الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا اجتمع إلى هذا أن سعد بن عبد الحميد: مدني، نزل بغداد، يعني أن أصله من المدينة، فلعله سمع هذا الحديث من ابن أبي الزناد بالمدينة قبل أن ينقل إلى بغداد.
وعليه فإن الحديث حسن إن شاء الله تعالى؛ لكن تبقى الغرابة لتفرد ابن أبي الزناد به.
فهو حديث حسن غريب، ويشهد له حديث لقيط بن صبرة.
قال ابن رجب في الفتح (2/ 232): "وفي إسناده لين".
• وقد روي عن ابن عباس موقوفًا:
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 19/ 88)، قال: حدثنا هشيم، عن عمران بن أبي عطاء، قال: رأيت ابن عباس توضأ فغسل قدميه حتى تتبع بين أصابعه فغسلهن.
وهذا موقوف على ابن عباس، بإسناد لا بأس به، عمران بن أبي عطاء: ليس به بأس، لينه بعضهم.
• وفي الجملة فإنما يصح مرفوعًا في الباب: حديث لقيط بن صبرة: "وخلل بين الأصابع"، ويشهد له حديث ابن عباس.
وصح موقوفًا على بعض الصحابة، مثل ابن عمر وابن مسعود وابن عباس، والله أعلم.
قال الترمذي في الجامع (38): "والعمل على هذا عند أهل العلم: أنه يخلل أصابع رجليه في الوضوء، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال إسحاق: يخلل أصابع يديه ورجليه في الوضوء"[وانظر: مسائل الكوسج (17)، مسائل عبد الله (90)].
***
60 - باب المسح على الخفين
149 -
. . . ابن شهاب: حدثني عباد بن زياد: أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره: أنه سمع أباه المغيرة يقول: عَدَل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في غزوة تبوك قبل الفجر، فعدلتُ معه، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز، ثم جاء فسكبتُ على يده من الإداوة، فغسل كفيه، ثم غسل وجهه، ثم حسر عن ذراعيه فضاق كُمَّا جُبَّته، فأدخل يديه فأخرجهما من تحت الجبة، فغسلهما إلى المرفق، ومسح برأسه، ثم توضأ على خُفَّيه.
ثم ركب، فأقبلنا نسير حتى نجِدُ الناس في الصلاة قد قدَّموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم حين كان وقت الصلاة، ووجدنا عبد الرحمن وقد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصفَّ مع المسلمين، فصلى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، ثم سلم عبد الرحمن، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في
صلاته، ففزع المسلمون، فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم:"قد أصبتم" أو: "قد أحسنتم".
• حديث صحيح.
أخرجه مسلم (274/ 105)، وأبو عوانة (1/ 528 و 529/ 1977 - 1979)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 47/ 944)، والنسائي في المجتبى (1/ 62/ 79)، وفي الكبرى (1/ 169 و 140/ 165 و 166)، وابن خزيمة (1/ 102/ 203) و (3/ 9 - 10 و 69/ 1515 و 1642)، وابن حبان (5/ 602 - 603/ 2224)، وأحمد (4/ 249 و 251)، والشافعي في الأم (1/ 32)، وفي المسند (17)، وعبد الرزاق (1/ 192/ 748)، وعبد بن حميد (397)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 66/ 173)، والطبراني في الكبير (20/ 376 - 377/ 880)، وفي مسند الشاميين (3/ 67/ 1817)، والجوهري في مسند الموطأ (225 م)، وابن حزم في المحلى (4/ 209)، والبيهقي (1/ 274) و (2/ 295) و (3/ 123)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 122 - 126)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 793)، والبغوي في شرح السُّنَّة (236)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 228 - 232).
رواه مسلم بنحوه، وزاد في آخره: يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها.
وفي لفظ لصالح بن كيسان عن الزهري، عند النسائي في الكبرى (165)، وأحمد (4/ 249) وغيرهما، واللفظ لأحمد:
تخلفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إليَّ ومعي الإدارة، قال: فصببت على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استنثر ثم تمضمض، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم أراد أن يغسل يديه قبل أن يخرجهما من كمي جبته، فضاق عنه كُمَّاها، فأخرج يده من الجبة فغسل يده اليمنى ثلاث مرات، ويده اليسرى ثلاث مرات، ومسح بخفيه ولم ينزعهما، ثم عمد إلى الناس، فوجدهم قد قدموا عبد الرحمن بن عوف يصلى بهم، فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين، فصلى مع الناس الركعة الآخرة بصلاة عبد الرحمن، فلما سلم عبد الرحمن، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته، فأفزع المسلمين، فأكثروا التسبيح، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم، فقال:"قد أحسنتم، وأصبتم"؛ يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها.
رواه عن الزهري به هكذا: يونس بن يزيد الأيلي، وابن جريج [وصرح بالسماع]، وصالح بن كيسان، وعمرو بن الحارث، ومعمر بن راشد، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وهم ستة من ثقات أصحاب الزهري.
ورواه عقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، عن الزهري به؛ إلا أنهما جمعا في الإسناد على الزهري: عروة وحمزة ابني المغيرة بن شعبة.
فقالا: عن أبن شهاب: حدثنا عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة، وحمزة بن المغيرة: أنهما سمعا المغيرة بن شعبة به.
أخرجه الدارمي (1/ 353/ 1335)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 205)، والطبراني في الكبير (20/ 377/ 881)، والبيهقي (3/ 123)، وابن عبد البر (11/ 123).
وهذا وهم منهما، فقد رواه مفصلًا:
ابن جريج، والزبيدي، عن ابن شهاب الزهري، عن عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة، عن المغيرة به.
ثم رواه ابن شهاب، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن حمزة بن المغيرة، عن المغيرة، بنحو حديث عباد، وسيأتي.
فتبين بهذا أن لابن شهاب فيه إسنادين:
الأول: عن عباد عن عروة، والثاني: عن إسماعيل بن محمد عن حمزة.
قال الإمام مسلم في التمييز (219): "والمحفوظ عندنا من رواية الزهري: رواية ابن جريج؛ لاقتصاصه الحديث: عن الزهري، عن عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه، ثم فصل في آخر الحديث: زيادة الزهري عن حمزة بن المغيرة".
وأما أبو حاتم فلا يرى ذلك وهمًا [انظر: الجرح والتعديل (6/ 80)، العلل (1/ 69/ 182)]، وسيأتي في سياق حديث ابن عيينة عن إسماعيل بن محمد، سبب وقوع ذلك الوهم.
وقد وهم في إسناد هذا الحديث: جبل الحفظ والإتقان، رأس المتقنين وكبير المتثبتين؛ إمام دار الهجرة مالك بن أنس، فرواه في الموطأ: عن ابن شهاب، عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة، عن أبيه المغيرة بن شعبة به نحوه.
فوهم مالك في ثلاثة مواضع: حيث جعل عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة، وإنما هو عباد بن زياد بن أبي سفيان، ثم أسقط عروة بن المغيرة من الإسناد، ثم قال: عن أبيه [الموطأ رواية يحيى بن يحيى الليثي (1/ 76/ 79)، رواية أبي مصعب الزهري (1/ 39/ 87)، رواية القعنبي (47) وليس فيه: "عن أبيه". رواية محمد بن الحسن الشيباني (47)].
وأخرجه من طريق مالك:
النسائي (1/ 62/ 79)، وأحمد (4/ 247)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (4/ 247)، والشافعي في الأم (7/ 226)، وفي المسند (222)، والجوهري في مسند الموطأ (225)، وابن عبد البر (11/ 121 و 122)، وابن عساكر (26/ 228).
قال مصعب بن عبد الله الزبيري: "أخطأ فيه مالك خطأً قبيحًا، حيث قال: عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة، والصواب: عن عباد بن زياد، عن رجل من ولد المغيرة بن شعبة" "تاريخ دمشق. المسند].
وقال الشافعي: "وهم مالك رحمه الله في قوله: عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة، وإنما هو مولى المغيرة بن شعبة"، فتعقبه ابن عساكر بقوله: "أصاب الشافعي رحمه الله في
أخذه على مالك رحمه الله، ووهم في قوله: مولى المغيرة" [تاريخ دمشق (26/ 234)].
وقال البخاري في التاريخ الكبير (6/ 32): "وقال مالك: عن الزهري، عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة، عن المغيرة رضي الله عنه. ويقال: إنه وهم. وقال بعضهم: عن مالك، عن الزهري، عن عباد، عن ابن المغيرة، عن أبيه. يقال: ابن زياد بن أبي سفيان".
وقال أبو حاتم الرازي: "وهِمَ مالكٌ في هذا الحديث في نسب عباد بن زياد، وليس هو من ولد المغيرة، ويقال له: عباد بن زياد بن أبي سفيان، وإنما هو عباد بن زياد، عن عروة وحمزة ابني المغيرة بن شعبة، عن المغيرة بن شعبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم"[لعلل (1/ 69/ 182)، الجرح والتعديل (6/ 80)].
وقال مسلم في التمييز (219): "فالوهم من مالك في قوله: عباد بن زياد من ولد المغيرة، وإنما هو عباد بن زياد بن أبي سفيان، كما فسره أبو أويس في روايته"[وانظر: (171)].
وقال الدارقطني في العلل (7/ 106 - 107): "ووهم فيه رحمه الله، وهذا مما يعتد به عليه؛ لأنه عباد بن زياد بن أبي سفيان، وهو يروي هذا الحديث عن عروة بن المغيرة عن أبيه.
وروى هذا الحديث إسحاق بن راهويه، عن روح بن عبادة، عن مالك، عن الزهري، عن عباد بن زياد، عن رجل من ولد المغيرة، عن المغيرة.
فإن كان روح حفظه عن مالك هكذا، فقد أتى بالصواب عن الزهري".
ونقل ابن عبد الهادي في شرح العلل (61) عن الدارقطني في الأحاديث التي خولف فيها مالك [ولم أجده في المطبوع منه، كلامًا طويلًا آخره:"ووهم مالك رحمه الله في إسناده في موضعين: أحدهما: قوله: عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة، والآخر: إسقاطه من الإسناد عروة وحمزة ابني المغيرة، والله أعلم".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (11/ 120): "هكذا قال مالك في هذا الحديث
…
، وهو وهم وغلط منه، ولم يتابعه أحد من رواة ابن شهاب ولا غيرهم عليه، وليس هو من ولد المغيرة بن شعبة عند جميعهم
…
" وانظر بقية كلامه.
وقال أبو العباس أحمد بن طاهر الداني في كتاب الإيماء إلى أطراف الموطأ (2/ 242): "قول مالك في عباد بن زياد: وهو من ولد المغيرة بن شعبة: وهمٌ انفرد به، وقد انتُقد عليه، وإنما هو عباد بن زياد بن أبي سفيان، معروف النسب، وليس بولد المغيرة، قاله مسلم وغيره".
وانظر أيضًا: تاريخ دمشق (26/ 228).
• وممن وهم في إسناد هذا الحديث أيضًا:
قال الدارقطني في العلل (7/ 107): "ورواه أسامة بن زيد الليثي، وبرد بن سنان، وابن سمعان، عن الزهري، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه؛ لم يذكروا في الإسناد عبادًا.
ورواه جعفر بن برقان؛ فزاد حمزة: عن الزهري، عن عروة وحمزة ابني المغيرة، عن أبيهما، ولم يذكر عبادًا.
ورواه مكحول، عن عباد بن زياد، عن المغيرة، لم يذكر بينهما أحدًا.
والصحيح: قول يونس، وعمرو بن الحارث، وابن جريج، ومن تابعهم".
وكان قال قبلُ بعدَ رواية يونس ومن تابعه: "وهو الصحيح عن الزهري".
أما رواية برد بن سنان: فهي عند الطبراني في مسند الشاميين (1/ 209/ 372)، وبرد: صدوق.
وأما رواية جعفر بن برقان: فهي عند ابن حبان في صحيحه (5/ 604/ 2225)، قال ابن حبان: قصر جعفر بن برقان في سند هذا الخبر، ولم يذكر عباد بن زياد فيه؛ لأن الزهري سمع هذا الخبر من عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، وسمعه عن حمزة بن المغيرة عن أبيه"، وجعفر بن برقان: ضعيف في الزهري خاصة.
وأما رواية ابن سمعان [وهو عبد الله بن زياد: متروك، اتهمه بالكذب: أبو داود وغيره. التقريب (07 5)]: فهي في التمهيد (11/ 123)، وفي تاريخ دمشق (26/ 231).
وأما رواية مكحول: فهي عند أبي نعيم في الحلية (5/ 191).
وقد أفاض ابن عبد البر في التمهيد في ذكر الخلاف فيه على الزهري، فليراجع [وانظر: التمييز (219)].
• وللزهري في هذا الحديث إسناد آخر، سبق أن أشرنا إليه:
يرويه ابن جريج، ومحمد بن الوليد الزبيدي:
عن ابن شهاب، قال: وحدثني إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن حمزة بن المغيرة -نحو حديث عباد-، قال المغيرة: فأردت تأخير عبد الرحمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"دعه".
أخرجه مسلم (274/ 105)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 47/ 945)، وأحمد (4/ 251)، وعبد الرزاق (1/ 192/ 784)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 66/ 173)، والطبراني في الكبير (20/ 377/ 880)، وفي مسند الشاميين (3/ 67/ 1817)، وابن عبد البر (11/ 127)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 371).
ووهم بعضهم في إسناده، فقال:"محمد بن إسماعيل" بدل: "إسماعيل بن محمد"[علل ابن أبي حاتم. التاريخ الكبير].
• ورواه سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن محمد:
قال سفيان: سمعت إسماعيل بن محمد بن سعد، قال: سمعت حمزة بن المغيرة بن شعبة، يحدث عن أبيه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم . . . واقتص الحديث.
أخرجه النسائي (1/ 83/ 125)، والحميدي (2/ 334/ 757)، والشافعي في الأم (1/ 33)، وعبد الرزاق (1/ 192/ 749)، وابن أبي شيبة (1/ 163/ 1871)، والطبراني في الكبير (20/ 380/ 889)، والبيهقي (1/ 281)، والجوزقاني في الأباطيل (368)، وقال:"صحيح".
قال ابن عيينة: قال لي إسماعيل: فحدثت به الزهري، فحدث يومًا بأحاديث المسح
على الخفين، فلما فرغ مما عنده من الحديث، التفت إليَّ فقال: وحدثني عن حمزة بن المغيرة، ثم مضى في حديثي حتى فرغ منه" [مسند الحميدي (2/ 334)].
• قلت: ولعل هذه القصة تبين لنا سبب الوهم الذي وقع من بعض أصحاب الزهري: عقيل بن خالد ويونس بن يزيد، لما جمعا في الإسناد على الزهري: عروة وحمزة، وقالا: عن ابن شهاب: حدثنا عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة وحمزة بن المغيرة: أنهما سمعا المغيرة بن شعبة به. كما تقدم ذكره.
ويمكن حمله وتفسيره على أن الزهري لما فرغ من حديث عباد عن عروة، أتبعه بحديث إسماعيل عن حمزة، لكنه لم يقل: وحدثني إسماعيل عن حمزة، واكتفى بالالتفات والنظر إلى إسماعيل وهو حاضر في المجلس، فقال: وحدثني عن حمزة، مشيرًا بذلك إلى أنه هو الذي حدثه عن حمزة، ولم يصرح باسمه، فلم ينتبه بعضهم إلى هذه الإشارة والالتفاتة، فظن أن الزهري أراد أن الذي حدثه به عن حمزة هو عباد، فاختصر الحديث بعد ذلك، وقرنهما في سياق واحد، والله أعلم.
• وممن وهم في متن هذا الحديث وإسناده وهمًا فاحشًا:
عبد الله بن عمر بن أبي أمية، قال: ثنا فليح بن سليمان، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يمت نبيٌّ حتى يؤمَّه رجلٌ من قومه".
أخرجه الحاكم (1/ 243) وصححه. والدارقطني (1/ 282).
وهذا حديث منكر سندًا ومتنًا.
قال الدارقطني: "ابن أبي أمية: ليس بقوي"[وانظر: الميزان (2/ 393)، اللسان (3/ 325)].
وقد رواه الأئمة الحفاظ المتقنون: ابن شهاب، وسفيان بن عيينة، كلاهما: عن إسماعيل بن محمد، عن حمزة بن المغيرة، عن أبيه، بغير هذا السياق، من فعله صلى الله عليه وسلم، لا من قوله، أنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف.
• ولابن أبي أمية هذا فيه إسناد آخر، ولا يصح أيضًا:
أخرجه الحارث بن أبي أسامة (988 - زوائده)(16/ 233/ 3979 - مطالب)، ومن طريقه: أبو موسى المديني في اللطائف (2)، وقال:"هذا حديث غريب، لم نكتبه إلا بهذا الإسناد".
• وأما رجال الأسانيد المتقدمة:
فإن عروة وحمزة ابني المغيرة بن شعبة، وإسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: ثقات.
وأما عباد بن زياد بن أبي سفيان: فقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن المديني:"روى الزهري عن عباد بن زياد، وهو رجل مجهول، لم يرو عنه غير الزهري"، قلت: روى عنه أيضًا: مكحول الشامي، وقال عنه مسلم في التمييز (171): "عباد بن
زياد بن أبي سفيان: معروف النسب عند أهل النسب"، وهو أمير مشهور، ليس بمجهول، احتج به مسلم وابن خزيمة والنسائي وغيرهما، ولم ينفرد بحديثه هذا عن عروة، بل تابعه عليه عامر بن شراحيل الشعبي ونافع بن جبير، ولم يخالف الثقات فيما روى، بل جاء بالخبر على سننه، فحرى به أن يوثق، والله أعلم [انظر: التاريخ الكبير (6/ 32)، الجرح والتعديل (6/ 80)، الثقات (7/ 158)، تاريخ دمشق (26/ 228)، الميزان (2/ 366)، التهذيب (4/ 183)، إكمال مغلطاي (7/ 167)].
ومما يؤكد أن إسناده صحيح، لا مغمز فيه: قول ابن أبي حاتم في العلل (1/ 33 - 34/ 65):) سمعت أبي يقول: سألنا إبراهيم بن موسى، فقال: أي حديث في المسح على الخفين أصح؟
فسكتنا، فقال هو: حديث الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن المغيرة.
فقلت أنا له: حديث حجازي. قال: ما هو؟ قلت: حديث يحيى بن سعيد، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسكت.
قال أبي: الآن أقول: حديث الزهري، عن عباد بن زياد، وإسماعيل بن محمد بن سعد، عن عروة وحمزة ابني المغيرة بن شعبة، عن أبيهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم".
فهذا أبو حاتم يرى إسناده أصح حديث في المسح، والله أعلم.
***
150 -
قال أبو داود: حدثنا مسدد: حدثنا يحيى -يعني: ابن سعيد- (ح) وحدثنا مسدد: حدثنا المعتمر، عن التيمي: حدثنا بكر، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة، عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح ناصيته، وذكر: فوق العمامة.
قال عن المعتمر: سمعت أبي يحدث عن بكر بن عبد الله، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة، عن المغيرة: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين، وعلى ناصيته، وعلى عمامته.
قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة.
• حديث صحيح.
أخرجه من طريق سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني به:
مسلم (274/ 82 و 83)، وأبو عوانة (1/ 218/ 711 - 713)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 331/ 637)، والترمذي (100)، والنسائي (1/ 76/ 107)، وابن حبان (4/ 176/ 1346)، وابن الجارود (83)، وأحمد (4/ 255)، وابن أبي شيبة (1/ 29/ 229)
و (7/ 282/ 36101)، والطبراني في الكبير (20/ 379 و 380/ 886 - 888)، والدارقطني (1/ 192)، والخليلي في الإرشاد (2/ 713)، وابن حزم في المحلى (2/ 52 - 53)، وابن عبد البر (20/ 128)، والبيهقي (1/ 58)، والخطيب في الفصل (2/ 805/ 7 و 8).
وفي لفظ لمسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، ومُقدَّم رأسه، وعلى عمامته.
وفي آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة، وعلى الخفين.
وقال الترمذي: "حسن صحيح".
• ورواه حميد الطويل: حدثنا بكر بن عبد الله المزني، عن حمزة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، قال: تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلفت معه، فلما قضى حاجته، قال:"أمعك ماء؟ " فأتيته بمطهرة، فغسل كفيه ووجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كُمُّ الجبة، فأخرج يده من تحت الجبة، وألقى الجبة على منكبيه، وغسل ذراعيه، ومسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى خفيه، ثم ركب وركبت، فانتهينا إلى القوم، وقد قاموا في الصلاة، يصلى بهم عبد الرحمن بن عوف، وقد ركع بهم ركعة، فلما أحس بالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب يتأخر، فأومأ إليه، فصلى بهم، فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقمت، فركعنا الركعة التي سبقتنا. لفظ مسلم؛ إلا أنه في روايته:"عروة بن المغيرة" بدل "حمزة"، وهو خطأ.
أخرجه مسلم (274/ 81)، وأبو عوانة (1/ 217/ 710)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 329/ 632)، والنسائي في المجتبى (1/ 76/ 108)، وفي الكبرى (109 و 167)، والدارمي (1/ 353/ 1336)، وابن ماجه (1236)، وابن خزيمة (3/ 8/ 1514)، وابن حبان (4/ 178/ 1347)، وأحمد (4/ 248)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 466/ 492)، والطبراني في الكبير (20/ 379/ 885)، مختصرًا بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على العمامة والموقين. والبيهقي (1/ 58 و 60) و (3/ 93)، والخطيب في الفصل (2/ 805 و 806/ 9 - 11)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 260).
• وقع هذا الحديث عند مسلم والبيهقي (3/ 93) من رواية: محمد بن عبد الله بن بزيع: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا حميد الطويل: حدثنا بكر بن عبد الله المزني، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه به.
هكذا قال محمد بن عبد الله بن بزيع [وهو ثقة]، قال:"عروة" بدل "حمزة"، وتفرد بذلك، وأخطأ فيه.
فقد رواه عن يزيد بن زريع: عمرو بن علي الفلاس [ثقة ثبت إمام]، وحميد بن مسعدة [ثقة]، ومسدد بن مسرهد [ثقة حافظ]:
فقال ثلاثتهم: عن حمزة بن المغيرة بن شعبة.
ورواه عن حميد الطويل: محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، والمعتمر بن سليمان، وحماد بن سلمة، فقال ثلاثتهم [وهم ثقات مشاهير]: عن حمزة بن المغيرة.
قال الدارقطني في التتبع (216): "كذا قال ابن بزيع، وخالفه غيره عن يزيد، فرواه
عنه على الصواب: عن حمزة بن المغيرة، ورواه حميد بن مسعدة وعمرو بن علي عن يزيد بن زريع على الصواب، وكذلك قال ابن أبي عدي عن حميد".
وقال أبو مسعود: "كذا يقول مسلم في حديث ابن بزيع عن ابن زريع: "عروة بن المغيرة"، وخالفه الناس فقالوا: "حمزة بن المغيرة" بدل: "عروة بن المغيرة" ا هـ[تحفة الأشراف (8/ 474 - 475)].
هكذا نسب الوهم فيه إلى مسلم فلم يُصب، وإنما الواهم فيه ابن بزيع كما يفهم من كلام الدارقطني، فإن مسلمًا لم ينفرد بذلك عن ابن بزيع، بل تابعه فيه على هذا الوهم عبد الله بن محمد بن شيرويه [كما عند البيهقي (3/ 93)] فالتبعة فيه على ابن بزيع لا على مسلم، والله أعلم [وانظر: إكمال المعلم (2/ 88)، المنهاج للنووي (3/ 170)، سنن البيهقي (3/ 93)].
وانظر فيمن وهم في هذا الإسناد على بكر بن عبد الله أو الحسن: مسند الطيالسي (726)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 1957/170)، مسند أحمد (4/ 247)، أمالي المحاملي (250)، المعجم الأوسط للطبراني (2/ 234/ 1840) و (9/ 51/ 9110)، علل الدارقطني (7/ 103/ 1236)، سنن البيهقي (1/ 292)، تاريخ دمشق (35/ 258 و 259).
• قال النسائي في السنن الكبرى (1/ 115 - ط الرسالة): "وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن محمد بن سعد عن حمزة بن المغيرة، ولم يذكر العمامة".
قلت: بكر بن عبد الله المزني: ثقة ثبت، جليل فقيه، يدري ما يقول، وهو حافظ يعتمد على حفظه وضبطه، فزيادته مقبولة.
• ولم ينفرد بكر بن عبد الله المزني بهذه الزيادة من حديث المغيرة:
فقد رواه محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي، قال: كنا عند المغيرة بن شعبة، فسئل: هل أَمَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أحد من هذه الأمة غير أبي بكر؟ قال: نعم. قال: فزاده عندي تصديقًا الذي قرب به الحديث.
قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما كان من السحر ضرب عقب راحلتي فظننت أن له حاجة، فعدلت معه، فانطلقنا حتى برزنا عن الناس، فنزل عن راحلته، ثم انطلق فتغيب عني حتى ما أراه، فمكث طويلًا ثم جاء، فقال:"حاجتك يا منيرة؟ " قلت: ما لي حاجة، فقال:"هل معك ماء؟ " قلت: نعم، فقمت إلى قربة -أو قال: سطيحة- معلقة في آخرة الرحل فأتيته بها، فصببت عليه، فغسل يديه فأحسن غسلهما، قال: وأشك أقال: دلكها بالتراب أم لا؟، ثم غسل وجهه، ثم ذهب يحسر عن يده، وعليه جبة شامية ضيقة الكُم، فضاقت، فأخرج يديه من تحتها إخراجًا، فغسل وجهه ويديه -قال: فيجيء في الحديث غسل الوجه مرتين، فلا أدرى أهكذا كان أم لا-، ثم مسح بناصيته، ومسح على العمامة، ومسح على الخفين، ثم ركبنا فأدركنا الناس، وقد أقيمت الصلاة، فتقدمهم عبد الرحمن بن عوف، وقد صلى بهم ركعة، وهم في الثانية، فذهبت أوذنه فنهاني، فصلينا الركعة التي أدركنا وقضينا التي سُبقنا.
والشاهد منه قوله: ثم مسح بناصيته، ومسح على العمامة، ومسح على الخفين.
وفي بعض طرقه بأسانيد صحيحة: عن ابن سيرين، قال: أخبرني عمرو بن وهب الثقفي، قال: سمعت المغيرة بن شعبة.
أعني: اتصال السند، وثبوت السماع.
• وقد اختلف فيه على ابن سيرين:
أ- فرواه عنه هكذا متصلًا مسندًا: يونس بن عبيد، وهشام بن حسان، وعوف بن أبي جميلة الأعرابي، وسعيد بن عبد الرحمن أخو أبي حرة، وأبو حرة واصل بن عبد الرحمن، وقتادة، وعاصم بن سليمان الأحول، وحبيب بن الشهيد، وأشعث بن سوار:
فهؤلاء تسعة من الثقات، عدا أشعث بن سوار: رووه عن محمد بن سيرين به هكذا ولم يختلف عليهم، وأثبتهم في ابن سيرين: يونس بن عبيد.
• وممن رواه عن ابن سيرين به هكذا لكن اختلف عليه أو على الراوي عنه:
أيوب السختياني [رواه عنه به هكذا: إسماعيل ابن علية، وحماد بن سلمة، والحارث بن عمير: فلم يختلف عليهم، وابن علية من أثبت الناس في أيوب، واختلف فيه على حماد بن زيد]، وجرير بن حازم، وعبد الله بن عون:
أما حماد بن زيد: فقد رواه عنه به هكذا: يحيى بن حسان التنيسي، وهو ثقة.
وأما جرير بن حازم، فرواه عنه به هكذا: أبو غسان مالك بن إسماعيل، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسليمان بن حرب، وثلاثتهم ثقات أثبات.
وأما ابن عون: فرواه عنه به هكذا: يزيد بن هارون، وهو ثقة ثبت.
أخرج حديث هؤلاء على سبيل الإجمال مطولًا ومختصرًا:
البخاري في التاريخ الكبير (6/ 377)، وفي القراءة خلف الامام (196)، والنسائي في المجتبي (1/ 77/ 109)، وفي الكبرى (1/ 117 و 141/ 112 و 168)، والدارمي (1/ 177/ 661)، وابن خزيمة (2/ 135/ 1064) و (3/ 72/ 1645)، وابن حبان (4/ 172/ 1342)، وأحمد (4/ 244 و 247 - 248 و 249 - 250) واللفظ له في الموضع الأخير. والشافعي في الأم (1/ 26)، وفي المسند (14)، والطيالسي (734)، وابن سعد في الطبقات (3/ 128)، وابن أبي شيبة (1/ 30 و 163/ 240 و 1877) و (2/ 119/ 7170)، وعبد بن حميد (395)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (82)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 321/ 251) و (4/ 164/ 1954)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 30 و 31)، والطبراني في الأوسط (2/ 102/ 1389) و (3/ 378/ 3448) و (5/ 143 و 311/ 4901 و 5404) و (7/ 310 و 356/ 7586 و 7716)، وفي الصغير (1/ 329/ 369)، وفي الكبير (20/ 426 - 429/ 1030 - 1038 و 1040)، والدارقطني (1/ 192)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 13)، والبيهقي (2/ 352)، وابن عبد البر (11/ 159) و (20/ 128)، والخطيب في المدرج (2/ 807 - 809/ 13 - 17)، والبغوي في شرح السُّنَّة (232)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 259).
ب- وخالفهم:
• أيوب السختياني، من رواية حماد بن زيد عنه:
فرواه أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني [وهو ثقة]، وعارم أبو النعمان محمد بن الفضل [وهو ثقة ثبت]:
كلاهما عن حماد بن زيد: ثنا أيوب، عن محمد، عن رجل، عن عمرو بن وهب الثقفي، قال: كنا عند المغيرة
…
فذكره.
أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 1039)، والبيهقى (1/ 58).
• وعبد الله بن عون، واختلف عليه:
فرواه سليم بن أخضر [ثقة ضابط]، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن عمرو بن وهب، عن رجل، عن المغيرة به.
أخرجه الخطيب في الفصل (2/ 811/ 20).
ورواه بشر بن المفضل [ثقة ثبت]، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن رجل، حتى رده إلى المغيرة به.
أخرجه النسائي (1/ 63/ 82).
ورواه أيضًأ: يزيد بن هارون [ثقة متقن]، عن ابن عون به، فلم يذكر الواسطة بين ابن سيرين والمغيرة. أخرجه أحمد (4/ 251)، ومن طريقه: الخطيب في المدرج (2/ 803/ 4)، وانظر: المعجم الكبير للطبراني (20/ 870).
• وجرير بن حازم:
فرواه أسود بن عامر شاذان، وعفان بن مسلم [وهما ثقتان]:
كلاهما عن جرير، قال: سمعت محمد بن سيرين، يحدث عن رجل، عن عمرو بن وهب، قال: كنا عند المغيرة
…
الحديث.
أخرجه أحمد (4/ 248)، والخطيب في الفصل (2/ 809 و 180/ 18 و 19).
• ورواه يزيد بن إبراهيم التستري [وهو ثقة ثبت]، قال: ثنا محمد، عن بعض أصحابه، عن المغيرة به مختصرًا.
أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 1041).
• ورواية الجماعة أولى بالصواب، والله أعلم، لا سيما وفيها التصريح بسماع ابن سيرين من عمرو بن وهب، وبسماع عمرو بن وهب من المغيرة، وفي رواية هشام بن حسان قصة تؤكد حفظه للحديث من جهة، ومن جهة أخرى تنفى شبهة الانقطاع بين ابن سيرين وعمرو بن وهب:
قال هشام بن حسان عن محمد: دخلت مسجد الجامع؛ فإذا عمرو بن وهب الثقفي قد دخل من الناحية الأخرى، فالتقينا قريبًا من وسط المسجد، فابتدأني بالحديث، وكان
يحب ما ساق إليَّ من خير، فابتدأني بالحديث فقال: كنا عند المغيرة بن شعبة
…
فساق الحديث بنحو الرواية المتقدمة.
أخرجه أحمد (4/ 247 - 248)، قال: حدثنا يزيد: أخبرنا هشام، عن محمد به.
فهو إسناد صحيح متصل لا مغمز فيه، ويزيد هو ابن هارون.
يؤيده موافقته في ذلك رواية الجماعة، وفيهم من أثبت أصحاب ابن سيرين: يونس بن عبيد، ورواية هؤلاء الذين لم يختلف عليهم: أولى من رواية الذين اختلف عليهم، لا سيما والذين اختلف عليهم قد رووه كالجماعة أيضًا.
وهذه القرائن ترد ما رآه أبو زرعة من أن الصحيح في هذا الحديث: "عمرو، عن رجل، عن آخر، عن المغيرة"[العلل (1/ 14 - 15/ 10)].
وتؤيد قول الدارقطني في العلل (7/ 109): "فالقول: قول أيوب وقتادة ومن تابعهما"، يعني: رواية الجماعة المتصلة بإسناد صحيح، وانظر فيه بقية وجوه الاختلاف.
• وعليه؛ فإن حديث ابن سيرين، عن عمرو بن وهب، عن المنيرة: حديث صحيح؛ إسناده صحيح متصل برواية الثقات، قد ثبت سماع بعضهم من بعض، وقد صححه ابن عبد البر في التمهيد (11/ 130)، ومن قبله: ابن خزيمة وابن حبان، واحتج به النسائي، ورجحه الدارقطني، والله أعلم.
***
151 -
. . . الشعبي، قال: سمعت عروة بن المغيرة بن شعبة، يذكر عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركبه، ومعي إداوة، فخرج لحاجته، ثم أقبل فتلقَّيتُه بالإداوة، فأفرغت عليه، فغسل كفيه ووجهه، ثم أراد أن يخرج ذراعيه وعليه جُبَّة من صوف من جِباب الروم ضيقة الكُمين، فضاقت فادَّرعهما ادِّراعًا، ثم أَهوَيت إلى الخفين لأنزعهما، فقال لي:"دعِ الخفينِ؛ فإني أدخلت القدمينِ الخفين وهما طاهرتان" فمسح عليهما.
قال أبي [القائل هو عيسى بن يونس، وأبوه: يونس بن أبي إسحاق]: قال الشعبي: شهد لي عروة على أبيه، وشهد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• حديث متفق عليه.
أخرجه البخاري (206 و 5799)، ومسلم (274/ 79 و 80)، وأبو عوانة (1/ 166 و 167 و 489/ 215 و 490 و 699 - 702)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 329/ 631)، والترمذي في الجامع (1768) مختصرًا. وفي الشمائل (68)، والنسائي (1/ 63/ 82)، والدارمي (1/ 194/ 713)، وابن خزيمة (1/ 96/ 190 و 191)، وابن حبان (4/ 155 - 156/ 1326)، وأحمد (4/ 251 و 255)، والشافعي في الأم (1/ 33)، وفي المسند (17)،
والحميدي (2/ 335/ 758)، والطحاوي (1/ 31 و 83)، وابن المنذر (1/ 441/ 467
و 468)، وابن الأعرابي في المعجم (2400)، وابن قانع في المعجم (3/ 87)، والطبراني
في الكبير (20/ 371 - 374/ 864 - 874) وفي بعضها زيادات لا تصح بأسانيد ضعيفة.
وفي الأوسط (1/ 170/ 533) و (4/ 27/ 3525) و (5/ 270/ 5287) و (8/ 243 و 379/ 8524 و 8933)، وابن عدي (3/ 316)، وأبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (100)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 301)، وفي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 120/ 264)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (226)، والدارقطني (1/ 195 و 197)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 334)، وفي معرفة الصحابة (5/ 2584/ 6229)، وابن حزم في المحلي (2/ 81)، والبيهقي في السنن (1/ 281 و 283) و (2/ 419)، وفي الخلافيات (3/ 236 - 239/ 993 و 994)، وفي المعرفة (1/ 348/ 438)، وابن عبد البر (11/ 128)، والخطيب في الفصل (2/ 801 - 803)، وفي التاريخ (12/ 427)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 328/ 235)، وفي التفسير (2/ 17)، وابن عساكر في الأربعين البلدانية (155 و 156)، وفي تاريخ دمشق (40/ 297) و (60/ 28)، وأبو طاهر السلفي فيما انتخبه على الطيوري (618).
ولفظه عند الشيخين: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في سفر، فقال:"أمعك ماء؟ " قلت: نعم، فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى عني في سواد الليل، ثم جاء فأفرغت عليه أمن، الإداوة، فغسل وجهه ويديه، وعليه جبة من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه، ثم مسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال:"دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين"، فمسح عليهما.
كذا رواه زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي.
ورواه حصين بن عبد الرحمن السلمي، عن الشعبي بلفظ: قلت: يا رسول الله! أتمسح على خفيك؟ قال: "نعم، إني أدخلتهما وهما طاهرتان". كذا عند ابن خزيمة (190)، وأبي عوانة (750)، والدارقطني (1/ 194)، والشافعي في المسند (17).
• لكن رواه الحميدي (758)، قال: حدثنا سفيان، قال: ثنا زكريا بن أبي زائدة، وحصين بن عبد الرحمن السلمي، ويونس بن أبي إسحاق، عن الشعبي، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله! أيمسح أحدنا على الخفين؟ قال: "نعم؛ إذا أدخلهما وهما طاهرتان".
وما أراها إلا رواية شاذة، فإن لفظ يونس هو الذي ساقه أبو داود، ولفظ ابن أبي زائدة هو لفظ الصحيح، ولفظ حصين سقناه آنفًا، وهذا أقربها إليه، مع الاختلاف في المسؤول عنه، مما يدل على أن سفيان بن عيينة حمل لفظ ابن أبي زائدة ويونس على لفظ حصين، ثم وهم أيضًا في لفظ حصين، أو يكون الحميدي هو الذي وهم فيه، فقد رواه غيره عن ابن عيينة باللفظ الآنف الذكر، والله أعلم.
قال أبو نعيم في المعرفة: "رواه عن الشعبي: أبو إسحاق، وحصين، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبد الله بن أبي السفر، ويونس بن أبي إسحاق، والقاسم بن الوليد، ومجالد، وبكير بن عامر، وداود الأودي، ومسلم مولى الشعبي، وعبد الله بن عون.
ورواه عن عروة بن المغيرة: نافع بن جبير، وعباد بن زياد، وأبو الزناد ح.
ورواه حمزة بن المغيرة عن أبيه مختصرًا.
ورواه عن المغيرة: مسروق، وأبو وائل، والأسود بن هلال، وسالم بن أبي الجعد، وطلحة بن نافع، وعلي بن ربيعة، وبشر بن قحيف، وعامر الشعبي، وهزيل بن شرحبيل، وسعد بن عبيدة، وعبد الرحمن بن أبي نعيم البجلي، وأبو بردة بن أبي موسى، وعبد الله بن بريدة، وقبيصة بن برمة، وفضالة الزهراني، وعمرو بن وهب الثقفي، والحسن البصري، وزرارة بن أوفى، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو السائب مولى هشام بن زهرة، وأبو إدريس الخولاني.
كلهم رووا عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: في المسح على الخفين؛ منهم من ساق القصة، ومنهم من اقتصر على المسح على الخفين والجوربين".
• وانظر في الأوهام في هذا الإسناد:
المسند (4/ 245)، تاريخ الدوري (4/ 371)، علل ابن أبي حاتم (1/ 61/ 160)، المعجم الكبير (20/ 413/ 990)، طبقات المحدثين (1/ 328)، علل الدارقطني (7/ 96/ 1235)، تاريخ بغداد (11/ 157)، تاريخ دمشق (4/ 197)، التحقيق (243).
• تنبيه: روى عبد الله بن عون هذا الحديث عن الشعبي، وعن محمد بن سيرين، في سياق واحد ولفظهما مختلف، قال ابن عون:"ولا أحفظ حديث ذا من حديث ذا"، ثم أتى بسياق حديث محمد بن سيرين عن عمرو بن وهب عن المغيرة، دون حديث الشعبي عن عروة عن أبيه، وأبهم ابن عون: عمرو بن وهب في رواية، وأسقطه في رواية أخرى.
انظر: سنن النسائي (82)، المسند (4/ 251)، المعجم الكبير (870)، الفصل للوصل المدرج في النقل (2/ 801 و 803).
• ورواه عن عروة بن المغيرة أيضًا:
نافع بن جبير، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه المغيرة قال: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته، ثم جاء فسكبت عليه الماء، فغسل وجهه، ثم ذهب ينسل ذراعيه فضاق عنها كُم الجبة، فأخرجهما من تحت الجبة فغسلهما، ثم مسح على خفيه. لفظ أحمد.
وفي لفظ للشيخين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لحاجته، فاتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء، فصب عليه حين فرغ من حاجته، فتوضأ ومسح على الخفين.
أخرجه البخاري (182 و 203 و 4421)، ومسلم (274/ 75)، وأبو عوانة (1/ 216 و 217/ 706 - 709)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 327 و 328/ 627 و 628)، والنسائي (1/ 82/ 124)، وابن ماجه (545)، وأحمد (4/ 254)، وابن أبي عاصم في الآحاد
والمثاني (3/ 203/ 1554 و 1555)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2913)، والطبراني في الكبير (20/ 375 - 376/ 875 - 879)، وفي الأوسط (3/ 268/ 3106)، وابن بشران في الأمالي (1291)، والبيهقي (1/ 270 و 274)، وابن عبد البر (11/ 129)، والرافعي في التدوين (1/ 495 - 496).
وقد اتفق الشيخان أيضًا على إخراج حديث المغيرة:
من حديث الأعمش عن مسلم [في رواية: حدثني أبو الضحى]، عن مسروق [في رواية: قال: حدثني مسروق]، عن المغيرة بن شعبة [في رواية: قال: حدثني المغيرة بن شعبة]، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: "يا مغيرة خذ الإداوة"، فأخذتها ثم خرجت معه، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توارى عني، فقضى حاجته، ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فذهب يخرج يده من كمها فضاقت عليه، فأخرج يده من أسفلها فصببت عليه، فتوضأ وضوءه للصلاة، ثم مسح على خفيه، ثم صلى.
أخرجه البخاري (363 و 388 و 2918 و 5798)، ومسلم في الصحيح (274/ 77 و 78)، وفي التمييز (80)، وأبو عوانة (1/ 166 و 216/ 488 و 03 7)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 328/ 630)، والنسائي في المجتبى (1/ 82/ 123)، وفي الكبرى (8/ 423/ 9585)، وابن ماجه (389)، وأحمد (4/ 250)، وابن أبي شيبة (1/ 101 و 162/ 1137 و 1859)، والطبراني في الكبير (20/ 398/ 944 و 945)، والبيهقي (2/ 412)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 205/ 232).
هكذا رواه أبو معاوية وأبو أسامة وعبد الواحد بن زياد عن الأعمش.
ووهم عيسى بن يونس فزاد في المتن في آخره: "ثم صلى بنا"، وهي زيادة شاذة؛ إذ من المعلوم أن الذي أمَّ الناس في هذه الصلاة هو عبد الرحمن بن عوف، وقد صلى خلفه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ثابت من طرق متعددة تقدم بعضها، وهي في الصحيح.
ورواية عيسى بن يونس هذه عند مسلم والنسائي وابن ماجه.
• ومن الأوهام أيضًا:
ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (1/ 193/ 750)، عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن المغيرة به.
ورواه عنه أحمد في مسنده (4/ 247)، وفي العلل (4521 و 4523).
فلعل الوهم فيه من عبد الرزاق حيث أسقط مسروقًا من الإسناد [راجع العلل (3/ 122 و 123/ 4520 - 4523)].
• ورواه أيضًا:
أبو الأحوص، عن أشعث بن سليم أبي الشعثاء، عن الأسود بن هلال، عن المغيرة بن شعبة، قال: بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، إذ نزل فقضى حاجته، ثم جاء فصببت عليه من إداوة كانت معي، فتوضأ ومسح على خفيه.
أخرجه مسلم (274/ 76)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 328/ 629)، والطبراني في الكبير (20/ 407/ 971)، والبيهقي (1/ 83).
والأسود بن هلال: كوفي ثقة، سمع معاذ بن جبل [توفي سنة (18)]، وعمر بن الخطاب [توفي سنة (23)]، وهما أقدم موتًا من المغيرة بن شعبة [توفي سنة (50)]، ورجاله ثقات.
• وقد صدَّر أبو داود كتابه -السنن- بحديث: محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة بن شعبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد.
وهو حديث صحيح، تقدم الكلام عليه في أول التخريج، برقم (1).
***
152 -
. . . قال أبو داود: حدثنا هدبة بن خالد: حدثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، وعن زرارة بن أوفى: أن المغيرة بن شعبة قال: تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكر القصة، قال: فأتينا الناسَ وعبدُ الرحمن بن عوف يصلى بهم الصبح، فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأخر، فأومأ إليه أن يمضي، قال: فصليت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه ركعة، فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعة التي سُبق بها، ولم يزد عليها شيئًا.
قال أبو داود: أبو سعيد الخدري، وابن الزبير، وابن عمر، يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو.
• في إسناده اضطراب وانقطاع.
أخرجه من طريق هدبة بن خالد:
الطبراني في الكبير (20/ 432 - 433/ 1051)، والبيهقي (2/ 352)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 258).
وهو بتمامه عند الطبراني، وفيه: ومسح على العمامة والخفين.
• وخالف هدبة فيه:
عفان بن مسلم، وعبد الصمد بن عبد الوارث:
فروياه عن همام: نا قتادة، عن الحسن، ومحمد بن سيرين، عن المغيرة بن شعبة، أنه قال: اثنتان لا أسأل عنها أحدًا، رأيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف لحاجته، وتخلفت معه، فلما قضى حاجته، أتيته بوَضوء فغسل وجهه، قال: فرأيت عليه جبة شامية ضيقة فم الكم، فأخرج يده من تحتها، فمسح على العمامة، وعلى الخفين، وانتهى إلى الناس، وقد دخلوا في الصلاة، وعبد الرحمن يصلي بهم، فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأخر، فأومأ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يمضي، قال: وكنا قد سُبقنا بركعة، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن ركعة، فلما سلم تام فصلى الركعة التي سُبق بها، فلم يزد عليها شيئًا.
أخرجه الخطيب في المدرج (2/ 804/ 5) من طريق عفان. وذكره الدارقطني في العلل (7/ 105) من طريق عبد الصمد.
وهدبة وعفان وعبد الصمد: ثقات، وعفان أثبتهم، ولعل الاضطراب فيه وقع من همام بن يحيى؛ فإنه كان يحدث من حفظه؛ فيخطئ ويهم؛ وإلا فالقول قول عفان وعبد الصمد.
• والحسن وابن سيرين لم يسمعا هذا الحديث من المغيرة بن شعبة.
أما الحسن: فيرويه عن حمزة بن المغيرة، عن أبيه، وتقدم.
وأما ابن سيرين: فيرويه عن عمرو بن وهب، عن المغيرة، وتقدم.
قال الدارقطني في العلل (7/ 106): "والحسن لم يسمع هذا من المغيرة، وإنما سمعه من حمزة بن المغيرة عن أبيه، وذلك بيِّنٌ في رواية: يحيى القطان، عن سليمان التيمي، عن بكر، عن الحسن، عن ابن المغيرة، عن أبيه".
وقال الخطيب في الفصل (2/ 802): "ورواه قتادة بن دعامة، عن الحسن وابن سيرين، عن المغيرة مرسلًا أيضًا، والحسن إنما سمعه من حمزة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه، بيَّنَ ذلك بكر بن عبد الله المزني في روايته عن الحسن.
وابن سيرين سمعه من عمرو بن وهب الثقفي، عن المغيرة، وقيل: عن رجل عن المغيرة
…
".
وروى الخطيب بإسناده إلى إبراهيم الحربي: أنه ذكر حديث الحسن عن المغيرة بن شعبة، فقال:"ليس بصحيح، إنما سمع من ابن المغيرة؛ لأن الحسن ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وقدم البصرة أيام عثمان بعد عزل المغيرة عنها، ورجوعه إلى المدينة، وتوفي المغيرة في شعبان سنة خمسين، وهو ابن سبعين سنة، فلو كان الحسن معه في بلد سمع منه؛ لأن المغيرة توفي وللحسن تسع وعشرون سنة"[الفصل (2/ 804)].
وأما زرارة بن أوفى: فلا يعرف له سماع من المغيرة بن شعبة [انظر: التاريخ الكبير (3/ 438)، الجرح والتعديل (3/ 603)، المراسيل (220 - 221)، جامع التحصيل (176)، تحفة التحصيل (109)] ولا أراه محفوظًا في الإسناد، والله أعلم.
وعليه ففي السند اضطراب وانقطاع.
وقد صح الحديث من غير هذا الطريق بنحو هذا اللفظ، والحمد لله.
• وقد روي الحديث عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، لكن لا يصح.
قال الدارقطني في العلل (7/ 105): "فاختلف عن سعيد بن أبي عروبة:
فرواه زفر بن الهذيل، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن بكر، عن المغيرة.
وخالفه: منيع بن عبد الرحمن، فرواه عن سعيد، عن مطر، عن بكر، عن المغيرة.
وكلاهما وهم؛ لأن هذا الحديث سمعه سعيد بن أبي عروبة عن بكر، ليس بينهما فيه قتادة ولا مطر.
قال ذلك: يزيد بن زريع، وغندر، وعلى بن مسهر".
قلت: رواية زفر [ثقة فقيه، من أصحاب أبي حنيفة. اللسان (2/ 588)]: عند ابن عساكر في التاريخ (35/ 259).
ورواية منيع [قال ابن عدي: يحدث عن ابن أبي عروبة وغيره بأحاديث حسان، وفي حديثه إفرادات، وأرجو أنه لا بأس به. الكامل (6/ 464)، اللسان (6/ 175)]: عند ابن الحامض في الجزء الأول من حديثه (32 - المنتقى).
ورواية غندر [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط]: عند أحمد في المسند (4/ 247).
ويزيد بن زريع: ممن سمع من ابن أبي عروبة قبل الاختلاط، ومن أثبت الناس فيه [الكواكب النيرات (25)].
قال غندر محمد بن جعفر: حدثنا سعيد، قال: سمعت بكر بن عبد الله يحدث عن المغيرة بن شعبة، أنه قال: خصلتان لا أسأل عنهما أحدًا من الناس، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهما: صلاة الإمام خلف الرجل من رعيته، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة من صلاة الصبح، ومسح الرجل على خفيه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين.
وهذا منقطع، قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين:"لم يسمع بكر من المغيرة بن شعبة"[جامع التحصيل (150) هامش الأصل. ولم أره في تاريخ ابن أبي خيثمة]، والمحفوظ: ما رواه حميد الطويل، عن بكر، عن حمزة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، وتقدم تحت الحديث رقم (150).
• مسألة:
من أدرك الإمام في وتر من صلاته؟ هل يسجد للسهو؟
قال ابن قدامة في المغني (1/ 389 - 390): "وليس على المسبوق ببعض الصلاة سجود لذلك في قول أكثر أهل العلم
…
[ثم استدل بعد ذكر الخلاف بقوله:] ولنا: قول النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم: "وما فاتكم فأتموا"، وفي رواية:"فاقضوا"، ولم يأمر بسجود، ولا نقل ذلك، وقد فات النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصلاة مع عبد الرحمن بن عوف فقضاها، ولم يكن لذلك سجود، والحديث متفق عليه، وقد جلس في غير موضع تشهده، ولأن السجود يشرع للسهو ههنا، ولأن متابعة الإمام واجبة فلم يسجد لفعلها كسائر الواجبات" [وانظر: البيان شرح المهذب للعمراني (2/ 345)، المجموع شرح المهذب (4/ 74)].
وقد ترجم ابن خزيمة في صحيحه (2/ 135) لحديث المغيرة بقوله: "باب ذكر الدليل على أن المسبوق بركعة أو ثلاثة لا تجب عليه سجدتا السهو بجلوسه في الأولى والثالثة اقتداءً بإمامه، ضد قول من زعم أن المدرك وترًا من صلاة الإمام تجب عليه سجدتا السهو، وهاتان السجدتان لو يسجدهما المصلى كانتا سجدتي العمد لا السهو؛ لأن
المدرك وترًا من صلاة الإمام يتعمد للجلوس في الأولى والثالثة، إذ هو مأمور بالاقتداء بإمامه، جالس في الموضع الذي أمر بالجلوس فيه، فكيف يكون ساهيًا عن فعل ما عليه فعله وتعمد للفعل؟ وإذا بطل أن يكون ساهيًا استحال أن يكون عليه سجدتا السهو بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا"، أو:"فأتموا"".
وقال البيهقي (2/ 352): "وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبع"، يعني: من قول: أبي سعيد الخدري وابن عمر وابن الزبير.
وقال ابن رجب في الفتح (3/ 582): "وروي عن عطاء، عن أبي سعيد وابن عمر وأبي هريرة وابن عباس وابن الزبير: أنهم كانوا يسجدون سجدتي السهو إذا أدرك الإمام في وتر.
قال الإمام أحمد: لم يسمعه عطاء منهم، بينه وبينهم رجل، يعني: أن في الإسناد مجهول، والصحيح: قول الجمهور".
• وممن روى هذا الحديث عن المغيرة بن شعبة غير ما سيأتي ذكره عند أبي داود:
1 -
قبيصة بن برمة [عند أحمد في المسند (4/ 248)، المعجم الكبير للطبراني (20/ 418/ 1007)، ثقات ابن حبان (5/ 317)، تاريخ دمشق لابن عساكر (4/ 197)].
2 -
أبو أمامة الباهلي [عند أحمد (4/ 254)، والطبراني في الكبير (20/ 368/ 858)].
3 -
أبو السائب مولى هشام بن زهرة [عند أحمد (4/ 254)، وأبي عوانة (1/ 216/ 704 و 705)، والطبراني في الكبير (20/ 442/ 1078 - 1081)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 362/ 331).
4 -
جبير بن حية [عند الطبراني في الكبير (20/ 432/ 1050)، وفي الأوسط (5/ 220/ 5139)].
5 -
علي بن ربيعة [عند ابن أبي شيبة (1/ 163/ 1876)، والطبراني في الكبير (20/ 408/ 976 و 977)].
6 -
سالم بن أبي الجعد وأبو سفيان طلحة بن نافع [عند ابن أبي شيبة (1/ 161/ 1856)، والطبراني في الكبير (20/ 407/ 972)].
7 -
أبو وائل شقيق بن سلمة [عند الطبراني في الكبير (20/ 405 و 406/ 967 و 968)، وفي الأوسط (5/ 282/ 5319)، وانظر فيما تقدم تحت الحديث رقم (23)].
8 -
عبد الله بن بريدة [عند الطبراني في الكبير (20/ 418/ 1006)، وفي الأوسط (8/ 104/ 8105)].
9 -
مكحول [عند الطبراني في مسند الشاميين (2/ 237/ 1256)].
10 -
بشر بن قحيف [عند البخاري في التاريخ الكبير (2/ 81)، والطبراني في الكبير (20/ 410 و 411/ 984 و 985)، وابن حبان في الثقات (4/ 69)].
11 -
سعد بن عبيدة [عند الطبراني في الكبير (20/ 415/ 997)].
12 -
زياد بن علاقة [عند الترمذي في العلل الكبير (59)، والطبراني في الكبير (20/ 1018/422)].
13 -
فضالة بن عمرو الزهراني [عند البخاري في التاريخ (7/ 124)، والطبراني في الكبير (20/ 425 و 426/ 1028 و 1029)].
14 -
أبو إدريس الخولاني [عند البخاري في التاريخ الكبير (1/ 390)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 39)، والطبراني في الكبير (20/ 444/ 1085)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (8/ 219)].
15 -
أبو ظبيان [عند ابن عدي في الكامل (5/ 112)].
وغيرها، وقد قال أبو بكر البزار:"روي هذا الحديث عن المغيرة من نحو ستين طريقًا"، ذكره ابن عبد البر في التمهيد (11/ 127)، وقال قبله:"وأما طرق حديث المغيرة على الاستيعاب فلا سبيل لنا إليها".
وفي تاريخ بغداد (9/ 324)، وتاريخ دمشق (23/ 394): أنه رواه عن المغيرة خلق كثير نحو الأربعين، وقد تقدم ذكر تسمية من روى هذا الحديث عن المغيرة من كلام أبي نعيم في المعرفة.
وانظر أيضًا: التمييز (79)، الآحاد والمثاني (3/ 205)، التمهيد (4/ 386).
• وفي هذا الحديث من ضروب المعاني الشيء الكثير مما يحتاج بسطه إلى دفتر مستقل مما يخرج بنا عن القصد، انظر بعضها في: التمهيد (11/ 131)، فقد ذكر منها ما يتعلق بالجهاد، وآداب الخلاء، وترك الاستنجاء بالماء مع وجود الماء، وإباحة لبس الضيق من الثياب، ولبس الثياب من صنع المشركين، وأن العمل الخفيف في الغسل والوضوء لا يوجب استئنافه، وخدمة أهل الفضل والعلم والولاية، والاستعانة بالغير في صب ماء الوضوء، وعدم انتظار الإِمام إذا خيف فوت الوقت المختار، وفيه تحري المسلمين أن يقدموا إمامًا بغير إذن الوالي، وفيه ائتمام الإِمام والوالي برجل من رعيته، وصلاة الفاضل خلف المفضول، وفضل عبد الرحمن بن عوف، وحكم صلاة المسبوق، وعدم السجود للسهو إذا أدرك مع الإِمام الفرد من الصلاة، وجواز المسح على الخفين، وعلى العمامة والناصية، واشتراط الطهارة لمن أراد المسح على الخفين، وغير ذلك.
***
153 -
. . . شعبة، عن أبي بكر -يعني: ابن حفص بن عمر بن سعد-، سمع أبا عبد الله، عن أبي عبد الرحمن: أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالًا عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يخرج يقضي حاجته، فآتيه بالماء فيتوضأ، ويمسح على عمامته ومُوقَيه.
قال أبو داود: هو أبو عبد الله مولى بني تَيْم بن مُرَّة.
• إسناده ضعيف، وهو حسن لغيره.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 106)، والحاكم (1/ 170)، وأحمد (6/ 13)، وابن أبي شيبة (1/ 167 - 168/ 1929)، والهيثم بن كليب في مسنده (2/ 360 - 963/ 362 - 966)، والحسن بن محمَّد بن الصباح الزعفراني في مسند بلال (8)، والطبراني في الكبير (1/ 359 و 360/ 1100 و 1101)، وأحمد بن محمَّد بن عيسى البرتي في مسند عبد الرحمن بن عوف (40)، والبيهقي (1/ 288)، والمزي في التهذيب (34/ 32).
هكذا رواه عن شعبة، فلم ينسب أبا عبد الرحمن، عامة أصحابه، منهم: أبو الوليد الطيالسي، وغندر، ومعاذ بن معاذ العنبري، وآدم بن أبي إياس، ويحيى بن أبي بكير، وسليمان بن حرب، والنضر بن شميل.
ووهم شبابة بن سوار، أو من دونه؛ فنسبه، وقال: عن أبي عبد الرحمن السلمي.
• ورواه ابن جريج، قال: أخبرني أبو بكر بن حفص بن عمر: أخبرني أبو عبد الرحمن، عن أبي عبد الله: أنه سمع عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالًا: كيف مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين؟ قال: تبرز، ثم دعا بمطهرة -أي: إداوة- فغسل وجهه ويديه، ثم مسح على خفيه، وعلى خمار العمامة.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 106)، وأحمد (6/ 12)، وعبد الرزاق (1/ 187/ 734)، والروياني (737)، والطبراني في الكبير (1/ 359/ 1099).
قال ابن عبد البر في الاستغناء (3/ 1383/ 2046): "هذا إسناد مقلوب مضطرب، مرة يقولون: عن أبي عبد الله عن أبي عبد الرحمن، ومرة: عن أبي عبد الرحمن عن أبي عبد الله، وكلاهما: مجهول، لا يعرف، والعجيب أنه من حديث شعبة -وهو إمام- عن أبي بكر بن حفص -وهو ثقة-".
قلت: ولعل قول شعبة أولى بالصواب، وقلبه ابن جريج، والله أعلم؛ فإن شعبة أحفظ وأضبط من ابن جريج [وانظر: التهذيب (10/ 177)].
• قال الدارقطني في العلل (7/ 177) بعد ذكر الخلاف فيه: "ورواه عبد الملك بن أبجر، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي عبد الرحمن مسلم بن يسار: أنه كان قاعدًا عند عبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: يا بلال! كيف مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قيل للشيخ: في رواية شعبة: عن أبي بكر بن حفص، عن أبي عبد الرحمن، عن أبي عبد الله: من هما؟ فقال: ما سماها أحد إلا ابن أبجر، فقال: عن أبي عبد الرحمن مسلم بن يسار، وليس عندي كما قال".
لذا قال الحافظ في التقريب (1173): "قيل: هو مسلم بن يسار، وإلا فمجهول".
قلت: هو مجهول جزمًا، كما قال ابن عبد البر، وقال أبو زرعة:"لا أعرفه"، وقال
الذهبي: "لا يعرف"[التاريخ الكبير، الكنى منه (51)، الاستغناء (2046)، الجرح والتعديل (9/ 402)، الميزان (4/ 547)، المغني (2/ 596)].
وأما أبو عبد الله مولى بني تيم بن مرة: فقد قال الحاكم: "هذا حديث صحيح، فإن أبا عبد الله مولى بني تيم: معروف بالصحة والقبول، وأما الشيخان فإنهما لم يخرجا ذكر المسح على الموقين".
فلم يصب الحاكم لا في حكمه على الحديث، ولا في حكمه على أبي عبد الله مولى بني تيم، فقد انفرد بقوله هذا، وابن حبان مع كونه معروف بالتساهل في توثيق المجاهيل إذا رووا من الأحاديث ما لا ينكر متنه؛ فلم يدخله، ولا أبا عبد الرحمن في ثقاته.
وقد تقدم فيه قول ابن عبد البر بأنه: مجهول، وقال الذهبي:"لا يعرف"، وقال ابن حجر:"مجهول"[التاريخ الكبير، الكنى منه (48)، الجرح والتعديل (9/ 399)، الاستغناء (3/ 1372/ 2008) و (2046)، فتح الباب (4257)، الميزان (4/ 545)، التقريب (1171)].
وعليه؛ فإن هذا الإسناد: ضعيف؛ لجهالة أبي عبد الله مولى بني تيم بن مرة، وأبي عبد الرحمن.
وعليه فقول النووي في المجموع (1/ 466): "رواه أبو داود بإسناد جيد": ليس بجيد.
• وحديث بلال هذا قد روي من طرق كثيرة؛ منها ما:
1 -
رواه الأعمش واختلف عليه فيه:
أ- فرواه أبو معاوية، وعبد الله بن نمير، وزائدة بن قدامة، وحماد بن شعيب، وعيسى بن يونس، ومحمد بن فضيل، وعلي بن مسهر، وأبو عبيدة عبد الملك بن معن المسعودي، وعبد الرحمن بن مغراء، وأبو إسحاق الفزاري، وأبو حمزة السكري [وهم أحد عشر نفسًا (11) من الثقات، عدا حماد بن شعيب فإنه: ضعيف. اللسان (2/ 423)، وفيهم من أثبت أصحاب الأعمش: أبو معاوية وزائدة وابن نمير]:
رووه كلهم عن الأعمش، عن الحكم [يعني: ابن عتيبة]، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار.
أخرجه مسلم (275)، وأبو عوانة (1/ 218 و 219/ 714 - 717)، والترمذي (101)، وأبو على الطوسي في مستخرجه عليه (83)، لكن سقط من إسناده كعب [انظر: علل الدارقطني (7/ 173)]. والنسائي (1/ 75/ 104)، وابن ماجه (561)، وابن خزيمة (1/ 92 و 92 - 93/ 180 و 183)، وأحمد (6/ 12 و 14)، وابن أبي شيبة (1/ 28 و 162/ 219 و 1860) و (7/ 282/ 36099)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 2054/ 264 و 265)، والبزار (4/ 197/ 1358)، والروياني في مسنده (754)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 466/ 489)، والشاشي في مسنده (2/ 353 - 355/ 949 - 955)، وابن البختري في ستة مجالس من أماليه (30)، والطبراني في الكبير (1/ 350/ 1060 و 1061)،
والبيهقي (1/ 61 و 271)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 430)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 157/ 144).
ثم ظهر لي من خلال تتبع كلام الأئمة في ذكر الخلاف في هذا الحديث: أن زائدة إنما يرويه بذكر البراء فقط، وليس في روايته ذكر كعب، كما وقع في المطبوع من صحيح ابن خزيمة، ويؤكد ذلك أن الحافظ ابن حجر لما نقل إسناد ابن خزيمة في كتابه "إتحاف المهرة"(2/ 644/ 2431)، قال في إسناد زائدة عن الأعمش:"عن البراء"، وليس "عن كعب بن عجرة".
ب- ورواه زائدة بن قدامة، وحفص بن غياث، وعمار بن رزيق، وروح بن مسافر [وهم ثقات، عدا روح بن مسافر، فإنه متروك. اللسان (2/ 576)، وفيهم من أثبت أصحاب الأعمش: زائدة وحفص]:
أربعتهم عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، عن بلال، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين. وفي رواية: والخمار.
أخرجه النسائي (1/ 75 - 105/ 76)، وأحمد (6/ 15)، والبزار (4/ 198/ 1359 و 1360)، والروياني (739)، والطبراني في الكبير (1/ 341/ 1023)، والدارقطني في الأفراد (2/ 275 - 276/ 1358 - أطرافه).
ج- ورواه سفيان الثوري، وشريك بن عبد الله النخعي [وسفيان هو أثبت أصحاب الأعمش وأحفظهم لحديثه]:
كلاهما عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال به.
أخرجه عبد الرزاق عن الثوري (1/ 188/ 736)، ومن طريقه: أحمد (6/ 13 و 15)، والطبراني (1/ 356/ 1086).
ورواه عن الثوري أيضًا: محمَّد بن شرحبيل بن جعشم الصنعاني [لم يكن بالحافظ. التاريخ الكبير (1/ 114)، الجرح والتعديل (7/ 285)، الثقات (9/ 52)، اللسان (7/ 196)].
أخرجه من طريقه: ابن الأعرابي في المعجم (725).
وأخرجه الهيثم بن كليب (2/ 358/ 960) من طريق شريك.
د- ورواه يحيى بن عبد الحميد الحماني [متهم بسرقة الحديث]: نا عبد السلام [يعني: ابن حرب]، عن الأعمش، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم . . . بنحوه، لم يذكر بلالًا.
أخرجه الهيثم بن كليب في مسنده (2/ 358/ 961).
• وسفيان الثوري أحفظ من رواه عن الأعمش؛ وقد تابعه على هذا الوجه بدون ذكر أحد بين بلال وابن أبي ليلى:
أ- شعبة بن الحجاج، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخمار والخفين.
أخرجه النسائي (1/ 76/ 106)، وأحمد (6/ 13 و 15)، والطيالسي (1212)، والزعفراني في مسند بلال (7 و 9)، والبزار (4/ 206/ 1370)، والروياني (733)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (141)، والهيثم بن كليب الشاشي (2/ 356 و 359/ 956 و 962)، والطبراني (1/ 357/ 1088)، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 136)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (36/ 383).
ب- منصور بن المعتمر [ثقة ثبت، وكان لا يدلس]، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال به مرفوعًا.
أخرجه البزار (4/ 205/ 1368)، والطبراني (1/ 357/ 1090).
قال البزار: "ولا نعلم روى منصور عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال إلا هذا الحديث، ولا نعلم أحدًا حدث به عن منصور إلا زائدة".
قلت: ولا يضره تفرده لو تفرد، وقد تابعه القاسم بن معن، وعمرو بن أبي قيس، عن منصور به.
ذكره الدارقطني في العلل (7/ 174).
ج- زيد بن أبي أنيسة [ثقة]، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال به مرفوعًا.
أخرجه أحمد (6/ 14)، والشاشي (2/ 357/ 958).
د- سفيان بن عيينة: ثنا أبان بن تغلب [ثقة]، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى [صدوق سيء الحفظ جدًّا]، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال به مرفوعًا.
أخرجه الحميدي (1/ 82/ 150)، والزعفراني في مسند بلال (12)، والشاشي (2/ 356/ 957)، والطبراني (1/ 357/ 1087).
قال الدارقطني في العلل (7/ 176): "وكذلك قال إبراهيم بن طهمان وعمر بن يزيد، عن ابن أبي ليلى.
ورواه يزيد بن الهاد، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن بلال، أسقط منه الحكم".
قلت: رواية إبراهيم بن طهمان: أخرجها أبو بكر الشافعي في فوائده (716)، ومن طريقه: أبو موسى المديني في اللطائف (868).
ورواية ابن الهاد: أخرجها الشاشي (2/ 358/ 959).
هـ - عبد الله بن محرر [متروك. التقريب (540)]، عن الحكم، عن عبد الرحمن، عن بلال به مرفوعًا.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 188/ 735)، ومن طريقه: الطبراني (1/ 357/ 1089).
• وعلى هذا فرواية من أسقط الواسطة بين ابن أبي ليلى وبلال: أقرب إلى الصواب، والله أعلم.
• وممن روى حديث ابن أبي ليلى أيضًا:
أ- داود بن الزبرقان [متروك، كذبه الجوزجاني]: ثنا ميمون أبو سفيان [لم أجد من ترجم له]، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال به.
أخرجه الطبراني (1/ 357/ 1091).
ب- يزيد بن أبي زياد [ضعيف، وكان يتلقن]، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والجوربين.
أخرجه الطبراني (1/ 350 - 351/ 1063).
ج- ليث بن أبي سليم [ضعيف لاختلاطه وعدم تميز حديثه]، عن الحكم بن عتيبة، واختلف عليه:
فرواه أبو المحياة يحيى بن يعلى [ثقة]، عن ليث، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال به مرفوعًا.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 168/ 1930)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 204/ 266)، والبزار (4/ 206/ 1369)، وسقط من إسناده كعب وبلال وهو خطأ من الراوي أو الناسخ. وابن الأعرابي في المعجم (1271)، والطبراني (1/ 350/ 1062).
قال الدارقطني في الأفراد (2/ 274 - أطرافه): "تفرد به أبو المحياة يحيى بن يعلى، عن ليث، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب".
ورواه شيبان [ابن عبد الرحمن النحوي: ثقة]، عن ليث، عن الحكم، عن شريح بن هاني، عن علي، عن بلال به مرفوعًا.
أخرجه الطبراني (1/ 340/ 1019).
ورواه معتمر بن سليمان [ثقة]، عن ليث، عن الحكم، وحبيب بن أبي ثابت، عن شريح بن هانيء، عن بلال به مرفوعًا.
أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 358 - 359/ 1096)، وفي الأوسط (3/ 299/ 3214).
وهذا اضطراب شديد من ليث بن أبي سليم؛ فإنه مضطرب الحديث لأجل اختلاطه.
قال الدارقطني في العلل (3/ 233): "وذكره بلال في حديث شريح بن هانيء: وهمٌ من ليث، لاتفاق أصحاب الحكم على ترك ذكره [يعني: في حديث علي بن أبي طالب في المسح]، ولموافقة أصحاب شريح بن هانيء لترك ذكره [يعني: في حديث علي أيضًا] ".
وانظر: العلل (7/ 171 - 172)، أطراف الغرائب والأفراد (2/ 278).
• وبعد هذا السرد للاختلاف الواقع في حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال:
فقد صحح مسلم وابن خزيمة: حديث الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن، عن كعب، عن بلال.
وقال البيهقي بعد ذكر الخلاف فيه: "ومن أقام إسناده ثقات"[السنن (1/ 271)].
وقال البزار: "ولا نعلم روى كعب بن عجرة عن بلال: غير هذا الحديث"[البحر الزخار (4/ 197)].
وقال في الطريق الثاني: "ولا نعلم روى البراء عن بلال: غير هذا الحديث"[البحر الزخار (4/ 198)].
وقد ذكر الدارقطني هذا الاختلاف في العلل، ولم يرجح شيئًا [العلل (7/ 172 - 176)] [وانظر: أطراف الغرائب (2/ 279)].
ولم ينتقد الدارقطني في كتاب "التتبع": على مسلم إخراجه لهذا الحديث في صحيحه.
لكن ابن عمار الشهيد أورده في العلل فيما انتقده على صحيح مسلم فقال في ص (62)، الحديث السابع: "ووجدت فيه حديث الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار.
قال أبو الفضل: وهذا حديث قد اختلف فيه على الأعمش:
فرواه أبو معاوية، وعيسى، وابن فضيل، وعلي بن مسهر، وجماعة: هكذا.
ورواه زائدة بن قدامة، وعمار بن رزيق، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، عن بلال، وزائدة: ثبت متقن.
ورواه سفيان الثوري، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال. لم يذكر بينهما لا كعبًا ولا البراء.
وروايته أثبت الروايات.
وقد رواه عن الحكم -غير الأعمش- أيضًا: شعبة، ومنصور بن المعتمر، وأبان بن تغلب، وزيد بن أبي أنيسة، وجماعة: عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال. كما رواه الثوري عن الأعمش.
وحديث الثوري عندنا أصح من حديث غيره.
وابن أبي ليلى: لم يلق بلالًا. اهـ كلام ابن عمار.
وهذا الذي ذهب إليه أبو الفضل ابن عمار الشهيد هو نفس ما ذهب إليه الإِمام أبو حاتم الرازي:
قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 15 - 16/ 12): "سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه سفيان الثوري وشريك، عن الأعمش، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في المسح على الخفين؟
قالا: ورواه أيضًا: عيسى بن يونس، وأبو معاوية، وابن نمير، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه زائدة، عن الأعمش، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، عن بلال، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت لهما: فأي هذا الصحيح؟ قال أبي: الصحيح من حديث الأعمش: عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال: بلا كعب.
قلت لأبي: فمن غير حديث الأعمش؟ قال: الصحيح: ما يقول شعبة وأبان بن تغلب وزيد بن أبي أنيسة أيضًا: عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال: بلا كعب.
وقال أبي: الثوري وشعبة أحفظهم.
قلت لأبي: فإن ليث بن أبي سليم يحدث فيضطرب، يحدث عنه يحيى بن يعلى: عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر في المسح.
ورواه معتمر، عن ليث، عن الحكم وحبيب بن أبي ثابت، عن شريح بن هانيء، عن بلال، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو زرعة: ليث لا يُشتغل به، في حديثه مثل ذي كثير، هو مضطرب الحديث.
قلت لأبي زرعة: أليس شعبة وأبان بن تغلب وزيد بن أبي أنيسة يقولون: عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال: بلا كعب؟
قال أبو زرعة: الأعمش حافظ، وأبو معاوية وعيسى بن يونس وابن نمير وهؤلاء: قد حفظوا عنه.
ومن غير حديث الأعمش؛ الصحيح: عن ابن أبي ليلى، عن بلال: بلا كعب.
ورواه منصور وشعبة وزيد بن أبي أنيسة وغير واحد، إنما قلت: من حديث الأعمش".
ومن هذا السياق يظهر لي -والله أعلم- أن أبا زرعة يوافق مسلمًا في تصحيح رواية الجماعة: عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال، عن النبي صلى الله عليه وسلم: بإثبات كعب بينهما، وذلك اعتمادًا منه على أن الأعمش حافظ يحتمل منه الزيادة في الأسانيد لضبطه وإتقانه، وأن الذين رووا عنه هذه الزيادة قد حفظوا؛ لا سيما وهم من ثقات أصحابه الذين لازموه وحفظوا عنه، كأبي معاوية وابن نمير.
ويبدو لي -والله أعلم- أن سكوت الدارقطني عن ترجيح رواية الثوري وشعبة في العلل، وعدم انتقاد هذا الحديث على مسلم في التتبع: مما يؤيد ما ذهب إليه مسلم وأبو زرعة الرازي، والله أعلم.
ثم إن مسلمًا لم يصدِّر الباب بهذا الحديث، ولم يحتج به على انفراده، وإنما صدّر الباب بحديث المغيرة بن شعبة الصحيح، الذي لا غبار عليه، من رواية حميد الطويل، عن بكر بن عبد لله المزني، عن حمزة بن المغيرة [وقع في الصحيح:"عروة"، وهو غلط بينته في موضعه]، عن أبيه، والشاهد منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى خفيه.
ثم أتبعه برواية سليمان التيمي، عن بكر به، ثم أتبعه بهذا الحديث: حديث بلال؛ وبهذا يظهر أنه أخرجه في الشواهد لا في الأصول، ويغتفر في الشواهد والمتابعات ما لا يغتفر في الأصول، والله أعلم.
ثم إن حديث بلال له طرق متعددة تقويه وتعضده.
• أرجع فأقول: إن كان ما أخرجه مسلم محفوظًا، فهو إسناد صحيح متصل يرويه أهل الكوفة.
وعبد الرحمن بن أبي ليلى سمع كعب بن عجرة والبراء بن عازب [التاريخ الكبير (5/ 368)].
وإن كان الصحيح: هو ما رواه الثوري عن الأعمش، وتابعه عليه شعبة ومنصور وزيد بن أبي أنيسة وأبان بن تغلب وغيرهم: عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال: بلا كعب ولا البراء.
فهو إسناد منقطع.
فقد سئل أبو حاتم: هل سمع عبد الرحمن بن أبي ليلزمن بلال؟ فقال: "كان بلال خرج إلى الشام في خلافة عمر قديمًا، فإن كان رآه: كان صغيرًا، فإنه ولد في بعض خلافة عمر"[المراسيل (453)].
فتعقبه العلائي في جامع التحصيل بقوله (452): "وبينهما فيه في بعض الطرق: كعب بن عجرة، وهو الصحيح"، وقال أبو زرعة العراقي في تحفة التحصيل (205):"قال الشافعي: لا نعلم عبد الرحمن بن أبي ليلى رأى بلالًا قط، عبد الرحمن بالكوفة، وبلال بالشام، وقال ابن حزم: إنه لم يدرك بلالًا وعمر".
2 -
عبد الله بن نافع، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلالٌ الأسوافَ، فذهب لحاجته، ثم خرج، قال أسامة: فسألت بلالًا: ما صنع؟ فقال بلال: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، ثم توضأ فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين، ثم صلى.
أخرجه النسائي (1/ 82/ 120)، وابن خزيمة (1/ 93/ 185)، وابن حبان (4/ 152/ 1323)، والحاكم (1/ 151)، والشافعي في الأم (1/ 32)، وفي اختلاف الحديث (68)، وفي المسند (16)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 39/ 1986)، والطبراني في الكبير (1/ 351/ 1065)، وابن عبد البر (11/ 144 و 145)، والبيهقي (1/ 274)، والجوزقاني في الأباطيل (370)، وقال:"حسن".
هكذا رواه عن عبد الله بن نافع بهذا الإسناد: الإِمام الشافعي، ويونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، وسليمان بن داود، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، وبكر بن عبد الوهاب، ومحمد بن إسحاق المسيبي، واختلف عليه، وهم ثمانية من الثقات.
وروي عن محمَّد بن إسحاق المعمري [والظاهر أنه المسيبي]: ثنا عبد الله بن نافع، عن داود بن قيس، ومالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، عن بلال، قال: دخلت الأسواف
…
الحديث.
أخرجه الحاكم (1/ 151).
وقال: "هذا حديث صحيح من حديث مالك بن أنس، وهو صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه
…
".
فأخطأ في ذلك؛ إذ الحديث غير معروف عن مالك بن أنس، وليس من حديثه، إذ لو كان هذا من حديثه لرواه عنه أصحابه، ولما عدل الإِمام الشافعي عن مالك إلى عبد الله بن نافع، لو كان عنده عن مالك؛ فيفوته بذلك علو الإسناد وعلو الرتبة، فأين عبد الله بن نافع من الإمام مالك في إمامته وجلالته وفقهه وحفظه وضبطه وإتقانه.
وقد رواه سبعة من الثقات عن عبد الله بن نافع الصائغ: فلم يذكروا فيه مالكًا، مما يدل على نكارة هذه الزيادة في الإسناد، وإنما يعرف هذا الحديث بداود بن قيس الفراء وحده، ولم يتابع عليه، والله أعلم.
ولم ينفرد به عبد الله بن نافع الصائغ [وهو ثقة، صحيح الكتاب، في حفظه لين. التقريب (552)]، فقد تابعه أبو نعيم الفضل بن دكين [وهو: ثقة ثبت]: ثنا داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم الأسواف، فذهب لحاجته، ومعه بلال
…
الحديث.
أخرجه الحاكم (1/ 151).
قال: حدثنا أبو جعفر محمَّد بن صالح بن هانيء: ثنا أحمد بن محمَّد بن نصر: ثنا أبو نعيم به [هكذا في الإتحاف (2/ 645)، وقد سقط من المستدرك المطبوع: "ثنا أحمد بن محمد بن نصر"].
ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بداود بن قيس".
قلت: وهذا إسناد صالح إلى أبي نعيم، فإن شيخ الحاكم: محمَّد بن صالح بن هانيء؛ قال فيه الحاكم: "الثقة المأمون"، وأثنى عليه الحافظ أبو عبد الله ابن الأخرم خيرًا [طبقات الشافعية (3/ 174/ 141)، اللسان (5/ 271)]، وشيخه: أحمد بن محمَّد بن نصر، هو أبو نصر اللباد النيسابوري: روى عن الإِمام أحمد بن حنبل وأبي نعيم وعمرو بن طلحة القناد وأبي غسان مالك بن إسماعيل وغيرهم، وروى عنه جماعة من الثقات، ولم أر من تكلم فيه بشيء [مترجم له في طبقات الحنابلة (1/ 181)، المقصد الأرشد (1/ 165)، وله ذكر في الأنساب (5/ 124)، الإكمال (7/ 194)].
وفي الجملة: فإن هذا إسناد مدني؛ رجاله ثقات رجال مسلم، وينظر في سماع عطاء بن يسار من أسامة بن زيد.
وأخرج مسلم حديثًا (571) لداود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري.
والحديث صححه بهذا الإسناد: ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، واحتج به النسائي، والشافعي [الأم (2/ 71)]، وقال ابن عبد البر: "حديث ابن نافع هذا: معروف عند أهل
المدينة ومصر، رواه ثقات الفقهاء"، وقال محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم: "هذا صحيح في المسح بالحضر، والأسواف: موضع بالمدينة" [التمهيد]، وقال الجوزقاني: "حسن".
ثم وجدت أن الطبراني أخرج هذا الحديث في معجمه الأوسط (8/ 347/ 8831): من طريق خالد بن نزار [وهو: صدوق يخطئ. التقريب (292)]: نا داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، قال: دخل بلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم الأسواف
…
الحديث.
ثم قال: "لم يرو هذا الحديث عن زيد بن أسلم إلا داود بن قيس والدراوردي".
فتبين بذلك أن داود بن قيس لم يتفرد به عن زيد بن أسلم، بل تابعه عليه الدراوردي عبد العزيز بن محمَّد المدني.
• خالفهما: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم [ضعيف]، وسعيد بن أبي هلال [مصري أصله من المدينة، وهو ثقة]: روياه عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، عن بلال، وعبد الله بن رواحة: أنهما ذهبا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى دار جمل، فتوضأ، ومسح على الموقين والخمار.
وفي بعض الروايات: عن أسامة بن زيد وعبد الله بن رواحة، عن بلال.
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 39/ 1985)، والهيثم بن كليب في مسنده (2/ 363 و 967/ 364 و 968)، وابن قانع في المعجم (2/ 128)، والطبراني في الكبير (1/ 351/ 1064)، وابن عدي (4/ 272)، وتمام في الفوائد (613)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (28/ 81).
قال الدارقطني في العلل (7/ 178) بعد أن ذكره من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وحده: "لا يثبت هذا القول"، يعني: زيادة عبد الله بن رواحة في إسناده.
• والأسواف: هو اسم لحرم المدينة، وقيل: موضع بعينه بناحية البقيع، وهو موضع صدقة زيد بن ثابت الأنصاري، وهو من حرم المدينة [معجم البلدان (1/ 227)، مشارق الأنوار (1/ 58)، النهاية (2/ 422)].
• وقد استدل الشافعي بهذا الحديث على مشروعية المسح في الحضر خلافًا لمن ادعى قصره بالسفر، قال الشافعي في الأم (2/ 71):"وفي حديث بلال دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين في الحضر؛ لأن بئر جمل في الحضر، قال: فيمسح المسافر والمقيم معًا".
وقال البيهقي بعد ذكر قول الشافعي: "وحديث علي وغيره في التوقيت: دليل على جواز المسح على الخفين في الحضر"[السنن (1/ 275)].
وقال محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم: "هذا صحيح في المسح بالحضر، والأسواف: موضع بالمدينة".
واستدل ابن عبد البر أيضًا بحديث حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سباطة قوم فبال
قائمًا، ثم مسح على الخفين [المتفق عليه]، في المسح في الحضر، وقال:"قال ابن وضاح: والسباطة: المزبلة، والمزابل لا تكون إلا في الحضر"[التمهيد].
• فهذه ثلاثة أسانيد لحديث بلال قد اختلفت مخارجها، وبها يصح الحديث، والحمد لله.
• لذا فقد اجتزأت بهذه الأسانيد عن غيرها مما روي به حديث بلال، وإن كان في بعضها قوة، ومما يعتضد به في المتابعات، مثل:
• حديث مكحول، عن الحارث بن معاوية وأبي جندل، عن بلال.
أخرجه البزار (4/ 214/ 1380)، والروياني (736)، والدولابي في الكنى (1/ 251/ 446)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (3401)، والشاشي (2/ 366/ 970)، والزعفراني في مسند بلال (10)، والطبراني في الكبير (1/ 360 - 361/ 1103 - 1109)، وفي مسند الشاميين (2/ 291 و 294 و 372/ 1364 و 1372 و 1520) و (4/ 368 و 369/ 3578 - 3581)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/ 481 و 482) و (66/ 121).
• وحديث مكحول، عن نعيم بن همار، عن بلال.
أخرجه أحمد (6/ 12 و 12 - 13 و 13 و 14)، وعبد الرزاق (1/ 188/ 737)، والطبراني في الكبير (1/ 68/ 10352 و 1069)، وابن عساكر (62/ 188 - 189 و 189)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 157/ 145).
وانظر أيضًا في الاختلاف على مكحول وغيره في هذا الإسناد:
مسند إسحاق بن راهويه (1/ 350/ 349)، ومسند البزار (4/ 213/ 1379)، وعلل ابن أبي حاتم (76)، ومسند الشاشي (2/ 365/ 969)، والمعجم الكبير للطبراني (1/ 362/ 1110 و 1111)، ومسند الشاميين (1256)، وعلل الدارقطني (7/ 180 و 181)، وأطراف الغرائب والأفراد (2/ 276).
• وحديث أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال، أو: أبي قلابة، عن بلال.
أخرجه ابن خزيمة (1/ 95/ 189)، وأحمد (6/ 15)، وعبد الرزاق (1/ 187/ 732 و 733)، وابن أبي شيبة (1/ 162/ 1868)، والأثرم في السنن (13)، والبزار (4/ 212/ 1377 و 1378)، والروياني (735 و 744)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 466/ 490)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2669)، والزعفراني في مسند بلال (11)، وابن الأعرابي في المعجم (1443)، وابن قانع في المعجم (1/ 78)، والطبراني في الكبير (1/ 362 و 363/ 1112 - 1118)، وفي الأوسط (1/ 240/ 786) و (7/ 54 - 55/ 6832)، وفي مسند الشاميين (4/ 80/ 2784)، والبيهقي (1/ 62)، وابن عساكر (11/ 482) و (66/ 121 و 229 و 230) و (68/ 109).
وانظر: التاريخ الكبير (1/ 390)، علل الترمذي الكبير (69)، علل ابن أبي حاتم (1/ 29/ 52) و (1/ 39/ 82)، علل الدارقطني (7/ 180 و 182).
• ومما لا يعتبر به ولا يصلح في المتابعات:
• عبد الله بن صالح العجلي: نا أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن بلال.
أخرجه العقيلي (1/ 109)، وابن قانع (1/ 78)، وانظر: علل الدارقطني (8/ 275).
• محمَّد بن جابر، عن عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة، عن بلال.
أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 358/ 1095)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 178).
• ابن جريج، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن عبد الملك بن سعيد، عن حكيم بن حزام، عن بلال.
أخرجه ابن عدي (7/ 297)، وانظر: علل الدارقطني (7/ 178).
• وفي الباب أيضًا، غير ما تقدم ذكره في باب المسح على العمامة:
عن أنس، وسلمان، وأبي أمامة، وأبي ذر، وأبي سعيد، وأبي طلحة، وأبي أيوب.
***
154 -
. . . بكير بن عامر، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير: أن جريرًا بال، ثم توضأ فمسح على الخفين، وقال: وما يمنع في أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح.
قالوا: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة. قال: ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة.
• حديث حسن.
تقدم تحت الحديث رقم (45).
***
155 -
. . . دلهم بن صالح، عن حُجير بن عبد الله، عن ابن بريدة، عن أبيه: أن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما، ثم توضأ ومسح عليهما.
قال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل البصرة.
• حديث ضعيف.
أخرجه الترمذي في الجامع (2820)، وفي الشمائل (69)، وابن ماجه (549) و (3620)، وأحمد (5/ 352)، وابن سعد في الطبقات (1/ 482)، وابن أبي شيبة (1/ 162/ 1862) و (5/ 197/ 25177)، والروياني (46)، والطحاوي في المشكل (11/ 132/ 4347)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 44)(2/ 395 - ط حمدي السلفي)، وعباس الدوري في تاريخ ابن معين (4/ 370/ 4834)، وابن عدي في الكامل (3/ 108)، وأبو الشيخ في
طبقات المحدثين (2/ 277)، وفي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 322/ 375)، والدارقطني في الأفراد (2/ 320/ 1486 - أطرافه)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 433/ 1261)، والبيهقي في السنن (1/ 282)، وفي الآداب (777)، والبغوي في شرح السُّنة (12/ 71/ 3150)، والمزي في التهذيب (5/ 482)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 107).
قال الترمذي: "هذا حديث حسن؛ إنما نعرفه من حديث دلهم، وقد رواه محمَّد بن ربيعة عن دلهم".
قلت: رواه عن دلهم بن صالح: وكيع، وأبو نعيم، وعبيد الله بن موسى، ومحمد بن ربيعة الكلابي، وقال بعضهم:"عن عبد الله بن بريدة".
وقال العقيلي بعد ما أخرج هذا الحديث في ترجمة دلهم، ونقل عن ابن معين تضعيفه، قال:"المسح على الخفين: ثابت صحيح من غير وجه، أما الرواية في خفي النجاشي الذي أهداهما للنبي صلى الله عليه وسلم: ففيها لين".
وقال ابن عدي: "وهذا يعرف بدلهم، ورواه عنه جماعة"، ثم قال: "ولدلهم حديث قليل مع ما ذكرته، وزعم ابن معين أنه ضعيف، وعندي أنه ضعفه لأجل حديث بريدة لمعنيين: أحدهما: روايته عن حجير بن عبد الله، وحجير: ليس بالمعروف.
والثاني: أنه ذكر في متنه: أن النجاشي أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، وذكر الخف [لعله أراد: وصف الخف] إنما ذكر في هذا الحديث، وفي حديث آخر لعل هذا الطريق خير من ذلك الطريق، وهو من حديث ابن عباس".
وقال الدارقطني في الأفراد: "تفرد به حجير بن عبد الله عن ابن بريدة، ولم يروه عنه غير دلهم بن صالح".
قلت: وهو كما قالوا؛ حديث ضعيف؛ فإن حجير بن عبد الله الذي تفرد به: مجهول [التاريخ الكبير (3/ 107)، الجرح والتعديل (3/ 290)، الثقات (6/ 244)، الميزان (1/ 466) وقال: "يجهل، وحسن له الترمذي". المغني (1/ 238) وقال: "تابعي مجهول، حسنن الترمذي حديثه". لكن قال في الكاشف (1/ 314): "صدوق"، فأخطأ. التهذيب (2/ 192)، التقريب (226) وقال: "مقبول"، ولم يتابع عليه بهذه الألفاظ].
ودلهم بن صالح: ضعيف، ضعفه ابن معين، وأبو زرعة، وابن حبان، والساجي، وذكره في جملة الضعفاء: العقيلي، وابن عدي، وأبو العرب، وابن الجارود.
وسئل أبو حاتم عن دلهم بن صالح وبكير بن عامر وعيسى بن المسيب؟ فقال: "دلهم أحب إليَّ منهما"، وقال النسائي:"ليس بالقوي".
وقال الدارقطني: "صالح"، وقال أبو داود:"ليس به بأس"، وفي نسخة:"ليس بذاك"، وقال العجلي:"لا بأس به"، وذكره ابن خلفون في الثقات.
وكلام ابن عدي ظاهر في كون ابن معين إنما ضعفه لأجل هذا الحديث، حيث تفرد به، ولم يتابع عليه [التهذيب (3/ 34)، الميزان (2/ 28)، إكمال مغلطاي (4/ 280)،
الجرح والتعديل (3/ 436)، الضعفاء لأبي زرعة (431)، الضعفاء للنسائي (185)، سؤالات البرقاني (145)، سؤالات الآجري (5/ ق 37)، التقريب (310)، وقال:"ضعيف". المغني (1/ 339)].
• والمحفوظ من حديث بريدة:
هو ما رواه: علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، ومسح على خفيه.
فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه! قال: "عمدًا صنعته يا عمر".
أخرجه مسلم (277)، وأبو داود (172)، والترمذي (61)، وقال:"حسن صحيح".
والنسائي (1/ 86/ 133)، وغيرهم.
وسيأتي تخريجه في موضعه من السنن إن شاء الله تعالى.
وليس فيه ذكر الخف بهذه الصفة، ولا أنه أهداه إليه النجاشي.
• وأما ما رواه عباس الدوري في تاريخ ابن معين (4/ 371)(4835)، ومن طريقه: البيهقي في السنن (1/ 283)؛ قال الدوري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: حدثني أبي، عن الشيباني، عن الشعبي، عن المغيرة بن شعبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه.
قال: فقال رجل عند المغيرة بن شعبة: يا مغيرة بن شعبة! ومن أين كان للنبي صلى الله عليه وسلم خفين [كذا]؟ قال: فقال المغيرة: أهداهما إليه النجاشي.
فهو وهم بلا شك، ورواية شاذة خالف راويها أصحاب الشعبي الذين رووا عنه حديث المغيرة في المسح على الخفين؛ فلم يذكروه بهذا السياق، وزادوا عروة بن المغيرة بين الشعبي والمغيرة بن شعبة.
رواه عن الشعبي: زكريا بن أبي زائدة، ويونس بن أبي إسحاق، وحصين بن عبد الرحمن، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبد الله بن عون، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الله بن أبي السفر، وهم سبعة من ثقات أصحاب الشعبي: زادوا عروة في الإسناد بين الشعبي والمغيرة، ولم يذكروا فيه أن النجاشي أهدى الخفين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدم تخريج حديث الشعبي عن عروة عن المغيرة برقم (151)، وهو حديث متفق عليه.
فلا أدري ممن الوهم في هذه الرواية؛ فإن الشيباني أبا إسحاق سليمان بن أبي سليمان: ثقة، من كبار أصحاب الشعبي، فلعله من حفص بن غياث؛ فإنه تغير بعد ما استُقضي، أو من ابنه عمر؛ فإنه ربما وهم، والله أعلم.
• ثم وجدت الترمذي أخرج في الشمائل (70)، من طريق: الحسن بن عياش [وهو صدوق]، عن أبي إسحاق [يعني: الشيباني]، عن الشعبي، قال: قال المغيرة بن شعبة: أهدى دحية للنبي صلى الله عليه وسلم خفين، فلبسمهما
…
حتى تخرقا، لا يدري النبي صلى الله عليه وسلم أذكى هما أم لا؟.
فخالف الحسن بن عياش: حفص بن غياث في سياق المتن، وجعل المُهدي للخفين هو دحية الكلبي وليس النجاشي.
وأيًّا كان، فالمحفوظ رواية الجماعة -كما قدمنا- عن الشعبي، كما أنها رواية منقطعة، والشعبي إنما يرويه عن عروة بن المغيرة عن أبيه، والله أعلم.
• والحاصل: أن حديث دلهم: حديث ضعيف، مخالف للرواية الصحيحة، ولا يشهد له حديث المغيرة فإنه شاذ بهذا السياق، والله أعلم.
• وأما قول أبي داود: "هذا مما تفرد به أهل البصرة": فهو وهم، قال السيوطي:"فالصواب أن يقال: هذا ما تفرد به أهل الكوفة، أي: لم يروه إلا واحد منهم"، وقال صاحب عون المعبود:"والحاصل أنه ليس في رواة هذا الحديث: بصري؛ سوى مسدد، ولم يتفرد هو، فنسبة التفرد إلى أهل البصرة: وهم من المؤلف الإمام رضي الله عنه، والله أعلم"[عون المعبود (1/ 180)].
• والساذج: الخالص غير المشوب، وغير المنقوش، ويقال: حجة ساذجة: غير بالغة، وهو معرب، فارسيته: ساده [المعجم الوسيط (424)].
***
156 -
. . . بكير بن عامر البجلي، عن عبد الرحمن بن أبي نُعْم، عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، فقلت: يا رسول الله أنسيتَ؟ قال: "لا، بل أنت نسيت؛ بهذا أمرني ربي عز وجل".
• حديث ضعيف.
أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 170)، وفي معرفة علوم الحديث (150 - 151)، وأحمد (4/ 246 و 253)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 153)، والطبراني في الكبير (20/ 416 - 417/ 1000 - 1002)، وابن عدي في الكامل (2/ 34 و 312 - 313)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 335)، والبيهقي (1/ 271 - 272)، وابن عبد البر (11/ 141 و 142)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/ 45/ 1135).
قال الحاكم: "قد اتفق الشيخان على إخراج طرق حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في المسح، ولم يخرجا قوله صلى الله عليه وسلم: "بهذا أمرني ربي"، وإسناده صحيح".
فلم يصب؛ فإن بكير بن عامر البجلي: ليس بالقوي.
وقال العقيلي: "والحديث عن مغيرة بن شعبة: صحيح من غير هذا الوجه".
• قلت: قد اختلف فيه على بكير بن عامر البجلي الكوفي:
1 -
فرواه أبو نعيم الفضل بن دكين [كوفي، ثقة ثبت]، ووكيع بن الجراح [كوفي، ثقة حافظ]، ومحمد بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي [كوفي، ثقة يحفظ]، والحسن بن
صالح بن حي [ثقة حافظ فقيه]، ومندل بن علي [كوفي، ضعيف]، وعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني [كوفي، صدوق يخطئ][إلا أن الراوي عن الأخيرين هو: يحيى بن عبد الحميد الحماني، وهو: حافظ؛ إلا أنه متهم بسرقة الحديث]:
ستتهم: عن بكير بن عامر البجلي الكوفي، عن عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي الكوفي، عن المغيرة بن شعبة الثقفي به، هكذا.
2 -
ورواه أبو نعيم أيضًا، وعبد الله بن داود الخريبي [كوفي، ثقة]، والفضل بن موسى السيناني [مروزي. ثقة ثبت وربما أغرب]:
ثلاثتهم: عن بكير بن عامر الكوفي البجلي، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير الكوفي البجلي: أن جريرًا [هو جرير بن عبد الله البجلي، نزل الكوفة، صحابي شهير، بال ثم توضأ فمسح على الخفين، وقال: ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح.
قالوا: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة. قال: ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة.
أخرجه أبو داود (154)، وابن خزيمة (187)، وابن الجارود (82)، والحاكم (1/ 169)، والطحاوي في المشكل (1/ 369 - ترتيبه)، والطبراني في الكبير (2/ 336/ 2401)، والبيهقي (1/ 270)، وابن عبد البر (4/ 390).
وقد تقدم تحت الحديث رقم (45).
3 -
ورواه مندل بن علي أيضًا [وهو كوفي، ضعيف]، عن بكير بن عامر، عن الشعبي، عن عروة بن المغيرة، عن المغيرة بن شعبة، قال: وضَّأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على خفيه، فقلت: يا رسول الله نسيت؟ قال: "بل أنت نسيت، بذا أمرني ربي جل وعز".
أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 374/ 872).
من طريق أبي الأسباط الكوفي: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد: ثنا مندل بن علي به.
ولا يثبت هذا الطريق إلى مندل، عبد الرحمن بن أبي حماد، شكيل المقرئ الكوفي: لم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحًا ولا تعديلًا (5/ 244)، وله ذكر في ترجمة ابن المبارك في معرفة الثقات (959)، وانظر: تكملة الإكمال (3/ 199).
وأبو الأسباط الكوفي، هو بشر بن رافع: ضعيف الحديث، بل منكره [التهذيب (1/ 469)، الميزان (1/ 317)، إكمال مغلطاي (2/ 397)].
4 -
قال ابن عدي في الكامل (3/ 33): ثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد: ثنا محمَّد بن المنذر الخطيب البلخي: ثنا عمرو بن عثمان النميري البصري بقيسارية: ثنا عبد الله بن راشد: ثنا محمَّد بن إسحاق، عن سفيان، عن بكير، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن ابن أبي نعم: أخبرني المغيرة بن شعبة: أنه سافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بعض تلك الأودية، فقضى حاجته، ثم خرج فتوضأ ومسح، قال: يا رسول الله نسيت أن تخلع خفيك؟ قال: "بل أنت نسيت، بذلك أمرني ربي عز وجل".
قلت: ليس لذكر عبد الرحمن بن الأسود في هذا الإسناد معنى، فإن شيخ ابن عدي:
هو ابن عقدة، وقد أنكروا عليه كثرة المناكير في حديثه، وقد كذَّب الدارقطني من اتهمه بالوضع، وقال:"إنما بلاؤه من هذه الوجادات"، قال ابن عبد الهادي:"ابن عقدة لا يتعمد وضع متن، لكنه يجمع الغرائب والمناكير، وكثير الرواية عن المجاهيل"[انظر: سؤالات البرقاني (15)، سنن الدارقطني (2/ 264) وقال: "ضعيف". تاريخ بغداد (5/ 14)، السير (15/ 340)، الكشف الحثيث (78)، اللسان (1/ 287)، وغيرها].
قلت: وهذا الحديث عندي من مناكيره وغرائبه، وفي الإسناد من لم أميزه ومن لم أعرفه، وقد رواه جماعة من الحفاظ بأسانيد صحيحة، إلى بكير عن عبد الرحمن بن أبي نعم، ليس بينهما عبد الرحمن بن الأسود؛ فهو إسناد منكر.
• حينئذ يبقى النظر في الإسنادين الأول والثاني:
فأقول -وبالله التوفيق-: بكير بن عامر البجلي الكوفي: فيه ضعف، فهو: ليس بالقوي؛ كما سبق أن قررت ذلك فيما سبق، تحت الحديث رقم (45)، وهذا مما يجعلني أحكم على هذا الحديث بالاضطراب؛ إذ الذين رووا الإسنادين عن بكير: ثقات، وتوهيم بكير -على ما فيه من ضعف- أولى من توهيم الثقات المتقنين.
نعم، هذا هو ما يمكن أن يقال في باديء الأمر؛ لكن مع إمعان النظر في هذين الإسنادين يظهر لي: أن كلاهما محفوظ عن بكير بن عامر، وأنه كان عنده على الوجهين جميعًا، فحدث به مرة هكذا، ومرة هكذا.
أقول هذا مع كون بكير بن عامر ليس ممن يحتمل منه التعدد في الأسانيد لما فيه من ضعف، وهذا لأمرين:
الأول: أن أبا نعيم الفضل بن دكين [الثقة المثبت المتقن] قد روى عنه الأسنادين جميعًا.
الثاني: أن بكير بن عامر يروي هذين الحديثين بإسنادين كوفيين بجليين، يرويهما عن رجلين كلاهما من نفس قبيلته -بجيلة-، ومن نفس بلده -الكوفة-، فعبد الرحمن بن أبي نعم وأبو زرعة بن عمرو، كلاهما: كوفي بجلي ثقة.
ويمكن أن أزيد قرينة ثالثة: وهي أن هذين الحديثين حديثان مختلفان يدل على ذلك سياقهما، فهما ليسا بحديث واحد اختلف في إسناده، وإن كان كل منهما في المسح على الخفين، ففي كل حديث منهما قصة مغايرة لما في الآخر، كل واحدة وقعت لصحابي غير الصحابي الآخر، فهما حديثان مختلفان في المسح على الخفين رواهما بكير بن عامر بإسنادين مختلفين.
• وحاصل ما تقدم:
فإنه يقبل من بكير بن عامر حديثه الثاني الذي يرويه عن أبي زرعة عن جرير، وذلك لأنه قد توبع عليه، تابعه شهر بن حوشب، كما سبق تقريره عند الحديث رقم (45)، مما يدل على أنه حفظه وضبطه، فهو حديث حسن.
وأما حديثنا الذي بين أيدينا فهو: حديث ضعيف، تفرد به بكير بن عامر، عن