المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(220) باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٣

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(179) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(180) باب القراءة في الصبح والمغرب

- ‌(181) باب القراءة في العشاء

- ‌(182) باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام

- ‌(183) باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام

- ‌(184) باب متابعة الإمام والعمل بعده

- ‌(185) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(186) باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود

- ‌(187) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(188) باب فضل السجود والحث عليه

- ‌(189) باب أعضاء السجود، والنهي عن كف الشعر والثوب

- ‌(190) باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض

- ‌(191) باب ما يجمع صفة الصلاة، وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع، والاعتدال منه، والسجود والاعتدال منه، والتشهد بعد كل ركعتين من الرباعية، وصفة الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول

- ‌(192) باب سترة المصلي والندب إلى الصلاة خلف سترة والنهي عن المرور بين يدي المصلي، وحكم المرور ودفع المار وجواز الاعتراض بين يدي المصلي، والصلاة إلى الراحلة والأمر بالدنو من السترة، وبيان قدر السترة وما يتعلق بذلك

- ‌(193) باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه

- ‌كتاب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌(194) باب الأرض كلها مسجد وتربتها طهور

- ‌(195) بناء مسجد المدينة - والصلاة في مرابض الغنم

- ‌(196) باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة

- ‌(197) باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌(198) باب فضل بناء المساجد والحث عليها

- ‌(199) باب وضع الأيدي على الركب في الركوع

- ‌(200) باب جواز الإقعاء على العقبين

- ‌(201) باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان

- ‌(202) باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه وجواز العمل القليل في الصلاة

- ‌(203) باب جواز حمل الصبيان في الصلاة وأن ثيابهم محمولة على الطهارة حتى تتحقق نجاستها وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وكذا إذا فرق الأفعال

- ‌(204) باب الخطوة والخطوتين في الصلاة، وأنه لا كراهة في ذلك إذا كان لحاجة وجواز صلاة الإمام على موضع أرفع من المأمومين للحاجة كتعليمهم الصلاة أو غير ذلك

- ‌(205) باب كراهة الاختصار في الصلاة

- ‌(206) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة

- ‌(207) باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها والنهي عن بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه

- ‌(208) باب جواز الصلاة في النعلين

- ‌(209) باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام

- ‌(210) باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الحدث ونحوه

- ‌(211) باب نهي من أكل ثومًا أو بصلاً أو كراثًا أو نحوها مما له رائحة كريهة عن حضور المسجد حتى تذهب تلك الريح، وإخراجه من المسجد

- ‌(212) باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد

- ‌(213) باب السهو في الصلاة والسجود له

- ‌(214) باب سجود التلاوة

- ‌(215) باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين

- ‌(216) باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته

- ‌(217) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌(218) باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم

- ‌(219) باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته

- ‌(220) باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة

- ‌(221) باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيًّا

- ‌(222) باب متى يقوم الناس للصلاة

- ‌(223) باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة

- ‌(224) باب أوقات الصلوات الخمس

- ‌(225) باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى الجماعة ويناله الحر في طريقه

- ‌(226) باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر

- ‌(227) باب استحباب التبكير بالعصر

- ‌(228) باب التغليظ في تفويت صلاة العصر

- ‌(229) باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر

- ‌(230) باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما

- ‌(231) باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس

- ‌(232) باب وقت العشاء وتأخيرها

- ‌(233) باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها

- ‌(234) باب كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام

- ‌(235) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها وأنها فرض كفاية

- ‌(236) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر

- ‌(237) باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات [وأين يقف الصبي والمرأة من الإمام]

- ‌(238) باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعة، وفضل انتظار الصلاة، وكثرة الخطا إلى المساجد، وفضل المشي إليها، وفضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح، وفضل المساجد

- ‌(239) باب من أحق بالإمامة

- ‌(240) باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائمًا

- ‌(241) باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها

- ‌كتاب صلاة المسافرين

- ‌(242) باب قصر الصلاة

- ‌(243) باب الصلاة في الرحال في المطر

- ‌(244) باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت به

- ‌(245) باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌(246) باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال واستحباب وقوف المأموم يمين الإمام

- ‌(247) باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة

- ‌(248) باب ما يقول إذا دخل المسجد

- ‌(249) باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات، واستحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه

- ‌(250) باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان

- ‌(251) باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما

- ‌(252) باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن

- ‌(253) باب جواز النافلة قائمًا وقاعدًا وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا

- ‌(254) باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة

- ‌(255) باب الترغيب في قيام الليل وهو التراويح وباب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر وبيان دليل من قال: إنها ليلة سبع وعشرين

- ‌(256) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل

- ‌(257) باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل

- ‌(258) باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت

- ‌(259) باب استحباب صلاة النافلة في البيت

- ‌(260) باب فضيلة العمل الدائم والأمر بالاقتصاد في العبادة وأمر من لحقه نوم أو ملل أن يترك حتى يذهب عنه

- ‌(261) باب فضائل القرآن وما يتعلق به وباب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها

- ‌(262) باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن

- ‌(263) باب نزول السكينة لقراءة القرآن

- ‌(264) باب فضيلة حافظ القرآن

- ‌(265) باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل

- ‌(266) باب فضل استماع القرآن والبكاء والتدبر عنده

- ‌(267) باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وفضل قراءة سورة البقرة وآل عمران والفاتحة والكهف وآية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين وفضل قراءة القرآن في الصلاة وغيرها

- ‌(268) باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه

الفصل: ‌(220) باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة

(220) باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة

1156 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ. فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد".

1157 -

عن أبي زرعة قال: سمعت أبا هريرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ {الحمد لله رب العالمين} ولم يسكت.

1158 -

عن أنس رضي الله عنه أن رجلا جاء فدخل الصف وقد حفزه النفس. فقال: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال "أيكم المتكلم بالكلمات؟ " فأرم القوم. فقال "أيكم المتكلم بها؟ فإنه لم يقل بأسًا" فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها. فقال "لقد رأيت اثني عشر ملكًا يبتدرونها. أيهم يرفعها".

1159 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرًا. والحمد لله كثيرًا. وسبحان الله بكرة وأصيلاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من القائل كلمة كذا وكذا؟ قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله قال "عجبت لها. فتحت لها أبواب السماء" قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.

-[المعنى العام]-

الصلاة مناجاة بين العبد وربه، يقبل عليه مستقبلاً القبلة متطهرًا بقوله: الله أكبر، ثم يناجيه

ص: 284

بالحمد له والثناء عليه بكافة أنواع الحمد والثناء، وطهارة الظاهر لمناجاة الرب يستلزمها بل يتأكد معها تطهير الباطن، ولهذا حرص صلى الله عليه وسلم على أن يعلم أمته هذه الطهارة المطلوبة، فسكت بين تكبيرة الإحرام وبين قراءة الفاتحة سكتة تقدر بلحظات، يحس من بجواره حركة فمه ولسانه، ولا يسمع صوتًا، نوع فريد من التعليم، يشعر المتعلمين الحريصين على الاقتداء بأنه يعمل، ولا يأمرهم بالعمل، حتى إذا سألوا عن العمل وأجيبوا فاقتدوا كانوا مختارين راغبين، والعمل برغبة وشوق وحب وطواعية أعظم أجرًا وقبولاً وإخلاصًا عند الله.

وكان ما أراد، سأله أبو هريرة. أفديك بأمي وأبي يا رسول الله، وأراك تسكت بين التكبيرة وبين القراءة سكتة أحس أنك فيها تقول ذكرًا، فماذا تقول في سكوتك؟ قال صلى الله عليه وسلم: أسأل الله أن يغفر لي ما قدمت، وأن يعصمني في مستقبل أيامي من الزلل، فأقول: اللهم باعد بيني وبين الخطايا والذنوب ولا تجمع بيني وبين الذنوب، بقدر ما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني ونظفني وطهرني من ذنوبي كما ينظف الثوب الأبيض من الوسخ فيعود أبيض صافيًا نقيًا، اللهم اغسلني من ذنوبي ونظفني منها كما ينظف الشيء بالماء مرة وبالثلج أخرى وبالبرد ثالثة. وتعلمها أبو هريرة وتعلمها الصحابة، وعملوا بها، وقالوها في صلاتهم.

بل كان بعضهم يزيد في الذكر والثناء على ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يرفع به صوته ليرى، أيقر على ما يفعل أو ينهى؟ فهذا أنس رضي الله عنه يروي أن رجلاً جاء فدخل الصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضطرب نفسه واشتد، فعطس فقال: "الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة التفت إلى أصحابه فقال: أيكم الذي حمد الله بهذه الكلمات؟ وخاف المتكلم أن يقول: أنا. وظن أنه قد أخطأ، وخشي أن يساء إليه فيفضح ويعرفه من لم يعرفه ورجا أن يعفو الله ورسوله عنه دون افتضاح، وسكت الصحابة أدبًا ورحمة في انتظار أن يعلن عن نفسه، فلما لم يجيبوا أعاد صلى الله عليه وسلم السؤال: من منكم تكلم بهذه الكلمات؟ وسكت للمرة الثانية وسكتوا، وعلم صلى الله عليه وسلم أنهم ظنوا أن ما حصل خطأ، فقال للمرة الثالثة: من المتكلم بهذه الكلمات؟ إنه لم يأت خطأ، إنه محسن. فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قلتها ولا أريد بها إلا خيرًا قال صلى الله عليه وسلم: لقد فتحت لها أبواب السماء ورأيت الملائكة يتسابقون في كتابتها ورفعها. وسمع المصلون وتعلموا أن يقولوا مثله. صلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

-[المباحث العربية]-

(كان إذا كبر) أي تكبيرة الإحرام.

(سكت هنية) بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء بغير همزة، وهي تصغير هنة، أصلها هنوة، صغرت على هنيوة، فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، قال النووي: ومن همزها فقد أخطأ، ورواه بعضهم "هنيهة" وهو صحيح أيضًا. اهـ. أي بقلب الياء هاء، قال الحافظ ابن حجر: قال غير النووي: لا يمنع ذلك إجازة رواية الهمزة، فقد تقلب الياء همزة. اهـ والمراد بالهنية الزمن القصير. وفي رواية للبخاري "إسكاتة" أي يسيرة.

ص: 285

(بأبي أنت وأمي) الجار والمجرور متعلق بمحذوف اسم أو فعل في محل الخبر، و"أنت" مبتدأ مؤخر، والتقدير: أنت مفدي بأبي وأمي، أو أنت أفديك بأبي وأمي.

(أرأيت سكوتك)"سكوتك" مفعول "أرأيت".

(ما تقول)؟ "ما" اسم استفهام مبتدأ، والجملة بعده خبره، والرابط محذوف أي ما تقول فيه؟ وجملة الاستفهام في محل المفعول الثاني لـ "أرأيت" والمعنى أخبرني عما تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة، فإن قيل إن السكوت مناف للقول، فكيف يصح أن يقال: ما تقول في سكوتك؟ أجيب بأنه سكوت ظاهري وقول خفي، ولعل السائل استدل عليه بحركة الفم، كما استدل غيره على قراءة القرآن في الظهر والعصر باضطراب اللحية.

(اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)"باعد" بمعنى أبعد، والمفاعلة أفادت المبالغة والتكثير، و"ما" في "كما باعدت" مصدرية، والتقدير: كمباعدتك بين المشرق والمغرب، وموقع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب مستحيل، فكأنه أراد ألا يبقى للخطايا منه اقتراب بالكلية، فإن كان يراد بالخطايا الخطايا اللاحقة فمعناه إذا قدر لي ذنب واحتمل وقوعه فباعد بيني وبين وقوعه، وإن كان يراد بها السابقة فمعناه المحو والغفران، وهذا معنى قول الحافظ ابن حجر: المراد بالمباعدة محو ما حصل منها والعصمة عما سيأتي منها، وفي الكلام مجاز لأن حقيقة المباعدة في الزمان والمكان، وتكرير لفظ "بين" في قوله "بيني وبين خطاياي" لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض. قاله الكرماني.

(اللهم نقني من خطاياي) التنقية مجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها.

(كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس) الدنس الوسخ، واختار الثوب الأبيض لأن الدنس القليل يظهر فيه، وإذا نقي كان أظهر الألوان.

(اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد) رواية البخاري "اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد" والبرد حب صغير متجمد من البرودة قال الخطابي: ذكر الثلج والبرد بعد ذكر الماء تأكيد، أو لأنهما ماءان لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال، وقال ابن دقيق العيد: عبر بذلك عن غاية المحو، فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء وقال الكرماني: جعل الخطايا بمنزلة نار جهنم، لأنها مستوجبة لها، فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل تأكيدًا في الإطفاء، وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيًا عن الماء إلى أبرد منه، وهو الثلج، ثم إلى أبرد من الثلج وهو البرد. بدليل جموده، لأن ما هو أبرد فهو أجمد، وأما تثليث الدعوات [اللهم

اللهم

اللهم

] فيحتمل أن يكون نظرًا إلى الأزمنة الثلاثة، فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل الماضي.

(استفتح القراءة بالحمد للَّه رب العالمين) الباء حرف جر "الحمد لله" برفع الحمد على الحكاية فهو مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية.

ص: 286

(ولم يسكت) بين تكبيرة القيام والقراءة، لا كما يفعل بين تكبيرة الإحرام والقراءة.

(وقد حفزه النفس) قال النووي: هو بفتح حروفه وتخفيفها، أي ضغطه لسرعته.

ولعل هذه العبارة لبيان سر ظهور صوته بالحمد والثناء.

(الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا) أي خالصًا عن الرياء والسمعة.

(مباركًا فيه) أي كثير الخير.

(فأرم القوم) بفتح الراء وتشديد الميم، أي سكتوا. قال القاضي عياض: ورواه بعضهم في غير صحيح مسلم "فأزم القوم" بالزاي المفتوحة وتخفيف الميم من الأزم، وهو الإمساك، وهو صحيح المعنى.

(فإنه لم يقل بأسًا) أي لم يقل خطأ يؤلم أو يضر.

(يبتدرونها) أي يسعون في المبادرة، يقال: ابتدروا السلاح أي سارعوا إلى أخذه.

(أيهم يرفعها) في رواية البخاري "أيهم يكتبها أول" قال العيني: يحمل على أنهم يكتبونها ثم يصعدون بها.

(الله أكبر كبيرًا) قال النووي: أي كبرت كبيرًا.

-[فقه الحديث]-

دعاء الاستفتاح من سنن الصلاة عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وقال مالك: لا يستحب دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام، بل يقرأ الفاتحة عقب التكبيرة، واستدل بما في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين قال الحافظ ابن حجر: وحديث أبي هريرة [وهو حديث الباب] يرد عليه، وقد تحرر أن حديث أنس بيان ما يفتتح به القراءة، فليس فيه تعرض لنفي دعاء الافتتاح. اهـ

وقد دافع ابن بطال عن مذهب المالكية. فقال: لو كانت هذه السكتة فيما واظب عليه الشارع لنقلها أهل المدينة عياناً وعملاً، فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم فعلها في وقت ثم تركها، ورد عليه بأن الحديث ورد بلفظ "كان إذا قام إلى الصلاة" وبلفظ "كان إذا قام يصلي تطوعاً" وبلفظ "كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة" وكان هنا يشعر بالمداومة عليه.

ومع اتفاق الحنفية والشافعية والحنابلة على استحباب دعاء الاستفتاح اختلفوا في الصيغة المستحبة فمذهب أحمد والحنفية على صيغة رواها أبو داود وابن ماجه والترمذي عن عائشة قالت:

ص: 287

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" ومثله عند النسائي والترمذي من رواية أنس وأبي سعيد، وعمل به عمر بين يدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك اختاره أحمد، وجوز الاستفتاح بغيره لكونه قد صح وعند الحنفية لا يستفتح إلا بهذا الدعاء، قال العيني الحنفي: وأما الأدعية الأخرى الواردة في هذا الباب فيدعو بها بعد الفراغ من التشهد في الفرض أو يدعو بها في النفل، لأن باب النفل واسع، وكل ما جاء في هذه الأدعية فمحمول على صلاة الليل وذهب الشافعي إلى الاستفتاح بما رواه مسلم في باب التهجد عن علي بن أبي طالب" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين" وبما رواه مسلم أيضاً في هذا الباب من "اللهم باعد بيني وبين خطاياي

إلخ" وقد رواه البخاري كذلك. وقال ابن الأثير في شرح المسند: الذي ذهب إليه الشافعي في الأم أنه يأتي بهذه الأذكار جميعاً من أولها إلى آخرها في الفريضة والنافلة. أي يجمع بين دعاء الحنفية وما روي هنا، وهل يستعيذ قبل القراءة أولاً؟ الشافعية والحنفية والحنابلة على استحباب الاستعاذة لقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98] وقال مالك: لا يستعيذ لحديث أنس السابق "كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين" وقد سبق توجيهه.

-[ويؤخذ من أحاديث الباب فوق ما تقدم]-

1 -

أن دعاء الاستفتاح سنة في حق الإمام والمأموم والمنفرد، خلافًا للمزني الذي سنه في حق الإمام فقط. قال الحافظ ابن حجر: هذا الدعاء صدر منه صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة في إظهار العبودية، وقيل: قاله على سبيل التعليم لأمته، واعترض بكونه لو أراد ذلك لجهر به، وأجيب بورود الأمر بذلك في حديث سمرة عند البزار.

2 -

ما كان عليه الصحابة من المحافظة على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته وإسراره وإعلانه حتى حفظ الله بهم الدين.

3 -

وفيه تفدية الرسول صلى الله عليه وسلم بالآباء والأمهات. وهل يجوز تفدية غيره من المؤمنين؟ الأصح نعم بلا كراهة، وقيل بالمنع مطلقًا وأن ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم، وقيل: يجوز تفدية العلماء والصالحين الأخيار دون غيرهم.

4 -

استدل بالرواية الأولى بعض الشافعية على أن الثلج والبرد مطهران واستبعده ابن عبد السلام.

5 -

استدل به بعض الحنفية على نجاسة الماء المستعمل وهذا الاستدلال أشد بعدًا من سابقه.

6 -

استدل بالرواية الثالثة على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور.

7 -

وعلى جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على من معه.

وظاهر صنيع مسلم أن الذكر الوارد في الرواية الثالثة والرابعة يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة،

ص: 288

وهو غير صحيح، فقد ساق البخاري هذا الحديث على أنه يقال عند الرفع من الركوع، وهو الظاهر.

8 -

ومن الرواية الثالثة يؤخذ ما كان عليه الصحابة من الهيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سكتوا مع علمهم بالمتكلم حتى كرر الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال ثلاثاً كما في بعض الروايات. وإذ سكت الذاكر نفسه، وهو رفاعة بن رافع، إذ جاء في بعض الروايات "أنه قال في نفسه: وددت أني خرجت من مالي، وأني لم أشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة".

واعتذر الحافظ ابن حجر عنهم بأنه لما لم يعين واحدًا بعينه في سؤاله لم تتعين المبادرة بالجواب، من المتكلم، ولا من واحد بعينه، فكأنهم انتظروا بعضهم ليجيب، وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء، ظناً منهم أنه أخطأ فيما فعل، ورجوا أن يقع العفو عنه، وكأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى سكوتهم فهم ذلك فعرفهم أنه لم يقل بأسًا.

9 -

واستدل بالرواية الثالثة على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعًا "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر".

والظاهر أن العدد [اثنى عشر ملكًا] غير مقصود لذاته ولا مفهوم له، والمراد كثرة المبتدرين، إذ رواية الطبراني "ثلاثة عشر ملكًا" ورواية البخاري "بضعة وثلاثين ملكًا".

10 -

ويؤخذ من قول ابن عمر في الرواية الرابعة "فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك" ما كان عليه الصحابة من الحرص على السنن والمحافظة عليها.

واللَّه أعلم

ص: 289