المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(258) باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٣

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(179) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(180) باب القراءة في الصبح والمغرب

- ‌(181) باب القراءة في العشاء

- ‌(182) باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام

- ‌(183) باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام

- ‌(184) باب متابعة الإمام والعمل بعده

- ‌(185) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(186) باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود

- ‌(187) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(188) باب فضل السجود والحث عليه

- ‌(189) باب أعضاء السجود، والنهي عن كف الشعر والثوب

- ‌(190) باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض

- ‌(191) باب ما يجمع صفة الصلاة، وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع، والاعتدال منه، والسجود والاعتدال منه، والتشهد بعد كل ركعتين من الرباعية، وصفة الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول

- ‌(192) باب سترة المصلي والندب إلى الصلاة خلف سترة والنهي عن المرور بين يدي المصلي، وحكم المرور ودفع المار وجواز الاعتراض بين يدي المصلي، والصلاة إلى الراحلة والأمر بالدنو من السترة، وبيان قدر السترة وما يتعلق بذلك

- ‌(193) باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه

- ‌كتاب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌(194) باب الأرض كلها مسجد وتربتها طهور

- ‌(195) بناء مسجد المدينة - والصلاة في مرابض الغنم

- ‌(196) باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة

- ‌(197) باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌(198) باب فضل بناء المساجد والحث عليها

- ‌(199) باب وضع الأيدي على الركب في الركوع

- ‌(200) باب جواز الإقعاء على العقبين

- ‌(201) باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان

- ‌(202) باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه وجواز العمل القليل في الصلاة

- ‌(203) باب جواز حمل الصبيان في الصلاة وأن ثيابهم محمولة على الطهارة حتى تتحقق نجاستها وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وكذا إذا فرق الأفعال

- ‌(204) باب الخطوة والخطوتين في الصلاة، وأنه لا كراهة في ذلك إذا كان لحاجة وجواز صلاة الإمام على موضع أرفع من المأمومين للحاجة كتعليمهم الصلاة أو غير ذلك

- ‌(205) باب كراهة الاختصار في الصلاة

- ‌(206) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة

- ‌(207) باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها والنهي عن بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه

- ‌(208) باب جواز الصلاة في النعلين

- ‌(209) باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام

- ‌(210) باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الحدث ونحوه

- ‌(211) باب نهي من أكل ثومًا أو بصلاً أو كراثًا أو نحوها مما له رائحة كريهة عن حضور المسجد حتى تذهب تلك الريح، وإخراجه من المسجد

- ‌(212) باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد

- ‌(213) باب السهو في الصلاة والسجود له

- ‌(214) باب سجود التلاوة

- ‌(215) باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين

- ‌(216) باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته

- ‌(217) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌(218) باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم

- ‌(219) باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته

- ‌(220) باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة

- ‌(221) باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيًّا

- ‌(222) باب متى يقوم الناس للصلاة

- ‌(223) باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة

- ‌(224) باب أوقات الصلوات الخمس

- ‌(225) باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى الجماعة ويناله الحر في طريقه

- ‌(226) باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر

- ‌(227) باب استحباب التبكير بالعصر

- ‌(228) باب التغليظ في تفويت صلاة العصر

- ‌(229) باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر

- ‌(230) باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما

- ‌(231) باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس

- ‌(232) باب وقت العشاء وتأخيرها

- ‌(233) باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها

- ‌(234) باب كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام

- ‌(235) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها وأنها فرض كفاية

- ‌(236) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر

- ‌(237) باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات [وأين يقف الصبي والمرأة من الإمام]

- ‌(238) باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعة، وفضل انتظار الصلاة، وكثرة الخطا إلى المساجد، وفضل المشي إليها، وفضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح، وفضل المساجد

- ‌(239) باب من أحق بالإمامة

- ‌(240) باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائمًا

- ‌(241) باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها

- ‌كتاب صلاة المسافرين

- ‌(242) باب قصر الصلاة

- ‌(243) باب الصلاة في الرحال في المطر

- ‌(244) باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت به

- ‌(245) باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌(246) باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال واستحباب وقوف المأموم يمين الإمام

- ‌(247) باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة

- ‌(248) باب ما يقول إذا دخل المسجد

- ‌(249) باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات، واستحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه

- ‌(250) باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان

- ‌(251) باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما

- ‌(252) باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن

- ‌(253) باب جواز النافلة قائمًا وقاعدًا وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا

- ‌(254) باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة

- ‌(255) باب الترغيب في قيام الليل وهو التراويح وباب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر وبيان دليل من قال: إنها ليلة سبع وعشرين

- ‌(256) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل

- ‌(257) باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل

- ‌(258) باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت

- ‌(259) باب استحباب صلاة النافلة في البيت

- ‌(260) باب فضيلة العمل الدائم والأمر بالاقتصاد في العبادة وأمر من لحقه نوم أو ملل أن يترك حتى يذهب عنه

- ‌(261) باب فضائل القرآن وما يتعلق به وباب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها

- ‌(262) باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن

- ‌(263) باب نزول السكينة لقراءة القرآن

- ‌(264) باب فضيلة حافظ القرآن

- ‌(265) باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل

- ‌(266) باب فضل استماع القرآن والبكاء والتدبر عنده

- ‌(267) باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وفضل قراءة سورة البقرة وآل عمران والفاتحة والكهف وآية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين وفضل قراءة القرآن في الصلاة وغيرها

- ‌(268) باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه

الفصل: ‌(258) باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت

(258) باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت

1569 -

عن عبد الله رضي الله عنه قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه". أو قال: "في أذنه".

1570 -

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة فقال: ألا تصلون؟ ". فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً}

1571 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام بكل عقدة يضرب عليك ليلاً طويلاً، فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان، فإذا صلى انحلت العقد فأصبح نشيطًا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".

-[المعنى العام]-

يحرص الشيطان على الحيلولة دون أداء العبد لعبادته، فقد أقسم على إغواء بني آدم {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} [الأعراف: 16، 17].

إنه يتفنن في تزيين الكسل والخمول لمن يعتزم عبادة اللَّه، يثبط العزائم ويسوف ويستدرج وبخاصة عند النوم ليجتمع له من إغوائه شهوة النفس وميلها إلى النوم، إذا أراد المسلم أن يصلي الليل قبل أن ينام وسوس له وأتاه من زاوية الحق المراد به باطل، يقول له: قيام الثلث الأخير أفضل فنم ثم قم، ويؤكد له القدرة على القيام، ويقسم له أن ذلك سيكون، وأنه من السهل اليسير، فإذا نام أثقل أذنيه حتى لا يسمع صوتًا موقظًا أو منبهًا، وأوثق تغميض عينيه، وعقد على عقله ثلاث عقد، ليغلق عليه اليقظة والانتباه، فإذا ما أفلت المسلم من هذا الحصار المنيع وتقلب في فراشه،

ص: 571

واستحضر في نفسه الرغبة لأداء عبادته، خدعه شيطانه وقال له: نم مازال الليل طويلاً. ثم قليلاً ثم قم. فإذا ما استجاب لهذا الإغواء فنام ثم تيقظ، عاوده بالخدعة نفسها شيئًا فشيئًا ومرة بعد مرة، يعده ويمنيه وما يعده الشيطان إلا غرورًا، حتى إذا فات وقت الصلاة وضاعت الفرصة على المسلم وتحقق للشيطان ما أراد بال في أذن صاحبه سخرية منه واستهزاء {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} [إبراهيم: 22] ولكن هل يترك الشيطان المسلم للنفس اللوامة؟ لتندم وتتحسر وتتألم وليأخذ من تقصيره عظة ودرسًا وقوة لمستقبله؟ لا إنه يعود إليه يزين له ما فعل، ويخيل إليه أنه معذور مرفوع عنه القلم ويبرر له القصور ويستخدم الحق مريدًا به باطل، يقول له: إنما نفس النائم بيد الله فلو شاء تعالى أن يبعثه لبعثه، وينخدع المسلم بالباطل المغلف المزين، فيعتذر بما لا يقبل، ويجادل بغير حجة {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً} [الكهف: 54].

-[المباحث العربية]-

(ذكر عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، لكن قد يؤخذ من رواية عن عبد الله بن مسعود أنه هو، ولفظها بعد سياق الحديث بنحوه:"وايم الله لقد بال في أذن صاحبكم ليلة" .. يعني نفسه.

(نام ليلة حتى أصبح) في رواية للبخاري: "مازال نائمًا حتى أصبح ما قام إلى الصلاة". والمراد من الصلاة الجنس أو العهد، وعلى أي منهما تحتمل صلاة الليل أو المكتوبة، وسياق مسلم لهذا الحديث في إطار صلاة الليل ترجيح منه على أن المراد صلاة الليل؛ وكذلك فعل البخاري، ومنه يؤخذ أن الوضع بالنسبة للنوم عن المكتوبة أولى وأشد، ومما يؤكد أن المراد صلاة الليل أن المخاطبين بهذا لم يكونوا ينامون عن صلاة العشاء، ومن المستبعد أن يراد منها الفجر، لأن معنى "حتى أصبح" أي حتى دخل في وقت الصبح، وليس حتى خرج عن وقت الصبح.

وتبويب الباب [بالحث على صلاة الوقت وإن قلت] وإن كانت عبارة "صلاة الوقت" تشمل صلاة أي وقت لكن عبارة "وإن قلت" لا تتأتى مع الفريضة.

(ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه) هو بضم الذال وسكونها في المفرد والتثنية، والمراد من الشيطان جنس الشيطان، وفاعل ذلك وفاعل العقد الوارد في الرواية الثالثة قيل: هو القرين، وقيل: غيره، ويحتمل أن يراد به رأس الشياطين وهو إبليس، وتجوز نسبة ذلك إليه لكونه الآمر به الداعي إليه. وفي المراد من بول الشيطان في الأذن أقوال للعلماء، قيل: على حقيقته. قال القرطبي وغيره: لا مانع من ذلك، إذ لا إحالة فيه، لأنه ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح فلا مانع من أن يبول. اهـ.

وهذا أبعد الأقوال عن القبول، إذ لو كان بولاً حقيقيًا ماديًا ما صحت به الصلاة لنجاسته، ثم لم

ص: 572

يعهد وجود جرم ما في أذن من نام مع وجود الآلات التي تقيس وترى أدق الأشياء، وقيل: هو كناية عن سد الشيطان أذن الذي ينام عن صلاة حتى لا يسمع الذكر. وقيل: معناه أن الشيطان ملأ سمعه بالأباطيل لحجب سمعه عن الذكر. وقيل: كناية عن كمال تحكم الشيطان فيه. وقيل: كناية عن وسوسته وتزيينه النوم له وأخذه بأذنه وأخذه بسمعه عن أن يسمع النداء. وهذه الأقوال متقاربة، ومؤداها أن البول كناية عن السد والحجب، وأنه يتم ذلك قبل خروج الوقت، فهو شبيه بعقد العقد على القافية الآتي في الرواية الثالثة، وكأنه يسد الأذن ويغطي المخ.

وقيل: إن بول الشيطان كناية عن ازدراء الشيطان به. وقيل: معناه أن الشيطان استولى عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول. وقيل: كناية عن سخرية الشيطان واستهزائه منه بعد أن ضحك عليه وأوقعه. وهي أقوال متقاربة، ومؤداها أن ذلك يتم بعد خروج الوقت وضياع الفرصة على النائم.

قال الطيبي: وخص الأذن بالذكر وإن كانت العين أنسب بالنوم إشارة إلى ثقل النوم، فإن المسامع هي موارد الانتباه، وخص البول لأنه أسهل مدخلا في التجاويف وأسرع نفوذًا في العروق. اهـ.

ومع أسلوب الكناية يكون التعبير بالبول في الأذن أدق في التصوير والتقبيح.

(طرقه وفاطمة) الطرق الإتيان بالليل. أي أتاهما ليلاً.

(فقال: ألا تصلون؟ ) عرض برفق، أو عتب برفق أن وجدهما نائمين لم يصليا صلاة الليل.

قال النووي: هكذا هو في الأصول "تصلون" وجمع الاثنين صحيح، لكن هل هو حقيقة أو مجاز؟ فيه الخلاف المشهور، والأكثرون على أنه مجاز. اهـ. أي إعطاء الاثنين حكم الأكثر لأنهما في قوة أمة، فكأنما شبهًا بالجماعة وأسند إليهما ما يسند إلى الجماعة.

(إنما أنفسنا بيد اللَّه) أي أرواحنا يقبضها الله عند النوم، يشير بذلك إلى قوله تعالى:{الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} [الزمر: 42].

(سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً}) قال النووي: المختار في معناه أنه تعجب من سرعة جوابه وعدم موافقته له على الاعتذار بهذا، ولهذا ضرب فخذه. وقيل: قالها تسليمًا لعذرهما وأنه لا عتب عليهما. اهـ

وأعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعجب بالجواب ولم يقبل العذر، وإنما أسف للموقف الذي وقفه علي، ولم يرض بالعذر الذي اعتذر به، لأنه إهمال للأسباب، فكل حركة من حركاتنا بيد الله وبقدرته فلو اعتذرنا عن أي خطأ بهذا العذر لجاز جدلاً، لكنه لا يجوز عبادة وتكليفًا، وكان المطلوب من علي رضي الله عنه أن يعد بالاستجابة وأنه سيبذل جهده وأنه يطلب العون من الله، لا أن يحيل التقصير إلى إرادة الله. إن من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعرض عما لا يرضى، ومن حيائه وأدبه أن لا يواجه المقصر

ص: 573

بالمؤاخذة والتعنيف عملاً بقوله تعالى: {فأعرض عن من تولى عن ذكرنا} [النجم: 29] وضربه على فخذه صلى الله عليه وسلم علامة من علامات الألم والغيظ المكظوم، وقراءته للآية الكريمة مسمعًا بها عليًا رد للموقف وإدانة له، لأن الآية تذم الإنسان ولا تمدحه، وتشير إلى أنه يدافع عن خطئه بالجدل لا بالحجة والحق والبرهان.

(عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم هذه العبارة عبارة رفع للحديث عند جمهور المحدثين، وكأنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد) قافية الرأس مؤخره، وهي إشارة إلى المخ ومركز الإدراك والتعقل، وقافية كل شيء مؤخره، ومنه قافية القصيدة. والخطاب في "أحدكم" للتعميم في المخاطبين ومن في معناهم، ويخص من هذا العموم الأنبياء ومن قيل فيهم:{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [الحجر: 42].

وقد اختلف في هذه العقد، قال الحافظ ابن حجر: فقيل: هو على الحقيقة وأنه كما يعقد الساحر من يسحره فيأخذ الخيط فيعقد عليه عقدًا وهو يتكلم عليه بالسحر فيتأثر المسحور بذلك، ومنه قوله تعالى:{ومن شر النفاثات في العقد} [الفلق: 4] وعلى هذا فالمعقود شيء عند قافية الرأس، لا قافية الرأس نفسها، وهل العقد في شعر الرأس أو في غيره؟ الأقرب الثاني إذ ليس لكل أحد شعر. اهـ وهذا القول أبعد ما يكون عن القبول، فكما استبعد الحافظ الشعر لوجود من لا شعر له كان الواجب أن يستبعد عقد شيء لا وجود له إلا في الخيال، فقول الحافظ بعد ذلك - ويؤيده ما ورد في بعض طرقه - أن على رأس كل آدمي حبلاً. هذا الحبل لا وجود له إلا في الخيال، فإذا تخيلنا حبلاً تخيلنا شعرًا لمن لا شعر له، فالحق أن الحمل على الحقيقة بعيد.

والحق أن الكلام كناية وتصوير لوساوس الشيطان وتزيينه وتغريره بطول الوقت، وانحلال العقد كناية عن مكافحته ودفع وساوسه، والمقصود من كون العقد ثلاثًا تقوية الإغواء فكأنه إغواء بعد إغواء.

(إذا نام) أي إذا نام بدون صلاة، هكذا قيده البخاري، ويرى جمهور شراح الحديث أن القيد يخل بالمراد، والمقصود أنه يعقد على رأس من صلى ومن لم يصل، لكن من صلى بعد ذلك تنحل عقده بخلاف من لم يصل. كذا ذكر الحافظ ابن حجر. وأرى أن القيد ضروري، لأن الشيطان يعقد بهدف المنع من القيام للصلاة، فإذا كان النائم قد صلى ما عليه من العشاء وما أحب من صلاة الليل وأوتر ونام فلم يعقد عليه الشيطان؟ ثم إنه لن يصلي مادام قد صلى فكيف تنحل العقد والنص أنها تنحل بالصلاة؟ .

(بكل عقدة يضرب عليك ليلاً طويلاً) رواية البخاري: "يضرب على مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد". قال الحافظ ابن حجر: يضرب أي بيده على العقد تأكيدًا وإحكامًا لها، قائلاً: عليك ليل طويل. وكما استبعدنا المعنى الحقيقي في العقد نستبعد الضرب المادي. ونرى أن الكلام كناية عن إحكام الوسوسة وإتيانها والإيحاء للنائم بطول الوقت.

ص: 574

ورواية البخاري: "عليك ليل طويل" بالرفع، ورواية مسلم بالنصب، فالرفع على أنه خبر مقدم ومبتدأ مؤخر وصفة لمبتدأ، والنصب على الإغراء أي الزم ليلاً طويلاً عليك، ومراد الشيطان من هذه العبارة تسويفه بالقيام والإلباس عليه، إذ ربما لو طلب منه عدم القيام كليًا لدافع المؤمن هذه المكيدة، أما أن يستدرجه شيئًا فشيئًا فربما أو كثيرًا ما ينخدع المؤمن. فكأنه يقول له: قم بعد قليل فمازال الليل طويلاً. قم بعد قليل. قم بعد قليل، وبهذا الاستدراج يصل إلى ما يريد.

(وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان) أي انحلت عقدة ثانية فصار مجموع ما انحل عقدتين.

(فإذا صلى انحلت العقد) بضم العين وفتح القاف على صيغة الجمع ولم يقل "انحلت عقدة ثالثة" لإفادة أن المتطهر النائم الممكن مقعده من الأرض الذي لا يحتاج إلى وضوء تنحل عقده بمجرد الصلاة.

(فأصبح نشيطًا طيب النفس) لسروره بما وفقه الله من الطاعة، وسروره بالثواب الموعود، وسروره بإحباط كيد عدوه مع ما يبارك له في نفسه وتصرفه بانشراح صدر واطمئنان نفس.

(وإلا) أي وإن لم يقم ويتوضأ ويصلي وتنحل عقده، ولو أتى ببعضها وترك بعضها بقي خبيث النفس كسلان، لكنه يختلف عمن لم يأت بشيء منها بالقوة والضعف. قاله الحافظ ابن حجر.

(أصبح خبيث النفس كسلان) لاستيلاء الشيطان عليه، و"كسلان" ممنوع من الصرف للوصفية وزيادة الألف والنون.

-[فقه الحديث]-

الهدف من الأحاديث الثلاثة الحث على صلاة الليل، وقد ادعى ابن العربي أن البخاري أومأ إلى وجوب صلاة الليل لقوله:[باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل].

قال الحافظ ابن حجر: ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين. قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة. والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه.

وظاهر الحديث يتعارض مع حديث البخاري في الوكالة وفيه: "أن قارئ آية الكرسي عند نومه لا يقربه الشيطان". ورفع هذا التعارض بحمل العقد على الأمر المعنوي والقرب على الأمر الحسي أو العكس، إذ لا يلزم من الوسوسة الملامسة، كما يمكن رفع التعارض بتخصيص العموم في حديث الباب بمن لم ينو القيام وبمن لم يقرأ آية الكرسي، ولهذا قيل: إن أبا بكر وأبا هريرة كانا رضي الله عنهما يوتران أول الليل وينامان آخره، فمثلهما لا يعقد الشيطان على قفاه، فكأن المعنى يعقد الشيطان على قافية من نام منكم دون أن يصلي.

كذلك وصف المسلم الذي يغلبه الشيطان بخبث النفس في الحديث يتعارض مع قوله صلى الله

ص: 575

عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي". ورفع الباجي هذا التعارض بقوله: ليس بين الحديثين اختلاف، لأنه نهى عن إضافة ذلك إلى النفس، لكون الخبث بمعنى فساد الدين، ووصف بعض الأفعال بذلك تحذيرًا منها وتنفيرًا. اهـ.

-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم: ]-

1 -

من الحديث الثاني أمر الإنسان صاحبه بما يراه خيراً له في دينه ودنياه.

2 -

وتعهد الإمام والكبير رعيته بالنظر في مصالح دينهم ودنياهم.

3 -

وأنه ينبغي للناصح إذا لم تقبل نصيحته، أو إذا اعتذر بما لا يرتضيه أن ينكف ولا يعنف إلا لمصلحة.

4 -

جواز ضرب الفخذ أسفاً على فوات ما يحب.

5 -

في الحديث طبع من طبائع الإنسان جبل عليه، وهو الجدل ومحاولة التخلص من المسئولية والدفاع عن النفس والاعتذار بشتى المعاذير، لكنه مطالب بتهذيب طبعه ليوافق شرع الله.

6 -

ومن الحديث الثالث الحث على ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ وفي صيغه أحاديث كثيرة مشهورة في الصحيح، جمعها الإمام النووي وما يتعلق بها في باب من كتاب الأذكار. قال: ولا يتعين لهذه الفضيلة ذكر، لكن الأذكار المأثورة فيه أفضل.

7 -

والتحريض على الوضوء عند القيام من النوم.

8 -

والحث على صلاة الليل وإن قلت.

9 -

قال بعضهم: فيه إشارة إلى حكمة تخفيف الركعتين الأوليين من صلاة الليل الواردتين في الرواية الثانية عشرة من روايات باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل. وقال الحافظ ابن حجر: ذكر شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين في شرح الترمذي أن السر في استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين المبادرة إلى حل عقد الشيطان، وبناه على أن الحل لا يتم إلا بتمام الصلاة، وهو واضح لأنه لو شرع في صلاة ثم أفسدها لم يساو من أتمها، وكذا الوضوء، وكأن الشروع في حل العقد يحصل بالشروع في العبادة وينتهي بانتهائها.

10 -

أخذ بعضهم من قوله: "عليك ليلاً طويلاً". اختصاص العقد بنوم الليل، وهو كذلك لكن لا يبعد أن يجيء مثله في نوم النهار. ذكره الحافظ ابن حجر.

11 -

أخذ بعضهم من طلب الوضوء لحل العقدة أن التيمم لمن ساغ له لا يقوم مقام الوضوء، لأن في الوضوء معاناة تعين على طرد النوم، والحق إجزاء التيمم كما يجزئ الغسل للجنب، فذكر الوضوء للغالب.

واللَّه أعلم

ص: 576