المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في المشي إلى المساجد سيما في الظهر وما جاء في فضلها] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٣

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تخميرها]

- ‌[الترهيب من البصاق في المسجد وإلى القبلة، الباب إلى آخره]

- ‌[الترغيب في المشي إلى المساجد سيما في الظهر وما جاء في فضلها]

- ‌[الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها]

- ‌[الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراتًا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة]

- ‌[ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومها وترهيبهن من الخروج منها]

- ‌[الترغيب في الصلوات الخمس والإيمان بوجوبها]

- ‌[الترغيب في الصلاة مطلقا وفضل الركوع والسجود]

- ‌[الترغيب في الصلاة في أول وقتها]

- ‌[الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعة فوجد الناس قد صلوا]

- ‌[الترغيب في كثرة الجماعة]

- ‌[التَّرْغِيب فِي الصَّلاة فِي الفلاة

- ‌[الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعة والترهيب من التأخير عنهما]

- ‌[الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر]

- ‌[الترغيب في صلاة النافلة في البيوت]

- ‌[الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة]

- ‌[الترغيب على المحافظة على الصبح والعصر]

- ‌[الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر]

- ‌[الترغيب في أذكار يقولها بعد صلاة الصبح وصلاة العصر والمغرب]

- ‌[الترهيب من فوات العصر]

- ‌الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسان والترهيب منها عند عدمها

- ‌[الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون]

- ‌[الترغيب في الصف الأول وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر]

- ‌[الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج]

- ‌فرعان لهما تعلق بوصل الصفوف:

- ‌الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهم

- ‌[الترغيب في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء وما يقوله في الاستفتاح والاعتدال]

- ‌[الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود]

- ‌[الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود، وإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع]

الفصل: ‌[الترغيب في المشي إلى المساجد سيما في الظهر وما جاء في فضلها]

[الترغيب في المشي إلى المساجد سيما في الظهر وما جاء في فضلها]

457 -

عَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَلَاة الرجل فِي الْجَمَاعَة تضعف على صلَاته فِي بَيته وَفِي سوقه خمْسا وَعشْرين دَرَجَة وَذَلِكَ أَنه إِذا تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة لا يُخرجهُ إِلَا الصَّلَاة لم يخط خطْوَة إِلَا رفعت لَهُ بهَا دَرَجَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة فَإِذا صلى لم تزل الْمَلَاِئكَة تصلي عَلَيْهِ مَادَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارحمه وَلا يزَال فِي صَلَاة مَا انْتظر الصَّلَاة"، وَفِي رِوَايَة: "اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ اللَّهُمَّ تب عَلَيْهِ مَا لم يؤذ فِيهِ مَا لم يحدث فِيهِ" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه بِاخْتِصَار

(1)

، وَمَالك فِي الْمُوَطَّأ وَلَفظه من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ خرج عَامِدًا إِلَى الصَّلَاة فَإِنَّهُ فِي صَلَاة مَا كانَ يعمد إِلَى الصَّلَاة وَإنَّهُ يكْتب لَهُ بِإِحْدَى خطوتيه حَسَنَة ويمحى عَنهُ بِالْأُخْرَى سَيِّئَة فَإِذا سمع أحدكُم الإِقَامَة فَلَا يسع فَإِن أعظمكم أجرا أبعدكم دَارا قَالُوا لم يَا أَبَا هُرَيْرَة قَالَ من أجل كَثْرَة الخطا

(2)

.

458 -

وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من حِين يخرج أحدكم من منزله إِلَى مَسْجِدي فَرجل تكْتب لَهُ حَسَنَة وَرجل تحط عَنهُ

(1)

أخرجه البخاري (647) و (648) و (2119) و (4717)، ومسلم (246 و 247 و 248 - 649)، وابن ماجه (786 و 787)، وأبو داود (559)، والترمذى (216).

(2)

أخرجه مالك (69). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (297).

ص: 73

سَيِّئَة حَتَّى يرجع وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم بِنَحْوِ ابْن حبَان وَلَيْسَ عِنْدهمَا حَتَّى يرجع وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط مُسلم

(1)

وَتقدم فِي الْبَاب قبله حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فِي بَيته ثمَّ أَتَى الْمَسْجِد كانَ فِي صَلَاة حَتَّى يرجع الحَدِيث.

قوله: عن أبي هريرة تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمسا وعشرين درجة" المراد به صلاته في بيته وسوقه منفردا وهذا هو الصواب

(2)

.

ففيه دليل على جواز الصلاة فى السوق لكن مع الكراهة لأنها تشغل قلب المصلي من شرور الناس ونحوه، وكذلك تكره الصلاة مستقبل إنسان.

وفيه دليل على أن الجماعة ليست فرضًا لأنه أثبت لها فضلًا في السوق والبيت، وفيه دليل أيضا على أن إقامة الصلاة في المسجد أفضل من إقامتها في السوق والبيت والحديث أن الصلاة في المسجد تفضل على الصلاة في البيت بخمس وعشرين درجة ما لو صلى منفردًا أورده عبد الحق في

(1)

أخرجه أحمد (2/ 283)(7801) و (2/ 319)(8257) و (2/ 432)(9575) و (2/ 478)(10203)، وعبد بن حميد (1459)، والنسائى في المجتبى (2/ 183)(717) والكبرى (872)، وابن حبان (1622)، والحاكم (1/ 217). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (297).

(2)

شرح النووي على مسلم (5/ 165).

ص: 74

الأحكام

(1)

والمعنى فيه شرف البقعة ولو كان المسجد مع الجماعة بخروجه إلى المسجد فينبغي أن لا يفوت على نفسه الصلاة في المسجد والمشي إليه واذا رجع صلى بمن لم يمكنه الخروج إلى المسجد من الزوجة وغيرها قاله المحاملي أما النساء فصلاتهن في البيوت أفضل كما سيأتي ذلك في بابه واستحب جماعتهن في البيوت وقد كانت عائشة رضي الله عنها تؤم النسوة وكذلك أم سلمة وكان لعائشة رضي الله عنها عبد يصلي بها في المنزل قاله في شرح العمدة.

فصلاة الرجل في جماعة أفضل من صلاة المنفرد بخمس وعشرين درجة وفي رواية بخمس وعشرين جزءا وفي رواية بسبع وعشرين درجة أنه أراد بالدرجة الجزء وبالجزء الدرجة وقيل الدرجة غير الجزء وهذه غفلة من قائله وفي الصحيحين سبعا وعشرين درجة وخمسا وعشرين درجة فاختلف القدر مع اتحاد لفظ الدرجة والجمع بينهما من ثلاثة أوجه أحدها أنه لا منافاة بين الروايتين، فذكر القليل لا ينفي الكثير ومفهوم العدد باطل عند الأصوليين، والثاني: أن يكون الخبر أولا بالقليل ثم أعلمه الله تعالى زيادة الفضل فأخبر بها، الثالث: أن يختلف باختلاف المصلين والصلاة فيكون لبعضهم خمس

(1)

أورده في الأحكام الكبرى (4/ 149) ولفظه: فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر. يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 87]. والحديث أخرجه البخاري (4402) و (4717) عن أبي هريرة.

ص: 75

وعشرون درجة ولبعضهم سبع وعشرون درجة بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها وكثرة جماعاتها وفضلهم وشرف البقعة فهذه الأجوبة المعتمدة واحتج أصحاب الشافعي والجمهور بهذه الأحاديث على أن الجماعة ليست بشرط لصحة الصلاة والله أعلم

(1)

.

[وأخرج ابن ماجه بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في المسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في مسجدى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفيه أبو الخطاب الدمشقى قال الذهبي: أبو الخطاب ليس بمشهور، وقال الشيخ ابن حجر العسقلاني: مجهول نقله وقال ابن حجر: قيل إنه حديث منكر؛ لأنه مخالف لما رواه الثقات، وقال بعضهم: إنما كانت بسبع وعشرين لأن أقل الجمع ثلاث والحسنة بعشر أمثالها فواحدة أصل وتسعة مضاعفة وذلك سبع وعشرين ثم إن الله أعطى ذلك للاثنين تفضلا وذلك فاسد من وجهين أن الواحد إذا صلى وحده كانت بعشر حسنات واحدة أصل وتسعة مضاعفة فالزيادة سبعة عشر لا سبع وعشرين والثانى أن ذلك لا يدل لصلاة الاثنين والصواب ما ذكره الحليمى فى المنهاج: أن ذلك راجع إلى تحصيل عبادات تحصل بالحضور إلى الجماعات فإنه قال تحتمل إنما فضلت الجماعة على

(1)

المجموع (4/ 183 - 184) وشرح النووي على مسلم (5/ 151 - 152).

ص: 76

الفذ بسبع وعشرين لأن كل صلاة أقيمت فى جماعة كصلاة يوم وليلة إذا أقيمت لا فى جماعة لأن فرائض اليوم والليلة سبعة عشر والرواتب عشر فالجمع سبع وعشرون

(1)

].

قوله صلى الله عليه وسلم: "وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء" تقدم معنى إحسان الوضوء في صفة الوضوء.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة" المسجد مشتمل على الشرف وإظهار الشعار وكثرة الجماعة فإن كان إذا صلى في بيته صلى جماعة وإذا صلى في المسجد صلى منفردا فصلاته في بيته أفضل ولو كانت جماعة بيته أكثر من جماعة المسجد فقال الماوردي المسجد أفضل وقال القاضي أبو الطيب بيته أولى والله أعلم

(2)

.

وهذا الحديث يفهم منه أن فضل المسجد لأجل الجماعة فقط بل لما يلازمها من الأحوال كفضل الجماعة ونقل الخطوات إليه وصلاة الملائكة عليه وغير ذلك قال ويعتمد مالك رحمه الله في قوله لا تفضل جماعة لاشتراكهم في تلك الأمور قاله في الديباجة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخرجه إلا الصلاة" قال الحافظ شرف الدين الدمياطي في كتابه المتجر الرابح في العمل الصالح ومشى فيه نحو ما مشى الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب قال: قلت الذي يظهر من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا

(1)

تسهيل المقاصد (لوحة 38).

(2)

النجم الوهاج (2/ 327).

ص: 77

يخرجه إلا الصلاة" أن هذا الثواب العظيم لا يحصل إلا بشرط أن يكون خروجه من بيته بقصد الصلاة لا غير، فلو خرج يريد الصلاة ومعها حاجة أخرى لا يحصل له ثواب الخطى على التمام، والذي يظهر من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخرجه إلا الصلاة" أن هذا الثواب العظيم لا يحصل إلا بشرط أن يكون خروجه من بيته بقصد الصلاة ولا غير، فلو خرج يريد الصلاة ومعها حاجة أخرى لا يحصل له ثواب الخطا على التمام، والذي يظهر أنه يحصل له تضعيف [الصلاة لأنه] قد حصل إيقاعها في الهيئة الاجتماعية

(1)

والله أعلم.

قال الإمام المازري: ينبغي أن [يكون المؤمن] محافظا على نيته ابتداء فإذا أراد أن يزيد في عمله فينظر أولا في نيته فيتمها [فيحسنها] وقال في آخره مثال ذلك ثلاثة رجال يخرجون إلى الصلاة أحدهم: يخرج وينظر إن كانت له حاجة لنفسه أو لبيته قضاها وهو في طريقه ساه عن نيته التقرب بذلك إلى الله تعالى، فهذا له أجر الصلاة فقط ليس إلا، والخطى التي استعملها للمسجد قد ذهبت لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يخرجه إلا الصلاة" فشرط عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بأنه لا يريد إلا الصلاة، وهذا المذكور قد أراد غيرها بالحاجة التي نوى قضاءها، الثاني: خرج إلى الصلاة ليس إلا ولم يخلط مع هذه النية غيرها فهذا أعظم أجرًا من الأول، لأنه حصل له بركة الخطى إلى المسجد؛ والثالث: خرج بما خرج به الثاني لكنه عند خروجه نظر في نيته فأمكنه تنمية ما فيها هنا فنوى أنه إن وجد اثنين يختصمان أصلح

(1)

المتجر الرابح (ص 94).

ص: 78

بينهما وإن رأى منكرًا أزاله إلى غير ذلك، فهذا له من الأجر على قدر نيته والله أعلم

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لم يخط خطوة" الحديث، وفي الحديث أيضًا:"من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله تعالى ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداهما تخط خطيئة والأخرى ترفع درجة" رواه مسلم

(2)

، الرواية في قوله "خطوة" بضم الخاء وهي واحدة الخطا وهي ما بين القدمين، والخطوة بفتح الخاء فهي المصدر المرة من خطوت

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا رفعت بها درجة وحط عنه بها خطيئة" الدرجة واحدة الدرجات وهي الطبقات من المراتب، والخطيئة الإثم، قال الداودي: إن كانت له ذنوب حطت عنه وإلا رفعت له درجات، قال بعض العلماء: وهذا يقتضي أن الحاصل بالخطوة الواحدة درجة واحدة، أما الخطوات الرفع، وقال غيره: والحاصل بالخطوة الواحدة ثلاثة أشياء لقوله في الحديث: "كتبت له بكل خطوة حسنة ويرفع له درجة ويحط عنه بها سيئة"

(4)

والله أعلم.

تنبيه: قوله في الحديث: "حطت خطاياه" أي: أسقطت قال: لأنه كان حاملا لها فحط حملها كما تحط حمل الدابة، انتهى قاله عياض

(5)

.

(1)

المدخل (1/ 8).

(2)

أخرجه مسلم (282 - 666) عن أبي هريرة.

(3)

الغريبين (2/ 573)، وشرح السنة (14/ 404).

(4)

العدة (1/ 345).

(5)

مطالع الأنوار (2/ 272).

ص: 79

قوله صلى الله عليه وسلم: "قد صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه" الحديث، الصلاة من الله تعالى بمعنى الرحمة ومن الملائكة بمعنى الاستغفار ومن الأدميين تضرع ودعاء

(1)

، وتقدم الكلام على الصلاة في اللغة وفي الشرع على مواضع من هذا التعليق.

قوله: "اللهم ارحمه" وفي رواية: "اللهم اغفر له" فإن قيل: ما الفرق بين المغفرة والرحمة؟ قيل: المغفرة ستر الذنوب، والرحمة إفاضة الإحسان عليه

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال في صلاة ما كان ينتظر الصلاة" ظاهره أن صلاة الملائكه عليه مشروطة بدوامه في صلاة بعد صلاة، وكذا جاء مصرحا به في الموطأ "فإذا صلى أحدكم فجلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي"، وظاهر هذا الحديث: أن انتظار الصلاة يختص بالمصلى في جماعة في المسجد، فلو صلى في غير جماعة وقعد ينتظر الصلاة لم تحصل له هذا الفضيلة، وسئل الإمام مالك عمن صلى في غير جماعة وقعد ينتظر الصلاة أتراه في صلاة كمن ينتظر الصلاة في المسجد؟ قال: نعم إن شاء الله تعالى

(3)

.

(1)

المجموع (1/ 75)، وتحرير ألفاظ التنبيه (ص 29)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 179).

(2)

الكواكب الدراري (4/ 104).

(3)

المنتقي (1/ 284)، والإعلام (2/ 370 - 371).

ص: 80

وقال ابن بطال في شرح البخاري: من كان كثير الذنوب وأراد أن يحطها الله تعالى عنه فليكثر من ملازمة مكان مصلاه بعد الصلاة ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له [فهو مرجو إجابته] لقوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}

(1)

وقد أخبر عليه الصلاة والسلام "من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" وتأمين الملائكة إنما هو مرة واحدة عند تأمين الإمام ودعاؤهم لمن قعد في مصلاه دائما أبدا مادام قاعدًا فيه فهو أحرى بالإجابة، وقد شبه عليه السلام انتظار الصلاة بعد الصلاة بالرباط، وأكد ذلك بتكراره مرتين بقوله:"فذلكم الرباط، فذلكم الرباط"، قال: فعلى هذا كل مؤمن عاقل سمع هذه الفضائل الشريفة عليه أن يحرص على الأخذ بأوفر الحظ منها ولا تمر عنه صفحًا

(2)

انتهى، قاله في الديباجة.

قوله: وفي رواية تقول الملائكة: "اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه" ومعناه: ما لم يؤذ أحدكم الملائكة بنتن الحدث أو ما لم ينقض الوضوء

(3)

، وقال بعض العلماء: ما لم يؤذ أي ما لم يتكلم كلام الدنيا

(4)

، فمفهوم الحديث أن صلاة الملائكة عليه تنقطع عنه لا أنه يؤمر بالخروج منه للحدث فيجوز للمحدث الحدث الأصغر الجلوس في المسجد، وادعى

(1)

سورة الأنبياء، الآية:28.

(2)

شرح الصحيح (2/ 95).

(3)

الكواكب الدراري (4/ 104) و (10/ 14).

(4)

انظر: شرح المشكاة (3/ 935) للطيبى، واختيار الأولى (ص 69) لابن رجب.

ص: 81

بعضهم فيه الإجماع

(1)

، ودليله أن أهل الصفة كانوا ينامون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

، ويؤخذ من تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لمن نام في المسجد أنه لا يمنع منه أحد وأن يعفى عما يخرج من الإنسان من ريح ونحوه بالنوم وغيره ما لم يؤذ أحدا أو يلوث، فإن أذى أحدا ولوث حرم ويمنع، ومن الأثار على العفو هذا الحديث، وأما الأذى فمنع منه في المسجد وغيره والله أعلم قاله في شرح الإلمام.

والمراد بالحدث هاهنا ما يحدث للإنسان من المنع من الصلاة بسبب من أسباب الحديث، واعلم أن أسباب الحدث أربعة بول أو غائط أو نوم أو لمس، سمي حدثا لأنه لم [يكن] ثم كان وكل ما لم يكن ثم كان شيء حدثا وحادثا، فالمتوضيء إذا قال نويت رفع الحدث فمعناه رفع المنع الذي حدث له ومنعه الصلاة عن حدوث سبب من أسبابه، فإذا نوى رفع السبب دون المسبب بأن نوى رفع البول أو المس لم يصح وضوئه والله أعلم.

فائدة: لا يحرم إخراج الريح من الدبر في المسجد ولكن الأولى اجتنابه لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"

(3)

وقال بعض المتكلمين على الحديث: من أحدث في المسجد يحرم بها استغفار الملائكة ودعاؤهم المرجو بركته يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "البصاق في المسجد خطيئة

(1)

نقله النووي في المجموع (2/ 173) وشرح مسلم (3/ 193).

(2)

إعلام الساجد (ص 301).

(3)

تسهيل المقاصد (لوحة 20).

ص: 82

وكفارتها دفنها" فلما كان للنخامة كفارة قيل [للمتنخم تمادى في المجلس في صلاتك وابق فيه] مدعوا لك، ولما لم يكن للحدث في المسجد كفارة ترفع أذاها كما رفع الدفن أذى النخامة لم يتأد الاستغفار له ولا الدعاء وجب زوال الملائكة عنه قال الزركشي

(1)

.

فرع: إذا أحدث وهو في المسجد أو في الصلاة يجعل [فليجعل يده على أنفه ثم ينصرف] للحديث الوارد في ذلك قال العلماء وليس جعل اليد على الأنف [من] الرياء بل هو من الرياء المباح أو المستحب أبيح له أن يظهر للناس من أنه أحدث لئلا يخوضوا في عرضه أو يتهموه بترك الصلاة أو يقولوا أحدث أو نافق فيأثمون بسبب ذلك

(2)

قاله في شرح العمدة.

قوله: رواه البخاري ومسلم وأبو داود تقدم الكلام على مناقبهما وأما أبو داود فقد أسند ابن دحية عن أبي داود من طريق ابن داسة أنه قال: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني كتاب السنن جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث أحدها "الأعمال بالنيات" ثانيها "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" ثالثها "لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضي لأخيه ما يرضي

(1)

إعلام الساجد (ص 314).

(2)

تسهيل المقاصد (لوحة 90).

ص: 83

لنفسه" رابعها "الحلال بين والحرام بين" الحديث

(1)

، وتقدم الكلام على أبي داود مبسوطًا.

قوله: ورواه مالك في الموطأ، له تصنيف الموطأ فعمل من كان يومئذ بالمدينة الموطآت فقيل للإمام مالك شغلت نفسك بهذا الكتاب وقد شاركك فيه الناس وعملوا أمثاله، فقال رضي الله عنه[ائتوني بها فنظر فيها ثم نبذها وقال لتعلمن ما أريد به وجه الله تعالى

(2)

] انتهى.

سمي الكتاب الموطأ أي المتفق على حديثه وقيل إنما سمي الموطأ من التوطئة وهو التذليل والتليين والتسهيل كأنه مسهل ممهد بحسن التصنيف وترتيب التأليف وتسهيل المطلب لما يراد الوقوف عليه منه وتسهل الهمزة فيقال الموطى وتكتب بالياء

(3)

والله أعلم قاله عياض

(4)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى الصلاة فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى صلاة" يعمد بكسر الميم في المضارع وفتحها في الماضي ومعناها يقصد وفي هذا الحديث دليل على أنه يستحب للذاهب إلى الصلاة أن لا يعبث بيده ولا يتكلم بقبيح ولا ينظر نظرا محرما ويجتنب ما أمكنه حتى يصل للمصلى فإن وصل للمسجد وقعد ينتظر الصلاة كان

(1)

كشف المناهج (1/ 62).

(2)

ترتيب المدارك (2/ 76).

(3)

مطالع الأنوار (6/ 200).

(4)

مشارق الأنوار (2/ 285).

ص: 84

الاعتباء بما ذكرناه آكد

(1)

والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: في رواية مالك: "فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسع" أي فلا يسرع.

فائدة: ورد في صحيح البخاري "إذا أقيمت الصلاة، فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"

(2)

واختلف في هذه اللفظة فقيل "فأتموا" وقيل "اقضوا" وكلاهما صحيح، قال [الماوردي] من خشي فوت الجماعة والجمعة لم يجب السعي بل يمشي على سجيته وإن فاتته الجماعة والجمعة للأحاديث الواردة قال بعض العلماء إنما نهي عن السعي إلى الصلاة لأنه في الترهيب والخشوع لما يحصل للساعي من الجهد والتعب، وفيه دليل على وجوب الخشوع وإلا لم يترك الواجب قاله في التسهيل لابن العماد

(3)

.

قال بعض العلماء أيضا: والحكمة في إتيانها بسكينة والنهي عن السعي أن الذاهب إلى صلاة عامد في تحصيلها ومتوصل إليها فينبغي أن يكون متأدبا بآدابها وعلى أكمل الأحوال فقال عليه السلام: "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" فحصل فيه تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم متوهم أن النهي إنما هو لمن لم يخف فوت بعض الصلاة فصرح بالنهي وإن فات من الصلاة ما فات وبين ما

(1)

شرح النووي على مسلم (5/ 100).

(2)

أخرجه البخاري (635) عن أبي قتادة.

(3)

تسهيل المقاصد (لوحة 4).

ص: 85

يفعل فيما فات

(1)

.

تنبيه: فإن قيل السير إلى المسجد إلى الجماعة والجمعة يجب عليه التأني وترك العجلة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة، فلا تأتوها تسعون" الحديث كان عليه في السفر ترك العجلة مطلقًا.

جوابه: أن في سرعة المشي في السفر فوائد منها سرعة قطع المسافة ومنها إراحة الدابة من طول زمان الحمل عليها وكذا إراحة الراكب وكذلك الأمن من خوف يحدث في الطريق والله أعلم.

459 -

وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: "إِذا تطهر الرجل ثمَّ أَتَى الْمَسْجِد يرْعَى الصَّلَاة كتب لَهُ كاتباه أَو كَاتبه بِكُل خطْوَة يخطوها إِلَى الْمَسْجِد عشر حَسَنَات والقاعد يرْعَى الصَّلَاة كالقانت وَيكْتب من الْمُصَلِّين من حِين يخرج من بَيته حَتَّى يرجع إِلَيْهِ" رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط وَبَعض طرقه صَحِيح وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَرَوَاهُ ابْن حبَان في صَحِيحه مفرقًا فِي موضِعين

(2)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (5/ 99).

(2)

أخرجه أحمد 4/ 157 (17440) و (17456) و 4/ 159 (17459) و (17460) و (17461)، وأبو يعلى (1747)، والرويانى (231) و (238)، وابن خزيمة (1492)، وابن حبان (2038) و (2045)، والطبراني في الكبير (17/ 305 رقم 842)، والحاكم (1/ 211). وصححه الحاكم. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 29: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، وفي بعض طرقه ابن لهيعة وبعضها صحيح، وصححه الحاكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (298).

ص: 86

الْقُنُوت يُطلق بِإِزَاءِ معَان مِنْهَا السُّكُوت وَالدُّعَاء وَالطَّاعَة والتواضع وإدامة الْحَج وإدامة الْغَزْو وَالْقِيَام فِي الصَّلَاة وَهُوَ المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث وَالله أعلم.

قوله: عن عقبة بن عامر، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا تطهر الرجل ثم أتى المسجد" الحديث، المراد بقوله تطهر الوضوء الشرعي.

قوله: "يرعى الصلاة" أي ينتظر الصلاة.

قوله: "كتب له كاتباه أو كاتبه بكل خطوة يخطوها عشر حسنات" تقدم الكلام على الخطوة في الحديث قبله والحسنات ضد السيئات.

قوله صلى الله عليه وسلم: "والقاعد يرعى الصلاة كالقانت" أي القاعد ينتظر الصلاة كالقائم المصلي أي أجره كأجر المصلي قائمًا.

قوله: "كالقانت" قال الحافظ القنوت يطلق بإزاء معان منها السكوت والدعاء والطاعة والتواضع وإدامة الحج وإدامة الغزو والقيام في الصلاة وهو المراد في هذا الحديث انتهى.

واعلم أن القنوت هو الطاعة كما ذكره الحافظ هذا هو الأصل ومنها قوله تعالى: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}

(1)

وسمي القيام في الصلاة قنوتًا

(2)

، وقوله في الحديث الآخر "أفضل الصلاة طول القنوت"

(3)

أخرجه مسلم والمراد أفضل

(1)

سورة الأحزاب، الآية:35.

(2)

الصحاح (1/ 261).

(3)

أخرجه مسلم (164 و 165 - 756) عن جابر.

ص: 87

العبادة وفيه إشكال من حيث أن طول القراءة في قيامها ليس واجبا بل الواجب الفاتحة وقدر القيام فيها والفرض أفضل من غيره.

والجواب: أن القيام كله يوحي بالوجوب على القول المرجح وأيضا فإن القيام ذكره قرآن وهو أفضل من غيره

(1)

ويحتمل أن يكون المراد أفضل أفعالها المسنونة ولا إشكال حينئذ قاله في شرح الإلمام.

وقال القاضي عياض: وقيل أصل القنوت الدوام على الشيء

(2)

قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وإذا كان هذا أصله فمديم الطاعة قانت وكذلك الداعي والقائم في الصلاة والمخلص فيها والساكت فيها كلهم فاعلون للقنوت قال فصرف في كل واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيها قال المراد هنا القيام في الصلاة كما تقدم في فرض القادر

(3)

.

ولكن تستثنى لحاجة أو ضرورة مسائل منها: راكب السفينة يخاف الغرق أو دوران الرأس صلى قاعدًا ولا يعيد، ومنها المريض إذا أمكنه القيام منفردا ولو صلى في جماعة قعد في بعضها نص الشافعي على جواز الأمرين وقعوده أفضل،

(1)

انظر التهذيب (2/ 106).

(2)

إكمال المعلم (2/ 469).

(3)

طرح التثريب (2/ 288) ولفظه: قال وفي كلام بعضهم ما يفهم منه أنه موضوع للمشترك قال وهذه طريقة المتأخرين يقصدون دفع الاشتراك والمجاز ولا بأس بها إن لم يقم دليل خاص على أن اللفظ حقيقة في معنى معين أو معان.

ص: 88

ومنها السلس الذي إذا قام استرسل بوله يصلي قاعدًا على الصحيح ولا إعادة قال القفال: يصلي قائمًا محافظة على الركن كما يصلي العاري ومنها إذا قال طبيب ثقة لمن بعينيه ماء: إن صليت مستلقيًا أمكن مداواتك، فله ترك القيام على الأصح، والثاني لا يجوز قال في الوسيط لأن ابن عباس استفتى عائشة وأبا هريرة فلم يرخصا له فيه وهذا لا يصح إنما روي أنه كره ذلك وفي المهذب أن عبد الملك بن مروان حمل إليه الأطباء على البرد فنعتوا له ذلك فاستفتى عائشة وأم سلمة فنهتاه، وإنما تولى عبد الملك الخلافة بعد موتهما وموت أبي هريرة بسنين أما إذا قال إن صليت قاعدا أمكن مداواتك فقال الإمام يجوز القعود قطعا ونازعه الرافعي في هذا انتهى قاله الكمال الدميري

(1)

.

فائدة فيها بشرى: خرج الطبراني بإسناد فيه نظر عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نام ابن آدم قال الملك للشيطان: أعطني صحيفتك، فيعطيه إياها، فما وجد في صحيفته من حسنة محا بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان وكتبهن حسنات"

(2)

ذكره ابن رجب في شرح الأربعين النووية

(3)

.

(1)

النجم الوهاج (2/ 97 - 98).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 296 رقم 3451) والشاميين (1673). قالى الهيثمي في المجمع 10/ 121 - 122: رواه الطبراني، وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (5610).

(3)

جامع العلوم والحكم (2/ 501 - 502) وقال: وهذا غريب منكر.

ص: 89

460 -

وَعَن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من رَاح إِلَى مَسْجِد الْجَمَاعَة فخطوة تمحو سَيِّئَة وخطوة تكْتب لَهُ حَسَنَة ذَاهِبًا وراجعا" رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: عن عبد الله بن عمرو تقدم الكلام على مناقبه ومناقب أبيه رضي الله عنهما.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب له حسنة" الحديث تقدم الكلام على المرواح إلى المسجد وهو الذهاب إلى المسجد وعلى الخطوة والسيئة والحسنة.

461 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "على كل ميسم من الإِنْسَان صَلَاة كل يَوْم فَقَالَ رجل من الْقَوْم هَذَا من أَشد مَا أوتينا بِهِ قَالَ أَمرك بِالْمَعْرُوفِ ونهيك عَن الْمُنكر صَلَاة وحلمك على الضَّعِيف صَلَاة وإنحاؤك القذر عَن الطَّرِيق صَلَاة وكل خطْوَة تخطوها إِلَى الصَّلَاة صَلَاة" رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه

(2)

.

(1)

أخرجه أحمد 2/ 172 (6599)، وابن حبان (2039)، والطبراني في الكبير (14/ 78 رقم 14683). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 29:"رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال الطبراني رجال الصحيح، ورجال الإمام أحمد فيهم ابن لهيعة". وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (299).

(2)

أخرجه هناد في الزهد (2/ 525)، والبزار كما في كشف الأستار (926)، وأبو يعلى كما في المطالب العالية (959/ 3) والمقصد (1043 و 1044)، وابن خزيمة (1497)، والطبراني في الكبير (11/ 296 رقم 11791)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب =

ص: 90

قوله: عن ابن عباس تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم "على كل ميسم من الإنسان صلاة كل يوم" الميسم بكسر الميم وسكون الياء المثناة تحت وفتح السين وهي حديدة توسم بها الإبل فهي آلة الوسم وقال الجوهري المكواة وإن شئت قلت في جمعه مياسم وإن شئت قلت مواسم على الأصل

(1)

وأصله كله من السمة وهي العلامة ومثله موسم الحج أي معلم لجمع الناس وفلان موسوم بالخير وعليه وسمة الخير أي علامته وتوسمت فيه كذا رأيت فيه علامته

(2)

لقوله "على كل ميسم" قال الإمام إسماعيل: إن كان محفوظا فمعنى الميسم العلامة أي على كل عضو موسوم بالصنع صنع الله عز وجل وإن كانت الرواية منسما بالنون فالمراد به العظم

(3)

انتهى.

وقال بعضهم: يريد بميسم كل عضو على حدته مأخوذ من الوسم وهو العلامة إذ ما من عظم ولا عرق ولا عصب إلا عليه أثر صنع الله تعالى فعلى العبد الشكر على ذلك لله والحمد على خلقه سويا صحيحا وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم "صلاة كل يوم" كأن الصلاة تحتوي على الحمد والشكر والثناء

= (288). قال البزار: لا نعلمه، عن ابن عباس إلا عن سماك، عن عكرمة عنه. وذكره الهيثمي في المجمع (3/ 104)، وقال: رجال أبي يعلى رجال الصحيح. وضعفه الألباني في الضعيفة (1076) وضعيف الترغيب (195) و (1386) و (1764).

(1)

الصحاح (5/ 2051).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (4/ 192) وشرح مسلم (14/ 97).

(3)

المجموع المغيث (3/ 415).

ص: 91

ذكره ابن رجب في شرح النووية

(1)

.

قوله: "وإنحاؤك القذر عن الطريق صلاة" القذر كل ما يؤذي المار كالعظم والشوك وما أشبه ذلك.

462 -

وَعَن عُثْمَان رضي الله عنه أَنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من تَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء ثمَّ مَشى إِلَى صَلَاة مَكْتُوبَة فَصلاهَا مَعَ الإِمَام غفر لَهُ ذَنبه رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة أَيْضًا

(2)

.

قوله عن عثمان بن عفان: تقدم الكلام على فضائله.

قوله: "من توضأ فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاها مع الإمام غفر له ذنبه" تقدم الكلام على إسباغ الوضوء والمراد بالصلاة المكتوبة المفروضة وتقدم الكلام على غفران الذنوب وأن المراد بذلك ستر ذنوب العبد عن الخلائق يوم القيامة.

463 -

وَعَن سعيد بن الْمسيب رضي الله عنه قَالَ حضر رجلا من الأَنْصَار الْمَوْت فَقَالَ إِنِّي محدثكم حَدِيثا مَا أحدثكموه إِلَّا احتسابا إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة لم يرفع قدمه الْيُمْنَى إِلَا كتب الله عز وجل لَهُ حَسَنة وَلم يضع قدمه الْيُسْرَى إِلَّا حط الله عز وجل عَنهُ سَيِّئَة فليقرب أحدكُم أَو ليبعد فَإِن أَتَى الْمَسْجِد فصلى فِي جمَاعَة غفر

(1)

جامع العلوم والحكم (2/ 706).

(2)

أخرجه مسلم (12 و 13 - 232)، والنسائى في المجتبى (2/ 294)(868) والكبرى (1017)، وابن خزيمة (1489). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (300).

ص: 92

لَهُ فَإِن أَتَى الْمَسْجِد وَقد صلوا بَعْضًا وَبَقِي بعض صلى مَا أدْرك وَأتم مَا بَقِي كَانَ كَذَلِك فَإِن أَتَى الْمَسْجِد وَقد صلوا فَأَتمَّ الصَّلَاة كَانَ كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(1)

.

قوله عن سعيد بن المسيب: هو سعيد بن المسيب بن حزن بن عمرو المخزومي القرشي، قال النبي صلى الله عليه وسلم لحزن وقد أسلم يوم الفتح ما اسمك؟ قال حزن، قال بل أنت سهل، قال لا أغير اسما سمانيه أبي فكان سعيد يقول ما زالت الحزونة فينا بعد

(2)

.

قال النووي: لم يرو عن المسيب إلا ابنه سعيد وقال وفيه رد على الحاكم أبي عبد الله الحافظ فيما قاله، ولم يخرج البخاري عن أحد ممن لم يرو عنه إلا راو واحد قال ولعله أراد من غير الصحابة قاله الكرماني

(3)

.

قوله: "حضر رجلًا من الأنصار الموت" الحديث، الأنصار هم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة وسيأتي الكلام على ذلك أبسط من هذا.

قوله: "إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط

(1)

أخرجه أبو داود (563). وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (572) وصحيح الترغيب (301).

(2)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (5/ 119)، والبخاري في التاريخ الكبير (3/ 111)، والبغوى في معجم الصحابة (569).

(3)

انظر: شرح النووي على مسلم (1/ 213)، والكواكب الدراري (15/ 66).

ص: 93

الله عز وجل عنه سيئة" الحديث. تقدم الكلام على ذلك وسيأتي الكلام على المسجد في ذلك الباب مبسوطًا.

464 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتَانِي اللَّيْلَة آتٍ من رَبِّي فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ قَالَ لي يَا مُحَمَّد أَتَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الأَعْلَى قلت نعم فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات وَنقل الأقْدَام إِلَى الْجَمَاعَة وإسباغ الْوضُوء فِي السبرات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة وَمن حَافظ عَلَيْهِنَّ عَاشَ بِخَير وَمَات بِخَير وَكانَ من ذنُوبه كيَوْم وَلدته أمه الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب وَيَأْتِي بِتَمَامِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(1)

.

قوله: عن ابن عباس تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني الليلة آت من ربي" وفي رواية "ربي" قال رؤيا الأنبياء في المنام وحي قال الجمهور المراد بالوحي هنا الإلهام والرؤيا في المنام تسمى وحيا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوحي إليه ينحدر منه مثل الجمان من العرق من شدة الوحي وثقله عليه والوحي أصله الإعلام بأمور شرعية ثم هو في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على ثلاثة أضرب:

أحدها: سماع الكلام القديم كسماع موسى لنص القرآن ومحمد في صحيح الآثار.

(1)

أخرجه أحمد 1/ 368 (3484)، وعبد بن حميد (682)، والترمذى (3233 و 3234)، والبزار (4727)، وأبو يعلى (2608). وصححه الألباني في الإرواء (684) وصحيح الترغيب (194) و (302) و (408) و (451).

ص: 94

ثانيا: وحي رسالة بواسطة ملك.

ثالثها: تلقي آي بالقلب وذكر أن هذا كان وحي داود صلى الله عليه وسلم وروي عن نبينا صلى الله عليه وسلم مثله كقوله صلى الله عليه وسلم "إن روح القدس نفث في روعي" أي في نفسي والوحي إلى غير الأنبياء بمعنى الإلهام كالوحي إلى الناس الإشارة كقوله {أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}

(1)

ثم اعلم في كيفية الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع صور:

الأولى: المنام كما جاء في هذا الحديث.

ثانيها: أن ينفث في روعه الكلام والروع بضم الراء القلب والخلد أي في نفسي وخلدي وروح القدس هو جبريل عليه السلام.

ثالثها: أن يأتيه الوحي مثل صلصة الجرس.

رابعها: أن يتمثل له الملك رجلًا.

خامسها: أن يتراءى له جبريل بصورته التي خلق عليها له ستمائه جناح ينتشر منها اللؤلؤ والياقوت وقد رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته مرتين.

سادسها: أن يكلمه الله من وراء حجاب أما في اليقظة كليلة الإسراء على الصحيح في الإسراء أنه يقظة.

سابعها: وحي إسرافيل كما ثابت عن عامر بن شراحيل الشعبي أنه صلى الله عليه وسلم وكل به إسرافيل فكان يتراءى له ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة والشيء حتى جاء جبريل عليه السلام ووقع لبعضهم أنه ميكائيل ومن قال بذلك قال لم ينزل

(1)

سورة مريم، الآية:11.

ص: 95

عليه قرآن على أن جبريل عليه السلام ابتدأ فيها الوحي

(1)

والله أعلم.

قوله: "أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى" الحديث يسارع ويستبق إلى رفعه إلى الله تعالى لأن الملائكة يتقربون إلى الله تعالى برفع العمل الصالح لبني آدم والملأ الأعلى الملائكة المقربون

(2)

.

قوله: "وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه" أي لا ذنب له وكيوم يجوز فيه فتح الميم وكسرها وجهان والفتح أشهر.

465 -

وَعَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يتَوَضَّأ أحدكم فَيحسن وضوءه فيسبغه ثمَّ يَأْتِي الْمَسْجِد لا يُرِيد إِلَا الصَّلَاة إِلَا تبشش الله إِلَيْهِ كَمَا يتبشش أهل الْغَائِب بطلعته رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه

(3)

.

قوله: عن أبي هريرة تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه فيسبغه" تقدم تفسير ذلك.

"إلا تبشش الله إليه" الحديث التبشيش التأنيس والمواصلة والفرح بالشيء والسرور إليه وهو هنا مجاز عن المضاعفة والإكرام

(4)

وقال في النهاية البش

(1)

انظر: الروض الأنف (2/ 394 - 396)، وطرح التثريب (4/ 180 - 182).

(2)

تسهيل المقاصد (لوحة 73).

(3)

أخرجه أحمد 2/ 307 (8065) و 2/ 384 (8487)، وابن خزيمة (1491). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (303).

(4)

هذا من باب التأويل قال أبو يعلى الفراء بعد الكلام على صفة الفرح لله تعالى: .... وكذلك القول في البشبشة؛ لأن معناه يقارب معنى الفرح. والعرب تقول: رأيت لفلان بشاشة، وهشاشة، وفرحًا. ويقولون: فلان هش بش فرح؛ إذا كان منطلقا؛ فيجوز إطلاق ذلك كما جاز إطلاق الفرح. وقد ذكر ابن قتيبة هذا الحديث في كتاب الغريب، وقال قوله: =

ص: 96

فرح الصديق بالصديق واللطف في المسألة والإقبال عليه، وقد بششت به أبش، وهذا مثل ضربه لتلقيه إياه ببره وتقريبه وإكرامه

(1)

.

ولذلك قال بعضهم: إذا كان الرجل يكون متعلقا بالمسجد منذ خرج منه إلى أن يعود إليه من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم القيامة.

466 -

وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ خلت الْبِقَاع حول الْمَسْجِد فَأَرَادَ بَنو سَلمَة أَن يَنْتَقِلُوا قرب الْمَسْجِد فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُم بَلغنِي أَنكُمْ تُرِيدُونَ أَن تنتقلوا قرب الْمَسْجِد قَالُوا نعم يَا رَسُول الله قد أردنَا ذَلِك فَقَالَ يَا بني سلم دِيَاركُمْ تكْتب آثَاركُم دِيَاركُمْ تكْتب آثَاركُم فَقَالُوا مَا يسرنَا أَنا كنَّا تَحَوَّلْنَا رَوَاهُ مُسلم وَغَيره وَفِي رِوَايَة لَهُ بِمَعْنَاهُ وَفِي آخِره إِن لكم بِكُل خطْوَة دَرَجَة

(2)

.

قوله عن جابر: هو ابن عبد الله تقدم الكلام على مناقبه وفضله.

قوله صلى الله عليه وسلم: "خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد" بنو سلمة بكسر اللام قبيلة معروفة من الأنصار بين دورهم وبين

= (يبشبش) من البشاشة، وهو يتفعل؛ فحمل الخبر على ظاهره، ولم يتأوله. انتهى كلام أبي يعلى في إبطال التأويلات لأخبار الصفات 1243.

وقال ابن تيمية في النبوات (1/ 449 - 450): ولفظ البشبشة جاء أيضا أنه يتبشبش للداخل إلى المسجد؛ كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم، وجاء في الكتاب والسنة ما يلائم ذلك ويناسبه شيء كثير، فيقال لمن نفى ذلك: لم نفيته؟ ولم نفيت هذا المعنى؛ وهو وصف كمال لا نقص فيه؟ ومن يتصف به أكمل ممن لا يتصف به؟ وإنما النقص فيه أن يحتاج فيه إلى غيره، والله تعالى لا يحتاج إلى أحد في شيء، بل هو فعال لما يريد.

(1)

النهاية (1/ 130).

(2)

أخرجه مسلم (279 و 280 و 281 - 665)، وابن خزيمة (451)، وابن حبان (2042).

ص: 97

مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مسافة بعيدة يلحقهم تعب في سواد الليل إذا مشوا إلى المسجد فأرادوا أن يتركوا دورهم ويتخذوا دورا بقرب المسجد

(1)

.

قوله: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو سلمة دياركم تكتب آثاركم" والمعنى الزموا دياركم فإنكم إذا ألزمتموها تكتب آثاركم الكثيرة إلى المسجد وتكتب آثاركم بالجزم على جواب الأمر المتقدم والديار منصوب على الإغراء والمراد بالآثار الخطى إلى المساجد فإذا كانت الخطى أكثر كان الثواب أيضا أكثر

(2)

والمراد يكتبها الكتبة للثواب أو ما يؤثر أي يكتب وفي السنن وقيل الآثار حرصكم على الطاعات وجدكم واجتهادكم في حضور الجماعات ويقتدى بكم من بعدكم كذا قاله البيضاوي في شرح المصابيح

(3)

.

467 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ كَانَت الأَنْصَار بعيدَة مَنَازِلهمْ من الْمَسْجِد فأرادوا أَن يتقربوا فَنزلت {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}

(4)

فثبتوا" رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد جيد

(5)

.

قوله: "عن ابن عباس" تقدم.

قوله: "كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد فأرادوا أن يتقربوا فنزلت {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} فثبتوا المنازل" الدور جمع دار وهي المنازل

(1)

المفاتيح (2/ 65).

(2)

المفاتيح (2/ 65)، وشرح المصابيح (1/ 422).

(3)

تحفة الأبرار (1/ 256 - 257).

(4)

سورة يس، الآية:12.

(5)

أخرجه ابن ماجه (785). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (305).

ص: 98

المسكونة المحال وتجمع أيضًا على ديار وأراد بها ههنا القبائل وكل مكان اجتمعت في محله سميت تلك المحلة دارًا وسمي ساكنوها بها مجازًا على حذف المضاف أي أهل الدور قاله في النهاية

(1)

، والأنصار جمع نصير كشريف وأشراف وقيل جمع ناصر والأنصار هم الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه على أعدائه من أهل الشرك وآووا أصحابه رضي الله عنهم وهما قبيلة الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة والنسب مذكور إلى قحطان اختصر

(2)

وقحطان أصل العرب وسمي قحطان لأنه أول من تجبر وظلم وقحط أموال الناس

(3)

.

قوله: "فنزلت {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} " وآثارهم خطاهم.

468 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الأبْعَد فالأبعد من الْمَسْجِد أعظم أجرا" رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَقَالَ حَدِيث صَحِيح مدنِي الإِسْنَاد

(4)

.

قوله: عن أبي هريرة تقدم الكلام على ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرًا" أي من أجل كثرة الخطأ

(5)

(1)

النهاية (2/ 139).

(2)

عمدة القارى (1/ 151).

(3)

قاله إسماعيل بن أبي أويس كما في المؤتلف والمختلف (1/ 237).

(4)

أخرجه أحمد (8618) و (9531)، وابن ماجه (782)، وأبو داود (556)، والحاكم (1/ 52). وصححه الحاكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (306) وصحيح أبي داود (565).

(5)

شرح الصحيح (2/ 280) لابن بطال.

ص: 99

فهذا الحديث والأحاديث قبله دال على أن الأرض البعيدة أفضل على المشي أفضل ثم هذا كله في حق من هو متفرغ لذلك ولا يفوته بكثرة خطاه ومشيه إلى المسجد مهمة من مهمات الدين فإن كان يفوته ذلك كالاشتغال بالعلم والتعلم والتعليم ونحو ذلك من فرض الكلمات فالدار القريبة في حقه أفضل وكذلك الضعيف عن المشي ونحوه والله أعلم قاله في المقاصد

(1)

.

قال العلماء ينبغي أن يستثنى من أفضلية الأبعد الإمام فإن النبي صلى الله عليه وسلم، والأئمة بعده لم يتباعد عن المسجد لطلب الأجر، ويدل أحد أقوال الأصحاب يستحب التبكير للغير إلا الإمام فلا يستحب بل يأتي حين يصعد إلى المنبر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله بنفسه

(2)

فإن قيل روى الإمام أحمد في مسنده فضل البيت القريب من المسجد على البعيد منه كفضل المجاهد على القاعد عن الجهاد فالجواب إن هذا في نفس البقعة وذاك في الفعل فالبعيد دارًا مشيه أكثر وثوابه أعظم والبيت القريب أفضل من البيت البعيد

(3)

ولهذا قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: "الشؤم في ثلاثة المرأة والدار والفرس"

(4)

إن شؤم الدار أن تكون بعيدة عن المسجد لا يسمع ساكنها الأذان

(5)

والله أعلم.

(1)

تسهيل المقاصد (لوحة 69).

(2)

النجم الوهاج (2/ 492).

(3)

فتح البارى (6/ 32)، ومجموع رسائل ابن رجب (4/ 25).

(4)

أخرجه البخاري (2858) و (5093) و (5094) و (5753) و (5772)، ومسلم (115 و 116 و 117 و 118 - 2225) عن ابن عمر.

(5)

إرشاد السارى (8/ 411).

ص: 100

469 -

وَعَن زيد بن ثَابت رضي الله عنه قَالَ كنت أَمْشِي مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَنحن نُرِيد الصَّلَاة فَكَانَ يُقَارب الخطا فَقَالَ أَتَدْرُونَ لم أقَارِب الخطا قلت الله وَرَسُوله أعلم قَالَ لا يزَال العَبْد فِي صَلَاة مَادَامَ فِي طلب الصَّلَاة وَفِي رِوَايَة إِنَّمَا فعلت لتكثر خطاي فِي طلب الصَّلَاة" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير مَرْفُوعا وموقوفا على زيد وَهُوَ الصَّحِيح

(1)

.

قوله: عن زيد بن ثابت هو الأنصاري المدني الكاتب كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يكتب له المراسلات إلى الناس أيضا وكان يكتب لأبي بكر وعمر وهما في خلافتهما وهو الذي كتب المصحف المكرم وكان أحد الثلاثة الذين جمعوا المصحف أمره بذلك أبو بكر وعمر وكان قد حفظ من القرآن قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة سورة وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك راية بني النجار وقال القرآن مقدم وزيد أكثر أخذا القرآن وقتل أبوه وعمره ست سنين واستصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فرده وشهد أحدا والخندق وما بعدهما من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر يستخلفه إذا حج وكذلك عثمان، وقال ابن أبي داود كان زيد بن ثابت أعلم الصحابة بالفرائض وكان من الراسخين في العلم للحديث "أفرضكم زيد" وكان على بيت المال لعثمان وقيل إن ابن عباس أخذ لزيد بن ثابت بالركاب فقال زيد تنح

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (5/ 117 رقم 4798) و (5/ 118 رقم 4799 و 4800)، وابن عدى في الكامل (5/ 153)، وابن شاهين في الترغيب في الفضائل (52). وأخرجه الطبراني في الكبير (5/ 117 رقم 4796) موقوفًا. وضعفه الألباني في الضعيفة (6816) وضعيف الترغيب (196).

ص: 101

يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان وسبعون حديثا اتفق البخاري ومسلم منها على خمسة وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بحديث قال الواقدي مات زيد سنة خمس وأربعين وهو ابن ست وخمسين سنة ومناقبه كثيرة مشهورة

(1)

.

قوله: "كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نريد الصلاة فكان يقارب الخطا فقال أتدرون لم أقارب الخطا قلت الله ورسوله أعلم"، وفي آخره "إنما فعلت لتكثر خطاي في طلب الصلاة" قال العلماء في هذه الأحاديث المتقدمة دليل على أن الدار البعيدة عن المسجد تكتب للآتي منها أجر كبير على قدر بعدها وأنها كلما بعدت كان الأجر أكثر لزيادة الخطا

(2)

ألا ترى إلى قوله كان يقارب الخطى ولقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى "إنما فعلت هذا لتكثر خطاي في طلب الصلاة" وهذا ظاهر لقوله عليه السلام لم يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة فكلما ازدادت الخطى كان أجرا ولكن في مسند الإمام أحمد بسند فيه ابن لهيعة عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة كفضل الغازي على القاعد" وهذا الحديث مخالف للأصول وفي سنده ابن لهيعة وابن لهيعة فيه كلام مطول.

فائدة: اختلف العلماء رضي الله عنهم فيما إذا قربت داره من مسجد، قيل الأفضل أن يصلي في ذلك المسجد الجوار لحق جواره أو يذهب إلى المكان البعيد فقالت طائفة الصلاة في البعيد أفضل عملا على ظاهر الأحاديث

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 200 - 202 الترجمة 186).

(2)

اختيار الأولى (1/ 59).

ص: 102

المتقدمة وقيل الصلاة في القريب أفضل لما روى الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" صلاة كاملة ولإحياء حق المسجد ولما له من الجوار قال العلماء في كتب الفقه فإن كان في جواره مسجد ليس فيه جماعة أي بصلاته فيه تحصل الجماعة كان فعلها في المسجد الجوار أفضل لما في ذلك من عمارة المسجد الجوار وإحيائه بالجماعة هذا هو المذهب أما إذا لو كان صلى في الجوار صلى وحده فالبعيد أفضل منه، وقال القاضي حسين والبغوي الأولى أن يصلي فيه منفردا ثم يدرك مسجد الجماعة ليصلي فيه ليحوز الفضيلتين، ولو كان إذا صلى في بيته صلى جماعة وإذا صلى في المسجد صلى وحده ففي بيته أولى

(1)

.

فروع: الأول: بجواره مسجدان استوت جماعتهما فإن سمع أحدهما فهو أولى وإن سمعه منهما فالأقرب أولى، فإن استويا تخير، قاله الروياني

(2)

، والجوار: بكسر الجيم وضمها قاله في مختصر الكفاية

(3)

.

الفرع الثاني: لو كان إذا صلى منفردا خشع وإذا صلى في جماعة سها، وافق الغزالي أن الإنفراد أولى ووافق الشيخ عز الدين فيما إذا حضر رأيًا وفيه نظر

(4)

انتهى.

(1)

كفاية النبيه (3/ 534)، وهادى النبيه (لوحة 50).

(2)

النجم الوهاج (2/ 329).

(3)

كفاية النبيه (3/ 535).

(4)

هادى النبيه (لوحة 50)، والإقناع (1/ 164).

ص: 103

الفرع الثالث: لا شك أن جماعة مكة والمدينة وبيت المقدس أفضل من غيرها من المسجد بل الإنفراد فيها أفضل من غيرها وممن صرح به مع وضوحه المتولي قاله في هادي النبيه

(1)

.

النوع الرابع: قال بعض أصحاب القفال في شرحه لغيبة ابن شريح: جار المسجد أربعون دارا من كل جانب وهو نظير ما لو أوصي لجيرانه فإنه يصرف لأربعين من كل جانب والآخر أن يقال: جار المسجد من سمع النداء لما روى مسلك عن أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فذكر الحديث إلى أن قال:"فهل تسمع النداء بالصلاة" قال: نعم، قال:"فأجب"، وقال أبو داود في هذا الحديث "لا أجد لك رخصة" وفي أبي داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلاها"

(2)

فهذه الأحاديث مبينة للجار في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"

(3)

قاله ابن العماد

(4)

.

(1)

هادى النبيه (لوحة 50).

(2)

أخرجه ابن ماجه (793)، وأبو داود (551)، وابن حبان (2064). وقال الألبانى: صحيح - صحيح أبي داود (560).

(3)

روى عن أبي هريرة، وجابر بن عبد الله وعائشة مرفوعًا، وعن على موقوفًا. وضعفه الألباني في الإرواء (491) والضعيفة (183).

(4)

تسهيل المقاصد (لوحة 41 و 42).

ص: 104

470 -

وَعَن أبي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِن أعظم النَّاس أجرا فِي الصَّلَاة أبعدهم إِلَيْهَا ممشى فأبعدهم وَالَّذِي ينْتَظر الصَّلَاة حَتَّى يُصليهَا مَعَ الإِمَام أعظم أجرا من الَّذِي يُصليهَا ثمَّ ينَام" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا

(1)

.

قوله: عن أبي موسى الأشعري، تقدم الكلام على فضائله.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم ممشى" الحديث، ففي هذا الحديث الحث على كثرة الخطا إلى العبادات وجبر من بعدت داره بذلك، فإن بني سلمة أرادوا أن يتحولوا من منازلهم ليقربوا من المسجد فيفوزوا فقال:"ألا تحتسبون آثاركم" يعني خطاكم، وكره أن تعري المدينة فرأى عمارتها وكثرة الخطا في العبادة تعادل قربهم إذا احتسبوه عند الله تعالى وأخلصوا فيه، وسبب ذلك أن بكل خطوة ترفع درجة وتحط خطيئة ذهابا واختلفوا في الإياب، والظاهر أنه كذلك، وفي صحيح مسلم:"إني أحب أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت" وفي آخره: "قد جمع الله لك ذلك كله"

(2)

وهذا على قدر الشدة كما جاء في الصحيح: "لا ينهزه إلا الصلاة"، وفيه المشقات في العبادات تكثر الأجور كما جاء في إسباغ الوضوء على المكاره وغير ذلك، وقد يأتي الأمر بخلاف ذلك في أشياء محصورة والغالب الأول

(3)

، وقد جاء أنه عليه الصلاة السلام قال لعائشة: "أجرك على

(1)

أخرجه البخاري (651)، ومسلم (277 - 662)، والبزار (3166)، وابن خزيمة (1501).

(2)

أخرجه مسلم (278 - 663) عن أبي بن كعب.

(3)

انظر: شرح السنة (2/ 354)، والمنخول (ص 91)، والميسر (1/ 202)، وقواعد الأحكام (1/ 173 - 174)، وإحكام الأحكام (2/ 304)، والعدة (3/ 1683).

ص: 105

قدر نصبك"

(1)

قال الطبري: وفيه من الفقه أن تقارب الخطى في ذلك أفضل من الإسراع أي طلبا للسكينة الوقار

(2)

المأمور بهما.

فيه قوله: "والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام" الحديث دليل على ما كان من عدم وجوب الجماعة لأنه أثبت للمصلي وحده أجرا وجعل ذلك أعظم أجرًا وهو دليل على تقديم الإمام الراتب على غيره وأن لا يتقدمه أحد، واستثنى الفقهاء ما إذا كان المسجد مصروفا ولم تخش فتنة فجوزوا ذلك

(3)

والله أعلم، قاله في شرح الإلمام.

471 -

وَعَن أبي بن كَعْب رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رجل من الأنْصَار لا أعلم أحدا أبعد من الْمَسْجِد مِنْهُ كَانَت لا تخطئه صَلَاة فَقيل لَهُ لَو اشْتريت حمارا تركبه فِي الظلماء وَفِي الرمضاء فَقَالَ مَا يسرني أَن منزلي إِلَى جنب الْمَسْجِد إِنِّي أُرِيد أَن يكْتب لي ممشاي إِلَى الْمَسْجِد ورجوعي إِذا رجعت إِلَى أَهلِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع الله لَك ذَلِك كُله وَفِي رِوَايَة فتوجعت لَهُ فَقلت لَهُ يَا فلَان لَو أَنَّك اشْتريت حمارا يقيك الرمضاء وهوام الأرْض قَالَ أما وَالله مَا أحب أَن بَيْتِي مطنب بِبَيْت مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم قَالَ فَحملت بِهِ حملا حَتَّى أتيت نَبِي الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرته فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك وَذكر أَنه يَرْجُو أجر الأَثر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَك مَا احتسبت رَوَاهُ مسلم وَغَيره وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِنَحْوِ الثَّانِيَة

(4)

.

(1)

أخرجه مسلم (126 - 1211).

(2)

فتح البارى (8/ 191) لابن رجب.

(3)

انظر البيان (2/ 419)، والشافى (2/ 24)، وكفاية النبيه (3/ 532).

(4)

أخرجه مسلم (278 - 663) و (663) م، وابن ماجه (783)، وأبو داود (557).

ص: 106

الرمضاء ممدودًا هِيَ الأرْض الشَّدِيدَة الْحَرَارَة من وَقع الشَّمْس.

قوله: عن أبي بن كعب، تقدم الكلام على مناقبه، ونسبه في حديث الخضر في كتاب العلم مبسوطًا.

قوله: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدا أبعد من المسجد منه وكانت لا تخطئه صلاة أي: لا تفوته صلاة في المسجد، وتقدم الكلام على الأنصار في حديث ابن عباس قبل قبله.

قوله: فقيل له: لو اشتريت حمارا فتركبه في الظلماء وفي الرمضاء، وفي الرواية الأخرى: تقيك الرمضاء وهوام الأرض، الحديث، الرمضاء ممدود هي الأرض الشديدة الحرارة من وقع الشمس قاله الحافظ وهوام الأرض معروف كالحية والعقرب ونحوهما.

تتمة تتعلق بالرمضاء: خرج الطبراني بإسناده أن رجلًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قزع ثيابه ثم تمرغ في الرمضاء وهو يقول لنفسه: ذوقي، نار جهنم أشد حرًا حقيرة بالليل بطال بالنهار فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله غلبتني نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد فتحت لك أبواب السماء وباهى الله بك الملائكة"

(1)

أ. هـ.

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا فى المحاسبة (94)، عن طلحة. قال العراقى في تخريج الإحياء (ص 1870): بطوله أخرجه ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس من رواية ليث بن أبي سليم عنه وهذا منقطع أو مرسل، ولا أدري من طلحة هذا. وأخرجه الرويانى (1)، والطبراني في الكبير (2/ 22 رقم 1159)، والبيهقى في الدعوات (279) عن بريدة. وقال الهيثمي في المجمع 10/ 185: رواه الطبراني من طريق أبي عبد الله -صاحب الصدقة- عن علقمة بن مرثد ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

ص: 107

المباهاة المفاخرة.

قوله: فقال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، الحديث؛ في هذا الحديث إثبات الثواب فى الخطا في الرجوع من الصلاة كما ثبت في الذهاب

(1)

.

فائدة: قال ابن الصلاح والنووي رحمهما الله: وفي هذا الحديث رد على الإمام الغزالى في الرجوع من المسجد ليس بقربة بدليل إنه لا يكره الركوب في الرجوع من الجنازة وغيرها، فإن قيل: لعل أبا المنذر أبي بن كعب كان يقصد الرجوع للصلاة في المنزل أو حينئذ فيكون قاصد للعبادة فلأن يدخل فيه من رجع لغير قصد العبادة، ويدل على أنه قصد العبادة قوله صلى الله عليه وسلم:"أفضل صلاة المرء في بيته" والظاهر منة حال الصحابة رضي الله تعالى عنهم الأخذ بالأفضل، وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان" قلنا: نعم، قال:"فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان"

(2)

، قال: فالجواب عنه من وجهين أحدهما: أنه لا يصح قصد الصلاة في المنزل بعد الصبح وصلاة العصر، والحديث أعم من ذلك، الثاني: أنه لم يرتب ذلك

(1)

شرح النووي على مسلم (5/ 168).

(2)

أخرجه أحمد 2/ 396 (9152) و 2/ 466 (10016) و 2/ 497 (10446)، والدارمي (3314)، والبخاري في القراءة خلف الإمام (87)، ومسلم (250 - 802)، وابن ماجه (3782).

ص: 108

على قصد الصلاة بل رتبه على المشي في الرجوع من الصلاة، والإضمار يحتاج إلى دليل وأيضًا فمتعلقات الصلاة باقية بدليل استحباب رجوع المصلي من غير طريق الذهاب والله أعلم، ويدل أيضًا على قول من قال: الرجوع قربة لما رواه الإمام أحمد والطبراني وابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب حسنة ذاهبًا وراجعًا"

(1)

والله أعلم.

قوله: وفي رواية: أما والله ما أحب أن بيتي مطنب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم، الحديث، مطنب: بفتح النون المشددة والطنب أحد أطناب الخيمة يعني: ما أحب أن بيتي إلى جانب بيته أي ملاصقا طنبه بضم الطاء أي مشدودا إليه وهو الحبل الذي يشد إلى الوتد، والجمع: أطناب ثم استعمل فيما تقارب من المنازل استعارة قاله عياض

(2)

، والمعنى: بل أحب أن أكون بعيد منه ليكثر ثوابي وخطاي إليه

(3)

.

قوله: فحملت به حملا، هو بكسر الحاء قال القاضي: كذا ضبطناه عن

(1)

تسهيل المقاصد (لوحة 39 و 40) و (لوحة 94). والحديث أخرجه أحمد (2/ 172)(6599)، وابن حبان (2039)، والطبراني في الكبير (14/ 78 رقم 14683). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 29:"رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال الطبراني رجال الصحيح، ورجال الإمام أحمد فيهم ابن لهيعة". وصححه الألباني في صحيح الترغيب (299).

(2)

إكمال المعلم (2/ 641)، ومطالع الأنوار (3/ 272)، وشرح النووي على مسلم (5/ 168).

(3)

شرح النووي على مسلم (5/ 168).

ص: 109

شيوخنا ورواه بعضهم: بفتح الحاء، قال القاضي عياض معناه: أنه أعظم عليّ وثقل واستعظمه لبشاعة لفظه، وهمني ذلك وليس المراد به الحمل على الظهر والله أعلم قاله النووي في شرح مسلم

(1)

.

قوله: وذكر أنه يرجوا أجر الأثر، أي: الخطا

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما احتسبت" أي: الذي احتسبته أي احتسابك، وإنما قيل: احتسب العمل لمن ينوي وجه الله تعالى لأنه له حينئذ أن يعتمد فعله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد قاله شارح مشارق الأنوار الشيخ وجيه الدين

(3)

والله أعلم.

472 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كل سلامى من النَّاس عَلَيْهِ صَدَقَة كل يَوْم تطلع فِيهِ الشَّمْس تعدل بَين الِاثْنَيْنِ صَدَقَة وَتعين الرجل فِي دَابَّته فتحمله عَلَيْهَا أَو ترفع لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعه صَدَقَة والكلمة الطّيبَة صَدَقَة وَبِكُل خطْوَة يمشيها إِلَى الصَّلَاة صَدَقَة وتميط الأَذَى عَن الطَّرِيق صَدَقَة" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(4)

السلامى بِضَم السِّين وَتَخْفِيف اللَّام وَالْمِيم مَقْصُور هُوَ وَاحِد السلاميات وَهِي مفاصل الأَصَابِع قَالَ أَبُو عبيد هُوَ فِي الأصْل عظم

(1)

شرح النووي على مسلم (5/ 168).

(2)

شرح النووي على مسلم (5/ 168 - 169).

(3)

شرح مشارق الأنوار (لوحة 55/ وجه أ)، نقلًا عن الفائق (1/ 282).

(4)

أخرجه البخاري (2707) و (2891) و (2989)، ومسلم (56 - 1009)، وابن خزيمة (1493) و (1494)، وابن حبان (472).

ص: 110

يكون فِي فرسن الْبَعِير فَكَانَ الْمَعْنى على كل عظم من عِظَام ابْن آدم صَدَقَة تعدل بَين الِاثْنَيْنِ أَي تصلح بَينهمَا بِالْعَدْلِ تميط الأذَى عَن الطَّرِيق أَي تنحيه وتبعده عَنْهَا.

قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "على كل سلامي من الناس كل يوم تطلع فيه الشمس صدقة" الحديث، قد فسر الحافظ السلامي بضم السين وتخفيف اللام والميم مقصورًا، وواحده السلاميات، والسلاميات بفتح السين المهملة وتخفيف الياء، أ. هـ، قال الحافظ، فكان المعنى على كل عظم من عظام بني آدم صدقة، أ. هـ.

وقال في تحفة المتهجد: أي على كل عظم ومفصل وأصله عظام الكف والأكارع

(1)

، وقال بعض العلماء: معنى الحديث أن تركيب هذه العظام وسلامتها من أعظم نعم الله تعالى على عبده فيحتاج كل عضو منها إلى صدقة يتصدق ابن آدم عنه فيكون ذلك شكرا لهذه النعمة

(2)

وظاهر التعبير في هذا الحديث بقوله: "عليه صدقة كل يوم" أن ذلك من الواجبات لأن السنن لا توصف بأنها على المكلف

(3)

، والجواب: أن هذا قد يطلق في الفعل المتأكد وإن لم يكن واجبا، وقد قال العلماء: المراد بالصدقة صدقة ندب

(1)

مشارق الأنوار (2/ 218).

(2)

تحفة الأبرار (1/ 378)، والتعيين (ص 198).

(3)

شرح المشكاة (4/ 1240)، وطرح التثريب (2/ 302).

ص: 111

وترغيب لا إيجاب وإلزام

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يعدل بين الاثنين صدقة" أي: يصلح بينهما بالعدل كذا فسره الحافظ، وقال غيره: أن يراد به الإصلاح العدل في الأحكام من القضاة والله أعلم، ويحتمل أن يراد به الإصلاح بين الناس وإن كان من غير من له ولاية على ذلك ولا تسليط وهو الظاهر لأن عدل القضاة والأمراء واجب لا تطوع

(2)

.

قوله: "ويعين الرجل في دابته" هو أن يركب العاجز عن الركوب على دابته وهكذا أن يحمل معه على دابته متاعه وبوب عليه البخاري، ويمكن أن يحمل على الوجوب في المكاره فإنه يجب عليه إركاب الشيخ لعجزه عن الركوب وحده ويجب عليه إبراك الجمل للمرأة لعجزها أو المشقة عليها في ركوب البعير قائمًا

(3)

، والله أعلم.

قوله: "والكلمة الطيبة صدقة" يحتمل أن يراد بها المخاطبة للناس كأن يجيب السائل بكلمة طيبة من غير إفحاش، ويجوز ذلك وهو الظاهر كما في قوله عليه السلام في حديث آخر:"تبسمك في وجه أخيك صدقة" وفي حديث آخر: "ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط إليه" ويحتمل أن يراد بها الكلمة من الأذكار فالتحميد والتسبيح والتهليل كلمة، ومصرح به في حديث

(1)

شرح الأربعين النووية (ص 93) لابن دقيق العيد.

(2)

طرح التثريب (2/ 303).

(3)

طرح التثريب (2/ 303).

ص: 112

عائشة رضي الله عنها

(1)

.

قوله: "وكل خطوة تمشيها إلى المسجد صدقة" تقدم الكلام على الخطا وهي المشي إلى المساجد في الأحاديث المتقدمة.

قوله: "وتميط الأذى عن الطريق صدقة" قد فسره الحافظ تفسير مختصر فقال: أي تنحيه وتبعده عنها، وفسره غيره تفسير مبسط فقال المراد بإماطة الأذى عن الطريق: إزالة ما يؤذي المار من حجر أو شوك وكذا قطع الأشجار من الأماكن الوعرة كما يفعل في طريق الحاج، وكذا كنس الطريق عن التراب الذي يتأذى به المار وردم ما فيه من حفرة أو وهدة وقطع شجرة تكون في الطريق، وفي معناه: توسيع الطريق الذي يضيق على المارة وإقامة من يبيع أو يشتري في وسط الطرق العامة كمحل السعي بين الصفا والمروة ونحو ذلك، فكله من باب إماطة الأذي عن الطريق، ومن ذلك ما يرتفع إلى درجة الوجوب كالحفر التي في وسط الطريق التي يخشى أن يسقط فيها الأعمى والصغير والدابة فإنه يجب طمسها أو التحويط عليها إن لم يضر ذلك للمارة والله أعلم؛ وزاد البخاري في هذا الحديث:"ودل الطريق صدقة" وهو أن يدل من لا يعرف الطريق عليها

(2)

.

473 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أَلا أدلكم على مَا يمحو الله بِهِ الْخَطَايَا وَيرْفَع بِهِ الدَّرَجَات قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ إسباغ الْوضُوء

(1)

طرح التثريب (2/ 303).

(2)

طرح التثريب (2/ 304).

ص: 113

على المكاره وَكثْرَة الخطا إِلَى الْمَسَاجِد وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة فذلكم الرِّبَاط فذلكم الرِّبَاط فذلكم الرِّبَاط رَوَاهُ مَالك وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَلَفظه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ كفَّارَات الْخَطَايَا إسباغ الْوضُوء على المكاره وإعمال الأقْدَام إِلَى الْمَسَاجِد وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلَاة

(1)

.

474 -

وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه إِلَّا أَنه قَالَ أَلا أدلكم على مَا يكفر الله بِهِ الْخَطَايَا وَيرْفَع بِهِ الدَّرَجَات قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله فَذكره

(2)

.

475 -

وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر وَعِنْده أَلا أدلكم على مَا يمحو الله بِهِ الْخَطَايَا وَيكفر بِهِ الذُّنُوب

(3)

.

476 -

وَعَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إسباغ الْوضُوء فِي المكاره وإعمال الأقْدَام إِلَى الْمَسَاجِد وانتظار الصلاة بعد الصَّلَاة تغسل الْخَطَايَا غسلا رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَزَّار بِإِسْنَاد صَحِيح

(4)

.

(1)

أخرجه مالك (445)، ومسلم (41 - 251)، وابن ماجه (428)، والترمذى (52)، والنسائى في المجتبى 1/ 332 (148) والكبرى (178).

(2)

أخرجه ابن ماجه (427) و (776)، وابن خزيمة (177) و (357)، وابن حبان (402). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (311).

(3)

أخرجه ابن حبان (1039). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (312).

(4)

أخرجه البزار (528 و 529)، وأبو يعلى (488). قال البزار: وهذا الحديث هكذا رواه صفوان، عن الحارث، عن سعيد بن المسيب وقال أنس بن عياض وغيره: عن الحارث، عن أبي العباس، عن سعيد بن المسيب، وأبو العباس مجهول. قال الهيثمي في المجمع =

ص: 114

قوله: عن أبي هريرة، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا" الخطايا هي الآثام، قال القاضي عياض: محو الخطايا كناية عن غفرانها، قال: ويحتمل محوها من كتاب الحفظة، ويكون ذلك دليلا على غفرانها

(1)

.

قوله: "ويرفع الدرجات" ورفع الدرجات إعلاء المنازل فى الجنة

(2)

.

قوله: "إسباغ الوضوء على المكاره" واسباغ الوضوء إتمامه وأكمله وتقدم تفسيره مبسوطًا في مواضع، والمراد بالمكاره البرد الشديد أو المرض يكسل صاحبه عن الحركة أو حال إعواز الماء والحاجة إلى طلبه واحتمال المشقة فيه وابتياعه بالثمن الغالي ونحو ذلك من الحالات التي يشق على الإنسان الوضوء فيها والمكاره جمع مكره وهو ضد المنشط

(3)

.

قوله: "وكثرة الخطى إلى المساجد" وهي الخطى بعد الدار وكثرة التكرار

(4)

.

قوله: "وانتظار الصلاة بعد الصلاة" تقدم معناه.

= 2/ 36: رواه أبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح، وزاد البزار في أوله:"ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا"، وزاد في أحد طريقيه رجلا وهو أبو العياس غير مسمى وقال: إنه مجهول، قلت: أبو العياس بالياء المثناة آخر الحروف والسين المهملة. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (313).

(1)

إكمال المعلم (2/ 55).

(2)

إكمال المعلم (2/ 55).

(3)

غريب الحديث (1/ 284).

(4)

إكمال المعلم (2/ 55)، وشرح النووي على مسلم (3/ 141)، والمفهم (3/ 135).

ص: 115

قوله: "فذلكم الرباط، قالها ثلاثًا" أي الرباط المرغبة فيه، وأصل الرباط الحبس على الشيء كأنه حبس نفسه على هذه الطاعة، قيل: ويحتمل أنه أفضل الرباط كما قيل: الجهاد جهاد النفس، ويحتمل أنه الرباط المتيسر الممكن أى أنه من أنواع الرابط يعني أن المواظب على الطهارة والصلاة والعبادة كالجهاد في سبيل الله تعالى فيكون الرباط مصدر رابطت أي: التزمت، هذا آخر كلام القاضي وكله حسن

(1)

، وقال بعض العلماء: ولما كان المواظب على هذه الأفعال المذكورة متوقعا بها غفران الذنوب وزيادة حسناته ودخوله فيمن شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالمرابط الذي هو في نحر العدو ويتوقع بالرباط الشهادة والغفران، وقال الحافظ الدمياطي: إنما سميت هذه الأفعال رباطا لأنها تربط صاحبها، يعني: أن هذه الخصال تربط صاحبها أي تكفه عن المعاصي والمآثم

(2)

، وقال في حدائق الأولياء بعد سياق الحديث، ففيه رفع الدرجات بين طوائف الأمم السالفات ثم منازل الجنة تبع لذلك والمنازل الرفيعات

(3)

أ. هـ.

477 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من غَدا إِلَى الْمَسْجِد أَو رَاح أعد الله لَهُ فِي الْجنَّة نزلا كلما غَدا أَو رَاح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا

(4)

.

(1)

إكمال المعلم (2/ 55)، وشرح النووي على مسلم (3/ 141).

(2)

المتجر الرابح (ص 40).

(3)

حدائق الأولياء (2/ 101).

(4)

أخرجه البخاري (662)، ومسلم (285 - 669)، وابن خزيمة (1496)، وابن حبان (2037).

ص: 116

قوله: عن أبي هريرة، تقدم.

قوله: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله نزلا في الجنة كلما غدا أو راح" الحديث، الغدو هو الذهاب والرواح هو الرجوع، وقد استعمل الغدو والرواح في جميع النهار، وفي الأحاديث من هذا غدا بمعنى سار بالغدو، قاله عياض

(1)

أي: من أسرع إلى المسجد أولًا فأجره أعظم كما فى الجمعة من راح ولم يرد بالرواح آخر الليل بل أصل الرواح ما بعد الزوال، ويطلق على البكور والغداة

(2)

.

قوله: "أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح" والنزل بالضم ويجوز السكون ما يعد للضيف من الطعام والشراب عند قدومه، قال أهل اللغة: النزل ما يهييء للنزيل، والنزيل: الضيف، قال الشاعر:

نزيل القوم أعظمهم حقوقًا

وحق الله في حق النزيل

يعني: عادة الناس أن يقدموا طعامًا إلى من دخل بيوتهم والمسجد بيت الله، ومن دخله في أي وقت كان من ليل أو نهار يعطيه أجره من الجنة ولأن الله أكرم الكرماء فلا يضيع أجر المحسنين قاله في شرح المصابيح

(3)

.

تنبيه: فى قوله "كلما غدًا أو راح" الحديث فى بعضها أو راح باق، فإن قلت: ما الفرق بين المعنى فى الروايتين، قلت: على رواية الواو لابد من الأمرين حتى يعد له النزل وعلى أو يكفي أحدهما فى الأعداد، وقال بعضهم:

(1)

مشارق الأنوار (2/ 129).

(2)

انظر: النهاية (2/ 273)، والكواكب الدراري (5/ 48)، ونخب الأفكار (2/ 452).

(3)

المفاتيح (2/ 64).

ص: 117

الغدو والرواح في الحديث كالبكرة والعشي في قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}

(1)

يراد بهما الديمومة لا الوقتان المعلومان قاله الكرماني

(2)

. وقال العلماء: العشي يطلق من الزوال إلى نصف الليل كما أن الغدو يطلق على ما قبل الزوال، قال الأصحاب: لو حلف لا يتعشى حنث بالأكل بعد الزوال

(3)

والله أعلم.

478 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الغدو والرواح إِلَى الْمَسْجِد من الْجِهَاد فِي سَبِيل الله" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من طَرِيق الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة

(4)

.

قوله: عن أبي أمامة هو الباهلي واسمه صدى، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الغدو والرواح من المسجد من الجهاد في سبيل الله" الغدو السير في أول النهار إلى الزوال، والرواح السير من أول الزوال إلى آخر النهار

(5)

، وتقدم أيضًا على ذلك في الحديث قبله.

(1)

سورة مريم، الآية:62.

(2)

الكواكب الدراري (5/ 48).

(3)

العزيز شرح الوجيز (12/ 352)، وروضة الطالبين (11/ 89)، والقول التمام (ص 182)، وتحفة المحتاج (8/ 339) ونهاية المحتاج (7/ 214).

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 177 رقم 7739) والشاميين (879). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 29 - 30: رواه الطبراني في الكبير وفيه القاسم بن عبد الرحمن ثقة وفيه اختلاف. وقال الألبانى: موضوع ضعيف الترغيب (197).

(5)

النهاية (3/ 346 و 2/ 273).

ص: 118

479 -

وَعَن بُرَيْدَة رضي الله عنه: عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بشر الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلم إِلَى الْمَسَاجِد بِالنورِ التَّام يَوْم الْقِيَامَة" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حَدِيث غَرِيب

(1)

قالَ الْحَافِظ عبد الْعَظِيم رحمه الله وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِلَفْظ من حَدِيث أنس

(2)

.

قوله: عن بريدة، هو بريدة بن [الحصيب وتقدمت ترجمته].

قوله: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" وهذا أعني المشي في الظلم إنما يتعلق كثير ممن تعلق قلبه بالمساجد كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم رجل قلبه معلق بالمساجد، الحديث، قال النخعي: كانوا يرون المشي إلى المسجد في الليلة المظلمة ذات المطر والريح أنها موجبة

(3)

أي الجنة، وجمعها موجبات ومنه الحديث:"اللهم إني أسألك موجبات رحمتك"

(4)

.

480 -

وَعَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله ليضيء للَّذين يتخللون إِلَى الْمَسَاجِد فِي الظُّلم بنور سَاطِع يَوْم الْقِيَامَة" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط بِإِسْنَاد حسن

(5)

.

(1)

أخرجه أبو داود (561)، والترمذى (223). وقال الترمذى: هذا حديث غريب. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (315).

(2)

أخرجه ابن ماجه (781). وصححه الألباني في المشكاة (721 و 722)، وصحيح الترغيب (316).

(3)

شرح السنة (2/ 358).

(4)

النهاية (5/ 153).

(5)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 257 - 258 رقم 843)، وابن شاهين في الترغيب في =

ص: 119

قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله: "إن الله ليضيء للذين يتخللون إلى المساجد في الظلم بنور ساطع" الحديث.

التخلل: هو المشي إلى المساجد والمسارعة إليه.

481 -

وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "من مَشى فِي ظلمَة اللَّيْل إِلَى الْمَسْجِد لَقِي الله عز وجل بِنور يَوْم الْقِيَامَة" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

وَلَفظه: قَالَ من مَشى فِي ظلمَة اللَّيل إِلَى الْمَسَاجِد آتَاهُ الله نورا يَوْم الْقِيَامَة.

482 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ بشر المدلجين إِلَى الْمَسَاجِد فِي الظُّلم بمنابر من النُّور يَوْم الْقِيَامَة يفزع النَّاس وَلا يفزعون" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِي إِسْنَاده نظر

(2)

.

= الفضائل (93). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 30: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (317).

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (48) والمصنف 2/ 59 (6438)، وابن حبان (2046)، والطبراني فى الأوسط (5/ 69 رقم 4697) و (6/ 370 - 371 رقم 6644) والشاميين (3513). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 30: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. وقال: وفيه جنادة بن أبي خالد ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (318) و (424).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 142 رقم 7633 و 7634) و (8/ 293 رقم 8125) والشاميين (1033 و 1034). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 31: رواه الطبراني في الكبير وفيه سلمة العبسي عن رجل من أهل بيته ولم أجد من ذكرهما. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (198).

ص: 120

قوله: عن أبي أمامة، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "بشر المدلجين إلى المساجد في الظلم بمنابر من نور يوم القيامة" المدلج: هو الآتي إلى المسجد في الليل، يقال: أدلج المسافر إذا سافر من أول الليل

(1)

وسيأتي له نظائر، والظلم جمع ظلمة، والمنير هو المرتفع.

483 -

وَعَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "ليبشر المشاؤون فِي الظُّلم إِلَى الْمَسَاجِد بِالنورِ التَّام يَوْم الْقِيَامَة" رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ كذَا قَالَ

(2)

: قَالَ الْحَافِظ وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس

(3)

وَابْن عمر

(4)

وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ

(5)

.

(1)

النهاية (2/ 129).

(2)

أخرجه ابن ماجه (780)، وابن خزيمة (1498) و (1499)، والطبراني في الكبير (6/ 147 رقم 5800)، والحاكم (1/ 212 و 2/ 211). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني فى صحيح الترغيب (319) و (425).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 289 رقم 10689)، وأبو نعيم في المعرفة (4280)، والقضاعى في مسند الشهاب (756). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 30: رواه الطبراني في الكبير وفيه العباس بن عامر الضبي ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله موثقون.

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 358 رقم 13335) وأبو نعيم في المعرفة (4330). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 30: رواه الطبراني في الكبير، وفيه داود بن الزبرقان ضعفه ابن معين وابن المديني وأبو زرعة وقال البخاري: مقارب الحديث.

(5)

أخرجه الطيالسى (2326)، وأبو يعلى (1113)، والعقيلى في الضعفاء (3/ 105). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 30: رواه أبو يعلى وفيه عبد الحكم بن عبد الله وهو ضعيف.

ص: 121

وَزيد بن حَارِثَة

(1)

وَعَائِشَة

(2)

وَغَيرهم

(3)

.

484 -

عَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "المشاؤون إِلَى الْمَسَاجِد فِي الظُّلم أُولَئِكَ الخواضون فِي رَحْمَة الله تَعَالَى" رَوَاهُ ابْن مَاجَه

(4)

وَفِي إِسْنَاده إِسْمَاعِيل بن رَافع تكلم فِيهِ النَّاس وَقَالَ التِّرْمِذِيّ ضعفه بعض أهل الْعلم وَسمعت مُحَمَّدًا يَعْنِي البُخَارِيّ يَقُول هُوَ ثِقَة مقارب الحَدِيث.

(1)

أخرجه البغوي في معجم الصحابة (815)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 230)، والطبراني في الأوسط (5/ 28 رقم 4581) والكبير (5/ 86 رقم 4662). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 30: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه ابن لهيعة وهو مختلف في الاحتجاج به.

(2)

أخرجه العقيلى في الضعفاء (1/ 234)، والطبراني في الأوسط (2/ 68 رقم 1275). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 30: رواه الطبراني في الأوسط وفيه الحسن بن علي الشروي قال الذهبي: لا يعرف، وفي حديثه نكرة قال الأزدي: لا يتابع عليه.

(3)

أخرجه البزار (3074) عن أبي موسى. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 30 - 31: رواه الطبراني في الكبير والبزار وفيه محمد بن عبد الله بن عمير بن عبيد وهو منكر الحديث. وأخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (90) عن عمر بن الخطاب. وأخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (91) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1984) عن حارثة بن وهب.

(4)

أخرجه ابن ماجه (779)، وابن عدى في الكامل (1/ 453)، وابن شاهين في الفضائل (92)، وابن الجوزى في العلل (687). قال ابن الجوزى: قال يحيى إسماعيل بن رافع ليس بشيء قال النسائي متروك الحديث. وقال البوصيرى في الزجاجة 1/ 99: هذا إسناد ضعيف أبو رافع أجمعوا على ضعفه والوليد بن مسلم مدلس وقد عنعنه. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (199) والضعيفة (3059).

ص: 122

485 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: من خرج من بَيته متطهرًا إِلَى صَلَاة مَكْتُوبَة فَأَجره كَأَجر الْحَج الْمحرم وَمن خرج إِلَى تَسْبِيح الضُّحَى لا ينصبه إِلَّا إِيَّاه فَأَجره كَأَجر الْمُعْتَمِر وَصَلَاة على إِثْر صَلَاة لا لَغْو بَينهمَا كتاب فِي عليين رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي أُمَامَة

(1)

تَسْبِيح الضُّحَى يُرِيد صَلَاة الضُّحَى وكل صَلَاة يتَطَوَّع بهَا فَهِيَ تَسْبِيح وسبحة قَوْله لا ينصبه أَي لا يتعبه وَلابْن عجة إِلَا ذَلِك وَالنّصب بِفَتْح النُّون وَالصَّاد الْمُهْملَة جَمِيعًا هُوَ التَّعَب.

قوله: عن أبي أمامة، واسمه صدي بن عجلان الباهلي، تقدم.

قوله: "من خرج من بيته متطهرا على صلاة مكتوبة" أي على وضوء لأن المراد بالطهارة ذلك، والمراد بالصلاة المكتوبة المفروضة، قال الله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}

(2)

قيل: واجبًا [مفروضًا: مقدرًا في الحضر أربع ركعات، وفي السفر ركعتان، قال مجاهد: أي فرضا مؤقتا، وقته الله عليهم

(3)

، والله أعلم].

(1)

أخرجه أبو داود (558)، والروياني (1204)، والطبراني في الكبير (8/ 176 - 177 رقم 7734 و 7735) و (8/ 181 رقم 7752 و 7753 و 7754) و (8/ 182 رقم 7755) و (8/ 184 رقم 7763 و 7764)، وفي الأوسط (3/ 314 رقم 3262)، وفي مسند الشاميين (878) والبيهقى في الكبرى (3/ 89 رقم 4973). وحسنه الألباني في المشكاة (728) وصحيح أبي داود (567) وصحيح الترغيب (320 و 675).

(2)

سورة النساء، الآية:103.

(3)

تفسير البغوي (2/ 281 - 282).

ص: 123

قوله: "فأجره كأجر الحاج المحرم" فيراد الحاج بالمحرم لأن الحج في اللغة القصد ولأن الجمعة حج المساكين ثم اعلم، أن أجر المصلي لا يبلغ أجر الحاج بل أجر الحاج أكبر لكن لا يلزم المساواة بين المشبه والمشبه به من كل وجه يعني كما أن الحاج من لدن خروجه من بيته إلى أن يرجع يكتب له أجره بذلك المشي فكذلك المصلى لكن بينهما تفاوت

(1)

.

قوله: "ومن خرج إلى تسبيح الضحى" يريد صلاة الضحى: كل صلاة يتطوع بها فهي تسبيح وسبحة

(2)

، أ. هـ، قاله الحافظ.

وقال في الديباجة: سميت الصلاة سبحة وتسبيحا لما فيها من تعظيم الله وتنزيهه، قال الله تعالى:{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)}

(3)

الآية، أي: من المصلين، قاله عياض

(4)

.

قوله: "لا ينصبه إلا إياه"، أي: لا يتعبه ولا يزعجه إلا ذلك، والنصب بفتح النون والصاد المهملة جميعا هو التعب

(5)

، قاله المنذري.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين" الحديث، أثر بفتح الهمزة والثاء المثلثة ويجوز كسر الهمزة وسكون الثاء لغتان

(6)

؛

(1)

الميسر (1/ 215)، والمفاتيح (2/ 82).

(2)

معالم السنن (1/ 161).

(3)

سورة الصافات، الآية:143.

(4)

مشارق الأنوار (2/ 203 - 204).

(5)

معالم السنن (1/ 161).

(6)

المفاتيح (2/ 82).

ص: 124

واللغو هو: [الكلام الملغي الساقط] الباطل

(1)

.

قوله: وقوله "كتاب في عليين" وعليون اسم السماء السابعة، وقيل: هو اسم لديوان الملائكة الحفظة يرفع إليه أعمال الصالحين من العباد، وقيل: أراد أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله تعالى والدار الآخرة، قاله في النهاية

(2)

.

وقال في حادي الأرواح: قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18)}

(3)

الآية، فأخبر الله تعالى أن كتابكم كتاب مرقوم حقيقيا لكونه مكتوب كتابة حقيقية، وخص كتاب الأبرار بأنه يكتب ويوقع لهم به ويشهد المقربين من الملائكة والنبيين وسادات المؤمنين ولم يذكر شهادة هؤلاء لكتاب الفجار، قال الله تعالى:{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)}

(4)

الآية، تنويها بكتاب الأبرار وما وقع لهم به وإشهادا له وإظهارا بين خواص خلقه كما يكتب الملوك تواقيع من تعظمه من الأمراء وخواص أهل المملكة تنويها باسم المكتوب له وإشارة بذكره، وهذا نوع من صلاة الله سبحانه وتعالى وملائكته على عبده

(5)

، أ. هـ، والله أعلم.

(1)

شرح النووي على مسلم (6/ 138).

(2)

النهاية (3/ 294).

(3)

سورة المطففين، الآية:18.

(4)

سورة المطففين، الآية:7.

(5)

حادى الأرواح (ص 70).

ص: 125

قوله: رواه أبو داود من طريق القاسم بن عبد الرحمن، هو القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الكوفي قاضي الكوفة، ثقة كثير الحديث، لم يلق من الصحابة سوى جابر بن سمرة، وكان رجلا صالحا لا يأخذ على القضاء أجرًا، وقال أبو نعيم: ولي قضاء الكوفة بعد شريح، ثم أبو بردة بن موسى، ثم الشعبي، ثم القاسم بن عبد الرحمن، ثم محارب بن دثار؛ توفي سنة عشر ومائة، قاله ابن قانع

(1)

والله أعلم.

486 -

وَعنهُ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاثَة كلهم ضَامِن على الله إِن عَاشَ رزق وكفي وَإِن مَاتَ أدخلهُ الله الْجنَّة من دخل بَيته فَسلم فَهُوَ ضَامِن على الله وَمن خرج إِلَى الْمَسْجِد فَهُوَ ضَامِن على الله وَمن خرج فِي سَبِيل الله فَهُوَ ضَامِن على الله رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(2)

وَيَأْتِي أَحَادِيث من هَذَا النَّوْع فِي الْجِهَاد وَغَيره إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قوله: وعنه، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة كلهم ضامن على الله" الحديث. أي: على كل واحد منهم

(3)

، ولفظ الكل يقع على الواحد والجمع حملًا على اللفظ في الواحد

(1)

تهذيب الكمال (23/ 379 - 383 الترجمة 4799).

(2)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1094)، وأبو داود (2494)، وابن أبي عاصم في الجهاد (51)، وابن حبان (499). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2253)، "المشكاة"(727) وصحيح الترغيب (321 و 1317 و 1609).

(3)

بحر المذهب (13/ 202)، والمجموع المغيث (2/ 118).

ص: 126

وعلى الجمع في المعنى

(1)

.

وقوله: "ضامن على الله": أي صاحب ضمان كما يقال: [تامر ولابن] أي: مضمون على الله تعالى أي ضمن الله تعالى أن يدخله الجنة، يعني أنهم في رعاية الله تعالى.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من دخل بيته فسلم" أي: سلم إذا دخل بيته امتثالا لقوله تعالى وتبارك: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا}

(2)

الآية، ويحتمل أن يريد بذلك أنه يلزم بيته طلبا للسلامة من البتر يرغب بذلك العزلة ويأمن بالإقلال من الخلطة، قاله صاحب المغيث

(3)

.

487 -

وَعَن سلمَان رضي الله عنه: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من تَوَضَّأ فِي بَيته فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ أَتى الْمَسْجِد فَهُوَ زائر الله وَحقّ على المزور أَن يكرم الزائر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا جيد وروى الْبَيْهَقِيّ نَحوه مَوْقُوفا على أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَاد صَحِيح

(4)

.

(1)

المجموع المغيث (2/ 118).

(2)

سورة النور، الآية:61.

(3)

المجموع المغيث (2/ 118).

(4)

أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 89 - 90)، والطبراني في الكبير (6/ 253 رقم 6139) و (6/ 255 رقم 6145)، وابن جميع في المعجم (ص 324)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 325 - 326)، والخطيب في موضح أوهام الجمع (2/ 313). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 31: رواه الطبراني في الكبير وأحد إسناديه رجاله رجال الصحيح. وحسنه الألباني في الصحيحة (1169) وصحيح الترغيب (322).

ص: 127

488 -

وَرُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من خرج من بَيته إِلَى الصَّلَاة فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق السَّائِلين عَلَيْك وبحق ممشاي هَذَا فَإِنِّي لم أخرج أشرا وَلا بطرا وَلا رِيَاء وَلا سمعة وَخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أَن تعيذني من النَّار وَأَن تغْفر لي ذُنُوبِي إِنَّه لا يغْفر الذُّنُوب إِلَا أَنْت أقبل الله عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ واستغفر لَهُ سَبْعُونَ ألف ملك رَوَاهُ ابْن مَاجَه

(1)

قَالَ المملي رضي الله عنه وَيَأْتِي بَاب فِيمَا يَقُوله إِذا خرج إِلَى الْمَسْجِد إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ الْهَرَوِيّ إِذا قيل فعل فلَان ذَلِك أشرا وبطرا فَالْمَعْنى أَنه لج فِي البطر وَقَالَ الْجَوْهَرِي الأشر والبطر بِمَعْنى وَاحِد.

قوله: "عن أبي سعيد" هو الخدري، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا رياء ولا سمعة" قال الحافظ: قال الهروي إذا قيل فعل فلان ذلك أشرا وبطرا فالمعنى أنه لج في البطر

(2)

، وقال الجوهري: الأشر والبطر بمعنى واحد

(3)

، وقال بعض العلماء: الأشر البطر، وقيل: أشد البطر وهو الطغيان عند النعمة وطول الغنى

(4)

.

(1)

أخرجه أحمد 3/ 21 (11156) على الشك في رفعه، وابن ماجه (778)، وابن المنذر في الأوسط (1781)، والبغوى في الجعديات (2031) و (2032) موقوفا ومرفوعًا. وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 268). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (200) و (996) وزاد منكر، والضعيفة (24).

(2)

الغريبين (1/ 78).

(3)

الصحاح (2/ 579) و (2/ 592).

(4)

النهاية (1/ 51) و (1/ 135).

ص: 128

وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا رياء ولا سمعة" أي ليراه الناس ويسمعوه، أي: من عمل عملا مراءاة للناس ليشتهر بذلك ويعظم شهره الله يوم القيامة وكان ذلك ثوابه، وقيل معناه: من نسب إلى نفسه عملا صالحا لم يفعله أو ادعى خيرا لم يصنعه فإن الله يفضحه ويظهر كذبه

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا أقبل الله عليه بوجهه" المراد بإقبال الله تعالى على عبده هو [نظره إليه بالرحمة] والمراد بوجه الله قال هو [ذات الله وقيل:] أي: قبل عمله [وقيل: أثنى عليه بذلك وذكره لملائكته وأثابه وغفر له وقيل: لما كان المصلي يتوجه بوجهه وقصده وكليته إلى هذه الجهة نزلها في حقه وجود منزلة الله تعالى فيكون هذا من باب الاستعارة].

489 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أحب الْبِلَاد إِلَى الله تَعَالَى مساجدها وَأبْغض الْبِلَاد إِلَى الله أسواقها رَوَاهُ مُسلم

(2)

.

قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أحب البلاد إلى الله تعالى -أي المواضع- مساجدها" معناه: لأنها بيوت الطاعة أي الصلاة والذكر وأساسها التقوى.

قوله: "وأبغض البلاد إلى الله تعالى" أي المواضع.

وقوله: "أسواقها" لأنها مواضع الغفلة والحرص والطمع والخيانة والغش والخداع والرياء والأيمان الكاذبة وإخلاف الوعد والإعراض عن ذكر الله

(1)

النهاية (2/ 402).

(2)

أخرجه مسلم (288 - 671)، وابن خزيمة (1293)، وابن حبان (1600).

ص: 129

تعالى وغير ذلك مما في معناه، والمساجد محل نزول الرحمة، والأسواق ضدها، وسميت المساجد والأسواق بلادًا: لأن البلد عبارة عن مأوى الناس كذا في التحفة، ويجوز أن يكون محمولا على حذف المضاف أي: أحب أماكن البلاد وأبغض أماكن البلاد، والحب والبغض من الله تعالى إرادته الخير والشر وفعل ذلك بمن أسعده أو أشقاه والله أعلم.

490 -

وَعَن جُبَير بن مطعم رضي الله عنه أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله أَي الْبلدَانِ أحب إِلَى الله وَأي الْبلدَانِ أبْغض إِلَى الله قَالَ لا أَدْرِي حَتَّى أسأَل جِبْرِيل عليه السلام فَأَتَاهُ فَأخْبرهُ جِبْرِيل أَن أحسن الْبِقَاع إِلَى الله الْمَسَاجِد وَأبْغض الْبِقَاع إِلَى الله الأسْوَاق رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد (4/ 81)(16744)، والبزار (3430) و (3431)، وأبو يعلى (7403)، والطبراني في الكبير (2/ 128 رقم 1545 و 1546)، والحاكم 1/ 89 - 90 و 2/ 7، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 170). قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن جبير بن مطعم إلا بهذا الإسناد، وعبد الله بن محمد بن عقيل قد احتمل الناس حديثه، وقد بينا ما يجب في حديثه في غير هذا الموضع وقد روي هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه، فاجتزينا بحديث جبير إلا أن يزيد أحد ممن روى ذلك عن رسول الله فنخرج ذلك لعلة الزيادة، ولم يرو ابن عقيل عن محمد بن جبير غير هذا الحديث.

وصححه الحاكم وتعقبه الذهبى فقال: فيه زهير وهو ذو مناكير هذا منها وابن عقيل فيه لين. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 6: رواه البزار، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به، وله طريق من غير ذكر المساجد عند أحمد وأبي يعلى تأتي في البيع إن شاء الله. وقال في 4/ 76: رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني في الكبير هكذا، =

ص: 130

قوله: عن جبير بن مطعم، تقدم الكلام على مناقبه في اتباع الكتاب والسنة.

قوله: أن رجلا قال: يا رسول الله، أي البلدان أحب إلى الله؟، وأي البلدان أبغض إلى الله؟ قال:"لا أدري حتى أسأل جبريل" تقدم معنى الحب والبغض في الحديث قبله، وأما جبريل عليه الصلاة والسلام فهو أمين الوحي وخازن القدس، ويقال له الروح الأمين وروح القدس والناموس الأكبر وطاووس الملائكة، قال علماء التأويل: جبريل اسم وائل من أسماء الله تعالى فجيز بمنزلة عبد وائل. من أسماء الله تعالى فجيز بمنزلة عبد وائل هو الله تعالى، ومعناه: عبد الله، وقيل: تسع لغات، ستذكر في الجمعة إن شاء الله تعالى، وقد بينت أن جبريل عليه الصلاة والسلام كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي، وقال ابن عباس جبرائيل صاحب الوحي والعذاب إذا أراد الله تعالى أن يهلك قوما سلطه عليه كما فعل بقوم لوط، ولجبريل ستة أجنحة في كل جناح مائة جناح، وله مع ذلك جناحان لا ينشرهما إلا عند هلاك القرى، وقال ابن الكلبي: سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل أن يأتيه في صورته التي خلقه الله عليها فقال له: لا تستطيع أن تثبت، فقال:"بلى" فظهر له في ستمائة ألف جناح سد الأفق جناح منها، وقال أحمد بإسناده عن ابن مسعود قال:

= ورجال أحمد، وأبي يعلى، والبزار رجال الصحيح خلا عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو حسن الحديث، وفيه كلام. وقال ابن حجر في الفتح 2/ 110: أخرجه البزار وغيره ولا يصح إسناده. وحسنه في موافقة الخبر الخبر (1/ 11). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (325).

ص: 131

رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح كل جناج منها قد سد الأفق يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم، أخرجه أحمد في المسند، والتهاويل: الألوان المختلفة فشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرًا عظيمًا فصعق، وذلك معنى قوله تعالى:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)}

(1)

وقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: "إن الله وصفك بالقوة والطاعة والأمانة فأخبرني عن ذلك" فقال: أما قوتي فإني رفعت قرى قوم لوط من تخوم الأرض السابعة على ريشة من جناحي وصعدت بهم إلى السماء حتى سمع أهل السموات صياح الدجاج ونباح الكلاب ونهيق الحمير ثم قلبتها عليهم؛ وله عليه السلام قوة في طيرانه: فإن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لما ألقي في النار كان جبريل عند سدرة المنتهى فأدركه قبل أن يصل إلى النار، ولما ألقي يوسف في الجب كان جبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى أيضًا فأدركه قبل أن يصل إلى قعر الجب؛ وله قوة في صوته: فإنه صاح بثمود صيحة ماتوا كلهم منها، انتهى قاله في عجائب المخلوقات

(2)

؛ وأما طاعة المخلوقات لي فإنني آمر رضوان خازن الجنة متى شئت يفتحها وكذلك مالك خازن النار؛ وأما أمانتي فإن الله تعالى أنزل من السماء مائة كتاب وأربع كتب لم يأمن عليها غيري

(3)

أنزل منها على آدم عليه السلام إحدى وعشرين

(1)

سورة النجم، الآية:13.

(2)

عجائب المخلوقات (ص 57).

(3)

كنز الدرر (1/ 69).

ص: 132

صحيفة وأنزل منها على شيث تسعًا وعشرين صحيفة وأنزل منها على إدريس عليه السلام ثلاثين صحيفة وأنزل منها على إبراهيم عشرة صحف وأنزل منها على موسى قبل التوراة عشرة صحف، هذه مائة صحيفة، ثم أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود والفرقان على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ قال قتادة: وجميعها نزل بها جبريل عليه السلام في شهر رمضان

(1)

.

491 -

وَعَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَن رجلا سَأل النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَي الْبِقَاع خير وَأي الْبِقَاع شَرّ قَالَ لا أَدْرِي حَتَّى أسأَل جِبْرِيل عليه السلام فَسَأل جِبْرِيل فَقَالَ لا أَدْرِي حَتَّى أسأَل مِيكَائِيل فَجَاءَهُ فَقَالَ خير الْبِقَاع الْمَسَاجِد وَشر الْبِقَاع الأَسْوَاق" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(2)

.

قوله: عن عبد الله بن عمر، تقدم الكلام على فضائله.

(1)

أخرجه ابن حبان (361)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 166 - 167). وقال الألباني: ضعيف جدا - الضعيفة (1910 و 6090).

(2)

أخرجه الحارث (124)، وابن أبي شيبة في العرش (74)، وأبو يعلى كما في المطالب (350)، وابن المنذر في الأوسط (8255)، وابن حبان (1599)، والآجرى في أخلاق العلماء (ص 112 - 113)، والطبراني في الكبير (13/ 139 رقم 13798)، والحاكم 1/ 90 و 2/ 7 - 8. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 6): "رواه الطبراني في الكبير، وفيه عطاء بن السائب؛ وهو ثقة، ولكنه اختلط في آخر عمره، وبقية رجاله موثقون". قال البوصيرى في اتحاف الخيرة 2/ 27: وفي الحكم بصحته نظر فإن جرير بن عبد الحميد سمع من عطاء بعد اختلاطه، قاله أحمد بن حنبل وشيخه يحيى بن سعيد القطان كما بينته في تبين حال المختلطين. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (201).

ص: 133

قوله: إن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي البقاع خير، وأي البقاع شر؟ الحديث؛ فلا يقتضي وصف البقاع بالشر عدم صحة الصلاة فيها، ولعلها شر بالنسبة إلى أنها محل الشيطان، أ. هـ قاله الزركشي

(1)

.

قوله: قال "لا أدري حتى أسأل جبريل" قال جبريل: لا أدري حتى أسأل ميكائيل؛ الحديث تقدم الكلام على مناقب جبريل، وأما ميكائيل عليه الصلاة والسلام فهو ملك عظيم، لو فتح فاه لم تكن السموات والأرض فيه إلا كخردلة ملقاة في وسط الفلاة، ولو أشرف على أهل السموات والأرض لاحترقوا من نوره وهو موكل بالأرزاق، أرزاق الخلائق والحكمة للنفوس

(2)

، وقال ابن عباس: أول من امتنع من الملائكة من الضحك ميكائيل، وقال أحمد بإسناده عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل عليه السلام:"ما لي لا أرى ميكائيل ضاحكًا" فقال: "ما ضحك منذ خلقت النار"

(3)

والله أعلم.

492 -

وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل أَي الْبِقَاع خير قَالَ لا أَدْرِي قَالَ فاسأل عَن ذَلِك رَبك عز وجل قَالَ فَبكى جِبْرِيل

(1)

إعلام الساجد (ص 384).

(2)

عجائب المخلوقات (ص 58).

(3)

أخرجه أحمد (13343)، وابن أبي الدنيا في صفة النار (219)، والآجرى في الشريعة (932)، وأبو الشيخ في العظمة (384). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 385: رواه أحمد من رواية إسماعيل بن عياش، عن المدنيين وهي ضعيفة، وبقية رجاله ثقات. وحسنه الألباني في الصحيحة (2511) وصحيح الترغيب (3664).

ص: 134

-عليه السلام وَقَالَ يَا مُحَمَّد وَلنَا أَن نَسْأَلهُ هُوَ الَّذِي يخبرنا بِمَا يَشَاء فعرج إِلَى السَّمَاء ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ خير الْبِقَاع بيُوت الله فِي الأرْض قَالَ فَأَي الْبِقَاع شَرّ فعرج إِلَى السَّمَاء ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ شَرّ الْبِقَاع الأسواق رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط

(1)

.

قوله: عن أنس، تقدم الكلام على ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم لجبريل: "أي البقاع خير؟ " فذكر الحديث، إلى أن قال:"فعرج إلى السماء ثم أتاه" الحديث، عرج بفتح العين والراء، ويروي بضم العين وكسر الراء، ومعناه: ارتقى والمعراج المدرج، وقيل: سلم تعرج فيه الأرواح قاله عياض

(2)

والله أعلم.

خاتمة فيها بشرى لأهل المساجد: ورد في الخبر "إذا كان يوم القيامة يأتي قوم فيقفون على الصراط ولا يتجاسرون بالمرور عليه فيبكون ويأتي جبريل فيقول لهم: ما منعكم عن العبور؟ فيقولون: نخاف من النار، فيقول جبريل: إذا استقبلتم في النار بحر عميق، كيف عبرتموه، فيقولون بالسفن، فيؤتي بالمساجد التي صلوا فيها كهيئة السفن فيعبرون الصراط، فيقال: هذه المساجد التي صليتم فيها بالجماعة" قاله ابن الفرات في تاريخه.

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 154 - 155 رقم 7140) ومن طريقه ابن حجر في موافقة الخبر الخبر (1/ 9). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عمار بن عمارة، وهو أبو هاشم صاحب الزعفران، إلا عبيد بن واقد. قال الهيثمي في المجمع (2/ 6 و 4/ 76): رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبيد بن واقد القيسي وهو ضعيف. وقال ابن حجر: قلت: وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (6500) وضعيف الترغيب (202).

(2)

مطالع الأنوار (4/ 399).

ص: 135