الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دفاع عن الأصمعي
قرأت ما كتب الأستاذ عبد الغني حسن في ردّه (1)، فوجدت أن أكبر ما احتَجّ به عليّ أن العبارة التي ساقها هي للسيوطي.
وأنا أحب أن أبين لأخي الأستاذ عبد الغني أن لو كان الخلاف بيننا على أمر شخصي لما باليت مع مَن مِنّا الحق، ولقبلت بما قال وتركت الجدال. ولكن الخلاف على صدق رجل رُوي عنه -كما قالوا- ربع اللغة، فإذا سقطت روايته سقط ربع لغتنا.
على أنه لو كان حقاً كما نقل الأستاذ لما دافعت عنه، ولكن الواقع أنه كان صادقاً، وكان أبعد الناس عن الخلاعة، وكان مقبول الرواية.
والأستاذ يعلم أن عندنا علماً ليس لأمة علم مثله، هو «علم الرجال» ، أعني علم «الجرح والتعديل» . ويعلم أن علماءه لم يدّخروا في هذا الشأن وسعاً، ويعلم أن أجمع كتاب للرجال
(1) وجدت هذه القطعة بخط جدي رحمه الله بغير تاريخ، وغلب على ظني -من نوع ورقها- أنها مكتوبة في أوائل الستينيات، ويبدو من السياق أنها كانت جزءاً من مناظرة أو حوار نُشر في بعض الصحف أو المجلات، ولعله امتد على حلقات عدّة (مجاهد).
هو «الخلاصة» للخَزْرَجي، الذي لخّص فيه كتاب «التذهيب» للحافظ الذهبي و «التقريب» لابن حجر و «الإكمال» لابن ماكولا و «الكمال» للحافظ عبد الغني المقدسي و «الجمع» لابن طاهر و «الميزان» للذهبي، وهي أعظم كتب هذا العلم.
وقد جاء في «الخلاصة» عن الأصمعي ما نصه: "هو أحد الأعلام، روى عن أبي عمرو بن العلاء ومِسْعَر (1) ومالك وخلائق، وروى عنه ابن مَعين ونصر بن علي وعمر بن شَيبة وخلق، وَثَّقَه ابن مَعين، وقال المبرَّد: كان بحراً في اللغة".
فالرجل إذن موثوق الرواية عند المحدِّثين. بل إن السيوطي نفسه يقول عنه في كتابه «بُغية الوُعاة» ما نصه: "أحد أئمة اللغة والغريب والأخبار والمُلَح والنوادر، روى عن أبي عمرو بن العلاء وقُرّة بن خالد ونافع بن أبي نعيم وشُعبة وحَمّاد
…
(إلى أن قال) وقال ابن مَعين: لم يكن ممّن يكذب. وقال أبو داود: صَدوق. وكان يتّقي أن يفسّر الحديث كما كان يتقي أن يفسر القرآن، وكان من أهل السنة، ولا يفتي إلا فيما أجمع عليه علماء اللغة، ويقف عمّا ينفردون عنه، ولا يجيز إلا الأفصح".
هذا ما قاله السيوطي فيه، فأين منه ما نقلتَه عنه؟ على أنه إن كان قال فيه ذلك في كتابه «المُزهِر» (2) وخالف ما قاله عنه هنا،
(1) مسعر بن كِدام الهلالي، من ثقات أهل الحديث، كان يقال له «المصحف» لعظم الثقة بما يرويه (مجاهد).
(2)
في «المزهر» للسّيوطي (1/ 118): "الأصمعي كان منسوباً إلى الخلاعة ومشهوراً بأنه كان يزيد في اللغة ما لم يكن منها"(مجاهد).
فلقد شهد له الإمام الذي يقلّده السيوطي، والذي كان أقدم من السيوطي وأعلم، وهو الشافعي، شهد له بالصدق.
وفي ترجمته في «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي المحدّث أخبار تدل على تديّنه وتصوّنه، وكذلك عند ابن خلّكان، وعند غيرهما ممن ترجم له من الثقات. وأثنى عليه وشهد له بالصدق كذلك أحمد بن حنبل، وعلي بن المَديني، ويحيى بن مَعين، وأبو داود، وهؤلاء هم أئمة الدين وشيوخ المحدّثين، ولا يضره -بعد شهاداتهم له- طعنُ طاعن في صدقه.
* * *