوقه والإقرار بصدق وعده ووعيده والبعث

(1)

أخرجه مسلم (216 - 483) عن أبي هريرة.

(2)

غريب الحديث (1/ 168) وكشف المشكل (3/ 557) لابن الجوزى.

(3)

أخرجه مسلم (223 و 224 - 487).

(4)

انظر: جامع الأصول (4/ 192) والميسر (1/ 246)، والمجموع (3/ 433 - 434) وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 128) وشرح النووي على مسلم (4/ 205)، والنجم الوهاج (2/ 149).

ص: 273

والجنة والنار وغير ذلك والله أعلم

(1)

.

فائدة: قال العُلماء لما نزلت سبح اسم ربك الأعلى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال: "سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثًا"

(2)

واستحب الشافعي وغيره من العُلماء أن يقول الإنسان في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وتكرار كلّ واحدة منها ثلاث مرات ولو اقتصر الإمام والمنفرد على تسبيحه واحدة فقال سبحان الله حصل أصل السنة لكن ترك كمالها وأفضلها

(3)

، وفى رواية في الترمذي إذا قال أحدكم في ركوعه سبحان ربى العظيم ثلاثًا فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإن قال في سجوده سبحان ربى الأعلى ثلاثًا فقد تم سجوده وذلك أدناه

(4)

ولم يتعرض بعضهم لبيان الأكمل.

وقال الصيدلاني في شرح المختصر، الأكمل تسع تسبيحات وقيل الأكمل

(1)

شرح النووي على مسلم (6/ 56).

(2)

أخرجه أبو داود (870) عن عقبة بن عامر. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (153). وأخرجه البزار (2921) وابن المنذر في الأوسط (1404) والطبراني في الدعاء (542) عن حذيفة. وقال البزار: وهذا الحديث رواه حفص، فقال: فيه في وقت وبحمده ثلاثًا، وترك في وقت، وبحمده، وأحسبه أتى من سوء حفظ ابن أبي ليلي، وقد رواه المستورد، عن صلة، عن حذيفة، ولم يقل: وبحمده.

(3)

المجموع (3/ 412).

(4)

أخرجه الترمذى (261) عن ابن مسعود. قال الترمذي: حديث ابن مسعود ليس إسناده بمتصل، عون بن عبد الله بن عتبة لم يلق ابن مسعود، والعمل على هذا عند أهل العلم: يستحبون أن لا ينقص الرجل في الركوع والسجود من ثلاث تسبيحات. وضعفه الألباني في المشكاة (880)، ضعيف الجامع الصغير (525)، ضعيف أبي داود (187/ 886).

ص: 274

إحدى عشرة تسبيحة كالوتر

(1)

وقال أبو طالب المكي، الكمال سبعة لقوله تعالى:{وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}

(2)

والأكمل عشرة لقوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}

(3)

(4)

، وفى الترمذي عن بعض أهل العلم أن يقولها خمسا ليدرك من خلفه ثلاثًا

(5)

، وأما المنفرد فإنه يأتي بالأكمل إن لم يكن خلفه عجلة، ولا يزيد الإمام على الثلاث لما فيه من التطويل على المأمومين فإن كان الجماعة محصورين ورضوا بالتطويل استوفى الأظهر وهو اللهم لك ركعت ولك سجدت إلى آخره

(6)

وهو في كتاب الفقه فمن أراد ذلك فلينظر في موضعه واعلم أن التسبيح في الركوع والسجود غير واجب وقد أمر عليه الصلاة والسلام حين نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)}

(7)

كما تقدم فقال: صلى الله عليه وسلم "اجعلوها في ركوعكم" وحين نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}

(8)

"اجعلوها في سجودكم"

(9)

وقد يأمر صلى الله عليه وسلم بالسنن كما يأمر الفرائض

(1)

كفاية الأخيار (ص 116).

(2)

سورة البقرة، الآية:196.

(3)

سورة البقرة، الآية:196.

(4)

قوت القلوب (2/ 155).

(5)

سنن الترمذى عقب حديث (261) وهو قول إسحاق وابن المبارك.

(6)

انظر: المجموع (3/ 412)، والروضة (1/ 251)، وكفاية النبيه (3/ 173)، وعمدة السالك (ص 50 - 51)، والنجم الوهاج (2/ 135).

(7)

سورة الواقعة، الآية:74.

(8)

سورة الأعلي، الآية:1.

(9)

أخرجه ابن ماجه (887)، وأبو داود (869)، وابن خزيمة (670)، وابن حبان (1898) =

ص: 275

وهذا الذكر المذكور هو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة والجمهور وكره مالك لزوم هذا الذكر لئلا يعد فرضًا

(1)

وأوجبه الإمام أحمد بن حنبل وطائفة من أئمة الحديث لظاهر الأحاديث

(2)

.

تنبيه: والحكمة في هذا التخصيص أن الأعلى أفعل تفضيل بخلاف العظيم فإنه لا يدلّ على رجحان معناه على غيره والسجود في غاية التواضع

(3)

والعظيم الذي جل عن حدود العقول حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته والله تعالى منزه عن صفات الأجسام والأعلى والعلي والمتعالي الذي ليس فوقه شيء من الرتبة والحكمة

(4)

.

سؤال: لم أمرنا بالسجود على سبعة أعظم؟ قيل لقوله صلى الله عليه وسلم "خلقتم من سبع ورزقتم من سبع فاسجدوا لله على سبع ليكون شكرا على الجميع" ولأن الصلاة تواضع فأراد التواضع من سبعة أعضاء لأن من تواضع لله رفعه الله وأيضًا الصلاة كفارة فأراد أن يكفر بها ذنوب الأعضاء كلها

(5)

والله أعلم.

فائدة: في السجود أمور واجبة وأمور مستحبة قالوا جاءت سبعة وضع الجبهة على الأرض مكشوفة والكامل عليها ووضع اليدين والركبتين

= عن عقبة بن عامر. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (152)، الإرواء (2/ 41).

(1)

انظر: الاستذكار (1/ 431)، وشرح النووي على مسلم (4/ 197).

(2)

شرح النووي على مسلم (4/ 197).

(3)

المهمات (3/ 75) وأسنى المطالب (1/ 157).

(4)

تحفة الأبرار (2/ 41 - 42).

(5)

كشف الأسرار (لوحة 37).

ص: 276

والقدمين على الأظهر والتحامل عليها على قياس الجبهة وارتفاع أسافلة على عاليه في الأصح والطمأنينة وأن لا تهوى لغيره وأن لا تسجد على متصل به يتحرك بحركة وأما المستحبات فسبعة أيضًا وضع يديه في محاذاة منكبيه ووضع رأسه وبينهما ومجافاة مرفقيه عن جنبيه وفتح عينيه ومد الظهر والعتق فيه والتسبيح فيه والاعتدال في الركوع ومعناه مد الظهر والعنق واستوى بهما والمطلوب في السجود ارتفاع الأسافل على الأعالي حتى لو تساويا لم تصح الصلاة على الأصح فيحتمل الاعتدال والسجود على تحسن الهيئة، قاله في مختصر الكفاية

(1)

.

564 -

وَعَن ربيعَة بن كَعْب رضي الله عنه قَالَ كنت أخدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهاري فَإِذا كانَ اللَّيْل آويت إِلَى بَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَبت عِنْده فَلَا أَزَال أسمعهُ يَقُول سُبْحَانَ الله سُبْحَانَ الله سُبْحَانَ رَبِّي حَتَّى أمل أَو تغلبني عَيْني فأنام فَقَالَ يَوْمًا يَا ربيعَة سلني فأعطيك فَقلت أَنْظرنِي حَتَّى أنظر وتذكرت أَن الدُّنْيَا فانية مُنْقَطِعَة فَقلت يَا رَسُول الله أَسأَلك أَن تَدْعُو الله أَن ينجيني من النَّار ويدخلني الْجنَّة فَسكت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَالَ من أَمرك بِهَذَا قلت مَا أَمرنِي بِهِ أحد وَلَكِنِّي علمت أَن الدُّنْيَا مُنْقَطِعَة فانية وَأَنت من الله بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنْت مِنْهُ فَأَحْبَبْت أَن تَدْعُو الله لي قَالَ إِنِّي فَاعل فأعني على نَفسك بِكَثْرَة السُّجُود" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَاللَّفْظ لَهُ

(2)

وَرَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد مُخْتَصرا

(1)

كفاية النبيه (3/ 183 - 189) مختصرًا.

(2)

أخرجه أحمد 4/ 59 (16578) و (16579)، والطبراني في الكبير (5/ 57 رقم 4576) =

ص: 277

وَلَفظ مُسلم قَالَ كنت أَبيت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وَحَاجته فَقَالَ لي سلني فَقلت أَسأَلك مرافقتك فِي الْجنَّة قَالَ أَو غير ذَلِك قلت هُوَ ذَاك قَالَ فأعني على نَفسك بِكَثْرَة السُّجُود

(1)

.

قوله: "عن ربيعة بن كعب" هو ربيعة بن كعب بن مالك الأسلمي أبو فراس المدني صحابي من أهل الصف قال أنه كان خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت له صحبة قديما فكان يلازمه سفرا وحضرا وليس لربيعة بن كعب في الصحيح غيره قاله المنذري في كتابه كناية المتعبد لو كان رضي الله عنه ينزل على بريد من المدينة روى له مسلم وروى له الجماعة وروى حاله بن علي ونعيم المجمر وروى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن وغيره توفي سنة ثلاث وستين

(2)

.

قوله رضي الله عنه: "كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيه بوضوئه الوضوء" بفتح الواو هو الماء الذي يتوضأ به وبضم الواو هو الفعل.

قوله: قال: أو غير ذلك هو بفتح الواو أو إشارة إلى حصول المقصود واستفهام له هل يطلب شيئًا آخر من الدنيا ليلحقه به أيضًا، وهو دليل على كرم المسؤول وحسن أدب السائل فإن محض طلبه الآخرة.

= وعنه أبو نعيم في المعرفة (2751). قال الهيثمي في المجمع 2/ 249 - 250: رواه الطبراني في الكبير، وفيه ابن إسحاق وهو ثقة ولكنه مدلس. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (388).

(1)

أخرجه مسلم (226 - 489)، وأبو داود (1320)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (2387)، والنسائي في المجتبى 3/ 499 (1149) والكبرى (813).

(2)

تهذيب الكمال (6/ 139 - 142 ترجمة 1886).

ص: 278

قوله صلى الله عليه وسلم: "فأعنى على نفسك بكثرة السجود" يقال: أعنت زيدا على أمر؛ أي: صرت عونا له في تحصيل ذلك الأمر، فههنا معناه: كن عونا لي في إصلاح نفسك، واجعلها طاهرة مستحقة لما تطلب؛ فإني أطلب إصلاح نفسك من الله، وأطلب منه أيضًا إصلاحها بكثرة السجود؛ فإن السجود كاسر للنفس مذل لها، وأي نفس انكسرت، فذلت وانقادت استحقت الرحمة

(1)

.

وتقدم الكلام على كثرة السجود في الأحاديث المتقدمة والمراد بالسجود هنا من باب التعبير بالبعض عن الجميع أنه هو مقصودها الأعظم وتقدم الاختلاف في الركوع والسجود أيهما أفضل وفي هذا الحديث ملازمة الخدمة الكبير والميت معه حيث لا ضرر في ذلك وجواز خدمة الأحرار البالغين برضاهم وأما غير البالغين فيحتاج فيه إلى إذن الولي والحاكم إن كان يتيما وكثيرا ما يتساهل الناس في ذلك.

قوله: "فقال يومًا يا ربيعة سلني فأعطيك وفي رواية مسلم فقال لي: "سلني" فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة" فيه دليل على استحباب مكافأة الخادم والإحسان إليه وجبره بما أمكن من أمور الدين والدنيا.

وقوله: "أسألك مرافقتك في الجنة فأعني على نفسك بكثرة السجود" أي في الدنيا ترافقني في الجنة [171 المغربي] في ذلك مسؤلك ومطلوبك ذلك فإن ذلك درجة عظيمة ورتبة عالية قال ليس لي حاجة غير ذلك

(2)

.

(1)

المفاتيح (2/ 152).

(2)

المفاتيح (2/ 151 - 152).

ص: 279

فائدة: وروى البزار بإسناد صحيح من حديث عبد الملك بن عمير، قال: كان غلام بالمدينة يكنى أبا مصعب، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه سنبل، ففرك سنبلة، ثم نفخها، ثم دفعها إليه، فأكلها، وكانت الأنصار تعير من يأكل فريكة السنبل، فلما دفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، لم يردها عليه، قال أبو مصعب: ثم قمت من عنده غير بعيد، ثم رجعت إليه، فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني معك في الجنة، قال:"من علمك هذا؟ " قلت: لا أحد، قال:"أفعل" فلما وليت دعاني، فقال:"أعني على نفسك بكثرة السجود" فأتيت أمي فسألتني، فقلت: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتي بسنبل، ففرك منه سنبلة بيديه المباركتين، ثم نفخه بريقه المبارك، ثم دفعها إليّ، فكرهت أن أرده -فقالت: قد أحسنت- ثم أتيته، فدعا لي

(1)

.

وقال ابن شكوال فيما نقل عنه الرجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم أعني على نفسك بكثرة السجود هو أبو فاطمة خادم النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لكل من هؤلاء الثلاثة وحذيفة وحديث ربيعة هذا عند ابن خزيمة مختصرا وهو عند مسلم وغيره أطول من هذا قاله في الديباجة.

(1)

أخرجه البزار (2737/ كشف الأستار)، والطبراني في الكبير (20/ 365 رقم 851). قال البزار: لا نعلم روى أبو مصعب إلا هذا، تفرد به جرير. قال الهيثمي في المجمع 9/ 399: رواه البزار، وأوله يشبه أن يكون مرسلا في أثناء الحديث قال: قال أبو مصعب، فالظاهر أنه سمعه منه، والله أعلم. ورجاله رجال الصحيح غير طالوت بن عباد وهو ثقة.

(2)

غوامض الأسماء (2/ 608).

ص: 280

[قال العُلماء: يستحب ألا يمسح التراب عن الجبهة فى الصلاة وهذا محمول على ما إذا كان شيئًا يسيرا لا يمنع مباشرة الجبهة الأرض وخلاصته أنه لا يستحب مسح أثر السجود من الجبهة بعد الانصراف من الصلاة وقد مدح الله تعالى الصحابة رضى الله عنهم بقوله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}

(1)

وقال عكرمة: هو أثر التراب على الجباه قال أبو العالية: يسجدون على التراب، وهذا محمول إذا لم يكثر على الجبهة فإن كثر استحب إزالته ولهذا استحب للمتيمم تخفيف التراب ونفخه من الكفين قبل المسح حتى لا يحصل التشويش والله أعلم].

565 -

وَعَن أبي فَاطِمَة رضي الله عنه قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أَخْبرنِي بِعَمَل أستقيم عَلَيْهِ وأعمله قَالَ عَلَيْك بِالسُّجُود فَإنَّك لا تسْجد لله سَجْدَة إِلَّا رفعك الله بهَا دَرَجَة وَحط عَنْك بهَا خَطِيئَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد جيد وَرَوَاهُ أَحْمد مُخْتَصرا، وَلَفظه قَالَ قَالَ لي نَبِي الله صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا فَاطِمَة إِن أردْت أَن تَلقانِي فَأكثر السُّجُود

(2)

.

قوله: "عن أبي فاطمة"، أبو فاطمة هذا أزدي وقيل دوسي ويقال ليثي قيل اسمه أنيس، وقيل: عبد الله بن أنيس وعده أبو زرعة الدمشقي فيمن نزل الشام من الصحابة سكن الشام وليس له في كتب السنة سوى هذا الحديث وقبره

(1)

سورة الفتح، الآية:29.

(2)

أخرجه أحمد 3/ 428 (15527) و (15528)، وابن ماجه (1422). وقال الألبانى: حسن صحيح صحيح الترغيب (389)، والإرواء (2/ 210).

ص: 281

بالشام إلى جانب قبر فضالة بن عبيد

(1)

.

قوله: قلت يا رسول الله أخبرني بعمل أستقيم عليه وأعمله أي أداوم على العمل به فأبو فاطمة سأل عن العمل وأفضل عبادات البدن الصلاة كما تقدم و"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" فدله على كثرة السجود كما قال صلى الله عليه وسلم لربيعة بن كعب أعني على نفسك بكثرة السجود.

566 -

وَعَن حُذَيْفَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: مَا من حَالَة يكون العَبْد عَلَيْهَا أحب إِلَى الله من أَن يرَاهُ سَاجِدًا يعفر وَجهه فِي التُّرَاب رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَقَالَ تفرد بِهِ عُثْمَان

(2)

، قَالَ الْحَافِظ عُثْمَان هَذَا هُوَ ابْن الْقَاسِم ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات.

قوله: "عن حذيفة" تقدم الكلام على حذيفة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من حالة يكون العبد عليها أحب إلى الله من أن يراه ساجدا يعفر وجهه في التراب" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد يعنى أقرب حالات العبد من ربه حال كونه ساجدا لأن العبد بقدر ما يذل من نفسه يقرب من ربه والسجود غاية التواضع ونهاية التكبر عن النفس لأن النفس لا تأمر

(1)

تهذيب الكمال (34/ 182 - 183 ترجمة 7568).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 158 رقم 6075). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 301: رواه الطبراني في الأوسط من طريق عثمان بن القاسم عن أبيه، وقال: تفرد به عثمان. قلت: وعثمان بن القاسم ذكره ابن حبان في الثقات ولم يرفع في نسبه وأبوه، فلم أعرفه. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (215) والضعيفة (6817).

ص: 282

الرجل بالذلة والتواضع بل تأمره بخلاف ذلك فإذا سجد فقد خالف نفسه وبعد عنها فقرب من ربه فيكون دعاؤه مقبولًا لأن الحبيب يحب حبيبه المطيع ويسمع ما يقول ويعطي ما يسأل

(1)

والله أعلم.

قوله: "رواه الطبراني وقال تفرد به عثمان" عثمان هذا هو الصواف.

567 -

وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "الصَّلَاة خير مَوْضُوع فَمن اسْتَطَاعَ أَن يستكثر فليستكثر" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط

(2)

.

قوله: "عن أبي هريرة" تقدم. قوله: "الصلاة خير فمن شاء أن يستكثر فليستكثر" وفي حديث آخر: "فمن شاء فليقل ومن شاء فليستكثر".

قال: العُلماء لا حصر للنفل المطلق لهذا الحديث فإن أحرم بأكثر من ركعة فله التشهد في كلّ ركعتين كما في الفرائض الرباعية كذا في كلّ ثلاث وكل أربع وكذا في كلّ ركعة لأن الوتر يصلى ركعة وبه قال: النووي قلت الصحيح منعه في كلّ ركعة وإذا نوى عددا فله أن يزيد وينقص بشرط تغيير النية قبلها وإلا تبطل إذا تعمد لتلاعبه وإذا نوى ركعتين فقام إلى ثالثة سهوا فالأصح له أن يقعد ثم يقوم للزيادة إن شاء الزيادة لأن القيام إليها لم يكن

(1)

المفاتيح (2/ 151 - 152).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 84 رقم 243). وقال الطبراني: لا تروى هذه الأحاديث عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد بها: أبو مودود، وقال الهيثمي في المجمع 2/ 249: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد المنعم بن بشير، وهو ضعيف. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (390).

ص: 283

معتدا به فأشبه القاصر لو قام سهوًا ثم نوى الإتمام والوجه الثاني لا يحتاج إلى العودة لأن القيام في النافلة ليس بشرط

(1)

قاله في الديباجة.

قال بعض العُلماء: فإن جمع ركعات ولو مائة ركعة وأكثر بتسليمه واحدة أو تطوع بركعة واحدة جاز أي سواء لمطلق النية أو نوى ركعة أو ركعات وثبت إفراد ركعة في الوتر فيقاس غيره عليه

(2)

والله أعلم.

568 -

وعن أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرٍ فقال: من صاحب هذا القبر؟ فقالوا: فلانٌ، فقال: ركعتان أحبُّ إلى هذا من بقية دنياكم. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن

(3)

.

قوله عن أبي هريرة تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "مر بقبر فقال من صاحب هذا القبر" قالوا فلان، فقال:"ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم" الحديث وقال: بكر بن عبد الله المزني رحمه الله من مثلك يا ابن آدم إن شئت أن تدخل على مولاك بغير إذن دخلت قيل له: كيف ذلك قال: تسبغ الوضوء تدخل محرابك فإذا أنت قد دخلت على مولاك تكلمه بغير ترجمان

(4)

.

(1)

النجم الوهاج (2/ 312 - 313).

(2)

انظر: الوسيط (2/ 217)، وكفاية النبيه (3/ 354 - 357).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 282 رقم 920). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي مالك إلا حفص بن غياث. تفرد به: حفص بن عبد الله. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 249: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. وقال الألبانى: حسن صحيح صحيح الترغيب (391).

(4)

الزهد لأحمد (1752)، أبو نعيم في الحلية 2/ 229، والبيهقى في الشعب (4/ 537 رقم =

ص: 284

فائدة: فيها بشرى روى ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا قام يصلي أتي بذنوبه فوضعت على رأسه وعاتقه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه"

(1)

أي ذنوبه وروى عبد الله

(2)

بن عمر قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا قام العبد إلى الصلاة جعلت ذنوبه بين رأسه وعاتقه فإذا ركع وسجد تناثرت" أي ذنوبه وفي هذه الأحاديث بشارة عظيمة لهذه الأمة زادها الله شرفًا.

569 -

وَعَن مطرف رضي الله عنه قَالَ قعدت إِلَى نفر من قُرَيْش فجَاء رجل فَجعل يُصَلِّي وَيرْفَع وَيسْجد وَلا يقْعد فَقلت وَالله مَا أرى هَذَا يدْرِي ينْصَرف على شفع أَو على وتر فَقَالُوا أَلا تقوم إِلَيْهِ فَتَقول لَهُ قَالَ فَقُمْت فَقلت لَهُ يَا عبد الله أَرَاك تَدْرِي تَنْصَرِف على شفع أَو على وتر قَالَ وَلَكِن الله يدْرِي وَسمعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من سجد لله سَجْدَة كتب الله لَهُ بهَا حَسَنة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة وَرفع لَهُ بهَا دَرَجَة فَقلت من أَنْت فَقَالَ أَبُو ذَر فَرَجَعت إِلَى أَصْحَابِي فَقلت جزاكم الله من جلساء شرا أَمرْتُمُونِي أَن أعلم رجلًا من أَصْحَاب النَّبِي

= 2970)، وصفة الصفوة (2/ 147).

(1)

انظر ما بعده.

(2)

في الأصل عبد الملك بن عمر والتصويب من الآتى: أخرجه المروزى في تعظيم قدر الصلاة (293) و (294) ومختصر قيام الليل (ص 130)، والطحاوى في معانى الآثار (2732)، وابن حبان (1734)، والطبراني في الشاميين (1981)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 99 - 100)، والبيهقى في الكبرى (3/ 16 رقم 4697) والشعب (4/ 504 رقم 2877). وصححه الألباني في الصحيحة (1398).

ص: 285

- صلى الله عليه وسلم وَفِي رِوَايَة فرأيته يُطِيل الْقيام وَيكثر الرُّكُوع وَالسُّجُود فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ مَا آلوت أَن أحسن إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من ركع رَكعَة أَو سجد سَجْدَة رفع الله لَهُ بهَا دَرَجَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئة رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار بِنَحْوِهِ وَهُوَ بِمَجْمُوع طرقه حسن أَو صَحِيح

(1)

.

مَا آلوت أَي قصرت.

هو مطرف سيأتي الكلام عليه قومها.

قوله قعدت إلى نفر من قريش فجاء رجل فجعل يصلي ويركع ولا يسجد فقلت والله ما أرى هذا ينصرف على شفع أو وتر. . . . إلى أن قال: الحديث

تقدم الكلام على النفر في أول هذا [التعليق][*] مبسوطا وأرى منهم العمرة قائمة والرجل الكبير هو أبو ذر رضي الله عنه كما ذكر في الحديث وتقدم الكلام على الركوع والسجود في الأحاديث المتقدمة، وقال بعض العُلماء إن الأفضل بالنهار كثرة السجود وبالليل طول القيام كما جاء في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعا بين الأحاديث والله أعلم.

570 -

وَعَن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام قَالَ أتيت أَبَا الدَّرْدَاء رضي الله عنه فِي

(1)

أخرجه عبد الرزاق (3561) و (3562)، وأحمد 5/ 148 (21317) و 5/ 164 (21452)، والدارمى (1502)، والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 397) مختصرًا، والبزار (3903)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (286) و (288).

قال الهيثمي في المجمع 2/ 248 - 249: رواه كله أحمد والبزار بنحوه بأسانيد، وبعضها رجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الأوسط. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (392).

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بالمطبوع «التطبيق» ، وأيضا العبارة بعده غير مستقيمة

ص: 286

مَرضه الَّذِي قبض فِيهِ فَقَالَ يَا ابْن أخي مَا علمت إِلَى هَذِه الْبَلدة أَو مَا جَاءَ بك قَالَ قلت لا إِلَّا صلَة مَا كَانَ بَيْنك وَبَين وَالِدي عبد الله بن سَلام فَقَالَ بئس سَاعَة الْكَذِب هَذِه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعا يشك سهل يحسن فِيهِنَّ الرُّكوع والخشوع ثمَّ يسْتَغْفر الله غفر لَهُ رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن

(1)

.

قوله عن يوسف بن عبد الله بن سلام هو يوسف بن عبد الله بن سلام، قوله:"من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام فصلى ركعتين أو أربعًا شك هل يحسن فيهن الركوع والخشوع"[172 المغربي] تقدم الكلام على الركوع والسجود وسيأتي الكلام على الخشوع مبسوطًا.

571 -

وَعَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من تَوَضَّأ فَأحْسن وضوءه ثمَّ صلى رَكعَتَيْنِ لا يسهو فيهمَا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي رِوَايَة عِنْده مَا من أحد يتَوَضَّأ فَيحسن الْوضُوء وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ يقبل بِقَلْبِه وبوجهه عَلَيْهِمَا إِلَّا وَجَبت لَهُ الْجنَّة

(2)

.

(1)

أخرجه أحمد 6/ 450 (27546)، وابن أبي عاصم في الآحاد (2040)، والطبراني في الدعاء (1848) والأوسط (5/ 186 رقم 5026). وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به: صدقة بن أبي سهل. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 278: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وإسناده حسن. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (393).

(2)

أخرجه أبو عبيد في الطهور (10)، وأحمد 4/ 117 (17054) و 4/ 194 (21691)، وعبد بن حميد (280)، وأبو داود (905)، والطبراني في الكبير (5/ 249 رقم 5242 =

ص: 287

وقوله عن زيد بن خالد الجهني تقدم قوله "ما من أحد توضأ فأحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه وبوجهه عليها إلا وجبت له الجنة" أي يقبل بوجهه الظاهر ووجهه الباطن وهو القلب ويعرض بهما عن الغير

(1)

.

قوله: إلا وجبت له الجنة أي حصلت له الجنة إذ الوجوب على الله غير صحيح قاله في شرح المصابيح

(2)

.

572 -

وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنهما قَالَ كنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خدام أَنْفُسنَا نتناوب الرِّعَايَة رِعَايَة إبلنا فَكَانَت عَليّ رِعَايَة الإِبِل فروحتها بالْعَشي فَإِذا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يخْطب النَّاس فَسَمعته يَوْمًا يَقُول مَا مِنْكُم من أحد يتَوَضَّأ فَيحسن الْوضُوء ثمَّ يقوم فيركع رَكعَتَيْنِ يقبل عَلَيْهِمَا بقَلْبِه وَوَجهه فقد أوجب فَقلت بخ بخ مَا أَجود هَذِه رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَاللًّفْظ لَهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَهُوَ بعض حَدِيث وَرَوَاهُ الْحَاكم إِلَّا أَنه قَالَ مَا من مُسلم يتَوَضَّأ فيسبغ الْوضُوء ثمَّ يقوم فِي صلَاته فَيعلم مَا يَقُول إِلَّا انْفَتَلَ وَهُوَ كَيَوْم وَلدته أمه الحَدِيث وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد

(3)

أوجب أَي أَتَى

= و 5243 و 5244). وحسنه الألباني في المشكاة (577) وصحيح أبي داود (840) وصحيح الترغيب (228) و (394).

(1)

المفاتيح (1/ 352)، وشرح المشكاة (3/ 747).

(2)

المفاتيح (1/ 352).

(3)

أخرجه مسلم (17 - 234)، وابن ماجه (470)، وأبو داود (169) و (906)، والنسائي في المجتبى 1/ 338 (156) والكبرى (223)، وابن خزيمة (222)، وابن حبان (1050)، والحاكم (2/ 398). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (395) و (546).

ص: 288

بِمَا يُوجب لَهُ الْجنَّة.

قوله: عن عقبة بن عامر تقدم الكلام على مناقبه.

قوله كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خدام أنفسنا نتناوب الرعاية رعاية إبلنا فكانت علي رعاية الإبل فروحتها بالعشي والرعاية بكسر الراء وهي الرعي ومعنى هذا الكلام أنهم كانوا يتناوبون رعي إبلهم فتجتمع جماعة فيضمون إبلهم بعضها إلى بعض فيرعاها كلّ يوم واحد منهم ليكون أرفق بهم وينصرف الباقون في مصالحهم

(1)

.

قوله: فروحتها بالعشي أي رددتها إلى مراحها في آخر النهار وتفرغت من أمرها ثم جئت إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

قوله "ما من منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيركع ركعتين فيقبل عليهما بقلبه ووجهه" وقد جمع صلى الله عليه وسلم بهاتين اللفظتين أنواع الخضوع والخشوع لأن الخضوع في الأعضاء والخشوع في القلب على ما قاله جماعة من العُلماء.

قوله: "فقد أوجب" أي أتى بما يوجب له الجنة قاله الحافظ المنذري.

قوله: فقلت: بخ بخ يقال بخ بالتسكين وبالكسر مع التنوين قال الخليل يقال ذلك للشيء إذا رضيته ويقال: لتعظيم الأمر قاله المنذري في كتابه كفاية

(1)

شرح النووي على مسلم (3/ 120 - 121).

(2)

شرح النووي على مسلم (3/ 121).

ص: 289

المتعبد

(1)

.

قوله: ما أجود هذه يعني هذه الكلمة أو الفائدة أو البشارة أو العبارة وجودتها من جهات منها أنها سهلة متيسرة يقدر عليها كلّ أحد بلا مشقة ومنها أن أجرها عظيم والله أعلم

(2)

.

قوله: فيعلم ما يقول إلا انفتل كيوم ولدته أمه أي رجع كيوم ولدته أمه لا ذنب له وكيوم يجوز فيه فتح الميم وكسرها والفتح أجود.

573 -

وَعَن عَاصِم بن سُفْيَان الثَّقَفِيّ رضي الله عنه أَنهم غزوا غَزْوَة السلَاسِل ففاتهم الْغَزْو فرابطوا ثمَّ رجعُوا إِلَى مُعَاوِيَة وَعِنْده أَبُو أيُّوب وَعقبَة بن عَامر فَقَالَ عَاصِم يَا أَبَا أيُّوب فاتنا الْغَزْو الْعَام وَقد أخبرنَا أَنه من صلى فِي الْمَسَاجِد الأرْبَعَة غفر لَهُ ذَنبه فَقَالَ يَا بن أخي أَلا أدلك على أيسر من ذَلِك إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من تَوَضَّأ كَمَا أَمر وَصلى كَمَا أَمر غفر لَهُ مَا قدم من عمل كَذَلِك يَا عقبَة قَالَ نعم رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(3)

. وَتقدم فِي الْوضُوء حَدِيث عَمْرو بن عبسة وَفِي آخِره فَإِن هُوَ قَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ومجده بِالَّذِي هُوَ لَهُ أهل وَفرغ قلبه لله تَعَالَى إِلَّا انْصَرف من

(1)

كفاية المتعبد (ص 37).

(2)

شرح النووي على مسلم (3/ 121).

(3)

أخرجه ابن ماجه (1396)، والنسائي في المجتبى 1/ 333 (149) والكبرى (179)، وابن حبان (1042). وقال الألبانى: حسن صحيح في صحيح الترغيب (396).

ص: 290

خطيئته كَيَوْم وَلدته أمه رَوَاهُ مُسلم

(1)

. وَتقدم فِي الْبَاب قبله حَدِيث عُثْمَان وَفِيه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من امرئ مُسلم تحضره صَلَاة مَكْتُوبَة فَيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إِلَّا كَانَت كَفَّارَة لما قبلهَا من الذُّنُوب مَا لم يُؤْت كَبِيرَة وَكَذَلِكَ الدَّهْر كلّه، رَوَاهُ مسلم

(2)

وَتقدم أَيْضا حَدِيث عبَادَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول خمس صلوَات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وَأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كَانَ لَهُ على الله عهد أَن يغْفر لَهُ

(3)

وَيَأْتِي فِي الْبَاب بعده حَدِيث أنس إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وقوله: عن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي صوابه عن سفيان بن عبد الرحمن بن عاصم بن سفيان وهو ابن ابنه روى عن سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاصي وعقبة بن عامر الجهني وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم

(4)

.

قوله: أنهم غزوا غزوة السلاسل ففاتهم الغزو فرابطوا ثم رجعوا إلى

(1)

أخرجه مسلم (294 - 832).

(2)

أخرجه مسلم (7 - 228).

(3)

أخرجه مالك (320)، وأحمد 5/ 315 (22693) و 5/ 317 (22704) و 5/ 319 (22721) و 5/ 322 (22752)، وابن ماجه (1401)، وأبو داود (425) و (1420)، والنسائي في المجتبى 1/ 564 (468) والكبرى (398)، وابن حبان (1731) و (1732) و (2417)، والطبراني في الأوسط (5/ 56 رقم 4658) و (9/ 126 رقم 9315)، والبيهقى في الكبرى (2/ 305 رقم 3166) و (3/ 511 رقم 6500)، والبغوى (978). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (370) و (396) و (400)، والمشكاة (570)، التعليق الرغيب (1/ 141 - 142)، صحيح - صحيح أبي داود (451) و (452) و (1276).

(4)

تهذيب الكمال (13/ 484).

ص: 291

معاوية تقدم الكلام على معاوية ونسبه وفضائله في أماكن من هذا التطبيق بويع له بالخلافة في الكوفة في شهر ربيع الأول سنة أخرى وأربعين وكانت خلافته منذ صالحه الحسن بن علي رضي الله عنهما وأجمع الناس عليه تسع عشرة سنة أربعة أشهر وسبعة عشر يومًا وعمره يومئذ ثمان وخمسون سنة وشهورا قاله في تاريخ الخلفاء

(1)

وكانت غزوة ذات السلاسل في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة النبوية قال: أبو عبد الله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاصي بن وائل السهمي على هذه الغزوة بعد إسلامه بسنة فإنه أسلم رضي الله عنه سنة سبع وسلم الجيش إليه السلاسل لما بلغة إن جمعا من قضاعة تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف المدينة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا وعقد له لواء أبيض وجعل راية سوداء وبعثه إلى ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعهم ثلاثون فرسا وأمره أن يستعين بمن مر به من بلي وعذرة وبلقين فسار الليل وكمن النهار فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعا كثيرًا فبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده فبعث أبا عبيدة بن الجراح في مائتين وعقد له لواء وبعث معه سراة المهاجرين والأنصار وفيهم أبو بكر وعمر وأمره أن يلحق بعمرو وأن يكونا جميعا ولا يتخلفا فلحق بعمرو وأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال له: عمرو إنما قدمت مددا وأنا الأمير فأطاع له بذلك أبو عبيدة وكان عمرو يصلي بالناس وسار حتى وطئ بلاد بلي ودوخها حتى أقصى بلادهم وعذرة وبلقين ولقي في آخر

(1)

تاريخ الخلفاء (ص 148 - 149).

ص: 292

ذلك جمعا فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرقوا وبعث عوف بن مالك الأشجعي بريدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمرهم وذات السلاسل بضم السين الأولى كسر الثانية قاله السهيلى وابن الأثير في النهاية

(1)

وذكر النووي في تهذيب الأسماء واللغات والبكرى في معجمه أن المشهور فتح السين الأولى والثانية مكسورة واللام مخففة على لفظ جمع سلسلة رمل البادية وهو موضع معروف بناحية الشام وبينها وبين المدينة عشرة أيام

(2)

وفي كتاب البخاري قال ابن إسحاق عن يزيد عن عروة ذات السلاسل هي غزوة لخم وجذام

(3)

وبعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاصي على جيشها فسار عمرو حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له سلسل وبه سميت الغزوة غزوة السلاسل خاف فبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستمده فأمده بأبي عبيدة بن الجراح في جيش فذكر القصة بنحو ما تقدم وقيل موضع سمي به فيما قيل لأنهم مبعوثين إلى أرض بها رمل ينعقد بعضه على بعض كالسلسلة

(4)

وهو في اللغة الماء السلسال وقيل هو بمعنى السلسل

(5)

.

قوله: ففاتهم الغزو فرابطوا ثم رجعوا إلى معاوية وعنده أبو أيوب وعقبة

(1)

الروض الأنف (7/ 534 - 538)، والنهاية (2/ 389).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (3/ 114)، ومعجم ما استعجم (3/ 744 - 745).

(3)

صحيح البخاري (5/ 165 - 166).

(4)

عمدة القارى (16/ 181).

(5)

النهاية (2/ 389).

ص: 293

بن عامر فقال عاصم يا أبا أيوب فاتنا الغزو العام، المرابطة معروفة وهي الإقامة في ثغر من الثغور المتوقع بذلك قتال العدو وتقدم الكلام على مناقب أبي أيوب وعقبة بن عامر رضي الله عنهما.

قوله: وقد أخبرنا أنه من صلى المساجد الأربعة غفر له ذنبه، والمساجد الأربعة مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس ومسجد الطور ففي الصحيحين عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال غير مكة والمدينة"

(1)

وذكر أبو جعفر الطحاوي من حديث عيينة بن عمرو إلا مكة والمدينة وبيت المقدس ومسجد الطور وفى بعض الروايات لا يبقى له موضع إلا يدخله إلا مكة وبيت المقدس وجبل الطور فإن الملائكة تطرده عن هذه المواضع

(2)

والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا غفر له ذنبه" وغفران الذنوب هو سترها ومحوها من كتاب الحفظة

(3)

.

قوله تقدم الوضوء حديث عمرو بن عبسة وفي آخره فإن هو قام فصلى

(1)

أخرجه البخاري (1881)، ومسلم (123 - 2943).

(2)

أخرجه أحمد 5/ 364 (23090) و 5/ 434 (23683) و (23684) و 5/ 435 (23685) وفي السنة (1016)، وحنبل بن إسحاق في الفتن (42)، والطحاوى في مشكل الآثار (14/ 376 و 379) وابن منده في التوحيد (423). قال ابن منده: هذا الإسناد مقبول الرواة بالإتفاق. وقال عبد الغني المقدسي: صحيح الإسناد أخبار الدجال ص 15. وقال الهيثمي في المجمع 7/ 343: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

(3)

إكمال المعلم (2/ 55)، وشرح النووي على مسلم (3/ 141).

ص: 294

فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو أهل وفرغ قلبه لله إلا (انصرف) من خطيئته (كيوم ولدته أمه) وفي الباب حديث عثمان وفيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يحضر صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها وسجودها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كلّه" رواه مسلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "تحضره صلاة مكتوبة" أي مفروضة وهو مجاز من الكتابة فإن الحاكم إذا كتب شيئًا على أحد كان ذلك حكما وإلزاما

(1)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "فيحسن وضؤها" إحسان الوضوء الإتيان بفرائضه وسننه

(2)

وتقدم الكلام على ذلك مبسوطًا.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "وخشوعها" خشوع الصلاة الإخبات فيها بانكسار والجوارح وحضور القلب ومراعاة الأدب من الالتفات إلى اليمين واليسار

(3)

وتقدم أوائل هذا الباب الكلام على الركوع والسجود.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب" والكفارة هي الخصلة التي من شأنها أن يكفر الخطيئة أي تسترها وتمحوها ومعناه إلا كانت تلك الصلاة ساترة ومزيلة لذنوبه الماضية مادام لم يعمل كبيرة

(4)

.

(1)

تحفة الأبرار (1/ 169).

(2)

تحفة الأبرار (1/ 170).

(3)

تحفة الأبرار (1/ 170) والمفاتيح (1/ 350).

(4)

المفاتيح (1/ 350).

ص: 295

وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما لم يأت كبيرة" وأصح الرِّواية "ما لم يؤت كبيرة" بضم الياء وكسر التاء على البناء للفاعل من الإيتاء أي لم يعمل مع الإيتاء موضع العمل لأن العامل يعطي العمل من نفسه، وجاء "ما لم يؤت" على البناء للمجهول معناه لم يصب بكبيرة ولم يعمل من قولهم أتى فلان في يده أي أصبته علة وفي أكثر شرح المصابيح ما لم يأت كبيرة من الإتيان وهو تحريف غير مروي

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وذلك الدهر كله" يحتمل أن يكون الإشارة إلى تكفير الذنوب أن يكفر الذنوب الصغيرة ولا يخص بفرض واحد بل فرائض الدهر يكفر صغائره أي كل فرض يكفر ما قبله من الصغائر كما قال عليه الصلاة والسلام "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة" إلى قوله "مكفرات ما بينهن إذا ما اجتنبت الكبائر" ويحتمل أن يكون إشارة إلى عدم الإتيان بالكبيرة أي عدم إتيان الكبيرة في الدهر كلّه مع الإتيان بالمكتوبة بكفارة لما قبلها قاله في شرح المصابيح

(2)

.

خاتمة للباب: إنما شرع تكرار السجود دون غيره لأنها أبلغ في التواضع ولأن الشارع صلى الله عليه وسلم أمرنا بالدعاء فيه وأخبر أنه حقيق الإجابة فنسجد ثانيا شكرا لله تعالى على إجابته كما هو المعهود فيمن إذا سأل ملكا فأنعم عليه وروي فى الحديث أنه لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء فمن كان من الملائكة

(1)

تحفة الأبرار (1/ 170) والمفاتيح (1/ 350)، وشرح المصابيح (1/ 230 - 231).

(2)

شرح المصابيح (1/ 230 - 231).

ص: 296

قائما سلموا عليه قياما ثم ركعوا شكرًا لله تعالى على رؤيته صلى الله عليه وسلم ومن كان منهم راكعا رفعوا رؤوسهم من الركوع وسلم عليه ثم سجدوا شكرًا لله تعالى على رؤيته صلى الله عليه وسلم ومن كان منهم ساجدًا رفعوا رؤوسهم وسلموا عليه ثم سجدوا ثانية شكرا لله تعالى على رؤيته صلى الله عليه وسلم فلذلك صار السجود مثنى مثنى فلم يرد الله تعالى إلى أن يكون للملائكة حلالًا إلا وقد جعل هذه الأمة حالًا مثل حالتهم كذا قاله أبو الحسن القرطبي في كتاب الزاهر

(1)

والله أعلم.

(1)

النجم الوهاج (2/ 153 - 154).

ص: 297