المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌آفة اللغة هذا النحو

‌آفة اللغة هذا النحو

نشرت سنة 1988

سألني سائل من أساتذة العربية: ما هي الطريقة المُثلى لتعليم التلاميذ النحو؟ لا أريد أن تضع لي منهجاً خيالياً يحلّق في جو السماء حتى ليدهشك تحليقه، ولكن أريد طريقاً واضحاً يسهل تطبيقه ويمكن تحقيقه.

قلت للسائل: إذا رأيت وأنت في مكة رجلاً ضالاً يسألك عن الطريق، أما كنت تدلّه؟ قال: بلى. قلت: كيف تدله وأنت لا تعرف مقصده؟ إن عليك أن تسأله أولاً عن غايته، فإن كان يقصد الحرم دللته على طريق الحرم، وإن كان يريد الطائف أو جدّة أرشدته إلى طريق جدة أو الطائف. فما الغاية من تدريس النحو؟ أليست إقامة اللسان وتجنب اللحن في الكلام، فإن قرأ أو خطب أو حاضر لم يرفع منخفضاً ولم يكسر منتصباً؟ قال: بلى.

قلت: فما الذي يضرّه إذا نصب المنصوب أن يحسبه «تمييزاً» وهو «حال» ، ما دام قد صحح المقال؟ نعم، إن ذلك يقدح في علمه ويُنقص من مقداره عند أقرانه، ولكنه لا يَحيد به عن غايته. فالمطلوب إذن تكوين المَلَكة الصحيحة لا حفظ القواعد المجرَّدة. وهل كان العربي الأول الذي أُخِذت اللغة عنه

ص: 157

يدري ما الحال وما التمييز، أو كان يعرف هذه الأسماء التي سمّيتموها أنتم ومشايخكم؟

في كتاب «الصاحبي» أن عربياً سُئل: أتجرّ فلسطين؟ فعجب وقال: "إني إذن لقوي"! ما فهم من كلمة الجرّ إلا السحب. وأنه قيل لآخر: أتهمز إسرائيل؟ قال: "ما كنت رجل سَوء"، لم يفهم من الهمز إلا شيئاً بمعنى الوكز واللكز.

و «الصاحبي» هو من أوائل ما قرأت من الكتب، ألفه أحمد ابن فارس وسمّاه كذلك تقرّباً إلى الوزير الصاحب بن عباد. وكان واحداً من اثنين هما من عباقرة علماء اللغة، وكانا في عصر واحد، أحمد بن فارس هذا وابن جِنّي.

* * *

أمامي الآن عدد من مجلة الرسالة صدر يوم 2 شوال سنة 1353هـ، في السنة التي قدمت فيها مكة أول مرة من خمس وخمسين سنة، فيه مقالة لي عنوانها «آفة اللغة هذا النحو» . وليس هذا العنوان لي، ولكني استعرته من مقالة للأستاذ الزيات كان نشرها في الرسالة قبل هذا التاريخ.

ما قلت أنا ولا قال هو «آفة اللغة النحو» بل: «هذا» النحو؛ فالنحو هو خلاصة علوم العربية، وقد كان أكثر ما يعتنون به من علومها ونحن صغار، كما كانت العناية بالفقه من بين علوم الشريعة، لأن النحو هو الذي يستقيم به اللسان ويُجتنَب به اللحن في الكلام، والفقه هو الذي يُعرَف به الحلال من الحرام.

وكما كان الدين سهلاً قريباً، يجيء الأعرابي من باديته فيقعد

ص: 158

بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أو بعض يوم فيعرف منه ما يكفي لصحة إسلامه، ثم يرجع إلى قومه داعياً إليه ومعلّماً، لأن الدين كان يؤخَذ من منابعه وكان مقترناً بالحياة ممتزجاً بها يبيّن حكم كل عمل من أعمالها؛ كذلك كان تعلم العربية، كان سهلاً لأنه يعتمد على إحياء المَلَكة وأخذ الطالب بحفظ الفصيح، فيتعلم العربية كما يتعلم الطفل الكلام. فلا النحو ينفصل عن شواهده وفهمها وإدراك بلاغتها، ولا الفقه يبتعد عن أدلته وفقهها والعمل بها.

ولقد كان هذا ممكناً لو كانت لغتنا، التي نديرها على ألسنتنا ونستعملها في مطالب حياتنا وفي تفاهمنا فيما بيننا، هي اللغة الفصيحة. ولم أقل «الفصحى» لأن الفُصحى مؤنث الأفصح، وأفصح لغات العرب هي التي نزل بها القرآن، وإطلاق لفظ الفصحى على كل كلام صحيح فصيح فيه من الغلوّ والمبالغة الكثير.

وقد قلت الصحيح الفصيح، إذ ما كل صحيح يكون فصيحاً، ففي العربية مثلاً فعل «حَبَّ» الثلاثي، وهو بمعنى «أحبّ» الرباعي، فاسم الفاعل منه حابٌّ بمعنى مُحِبّ، ولكن كلمة «حابّ» متروكة مرذولة وكلمة «مُحِبّ» مسلوكة مقبولة. أما اسم المفعول فلا يأتي إلا من الثلاثي. هل سمعتم شاعراً مطبوعاً بدلاً من أن يقول: أنا المحب وأنت المحبوب، يقول: أنا الحابّ وأنت المُحَبّ؟

لذلك كان من شروط فصاحة الكلمة أن تكون خالية من الغرابة، وأن تكون واضحة المعنى سائرة على ألسنة البلغاء. أما الذين يغوصون في أعماق القاموس المحيط ليستخرجوا منه

ص: 159

الكلمات العَويصة التي لا يعرف معناها إلا أئمة اللغة فليسوا في شيء من الفصاحة ولا يُعَدّون من أهلها؛ إنما الفصاحة والبيان فيما يدعونه: «السهل الممتنع» ، الذي وصفه ابن المقفَّع بأنه الذي إذا سمعه الجاهل ظن لسهولته أنه يحسن مثله، فإن جرّبه امتنع عليه ولم يصل إليه. هذا كلام الله، وهو أبلغ الكلام، هل فيه الغموض المقصود، أو لفظ يصعب فهمه على العربي الذي نزل القرآن بلسانه؟ أم هو الآية في الوضوح والبيان؟ وهل تكرر ورود كلمة في القرآن كما تكرر لفظ «المُبين» ؟ والمبين اسم فاعل من أبان يُبين، والجاحظ سمّى كتابه «البيان والتبيين» ما سمّاه «الغموض والتغميض» !

ولقد أمسى أبو علقمة النحوي أضحوكة التاريخ لمّا قال وقد ازدحم عليه الصبيان: ما لكم تَكَاكَاتم عليّ كَتَكَاكُئكم على ذي جِنّة؟ افرنقعوا عني! (1) وأكثر ما يصنع هذا في عصرنا ناس من الأعاجم، تعلموا العربية تعلماً وما هي في طبعهم ولا هي على ألسنتهم، فستروا بهذا الإغراب جهلَهم.

* * *

(1) هذه ترجمتها إلى العربية التي يفهمها الناس: "ما لكم تجمّعتم عليّ كتجمّعكم على رجل مجنون؟ تفرقوا عني"! ولأبي علقمة المذكور نوادر من هذا الباب رواها ابن الجوزي في «أخبار الحمقى والمغفلين» ، وروى أمثالاً لها ثم عقّب عليها تعقيباً حسناً فقال: وقد تكلم قوم من النحويين بالإعراب مع العوام، فكان ذلك من جنس التغفيل وإن كان صواباً، لأنه لا ينبغي أن يُكلَّم كل قوم إلا بما يفهمون، ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم:«حدّثوا الناس بما يعقلون» (مجاهد).

ص: 160

قلت في مقالة «الرسالة» : لقد أصبح النحو علماً عقيماً، يدرسه الرجل ويشتغل به سنين طِوالاً، ثم لا يخرج منه إلى شيء من إقامة اللسان والفهم عن العرب. وإني لأعرف من شيوخنا من قرؤوه وأقرؤوه دهراً، ووقفوا على مذاهبه وعلى أقواله وعرفوا غوامضه وخفاياه، وأوّلوا فيه وعلّلوا وناظروا فيه وجادلوا، وذهبوا في التأويل والتعليل كل مذهب، ثم لا يكاد أحدهم يقيم لسانه في صفحة يقرؤها، أو خطبة يلقيها، أو قصيدة يرويها!

ولم يقتصر هذا العجز على طائفة من الشيوخ المعاصرين ومن قبلهم من العلماء المتأخرين، بل لقد وقع فيه ناس من جلّة النحويين وأئمتهم منذ العهد الأول! روى السيوطي في «بُغية الوُعاة» أن رجلاً قال لابن خالَوَيه (وهو النحوي الإمام الذي اختص بسيف الدولة، وسكن حلب وانتشر فيها علمه وروايته، وله مع المتنبي أخبار ومناظرات)، قال له رجل: أريد أن تعلّمني من النحو والعربية ما أقيم به لساني، فقال له ابن خالويه: أنا منذ خمسين سنة أتعلم النحو، ما تعلمت ما أقيم به لساني!

فأي فائدة من النحو إذا كانت قراءته خمسين سنة لا تعلّم صاحبها كيف يقيم لسانه؟

(إلى أن قلت): وسبب هذا التعقيد -فيما أحسب- أن النحاة اتخذوا النحو وسيلة إلى الغنى وطريقاً إلى المال، وابتغوه تجارة وعرَضاً من أعراض الدنيا، فعقّدوه هذا التعقيد وهوّلوا أمره حتى يعجز الناس عن فهمه إلا بهم، فيأتوهم فيسألوهم، فيعطوهم، فيغتنوا.

ص: 161

وروى الجاحظ في كتاب «الحيوان» أنه قال للأخفش: ما لك تكتب الكتاب فتبدؤه عذباً سائغاً، ثم تجعله صعباً غامضاً، ثم تعود به كما بدأت؟ قال: ذلك لأن الناس إذا فهموا الواضح فسرّهم أتوني ففسّرت لهم الغامض، فأخذت منهم!

(إلى أن قلت): وزاد النحوَ تعقيداً وإبهاماً وبعداً عن الغاية التي وُضع من أجلها ما صنعه الرمّاني، المفسر العالم صاحب الدين والفصاحة والصلاح، من مزج النحو بالمنطق وحشوه به، حتى ما يقدر مَن بعدَه على تجريده منه، وحتى قال أبو علي الفارسي (وكان معاصراً له): إن كان النحو ما يقول الرماني فليس معنا منه شيء، وإن كان ما نقوله نحن فليس معه منه شيء!

ومن رجع إلى تلك المقالة وجد فيها أمثال هذه الأخبار (1).

* * *

لقد كان النحو وسيلة لإقامة اللسان، فجعلوه غاية وعقّدوه وطوّلوا طريقه وصعّبوه على سالكه! ولقد كنت أدرّس النحو، وكنت مطّلعاً على كتبه الجديدة عارفاً بمناهج مؤلفيها وبكل الذي هو فيها، فإذا أردت الأمثلة على ما أقول انسالت عليّ، فتركت تدريس النحو من نحو أربعين سنة وقطعت صلتي بتلك الكتب ولم أعد أدري: أجَدَّ فيها جديد أم لا نزال في «شذور الذهب» و «شرح ابن عقيل» ولا يزال جديدنا «قواعد اللغة العربية» لحفني

(1) المقالة منشورة في كتاب «فِكَر ومباحث» ، وفيها فائدة وطرافة، فليُتِمَّ قراءتها هناك مَن شاء من القراء (مجاهد).

ص: 162

ناصف وإخوانه وكتاب الشيخ مصطفى الغلاييني؟ أقول هذا ليكون عذراً لي لديكم إن ضربت الأمثلة مما كان على أيامي ولم أعرف بالتفصيل ما هو كائن في هذه الأيام.

مما كان يغيظني ويثقل عليّ هذه التعاريف التي لا أجد حاجة إليها، وكان يَؤودُني ويُعجزني أن أُفهم الصغار أن الاسم هو ما دل على معنى مستقل في الذهن وليس الزمن جزءاً منه.

إنهم يعرفون الاسم من غير أن ألزمهم حفظ هذا التعريف. فإن قلت للتلميذ: ما اسمك؟ قال: حسن، أو صالح. وإن سألته: ما اسم المكان الذي تجتمعون فيه وتدرسون في غرفه؟ قال: المدرسة. وما اسم الحيوان الذي يُربَط بالعربة فيجرّها؟ قال: الحصان

فهم يعرفون ما هو الاسم، فلماذا أعرّفه ما هو عارف به؟

ولما كنت أنا تلميذاً كان من أصعب الأشياء عليّ أن يقول لي المدرس: كيف تصوغ المضارع من الماضي؟ أنا أصوغه ولكن لا أعرف كيف، كما أنني أمشي ولكن أعجز عن أن أشرح للناس كيف أمشي. هل أقول لهم إني أعتمد على قدم واحدة وأنقل الثانية خطوة إلى الأمام، ثم أعود فأعتمد على الثانية وأنقل الأولى حتى أجعلها أمامها؟ ما لي ولهذا الكلام؟ أنا أمشي والسلام!

وكنت أعجب من هؤلاء النحويين، لماذا لا يعلّمون التلاميذ أنها إذا جاءت قبل الفعل المضارع فاء السببية، أو واو المعية، أو لام الجحود، نصبته بعد أن كان مرفوعاً؟ لماذا يكون العامل على نصبه (أنْ) مُستَتِرةً وجوباً، لم تظهر أبداً ولم يرها أحد قط؟ هل

ص: 163

في الألفاظ جِن يَرَون ولكن لا يراهم أحد؟ وما نفع هذه الحكاية التي لا أصل لها؟ وإذا كان كل المقصود أن ننطق بالفعل المضارع منصوباً إن سبقته هذه الأدوات، سواء أكانت هي بذاتها الناصبة أم كان الناصب «أنْ» هذه التي لم يبصرها أحد، ما الفرق؟ ولماذا نتعب أنفسنا بالاشتغال بهذا العبث؟ هل هو تحقيق في قضية نصب لئلا تُقيَّد الجريمة ضد مجهول؟

ومسألة أعجب: هل توضع القواعد النحوية وفق ما نطقت به العرب، نستمدها منه ونعتمد فيها عليه، أم أن القاعدة تصير حجة على أصحاب اللغة؟

فمن أين جئتم بهذه القاعدة، وهي أن كلمة «إذا» لا تدخل على الاسم، وأنها لا تدخل إلا على فعل؟ فإذا قرأنا قوله تعالى:{إذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وقوله: {إذا السَّمَاءُ انْفَطَرتْ} وقرأنا قول لبيد: «إذا القومُ قالوا مَن فَتَىً خِلتُ أنني

» وأبياتاً مثلها لا يبلغ العد حصرها، قلنا: إن السماء فاعل لفعل محذوف يفسّره المذكور، وتقديره: إذا انشقت السماء انشقت.

ما هذا الهذيان؟ وهل سمعتم عربياً عاقلاً يقول هذا الكلام؟ ولماذا لا نعلم التلاميذ أن «السماء» في قوله تعالى: {إذا السّمَاءُ انْشَقَّت} مبتدأ مثل كل اسم مرفوع يبدأ به الكلام؟

* * *

إن غاية النحو إقامة اللسان والبعد عن اللحن، فإذا قال قائل:«أعطِني حقّي» فقد نطق بالصواب، فإذا زاد فعرف أن

ص: 164

«حقي» مفعول به فقد زاد على المطلوب، فإن لم يعرف علامة النصب والمانع من ظهورها لم يضرّه في هذه المرحلة شيئاً.

وكنت وأنا أعلم الصغار أستعين بشيء من طريقة تعليم النحو الفرنسي، فأقول له: تطلب ماذا؟ فيقول: حقّي. فأُفهمه أن «حقي» هي مفعول به. وإذا قيل «جاء زيد» أسأله: مَن الذي جاء؟ فيقول: زيد. فأُفهمه أنه الفاعل.

وأنا إنما أريد تسهيل تعلم النحو وتعليمه، لا أريد أن أكون عوناً لأعداء العربية الذين يعملون على حرب الإسلام بحجّة تيسير قواعد اللغة العربية. إنهم يعرفون مكان العربية من القرآن، وفي إضعافها -كما يظنون- إضعاف للدين، وإفساد شعرها (الذي يُعتمَد عليه في تفسير آيات القرآن) باب من أبواب حرب الإسلام؛ فهم لا يعملون ابتغاء التجديد وحده، بل يريدون حرب الإسلام من كل طريق يستطيعون أن يسلكوه وأن يصلوا به إلى ما يريدون.

والذي أقترحه هو أن نفرّق بين اثنين: القراءة الصحيحة وفهم النص فهماً إجمالياً، وفقه النص وفهمه فهماً دقيقاً. نكتفي بالأول من التلميذ المبتدئ، فحسبُه أن يقرأ بلا خطأ وأن يُلِمّ بالمعنى إلماماً.

ومعرفة المعنى الإجمالي يعين على الإعراب، والتدقيق في الإعراب يساعد على فقه النص. أضرب أمثلة مما يخطر على بالي الآن، ولو حصرت ذهني واتسع وقتي لجئت بأكثر منها.

قوله تعالى: {لَقَدْ رَأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرى} ، معناه

ص: 165

الإجمالي ظاهر، والإعراب يوضّح المعنى التفصيلي؛ فإذا كانت كلمة «الكبرى» مفعولاً به للفعل «رأى» يكون المعراج هو أكبر المعجزات الظاهرة بعد القرآن (لأن فيه خَرْقاً لقانون عام من قوانين الوجود التي سَنّها موجِدُه)، وإن كانت صفة لكلمة «آيات» كان المعنى أنه رأى واحدة من الآيات الكبرى.

وفي القرآن آيات لا يكاد يُفهَم المراد منها إلا بشيء من الإعراب، كقوله تعالى:{وَرَهْبَانِيّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إلاّ ابْتِغَاءَ رِضْوانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِها} ، ويكون المعنى أنهم ابتدعوها ابتغاء مرضاة الله، ما كتبها الله عليهم، ثم ما رعوها حق رعايتها.

وآيات إذا اختلّ إعرابها نقلَت قارئها من الإيمان إلى الكفر، كقوله تعالى:{إنّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلمَاءُ} (1).

* * *

(1) الفاعل في الآية متأخّر (العلماءُ) وحركته الضمة لأنه مرفوع، ولفظ الجلالة في موقع مفعول به متقدم وعلامة إعرابه الفتحة لأنه منصوب. ولو أن قارئاً حرّك هاء لفظ الجلالة بالضمّ وفَتَح آخر «العلماء» لصار المعنى أن الله يخشى العلماءَ من عباده، تعالى الله علوّاً كبيراً. وهذا الانحراف الفظيع في المعنى جاء كله من استبدال ضمة بفتحة وفتحة بضمة، فانظر إلى خطورة الإعراب في تغيير المعاني، ثم استمع إلى محدّثي البرامج وخطباء المنابر، عامتهم إلا القليل منهم، يتوجَّعْ قلبُك وتأسَ على لغة استباحها كل واحد بغير حساب. حتى الذين يَدْعُون إلى الإسلام، والعربيةُ لغة القرآن كتابِ الإسلام، ضاعت العربية بين أيديهم وعلى ألسنتهم، فعليها السلام! (مجاهد).

ص: 166

والموضوع كما قلت موضوع واسع، والكلام فيه طويل، ويستحق أن تخصص له وزارة المعارف (أو إحدى الهيئات التي تُعنى باللغة وبالأدب) ندوة تحشد فيها بعضاً من كبار الأدباء وعلماء العربية، الذين مارسوا التدريس وعرفوا مشكلاته، ليبحثوا عن دواء لهذا الداء.

* * *

ص: 167