المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

من نوادر المخطوطات   ‌ ‌اختراع الخُراع نشرت سنة 1935   [أطلعني على هذه الرسالة صديقي - فصول في الثقافة والأدب

[علي الطنطاوي]

الفصل: من نوادر المخطوطات   ‌ ‌اختراع الخُراع نشرت سنة 1935   [أطلعني على هذه الرسالة صديقي

من نوادر المخطوطات

‌اختراع الخُراع

نشرت سنة 1935

[أطلعني على هذه الرسالة صديقي الشاعر الأديب السيد أحمد عُبَيد، أحد أصحاب المكتبة العربية العامرة بدمشق، فرأيتها رسالة عجيبة وتحفة أدبية غريبة، ورأيت فيها فناً من فنون الأدب العربي لا يعرفه الناس، ودليلاً على بُعد الغاية التي بلغها أدبنا، فأحببت أن أتحف بها قراء «الرسالة» فتكون لهم أفكوهة وللأدب خدمة، بتسجيل هذا الأثر الجميل من آثاره الضائعة.]

هذا الكتاب اسمه «اختراع الخُراع» . والخُراع في اللغة شيء يصيب الدابة في ظهرها فتبرك فلا تستطيع القيام.

ومؤلفه هو صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي المتوفى سنة 764هـ، أحد أئمة القلم والأدب في عصره، مولده سنة 696. له نظم جيد وله مؤلَّفات جليلة، وولي في مصر والشام كتابة الإنشاء لملوكها؛ كتب عنه شيخه الذهبي ووصفه بأنه "الإمام العالم الأديب البليغ الأكمل، طلب العلم وشارك في الفضائل

ص: 301

وساد في علم الرسائل، وقرأ الحديث وجمع وصنَّف، والله يمدّه بتوفيقه، سمع مني وسمعت منه، وله تآليف وكتب وبلاغة".

وقد نقلت هذه العبارة من كتاب «شذرات الذهب» . وأدلّ القراء الذين لا يعرفونه عليه لينتفعوا منه (أي «الشذرات»)، فهو تاريخ مفيد، بدأ من السنة الأولى للهجرة وانتهى إلى سنة ألف، يذكر في كل سنة ما كان فيها من الأحداث ومَن مات فيها من الأعلام.

والصفدي هو مؤلف الكتاب الكبير «الوافي بالوَفَيات» الذي يكاد يكون أجمع كتب التراجم (1). ومن مؤلفاته المطبوعة «نَكْت

(1) قال علي الطنطاوي في حاشية على المقالة يوم نشرها في الرسالة سنة 1935: "راجعت بعض التراجم في بعض الأجزاء الفوتوغرافية في دار الكتب المصرية العامرة، فوجدته قد جمع فأوعى ولم يَدَع بعده مجالاً لقائل". قلت: ولم يكن الكتاب صدر يومئذ، إنما كان مخطوطاً في خزائن الكتب، ثم وفّق الله إلى تحقيقه ونشره فصدر في ستة عشر مجلداً. وهذا الكتاب هو أوفى كتب التراجم وأجمعها بلا جدال (كما قال جدّي رحمه الله في عبارته هنا)؛ فقد افتتح ابن خَلِّكان التدوين في هذا الباب بكتابه العظيم «وَفَيات الأعيان» ، وبلغ فيه أواسط النصف الثاني من القرن السابع (توفي ابن خلكان سنة 681)، وبلغ عدد التراجم في كتابه نحو ثمانمئة، ثم جاء ابن شاكر الكُتْبي في القرن التالي فتمّم الكتاب بكتابه «فَوَات الوَفَيات» ، وفيه نحو ستمئة ترجمة. والغريب أنه والصفدي توفّيا جميعاً في سنة واحدة (764)، وكلاهما تابَعَ ابنَ خلّكان في كتابه. ورغم أن «الوافي» كتاب شامل عظيم (ترجم لنحو أربعة عشر ألفاً من الأعلام) إلا أن الحدود الزمانية لحياة مؤلفه تحدّه بأواسط القرن الثامن. ولما كان حجم التراجم في=

ص: 302

الهِمْيان في نُكَت العميان» (1) وله شرح لاميّة العَجَم، وكتب كثيرة معروفة.

مهر في فن الأدب، وكتب الخط المليح، وقال النظم الرائق، وألف المؤلفات الفائقة، وباشر كتابة الإنشاء بمصر ودمشق، ثم ولي كتابة السر بحلب، ثم وكالة بيت المال بالشام، وتصدى للإفادة بالجامع الأموي، وحدّث بدمشق وحلب

= تضخّم بمرور القرون وكان «الوافي» قد بلغ هذا المبلغ من الاتّساع، فإن المنطق فرض على المؤلفين أن يتوقفوا عن كتابة كتب شاملة في التراجم، وبدأ اتجاه جديد إلى التأليف في تراجم أعلام القرون؛ بدأ هذا المنهجَ الجديدَ الحافظُ ابن حجر في «الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة» ، وتبعه السَّخاوي في «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» ، ثم نجم الدين الغَزّي في «الكواكب السّائرة في أعيان المئة العاشرة» ، ثم محمد أمين المُحبّي في «خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر» ، ثم محمد خليل المُرادي في «سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر» ، وأخيراً عبد الرزاق البيطار في «حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر» .

بقيت -للفائدة- كلمة صغيرة في كلمة «وَفَيات» : يخطئ كثيرون فيلفظونها بكسر الفاء وتشديد الياء بعدها، والصواب فتح الفاء والياء بلا شدة (وَفَيَات)، وهي جمع «وفاة» ، وقد اختار هذا المنهجَ (الترجمة بترتيب سنوات الوفاة) ابنُ خلكان الذي فتح لنا هذا الباب، وهو أهمل كلَّ من لم تُعرَف سنة وفاته، وعلّلَ منهجَه هذا قائلاً إن الذي يموت دون أن يحسّ بموته أحد لا بد أن يكون نكرة لا يستحق أن يُترجَم له والأَوْلى أن تهمله كتب التّراجِم (مجاهد).

(1)

الهِميان هو النطاق الذي يتخذه المسافر، من الحُجّاج وغيرهم، فيودعه ما يخاف عليه من أوراقه وماله.

ص: 303

وغيرهما. وتحدث عنه شيخ الإسلام التاج السبكي فقال إنه "برع في الأدب نظماً ونثراً وكتابة وجمعاً، وعُني بالحديث، ولازم الحافظ فتح الدين بن سيد الناس، وبه تمهّر في الأدب، وصنّف الكثير في التاريخ والأدب. قال لي إنه كتب أزيد من ستمئة مجلد تصنيفاً"(1).

* * *

أما هذه الرسالة التي نتكلم عنها فإنها في شرح بيتين من الشعر، شرحهما المؤلف شرحاً مستفيضاً، حلاّه بالنكات اللغوية والمسائل النحوية والطرائف الأدبية والآراء الفلسفية، وزيّنه بالحِكَم الباهرة والأمثال السائرة، واستشهد على كل مسألة من مسائله بأقوال العرب، ولكنه -وتلك ميّزة هذا الكتاب- تعمّد "أن لا يأتي إلاّ بما هو خطأ محرَّف عن أصله، مَعدول به عن جادّة الصواب، مُمَال به عن سبيل الحق: فلا بيتَ يُنسَب إلى صاحبه، ولا كتابَ يُعزى إلى مؤلّفه، ولا مسألةَ تُوردَ على وجهها، ولا بلدةَ توضع في موضعها

"، وقد أورد ذلك كله بحذق ومهارة ولباقة وظرف، حتى إن الرجل ليتلوه فيحس -لحلاوة ما يقرأ- أنه لا يقرأ إلا حقاً وصدقاً، وما فيه من الحق والصدق شيء!

ولا يقدر على الخطأ الذي لا صوابَ فيه إلا من يقدر على الصواب لا خطأ معه؛ يحتاج كلاهما إلى علم بمواقف الخطأ ووجوه الصواب، وانتباه وفطنة واطّلاع ومعرفة، كيلا يخلط خطأ بصواب أو صواباً بخطأ. والرسالة -على ما فيها من الهَزْل

(1) طبقات الشافعية الكبرى: 6/ 94.

ص: 304

والتحريف- تدل على طول باع مؤلفها في علوم اللسان وعلوم العقل، ووقوفه على آراء الفلاسفة وآثار الأدباء ومباحث العلماء، ولا تخلو من فوائد.

وهي ناقصة من وسطها وآخرها، والموجود منها ثلاث وخمسون صفحة، في كل صفحة أحد عشر سطراً، مكتوبة بخط قريب من النسخي مضبوط قليل الأخطاء يدلّ على علم ناسخه، وليس في الرسالة تاريخ، ولكن ورقها من الورق الذي بَطَلَ استعماله من ثلاثة قرون، فكأنها مكتوبة في القرن التاسع أو العاشر. على الصفحة الأولى منها:

كتاب اختراع الخراع

تأليف المولى الأجل الفاضل

العلامة فريد دهره ووحيد عصره

صلاح الدين أبي الصفا خليل بن أيبك الصفدي

رحمه الله تعالى

للشيخ عبد الجواد:

بدا لابنِ أَيَبَكَ في عصره

كسادُ العُلومِ وخُبْثُ الطِّباعْ

وأنّ الأماثِلَ قد أصبحوا

هَباءً يُطارُ بِهم في الشَّعاعْ

وأنّ كثيراً كَمَالاتُهم

دَعاوَى أحاديثُها في انقطاعْ

فجَرَّ بأفعاله رأيَهم

وأتحفهم باختِراعِ الخُراعْ

* * *

أول الرسالة: قال أبو خُرافة الهدّ القشيري سامحه الله تعالى: حضرت في بعض أوطان أوطاري وأوطار أبكاري مع جماعة

ص: 305

فابتدر أحد ظرفائهم فأنشدنا بيتين هما:

لو كنتِ بَكْتوت امرَأَةَ جاريَةِ الفَضْلِ

وكانَ أكْلُ الشَّعيرِ في البَرْدِ مَلْبَسكو

لا بُدَّ مِنَ الطُّلوعِ إلى بِئْركِ في

الليلِ وظَلامُ النّهارِ متضحٍ اً (1)

فأخذ الجماعة في الإعجاب مما اتفق فيهما من اضطراب النظم، واختلال القافية، وعدم الإعراب، ومخالفة أوضاع اللغة، وتناقض المعنى وفساده، والتخبيط في التاريخ

وقضوا نهارهم بتعاطي كؤوس العُجْب من ذلك؛ فقال أحدهم: إنهما محتاجان إلى شرح ينخرط معهما في سلك الغريب

فصبّحهم وقد أعمل في الشرح حيلته، فقال: حدثني نصير الدين أبو الهزايم ثابت (2) قال: حدثني من كتابه أصيل الدين أبو المفاخر لقيط القطربي، وقيل القرطبي، قال: أخبرني إجازة أسد الدين أبو ثور صقر الفنحكردي من أهل دمشق، قال: إن افتخار الدين سبكتكين القُسَهتاني صاحب «زهر الآداب» قال: عارض هذين البيتين الأفوهُ الأَودي أبو علي، على ما ذكره الحريري في «الخطب النباتية» (3) في قوله:

(1) هكذا هي في الأصل، كلمة «متضح» متحركة بتنوين الكسر، وبعدها ألف عليها تنوين فتح!

(2)

تأمل في التناقض بين نصره الدينَ وكونه أبا الهزائم.

(3)

صاحب «زهر الآداب» هو أبو إسحاق الحصري، والأفوه الأودي من شعراء العرب، وأبو علي القالي صاحب «الأمالي» ، و «الخطب» لابن نباتة.

ص: 306

وإذا نظرتُ إلى الوُجود بعينكم

فجميع ما في الكائنات مَليحُ

وهذا من قصيدته الطَّرْدية في التشبيهات، وأولها:

وأنت يا غُصنَ النّقا

ما أنتَ من ذاك النّمَطْ (1)

وزعم مؤيد الدولة أبو خاذل أيدكين الجواليقي، صاحب المديح المأموني، في كتاب الصادح والباغم، في باب المراثي، أنهما من باب قول الثعالبي:

لو كنت شاهين جارية الفضـ

ـل وكان الحريم منزلك

وليس بشيء، والصحيح الأول. (2)

قال الشارح عفا الله عنه: نبدأ أولاً بما في البيتين من اللغة، وثانياً بما فيهما من الإعراب، وثالثاً بما فيهما من التاريخ وتقدير المعنى، ورابعاً بما فيهما من البديع، وخامساً بالكلام على ما يتعلق بعَروضهما، وسادساً بما يتعلق بعلم القافية.

القول في اللغة

قوله «بَكْتوت» : هو عَلَم مُرَكَّب من اللغة العربية والتركية،

(1) من شعر البهاء زهير.

(2)

«الصادح والباغم» لابن الهبّارية، وليس فيه مَرَاثٍ، والثعالبي هو صاحب «يتيمة الدهر» وغيرها، والبيت من شعر ابن الحَجّاج.

قلت: وقرأت في كشف الظنون أن «الصادح والباغم» منظومة في ألفَي بيت على أسلوب «كليلة ودمنة» ، أمضى مؤلفها في نَظْمها عشر سنين (مجاهد).

ص: 307

فبَكْ بالعربي وتوت بالتركي، ومعناهما «أمير توت» ، مثل دمرطاس ومروان وقراحاً وما أشبه ذلك. ومن قال إن معنى ذلك بالعربية «أمير النّيروز» فلا يتأتى له ذلك، إلا إن كان النيروز في شهر توت على ما ذكره السَّخاوي في سمع الكيان (1).

قوله «امرأة» : المرأة مشتقة من المرآة، وهي التي يرى الإنسان فيها وجهَه إذا كانت في جيبه، أعني السراويل، وكقول الأخطل:

ما أخَذَ المِرآةَ في كَفّهِ

ينظُرُ فيها للجَمَال المَصونْ

إلاّ رأى الشمس وبَدْرَ الدُّجى

ووجهَهُ في فَلكٍ يَسْبحونْ (2)

قوله «جارية» : فيها قولان، منهم من قال: هي الساقية لأنها تجري من أسفل إلى فوق، واستشهد بقول الحُطَيئة:

نديمتي جارِيةٌ ساقِيَهْ

ونُزهَتي ساقيةٌ جاريَهْ

جاريةٌ أَعْيُنُها جَنّةٌ

وجَنّةٌ أَعْيُنُها جاريَهْ (3)

(1) السخاوي معروف، و «سمع الكيان» كتاب عارض فيه محمد بن زكريا الرازي الطبيبُ كتابَ أرسطو الطبيعي.

(2)

الأخطل معروف، والبيتان لابن سَناء المُلك.

(3)

انتبهوا لقوله: تجري من أسفل إلى فوق! والحُطَيئة معروف، والشعر أظن أنه لشرف الدين شيخ الشيوخ. وهذان البيتان شاهد في باب المحسِّنات من التورية والجِنَاس والطِّبَاق، كل ذلك فيهما بلا تكلف ولا تصنّع.

ص: 308

ومنهم من قال: هي في مقابلة المملوك، واستشهد بقول العَكَوَّك:

أيا بديعَ الجَمالِ رِقَّ لِمَنْ

سِتْرُ هَواهُ عليك مَهْتوكُ

دُموعُهُ في هَواكَ جارِيةٌ

وقلبُهُ في يدَيْكَ مَمْلوكُ (1)

وهذا باطل ببديهة الإنسان.

قوله «الفضل» : هو كل شيء ناقص (!) ومنه سُمِّي عبد الرحيم كاتب مروان بالفاضل لأنه كان قصيراً (2)، وفي أمثال بُزُرْجَمْهِر:«لأمر ما جَدَعَ قصيرٌ أنفَه» (3). قال التَّلَّعْفَري:

ضِعافُ الطَّيرِ أَطْوَلُها جُسوماً

ولم تَطُلِ البُزاةُ ولا الصُّقورُ (4)

قوله «كان» : معلوم أنها للاستقبال (!)، وسيأتي الكلام عليها في الإعراب.

قوله «أكل» : هو الحالة المؤدّية إلى الجوع لمن هو شبعان (!).

(1) العَكَوَّك هو علي بن جَبَلة، من شعراء العصر العباسي، والبيتان كأنهما لمحيي الدين بن عبد الظاهر.

قلت: وهنا أيضاً تحقّقت من البيتين لِمَا وجدته من الشك في نسبتهما، فوجدتهما في «الوافي بالوفيات» منسوبَين لزين الدين بن عُبيد الله (مجاهد).

(2)

عبد الرحيم هو القاضي الفاضل، كاتب السلطان صلاح الدين، وكاتب مروان إنما هو عبد الحميد الكاتب.

(3)

بزرجمهر حكيم الفرس، والمثل من أمثال قصة الزَّبّاء المشهورة.

(4)

التلَّعفري شاعر متأخّر، والشعر للعبّاس بن مِرْدَاس.

ص: 309

قوله «الشعير» : معروف أنه من فواكه الآدميين، ولا يوجد إلا في جَزَرات الهند بالمغرب في الليل دون النهار صيفاً، قال ابن السّاعاتي:

جاريةٌ لم تأكُلِ المُرَقَّقا

ولم تَذُقْ مِنَ البُقُولِ الفُسْتُقَا

ومن استشهد في هذا بقول ابن الفارض يصف رجلاً من الأكراد كَوْسَجاً:

عَلّقَ اللهُ في عَذَاريكَ مِخلا

ةً، ولكنّها بغيرِ شَعير (1)

فليس من التحقيق في شيء، والمعنى على الأول.

إلى أن قال: قوله «من الطلوع إلى بئرك» ، «الطلوع»: نعوذ بالله منه، لأنه مرض بلغمي يحدث في الشَّعر لمداومة أكل الزَّنْجبيل والأشياء الحارّة كالبطّيخ والأسماك وغيرها؛ قال ابن الدُّمَيْنَة يرثي شخصاً:

فَسّرَ لي عابرٌ مَناماً

فصّلَ في قوله وأَجْمَلْ

وقال لا بُدّ من طُلوعٍ

فكان ذاك الطُّلوعُ دُمَّلْ (2)

«بئركِ» : لفظ مركب من الأعداد في التركي، كقولك في العربي واحد اثنان، فبير واحد وإكي اثنان، ومجموع هذا العدد سبعة ونصف، لأن إكي ناقصة الياء، ولولا ذلك لكان المجموع

(1) ابن السّاعاتي بهاء الدين بن رستم، من شعراء صلاح الدين، والبَيت من شواهد كتاب سيبويه. وابن الفارض معروف، والشعر لابن الرّومي.

(2)

ابن الدُّمَينة من شعراء الحماسة، والبيتان من شعر الحكيم ابن دانيال.

ص: 310

ثمانية. وألفاظ الأتراك لا شاهد عليها من العربية، فلهذا أضربنا عن الاستشهاد لذلك!

«في الليل» : الليل معروف، وهو من الزّوال إلى أذان العصر في العُرْف، وفي اللغة من طلوع الشمس إلى غروبها؛ كما قال دُرَيد بن الصِّمَّة في الغزل:

أمستوفي قُلَيّوب

إلى كم هكذا تكذبْ؟

من الصُّبح إلى الظهر

إلى العَصر إلى المَغربْ

وقليوب بلدة صغيرة على شاطئ الفرات من أعمال عدن، وقيل هي إقريطش باليمن (1).

* * *

إلى آخر ما قاله في اللغة في هذين البيتين، ثم انتقل إلى:

القول في الإعراب

«لو» : حرف يجرّ الاسم ويكسر الخَبَر، على ما ذكره الرُّمّاني في شرح طبيعي الشِّفا والكِسائي في رموز الكنوز (2)؛ هذا مذهب الكوفيين، والصحيح أنها من الأفعال الناقصة التي لا عمل لها.

(1) دريد بن الصِّمّة من شعراء الجاهلية وفرسانهم، والشعر لشرف الدين البوصيري (وكأنه يصف به بعض الموظفين في أيامنا وكذبهم على المراجعين، يؤجّلونهم من حين إلى حين!)، وقليوب بلدة معروفة في مصر.

(2)

«الشفا» لابن سينا في الحكمة، و «رموز الكنوز» لسيف الدين الآمدي، والكسائي شيخ نحاة الكوفة، والرمّاني من النحاة.

ص: 311

وإنما قلنا إنها فعل ناقص لأنها كانت في الأصل «لوى» فنقصت حرفاً، وإنما قلنا إنها لا عمل لها لأنها متى نقصت ضَعُفت عن العمل، وهذا الذي ذهب إليه إقليدس وأرشميدس في مخارج الحروف وبرهنّاه مستشهدَين على ذلك بقول الشَّمّاخ في رائيّته:

أرسَلَ فَرْعاً ولَوَى هاجري

صِدْغاً فأعيا بهما واصفُهْ (1)

* * *

وقد سقط من الرسالة أوراق لا أدري كم هي، ثم يبدأ الموجود منها بقوله: قال الشارح رحمه الله تعالى:

«أكل» : فعل مضارع، لأن في أوله أحد الزوائد الخمسة وهو الهمزة؛ إنما قلنا بزيادتها لأنه لا يصح تجريدها، تقول:«كل» شيء. قال لَبيد:

كلُّ خَطْبٍ ما لم تكونوا غِضاباً

يا أُهَيْلَ الحِمى عَلَيّ يَسيرُ

وقد جاء فعلاً ماضياً في قول الخنساء الأَخْيَلية ترثي زوجها:

أَكِلُ الأمرَ إذا ما حلَّ بي

للّذي قَدَّرَهُ أنْ يَقَعَا (2)

«الشعير» : الألف واللام أصلية، وهو نكرة إن قلنا بأنها أداة التعريف، ومعرفة إن قلنا بأصليَّتها، ذكر ذلك المبرَّد في كتاب

(1) إقليدس وأرشميدس من فلاسفة اليونان، والشماخ معروف، والشعر لبعض المتأخرين.

(2)

لَبيد معروف، والشعر لبعض المتأخرين، والخنساء أخت صخر وكانت ترثيه هو لا زوجها، والأخيلية هي ليلى، معروفة.

ص: 312

ديسقوريدوس في باب النَّعْت، وهو هنا مرفوع على الحال (1).

«في» : اسم، لأنه يحسن دخول حرف الجر عليه: تقول انتقل من الشمس إلى فيء الظل، ودخول الألف واللام: تقول هذه الدراهم مبلغ ألفي درهم، والإضافة تقول: أعجبني حسن فيك، والتنوين أيضاً تقول: هذا المال فيءٌ للمسلمين. وعلى الجملة فما للنحاة في الأسماء كلمة يدخلها سائر خواص الاسم إلا «في» ، وهي ممنوعة من الصرف لأنه اجتمع فيها من العلل أكثر مما اجتمع في أذربيجان، وذلك أن الفاء بعشرة والياء بثمانين على ما ذكره الزجّاج في الجُمَل، فصارت تسعين، وعلل الصرف المانعة تسعة.

قال شُبْرُمة بن الطُّفَيل في وصف الزَّرافة:

رُبَّ بُرْغوثٍ ليلةً بِتُّ منه

وفؤادي في قَبضةِ التّسعينِ

والقَبْض هو المنع من الصرف (2). فلهذا قال النحاة إن «في» لا تنصرف.

«البرد» : منصوب بالألف واللام التي في آخره على أنه خبر متقدِّم تأخر عنه المبتدأ فحُذِف، وهي مسألة مشهورة في باب الاستثناء، ونص عليها سيبويه خلافاً لابن الحاجب لمّا بحث معه في المسألة الزُّنْبورية بين يدي الوليد بن عبد الملك. وتقدُّمُ

(1) المبرَّد من أئمة العربية، وكتاب ديسقوريدوس في معرفة الأدوية النباتية المفردة، والحال منصوب لا مرفوع.

(2)

شبرمة من شعراء العرب، والبيت للصاحب جمال الدين بن مَطروح.

ص: 313

الخبرِ دائرٌ في الكلام على ألسنة العرب، قال كُثَيّر عَزّة في محبوبته بُثَينة:

والله ما من خَبَرٍ سَرّني

إلاّ وذِكراكِ له مُبْتَدَا

فقدّم الخبر وأخّر المبتدأ (1).

* * *

إلى آخر ما قاله في اللغة في هذين البيتين، ثم انتقل إلى:

القول على المعنى

قال: قبل الخوض في الكلام على المعنى نقدّم مقدمة تشتمل على ما يتعلق بهذين البيتين من التاريخ منقولاً من «المجسطي» للأحنف بن قيس في تاريخ بغداد؛ فنقول: بَكتوت هذه كانت بعض حَظايا النُّعمان بن المُنذِر، شراها من نور الدين الشّهيد صاحب القَيْروان، وكانت قبلُ لعَنان بنت النّابغة ابن أبي سُلْمَى زوج سيف الدولة وهو ابن بُوَيه أول ملوك السامانيّة الذين أخذوا خُراسان من الفاطميين، أول ملوكهم السفاح، والسفاح هو أخو العاضد (2).

* * *

(1) سيبويه معروف، توفي سنة 180، وابن الحاجب متأخر معروف، والبحث في المسألة الزنبورية كان بين سيبويه والكِسَائي عند يحيى البَرْمكي، وكثَيّر معروف ومحبوبته عَزّة، والبيت للسِّرَاج الورَّاق.

(2)

«المجسطي» لليونان، والأحنف تابعي كبير معروف، و «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي أبي بكر، والنّعمان ملك الحيرة ونور الدين صاحب الشام معروف (وبينهما قرون)، وعَنان جارية الناطفي،=

ص: 314

هذا مثال من هذه الرسالة العجيبة، نقف عنده لا نجاوزه إلى القول في البديع والعروض والقافية، لأن المقال قد طال ونخشى أن يَمَلّ القرّاء الكرام.

* * *

= وابن أبي سُلمى هو زهير لا النابغة، وسيف الدولة هو ابن حمدان وليس ابنَ بُوَيه، وبنو بُوَيه ملوكُ الدَّيْلَم والسامانيّةُ ملوك خراسان، والفاطميون ملوك مصر والمغرب، والسفّاح أخو المنصور أول خلفاء بني العباس، والعاضد آخر الفاطميين أصحاب مصر.

ص: 315

من آثار المؤلف

1 ـ أبو بكر الصديق 1935

2 ـ قصص من التاريخ 1957

3 ـ رجال من التاريخ 1958

4 ـ صور وخواطر 1958

5 ـ قصص من الحياة 1959

6 ـ في سبيل الإصلاح 1959

7 ـ دمشق 1959

8 ـ أخبار عمر 1959

9 ـ مقالات في كلمات 1959

10ـ من نفحات الحرم 1960

11ـ سلسلة حكايات من التاريخ (1 ـ 7) 1960

12ـ هتاف المجد 1960

13ـ من حديث النفس 1960

14ـ الجامع الأموي 1960

15ـ في أندونيسيا 1960

16ـ فصول إسلامية 1960

17ـ صيد الخاطر لابن الجوزي (تحقيق وتعليق) 1960

18ـ فِكَر ومباحث 1960

ص: 319

19ـ مع الناس 1960

20ـ بغداد: مشاهدات وذكريات 1960

21ـ سلسلة أعلام التاريخ (1ـ 5) 1960

22ـ تعريف عام بدين الإسلام 1970

23ـ فتاوى علي الطنطاوي 1985

24ـ ذكريات علي الطنطاوي (1ـ 8) 1985ـ 1989

25ـ مقالات في كلمات (الجزء الثاني) 2000

26ـ فتاوى علي الطنطاوي (الجزء الثاني) 2001

27ـ فصول اجتماعية 2002

28ـ سيّد رجال التاريخ (محمد صلى الله عليه وسلم 2002

29ـ نور وهداية 2006

30ـ فصول في الثقافة والأدب 2007

* * *

ص: 320