المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(182) باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٣

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(179) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(180) باب القراءة في الصبح والمغرب

- ‌(181) باب القراءة في العشاء

- ‌(182) باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام

- ‌(183) باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام

- ‌(184) باب متابعة الإمام والعمل بعده

- ‌(185) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(186) باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود

- ‌(187) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(188) باب فضل السجود والحث عليه

- ‌(189) باب أعضاء السجود، والنهي عن كف الشعر والثوب

- ‌(190) باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض

- ‌(191) باب ما يجمع صفة الصلاة، وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع، والاعتدال منه، والسجود والاعتدال منه، والتشهد بعد كل ركعتين من الرباعية، وصفة الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول

- ‌(192) باب سترة المصلي والندب إلى الصلاة خلف سترة والنهي عن المرور بين يدي المصلي، وحكم المرور ودفع المار وجواز الاعتراض بين يدي المصلي، والصلاة إلى الراحلة والأمر بالدنو من السترة، وبيان قدر السترة وما يتعلق بذلك

- ‌(193) باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه

- ‌كتاب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌(194) باب الأرض كلها مسجد وتربتها طهور

- ‌(195) بناء مسجد المدينة - والصلاة في مرابض الغنم

- ‌(196) باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة

- ‌(197) باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌(198) باب فضل بناء المساجد والحث عليها

- ‌(199) باب وضع الأيدي على الركب في الركوع

- ‌(200) باب جواز الإقعاء على العقبين

- ‌(201) باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان

- ‌(202) باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه وجواز العمل القليل في الصلاة

- ‌(203) باب جواز حمل الصبيان في الصلاة وأن ثيابهم محمولة على الطهارة حتى تتحقق نجاستها وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وكذا إذا فرق الأفعال

- ‌(204) باب الخطوة والخطوتين في الصلاة، وأنه لا كراهة في ذلك إذا كان لحاجة وجواز صلاة الإمام على موضع أرفع من المأمومين للحاجة كتعليمهم الصلاة أو غير ذلك

- ‌(205) باب كراهة الاختصار في الصلاة

- ‌(206) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة

- ‌(207) باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها والنهي عن بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه

- ‌(208) باب جواز الصلاة في النعلين

- ‌(209) باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام

- ‌(210) باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الحدث ونحوه

- ‌(211) باب نهي من أكل ثومًا أو بصلاً أو كراثًا أو نحوها مما له رائحة كريهة عن حضور المسجد حتى تذهب تلك الريح، وإخراجه من المسجد

- ‌(212) باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد

- ‌(213) باب السهو في الصلاة والسجود له

- ‌(214) باب سجود التلاوة

- ‌(215) باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين

- ‌(216) باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته

- ‌(217) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌(218) باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم

- ‌(219) باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته

- ‌(220) باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة

- ‌(221) باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيًّا

- ‌(222) باب متى يقوم الناس للصلاة

- ‌(223) باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة

- ‌(224) باب أوقات الصلوات الخمس

- ‌(225) باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى الجماعة ويناله الحر في طريقه

- ‌(226) باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر

- ‌(227) باب استحباب التبكير بالعصر

- ‌(228) باب التغليظ في تفويت صلاة العصر

- ‌(229) باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر

- ‌(230) باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما

- ‌(231) باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس

- ‌(232) باب وقت العشاء وتأخيرها

- ‌(233) باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها

- ‌(234) باب كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام

- ‌(235) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها وأنها فرض كفاية

- ‌(236) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر

- ‌(237) باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات [وأين يقف الصبي والمرأة من الإمام]

- ‌(238) باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعة، وفضل انتظار الصلاة، وكثرة الخطا إلى المساجد، وفضل المشي إليها، وفضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح، وفضل المساجد

- ‌(239) باب من أحق بالإمامة

- ‌(240) باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائمًا

- ‌(241) باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها

- ‌كتاب صلاة المسافرين

- ‌(242) باب قصر الصلاة

- ‌(243) باب الصلاة في الرحال في المطر

- ‌(244) باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت به

- ‌(245) باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌(246) باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال واستحباب وقوف المأموم يمين الإمام

- ‌(247) باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة

- ‌(248) باب ما يقول إذا دخل المسجد

- ‌(249) باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات، واستحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه

- ‌(250) باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان

- ‌(251) باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما

- ‌(252) باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن

- ‌(253) باب جواز النافلة قائمًا وقاعدًا وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا

- ‌(254) باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة

- ‌(255) باب الترغيب في قيام الليل وهو التراويح وباب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر وبيان دليل من قال: إنها ليلة سبع وعشرين

- ‌(256) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل

- ‌(257) باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل

- ‌(258) باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت

- ‌(259) باب استحباب صلاة النافلة في البيت

- ‌(260) باب فضيلة العمل الدائم والأمر بالاقتصاد في العبادة وأمر من لحقه نوم أو ملل أن يترك حتى يذهب عنه

- ‌(261) باب فضائل القرآن وما يتعلق به وباب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها

- ‌(262) باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن

- ‌(263) باب نزول السكينة لقراءة القرآن

- ‌(264) باب فضيلة حافظ القرآن

- ‌(265) باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل

- ‌(266) باب فضل استماع القرآن والبكاء والتدبر عنده

- ‌(267) باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وفضل قراءة سورة البقرة وآل عمران والفاتحة والكهف وآية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين وفضل قراءة القرآن في الصلاة وغيرها

- ‌(268) باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه

الفصل: ‌(182) باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام

(182) باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام

856 -

عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ فقال: "يا أيها الناس إن منكم منفرين. فأيكم أم الناس فليوجز. فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة".

857 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء".

858 -

عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا ما قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة فإن فيهم الكبير وفيهم الضعيف وإذا قام وحده فليطل صلاته ما شاء".

859 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن في الناس الضعيف والسقيم وذا الحاجة"

860 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله غير أنه قال (بدل السقيم): الكبير.

861 -

عن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "أم قومك" قال قلت: يا رسول الله إني أجد في نفسي شيئا قال: "ادنه" فجلسني بين يديه ثم وضع

ص: 27

كفه في صدري بين ثديي ثم قال: "تحول" فوضعها في ظهري بين كتفي ثم قال "أم قومك. فمن أم قوما فليخفف. فإن فيهم الكبير وإن فيهم المريض وإن فيهم الضعيف. وإن فيهم ذا الحاجة. وإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء".

862 -

عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أممت قوما فأخف بهم الصلاة".

863 -

عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوجز في الصلاة ويتم.

864 -

عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أخف الناس صلاة في تمام.

865 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

866 -

عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة.

867 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأدخل الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمه به".

-[المعنى العام]-

صدق الله العظيم حيث يقول {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} [النساء: 28] وحيث يقول {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]

ولقد حرص الإسلام في تشريعه السمح على أن لا يشق على الأمة، وراعى حالة الضعفاء والمرضى

ص: 28

والمشتغلين بمطالب الحياة {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} [المزمل: 20]، فجعل الضعيف أمير الركب، وطلب من الأقوياء أن يسيروا بخطى الضعفاء، وكان صلى الله عليه وسلم خير مطبق لهذا القانون بطبعه ووجدانه {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128]

لقد غضب صلى الله عليه وسلم على معاذ حين طول القراءة على المأمومين، واستفتح بسورة البقرة، فعنفه، وحذره من مثل ذلك لئلا ينصرف الناس عن الإسلام وصلاة الجماعة، ولعل أئمة لم يعلموا بقصته فطولوا رغبة في زيادة الثواب، أو لعلهم ظنوا أن الصبح غير العشاء، فالعشاء يحتاج أهلها للنوم، أما الصبح فقد شبعوا من النوم واستقبلوا الحركة والحياة بكثير من النشاط والرغبة في الخير.

وكان من هؤلاء الأئمة أبي بن كعب في مسجد قباء، وشكا الشاكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، إني ضعيف لا أقوى على صلاة الصبح جماعة مع أبي، لأنه يطيل القراءة، فأضطر إلى التخلف عن صلاة الجماعة وأصلي منفردا، أو أتشاغل ببعض مصالحي حتى يقطع شوطا من قراءته، ثم أحاول اللحاق به فلا أكاد أدرك الصلاة. فغضب صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، ودعا أبي بن كعب، ودعا جمعا من الأئمة، وقال: أيها الناس: إن منكم منفرين، ينفرون الناس عن صلاة الجماعة بطول القراءة، إذا ما قام أحدكم إماما للناس فليخفف، فإن من ورائه يصلي الصغير والكبير والضعيف والمريض والحامل والمرضع وابن السبيل وذو الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده فليطل في صلاته ما شاء.

أيها الناس: إنني لا أراعي المرضى والضعفاء فحسب. بل أراعي أحاسيس من خلفي ومشاغلهم ووجدهم، إنني أدخل في الصلاة وأنا أنوي وأريد تطويلها، فأسمع بكاء الطفل، فأقدر انشغال أمه ببكائه، وحرصها على سرعة لقائه واحتضانه، فأقرأ بالسورة القصيرة، وأخفف من صلاتي من أجل الصبي وأمه.

أفلا تقدرن أن خلفكم المريض والمسن والضعيف وذا الحاجة؟

أيها الناس يسروا ولا تعسروا، وخففوا ولا تطولوا، مع المحافظة على أركان الصلاة وسننها واستجاب الصحابة رضي الله عنهم، فكان عبد الرحمن بن عوف يقرأ بأقصر سورتين في القرآن {إنا أعطيناك الكوثر} {إذا جاء نصر الله والفتح} واقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه أنس بن مالك كان صلى الله عليه وسلم من أخف الناس صلاة في تمام، وما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

-[المباحث العربية]-

(إني لأتأخر عن صلاة الصبح)"أي فلا أحضرها جماعة" وفي رواية "إني لأتأخر عن

ص: 29

صلاة الغداة" وهي الصبح، وفي رواية "والله إني لأتأخر" بزيادة القسم، وفي رواية "إني لا أكاد أدرك الصلاة" أي لاطمئنانه إلى تطويل الإمام يتشاغل عن الإسراع إليه فتكاد تفوته الجماعة.

وخص الصبح من بين بقية الصلوات لأنها تطول فيها القراءة غالبا، ولأن الانصراف منها في وقت التوجه إلى الأعمال والحرف.

(من أجل فلان) المقصود به أبي بن كعب، قال الحافظ ابن حجر: وهم من فسره بمعاذ، لأن قصة معاذ كانت في صلاة العشاء، وفي مسجد بني سلمة، وهذه كانت في الصبح وفي مسجد قباء. اهـ

(مما يطيل بنا) أي في القراءة، كما هو ظاهر في العلاج والأمر بالتخفيف، وما مصدرية.

(فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط) قط بفتح القاف وتشديد الطاء ظرف زمان لاستغراق ما مضى، وبنيت لتضمنها معنى مذ وإلى وتختص بالنفي، فالمعنى ما رأيته فيما انقطع من عمري وما مضى من زمان.

(أشد مما غضب)"أشد" بالنصب، نعت لمصدر محذوف، أي غضبًا أشد من غضبه وما مصدرية.

(يومئذ) التنوين عوض عن جملة، أي يوم أخبر بذلك.

(إن منكم منفرين) بصيغة الجمع من التنفير، يقال: نفر ينفر نفورا، إذا فر وذهب، ونفره بتشديد الفاء إذا دفعه إلى النفور.

(فأيكم أم الناس) أي فأي واحد منكم، وفي رواية "فأيكم ما صلى" بما الزائدة، وفي رواية "فمن أم الناس" وذلك بالإضافة إلى روايات الباب.

(فليوجز) اللام لام الأمر، وفي رواية "فليتجوز" والإيجاز التقليل والتخفيف وهو ضد الإطناب.

(فإن من ورائه) وفي الروايات الآتية "فإن فيهم" وفي رواية "فإن خلفه" وفي رواية "فإن منهم"

(الكبير والضعيف وذا الحاجة) المراد من الكبير المسن الذي وهن بالشيخوخة، والمراد بالضعيف الذي لا يحتمل، أعم من أن يكون الضعف بسبب المرض، أو بسبب في أصل الخلقة كالنحيف، أو بسبب السن، فيكون من ذكر العام بعد الخاص، وفي الرواية الثانية "فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فالمراد من الصغير الذي لا يحتمل التطويل بسبب صغر السن، ومن الكبير الذي لا يحتمل بسبب الشيخوخة ومن الضعيف الذي لا يحتمل بسبب في خلقته، ومن المريض الذي لا يحتمل بسبب مرضه.

ص: 30

وفي الرواية الرابعة "الضعيف والسقيم" والمراد من السقيم المريض، وكان من الممكن أن يجمعها بقوله "فإن فيهم من لا يحتمل" لكن ذكر هذه الأوصاف مدعاة إلى الإشفاق وإلى الاستجابة بالتخفيف، أما ذو الحاجة فيراد به صاحب المصلحة العاجلة كالمسافر والعامل والمشغول بأمر من أموره الداعية إلى الإسراع. فقد جاء في رواية "والعابر السبيل" وفي أخرى "الحامل والمرضع".

(فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء) أي مخففًا أو مطولاً، وفي الرواية الثالثة "فليطل صلاته ما شاء" من أطال، وفي رواية "فيطول ما شاء" من طول، و"ما" زمانية، أي فليطول المدة التي يشاؤها، "وكيف" في رواية "كيف شاء" شرطية، وجوابها محذوف، دليله ما قبلها.

(إذا ما قام أحدكم للصلاة)"ما" زائدة بعد أداة الشرط غير الجازمة، وهي "إذا"

(إني أجد في نفسي شيئًا) قال النووي: يحتمل أنه أراد الخوف من حصول شيء من الكبر والإعجاب له بتقديمه على الناس، ويحتمل أنه أراد الوسوسة في الصلاة، فإنه كان موسوسًا، ولا يصلح للإمامة الموسوس. اهـ

(قال: ادنه) الهاء هاء السكت، و"أدن" فعل أمر.

(فجلسني بين يديه) بتشديد اللام، أي أجلسني أمامه.

(ثم وضع كفه في صدري) أي على صدري، وحروف الجر ينوب بعضها عن بعض، وفي أدخل في التمكن كتمكن المظروف في ظرفه.

(بين ثديي) بتشديد الياء على التثنية، قال النووي وفيه إطلاق الثدي على حلمة الرجل، وهذا هو الصحيح، ومنهم من منعه اهـ

(ثم قال: تحول) أي ضع صدرك جهة ظهرك، وظهرك جهة صدرك.

(فوضعها في ظهري بين كتفي) بتشديد الياء، تثنية كتف، أي فوضع كفه على وسط ظهري.

(إذا أممت قوما فأخف بهم الصلاة) هذه الجملة مقصود لفظها وحكايتها، خبر المبتدأ أي آخر عهده إلى هذا القول.

(ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم "قط" وأخف صفة إمام مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف وصلاة تمييز.

(إني لأدخل الصلاة أريد إطالتها) جملة "أريد" في محل النصب على الحال، وفي رواية "إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها".

ص: 31

(أسمع بكاء الصبي) قال العيني، البكاء إذا مددت أردت به الصوت الذي يكون معه، وإذا قصرت أردت خروج الدمع، وهنا ممدود لا محالة بقرينة "فأسمع" إذ السماع لا يكون إلا في الصوت. اهـ وليس المقصود بالصبي خصوص الذكر، بل ومثله الصبية.

(فأخفف من شدة وجد أمه به) أي فأخفف الصلاة، وقال النووي: الوجد يطلق على الحزن وعلى الحب أيضًا، وكلاهما سائغ هنا، والحزن أظهر أي من حزنها واشتغال قلبها به. اهـ.

-[فقه الحديث]-

قال ابن دقيق العيد: التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم، طويلا بالنسبة لعادة آخرين. اهـ

وظاهر الأحاديث أن تخفيف الصلاة إنما هو مراعاة لحال المأمومين، ومن هنا قال بعضهم: لا يكره التطويل إذا علم رضا المأمومين، واعترض بأن الإمام لو فرض علمه بحال من بدأ الصلاة معه فإنه لا يعلم حال من قد يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة، قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا يكره التطويل مطلقا إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم. اهـ

وقال اليعمري: الأحكام إنما تناط بالغالب، لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقا. وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر، وعلل بالمشقة، وهو مع ذلك يشرع ولو لم يشق، عملا بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وكذلك هنا.

-[ويؤخذ من الأحاديث: ]-

1 -

قال النووي: في الأحاديث الأمر للإمام بتخفيف الصلاة، بحيث لا يخل بسننها ومقاصدها، وأنه إذا صلى لنفسه طول ما شاء في الأركان التي تحتمل التطويل، وهي القيام والركوع والسجود والتشهد، دون الاعتدال والجلوس بين السجدتين. اهـ وسيأتي مزيد لهذا البحث في الباب التالي.

2 -

يؤخذ من قوله "إني لأتأخر عن صلاة الصبح" جواز التأخر عن صلاة الجماعة إذا علم أن من عادة الإمام التطويل الكثير، حيث لم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل.

3 -

وفيه جواز ذكر الإنسان بهذا ونحوه في معرض الشكوى والاستفتاء.

4 -

وفيه الغضب لما ينكر من أمور الدين والغضب في الموعظة، قال ابن دقيق العيد: وسبب غضبه صلى الله عليه وسلم إما مخالفة الموعظة [إن قلنا بسبق العلم، باحتمال كون هذه القصة بعد قصة معاذ، وعليه أتى بصيغة الجمع هنا] أو للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه، ويحتمل أن يكون ما ظهر من الغضب لإرادة الاهتمام بما يلقيه لأصحابه، ليكونوا من سماعه على بال، لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله اهـ قال الحافظ ابن حجر: وهذا أحسن في الباعث على أصل إظهار الغضب، أما كونه أشد فالاحتمال الثاني أوجه. اهـ

ص: 32

5 -

استدل بعضهم بقوله "فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء" على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت وفيه نظر، لأنه يعارض عموم قوله في بعض الأحاديث "إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى" رواه مسلم قال الحافظ ابن حجر: وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة ترك المفسدة أولى.

6 -

قال الحافظ ابن حجر: واستدل بعمومه على جواز تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين اهـ

وفيه نظر، لأن الشكوى وعلاجها في القراءة، ولا تتعرض لباقي الأركان

7 -

ويؤخذ من حديث بكاء الصبي جواز صلاة النساء مع الرجال في المسجد.

8 -

وأن الصبي يجوز إدخاله المسجد، وإن كان الأولى تنزيه المسجد عمن لا يؤمن منه حدث.

9 -

وفيه دليل على الرفق بالمأمومين وسائر الأتباع ومراعاة مصالحهم، وأن لا يدخل ما يشق عليهم وإن كان يسيرا من غير ضرورة، ذكره النووي.

10 -

استدل بقوله "إني لأدخل الصلاة أريد إطالتها" إلخ أن من قصد في الصلاة الإتيان بشيء مستحب لا يجب عليه الوفاء به، خلافا لأشهب، حيث ذهب إلى أن من نوى التطوع قائما ليس له أن يتمه جالسا.

11 -

قال ابن بطال: احتج به من قال: يجوز للإمام إطالة الركوع إذا سمع بحس داخل ليدركه، وتعقبه ابن المنير بأن التخفيف نقيض التطويل، فكيف يقاس عليه؟ قال: ثم إن فيه مغايرة للمطلوب لأن فيه إدخال المشقة على جماعة من أجل الواحد. اهـ قال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يقال: إن محل ذلك ما لم يشق على الجماعة، وبذلك قيده أحمد وإسحق وأبو ثور، وما ذكره ابن بطال سبقه إليه الخطابي، ووجهه بأنه إذا جاز التخفيف لحاجة من حاجات الدنيا كان التطويل لحاجة من حاجات الدين أجوز: وتعقبه القرطبي بأن التطويل هنا زيادة عمل في الصلاة غير مطلوب بخلاف التخفيف، فإنه مطلوب اهـ وفي المسألة خلاف عند الشافعية وتفصيل وبالكراهة قال الأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف وقال محمد بن الحسن: أخشى أن يكون شركا.

والله أعلم

ص: 33