الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(263) باب نزول السكينة لقراءة القرآن
1606 -
عن البراء رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو وجعل فرسه ينفر منها فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: "تلك السكينة تنزلت للقرآن".
1607 -
عن البراء رضي الله عنه قال: قرأ رجل الكهف وفي الدار دابة فجعلت تنفر فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته قال فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اقرأ فلان فإنها السكينة تنزلت عند القرآن أو تنزلت للقرآن".
1608 -
- عن أبي إسحق قال سمعت البراء يقول فذكرا نحوه غير أنهما قالا: تنقز.
1609 -
عن أسيد بن حضير رضي الله عنه بينما هو ليلة يقرأ في مربده إذ جالت فرسه فقرأ ثم جالت أخرى فقرأ ثم جالت أيضًا. قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى فقمت إليها، فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السرج عرجت في الجو حتى ما أراها. قال فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي إذ جالت فرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ ابن حضير" قال: فقرأت ثم جالت أيضًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ ابن حضير". قال: فقرأت ثم جالت أيضًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ ابن حضير". قال: فانصرفت وكان يحيى قريبًا منها خشيت أن تطأه فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السرج عرجت في الجو حتى ما أراها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم".
-[المعنى العام]-
لكلام اللَّه تعالى فضيلة، ولتلاوته سكينة وطمأنينة ورهبة، ولتدبره خشوع وخضوع ولذة.
لقد قال كافرهم حين سمعه: واللَّه إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق. وكل كلام يعاد ويتكرر يمل ويضعف إلا القرآن الكريم لا يخلق على كثرة الرد، ولا يشبع منه العلماء، يزيده حلاوة وطراوة صوت حسن، وتلاوة دقيقة رقيقة، وإذا كان هذا أثره في البشر فما بالنا بأثره في ملائكة اللَّه؟
لقد كان أسيد بن حضير الصحابي الجليل ذو الصوت الحسن الرقيق يقرأ القرآن في منزله في جوف الليل وقد ربط فرسه في مربطه بحبل مزدوج، لأنه فرس جموح، ونام ابنه يحيى على الأرض قريبًا من الفرس، وجلس أسيد أو قام يصلي في مكان قريب من ابنه، في حائط صغير يتخذ مخزنًا للتمر يجفف فيه ويحفظ، وما كان لهم بيوت بحجرات ولا فرش وأسرة، وفي هدوء الليل وروعته تجلجل صوت أسيد بن حضير بالقرآن الكريم وسورة البقرة والكهف، وسمعت ملائكة اللَّه الصوت الرقيق بالقرآن الكريم فتنزلت له من قرب، حتى دنت من الفرس، ورآها الفرس كأن سحابة تهبط عليه فنفر وأخذ يضرب الأرض بقوائمه ويشيح ذات اليمين وذات الشمال بعنقه ورأسه ويحاول الجري والفرار خوفًا ورعبًا. سكت أسيد عن القراءة فهدأ الفرس، وسكن كأن السحابة تلاشت حين سكت، فقرأ فنفر الفرس، وسكت فسكن الفرس، فقرأ فهاجت. عجبًا يرى ظلة فيها مصابيح تدنو وتقرب والفرس يحس بها ويراها وينفر. والولد قريب من الفرس، يخشى عليه أن تطأه بحوافرها أثناء جموحها. لقد دفعته عاطفة الأبوة أن يرفع ولده ويبعده عن الفرس ثم يعود للقراءة. لكنه - وا أسفاه - ما إن قام نحو ابنه حتى رأى الظلة تعرج وتمضي نحو السماء حتى اختفت عن ناظريه. فأصبح يحدث رسول اللَّه بهذا الأمر العجيب، فقال له صلى الله عليه وسلم: ليتك مضيت في القراءة حتى الصباح، إنها السكينة والملائكة جاءت تستمع لقراءتك، ولو بقيت حتى الصباح تقرأ لبقيت مشغولة بالسماع لا تتستر حتى يراها الناس.
-[المباحث العربية]-
(كان رجل) الظاهر أنه: أسيد بن حضير المصرح به في الرواية الثالثة. قال الحافظ ابن حجر: وقد وقع قريب من ذلك لثابت بن قيس بن شماس.
(عنده فرس مربوط) الفرس يقع على الذكر والأنثى، فهو في هذه الجملة مذكر، وفي جملة "إذ جالت فرسه" في الرواية الثالثة مؤنث.
(بشطنين) تثنية "شطن" بفتح الشين والطاء، وهو الحبل. وقيل: الحبل الطويل. وقيل: الحبل الطويل المضطرب، وكأنه للحبل حين اضطرابه، وقيل مأخذه الشيطان لكثرة تحركه واضطرابه.
ولعل الرجل قد ربط الفرس بحبلين لا بحبل واحد كما هو الأصل، لأن فرسه كان شديد الصعوبة والجموح، وهذا ما دعاه للخوف على ابنه يحيى.
(فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر) الظاهر أن ضمير المفعول في "فتغشته" للفرس، لأن الذي رآها وتأثر بها هو الفرس ويصح أن يكون للرجل، وظاهر الرواية الثالثة أن أسيدًا رأى الظلة وهي تعرج لكن قوله في الرواية الأولى:"فجعلت تدور وتدنو وجعل الفرس ينفر". صريح في أنه رآها وهي تدنو، فالرواية الأولى تصف حالة من حالتيه، والثانية تصف الأخرى. و"ينفر" قال النووي: بالفاء والراء في الرواية الأولى. و"تنفر" بالفاء والراء في الرواية الثانية، أما الثالثة فبالقاف المضمومة وبالزاي، أي تثب هذا هو المشهور، ووقع في بعض النسخ في الثالثة "ينفز" بالفاء والزاي، وحكاه القاضي عياض عن بعضهم وغلطه وقال: لا معنى له. اهـ.
والسحابة هي الضبابة الواردة في الرواية الثانية، وهي "مثل الظلة" الواردة في الرواية الثالثة، أي مثل سحابة تظل.
(تلك السكينة) جاء لفظ السكينة في القرآن متكررًا وفسر تفسيرات مختلفة، قال تعالى:{فأنزل الله سكينته عليه} [التوبة: 40]. {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} [الفتح: 4]، {آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم} [البقرة: 248]. فعن علي رضي الله عنه: "السكينة ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان". وقيل: لها رأسان. وقيل: لها رأس كرأس الهر. وقيل: لعينها شعاع. وقال السدي: السكينة طست من ذهب من الجنة يغسل فيها قلوب الأنبياء. وعن أبي مالك: هي التي ألقى فيها موسى الألواح والتوراة والعصا. وهذه كلها أقوال لا سند لها، ولا يعتمد عليها هنا، فلو كانت غير مثل السحابة لحكاها أسيد، فالسكينة الطمأنينة يبعثها اللَّه في قلب من يشاء، ولا يعنينا ما به السكينة، فقد يكون ظلة، وقد يكون نورًا، وقد يكون ريحًا، وقد تنبعث من داخل النفس دون مظهر خارجي، والظاهر من الرواية الثالثة أنها كانت مثل السحابة فيها الملائكة كأمثال السرج.
(تنزلت للقرآن) في الرواية الثانية "تنزلت عند القرآن". وفي رواية للبخاري "دنت لصوتك".
(بينما هو ليلة يقرأ) كلمة "بين" زيدت عليها "ما" ظرف خافض لشرطه بالإضافة منصوب بجوابه، وجوابه هنا قوله:"إذ جالت فرسه" أي فاجأه نفور الفرس وقت قراءته.
(في مربده) بكسر الميم وفتح الباء بينهما راء ساكنة، الموضع الذي ييبس فيه التمر.
(إذ جالت فرسه) من الجولان وهو الاضطراب الشديد.
(اقرأ ابن حضير) منادى. أي اقرأ يا ابن حضير، أي كان ينبغي أن تستمر على قراءتك، وليس أمرًا له بالقراءة في حال التحديث، وكأنه استحضر صورة الحال، فصار كأنه حاضر عنده، لما رأى ما رأى، فكأنه يقول: استمر على قراءتك لتستمر لك البركة بنزول الملائكة واستماعها لقراءتك، وفهم أسيد ذلك فأجاب بعذره في قطع القراءة، وهو قوله:"خفت أن تطأ يحيى". أي خشيت إن استمررت على القراءة أن تطأ الفرس ولدي. قاله ابن حجر.
-[فقه الحديث]-
في رواية البخاري تحت باب [نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن]"عن أسيد بن حضير قال: "بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه عنده إذ جالت الفرس .. ". إلى آخر الحديث. فالمقروء بها سورة البقرة، والمقروء في بابنا سورة الكهف، وجمع بعضهم بجواز أن يكون قد قرأ السورتين فختم إحداهما وافتتح في الأخرى.
قال النووي: في هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة للملائكة. قال الحافظ ابن حجر: كذا أطلق وهو صحيح، لكن الذي يظهر التقييد بالصالح مثلاً والحسن الصوت.
قلت: لا داعي لتقييد الحافظ ابن حجر، فجواز رؤية الملائكة لحافظ القرآن الصالح الحسن الصوت ولغيره إذا شاء اللَّه مادامت بصورة غير الصور الحقيقة، فقد رآها قوم لوط، ورأى صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جبريل يعلم الناس أمور الإيمان، والإسلام، والإحسان، والساعة، ورآها بعض الصحابة في قتال بدر. واللَّه أعلم.
وقال النووي: وفي الحديث فضيلة القراءة، وأنها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة. واعترض عليه الحافظ ابن حجر أيضًا فقال: الحكم المذكور أعم من الدليل، فالذي في الرواية إنما نشأ عن قراءة خاصة من سورة خاصة بصفة خاصة، ويحتمل من الخصوصية ما لم يذكر، وإلا لو كان على الإطلاق لحصل ذلك لكل قارئ. اهـ. والحق أن قراءة القرآن سبب نزول الرحمة على القارئ، وحضور الملائكة على الإطلاق، وهو الذي قاله النووي. أما أن ترى بهذه الصورة فهي كما يقول ابن حجر في قراءة خاصة.
-[ما يؤخذ من الحديث فوق ما تقدم: ]-
وفي الحديث فضل قراءة البقرة وسورة الكهف في الليل.
وأن التشاغل بشيء من أمور الدنيا - ولو كان من المباح - قد يفوت الخير الكثير فكيف لو كان بغير الأمر المباح.
وفيه منقبة عظيمة لأسيد بن حضير رضي الله عنه.
وفضيلة قراءة القرآن بالصوت الحسن، فقد جاء في بعض الصحيح:"دنت لصوتك".
وفي رواية: "تستمع لك". وفي رواية: "وكان أسيد حسن الصوت". وفي رواية: "اقرأ أسيد فقد أوتيت من مزامير آل داود".
واللَّه أعلم