المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌طه حسين في الميزان

‌طه حسين في الميزان

حديث أذيع نحو سنة 1975

لما توفي الدكتور طه حسين (1) وردت عليّ أسئلة تطلب أن أبيّن القول فيه، وقد أجبت عنها في برنامجي في الرائي (التلفزيون) جواباً مفصَّلاً ألخصه الآن فيما يلي:

الجواب يختلف باختلاف المقياس الذي نقيس به عظمة الرجال، والمقاييس تختلف باختلاف الغايات والمقاصد. فإن كنا نريد مَن يَؤُمّنا في الصلاة قدّمنا من العلماء الأقرأ، وإن طلبنا مَن يُفتينا اخترنا الأعلم والأفقَه، وإن كان المقصد خطبة تُلقى جئنا بالأفصح الأَبْيَن، وفي مباراة المصارعة أو العَدْو طلبنا الأقوى عضلاً والأخفّ حركة، وفي درس التدريب العسكري تُركت هذه المقاييس كلها وقُدِّم الأطول فمَن كان أقل منه طولاً

وعند الله لا عبرة لشيء من هذا كله ولا وزن له، وإنما يَرْجَح ميزانُ من كان أكثر إيماناً وأصلح عملاً.

فإذا كانت عظمة الأديب إنما تُقاس بذيوع الاسم وانتشار الصيت، فلا شك أن طه حسين أذْيَع أدباء العصر اسماً وأكثرهم

(1) توفي سنة 1973 (مجاهد).

ص: 251

انتشارَ صيت. وإن كانت بما يشغل به الناسَ ويصرف أنظارهم بذلك إليه، كان طه حسين الأول في هذا المجال. وإن كانت باقتفاء أسلوبه ومحاولة المتأدّبين تقليده والنسج على نَوْله، فإن أسلوب طه حسين هو المُجَلّي في هذا الميدان. وإن كانت بآثاره (صالحة كانت أو طالحة، خيّرة أو شريرة) فطه حسين أشد الأدباء تأثيراً في الشباب وفي المجتمع.

وهو قوي الشخصية، نافذ القول، وله مزايا أُخَر. وهو خير مَن شرح الشعر الجاهلي القديم شرحاً عَذْباً سهلاً حبّبه إلى الشباب ورغّبهم فيه. ولكن أسلوبه -لما تستلزمه طبيعة الإملاء- مليء بالتكرار والإسهاب الذي يصل أحياناً إلى حد الإملال والاستثقال. وليس لأسلوبه أناقة الزيّات، ولا خفّة المازني، ولا فكر العقاد، ولا حوار الحكيم، ولا واقعية أحمد أمين، ولا جمال أسلوب زكي مبارك.

ولم ينجح في القصة، وقد كرّر محاولة تأليفها. ولا شك أن كتاب «الأيام» عمل أدبي جميل، ولكنها قصة حياته وليست قصة موضوعة، ولا تقاس بالقصص الأدبية العالمية، لأن الذي في «الأيام» وصف جميل لوقائع، وتلك صور من الحياة فيها اصطفاء وفيها جمع وتأليف، ولها عقدة وحل، وفيها مجهول يتطلّع إليه القارئ وتدور عليه القصة.

* * *

على أنّي ما سُئلت عن طه حسين من وجهة نظر الناقد أو المؤرّخ الأدبي، وإنما سألني عنه مَن هو من الشبّان المسلمين

ص: 252

لأتكلم عنه من الوجهة الإسلامية.

أنا لا أقول إن طه حسين ملحد زنديق، وأرى أنه يؤمن بالله، لكنه إيمان بوجوده وأنه الرب، وهذا لا يكفي ما لم يكن معه إفراده بالعبادة وأداء ما أوجب الله على عباده. وطه حسين من آثاره أنه سَنَّ سُنّة إدخال البنات الجامعات واختلاطهن بالشبّان، وما نرى ونلمس من نتائج هذه السنّة.

على أن الله لا يسألني يوم القيامة عن طه حسين ولا عن غيره، بل يسألني عن نفسي: ماذا أقرأ وماذا أنصح الشبّان أن يقرؤوا؟ ويعاقبني إن كتمت الحق عنهم أو غششتهم فصرفتهم عنه. فهل أنصح الشبان بقراءة كتب طه حسين، وإن دعاه الصاوي يوماً «عميد الأدب العربي» فمشت الكلمة في الناس؟

الجواب: لا. «لا» بالقول الصريح، و «لا» بالقلم العريض؛ لأن لطه حسين كتباً فيها بلاء كبير -ككتابه «مستقبل الثقافة» - وكتباً فيها تمجيد للوثنيات اليونانية، وكتباً فيها الكفر الصريح. ولقد كنت في مصر أدرس في دار العلوم سنة 1928 (وكنت مع الشهيد السعيد سيد قطب في سنة واحدة، ولم أكمل)، ويومئذ صدر كتابه «الشعر الجاهلي» الذي يكذّب القرآنَ صراحة، والذي أُلِّفت عشرات الكتب في ردّه وإبطاله، من أشهرها كتاب الغمراوي «النقد التحليلي» وكتاب السيد الخضر «نقض كتاب الشعر الجاهلي» و «تحت راية القرآن» للرافعي، واتسعت القضية حتى دخلت الندوة (البرلمان).

وكتبه تفيض بالتناقض؛ يسوق الرأي ثم يعود فيأتي بضدّه.

ص: 253

وما كان طه يوماً من كتّاب الدعوة، ولا من أنصار الإسلام، ولا رضي عنه الإسلاميون أبداً، حتى كتابه الذي قلت عنه إنه من روائع الأدب (الأيام) فيه عبارة أخجل من الله أن أرويها وترتجف أعصابي خوفاً من هذه الجرأة على الله، ولا أدري إذا بُدِّلت هذه العبارة أو عُدِّلت في الطبعات الجديدة من الكتاب، وهي قوله:"إن الصبي (يعني نفسه) أضاع ما كان معه من القرآن كما أضاع نعله"! أستغفر الله.

صحيح أن كتابه «مرآة الإسلام» (1) ليس فيها ما يؤخَذ عليه، ولكن النصيحة للمؤمنين والقول الحق في كتبه: أني لا أرى في قراءتها خيراً للشبان المتدينين، وأرى الابتعاد عنها لسلامة دينهم وضمان آخرتهم.

* * *

(1) الذي ألّفه لمّا مالت سوق النشر إلى جهة الإسلام. ومن هنا جاءت كتب مثل «حياة محمد» لهيكل و «محمد» للحكيم وعبقريات العقاد، ما هي إلا أن السوق مالت فمالوا معها.

ص: 254