المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(203) باب جواز حمل الصبيان في الصلاة وأن ثيابهم محمولة على الطهارة حتى تتحقق نجاستها وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وكذا إذا فرق الأفعال - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٣

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(179) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(180) باب القراءة في الصبح والمغرب

- ‌(181) باب القراءة في العشاء

- ‌(182) باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام

- ‌(183) باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام

- ‌(184) باب متابعة الإمام والعمل بعده

- ‌(185) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(186) باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود

- ‌(187) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(188) باب فضل السجود والحث عليه

- ‌(189) باب أعضاء السجود، والنهي عن كف الشعر والثوب

- ‌(190) باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض

- ‌(191) باب ما يجمع صفة الصلاة، وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع، والاعتدال منه، والسجود والاعتدال منه، والتشهد بعد كل ركعتين من الرباعية، وصفة الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول

- ‌(192) باب سترة المصلي والندب إلى الصلاة خلف سترة والنهي عن المرور بين يدي المصلي، وحكم المرور ودفع المار وجواز الاعتراض بين يدي المصلي، والصلاة إلى الراحلة والأمر بالدنو من السترة، وبيان قدر السترة وما يتعلق بذلك

- ‌(193) باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه

- ‌كتاب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌(194) باب الأرض كلها مسجد وتربتها طهور

- ‌(195) بناء مسجد المدينة - والصلاة في مرابض الغنم

- ‌(196) باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة

- ‌(197) باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌(198) باب فضل بناء المساجد والحث عليها

- ‌(199) باب وضع الأيدي على الركب في الركوع

- ‌(200) باب جواز الإقعاء على العقبين

- ‌(201) باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان

- ‌(202) باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه وجواز العمل القليل في الصلاة

- ‌(203) باب جواز حمل الصبيان في الصلاة وأن ثيابهم محمولة على الطهارة حتى تتحقق نجاستها وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وكذا إذا فرق الأفعال

- ‌(204) باب الخطوة والخطوتين في الصلاة، وأنه لا كراهة في ذلك إذا كان لحاجة وجواز صلاة الإمام على موضع أرفع من المأمومين للحاجة كتعليمهم الصلاة أو غير ذلك

- ‌(205) باب كراهة الاختصار في الصلاة

- ‌(206) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة

- ‌(207) باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها والنهي عن بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه

- ‌(208) باب جواز الصلاة في النعلين

- ‌(209) باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام

- ‌(210) باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الحدث ونحوه

- ‌(211) باب نهي من أكل ثومًا أو بصلاً أو كراثًا أو نحوها مما له رائحة كريهة عن حضور المسجد حتى تذهب تلك الريح، وإخراجه من المسجد

- ‌(212) باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد

- ‌(213) باب السهو في الصلاة والسجود له

- ‌(214) باب سجود التلاوة

- ‌(215) باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين

- ‌(216) باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته

- ‌(217) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌(218) باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم

- ‌(219) باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته

- ‌(220) باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة

- ‌(221) باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيًّا

- ‌(222) باب متى يقوم الناس للصلاة

- ‌(223) باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة

- ‌(224) باب أوقات الصلوات الخمس

- ‌(225) باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى الجماعة ويناله الحر في طريقه

- ‌(226) باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر

- ‌(227) باب استحباب التبكير بالعصر

- ‌(228) باب التغليظ في تفويت صلاة العصر

- ‌(229) باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر

- ‌(230) باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما

- ‌(231) باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس

- ‌(232) باب وقت العشاء وتأخيرها

- ‌(233) باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها

- ‌(234) باب كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام

- ‌(235) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها وأنها فرض كفاية

- ‌(236) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر

- ‌(237) باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات [وأين يقف الصبي والمرأة من الإمام]

- ‌(238) باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعة، وفضل انتظار الصلاة، وكثرة الخطا إلى المساجد، وفضل المشي إليها، وفضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح، وفضل المساجد

- ‌(239) باب من أحق بالإمامة

- ‌(240) باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائمًا

- ‌(241) باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها

- ‌كتاب صلاة المسافرين

- ‌(242) باب قصر الصلاة

- ‌(243) باب الصلاة في الرحال في المطر

- ‌(244) باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت به

- ‌(245) باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌(246) باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال واستحباب وقوف المأموم يمين الإمام

- ‌(247) باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة

- ‌(248) باب ما يقول إذا دخل المسجد

- ‌(249) باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات، واستحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه

- ‌(250) باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان

- ‌(251) باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما

- ‌(252) باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن

- ‌(253) باب جواز النافلة قائمًا وقاعدًا وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا

- ‌(254) باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة

- ‌(255) باب الترغيب في قيام الليل وهو التراويح وباب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر وبيان دليل من قال: إنها ليلة سبع وعشرين

- ‌(256) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل

- ‌(257) باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل

- ‌(258) باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت

- ‌(259) باب استحباب صلاة النافلة في البيت

- ‌(260) باب فضيلة العمل الدائم والأمر بالاقتصاد في العبادة وأمر من لحقه نوم أو ملل أن يترك حتى يذهب عنه

- ‌(261) باب فضائل القرآن وما يتعلق به وباب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها

- ‌(262) باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن

- ‌(263) باب نزول السكينة لقراءة القرآن

- ‌(264) باب فضيلة حافظ القرآن

- ‌(265) باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل

- ‌(266) باب فضل استماع القرآن والبكاء والتدبر عنده

- ‌(267) باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وفضل قراءة سورة البقرة وآل عمران والفاتحة والكهف وآية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين وفضل قراءة القرآن في الصلاة وغيرها

- ‌(268) باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه

الفصل: ‌(203) باب جواز حمل الصبيان في الصلاة وأن ثيابهم محمولة على الطهارة حتى تتحقق نجاستها وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وكذا إذا فرق الأفعال

(203) باب جواز حمل الصبيان في الصلاة وأن ثيابهم محمولة على الطهارة حتى تتحقق نجاستها وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وكذا إذا فرق الأفعال

1029 -

عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن الربيع فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها؟ قال يحيى: قال مالك: نعم.

1030 -

عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص وهي ابنة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها.

1031 -

عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي للناس وأمامة بنت أبي العاص على عنقه فإذا سجد وضعها.

1032 -

عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: بينا نحن في المسجد جلوس خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديثهم. غير أنه لم يذكر أنه أم الناس في تلك الصلاة.

-[المعنى العام]-

أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف من رجال مكة المعدودين مالاً وأمانة وتجارة، وأمه هدلة وقيل هند بنت خويلد أخت خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها وأمها، ومن المعلوم أن خديجة ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الذكور ماتوا جميعًا أطفالاً وولدت له أربع إناث كبراهن زينب وصغراهن فاطمة وبينهما رقية وأم كلثوم.

أما زينب فقد تزوجت من أبي العاص بن الربيع قبل البعثة بناء على طلب خديجة من رسول

ص: 158

الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يحب مخالفتها، فلما أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت به خديجة وبناته الأربع، وثبت أبو العاص زوج زينب على شركه. أما رقية وأم كلثوم فكان قد تزوجهما قبل البعثة عتبة وعتيبة ابنا أبي لهب، فلما أنذر صلى الله عليه وسلم عشيرته ونزل قوله تعالى:(تبت يدا أبي لهب وتب) فارق عتبة وعتيبة رقية وأم كلثوم، وكانا لم يدخلا بهما، وتزوجت رقية عثمان بن عفان، وهاجرت معه الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وتوفيت رقية عند عثمان أثناء غزوة بدر الكبرى، أما أم كلثوم وفاطمة فقد هاجرتا إلى المدينة عقب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فلما توفيت رقية تزوج عثمان أم كلثوم سنة ثلاث من الهجرة، وماتت عنده سنة تسع من الهجرة، ولم تلد له وتزوج على فاطمة بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهي الوحيدة من أولاده صلى الله عليه وسلم التي مات قبلها إذ ماتت بعده بستة أشهر.

ونعود إلى زينب وقد هاجر أبوها وأخواتها إلى المدينة، وبقيت مع زوجها المشرك بمكة. فلما كان يوم بدر أسر زوجها أبو العاص بن الربيع ضمن أسرى بدر، وأرسل أهل الأسرى من قريش بفداء أسراهم، وأرسلت زينب تفتدي زوجها، أرسلت مالاً وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة رضي الله عنها أدخلتها بها على أبي العاص حين تزوجها، تقول عائشة رضي الله عنها: فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق رقة شديدة، وقال لأصحابه: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فافعلوا. قالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها. وأخذ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد أن يخلي سبيل زينب لتهاجر إلى المدينة، فوفى أبو العاص بعهده، ولحقت بأبيها في المدينة ومعها طفلتها الرضيع "أمامة" صاحبة القصة.

ووقع أبو العاص مرة ثانية في الأسر، وتذكرت زينب حسن عشرته ووفاءه، تذكرت أنه بعد أن فارق عتبة وعتيبة أختيها ذهبت قريش إلى أبي العاص تقول له: فارق ابنة محمد وننكحك أي نساء العرب شئت. فقال: لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش. ذكرت أنه لم يتزوج عليها على الرغم من كثرة زواج العرب، ذكرت وفاءه بعهده لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإرسالها إلى أبيها وصبره على بعدها. ذكرت كل ذلك فبرزت من طاقة في بيتها تطل على المسجد والمسلمون في صلاة الفجر، فقالت: أيها الناس. قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فلما انتهوا من الصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلمون ذمة واحدة يجير عليهم أدناهم، وأطلق سراح أبا العاص بن الربيع مرة ثانية، وكانت عنده أمانات وأموال لقريش، فذهب إلى مكة ورد أمانات الناس وأموالهم ثم أعلن إسلامه وهاجر إلى المدينة قبل الفتح، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه زينب على النكاح الأول، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليه في مصاهرته، ولم تطل عشرة زينب معه فتوفيت سنة تسع من الهجرة، ولم يعش بعدها أبو العاص طويلاً. إذ توفي في خلافة أبي بكر، أما "أمامة" صاحبة القصة فقد تزوجها "علي" كرم الله وجهه بعد وفاة فاطمة بوصية من فاطمة قبل وفاتها. قال الحافظ ابن حجر: ولم تعقب.

لقد أطلت في ذكر الظروف المحيطة بالحديث، وبدون شعور أجدني منساقًا إلى السيرة العطرة كلما طرقت بابها، وأجدني آثمًا لو حاولت حذف شيء مما كتبت عنها. ومن هذه الظروف يتضح لنا كيف ومتى وصلت "أمامة" لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غيبة وإشفاق على أمها؟ ومدى ما يتصوره قلب والد

ص: 159

أو جد من عطف على أطفال بنته وحب لهم فضلاً عمن قال فيه ربه {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128] أضف إلى ذلك أنه معلم البشرية يحب أن يستأصل من عادات الجاهلية تفضيل الذكور وحبهم دون الإناث، فيضرب لهم المثل الأعلى في عطفه وحبه للبنت حتى يضعها فوق رقبته وهو يعبد الله ويصلي بالناس، ولو أنه استطاع أن لا يزعجها وأن لا يكسر بخاطرها لحظة لفعل، ولكن حركات الصلاة تحول دون ذلك فكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يركع أخذها بيديه من عاتقه ووضعها على الأرض بين يديه ثم ركع ثم رفع ثم سجد ثم جلس بين السجدتين ثم سجد الثانية ثم وضعها على عاتقه وقام بها، وهكذا حتى انتهت الصلاة. ورأى الصحابة المثل الأعلى في الرحمة والحب والعطف والشفقة والتكريم والإكرام فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

-[المباحث العربية]-

(كان يصلي) هذه العبارة تشعر بتكرار الفعل بخلاف ما لو قال "صلى" لكن هذا التعبير غير مراد به التكرار وإن أشعر بذلك، حيث لم يتكرر منه صلى الله عليه وسلم ذلك.

(وهو حامل أمامة) قال الحافظ ابن حجر: المشهور في الروايات بتنوين "حامل" ونصب "أمامة" وروي بالإضافة، كما قرئ {إن الله بالغ أمره} [الطلاق: 3] و"أمامة" بضم الهمزة وتخفيف الميمين.

(بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم "بنت" الأولى منصوب صفة لأمامة و"بنت" الثانية مجرور صفة لزينب.

(ولأبي العاص بن الربيع) أي "أمامة" بنت لزينب وبنت لأبي العاص بن الربيع، فالإضافة في "بنت زينب" بمعنى اللام التي ظهرت في المعطوف، وأبو العاص بن الربيع اسمه لقيط وقيل مقسم وقيل القاسم، وهو مشهور بكنيته أسلم قبل الفتح وهاجر وكانت وفاته في خلافة أبي بكر، وأشار ابن العطار إلى الحكمة في نسبة أمامة أولاً إلى أمها على غير المعتاد، فقال: الحكمة في ذلك كون والد أمامة كان إذ ذاك مشركًا، فنسبت إلى أمها، تنبيهًا على أن الولد ينسب إلى أشرف أبويه دينًا ونسبًا، ثم بين أنها من أبي العاص تبيينًا لحقيقة نسبها. اهـ وهذا الكلام في ظاهره حسن وجميل حسب الحكم الشرعي الذي استقر أخيرًا بالمدينة، ولكن من المستبعد أن يقصد أبو قتادة هذا المقصد حيث كان آنذاك كثير من أبناء المشركين الذين أسلمت أمهاتهم وفرق الإسلام بين الأمهات والآباء بعد نزول سورة الممتحنة وقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} [الممتحنة: 10] لم يعرف أن أبناء هؤلاء المؤمنات نسبوا إليهن آنذاك ولم ينسبوا لآبائهم الكفار. والذي أراه أن السبب في ذلك هو أن زينب آنذاك كانت عند أبيها بالمدينة

ص: 160

وأن أبا العاص كان مشركًا بمكة، وكان كل من رأى أمامة وسأل عنها قيل: بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تكريمًا لها وحبًا لحب جدها فجرى على لسان الناس هذه النسبة، لا قصد الشرع، ولكن بحكم جريان الألسنة، ولما لم يستسغ الراوي الاكتفاء بهذه النسبة نسبها النسب الحقيقي لأبيها وهو مشرك، ولو قصد الشرع ما نسبها النسبة الثانية. يؤكد ما ذهبت إليه أن الرواية الثالثة من رواياتنا نسبتها إلى أبيها فقط، وأن الرواية الثانية عكست نسبة الرواية الأولى، فنسبتها إلى أبيها أولاً ثم زادتها تعريفًا بنسبتها إلى أمها. والله أعلم.

-[فقه الحديث]-

يجتهد العلماء في توجيه هذا الحديث لدلالته على وقوع الحركات الكثيرة في الصلاة مما يتنافى وما تقرر من أن الحركات الكثيرة تبطلها، فبعضهم يرى:

1 -

أن ذلك العمل منه صلى الله عليه وسلم لم يكن عن عمد فيقول الخطابي: يشبه أن يكون الصبية كانت قد ألفته، فإذا سجد تعلقت بأطرافه والتزمته فينهض من سجوده، فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها قال: هذا وجهه عندي. وتوضيح وجهه أنه يقصد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفعها وكل أعماله أنه كان يضعها عند الركوع، وهذا العمل قليل معفو عنه، وقريب من هذا القول قول ابن دقيق العيد، إذ قال: من المعلوم أن لفظ حمل لا يساوي لفظ وضع في اقتضاء فعل الفاعل. لأنا نقول: فلان حمل كذا، ولو كان غيره حمله، بخلاف وضع، فعلى هذا فالفعل الصادر منه هو الوضع لا الرفع، فيقل العمل. اهـ وكان ابن دقيق العيد يشرح الرواية الأولى في بابنا وهي في البخاري ولم يكن اطلع على روايتنا الثانية، فلما اطلع عليها قال رحمه الله وقد كنت أحسب هذا التوجيه حسنًا إلى أن رأيت في بعض طرق الحديث الصحيحة "وإذا رفع من السجود أعادها". اهـ وهذه الرواية ترد كذلك توجيه الخطابي، وأصرح منها في ذلك رواية أبي داود وهي "أخذها فردها في مكانها" ورواية أحمد "وإذا قام حملها فوضعها على رقبته".

2 -

وبعضهم يرى أن ذلك كان في النافلة، فيغتفر فيها ما لا يغتفر في الفريضة، روى ذلك ابن القاسم عن مالك، ورده العلماء بأنه تأويل بعيد، قال المازري: لأن إمامته صلى الله عليه وسلم بالناس في النافلة ليست بمعهودة ويعارضه صريح بعض الروايات، فعند أبي داود "بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر وقد دعاه بلال إلى الصلاة إذ خرج علينا وأمامة على عاتقه، فقام في مصلاه، فقمنا خلفه، فكبر فكبرنا وهي في مكانها".

3 -

وبعضهم يرى أن ذلك جاز للضرورة. قال القرطبي: روى أشهب وعبد الله بن نافع عن مالك أن ذلك للضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها. اهـ وزاد بعض أصحابه، فقالوا لأنه لو تركها لبكت وشغلت سره في صلاته أكثر من شغله بحملها، وزاد بعض أصحابه أيضًا، فقال الباجي: إن وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة دون الفريضة، وإن لم يجد جاز فيهما. اهـ وهذا مردود برواية

ص: 161

خروجه بها من البيت، وأمها في الأغلب فيه، وبجوار بيتها بيت عائشة وسودة. فالضرورة مستبعدة، ولا دليل عليها.

4 -

وقال بعضهم: إن هذا منسوخ، قال القرطبي: روى عبد الله بن يوسف التنبسي عن مالك أن الحديث منسوخ، ولفظه: قال التنبسي قال مالك عندما سئل: من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ناسخ ومنسوخ وليس العمل على هذا. اهـ ووجهه ابن عبد البر بقوله: لعله نسخ بتحريم العمل في الصلاة. قال الحافظ ابن حجر: وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وبأن هذه القصة كانت بعد قوله صلى الله عليه وسلم "إن في الصلاة لشغلاً" لأن ذلك كان قبل الهجرة [انظر حديث ابن مسعود في الباب قبل السابق ففيه أنه كان قبل الهجرة بثلاث سنين] وهذه القصة كانت بعد الهجرة قطعًا بمدة مديدة [راجع المعنى العام لهذا الحديث لترى أن زينب وبنتها جاءتا المدينة بعد بدر بمدة].

5 -

وبعضهم يرى أن ذلك كان من خصوصياته صلى الله عليه وسلم وقال: كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم [لكونه كان معصومًا من أن تبول وهو حاملها]، ورد بأن الأصل عدم الاختصاص وبأنه لا يلزم من ثبوت الاختصاص في أمر ثبوته في أمر غيره بغير دليل، ولا مدخل للقياس في ذلك. ذكره القاضي عياض.

6 -

ومن هذا العرض يتبين أن الذي تولى حملة الرد هم المالكية وجمهور العلماء على أن مثل هذا العمل المتفرق لا يضر الصلاة. قال النووي: كل هذه الدعاوى باطلة ومردودة، فإنه لا دليل عليها، ولا ضرورة إليها، بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع، فالأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانًا للجواز. اهـ

وقال أيضًا في المجموع: أما حكم المسألة فمختصر ما قال أصحابنا أن الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرًا متواليًا أبطل الصلاة بلا خلاف، ثم قال: واختلفوا في حد الكثير والتوالي. والصحيح المشهور وبه قطع الجمهور أن الرجوع في الكثرة والقلة إلى العادة والعرف. فلا يضر ما يعده الناس قليلاً كالإشارة برد السلام، ورفع العمامة ووضعها، ولبس ثوب خفيف ونزعه، وحمل صغير ووضعه. وخطوة واحدة أو خطوتان، وأشباه هذا. ثم قال: واتفق الأصحاب على أن الكثير إنما يبطل إذا توالى، فإن تفرق بأن خطا خطوة ثم سكت زمنًا، ثم خطا أخرى، أو خطوتين ثم خطوتين بينهما زمن، وتكرر ذلك مرات كثيرة حتى بلغ مائة خطوة فأكثر لم يضر بلا خلاف، وحد التفريق أن يجد الفعل الثاني منقطعًا عن الأول. انتهى بتصرف.

وظاهر الحديث أن الآدمي وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته. قال النووي: ودلائل الشرع متظاهرة على هذا.

-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-

1 -

قال ابن بطال: أراد البخاري أن حمل المصلي الجارية إذا كان لا يضر الصلاة فمرورها بين يديه لا يضر، لأن حملها أشد من مرورها، وأشار إلى نحو هذا الاستنباط الشافعي.

ص: 162

2 -

وفي الحديث دليل واضح على حسن معاملة الإسلام للإناث، قال الفكهاني: وكأن السر في حمله صلى الله عليه وسلم أمامة في الصلاة أن يدفع ما كانت العرب تألفه من كراهة البنات وحملهن، فخالفهم في ذلك حتى في الصلاة للمبالغة في ردعهم.

3 -

واستدل به على جواز إدخال الصبيان في المساجد.

4 -

وأن لمس الصغار الصبايا غير مؤثر في الطهارة. قاله الحافظ ابن حجر. وفيه نظر لأن الصبية هنا ليست أجنبية فهي بنت بنته واللمس الضار بالوضوء لمس الأجنبية.

5 -

وأن الصلاة لا تبطل بحمل آدمي وكذا بحمل حيوان طاهر، وللشافعية تفصيل بين المستجمر وغيره.

6 -

واستدل به على ترجيح العمل بالأصل على الغالب.

7 -

وفيه تواضعه صلى الله عليه وسلم وشفقته على الأطفال وإكرامه لهم جبرًا لهم ولوالديهم.

واللَّه أعلم

ص: 163