الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(184) باب متابعة الإمام والعمل بعده
873 -
عن أبي إسحق عن عبد الله بن يزيد قال: حدثني البراء وهو غير كذوب أنهم كانوا يصلون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رفع رأسه من الركوع لم أر أحدًا يحني ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض ثم يخر من وراءه سجدًا.
874 -
عن البراء رضي الله عنه (وهو غير كذوب) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال "سمع الله لمن حمده" لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدًا ثم نقع سجودًا بعده.
875 -
عن محارب بن دثار قال: سمعت عبد الله بن يزيد يقول على المنبر حدثنا البراء أنهم كانوا يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ركع ركعوا وإذا رفع رأسه من الركوع فقال "سمع الله لمن حمده" لم نزل قياما حتى نراه قد وضع وجهه في الأرض ثم نتبعه.
876 -
عن البراء رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا يحنو أحد منا ظهره حتى نراه قد سجد. فقال زهير: حدثنا سفيان قال: حدثنا الكوفيون: أبان وغيره قال: حتى نراه يسجد.
877 -
عن عمرو بن حريث رضي الله عنه قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم الفجر فسمعته يقرأ {فلا أقسم بالخنس. الجوار الكنس} [التكوير: 15، 16]. وكان لا يحني رجل منا ظهره حتى يستتم ساجدًا.
-[المعنى العام]-
شرع الله صلاة الجماعة ليتم اللقاء ويتعدد، فتزول الجفوة، وتشيع المودة وتتداول المنافع والمصالح، وشرع لها حدودا وضوابط لتعليم المسلمين النظام في الحركة والسكون، والانقياد للقائد الذي ارتضوه وقدموه إماما، ومقتضى النظام والدقة والانقياد أن لا يسبقوا قائدهم، فلا يحنوا ظهورهم إلا بعد أن يحني، ولا يرفعوا رءوسهم قبل أن يرفع.
بالتزام هذه الحدود والضوابط يتحقق الهدف الأكبر لصلاة الجماعة ولهذا كثر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه باتباع الإمام "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد .. " إلخ.
لكن العجلة طبيعة الإنسان {خلق الإنسان من عجل} [الأنبياء: 37] والشيطان يحركه إلى هذه الطبيعة في الصلاة ليخرجه بسرعة من المناجاة، ويحركه في صلاة الجماعة إلى هذه الطبيعة بصفة خاصة، ليفقده ثوابها، وليوقعه في إثم ما بعده إثم ويعرضه لعقوبة من أشد العقوبات.
لقد كان صلى الله عليه وسلم يراقب من خلفه في صلاة الجماعة، وكان حريصًا على التزامهم ومتابعتهم لصلاته، فكان يقوم المعوج، ويصحح الخطأ. صلى رجل خلفه فجعل يركع قبل أن يركع، ويرفع قبل أن يرفع، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، قال: من الفاعل هذا؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: "إذا ركع الإمام فاركعوا وإذا رفع فارفعوا".
-[المباحث العربية]-
(وعن أبي إسحق عن عبد الله بن يزيد قال: حدثني البراء - وهو غير كذوب) قال يحيى بن معين: القائل [وهو غير كذوب] هو أبو إسحق. قال: ومراده أن عبد الله بن يزيد غير كذوب، وليس المراد أن البراء غير كذوب. لأن البراء صحابي، لا يحتاج إلى تزكية، ولا يحسن فيه هذا القول. اهـ
قال النووي: وهذا الذي قاله ابن معين خطأ عند العلماء، بل الصواب أن القائل:"وهو غير كذوب" هو عبد الله بن يزيد، ومراده أن البراء غير كذوب ومعناه تقوية الحديث وتفخيمه، والمبالغة في تمكينه من النفس، لا التزكية التي تكون في مشكوك فيه، ونظيره قول ابن عباس رضي الله عنه حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، وعن أبي هريرة مثله، ونظائر، فمعنى الكلام حدثني البراء وهو غير متهم كما علمتم، فثقوا بما أخبركم عنه اهـ
وقال الخطابي: هذا القول لا يوجب تهمة في الراوي، إنما يوجب حقيقة الصدق له اهـ
فهذا القول لا يقصد به تعديل الراوي حتى ينزه عنه البراء لأجل صحبته.
وقد اعترض بعضهم على ابن معين بأنه حين نزه البراء عن هذه العبارة ألصقها بعبد الله بن يزيد وهو صحابي أيضا، لكنه أجيب بأن ابن معين لا يعد عبد الله بن يزيد في الصحابة وإن عده كثير من العلماء منهم.
بقي قولهم: إن نفي الكذوبية لا يستلزم نفي الكاذبية، أي إن نفي المبالغة في الكذب لا يستلزم نفي أصل الكذب وقليله، فكان الواجب نفي مطلق الكذب وأجيب بأن المعنى غير كذب، فهو من قبيل قوله تعالى:{وما ربك بظلام للعبيد} [فصلت: 46]
(لم أر أحدًا يحني ظهره) أي للسجود، وفي الرواية الرابعة "لا يحنو أحد منا ظهره" قال النووي وكلاهما صحيح فهما لغتان حكاهما الجوهري وغيره يقال: حنيت وحنوت، ولكن الياء أكثر ومعناه عطفته، ومثله حنيت العود وحنوته عطفته. اهـ
(لم يحن أحد منا ظهره) يحن بفتح الياء وسكون الحاء من حنيت العود إذا قوسته.
{(فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس)} قال المفسرون وأهل اللغة: هي النجوم الخمسة، وهي المشترى وعطارد والزهرة والمريخ وزحل هكذا قال أكثر المفسرين، وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي رواية عنه أنها هذه الخمسة والشمس والقمر، وعن الحسن هي كل النجوم، وقيل غير ذلك، والخنس التي تخنس، أي ترجع في مجراها، والكنس التي تكنس أي تدخل كناسها أي تغيب في المواضع التي تغيب فيها، والكنس جمع كانس قاله النووي.
-[فقه الحديث]-
قال الحافظ ابن حجر: ظاهر الحديث [وهو يتكلم عن حديث التهديد بصورة حمار] يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام، لكونه توعد عليه بالمسخ، وهو أشد العقوبات، وبذلك جزم النووي في شرح المهذب.
ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته، وعن ابن عمر تبطل، وبه قال أحمد في رواية، وبه قال أهل الظاهر، بناء على أن النهي يقتضي الفساد، وفي المغني عن أحمد أنه قال في رسالته: ليس لمن سبق الإمام صلاة لهذا الحديث، قال: ولو كانت له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب اهـ
وقال القرطبي: من خالف الإمام فقد خالف سنة المأموم. اهـ وظاهر عبارته عدم الحرمة وثبوت الكراهة لكن الجمهور على الحرمة.
وقد فصل الإمام النووي هذه المسألة في شرح المهذب تفصيلاً جديرًا بالاعتبار فقال:
قال أصحابنا يجب على المأموم متابعة الإمام، ويحرم عليه أن يتقدمه بشيء من الأفعال،
والمتابعة أن يجري على إثر الإمام، بحيث يكون ابتداؤه لكل فعل متأخرًا عن ابتداء الإمام، ومقدمًا على فراغه منه فلو خالفه في المتابعة فله أحوال:
إن قارنه في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته باتفاق أصحابنا وبه قال مالك وأبو يوسف وأحمد وداود، وقال الثوري وأبو حنيفة وزفر ومحمد تنعقد، كما لو قارنه في الركوع.
وقد سبق تفصيل هذا القول وتوضيحه.
والله أعلم