المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(240) باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائما - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٣

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(179) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(180) باب القراءة في الصبح والمغرب

- ‌(181) باب القراءة في العشاء

- ‌(182) باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام

- ‌(183) باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام

- ‌(184) باب متابعة الإمام والعمل بعده

- ‌(185) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(186) باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود

- ‌(187) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(188) باب فضل السجود والحث عليه

- ‌(189) باب أعضاء السجود، والنهي عن كف الشعر والثوب

- ‌(190) باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض

- ‌(191) باب ما يجمع صفة الصلاة، وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع، والاعتدال منه، والسجود والاعتدال منه، والتشهد بعد كل ركعتين من الرباعية، وصفة الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول

- ‌(192) باب سترة المصلي والندب إلى الصلاة خلف سترة والنهي عن المرور بين يدي المصلي، وحكم المرور ودفع المار وجواز الاعتراض بين يدي المصلي، والصلاة إلى الراحلة والأمر بالدنو من السترة، وبيان قدر السترة وما يتعلق بذلك

- ‌(193) باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه

- ‌كتاب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌(194) باب الأرض كلها مسجد وتربتها طهور

- ‌(195) بناء مسجد المدينة - والصلاة في مرابض الغنم

- ‌(196) باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة

- ‌(197) باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌(198) باب فضل بناء المساجد والحث عليها

- ‌(199) باب وضع الأيدي على الركب في الركوع

- ‌(200) باب جواز الإقعاء على العقبين

- ‌(201) باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان

- ‌(202) باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه وجواز العمل القليل في الصلاة

- ‌(203) باب جواز حمل الصبيان في الصلاة وأن ثيابهم محمولة على الطهارة حتى تتحقق نجاستها وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وكذا إذا فرق الأفعال

- ‌(204) باب الخطوة والخطوتين في الصلاة، وأنه لا كراهة في ذلك إذا كان لحاجة وجواز صلاة الإمام على موضع أرفع من المأمومين للحاجة كتعليمهم الصلاة أو غير ذلك

- ‌(205) باب كراهة الاختصار في الصلاة

- ‌(206) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة

- ‌(207) باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها والنهي عن بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه

- ‌(208) باب جواز الصلاة في النعلين

- ‌(209) باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام

- ‌(210) باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الحدث ونحوه

- ‌(211) باب نهي من أكل ثومًا أو بصلاً أو كراثًا أو نحوها مما له رائحة كريهة عن حضور المسجد حتى تذهب تلك الريح، وإخراجه من المسجد

- ‌(212) باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد

- ‌(213) باب السهو في الصلاة والسجود له

- ‌(214) باب سجود التلاوة

- ‌(215) باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين

- ‌(216) باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته

- ‌(217) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌(218) باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم

- ‌(219) باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته

- ‌(220) باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة

- ‌(221) باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيًّا

- ‌(222) باب متى يقوم الناس للصلاة

- ‌(223) باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة

- ‌(224) باب أوقات الصلوات الخمس

- ‌(225) باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى الجماعة ويناله الحر في طريقه

- ‌(226) باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر

- ‌(227) باب استحباب التبكير بالعصر

- ‌(228) باب التغليظ في تفويت صلاة العصر

- ‌(229) باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر

- ‌(230) باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما

- ‌(231) باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس

- ‌(232) باب وقت العشاء وتأخيرها

- ‌(233) باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها

- ‌(234) باب كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام

- ‌(235) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها وأنها فرض كفاية

- ‌(236) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر

- ‌(237) باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات [وأين يقف الصبي والمرأة من الإمام]

- ‌(238) باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعة، وفضل انتظار الصلاة، وكثرة الخطا إلى المساجد، وفضل المشي إليها، وفضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح، وفضل المساجد

- ‌(239) باب من أحق بالإمامة

- ‌(240) باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائمًا

- ‌(241) باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها

- ‌كتاب صلاة المسافرين

- ‌(242) باب قصر الصلاة

- ‌(243) باب الصلاة في الرحال في المطر

- ‌(244) باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت به

- ‌(245) باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌(246) باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال واستحباب وقوف المأموم يمين الإمام

- ‌(247) باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة

- ‌(248) باب ما يقول إذا دخل المسجد

- ‌(249) باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات، واستحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه

- ‌(250) باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان

- ‌(251) باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما

- ‌(252) باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن

- ‌(253) باب جواز النافلة قائمًا وقاعدًا وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا

- ‌(254) باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة

- ‌(255) باب الترغيب في قيام الليل وهو التراويح وباب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر وبيان دليل من قال: إنها ليلة سبع وعشرين

- ‌(256) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل

- ‌(257) باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل

- ‌(258) باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت

- ‌(259) باب استحباب صلاة النافلة في البيت

- ‌(260) باب فضيلة العمل الدائم والأمر بالاقتصاد في العبادة وأمر من لحقه نوم أو ملل أن يترك حتى يذهب عنه

- ‌(261) باب فضائل القرآن وما يتعلق به وباب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها

- ‌(262) باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن

- ‌(263) باب نزول السكينة لقراءة القرآن

- ‌(264) باب فضيلة حافظ القرآن

- ‌(265) باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل

- ‌(266) باب فضل استماع القرآن والبكاء والتدبر عنده

- ‌(267) باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وفضل قراءة سورة البقرة وآل عمران والفاتحة والكهف وآية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين وفضل قراءة القرآن في الصلاة وغيرها

- ‌(268) باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه

الفصل: ‌(240) باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائما

(240) باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائمًا

1319 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه "سمع الله لمن حمده. ربنا ولك الحمد" ثم يقول وهو قائم "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين. اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف. اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان وعصية، عصت الله ورسوله" ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} [آل عمران: 128].

1320 -

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي إلى قوله "واجعلها عليهم كسني يوسف" ولم يذكر ما بعده.

1321 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في صلاة شهرًا إذا قال "سمع الله لمن حمده" يقول في قنوته "اللهم أنج الوليد بن الوليد. اللهم نج سلمة بن هشام. اللهم نج عياش بن أبي ربيعة. اللهم نج المستضعفين من المؤمنين. اللهم اشدد وطأتك على مضر. اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف". قال أبو هريرة: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد. فقلت: أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم. قال فقيل: وما تراهم قد قدموا؟ .

1322 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يصلي العشاء إذ قال "سمع الله لمن حمده" ثم قال قبل أن يسجد "اللهم نج عياش بن أبي ربيعة" ثم ذكر بمثل حديث الأوزاعي إلى قوله "كسني يوسف" ولم يذكر ما بعده.

1323 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: والله لأقربن بكم صلاة رسول الله

ص: 412

صلى الله عليه وسلم فكان أبو هريرة يقنت في الظهر، والعشاء الآخرة، وصلاة الصبح، ويدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار.

1324 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحًا، يدعو على رعل وذكوان ولحيان وعصية عصت الله ورسوله. قال أنس: أنزل الله عز وجل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنًا قرأناه حتى نسخ بعد: أن بلغوا قومنا، أن قد لقينا ربنا، فرضي عنا ورضينا عنه.

1325 -

عن محمد قال: قلت لأنس هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ قال: نعم، بعد الركوع يسيرًا.

1326 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد الركوع في صلاة الصبح، يدعو على رعل وذكوان، ويقول "عصية عصت الله ورسوله".

1327 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا بعد الركوع في صلاة الفجر، يدعو على بني عصية.

1328 -

عن أنس رضي الله عنه قال: سألته عن القنوت قبل الركوع أو بعد الركوع؟ فقال: قبل الركوع. قال قلت: فإن ناسًا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع. فقال: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو على أناس قتلوا أناسًا من أصحابه يقال لهم القراء.

1329 -

عن أنس رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على سرية ما وجد على السبعين الذين أصيبوا يوم بئر معونة، كانوا يدعون القراء. فمكث شهرًا يدعو على قتلتهم.

ص: 413

1330 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا. يلعن رعلاً وذكوان، وعصية عصوا الله ورسوله.

1331 -

عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا. يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه.

1332 -

عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب.

1333 -

عن البراء رضي الله عنه قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفجر والمغرب.

1334 -

عن خفاف بن إيماء الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة "اللهم العن بني لحيان ورعلاً وذكوان، وعصية عصوا الله ورسوله، غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله.

1335 -

308

عن الحارث بن خفاف أنه قال: قال خفاف بن إيماء ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رفع رأسه فقال "غفار غفر الله لها. وأسلم سالمها الله. وعصية عصت الله ورسوله. اللهم العن بني لحيان. والعن رعلاً وذكوان" ثم وقع ساجدًا. قال خفاف: فجعلت لعنة الكفرة من أجل ذلك.

1336 -

عن خفاف بن إيماء بمثله إلا أنه لم يقل: فجعلت لعنة الكفرة من أجل ذلك.

ص: 414

-[المعنى العام]-

الصلاة مناجاة بين العبد وربه، وطاعة وتذلل ورجاء ودعاء من المسلم خليق بالقبول من رب كريم سميع الدعاء، والمسلم دائمًا في حاجة إلى عفو ربه إن كان في نعمة فهو في رغبة للمزيد، وإن كان في ضائقة فذو دعاء عريض وقد أعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أمته أن يكون هدفهم في دعائهم في الصلاة المنفعة العامة ومصلحة الإسلام والمسلمين، وأن يكون غضبهم ودعاؤهم على أعدائهم أساسه الغضب لله، والدعاء على أعداء الله بغضًا في الله.

في السنة الرابعة من الهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من سبعين قارئًا للقرآن الكريم ليعلموا المسلمين في نجد، فعدا عليهم قبائل لحيان ورعل وذكوان وعصية فقتلوهم جميعًا، فحزن عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الحزن.

وعلم أن أناسًا من قريش أسلموا فحبسهم أهلهم عن الهجرة وعذبوهم ليرجعوا عن دينهم، وعرضوهم بالإيذاء إلى الموت فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو في الصلوات بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة، يدعو ويجهر، ويقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، نجهم من أعدائهم أعداء الإسلام كفار مكة. اللهم العن بني لحيان وبني ذكوان وبني رعل وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله وقتلوا قراء المسلمين. وفي نهاية الشهر نزل قوله تعالى:{ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} [آل عمران: 128] فترك الأمر لله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وترك الدعاء، صلى الله وسلم وبارك عليه، ورضي عن الصحابة أجمعين.

-[المباحث العربية]-

(القنوت) لفظ مشترك بين معان كثيرة منها الطاعة والقيام والخشوع قال تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا} [النحل: 120] أي طائعًا، وقال:{أمن هو قانت آناء الليل} [الزمر: 9] أي قائم، وقال:{ومن يقنت منكن لله ورسوله} [الأحزاب: 31] وقال: {يا مريم اقنتي لربك} [آل عمران: 43] أي: اخشعي لربك، قال:{وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238] أي: صلوا ساكتين من غير كلام البشر، والمراد منه هنا الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام.

(والمستضعفين من المؤمنين) من ذكر العام بعد الخاص، والمقصود بهم من كان مأسورًا في مكة ممنوعًا من الهجرة، معذبًا من قريش.

(اللهم اشدد وطأتك على مضر) الوطأة بفتح الواو، وإسكان الطاء وبعدها همزة، وهي البأس والشدة.

ص: 415

(واجعلها عليهم كسني يوسف) أي واجعل وطأتك وبأسك وشدتك عليهم غلاء وقحطًا سنين طويلة كسني يوسف، و"سني" بكسر السين وتخفيف الياء. أصلها سنين، ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون الأخيرة للإضافة.

(اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان وعصية) المراد من اللعن هنا الدعاء بالقتل والطرد من رحمة الله، و"لحيان" بكسر اللام وسكون الحاء وياء مفتوحة و"رعل" بكسر الراء، وضبطه بعض أهل اللغة بفتحها، وسكون العين، آخره لام، و"ذكوان" بفتح الذال وسكون الكاف، وبعد الواو والألف نون، و"عصية" بضم العين وفتح الصاد وبالياء المشددة، و"لحيان" و"ذكوان" ممنوعان من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، و"عصية" ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث اللفظي، وكلها أسماء لأشخاص سميت بها قبائل من سليم.

(عصت اللَّه ورسوله) أي هذه القبائل عصت اللَّه ورسوله بقتلها القراء فاستحقت اللعن، فالجملة مستأنفة استئنافًا تعليليًا، كأن سائلاً سأل: لم تلعن هذه القبائل؟ فقيل: لأنها عصت اللَّه ورسوله.

(ثم بلغنا أنه ترك ذلك) قيل: الإشارة للقنوت عامة، أي ترك القنوت في الصلاة، وقيل الإشارة للدعاء على الكفار وللمأسورين من المؤمنين، أي ترك ذلك الدعاء، واعتمد في القنوت دعاء غيره، وعلى هذين التفسيرين يأتي الخلاف في حكم القنوت في فقه الحديث.

(ثم رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد) أي ترك الدعاء للوليد وسلمة وعياش والمستضعفين من المؤمنين بمكة، فلما سأل أبو هريرة بعض الصحابة عن الترك قيل له: إنهم فك إسارهم وقدموا من مكة إلى المدينة مهاجرين فلم يعد حاجة للدعاء لهم بمثل ما كان يدعو به.

(لأقربن بكم صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أي لآتينكم بما يشبهها ويقرب منها.

(دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة) وهم قبائل حيان ورعل وذكوان وعصية، و"بئر معونة" - بفتح الميم وضم العين وبعد الواو نون - في نجد، وأصحاب بئر معونة هم أناس من أصحابه صلى الله عليه وسلم يقال لهم: القراء - كما جاء في الرواية التاسعة - وهم الذين وجد وحزن عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من حزنه على أي سرية أخرى أصيبت - كما جاء في الرواية العاشرة.

وحاصل قصتهم أنهم كانوا جماعة من فقراء المسلمين، من المهاجرين والأنصار، وأقاموا في الصفة، وكانوا يحتطبون وينقلون الماء، ثم يشغلون ليلهم بقراءة القرآن والصلاة، حتى سموا القراء.

قال ابن سعد: قدم عامر بن جعفر الكلابي من نجد، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فلم يسلم ولم يرفض، وقال: يا محمد. لو بعثت معي رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد رجوت أن يستجيبوا لك. فقال صلى الله عليه وسلم: إني أخشى عليهم أهل نجد. قال: أنا لهم جار إن تعرض لهم أحد، فبعث

ص: 416

رسول الله صلى الله عليه وسلم معه القراء كلهم، كان ذلك على رأس أربعة أشهر من أحد، وكانوا سبعين رجلاً، ساروا حتى نزلوا بئر معونة، فأرسلوا أحدهم - حرام بن ملحان - بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل، فما قرأ الكتاب حتى عدا على الرجل فقتله، ثم اجتمع معه قبائل من سليم [عصية وذكوان ورعل ولحيان] فهاجموا القراء وقاتلوهم فقتلوهم عن آخرهم إلا كعب بن زيد، تركوه وبه رمق، فعاش حتى استشهد يوم الخندق.

وكان بين هذه القبائل وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فغدروا، وقتلوا القراء فدعا عليهم شهرًا حتى نزل عليه {ليس لك من الأمر شيء} فترك الدعاء عليهم.

(بعد الركوع يسيرًا) بينت الرواية السابعة مقدار هذا اليسير، حيث قال فيها:"قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد الركوع في صلاة الصبح" فمفهوم "بعد الركوع يسيرًا" يحتمل أن يكون: وقبل الركوع كثيرًا ويحتمل أن يكون لا قنوت قبله أصلاً، لكن ظاهر الرواية التاسعة أن الأصل في القنوت أن يكون قبل الركوع وأما ما حصل بعد الركوع فكان شهرًا.

(ويقول: عصية عصت اللَّه ورسوله) أي قبيلة عصية عصت الله ورسوله إذ اشتركت في قتل القراء في بئر معونه.

-[فقه الحديث]-

يمكن حصر نقاط الموضوع في أربع:

1 -

القنوت عند النازلة، ومحله.

2 -

القنوت في غير النازلة، ومحله.

3 -

أحكام عامة تتعلق بالقنوت.

4 -

ما يؤخذ من الأحاديث غير ما تقدم.

أولاً: أما عن القنوت إذا نزل بالمسلمين نازلة والعياذ بالله فأحاديث الباب بجميع رواياتها صريحة في مشروعيته، والخلاف في أي صلاة يقنت؟ وقبل الركوع أبو بعده يقنت؟ .

قال النووي: الصحيح المشهور عند الشافعية أنه إذا نزلت نازلة كعدو وقحط، ووباء، وعطش، وضرر ظاهر في المسلمين ونحو ذلك قنتوا في جميع الصلوات المكتوبة. اهـ

وروايات الباب تؤيد هذا الرأي، ففي صلاة الفجر صريح الرواية الأولى والسادسة والثامنة، وفي صلاة الظهر صريح الرواية الرابعة بعمل أبي هريرة معلقًا أنها أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي صلاة المغرب صريح الرواية الثالثة عشرة والرابعة عشرة، وفي صلاة العشاء صريح الرواية الرابعة.

أما العصر فيمكن قياسه على الظهر. وعليه يكون القنوت في جميع الصلوات المكتوبة مشروع

ص: 417

عند النازلة، والمشهور عند الحنابلة إذا نزل بالمسلمين نازلة يقنت الإمام ويؤمن من خلفه ولا يقنت آحاد الناس، وذلك في صلاة الصبح فقط، وبهذا قال أبو حنيفة والثوري. وقال عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه: كل شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت إنما هو في الفجر، ولا يقنت في الصلاة إلا في الوتر والغداة إذا كان مستنصرًا يدعو للمسلمين. وقال أبو الخطاب: يقنت في الفجر والمغرب، لأنهما صلاتا جهر في طرفي النهار، وقد روى البخاري عن أنس قال: كان القنوت في المغرب والفجر. وقيل: يقنت في صلاة الجهر كلها قياسًا على الفجر. اهـ. ذكره في المغني.

أما محله من الصلاة فالجمهور وظاهر روايات الباب أنه بعد الرفع من الركوع وبعد قول سمع الله لمن حمده. قال الحافظ ابن حجر: وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود، مع أن السجود مظنة الإجابة، كما ثبت "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين، ومن ثم اتفقوا على أنه يجهر به. بخلاف القنوت في الصبح فاختلف في محله وفي الجهر به. اهـ.

وقيل: القنوت كله قبل الركوع، ويفسر هؤلاء قول أنس في الرواية السادسة "بعد الركوع يسيرًا" أي وقبل الركوع كثيرًا، ومعنى هذا أن ما صرحت به الروايات من أنه بعد الركوع فمن القليل، ويتمسكون بظاهر الرواية التاسعة، وأن القنوت قبل الركوع.

ويقول في قنوته نحوا مما قال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد روي أن عمر رضي الله عنه كان يقول في قنوته: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

ثانيًا: وأما القنوت في غير النازلة فقد قال مالك والشافعي: يسن القنوت في صلاة الصبح في جميع الأزمان، لأن أنسًا قال:"مازال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" رواه أحمد، وكان عمر يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم.

أما في الوتر في النصف الثاني من رمضان فالمشهور عند الشافعية استحباب القنوت فيه، وروي عن مالك أن القنوت في الوتر بدعة.

وقال أبو حنيفة وأحمد لا يسن القنوت في الصبح ولا غيرها من الصلوات سوى الوتر في جميع السنة، وفي رواية عن أحمد أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان قال النخعي: أول من قنت في صلاة الغداة علي، وذلك أنه كان رجلاً محاربًا يدعو على أعدائه، وروى سعيد عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم"، واستدلوا للوتر بما روي عن أبي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع"، وعن علي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك". قالوا: ولفظ "كان" للدوام قالوا: ولأنه وتر فيشرع فيه القنوت، لأن القنوت ذكر فيشرع في الوتر كسائر الأذكار.

ص: 418

قال قتادة: يقنت في الوتر في السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان وعن ابن عمر: لا يقنت السنة كلها إلا في النصف الأخير من رمضان، وعنه أيضًا: لا يقنت في صلاة بحال.

وخير ما يقال في هذا الخلاف أن القنوت دعاء وخير. والله أعلم.

أما محله فالشافعية على أنه بعد الركوع، وهو المشهور عن أحمد. وروى عنه أنه قال: أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع، فإن قنت قبله فلا بأس. وقال مالك وأبو حنيفة: يقنت قبل الركوع. قال الحافظ ابن حجر: ومجموع ما جاء عن أنس أن القنوت للحاجة بعد الركوع، لا خلاف عنه في ذلك، وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع، وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك. فعن أنس "إن أول من جعل القنوت قبل الركوع - أي دائمًا - عثمان، لكي يدرك الناس الركعة" قال الحافظ: والظاهر أنه من الاختلاف المباح.

ويدعو في القنوت بكل خير الدنيا والآخرة، والأولى ما ورد، وقد أخرج أبو داود والترمذي عن الحسن بن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت" وعن عمر أنه قنت في صلاة الفجر فقال: "بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق". اهـ[نحفد: نبادر، والجد بكسر الجيم الحق الذي لا لعب فيه، و"ملحق" بكسر الحاء أي لاحق].

ثالثًا: ويتعلق بالقنوت أحكام. منها: إذا قنت الإمام في جهرية استحب له الجهر، ويؤمن من خلفه، قال بعضهم: وإن دعوا معه فلا بأس وإذا لم يسمع المأموم قنوت الإمام دعا لنفسه.

ومنها ما قاله النووي في شرح مسلم: يستحب رفع اليدين فيه ولا يمسح الوجه، وقيل: يستحب مسحه، وقيل: ولا يرفع اليد واتفقوا على كراهة مسح الصدر، ولو ترك القنوت في الصبح سجد للسهو. اهـ

-[رابعًا: ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-

1 -

رأفة الرسول صلى الله عليه وسلم ورحمته وحرصه على أمته، بدعوته بنجاة المستضعفين وبوجده على قراء بئر معونة.

2 -

جواز الدعاء في الصلاة لأشخاص بعينهم.

3 -

جواز لعن الكافرين عمومًا وقبائل.

4 -

من قتل القراء يؤخذ مدى التضحيات والأرواح التي بذلت في سبيل الإسلام.

5 -

استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم للجناس في قوله: "عصية عصت" و"غفار غفر اللَّه لها" و"أسلم سالمها اللَّه".

ص: 419