المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(253) باب جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة قائما وبعضها قاعدا - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٣

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(179) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(180) باب القراءة في الصبح والمغرب

- ‌(181) باب القراءة في العشاء

- ‌(182) باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام

- ‌(183) باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام

- ‌(184) باب متابعة الإمام والعمل بعده

- ‌(185) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(186) باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود

- ‌(187) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(188) باب فضل السجود والحث عليه

- ‌(189) باب أعضاء السجود، والنهي عن كف الشعر والثوب

- ‌(190) باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض

- ‌(191) باب ما يجمع صفة الصلاة، وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع، والاعتدال منه، والسجود والاعتدال منه، والتشهد بعد كل ركعتين من الرباعية، وصفة الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول

- ‌(192) باب سترة المصلي والندب إلى الصلاة خلف سترة والنهي عن المرور بين يدي المصلي، وحكم المرور ودفع المار وجواز الاعتراض بين يدي المصلي، والصلاة إلى الراحلة والأمر بالدنو من السترة، وبيان قدر السترة وما يتعلق بذلك

- ‌(193) باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه

- ‌كتاب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌(194) باب الأرض كلها مسجد وتربتها طهور

- ‌(195) بناء مسجد المدينة - والصلاة في مرابض الغنم

- ‌(196) باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة

- ‌(197) باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌(198) باب فضل بناء المساجد والحث عليها

- ‌(199) باب وضع الأيدي على الركب في الركوع

- ‌(200) باب جواز الإقعاء على العقبين

- ‌(201) باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان

- ‌(202) باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه وجواز العمل القليل في الصلاة

- ‌(203) باب جواز حمل الصبيان في الصلاة وأن ثيابهم محمولة على الطهارة حتى تتحقق نجاستها وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وكذا إذا فرق الأفعال

- ‌(204) باب الخطوة والخطوتين في الصلاة، وأنه لا كراهة في ذلك إذا كان لحاجة وجواز صلاة الإمام على موضع أرفع من المأمومين للحاجة كتعليمهم الصلاة أو غير ذلك

- ‌(205) باب كراهة الاختصار في الصلاة

- ‌(206) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة

- ‌(207) باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها والنهي عن بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه

- ‌(208) باب جواز الصلاة في النعلين

- ‌(209) باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام

- ‌(210) باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الحدث ونحوه

- ‌(211) باب نهي من أكل ثومًا أو بصلاً أو كراثًا أو نحوها مما له رائحة كريهة عن حضور المسجد حتى تذهب تلك الريح، وإخراجه من المسجد

- ‌(212) باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد

- ‌(213) باب السهو في الصلاة والسجود له

- ‌(214) باب سجود التلاوة

- ‌(215) باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين

- ‌(216) باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته

- ‌(217) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌(218) باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم

- ‌(219) باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته

- ‌(220) باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة

- ‌(221) باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيًّا

- ‌(222) باب متى يقوم الناس للصلاة

- ‌(223) باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة

- ‌(224) باب أوقات الصلوات الخمس

- ‌(225) باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى الجماعة ويناله الحر في طريقه

- ‌(226) باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر

- ‌(227) باب استحباب التبكير بالعصر

- ‌(228) باب التغليظ في تفويت صلاة العصر

- ‌(229) باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر

- ‌(230) باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما

- ‌(231) باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس

- ‌(232) باب وقت العشاء وتأخيرها

- ‌(233) باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها

- ‌(234) باب كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام

- ‌(235) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها وأنها فرض كفاية

- ‌(236) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر

- ‌(237) باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات [وأين يقف الصبي والمرأة من الإمام]

- ‌(238) باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعة، وفضل انتظار الصلاة، وكثرة الخطا إلى المساجد، وفضل المشي إليها، وفضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح، وفضل المساجد

- ‌(239) باب من أحق بالإمامة

- ‌(240) باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائمًا

- ‌(241) باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها

- ‌كتاب صلاة المسافرين

- ‌(242) باب قصر الصلاة

- ‌(243) باب الصلاة في الرحال في المطر

- ‌(244) باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت به

- ‌(245) باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌(246) باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال واستحباب وقوف المأموم يمين الإمام

- ‌(247) باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة

- ‌(248) باب ما يقول إذا دخل المسجد

- ‌(249) باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات، واستحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه

- ‌(250) باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان

- ‌(251) باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما

- ‌(252) باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن

- ‌(253) باب جواز النافلة قائمًا وقاعدًا وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا

- ‌(254) باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة

- ‌(255) باب الترغيب في قيام الليل وهو التراويح وباب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر وبيان دليل من قال: إنها ليلة سبع وعشرين

- ‌(256) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل

- ‌(257) باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل

- ‌(258) باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت

- ‌(259) باب استحباب صلاة النافلة في البيت

- ‌(260) باب فضيلة العمل الدائم والأمر بالاقتصاد في العبادة وأمر من لحقه نوم أو ملل أن يترك حتى يذهب عنه

- ‌(261) باب فضائل القرآن وما يتعلق به وباب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها

- ‌(262) باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن

- ‌(263) باب نزول السكينة لقراءة القرآن

- ‌(264) باب فضيلة حافظ القرآن

- ‌(265) باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل

- ‌(266) باب فضل استماع القرآن والبكاء والتدبر عنده

- ‌(267) باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وفضل قراءة سورة البقرة وآل عمران والفاتحة والكهف وآية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين وفضل قراءة القرآن في الصلاة وغيرها

- ‌(268) باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه

الفصل: ‌(253) باب جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة قائما وبعضها قاعدا

(253) باب جواز النافلة قائمًا وقاعدًا وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا

1460 -

/1 عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً. فإذا صلى قائمًا ركع قائمًا. وإذا صلى قاعدًا ركع قاعدًا.

1461 -

عن عبد الله بن شقيق قال كنت شاكيًا بفارس فكنت أصلي قاعدًا. فسألت عن ذلك عائشة؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائمًا. فذكر الحديث.

1462 -

عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فقالت: كان يصلي ليلاً طويلاً قائمًا، وليلاً طويلاً قاعدًا. وكان إذا قرأ قائمًا ركع قائمًا. وإذا قرأ قاعدًا ركع قاعدًا.

1463 -

عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: سألنا عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الصلاة قائمًا وقاعدًا. فإذا افتتح الصلاة قائمًا ركع قائمًا. وإذا افتتح الصلاة قاعدًا ركع قاعدًا.

1464 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسًا. حتى إذا كبر قرأ جالسًا، حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن، ثم ركع.

1465 -

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسًا. فيقرأ

ص: 507

وهو جالس، فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية، قام فقرأ وهو قائم، ثم ركع، ثم سجد، ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك.

1466 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو قاعد. فإذا أراد أن يركع قام قدر ما يقرأ إنسان أربعين آية.

1467 -

عن علقمة بن وقاص قال: قلت لعائشة كيف كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين وهو جالس؟ قالت: كان يقرأ فيهما. فإذا أراد أن يركع قام فركع.

1468 -

عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو قاعد؟ قالت: نعم. بعد ما حطمه الناس.

1469 -

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان كثير من صلاته وهو جالس.

1470 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالسًا.

1471 -

عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سبحته قاعدًا. حتى كان قبل وفاته بعام. فكان يصلي في سبحته قاعدًا. وكان يقرأ بالسورة فيرتلها، حتى تكون أطول من أطول منها.

ص: 508

1472 -

- عن الزهري بهذا الإسناد مثله غير أنهما قالا بعام واحد أو اثنين.

1473 -

عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى صلى قاعدًا.

1474 -

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة" قال فأتيته فوجدته يصلي جالسًا. فوضعت يدي على رأسه. فقال: ما لك يا عبد الله بن عمرو؟ قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت "صلاة الرجل قاعدًا على نصف الصلاة" وأنت تصلي قاعدًا قال "أجل ولكني لست كأحد منكم".

-[المعنى العام]-

النافلة هي الزيادة والتطوع في الصلوات بعد أداء الفرائض والرواتب. ومن هذا المفهوم كان التيسير في أدائها أكثر من التيسير في أداء الصلوات بعامة، فتصلى على الراحلة، وحيثما توجهت براكبها دون شرط استقبال القبلة، وفي هذه الأحاديث تيسير آخر كبير، هو أن تصلى من قعود مع القدرة على القيام وللقاعد نصف ثواب القائم، بل تصلى الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود، فيمكن للمتنفل أن يبدأ صلاته قائمًا فإذا أحس بفتور أو رغبة في الراحة جلس وأكمل القراءة، ويمكن أن يبدأ صلاته قاعدًا فإذا أحس خفة قام فأكمل القراءة ثم ركع وسجد، كما يمكن لمن قرأ جالسًا أن يقف ليركع، وله أن يركع من جلوس بانحناءة يقرب بها من السجود. ومدار النوافل التقرب إلى اللَّه واستحضار المناجاة، وكلما كثرت الركعات وكلما كثرت القراءة كثر الأجر والثواب، وقد شهدت بعض مشايخي يختم القرآن كله في كل ليلة من شهر رمضان في صلاة بدلاً من ختمه في غير صلاة، فينوي قائمًا أو قاعدًا فيقرأ الفاتحة ثم يقرأ جزءًا أو نصف جزء ثم يركع وهكذا: ولا شك أن قراءة القرآن في الصلاة أكثر ثوابًا من قراءته خارج الصلاة.

ومن فضل اللَّه تعالى على الأمة الإسلامية أن يسر لها وسائل الطاعة، وسهل لها أبواب تحصيل الثواب فله الحمد والشكر، ومنه العون والتوفيق.

-[المباحث العربية]-

(كنت شاكيًا بفارس، فكنت أصلي قاعدًا، فسألت عن ذلك عائشة) قال النووي:

ص: 509

هكذا ضبطه جميع الرواة المشارقة والمغاربة "بفارس" بالباء الجارة وبعدها فاء، وغلط بعضهم، فقال: صوابه "نقارس" بالنون والقاف، وهو وجع معروف، لأن عائشة لم تدخل بلاد فارس قط، فكيف يسألها فيها؟ وغلطه القاضي عياض في هذا وقال: ليس بلازم أن يكون سألها في بلاد فارس، بل سألها بالمدينة بعد رجوعه من فارس، وهذا ظاهر الحديث، وأنه إنما سألها عن أمر انقضى. هل هو صحيح أم لا؟ لقوله "وكنت أصلي قاعدًا" اهـ.

(ما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسًا) هذا النفي مقيد بما كان قبل الكبر، بدليل قولها "حتى إذا كبر قرأ جالسًا".

(حتى إذا كبر) في القاموس: كبر ككرم كبرًا كعنب نقيض صغر أي بمعنى عظم فهو كبير، وكبر كفرح كبرًا كعنب طعن في السن وهذا هو المراد في روايتنا.

(بعد ما حطمه الناس) في القاموس: الحطم - بفتح الحاء وسكون الطاء - الكسر، أو خاص باليابس، حطمه يحطمه - كضربه يضربه - والحطام ما تكسر من اليابس، وحطام البيض قشره، والحطيم من الكعبة حيث يتحطم الناس للدعاء. اهـ.

والمراد من الحديث بعد ما كبر فيهم، قال النووي: كأنه لما حمله من أمورهم وأثقالهم والاعتناء بمصالحهم صيروه شيخًا محطومًا. اهـ. والعبارة تعطي معنى أنهم جعلوه شيخًا قبل أوانه.

(لما بدن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال أبو عبيد في تفسير هذا الحديث: بدن الرجل بفتح الدال المشددة تبدينًا إذا أسن. وقال: ومن رواه "بدن" بضم الدال المخففة فليس له معنى هنا، لأن معناه كثر لحمه، وهو خلاف صفته صلى الله عليه وسلم. وقال القاضي عياض: روايتنا في مسلم عند جمهورهم "بدن" بالضم، وعن العذري بالتشديد، ولا ينكر اللفظان في حقه صلى الله عليه وسلم، فقد قالت عائشة في صحيح مسلم بعد هذا بقريب "فلما أسن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اللحم أوتر بسبع" وفي حديث آخر "ولحم" وفي آخر "أسن وكثر لحمه". اهـ.

قال النووي: هذا كلام القاضي، والذي ضبطناه ووقع في أكثر أصول بلادنا بالتشديد. اهـ.

قلت: ويرجح كلام القاضي قولها في الرواية نفسها "لما بدن وثقل" واللَّه أعلم.

(حتى كان قبل وفاته بعام) في ملحق الرواية "بعام واحد أو اثنين" لعل الواقع كان عامًا وبعض عام فإذا حذفنا الكسر قلنا بعام واحد، وإذا جبرناه قلنا بعامين، وإذا رددنا أردنا عامًا وشيئًا. وهذه الرواية تحدد مدة صلاته صلى الله عليه وسلم قاعدًا.

(فوضعت يدي على رأسه) أي بعد أن انتهى من الصلاة، وذلك ليجذب انتباهه، ولعله كان هناك ما يمنع من وقوفه بين يديه، وفي رواية أبي داود "فوضعت يدي على رأسي" أي متعجبًا، وهي أقرب إلى الأدب.

ص: 510

-[فقه الحديث]-

في فقه الحديث نقاط نحصرها في:

صلاة النافلة قاعدًا - صلاة الفرض قاعدًا الوقوف بعد القعود أو القعود بعد الوقوف في الركعة الواحدة - ركوع الجالس وسجوده - كيفية القعود - ما يؤخذ من الحديث فوق ذلك من أحكام.

أما عن صلاة النفل قاعدًا فيقول النووي: صلاة النفل قاعدًا مع القدرة على القيام، لها نصف ثواب صلاة القائم، أما إذا صلى النفل قاعدًا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه، بل يكون كثوابه قائمًا، فيتعين حمل الحديث - روايتنا الرابعة عشرة - في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدًا مع قدرته على القيام هذا مذهبنا، وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث، وحكي عن الباجي من أئمة المالكية أنه حمله على المصلي فريضة لعذر، أو نافلة لعذر أو لغير عذر وحمله بعضهم على من له عذر يرخص في القعود في الفرض والنفل ويمكنه القيام بمشقة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم "لست كأحد منكم" فهو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت نافلته قاعدًا مع القدرة على القيام كنافلته قائمًا تشريفًا له. وقال القاضي عياض: معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لحقه مشقة من القيام لحطم الناس وللسن فكان أجره تامًا بخلاف غيره ممن لا عذر له. اهـ. قال النووي: هذا كلام القاضي وهو ضعيف أو باطل لأن غيره صلى الله عليه وسلم إن كان معذورًا فثوابه أيضًا كامل، وإن كان قادرًا على القيام فليس هو كالمعذور، فلا يبقى فيه تخصيص، فلا يحسن على هذا التقدير قوله "لست كأحد منكم" وإطلاق هذا القول. فالصواب ما قاله أصحابنا أن نافلته صلى الله عليه وسلم قاعدًا مع القدرة على القيام ثوابها كثوابه قائمًا، وهو من الخصائص واللَّه أعلم. اهـ.

والمحقق يرى أن قول النووي ببطلان قول القاضي فيه تحامل، لأن قوله صلى الله عليه وسلم "لست كأحد منكم" يحتمل عدم المشابهة في قدرة التحمل في مثل هذه السن، أي فأنتم لم يحطمكم الناس بخلافي، أو إني ذو عذر، ويحتمل عدم المشابهة في الأجر والثواب، وكون الاحتمال الثاني راجحًا لمقام سؤال عبد اللَّه بن عمرو لا يجعل الاحتمال الأول باطلاً، وخصوصًا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قاعدًا إلا بعد أن أسن وثقل وبدن وحطمه الناس ولو كانت خصوصية لاستخدمت قبل ذلك حيث لا عذر ولا مشقة والخصوصيات لا تثبت بالاحتمال. واللَّه أعلم.

ثم قال النووي: والأصح عندنا جواز التنفل مضطجعًا للقادر على القيام والقعود، للحديث الصحيح في البخاري عن عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال:"صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب" اهـ.

وعند الدارقطني "على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه" قال الحافظ ابن حجر: وهو حجة للجمهور في الانتقال من القعود إلى الصلاة على الجنب وعن الحنفية وبعض الشافعية يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة، ووقع في حديث على أن حالة الاستلقاء تكون عند العجز عن حالة

ص: 511

الاضطجاع. اهـ. ويسن عند الاستلقاء أن يضع شيئًا تحت رأسه ليرتفع ويصير وجهه إلى القبلة لا إلى السماء.

هذا، والحديث الذي استدل به النووي على جواز التنفل مضطجعًا للقادر على القيام والقعود لا يصلح دليلاً له. لأنه في المعذور. واللَّه أعلم.

وأما عن صلاة الفرض قاعدًا فيقول النووي: وأما الفرض فإن الصلاة قاعدًا مع قدرته على القيام لا تصح، فلا يكون فيه ثواب، بل يأثم به، قال أصحابنا: وإن استحله كفر كما لو استحل الزنا والربا من المحرمات الشائعة التحريم، وإن صلى الفرض قاعدًا لعجزه عن القيام، أو مضطجعًا لعجزه عن القيام والقعود فثوابه كثوابه قائمًا لم ينقص باتفاق أصحابنا، وقد ثبت في البخاري أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا" قال أصحابنا: ولا يشترط في العجز أن لا يتأتى القيام، ولا يكفي أدنى مشقة، بل المعتبر المشقة الظاهرة، فإذا خاف مشقة شديدة أو زيادة مرض، أو خاف راكب السفينة الغرق أو دوران الرأس صلى قاعدًا ولا إعادة.

وأما عن الوقوف في بعض الصلاة والقعود في بعضها فإنه إذا صلى ركعة في الفريضة قاعدًا لعذر ثم صح وزال العذر أو صلى في النافلة ركعة قاعدًا ثم وجد خفة تمم ما بقي من الركعات قائمًا بانيًا على ما قدم، خلافًا لمن شذ وقال: يستأنف الصلاة قائمًا. وأما من بدأ صلاة الفرض بركعة قائمًا ثم عجز عن القيام في الركعة الثانية أو بدأ النافلة بركعة قائمًا، ثم بدا له أن يتمم قاعدًا فإنه يجوز له ذلك ولا إشكال.

أما الإشكال ففي الوقوف بعد القعود أو القعود بعد الوقوف في الركعة الواحدة، فإن الرواية الأولى تقول فيها عائشة "فإذا صلى قائمًا ركع قائمًا، وإذا صلى قاعدًا ركع قاعدًا" والرواية الثالثة تقول "وكان إذا قرأ قائمًا ركع قائمًا وإذا قرأ قاعدًا ركع قاعدًا" والرواية الرابعة تقول "فإذا افتتح الصلاة قائمًا ركع قائمًا، وإذا افتتح الصلاة قاعدًا ركع قاعدًا" فهذه الروايات تمنع القعود بعد الوقوف والوقوف بعد القعود أثناء القراءة.

لكن الرواية الخامسة، وفيها "قرأ جالسًا حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن، ثم ركع" وقريب من هذا لفظ الروايتين السادسة والسابعة، وفي الرواية الثانية تقول عائشة "كان يقرأ فيهما، فإذا أراد أن يركع قام فركع".

فهذه الروايات تجيز الوقوف بعد القراءة قاعدًا، سواء أتم القراءة قائمًا، أو قام للركوع من قعود وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وعامة العلماء وسواء في ذلك قام ثم قعد، أو قعد ثم قام. قال الحافظ ابن حجر: ومنعه بعض السلف عند عدم الضرورة لذلك، وهو غلط. ثم قال الحافظ: ويجمع بين الخبرين بأنه كان يفعل كلاً من ذلك بحسب النشاط وعدمه.

وأما كيف يركع ويسجد من صلى جالسًا أو مضطجعًا فيقول النووي: إذا صلى على هيئة من المذكورات وقدر على الركوع والسجود أتى بهما، وإلا أومأ إليهما، منحنيًا برأسه، وقرب جبهته من

ص: 512

الأرض بحسب الإمكان، ويكون السجود أخفض من الركوع، فإن عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه، وهذا كله واجب، فإن عجز عن الإيماء بالطرف أجرى أفعال الصلاة على قلبه. قال أصحابنا: ومادام عاقلاً لا يسقط عنه فرض الصلاة، ولنا وجه أنه إذا عجز عن الإيماء بالرأس سقطت عنه الصلاة، وهو مذهب أبي حنيفة، وهذا شاذ مردود ومخالف لما عليه الأصحاب، وأما حكاية صاحب الوسيط عن أبي حنيفة أنه قال: تسقط الصلاة إذا عجز عن القعود فمنكرة مردودة، والمعروف عنه أنه إنما يسقطها العجز عن الإيماء بالرأس، وحكى أصحابنا هذا عن مالك أيضًا والمعروف عن مالك وأحمد كمذهبنا. اهـ.

وأما عن كيفية القعود البديل عن الوقوف في الفرض والنفل فيقول النووي: للشافعي قولان، أظهرهما يقعد مفترشًا، والثاني متربعًا، وقال بعض أصحابنا: ناصبًا ركبته اليمنى كالقارئ بين يدي المقرئ وكيف قعد جاز، لكن الخلاف في الأفضل. اهـ.

-[ويؤخذ من الأحاديث المذكورة فوق ما تقدم: ]-

1 -

استدل بالرواية الخامسة والسادسة والسابعة على استحباب تطويل القيام والقراءة في النافلة، وأنه أفضل من تكثير الركعات في ذلك الزمان وقول عائشة في الرواية السادسة "فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية" دليل على أنه يقرأ فوق الثمانين، لأن البقية تطلق في الغالب على الأقل. وقال جماعة من العلماء: تكثير الركوع والسجود أفضل من تطويل القيام، لقوله صلى الله عليه وسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" وتوقف أحمد بن حنبل في المسألة، وقال بعضهم: أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل، وأما بالليل فتطويل القيام أفضل، وهذا الأخير حسن ويجمع بين الروايات. واللِّه أعلم.

2 -

وفي الأحاديث إثبات مشروعية صلاة الليل، وسيأتي الكلام عليها في الباب التالي.

3 -

يؤخذ من الروايتين العاشرة والحادية عشرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتكلف الشطط، بل كان يأتي من الأمور ما لا يشق عليه وهذا هو الإسلام السمح لا تزمت ولا تشدد ولا مغالاة.

4 -

ومن الرواية الثانية عشرة يؤخذ استحباب الترتيل، وعدم الإسراع في القراءة.

5 -

ومن الرواية الرابعة عشرة حرص الصحابة على الاقتداء والعمل بالسنة.

6 -

وأن من اشتبه عليه أمر بادر بالسؤال عنه.

7 -

وأنهم لم يكن يمنعهم الحياء في الدين أن يعترضوا على قوله صلى الله عليه وسلم بفعله.

واللَّه أعلم

ص: 513