المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(239) باب من أحق بالإمامة - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٣

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(179) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(180) باب القراءة في الصبح والمغرب

- ‌(181) باب القراءة في العشاء

- ‌(182) باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام

- ‌(183) باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام

- ‌(184) باب متابعة الإمام والعمل بعده

- ‌(185) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(186) باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود

- ‌(187) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(188) باب فضل السجود والحث عليه

- ‌(189) باب أعضاء السجود، والنهي عن كف الشعر والثوب

- ‌(190) باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض

- ‌(191) باب ما يجمع صفة الصلاة، وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع، والاعتدال منه، والسجود والاعتدال منه، والتشهد بعد كل ركعتين من الرباعية، وصفة الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول

- ‌(192) باب سترة المصلي والندب إلى الصلاة خلف سترة والنهي عن المرور بين يدي المصلي، وحكم المرور ودفع المار وجواز الاعتراض بين يدي المصلي، والصلاة إلى الراحلة والأمر بالدنو من السترة، وبيان قدر السترة وما يتعلق بذلك

- ‌(193) باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه

- ‌كتاب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌(194) باب الأرض كلها مسجد وتربتها طهور

- ‌(195) بناء مسجد المدينة - والصلاة في مرابض الغنم

- ‌(196) باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة

- ‌(197) باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌(198) باب فضل بناء المساجد والحث عليها

- ‌(199) باب وضع الأيدي على الركب في الركوع

- ‌(200) باب جواز الإقعاء على العقبين

- ‌(201) باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان

- ‌(202) باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه وجواز العمل القليل في الصلاة

- ‌(203) باب جواز حمل الصبيان في الصلاة وأن ثيابهم محمولة على الطهارة حتى تتحقق نجاستها وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وكذا إذا فرق الأفعال

- ‌(204) باب الخطوة والخطوتين في الصلاة، وأنه لا كراهة في ذلك إذا كان لحاجة وجواز صلاة الإمام على موضع أرفع من المأمومين للحاجة كتعليمهم الصلاة أو غير ذلك

- ‌(205) باب كراهة الاختصار في الصلاة

- ‌(206) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة

- ‌(207) باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها والنهي عن بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه

- ‌(208) باب جواز الصلاة في النعلين

- ‌(209) باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام

- ‌(210) باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الحدث ونحوه

- ‌(211) باب نهي من أكل ثومًا أو بصلاً أو كراثًا أو نحوها مما له رائحة كريهة عن حضور المسجد حتى تذهب تلك الريح، وإخراجه من المسجد

- ‌(212) باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد

- ‌(213) باب السهو في الصلاة والسجود له

- ‌(214) باب سجود التلاوة

- ‌(215) باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين

- ‌(216) باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته

- ‌(217) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌(218) باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم

- ‌(219) باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته

- ‌(220) باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة

- ‌(221) باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيًّا

- ‌(222) باب متى يقوم الناس للصلاة

- ‌(223) باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة

- ‌(224) باب أوقات الصلوات الخمس

- ‌(225) باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى الجماعة ويناله الحر في طريقه

- ‌(226) باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر

- ‌(227) باب استحباب التبكير بالعصر

- ‌(228) باب التغليظ في تفويت صلاة العصر

- ‌(229) باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر

- ‌(230) باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما

- ‌(231) باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس

- ‌(232) باب وقت العشاء وتأخيرها

- ‌(233) باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها

- ‌(234) باب كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام

- ‌(235) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها وأنها فرض كفاية

- ‌(236) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر

- ‌(237) باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات [وأين يقف الصبي والمرأة من الإمام]

- ‌(238) باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعة، وفضل انتظار الصلاة، وكثرة الخطا إلى المساجد، وفضل المشي إليها، وفضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح، وفضل المساجد

- ‌(239) باب من أحق بالإمامة

- ‌(240) باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائمًا

- ‌(241) باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها

- ‌كتاب صلاة المسافرين

- ‌(242) باب قصر الصلاة

- ‌(243) باب الصلاة في الرحال في المطر

- ‌(244) باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت به

- ‌(245) باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌(246) باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال واستحباب وقوف المأموم يمين الإمام

- ‌(247) باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة

- ‌(248) باب ما يقول إذا دخل المسجد

- ‌(249) باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات، واستحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه

- ‌(250) باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان

- ‌(251) باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما

- ‌(252) باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن

- ‌(253) باب جواز النافلة قائمًا وقاعدًا وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا

- ‌(254) باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة

- ‌(255) باب الترغيب في قيام الليل وهو التراويح وباب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر وبيان دليل من قال: إنها ليلة سبع وعشرين

- ‌(256) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل

- ‌(257) باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل

- ‌(258) باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت

- ‌(259) باب استحباب صلاة النافلة في البيت

- ‌(260) باب فضيلة العمل الدائم والأمر بالاقتصاد في العبادة وأمر من لحقه نوم أو ملل أن يترك حتى يذهب عنه

- ‌(261) باب فضائل القرآن وما يتعلق به وباب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها

- ‌(262) باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن

- ‌(263) باب نزول السكينة لقراءة القرآن

- ‌(264) باب فضيلة حافظ القرآن

- ‌(265) باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل

- ‌(266) باب فضل استماع القرآن والبكاء والتدبر عنده

- ‌(267) باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وفضل قراءة سورة البقرة وآل عمران والفاتحة والكهف وآية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين وفضل قراءة القرآن في الصلاة وغيرها

- ‌(268) باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه

الفصل: ‌(239) باب من أحق بالإمامة

(239) باب من أحق بالإمامة

1312 -

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم".

1313 -

عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلماً، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه" قال الأشج في روايته (مكان سلمًا) سنًا.

1314 -

عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سناً، ولا تؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه ولا تجلس على تكرمته في بيته إلا أن يأذن لك أو بإذنه".

1315 -

عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون. فأقمنا عنده عشرين ليلة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رقيقًا. فظن أنا قد اشتقنا أهلنا؛ فسألنا عن من تركنا من أهلنا، فأخبرناه. فقال "ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم، ومروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم".

ص: 405

1316 -

عن مالك بن الحويرث أبي سليمان رضي الله عنه قال أتيت رسول الله في ناس ونحن شببة متقاربون واقتصا جميعاً الحديث بنحو حديث ابن علية.

1317 -

عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي. فلما أردنا الإقفال من عنده قال لنا "إذا حضرت الصلاة فأذنا، ثم أقيما وليؤمكما أكبركما".

1318 -

عن خالد الحذاء بهذا الإسناد وزاد: قال الحذاء: وكانا متقاربين في القراءة.

-[المعنى العام]-

شرع الله الصلاة خمسًا في كل يوم وليلة لتنقي المسلم، وتمحو عنه الدرن والذنوب، وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وشرع الجماعة فيها تدريبًا على النظام والطاعة ودقة المتابعة للقيادة، فجعل الإمام ليؤتم به، وليقود المأمومين في حركاتهم وسكناتهم وقراءاتهم وأذكارهم، وهكذا جعل الشرع الإمامة للصلاة ولاية مؤقتة، وجعل لها ثوابًا عظيمًا، فكان لا بد من وضع قواعد وأحكام ومواصفات لمن يتولى هذه الإمامة، حتى لا يتزاحم عليها المتزاحمون، وحتى لا يفتات على المستحقين لها من لا يستحقها من الطامعين، فقال صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أحسنهم قراءة لكتاب الله، فإذا كانوا اثنين فليكن أقرؤهما إمامًا، وإذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أقرؤهم، فإن كانوا في درجة القراءة سواء فالأحق بالإمامة أعلمهم بالسنة والأحكام الشرعية، فإن كانوا سواء في القراءة والفقه، فالأحق أقدمهم في الهجرة، السابق بها، فإن كانوا سواء في القراءة والفقه والهجرة فالأحق أقدمهم وأسبقهم إسلامًا، فإن كانوا سواء في القراءة والفقه والهجرة والإسلام فالأحق أكبرهم سنًا، ورتب العلماء من تساووا في كل ذلك فقالوا: ثم الأحسن لباسًا، ثم الأحسن خلقًا، ثم الأشرف نسبًا، ثم الأحسن صورة ووجهًا، ثم الأحسن صوتًا، هذا إذا كانت الجماعة في مسجد أو مكان عام فإن كانت في دار مملوكة أو مؤجرة فصاحب الدار أو المنتفع بها أحق بالإمامة مادام صالحًا لها ولو بالدرجة الأقل، إذ لا يقدم الزائر على الرجل في سلطانه إلا بإذنه، حيث لا حق للزائر أن يجلس على فراش المالك له إلا بإذنه، قال العلماء: اللهم إلا إذا كان الزائر السلطان أو نائبه، فإن لهما السلطة على المالك.

فهما أحق من المالك فليأذن لهما بالتقدم للإمامة، حيث أوجب الله الطاعة لهما في أوامرهما، وهكذا وضع الإسلام قواعد الإمامة، ورتب مستحقيها ترتيبًا يقطع المنازعات، وفي ذلك إشارة إلى ما ينبغي أن تكون عليه الأمة في اختيارها الرجل المناسب، وأن يكون أساس الاختيار درجة الصلاحية وليست القرابة أو الصحبة أو الأغراض المنحرفة. والله الهادي سواء السبيل.

ص: 406

-[المباحث العربية]-

(وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) في الرواية الثانية، والثالثة "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" وحاول بعض العلماء حمل الأقرأ على الأفقه، أي العالم بأحكام كتاب الله، لكن الحديث ظاهر في أحسن القوم قراءة وتلاوة وأتقنهم نطقًا، والرواية الثانية تدفع القول بأن المراد بالأقرأ الأفقه، إذ لفظها:"فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة" وأعلمهم بالسنة هو الأفقه.

(فأقدمهم سلمًا) أي إسلامًا.

(ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه) الفعل مجزوم بلا الناهية، والضمير الأول لرجل، والثاني لرجل آخر، أي ولا يقعد الرجل في بيت رجل آخر إلا بإذنه، والتكرمة بفتح التاء وكسر الراء الفراش ونحوه مما يبسطه صاحب المنزل للضيف ونحوه.

(أتينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الرواية الخامسة "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي" وفي رواية البخاري عن مالك بن الحويرث "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي" والنفر من ثلاثة إلى عشرة، ويجمع بينها بأن الذين خرجوا من بني ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة كانوا عددًا أكثر من ثلاثة، ولعل مالك بن الحويرث سبقهم هو وصاحبه في لقاء النبي صلى الله عليه وسلم كما سبقهم هو وصاحبه في الاستئذان بالعودة. قال الحافظ ابن حجر: ولم أر في شيء من طرق الحديث تسمية صاحبه وكان قدومهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لتبوك.

(ونحن شببة متقاربون)"شببة" بفتح الشين وفتح الباءين، جمع شاب والمراد تقاربهم في السن، وليس المراد هنا تقاربهم في القراءة كما سيأتي، لأن هذا القول كان عن حالة قدومهم.

(فأقمنا عنده عشرين ليلة) وفي رواية البخاري "نحوًا من عشرين ليلة" والمراد بأيامها، كما وقع التصريح بذلك في رواية البخاري في باب الأذان للمسافر، ولفظها:"فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة".

(رحيمًا رقيقًا) قال النووي: هو بالقافين هكذا ضبطناه في مسلم وضبطناه في البخاري بوجهين، أحدهما هذا، والثاني "رفيقًا" بالفاء والقاف وكلاهما ظاهر.

-[فقه الحديث]-

صفات الأحق بالإمامة في أحاديث الباب خمس:

الأقرأ - الأعلم بالسنة - الأقدم هجرة - الأقدم في الإسلام - الأكبر سنًا.

زاد عليها الفقهاء اعتمادًا على أحاديث أخرى، أو على روح التشريع: الأورع - الأحسن خلقًا - الأشرف نسبًا - الأحسن صورة ووجهًا - الأحسن لباسًا - الأحسن صوتًا.

ص: 407

وقبل الكلام على ترتيب هذه الصفات نقرر أن المقصود من ترتيبها هو بيان الأفضل، إذ يجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل، وأن المقصود من ترتيبها بيان الأحقية عند التنازع على الإمامة، فيحكم للأحق بأحقيته.

والرواية الثانية تقدم الأقرأ على العلم بالسنة، وهي دليل لمن يقول بتقديم الأقرأ على الأفقه، وهو مذهب أبي يوسف وأحمد وبعض الشافعية، وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي والجمهور: الأفقه مقدم على الأقرأ. قالوا: لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه. وقالوا: ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة على الباقين، مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه، ففي الحديث "أقرؤكم أبي".

وقد أجابوا عن الرواية الثانية من أحاديث الباب بعدة أجوبة. منها:

1 -

أن الأقرأ في الصحابة كان هو الأعلم بالسنة والأحكام الشرعية لأنهم كانوا يتلقون القرآن بأحكامه، حتى روي عن ابن عمر أنه قال: ما كانت تنزل السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ونعلم أمرها ونهيها وزجرها وحلالها وحرامها، وحتى روى عنه أنه حفظ سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة.

وحاصل هذا الجواب أن المراد بالأقرأ الجامع لحسن القراءة وفهم الأحكام. أي الأقرأ الأفقه. ويعكر عليه قوله "فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة" لأن ظاهره أن الأقرأ شيء، وأن العالم بالسنة وهو الأفقه شيء آخر.

2 -

قال بعضهم: إن المراد بالأقرأ هنا من يجيد القراءة مع العلم بالأحكام الشرعية الواردة في القرآن لأنهم كما سبق كانوا يحفظون مع فهم الأحكام فإذا استويا في الفقه بهذا المعنى قدم الأفقه في السنة والأعلم بها. ويعكر عليه أنه بهذا المعنى لا يكون الأفقه مقدمًا على الأقرأ وهذا موطن النزاع.

3 -

قال بعضهم: إن تقديم الأقرأ على الأفقه في الحديث كان أول الإسلام، حين كان حفاظ الإسلام قليلاً، وقد قدم عمرو بن سلمة وهو صغير على الشيوخ لذلك، وكان سالم يؤم المهاجرين والأنصار في مسجد قباء حين أقبلوا من مكة لعدم الحفاظ حينئذ.

وحاصل هذا الجواب أن تقديم الأقرأ نسخ بتقديم أبي بكر للصلاة، وهو الأفقه غير الأقرأ، كما سبق بيانه.

ولا يخفى أن من يفضل الأفقه يشترط أن يكون محسنًا من القراءة ما تجوز به الصلاة، ومن يفضل الأقرأ يشترط أن يكون عالمًا بالأحكام المهمة الخاصة بالصلاة.

هذا وقد ذهب بعض الشافعية إلى تقديم الأورع على الأفقه والأقرأ، لأن مقصود الإمامة يحصل من الأورع أكثر من غيره، والله أعلم.

الصفة الثالثة: من صفات الأحق بالإمامة الأقدم هجرة، قال النووي: قال أصحابنا يدخل فيه طائفتان:

ص: 408

إحداهما: الذين يهاجرون اليوم من دار الكفر إلى دار الإسلام، فإن الهجرة باقية إلى يوم القيامة عندنا وعند جمهور العلماء، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا هجرة بعد الفتح" أي لا هجرة من مكة، لأنها صارت دار إسلام، أو لا هجرة فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح.

الثانية: أولاد المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإذا استوى اثنان في الفقه والقراءة، وأحدهما من أولاد من تقدمت هجرته، والآخر من أولاد من تأخرت هجرته قدم الأول. اهـ.

الصفة الرابعة: الأقدم سلمًا أي إسلامًا.

الصفة الخامسة: الأكبر، أي إذا كان إسلامهما في وقت واحد أو جهل السابق واللاحق منهما قدم الأكبر سنًا.

وأما قوله في الرواية الرابعة: "فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم" وقوله في الرواية الخامسة: "وليؤمكما أكبركما" فليس معناه تقديم الأكبر سنًا على الأفقه والأقرأ والأقدم هجرة والأقدم إسلامًا، لأن الكلام مع جماعة أسلموا جميعًا، وهاجروا جميعًا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه، ولم يبق ما يقدم به إلا السن، قاله النووي.

-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-

1 -

ظاهر قوله في الرواية الأولى "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم"، أن الجماعة أقلها ثلاثة وهذا الظاهر غير مراد بل ليس فيه ما يمنع الجماعة من اثنين، فهو بيان حال، كما تقول: إذا كانوا عشرة فليؤمهم أحدهم، والرواية الخامسة صريحة في أن الجماعة تنعقد باثنين إمام ومأموم، قال النووي: وهو إجماع المسلمين. قال الحافظ ابن حجر: إمام ومأموم أعم من أن يكون المأموم رجلاً أو صبيًا أو امرأة. اهـ. وموقف المأموم الرجل من الإمام أن يكون عن يمين الإمام باتفاق العلماء إلا النخعي، فيرى وقوفه خلف الإمام، وحمل قوله على حالة ظنه ظنًا قويًا مجيء ثان.

وهل يقف المأموم عن يمينه متساويًا معه؟ أو يتأخر عنه قليلاً، بالثاني قال الشافعية، والجمهور على الأول، فعن ابن جريج. قلت لعطاء: الرجل يصلي مع الرجل، أين يكون منه؟ قال: إلى شقه الأيمن. قلت: أيحاذي به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر؟ قال: نعم. قلت: أتحب أن يساويه حتى لا يكون بينهما فرجة؟ قال: نعم.

2 -

يؤخذ من قوله في الرواية الثانية: "ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه" أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره، وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه، وصاحب المكان أحق، فإن شاء تقدم، وإن شاء قدم من يريده، وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولاً بالنسبة إلى باقي الحاضرين لأنه سلطانه، فيتصرف فيه كيف شاء. قاله النووي. وقال العراقي: ويشترط أن يكون المزور أهلاً للإمامة، فإن لم يكن أهلاً كالمرأة مع الزائر الرجل، والأمي مع الزائر القارئ ونحوهما فلا حق له في

ص: 409

الإمامة. اهـ. وقال النووي: ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه. اهـ. وقال إسحق: لا يصلي أحد بصاحب المنزل وإن أذن له. اهـ.

ثم قال النووي وقال الشافعية فإن حضر السلطان أو نائبه قدم على صاحب البيت وعلى إمام المسجد وغيرهما لأن ولايته وسلطنته عامة اهـ.

وظاهر كلام النووي أن السلطان أو نائبه لا يحتاج إلى إذن، ومعنى هذا مصادرة حق صاحب البيت في بيته، وهو يتنافى مع التعميم الوارد في الرواية الثانية والثالثة:"ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه" وأصرح منه ما رواه أبو داود والترمذي وحسنه مرفوعًا "من زار قومًا فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم" وتقييد هذا بغير السلطان أو نائبه يحتاج إلى دليل، بل حديث عتبان المذكور قبل ثلاثة أبواب صريح في استئذان السلطان، إذ فيه "فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له".

وقد أحسن الزين بن المنير إذ قال: الإمام الأعظم ومن يجري مجراه إذا حضر بمكان مملوك لا يتقدم عليه مالك الدار أو المنفعة، ولكن ينبغي للمالك أن يأذن له، ليجمع بين الحقين، حق الإمام في التقدم، وحق المالك في منع التصرف بغير إذنه. اهـ. وهو كلام حسن. بقي ما لو لم يأذن له صاحب البيت. هل يتقدم قهرًا عنه؟ عندي أنه يخرج فيصلي في مكان عام ويتقدم، لكنه لا يغتصب منفعة المكان ولو في عبادة رغم أنف صاحبه. واللَّه أعلم.

3 -

يؤخذ من قوله "ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه" حماية حقوق الملكية وحقوق الانتفاع، وينبغي أن تكون هذه الحماية عامة، لا من فرد دون فرد، وهل قوله "في بيته على تكرمته" قيد موحد مسلط عليه النهي؟ أو النهي موجه إلى كل منها على انفراد وعلى اجتماع، على معنى لا يقعد في بيته إلا بإذنه ولا يقعد على تكرمته ولو في غير بيته إلا بإذنه، الظاهر الثاني مادامت التكرمة قد وضعت في مكان مشروع، فلو وضع سجادة في مسجد مثلاً فلا يقعد عليها غيره بدون إذنه، لكن له أن يرفعها ويقعد مكانها مادام المكان عامًا. والله أعلم.

4 -

ويؤخذ من الرواية الرابعة الحث على الأذان.

5 -

ومن الرواية الخامسة أن الأذان والجماعة مشروعان للمسافر.

6 -

ومن الرواية الرابعة من قوله "فليؤذن لكم أحدكم" أن يكون المؤذن واحدًا، ولا يؤذن جماعة في صوت واحد" كما يفعل في بعض البلاد. وقد قيل: إن أول من أحدث التأذين جميعًا بنو أمية. قال الشافعي: وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن، ولا يؤذن جماعة معًا، وإن كان المسجد كبيرًا فلا بأس أن يؤذن في كل جهة منه مؤذن يسمع من يليه في وقت واحد.

وعلى هذا، فالمراد بقوله في الرواية الخامسة:"فإذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما" أن من أراد

ص: 410

أو أحب منكما أن يؤذن فليؤذن، وذلك لاستوائهما في الفضل، قاله الحافظ ابن حجر، وقال في موضع آخر: الأولى حمل الأمر "فأذنا" على أن أحدهما يؤذن، والآخر يجيب، والحامل على صرفه عن ظاهره قوله "فليؤذن لكم أحدكم".

7 -

ومن قوله: "فإذا حضرت الصلاة فأذنا" التعجيل بالصلاة في أول الوقت.

8 -

قال النووي: واستدل جماعة بهذا الحديث على تفضيل الإمامة عن الأذان، لأنه صلى الله عليه وسلم قال "يؤذن أحدكم" وخص الإمامة بالأكبر. ومن قال بتفضيل الأذان - وهو الصحيح المختار - قال: إنما قال: "يؤذن أحدكم" وخص الإمامة بالأكبر لأن الأذان لا يحتاج إلى كبير علم، وإنما أعظم مقصوده الإعلام بالوقت والإسماع، بخلاف الإمام. اهـ

واللَّه أعلم

ص: 411