الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وله ألفاظ منها: ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي أحدَكم الشيطانُ في صلاته حتى ينفخ في مقعدته، فيخيل إليه أنه قد أحدث ولم يحدث، فإذا وجد ذلك أحدكم، فلا ينصرفنَّ حتى يسمع صوتًا بأذنه، أو يجد ريحًا بأنفه".
أخرجه البزار (1/ 147/ 281 - كشف الأستار)[الأحكام الشرعية الكبري (1/ 420)].
وأخرجه من طريق ثور أيضًا وقد اختلف فيه عليه: أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (2/ 525)، وأبو محمد الفاكهي في فوائده (59)، والطبراني في الكبير (11/ 177/ 11556)، وابن بشران في الأمالي (116)، والبيهقي (2/ 254).
وانظر: علل ابن أبي حاتم: (1/ 238/89)، فقد رجح الموقوف.
ورفعه أيضًا عن عكرمة: خالد الحذاء [والإسناد إليه لا يصح]، وهشام بن حسان: أخرجه أبو عبيد في الطهور (410)، والطبراني في الكبير (11/ 341/ 11948).
• وممن رواه عن عكرمة به موقوفًا:
أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان الشيباني، وخالد الحذاء، والجعد [كذا عند أبي عبيد، وما أدري من هو؟ ولعله الجعد بن دينار أبو عثمان][وهم: ثقات]:
رووه عن عكرمة، عن ابن عباس به موقوفًا.
أخرجه أبو عبيد في الطهور (411)، وابن أبي شيبة (2/ 190/ 8001 و 8003)[وفي إسناده تصحيف].
ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 8007/191)، بإسناد صحيح إلى سعيد به، والموقوف أصح، والله أعلم.
***
68 - باب الوضوء من القبلة
178 -
. . . سفيان، عن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّلها، ولم يتوضأ.
قال أبو داود: كذا رواه الفريابي وغيره.
قال أبو داود: وهو مرسل؛ إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئًا.
قال أبو داود: مات إبراهيم التيمي لم يبلغ أربعين سنة، وكان يكنى أبا أسماء.
• حديث غريب، وفي سنده إنقطاع، والمحفوظ عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم أخرجه النسائي (1/ 104/ 170)، وأحمد (6/ 210)، وعبد الرزاق (1/ 135/ 511)، وابن أبي شيبة (1/ 48/ 489)، والدارقطني (1/ 139 - 140 و 141)، والبيهقي في
السنن (1/ 126 - 127)، وفي الخلافيات (2/ 170 و 171/ 439 و 440)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 174/ 171).
ولفظه عند النسائي من رواية يحيى بن سعيد القطان: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل بعض أزواجه ثم يصلي، ولا يتوضأ.
ولفظه عند أحمد من طريق وكيع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل ثم صلى ولم يتوضأ، وله ألفاظ أخرى.
هكذا رواه الجماعة من أصحاب سفيان الثوري الثقات المقدمين فيه: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وقبيصة بن عقبة، وعبد الرزاق، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد، وغندر محمد بن جعفر، ومحمد بن يوسف الفريابي، وغيرهم.
خالفهم: معاوية بن هشام [وهو صدوق له أوهام، وليس بالثبت في الثوري، حاله قريب من قبيصة والفريابي، فكيف وقد تفرد بهذه المخالفة دون أصحاب الثوري الثقات. انظر: التهذيب (8/ 252)، الميزان (4/ 138)، شرح العلل (2/ 722)] فرواه عن سفيان الثوري، عن أبي روق، عن إبراهيم التيمى، عن أبيه، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبِّلها وهو صائم.
كذا رواه عن معاوية: عثمان بن أبي شيبة.
أخرجه الدارقطني (1/ 141)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (2/ 175/ 445).
قال الدارقطني [ونقله عنه البيهقي في الخلافيات (2/ 174)]: "وقد روى هذا الحديث: معاوية بن هشام، عن الثوري، عن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عائشة، فوصل إسناده، واختلف عنه في لفظه، فقال عثمان بن أبي شيبة عنه بهذا الإسناد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، وقال عنه غير عثمان: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ولا يتوضأ، والله أعلم"[وانظر: المعرفة للبيهقي (1/ 217)].
وقال الدارقطني في العلل (15/ 147/ 3905) في رواية ابن أبي شيبة عن معاوية: "فأتى بالصواب عن عائشة".
وعليه فالمحفوظ: رواية الحفاظ عن الثوري: مرسل.
• وتابع الثوري عليه:
1 -
مندل بن علي [ضعيف]، رواه عن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينال مني القبلة بعد الوضوء، ثم لا يعيد الوضوء.
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 108/ 9637).
2 -
ورواه بنحوه أبو حنيفة النعمان بن ثابت [ضعيف في الحديث، مع إمامته في الفقه والدين]، عن أبي روق، عن إبراهيم بن يزيد، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . الحديث.
أخرجه أبو نعيم في مسند أبي حنيفة (206 - 207) و (275)، والدارقطني (1/ 141)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (2/ 175/ 444).
كذا قال أبو حنيفة فأخطأ، والمحفوظ: ما قال الثوري: عن عائشة.
قال الدارقطني في السنن: "لم يروه عن إبراهيم التيمي غير أبي روق: عطية بن الحارث، ولا نعلم حدث به عنه غير الثوري وأبي حنيفة، واختلف فيه، فأسنده الثوري عن عائشة، وأسنده أبو حنيفة عن حفصة: كلاهما أرسله، وإبراهيم التيمي: لم يسمع من عائشة، ولا من حفصة، ولا أدرك زمانهما".
وقال في العلل (15/ 147/ 3905): "والحديث مرسل، وقول الثوري أثبت من قول أبي حنيفة".
ونقل البيهقي كلامه الأول في الخلافيات (2/ 443/174)، وأسند أيضًا قول أبي داود [الخلافيات (2/ 171/ 441)]:"إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة، وهو مرسل".
ثم قال: "أخبرنا أبو عبد الله الحافظ [يعني: الحاكم] عقب حديث أبي روق: هذا إسناد لا تقوم عليه الحجة؛ فإنه مرسل، لم يسمع إبراهيم التيمي من عائشة ولم يرها، وأبو روق: فيه نظر".
وقال الترمذي في الجامع (1/ 138) بعد الحديث رقم (86): "وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ".
وهذا لا يصح أيضًا، ولا نعرف لإبراهيم التيمي سماعًا من عائشة".
وقال النسائي: "ليس في هذا الباب حديث أحسن من هذا الحديث، وإن كان مرسلًا".
وقال ابن حزم في المحلى (1/ 245): "وهذا حديث لا يصح؛ لأن راويه أبو روق، وهو ضعيف".
وقال البيهقي في السنن الكبرى (1/ 127): "فهذا مرسل؛ إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة، قاله أبو داود السجستاني وغيره، وأبو روق: ليس بقوي، ضعفه يحيى بن معين وغيره،
…
".
وقال في المعرفة (1/ 217): "وهذا مرسل، إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة، قاله أبو داود وغيره من الحفاظ، وأبو روق: ليس بالقوي، ضعفه يحيى بن معين وغيره".
وقال في الخلافيات (2/ 171) عقب هذا الحديث: "وهذا أيضًا فاسد من وجهين:
أحدهما: أنه مرسل؛ إبراهيم التيمي لم يلق عائشة،
…
[ثم أسند قول أبي داود والحاكم، ثم قال:]
والآخر: أن أبا روق عطية بن الحارث هذا: لا تقوم به الحجة،
…
[ثم أسند قول ابن معين من رواية الدوري: "أبو روق: ليس بثقة"،
…
ثم أسند كلام الدارقطني المتقدم] ".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 324): "وهو مرسل لا خلاف فيه؛ لأنه لم يسمع إبراهيم التيمي من عائشة"، وقال:"ولم يروه أيضًا غير أبي روق، وليس فيما انفرد به حجة".
• وبعد استعراض كلام الأئمة في هذا الحديث يظهر لنا أن فيه علتين:
الأولى: الانقطاع بين إبراهيم التيمي وعائشة، وهذا ظاهر من التأريخ، فإنه إذا كان لم يبلغ الأربعين، كما قال أبو داود، فتكون ولادته على أقصى تقدير: سنة (52) على القول بأن وفاته كانت سنة (92)، وعائشة رضي الله عنها توفيت سنة (57)، كما صححه ابن حجر في التقريب (1364)، فيكون له حينئذٍ من العمر: خمس سنوات، وهو كوفي، وعائشة كانت بالمدينة.
الثانية: تفرد أبي روق عطية بن الحارث به عن التيمي.
وأما تعليل الحديث بتليين أبي روق، فلا مستند له صحيح؛ فقد قال فيه أبو حاتم - مع تشدده في الرجال-:"صدوق"، وقال النسائي -وهو معروف بالتشدد أيضًا-:"ليس به بأس"، وقال أحمد بن حنبل -في رواية ابنه عنه-:"ليس به بأس"، وقال في رواية أبي داود عنه:"مقارب الحديث، ثقة"، فهي تفسر التي قبلها، يعني: أنه في حديثه يقارب حديث الثقات، وليس هو في المرتبة العليا منهم، وقال يعقوب بن سفيان مرة:"لا بأس به"، وقال أخرى:"ثقة"، يعني: من جهة عموم التوثيق، وإلا فهو نازل عن هذه المرتبة، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يذكر أنه ممن يخطئ في روايته، وقال ابن عبد البر في الاستغناء (711):"هو عندهم: صدوق، ليس به بأس، صالح الحديث".
وأما يحيى بن معين، فقد روى عنه إسحاق بن منصور الكوسج قوله:"صالح"، ونقل البيهقي في المعرفة عن الدوري عن ابن معين قوله:"أبو روق: ليس بثقة".
والحق أن هذا إنما هو خطأ في النقل من البيهقي -رحمه الله تعالى-، وإنما قال ابن معين هذا في ابن أبي روق، فالذي في تاريخ الدوري عن ابن معين:"ابن أبي روق: قد رأيته، وليس بثقة"، ونقله عن الدوري هكذا دون قوله:"قد رأيته": ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، في ترجمة يحيى بن أبي روق.
وعلى هذا النقل الخاطئ يحمل قول البيهقي فيه: "ليس بقوي"، فهو جرح غير معتمد، لضعف مستنده.
وأما ابن حزم وتضعيفه لأبي روق فلا حجة فيه، إذ هو ليس من أئمة هذا الشأن، فلا عبرة بما يتفرد به عن الأئمة النقاد.
[انظر، مع مصادر التخريج المتقدمة: التاريخ الكبير (7/ 13)، الجرح والتعديل (6/ 382) و (9/ 180)، تاريخ ابن معين رواية عباس الدوري (3/ 309)، الثقات (7/ 277)، طبقات ابن سعد (6/ 369)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 51/ 1521)، سؤالات أبي داود (390)، المعرفة والتاريخ (3/ 106 و 199)، التهذيب (5/ 590)، الميزان: لم يذكره
الذهبي في الميزان مما يدل على عدم ثبوت نسبة هذا القول إلى ابن معين في أبي روق، وإلا لأورده فيه].
ويؤكد هذا الذي ذهبت إليه في عدم ثبوت جرح في حق أبي روق: قول ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 324): "وقال الكوفيون: أبو روق: ثقة، ولم يذكره أحد بجرحة"، وقال في الاستغناء (711):"هو عندهم: صدوق، ليس به بأس، صالح الحديث".
وعلى هذا فإن أبا روق عطية بن الحارث: ليس به بأس، على قول الجمهور، وهي مرتبة أنزل من مرتبة من قيل فيه:"لا بأس به"، يعني: صدوق.
فهو كما قال ابن عبد البر: "وليس فيما انفرد به حجة"، لا سيما مع تضعيف الحفاظ لهذا الحديث من جميع طرقه، وإلا فهو كما قال النسائي:"ليس في هذا الباب حديث أحسن من هذا الحديث، وإن كان مرسلًا".
فهو أحسن إسناد لهذا الحديث مع ضعفه الذي تقدم بيانه، من الانقطاع، وتفرد أبي روق به.
***
179 -
. . . وكيع: حدثنا الأعمش، عن حبيب، عن عروة، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ.
قال عروة: من هي إلا أنت! فضحكت.
قال أبو داود: هكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحماني، عن سليمان الأعمش.
• حديث منكر، والمحفوظ عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم قلت: وتابعهم على هذه الرواية: أبو بكر بن عياش وعبد الله بن داود الخريبي.
أخرجه الترمذي (86)، وابن ماجه (502)، وأحمد (6/ 210)، وإسحاق (2/ 99/ 566)، وابن أبي شيبة (1/ 48/ 485)، وأبو يعلى (7/ 375/ 4407) و (8/ 243/ 4821)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 108/ 9634 و 9635)، وابن المنذر (1/ 128/ 15)، والطحاوي في أحكام القرآن (87 - 89)، والدارقطني في السنن (1/ 137 - 138 و 138 و 138 - 139)، وفي العلل (15/ 64/ 3837)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 126)، وفي المعرفة (1/ 216/ 178)، وفي الخلافيات (2/ 165/ 435)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 346/ 168)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 172/ 168)، وفي العلل المتناهية (1/ 363/ 601).
هكذا رواه أصحاب الأعمش، وفيهم: وكيع بن الجراح، وهو من أثبت أصحاب الأعمش، فقالوا: عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة.
هكذا في غالب الروايات: "عن عروة" فقط غير منسوب، لكن وقع منسوبًا في رواية
وكيع - من رواية أحمد بن حنبل وعلي بن محمد، شيخ ابن ماجه - عن وكيع به، فقالا:"عن عروة بن الزبير".
وذكره إسحاق بن راهويه في باب ما يرويه عروة بن الزبير عن خالته عائشة.
وهناك قرينة في الرواية تؤيد هذا، فقد قال عروة لعائشة لما ذكرت له هذا الحديث: من هي إلا أنت؟! فضحكت، ولا يجرؤ على هذا في خطابه لأم المؤمنين إلا من كان مداخلًا لها من محارمها، وهو عروة بن الزبير، ابن أخت عائشة.
والأئمة لما أعلوا هذا الحديث أعلوه بعدم سماع حبيب بن أبي ثابت من عروة بن الزبير، هكذا منسوبًا، كما سيأتي نقل كلامهم مثل يحيى بن سعيد القطان والبخاري.
وانظر: شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (2/ 511)، وغيره.
• وخالفهم: عبد الرحمن بن مغراء، فرواه عن الأعمش: أخبرنا أصحاب لنا، عن عروة المزني، عن عائشة به.
فلم يذكر في الإسناد: حبيب بن أبي ثابت بل أبهمه، وقال: عروة المزني، بدل عروة بن الزبير.
وهذه رواية شاذة، خالف فيها ابن مغراء من هو أوثق منه وأكثر عددًا، وأعلم منه بحديث الأعمش، لا سيما وابن مغراء هذا يتفرد عن الأعمش بأحاديث منكرة لا يتابع عليها، نعم؛ صدَّقه أبو زرعة ووثقه آخرون، لكن قال ابن عدي:"إنما أنكرت على أبي زهير هذا [يعني: عبد الرحمن بن مغراء] أحاديث يرويها عن الأعمش لا يتابعه الثقات عليها، وله عن غير الأعمش غرائب، وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم".
وأنكر أبو حاتم على ابن مغراء حديثًا رواه عن الأعمش.
• وعلى هذا فعبد الرحمن بن مغراء: إن وافق الثقات في روايته عن الأعمش، قُبِل حديثه، وأما إذا خالفهم أو تفرد دونهم بحديث لم يروه أصحاب الأعمش: رُدَّ حديثه.
وهذا من مردود حديثه لمخالفته لأصحاب الأعمش في إسناد هذا الحديث، والله أعلم.
[انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (5/ 290)، علل ابن أبي حاتم (1/ 256/ 756)، الثقات (7/ 92)، الكامل (4/ 289)، التهذيب (5/ 179)، الميزان (2/ 592)، إكمال مغلطاي (8/ 230)، التقريب (600)، وقال: "صدوق، تكلم في حديثه عن الأعمش"].
***
180 -
. . . عبد الرحمن -يعني: ابن مغراء-: حدثنا الأعمش: أخبرنا أصحاب لنا، عن عروة المزني، عن عائشة بهذا الحديث.
قال أبو داود: قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: اِحكِ عني أن هذين؛ يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب، وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة، قال يحيى: اِحكِ عني أنهما شِبه لا شيء.
قال أبو داود: وروي عن الثوري، قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني، يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء.
قال أبو داود: وقد روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة: حديثًا صحيحًا.
• حديث منكر، والمحفوظ عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم.
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 126)، وفي الخلافيات (2/ 168)، وفي المعرفة (1/ 216/ 179).
قلت: أما رواية ابن مغراء فشاذة؛ تقدم بيان شذوذها.
وأما قول الثوري: "ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني"، فهذا يؤكد قول الأئمة أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع شيئًا من عروة بن الزبير، ولا تعارض بين قوله هذا، وبين أن يكون هذا الحديث إنما هو حديث عروة بن الزبير، ولم يسمع منه حبيب، لما تقدم ذكره من القرائن.
وأما قول أبي داود بأن حبيبًا روى عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثًا صحيحًا، فإنما يعني بذلك ما رواه حمزة بن حبيب الزيات، وحماد بن شعيب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ عافني في جسدي، وعافني في بصري، واجعله الوارث مني، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين".
أخرجه الترمذي (3480)، والحاكم (1/ 530)، وأبو يعلى (8/ 145/ 4690)، وابن عدي (2/ 407)، والبيهقي في الدعوات (260)، والخطيب في التاريخ (2/ 137)، وانظر: شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (2/ 510)، ونصب الراية (1/ 72).
قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، سمعت محمدًا يقول: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئًا، والله أعلم".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد إن سلم سماع حبيب من عروة، ولم يخرجاه".
وفي الإتحاف (17/ 114): "إن سلم من إرسال حبيب عن عروة".
وقال الخطيب البغدادي: "ورواه أبو مريم عبد الغفار بن القاسم، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مولى لقريش، عن عروة بن الزبير".
وعبد الغفار بن القاسم هذا: متروك الحديث، واتهم بالوضع [اللسان (4/ 50)] إلا أن ابن عدي قال فيه:"ولعبد الغفار بن القاسم أحاديث صالحة، ومن حديثه ما لا يتابع عليه، وكان غاليًا في التشيع، وقد روى عنه شعبة حديثين، ويكتب حديثه مع ضعفه"[الكامل (5/ 328)].
قلت: فلعله أتي من قِبَل غلوه في الرفض، وإلا فإنه كان حافظًا، قال الذهبي في الميزان (2/ 641):"وكان ذا اعتناء بالعلم والرجال، وقد أخذ عنه شعبة، ولما تبين له أنه ليس بثقة تركه"، هكذا خفي أمره على شعبة زمانًا فأثنى عليه، فلما تبين له أمره تركه.
ومن كان في مثل حاله فيمكن أن يعتبر بروايته في مثل هذا، فإن روايته هذه تبين عوار رواية الزيات وحماد بن شعيب، وأن حبيب بن أبي ثابت إنما أخذه عن رجل مجهول عن عروة بن الزبير، وهي موافقة لأقوال الحفاظ في إثبات عدم سماع حبيب من عروة.
وفي بعض ما تقدم ما يردَّ قول أبي داود أن حبيبًا روى عن عروة بن الزبير حديثًا صحيحًا، فإنما هو حديث ضعيف، ولم يثبت لنا فيه سماع حبيب من عروة، بل ما أخذه حبيب إلا عن رجل مجهول عن عروة مما يؤكد الانقطاع بينهما، والله أعلم.
هذا مع احتمال أن يكون مراد أبي داود من قوله هذا: رد قول الثوري بأن حبيبًا ما حدثهم إلا عن عروة المزني، ولم يحدثهم عن ابن الزبير بشيء، فأراد أن يقول بأنه قد صحت الرواية أن حبيبًا قد روى عن عروة بن الزبير، وإن لم يسمع منه، والله أعلم.
والحديث قد ضعفه الترمذي، وأعله الخطيب البغدادي.
فلا حجة بعد ذلك لمن يقول بأن أبا داود يثبت سماع حبيب من عروة لهذا الحديث، بعد أن بأن بأنه مدلَّس، دلسه حبيب عن عروة، ورواه مرة فذكر الواسطة بينهما، وهو رجل مجهول لا نعرف عينه ولا حاله.
• نعود بعد ذلك إلى المحفوظ عن الأعمش في هذا الحديث، فنذكر أقوال أهل العلم فيه:
قال الترمذي في الجامع (86): "وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد.
قال: وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: ضعَّف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث جدًّا، وقال: هو شبه لا شيء.
قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعِّف هذا الحديث، وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة
…
، وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء".
وقال في العلل (56): "وسألت محمدًا عن حديث الأعمش
…
؟ [فذكره ثم قال:] فقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة" [وانظر الجامع (936) أيضًا].
وقال ابن المنذر: "ويقال: إن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة شيئًا".
وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 48/ 110): "وسمعت أبي يقول: لم يصح حديث عائشة في ترك الوضوء من القُبلة، يعني: حديث الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة، وسئل أبو زرعة عن الوضوء من القُبلة؟ فقال: إن لم يصح حديث عائشة قلت به".
ونقل ابن أبي حاتم في المراسيل (81) عن يحيى بن معين قال: "لم يسمع حبيب بن أبي ثابت من عروة"، ثم قال:"وكذا قال أحمد: لم يسمع من عروة".
ونقل أيضًا في تقدمة الجرح والتعديل (1/ 239) عن علي بن المديني قال: "سمعت يحيى [يعني: ابن سعيد القطان] وذُكر عنده حديثا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة: تصلي المستحاضة وإن قطر الدم على الحصير، وفي القُبلة، يعني: حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبَّل ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. فقال يحيى: اِحكِ عني أنهما شبه لا شيء".
وقول يحيى بن سعيد القطان هذا - في تضعيف هذا الحديث جدًّا- حكاه أيضًا: النسائي في سننه (1/ 104 - 105/ 170)، والدارقطني (1/ 139)، والبيهقي في السنن (1/ 126)، وفي الخلافيات (2/ 167/ 437 و 438)، وفي المعرفة (1/ 216/ 181).
وقال الدارقطني في السنن (1/ 139): "حدثنا أبو بكر النيسابوري: حدثنا عبد الرحمن بن بشر، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول؛ وذُكر له حديث الأعمش عن حبيب عن عروة، فقال: أما إن سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا، زعم أن حبيبًا لم يسمع من عروة شيئًا"، ورواه في العلل (15/ 64/ 3837) بأطول من هذا السياق.
وأسنده من وجه آخر عن عبد الرحمن بن بشر: البيهقي في الخلافيات (2/ 166/ 436).
وقال عباس الدوري: "قيل ليحيى [يعني: ابن معين]: حبيب ثبت؟ قال: نعم، إنما روى حديثين -أظن يحيى يريد: منكرين-: حديث تصلي الحائض وإن قطر الدم على الحصير، وحديث القُبلة"[تاريخ ابن معين للدوري (4/ 18)][ورواه من طريقه: البيهقي في المعرفة (1/ 217/ 182)، وانظر: السير (5/ 290)، والتهذيب (2/ 154)].
وقال البيهقي في الخلافيات (2/ 166 - 168): "هذا حديث يشتبه فساده على كثير ممن ليس الحديث من شأنه، ويراه إسنادًا صحيحًا، وهو فاسد من وجهين:
أحدهما: أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير، فهو مرسل من هذا الوجه"، ثم أسند كلام الثوري والقطان السابق ذكره ثم قال:
"والوجه الآخر: يقال: إن عروة هذا ليس ابن الزبير، إنما هو شيخ مجهول، يعرف بعروة المزني".
وهذا سبق بيانه وأنه عروة بن الزبير، وشذ من قال: عروة المزني.
وقال مغلطاي في الإكمال (3/ 356 - 357): "قال إسماعيل [يعني: ابن إسحاق القاضي بعد أن أسند هذا الحديث]: الأحاديث المرفوعة في هذا الباب منكرة، وقد سمعت جماعة من أهل العلم بالحديث نحو: علي بن نصر، وعيسى بن شاذان، وغيرهما: ذكروا حديث حبيب فعجبوا منه وأنكروه، قالوا: وهو مما يعتد به على حبيب، ومن يحسِّن فيه أمره يقول: أراد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، فغلط بهذا".
وممن أنكر هذا الحديث أيضًا: الإمام أحمد.
قال ابن رجب في شرح العلل (2/ 802): "وحديث حبيب عن عروة أيضًا، قال أحمد ويحيى: هو منكر"، ثم ذكر له ابن رجب ثلاثة أحاديث: حديث القُبلة هذا، وحديث المستحاضة، وحديث الدعاء الذي تقدم ذكره، وأشار إليه أبو داود.
وفي المغني لابن قدامة (1/ 188): "نرى أنه غلط".
وفي كتاب الخلال: "سئل أبو عبد الله عن حديث عائشة في القُبلة؟ فقال: هو غلط"[شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (2/ 508)].
وفي كتاب الميموني: "قال أبو عبد الله: هذا الحديث مقلوب على حديث عائشة: قبَّل وهو صائم، وهو هذا الحديث بعينه، يرويه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. قلت: فمن أين؟ أليس حبيب صالح الحديث؟ قال: بلى، ولكن لا أعلم أحدًا روى عن حبيب عن عروة شيئًا إلا هذا الحديث، وحديث آخر يرويه الأعمش"[كذا في شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (2/ 508 - 509) وهي طبعة كثيرة التصحيف ومشحونة بالأخطاء].
وفيه أيضًا (2/ 509): "وفي مسائل حرب بن إسماعيل الحنظلي الكرماني: وسمعت إسحاق -يعني: ابن راهويه- لما ذكر حديث حبيب عن عروة -يعني: هذا- قال: هذه الرواية ليست بصحيحة لما نظن أن حبيبًا لم يسمع من عروة، وإنما بلغه عنه، ويُروى عن هشام عن أبيه خلاف ذلك، وهذا أعظم الدلالة في ذلك"، ونقل بعضه ابن عبد البر في التمهيد (8/ 44).
• فهذا إجماع من المحدثين على تضعيف هذا الحديث، وإنكاره على حبيب بن أبي ثابت، وأنه غلط فيه على عروة، مع كونه لم يسمع منه؛ فمن هؤلاء الذين ضعفوه:
يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، والترمذي، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وابن المنذر، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، وعلي بن نصر، وعيسى بن شاذان، والدارقطني، والبيهقي.
ويمكن تلخيص علته في أمرين:
أحدهما: أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئًا، وقد أجمع على ذلك المحدثون، وإجماعهم يكون حجة.
الثاني: أن حبيبًا غلط في هذا الحديث فقال: كان يقبِّل بعض نسائه ثم يخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ، وقد رواه جماعة عن عروة بلفظ: كان يقبِّل وهو صائم، وهو المحفوظ.
قال البيهقي في السنن الكبرى (1/ 127): "والحديث الصحيح عن عائشة؛ في قبلة الصائم، فحمله الضعفاء من الرواة على ترك الوضوء منها، ولو صح إسناده لقلنا به إن شاء الله تعالى".
وقال في المعرفة (1/ 216): "والصحيح: رواية عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وعلي بن الحسين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، وعمرو بن ميمون، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل -أو: يقبلها- وهو صائم".
• إذا علمت ذلك وبان لك وجهه: فلا تغتر بما قال ابن عبد البر فخالف بذلك إجماع المحدثين حيث قال في الاستذكار (1/ 323 - 324): "وهذا الحديث عندهم
معلول، فمنهم من قال: لم يسمع حبيب من عروة، ومنهم من قال: ليس هو عروة بن الزبير، وضعفوا هذا الحديث ودفعوه.
وصححه الكوفيون وثبتوه، لرواية الثقات أئمة الحديث له، وحبيب بن أبي ثابت لا ينكر لقاؤه عروة، لروايته عمن هو أكبر من عروة وأجل وأقدم موتًا، وهو إمام من أئمة العلماء الجلة"، وقال في موضع آخر: "لا شك أنه لقي عروة".
وقال في التمهيد (8/ 42) ناقلًا أدلة المصححين: "قالوا: ولا معنى لطعن من طعن على حديث حبيب بن أبي ثابت عن عروة في هذا الباب؛ لأن حبيبًا ثقة، ولا يشك أنه أدرك عروة، وسمع ممن هو أقدم من عروة، فغير مستنكر أن يكون سمع هذا الحديث من عروة، فإن يكن سمعه عنه، فإن أهل العلم لم يزالوا يروون المرسل من الحديث والمنقطع، ويحتجون به إذا تقارب عصر المرسِل والمرسَل عنه، ولم يُعرف المرسِل بالرواية عن الضعفاء والأخذ عنهم
…
".
وأقل ما يقال في هذا المقام؛ بأن حبيب بن أبي ثابت: مدلس، ولم يصرح بسماعه من عروة، بل لا يعلم له سماع من عروة، ولا رواية غير هذه الأحاديث الثلاثة الآنفة الذكر، والتي أنكرها العلماء عليه.
هذا ومن المعلوم أن الرجل قد يروي عن الكبار ويرسل عن الصغار، وإنما سبيلنا في معرفة ذلك إنما هو كلام الأئمة المتقدمين الذين اعتنوا بمسألة السماع والاتصال والانقطاع.
وانظر كلام مغلطاي في الرد على ابن عبد البر [شرح سنن ابن ماجه (2/ 510)].
• هذا ولم ينفرد حبيب بن أبي ثابت عن عروة بهذا الحديث، وإن كان إسناده هو أشهر إسناد فيه، وهذا أيضًا من الأدلة التي يستدل بها على أن عروة هذا ليس هو المزني المجهول، وإنما هو عروة بن الزبير [وانظر: شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (2/ 512)].
• ومن هذه الأسانيد ما رواه:
1 -
إبراهيم بن محمد المديني: أخبرنا معبد بن نباتة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قبَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوضئ، ثم صلى ولم يحدث وضوءًا.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 135/ 510)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة على أهل المدينة (1/ 66).
وهذا باطل؛ إبراهيم بن محمد هو: ابن أبي يحيى الأسلمي: كذاب، ومعبد بن نباتة: مجهول، وقد تفرد به عن محمد بن عمرو بن عطاء.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 324): "هو [يعني: معبد بن نباتة]: مجهول؛ لا حجة فيما رواه عندنا، وإبراهيم بن أبي يحيى عند أهل الحديث: ضعيف، متروك الحديث".
وقال البيهقي في المعرفة (1/ 216): "معبد بن نباتة هذا: مجهول، ومحمد بن عمرو بن عطاء لم يثبت له عن عائشة شيء".
وقال الشافعي: "ولكني لا أدري كيف حال معبد بن نباتة هذا، فإن كان ثقة فالحجة فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكني أخاف أن يكون غلطًا من قِبَل أن عروة إنما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها صائمًا"[المعرفة (1/ 215)، التمهيد (21/ 177)].
2 -
علي بن عبد العزيز الوراق: نا عاصم بن علي: نا أبو أويس: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنها بلغها قول ابن عمر: في القبلة الوضوء، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ثم لا يتوضأ.
أخرجه الدارقطني (1/ 136)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 193 - 194/ 472 و 473).
قال الدارقطني: "ولا أعلم حدث به عن عاصم بن علي هكذا غير علي بن عبد العزيز".
وقال البيهقي: "هذا وهم من علي بن عبد العزيز هذا، أو عاصم أو أبي أويس، والمحفوظ: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، بغير هذه الزيادة في الوضوء، هكذا رواه مالك بن أنس الإمام، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، وغيرهم، عن هشام بن عروة"، ثم أسند قول ابن معين في تضعيف أبي أويس وتكلم في عاصم بن علي.
وتعقبهما ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 127)، والزيلعي في نصب الراية (1/ 75) بما لا يغني.
• ورواه بقية بن الوليد، قال: حدثني عبد الملك بن محمد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها وهو صائم، فقال:"إن القبلة لا تنقض الوضوء" أو: "لا تفطر الصائم"، ثم قال:"يا حميراء إن في ديننا سعة".
أخرجه إسحاق بن راهويه (2/ 172/ 673)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (2/ 189/ 465)، والدارقطني تعليقًا (1/ 136).
قال إسحاق: "أخشى أن يكون غلط"، قال أبو محمد عبد الله بن محمد النيسابوري -راوي المسند عنه-:"في المرة الأولى غلط".
يعني في قوله: "لا تنقض الوضوء".
وقال البيهقي: "عبد الملك بن محمد هذا: ضعيف،
…
، وبقية بن الوليد يأخذ عن كل ضرب، ولا يُقبل عنه ما يأخذ عن الضعفاء والمجهولين".
وعبد الملك بن محمد الصنعاني: قال فيه ابن حبان في المجروحين (2/ 136): "كان ممن يجيب في كل ما يُسأل حتى تفرد عن الثقات بالموضوعات، لا يجوز الاحتجاج بروايته"، ونقله عنه البيهقي في الخلافيات (2/ 191).
وقال الدارقطني في العلل (15/ 64/ 3837) بأنه: مجهول، ووهم روايته.
• ورواه العباس بن الوليد بن مزيد، قال: أنا محمد بن شعيب: أنا شيبان بن عبد الرحمن التميمي، قال: ثنا الحسن بن دينار، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة: أن
رجلًا سأل عائشة عن الرجل يقبل امرأته أيعيد الوضوء؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بعض نسائه ثم لا يعيد الوضوء، قال: فقلت لها: أئن كان ذلك، ما كان إلا منك، فسكتت.
أخرجه ابن عدي (2/ 303)، والدارقطني (1/ 137)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 186/ 459).
والحسن بن دينار: متروك، كذبه جماعة [الميزان (1/ 487)، اللسان (2/ 254)].
• ورواه ابن أبي داود: ثنا جعفر بن محمد بن المرزبان: نا هشام بن عبيد الله: ثنا محمد بن جابر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا.
علقه الدارقطني (1/ 137)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (2/ 192/ 468).
قال البيهقي: "ومحمد بن جابر اليمامي: لا يحتج بحديثه"، وهو ابن سيار السحيمي الحنفي، أخو أيوب بن جابر، وعليه: فهو ضعيف يعتبر به [التهذيب (7/ 80)، الميزان (3/ 496)]، ووهم روايته الدارقطني في العلل (15/ 64/ 3837).
• ورواه حاجب بن سليمان: نا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، ثم ضحكت.
أخرجه الدارقطني (1/ 136)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (2/ 185/ 458).
قال الدارقطني: "تفرد به حاجب عن وكيع، ووهم فيه، والصواب عن وكيع بهذا الإسناد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، وحاجب لم يكن له كتاب، إنما كان يحدث من حفظه"، وكذا قال في العلل (15/ 63/ 3837).
ونقله البيهقي وأقره، ولم يُصب من تعقبهما.
فإن حاجب بن سليمان: صدوق يخطئ، ويهم في حديثه، وقد خالف من هو أحفظ منه وأضبط:
فقد رواه الإمام أحمد بن حنبل، وعلي بن حرب، كلاهما: عن وكيع، قال: حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه وهو صائم، ثم ضحكت.
أخرجه أحمد (6/ 207)، وأبو عوانة (2/ 210/ 2873).
• والحاصل: أن هذه الطرق عن هشام بن عروة لا يصح منها شيء، ولا يعضد بعضها بعضًا؛ إذ هي مخالفة لما رواه الأئمة الحفاظ جهابذة الحديث، جبال الحفظ والإتقان الذين لو انفرد الواحد منهم لقُدِّمت روايته على رواية من ذكرنا ممن تقدم ذكرهم:
فقد رواه: الإمام مالك بن أنس، وسفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطان، وسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وحماد بن سلمة، وأنس بن عياض، وابن جريج، ومعمر بن راشد، وسعيد بن أبي سعيد عبد الجبار الزبيدي، وأبو معاوية محمد بن خازم، وعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، وشريك بن عبد الله النخعي، وعمر بن علي المقدمي [14]، وغيرهم:
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل إحدى [بعض] نسائه، وهو صائم، ثم تضحك.
أخرجه البخاري (1928)، ومسلم (1106/ 62)، وأبو عوانة (2/ 210/ 2873 - 2876)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 180/ 2488)، ومالك في الموطأ (1/ 393/ 798)، والشافعي في السنن (1/ 376/ 310)، وفي الأم (2/ 98)، وفي المسند (104)، وأحمد (6/ 192 و 207)، وإسحاق (2/ 171/ 672)، والنسائي في السنن الكبرى (3/ 295/ 3042)، والدارمي (2/ 22/ 1722)، وابن حبان (8/ 309 و 311 و 316/ 3537 و 3540 و 3547)، ومحمد بن يوسف الفريابي في حديثه عن الثوري (269)، وعبد الرزاق (4/ 183/ 7409)، والحميدي (198)، وابن أبي شيبة (2/ 314/ 9391)، وعبد بن حميد (1501)، وأبو يعلى (7/ 402/ 4428) و (8/ 166 و 180/ 4715 و 4734)، وابن أبي داود في مسند عائشة (23)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2297)، والطحاوي (2/ 91)، والطبراني في الأوسط (2/ 218/ 1785) و (7/ 123/ 7048)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 138)، والبيهقي (4/ 233)، والخطيب في التاريخ (7/ 219)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 276/ 1750).
هكذا رواه الحفاظ عن هشام، فقالوا:"وهو صائم"، وعليه فكل من روى هذا الحديث فقال فيه:"ولم يتوضأ": فقد أخطأ، كما جزم بذلك الأئمة.
قال الدارقطني في العلل (15/ 64/ 3837): "والصحيح: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم".
3 -
قال الدارقطني في السنن (1/ 135): حدثنا عبد الباقي بن قانع: نا إسماعيل بن الفضل: نا محمد بن عيسى بن يزيد الطرسوسي: نا سليمان بن عمر بن سيار -مديني-: حدثني أبي، عن ابن أخي الزهري، [عن الزهري]، عن عروة، عن عائشة، قالت: لا تعاد الصلاة من القُبلة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بعض نسائه ويصلي، ولا يتوضأ.
رواه من طريقه: البيهقي في الخلافيات (2/ 178/ 449).
وقال: "رواة هذا الحديث إلى ابن أخي الزهري أكثرهم: مجهولون، ولا يجوز الاحتجاج بأخبار المجهولين، وقد رواه غيره فخالفه
…
"، يعني: رواية سعيد بن بشير الآتي ذكرها:
وقال في المعرفة (1/ 218): "وروي بإسناد مجهول: عن ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة".
وتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 126) بقوله: "وليس كذلك، بل أكثرهم معروفون".
وهو كما قال: فإن شيخ الدارقطني: عبد الباقي بن قانع: مصنف مشهور، وهو صاحب معجم الصحابة، وكان حافظًا، وثقه جماعة، وتكلم فيه بعضهم لأوهام وقعت له، وكان اختلط قبل موته بسنتين [انظر: تاريخ بغداد (11/ 88)، السير (15/ 526)، الميزان (2/ 532)، البداية والنهاية (11/ 242)، المحلى (6/ 186) و (7/ 38) و (10/ 379)،
اللسان (3/ 469)، وغيرها] [سؤالات السهمي (334)، سؤالات السلمي (190)، السنن للدراقطني (1/ 181)].
وإسماعيل بن الفضل: هو ابن موسى بن مسمار أبو بكر البلخي، سكن بغداد وحدث بها، قال الدارقطني:"لا بأس به"، وقال الخطيب:"كان ثقة"[سؤالات الحاكم (53)، تاريخ بغداد (6/ 290)].
ومحمد بن عيسى بن يزيد الطرسوسي: محدث رحال، قال الحاكم:"هو من المشهورين بالرحلة والفهم والتثبت"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يخطئ كثيرًا"، وقال ابن عدي:"عامة ما يرويه لا يتابعونه عليه، وهو في عداد من يسرق الحديث"، وقال الهيثمي في المجمع:"ضعيف"[الميزان (3/ 679)، تذكرة الحفاظ (2/ 601)، اللسان (5/ 378)، الثقات (9/ 151)، الكامل (6/ 283)، مجمع الزوائد (7/ 210)، المغنى (2/ 623)].
نعم: هؤلاء مشهورون، على ما قيل في بعضهم، ولا تلازم بين الشهرة بالطلب والعلم، وبين الصدق والضبط، فكم من مشهور: كذاب وضاع.
وأما سليمان بن عمر بن سيار: فهو مجهول، ولم أر من ترجم له.
وأبوه: عمر بن سيار، قال العقيلي:"وقد حدث عمر بن سيار هذا عن ابن أخي الزهري بما لا يعرف عنه، ولا يتابع عليه"[الضعفاء (3/ 171)]، وقال الذهبي في الميزان (2/ 203):"ليس بالمتين"، وانظر: اللسان (4/ 311).
فهو منكر من حديث ابن أخي الزهري.
• ورواه إسماعيل بن موسى: ثنا عيسى بن يونس، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ثم يصلي ولا يتوضأ.
أخرجه الدارقطني (1/ 142 - 143)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 184/ 457).
قال الدارقطني: "هذا خطأ من وجوه".
وقال البيهقي: "إنما أراد به أنه أخطأ في إسناده ومتنه جميعًا، حيث روى عن الزهري عن أبي سلمة عن عروة عن عائشة، وزاد في متنه: ثم يصلي ولا يتوضأ، والمحفوظ ما سبق ذكره، والحمل فيه على من دون عيسى بن يونس".
قلت: قد بين وجوه الخطأ الدارقطني نفسه في العلل (15/ 143/ 3902)، فقال: "فوهم في إسناده ومتنه:
فأما وهمه في إسناده: فقوله: عن أبي سلمة، عن عروة، وإنما رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة.
وأما قوله في متنه: ولا يتوضأ؛ فهو وهم أيضًا.
والمحفوظ: كان يقبل وهو صائم".
قلت: والحمل فيه على إسماعيل بن موسى الفزاري، فإنه صدوق له أفراد، ويوصل مراسيل [التهذيب (1/ 345)، الميزان (1/ 251)].
هكذا أخطأ فيه إسماعيل بن موسى الفزاري الكوفي، وقد رواه أهل البصرة واليمن: يزيد بن زريع [بصري: ثقة ثبت]، وعبد الرزاق [صنعاني، ثبت في معمر]:
روياه عن معمر بن راشد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلها وهو صائم.
أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 396/ 3046)، وابن حبان (8/ 314/ 3545)، وأحمد (6/ 232)، وإسحاق (2/ 483/ 1062)، وعبد الرزاق (4/ 183/ 7408).
وهذا هو المحفوظ عن معمر، وقد توبع عليه عن الزهري.
• ورواه سعيد بن بشير، قال: حدثني منصور بن زاذان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: لقد كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقبلني إذا خرج إلى الصلاة، وما يتوضأ.
أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 343/ 4385) و (5/ 66/ 4686)، وابن عدي في الكامل (3/ 375)، والدارقطني (1/ 135)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 323)، وعلقه: ابن أبي حاتم في العلل (1/ 47/ 108)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 179/ 450).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن منصور إلا سعيد بن بشير، ولم يروه عن الزهري إلا منصور".
وقال في الموضع الثاني: "لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا منصور، تفرد به سعيد بن بشير".
وقال ابن عدي: "وهذا أيضًا لا أعلم رواه عن منصور غير سعيد بن بشير".
وقال الدارقطني: "تفرد به سعيد بن بشير عن منصور عن الزهري، ولم يتابع عليه، وليس بقوي في الحديث.
والمحفوظ: عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، وكذلك رواه الحفاظ الثقات عن الزهري، منهم: معمر وعقيل وابن أبي ذئب، وقال مالك عن الزهري: في القبلة الوضوء، ولو كان ما رواه سعيد بن بشير عن منصور عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة صحيحًا لما كان الزهري يفتي بخلافه، والله أعلم".
وانظر: علل الدارقطني (15/ 142/ 3902).
قلت: وهذا من أعظم البيان وأوضحه في بيان بطلان رواية سعيد بن بشير هذه، ورواية مالك عن الزهري أنه كان يقول: من قبلة الرجل امرأته الوضوء.
أخرجها مالك في الموطأ (1/ 88/ 108)، ومن طريقه: الدارقطني (1/ 136)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 183/ 456).
وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق آخر عن الزهري (1/ 62).
وكلام الدارقطني على هذا الحديث نقله البيهقي في الخلافيات مؤكدًا له وزاد عليه (2/ 179 - 183).
وقال أبو حاتم: "هذا حديث منكر؛ لا أصل له من حديث الزهري، ولا أعلم
منصور بن زاذان سمع من الزهري ولا روى عنه"، ثم قال ابن أبي حاتم: "وحفظي عن أبي رحمه الله أنه قال: إنما أراد: الزهري عن أبي سلمة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم. قلت لأبي: ممن الوهم؟ قال: من سعيد بن بشير" [العلل (1/ 47 - 48)].
قلت: وأما الرواية المحفوظة عن الزهري، فهي التي رواها معمر وعقيل وابن أبي ذئب: عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة أنها أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلها وهو صائم.
أخرج هذه الرواية: النسائي في الكبرى (3/ 295 و 296/ 3045 - 3047)، وابن حبان (8/ 314/ 3545)، وأحمد (6/ 223 و 232)، وإسحاق (2/ 482 و 483/ 1061 و 1062)، والطيالسي (1476)، وعبد الرزاق (4/ 183/ 7408)، والطحاوي (2/ 91).
وقد اختلف فيه على الزهري بأكثر من هذا، لكن هذا هو المحفوظ عن الزهري في هذا الحديث، وقد تركنا ذكر بقية الاختلاف إيثارًا للاختصار. وانظر: سنن النسائي الكبرى (3043 - 3048)، مسند إسحاق (2/ 164/ 662)، علل ابن أبي حاتم (739)، معجم ابن الأعرابي (990)، حديث شعبة (44)، علل الدارقطني (15/ 143/ 3902)، الحلية (7/ 161)، التمهيد (24/ 265).
• والحاصل: أن هذه الطرق الثلاثة الآنفة الذكر عن الزهري هي خطأ محض، وهي روايات منكرة سندًا ومتنًا.
أما الإسناد: فالمحفوظ عنه: عن أبي سلمة، وأما المتن: فالمحفوظ عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قبلها وهو صائم.
4 -
والحديث رواه أيضًا: يزيد بن سنان، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، ثم لا يفطر، ولا يحدث وضوءًا.
أخرجه ابن جرير في تفسيره (4/ 108/ 9638)، والطبراني في الأوسط (4/ 136/ 3805).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا يزيد بن سنان، تفرد به: سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه".
وهو كما قال: فمن نفس الطريق أخرجه ابن جرير، ويزيد بن سنان هذا: هو ابن يزيد التميمي الجزري أبو فروة الرهاوي: ضعيف؛ وفي تفرده بهذا الإسناد والمتن عن الأوزاعي: نكارة ظاهرة.
• وقد خالفه من هو أعلم بالأوزاعي منه، وهو فيه ثبت مقدَّم على غيره:
فقد رواه الوليد بن مسلم [الدمشقي: ثقة ثبت في الأوزاعي]، وتابعه: يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي ابن امرأة الأوزاعي [ضعيف]:
قال الوليد: حدثنا أبو عمرو -يعني: الأوزاعي- عن يحيى، قال: حدثني أبو سلمة، قال: حدثتني عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم.
أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 296/ 3049)، والطحاوي (2/ 91)، وأبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (101)، والخطيب في التاريخ (7/ 426).
هذا هو المحفوظ عن الأوزاعي، وأخطأ يزيد بن سنان الرهاوي في الإسناد فجعله من مسند أم سلمة، وفي المتن فزاد:"ولا يحدث وضوءًا".
• وأخطأ فيه أيضًا على الوليد بن مسلم عن الأوزاعي:
يزيد بن عبد الله بن رزيق الشامي [روى عنه جماعة وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب (1078): "مقبول"]، رواه عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، أن عمر بن عبد العزيز أخبره، قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن عائشة أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم.
أخرجه أبو عوانة (2/ 210/ 2872).
وهذا الوجه وإن كان هو المحفوظ من حديث يحيى بن أبي كثير [انظر: علل ابن أبي حاتم (1/ 739/251)، علل الدارقطني (15/ 144/ 3902)، صحيح مسلم (1106/ 69)] إلا إنه شاذ من حديث الوليد عن الأوزاعي، والمحفوظ عن الوليد عن الأوزاعي، ما رواه: محمود بن خالد الدمشقي [ثقة]، ومحمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني [صدوق]: كلاهما عن الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عائشة كما تقدم، وإنما التبعة فيه على الأوزاعي نفسه، فقد كان في حديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعف، إذ لم يكن عنده في كتاب، إنما كان يحدث به من حفظه، ويهم فيه، والله أعلم.
5 -
ورواه حجاج بن أرطأة [صدوق كثير الخطأ والتدليس]، عن عمرو بن شعيب، عن زينب السهمية، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ، ثم يقبل ويصلي، ولا يتوضأ، وربما فعله بي.
أخرجه ابن ماجه (503)، وأحمد (6/ 62)، وابن جرير الطبري (4/ 108/ 9636)، والدارقطني في السنن (1/ 142)، وفي العلل (15/ 162/ 3922)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 176/ 446)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 173/ 169)، والمزي في التهذيب (35/ 190).
قال أبو حاتم وأبو زرعة في هذا الحديث: "الحجاج يدلس في حديثه عن الضعفاء، ولا يحتج بحديثه"[العلل (1/ 48/ 109)].
وقال الدارقطني في العلل: "وزينب هذه مجهولة".
وقال البيهقي: "قال الحاكم أبو عبد الله: هذا إسناد لا تقوم به الحجة، فإن حجاج بن أرطأة -على جلالة قدره- غير مذكور في الصحيح، وزينب السهمية: ليس لها ذكر في حديث آخر".
• ورواه عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين [صدوق يخطئ في حديث الأوزاعي]، قال: ثنا الأوزاعي: نا عمرو بن شعيب، عن زينب: أنها سألت عائشة عن الرجل يقبل امرأته ويلمسها، أيجب عليه الوضوء؟ فقالت: لربما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم، فقبلني، ثم يمضي فيصلي، ولا يتوضأ.
أخرجه الدارقطني (1/ 142)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 174/ 170).
قال الدارقطني: "زينب هذه مجهولة، ولا تقيم [كذا ولعلها: ولا تقوم] بها حجة" وكذا نقله البيهقي في الخلافيات (2/ 177/ 447).
• ورواه عبد الرزاق، عن الأوزاعي، قال: أخبرني عمرو بن شعيب، عن امرأة سماها، أنها سمعت عائشة تقول
…
فذكر الحديث.
رواه عبد الرزاق في المصنف (1/ 135/ 509).
وهذه المرأة التي سماها ونسيها أحد الرواة هي زينب السهمية المجهولة.
• وقد أخطأ في هذا الإسناد وسلك فيه الجادة: أحد المتروكين:
فقد رواه العرزمي، محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان [وهو: متروك]، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ثم يصلي، ولا يحدث وضوءًا.
أخرجه البيهقي في الخلافيات (2/ 177/ 448).
وقال: "هكذا رواه العرزمي عنه وهو متروك".
• وحاصل هذا الطريق: أن مداره على زينب بنت محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمية وهي: مجهولة، لا تقوم بها حجة.
وقد خالفت في هذا الحديث أصحاب عائشة رضي الله عنها: عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وعلي بن الحسين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، وعمرو بن ميمون، فقالوا في هذا الحديث عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم.
قال الدارقطني في العلل (15/ 162/ 3922): "ورواه محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، فقال: عن مجاهد، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل، وهو صائم في رمضان، وهذا أصح من الذي تقدم، والله أعلم".
6 -
ورواه جندل بن والق: نا عبيد الله بن عمرو، عن غالب، عن عطاء، عن عائشة، قالت: ربما قبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلي، ولا يتوضأ.
أخرجه الدارقطني (1/ 137)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 199/ 480)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 175/ 172).
قال الدارقطني في السنن: "غالب: هو ابن عبيد الله: متروك"، وقال في العلل (15/ 116/ 3877):"وغالب متروك".
وقال البيهقي: "قال الحاكم أبو عبد الله: غالب هذا، هو: ابن عبيد الله العقيلي، هو شيخ من أهل الجزيرة، قد خلَّط في هذا الحديث من وجهين"[وانظر: اللسان (4/ 480)].
• ومن الأوهام في هذا الإسناد ما رواه:
أ- أبو سلمة الجهني، عن عبد الله بن غالب، عن عطاء، عن عائشة بنحوه مرفوعًا.
أخرجه الدارقطني (1/ 142)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 198/ 477 و 478).
قال الدارقطني: "قوله: عبد الله بن غالب: وهم، وإنما أراد: غالب بن عبيد الله،
وهو: متروك، وأبو سلمة الجهني: هو خالد بن سلمة: ضعيف، وليس بالذي يروي عنه زكريا بن أبي زائدة"، وقال نحوه في العلل (15/ 116/ 3877)، وقوله في السنن أتم.
ب- الوليد بن صالح: نا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل، ثم يصلي ولا يتوضأ.
أخرجه الدارقطني (1/ 137)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (2/ 205/ 489 و 490).
قال الدارقطني: "يقال: إن الوليد بن صالح وهم في قوله: عن عبد الكريم، وإنما هو حديث غالب، ورواه الثوري عن عبد الكريم عن عطاء من قوله، وهو الصواب، وإنما هو حديث غالب، والله أعلم"، وانظر: العلل (15/ 116/ 3877)، وفيه سقط.
والوليد بن صالح: ثقة من رجال الشيخين، وثقه أكثر الناس تعنتًا في الرجال: أبو حاتم الرازي، وكذا وثقه: أحمد بن إبراهيم الدورقي وأبو عوانة، وذكره ابن حبان في
الثقات [الجرح والتعديل (9/ 7)، تاريخ بغداد (13/ 442)، الثقات (9/ 225)، التهذيب
(9/ 152)، إكمال مغلطاي (12/ 237)، التقريب (1038) وقال:"ثقة"].
والذي أراه -والله أعلم- أنه لم يهم في هذا الإسناد، فالحديث معروف عن عبد الكريم الجزري عن عطاء، وسيأتي الكلام عليه قريبًا.
وهذا هو الوجه الأول من الغلط الذي وقع فيه غالب بن عبيد الله هذا، وأشار إليه الحاكم أبو عبد الله.
• وأما الوجه الثاني من الغلط:
فهو ما رواه مسعود بن جويرية، قال: حدثنا عمر بن أيوب الموصلي قال: حدثنا غالب بن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ولا يعيد الوضوء.
أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 201)، وابن عدي في الكامل (6/ 5)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 199/ 481).
وهذا ظاهر البطلان: لم يحدث به عن نافع غير غالب هذا، وهو: متروك، منكر الحديث، وأنكره عليه ابن حبان وابن عدي والحاكم.
• ولحديث عطاء أسانيد أخرى، منها ما رواه:
أ- البزار في مسنده، قال: حدثنا إسماعيل بن يعقوب بن صبيح: ثنا محمد بن موسى بن أعين، عن أبيه، عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ولا يتوضأ.
أخرجه من طريق البزار: البيهقي في الخلافيات (2/ 205/ 488).
وعزاه للبزار في مسنده: ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 125)، والزيلعي في نصب الراية (1/ 74)، مع سياقه بالسند، ومن عزاه بالسند أيضًا: عبد الحق الإشبيلي في
الأحكام الوسطى (1/ 142)، ثم قال:"وموسى بن أعين هذا ثقة مشهور، وابنه مشهور، روى له البخاري، ولا أعلم لهذا الحديث علة توجب تركه، ولا أعلم فيه مع ما تقدم أكثر من قول يحيى بن معين: حديث عبد الكريم عن عطاء: حديث رديء؛ لأنه حديث غير محفوظ، وانفراد الثقة بالحديث لا يضره، فإما أن يكون قبل نزول الآية، أو تكون الملامسة: الجماع، كما قال ابن عباس".
ووثق رجال هذا السند أيضًا: ابن التركماني، والزيلعي، وابن حجر في الدراية (1/ 20) بقوله:"رجاله ثقات".
ورجاله ثقات، كما قالوا، وبذا يظهر أن الحديث معروف عن عبد الكريم الجزري، رواه عنه عبيد الله بن عمرو -من طريق الوليد بن صالح عنه به-، وموسى بن أعين، فله طريقان صحيحان عن عبد الكريم الجزري، ولم يهم فيه الوليد بن صالح كما قال الدارقطني آنفًا.
• فإذا كان الحديث محفوظًا عن عبد الكريم الجزري: فإما أن يكون الوهم من عبد الكريم نفسه؛ لقول ابن معين: "أحاديث عبد الكريم عن عطاء رديئة".
قال ابن عدي: "وهذا الحديث الذي ذكره يحيى بن معين عن عبد الكريم عن عطاء: هو ما رواه عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الكريم، عن عطاء، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها، ولا يحدث وضوءًا، إنما أراد ابن معين هذا الحديث لأنه ليس بمحفوظ، ولعبد الكريم أحاديث صالحة مستقيمة يرويها عن قوم ثقات، وإذا روى عنه الثقات فحديثه مستقيم"[الكامل (5/ 342)، [وانظر: السير (6/ 82)، التهذيب (5/ 277)].
• وإما أن يكون الوهم ممن رواه عن عبد الكريم بن مالك الجزري [إذ هو ثقة]:
فقد رواه سفيان الثوري، عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء، قال: ليس في القبلة وضوء.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 48/ 487)، والدارقطني (1/ 137 و 142)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 206/ 491).
قال الدارقطني: "وهذا هو الصواب"، يعني: في حديث عبد الكريم عن عطاء: إنما هو قوله، لم يجاوزه إلى غيره، وانظر: العلل (15/ 116/ 3877).
ب- قال البيهقي في الخلافيات (2/ 202/ 485): "أخبرنا الشريف أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود الحسيب -قراءة عليه-: أنبأنا عبد الله بن يعقوب الكرماني: نا محمد بن يعقوب الكرماني: نا حسان بن إبراهيم الكرماني: ثنا سلمة بن صالح الكوفي، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم -تعني: ثم مس بعض نسائه-، ثم خرج فصلى لا يحدث وضوءًا.
ثم قال: "قال الحاكم أبو عبد الله رحمه الله: هذا تفرد به سلمة بن صالح بإسناده ولم يتابع عليه".
قلت: وإسناده واهي، ابن أبي ليلى: سيء الحفظ جدًّا، وسلمة بن صالح الأحمر:
ضعيف [اللسان (3/ 83)]، وحسان بن إبراهيم الكرماني: يخطئ ويهم [التهذيب (2/ 229)]، ومحمد بن يعقوب الكرماني المذكور هنا: هو محمد بن أبي يعقوب، وهو محمد بن إسحاق بن منصور، أبو عبد الله ابن أبي يعقوب الكرماني نزيل البصرة: ثقة [التقريب (825)، التهذيب (7/ 34)، الجرح والتعديل (8/ 122)]، وعبد الله بن يعقوب الكرماني: قال الذهبي والهيثمي: "ضعيف"، وقال الذهبي:"روى عن محمد بن أبي يعقوب الكرماني، ولم يدركه"[السير (15/ 364)، الميزان (2/ 527)، المغني (1/ 580)، المجمع (2/ 22)].
ج- ورواه مندل بن علي، عن ليث بن أبي سليم، عن عطاء، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينال مني القبلة بعد الوضوء، ثم لا يعيد الوضوء.
أخرجه الطبري في تفسيره (4/ 108/ 9637).
وليث ومندل: ضعيفان.
7 -
ورواه أبو سلام، عن زيد العمي، عن أبي الصديق، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلها ثم مضى لوجهه، ولم يحدث وضوءًا.
أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (1/ 166/200).
وقال: "وسمعت أبي يقول: أبو سلام هذا هو خطأ، إنما هو سلام الطويل، والحديث منكر، وسلام: متروك الحديث".
وانظر: شرح العلل لابن عبد الهادي (215).
• هذا ما وقفت عليه من طرق لحديث عائشة رضي الله عنها، ولا يصح منها شيء، بل ولا يصلح منها شيء للاعتضاد، إما لشذوذها أو نكارتها أو شدة ضعفها، ما عدا الطريق الأول، طريق أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة؛ فهو أحسن إسناد لهذا الحديث، كما قال النسائي، وإن كان غريبًا مرسلًا.
وأما تخريج بقية طرق حديث عائشة: كان يقبل وهو صائم، والتي أشرنا إليها قبلُ، فسوف نرجئه إلى موضعه من تخريج السنن برقم (2382 - 2384) إن شاء الله تعالى.
• وروى هذا الحديث أيضًا من حديث أبي أمامة وأبي مسعود:
1 -
أما حديث أبي أمامة:
فيرويه ركن بن عبد الله الشامي، عن مكحول، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قلت: يا رسول الله! الرجل يتوضأ للصلاة ثم يقبِّل أهله ويلاعبها، أينقض ذلك وضوءه؟ قال:"لا".
أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 301)، وابن عدي في الكامل (3/ 160)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 203 - 204/ 487)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (18/ 194)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 175/ 173)، وفي العلل المتناهية (1/ 364/ 602).
قال ابن حبان في ركن هذا: "روى عن مكحول شبيهًا بمائة حديث ما لكثير شيءٍ منها أصل، لا يجوز الاحتجاج به بحال، روى عن مكحول عن أبي أمامة بنسخة أكثرها موضوع
…
".
وقال البيهقي: "وهذا إسناد مجهول، ركن الشامي تكلموا فيه".
قلت: ركن هذا: متروك، أحاديثه مناكير [اللسان (2/ 570)].
2 -
وأما حديث أبي مسعود:
فيرويه الطبراني في الأوسط (7/ 185/ 7227)، قال: حدثنا محمد بن جابان: نا محمد بن يزيد المستملي: ثنا أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي: ثنا زفر بن الهذيل، عن ليث بن أبي سليم، عن ثابت بن عبيد، عن أبي مسعود الأنصاري: أن رجلًا أقبل إلى الصلاة، فاستقبلته امرأته، فأكب عليها، فتناولها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فلم ينهه.
ثم قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن زفر إلا أبو علي الحنفي".
قلت: وهما صدوقان، لكن الراوي عن أبي علي الحنفي، محمد بن يزيد المستملي: متروك، كان يسرق الحديث، ويزيد فيه ويضع [اللسان (5/ 486)، الكامل (6/ 282)]، وليث بن أبي سليم: ضعيف، وشيخ الطبراني: محمد بن سعيد بن جابان: لم يوثق؛ وهو حديث باطل.
• وحاصل ما تقدم: أنه مع ضعف حديث عائشة وشواهده، وعدم انتهاضه للاحتجاج به في هذا المقام، إلا أنه قد صحت أحاديث تصلح للاحتجاج بها على أن مس المرأة ليس بناقض للوضوء، وأن قوله تعالى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] محمول على الجماع في أصح قولي العلماء، وكما قال بذلك حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل.
• ومن هذه الأحاديث:
1 -
حديث عائشة: قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه، وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول:"اللَّهُمَّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك".
وهو حديث صحيح: أخرجه مسلم (486) وغيره، وهو مخرج في الذكر والدعاء برقم (97).
2 -
حديث عائشة في اعتراضها والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي وغمزه إياها، ولو كان غمزه رجلها مما ينقض الوضوء لما فعله في صلاته، وله طرق:
أ- سالم أبو النضر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح.
وفي رواية لأبي داود وأبي عوانة: فإذا أراد أن يسجد ضرب رجلي.
أخرجه البخاري (382 و 513 و 1209)، ومسلم (512/ 272)، وأبو عوانة (1/ 391 - 392/ 1428 و 1429)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 120/ 1137)، وأبو داود (713)،
والنسائي (1/ 102/ 168)، ومالك في الموطأ (1/ 173/ 308)، وابن حبان (6/ 110 و 113/ 2342 و 2348)، والشافعي في السنن (1/ 123/232)، وأحمد (6/ 148 و 225 و 255)، وعبد الرزاق (2/ 32/ 2376)، وأبو العباس السراج في مسنده (427 و 428)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (911 - 913)، وابن جميع الصيداوي في معجم شيوخه (90)، والبيهقي (2/ 264 و 276)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 457/ 545)، وفي التفسير (1/ 433).
ب- القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: بئسما عدلتمونا بالكلب والحمار، لقد رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وأنا مضطجعة بينه وبين والقبلة، فإذا أراد أن يسجد غمز رجليَّ فقبضتهما.
وفي رواية بإسناد صحيح عند النسائي وغيره:
إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة؛ حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله.
أخرجه البخاري (519) باللفظ الأول، وأبو داود (712)، والنسائي (1/ 102/ 166 و 167)، وابن حبان (6/ 111/ 2343)، وأبو العباس السراج في مسنده (423)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (905)، والطبراني في الأوسط (8/ 332/ 8785)، والبيهقي (1/ 128)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 167 و 169).
ج- محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة أنها قالت: كنت أنام وأنا معترضة في قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أمامه، وإذا أراد أن يوتر غمزني [برجله]، فقال:"تنحي".
أخرجه أبو داود (714)، وابن حبان (6/ 112/ 2346)، والشافعي في السنن (1/ 232/ 124)، وأحمد (6/ 182)، وأبو يعلى (8/ 297/ 4888).
• ففي الحديث الأول: أن عائشة رضي الله عنها هي التي مست قدمه صلى الله عليه وسلم فلم يخرج من صلاته، ولم ينهها عن فعلها إقرارًا منه صلى الله عليه وسلم على جواز ذلك الفعل، وأنه ليس بناقض للوضوء، وحمله على المس بحائل تكلف ظاهر.
وفي الحديث الثاني برواياته: أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي مس رجلها وهو يصلي، ولو كان فعله هذا صلى الله عليه وسلم ناقضًا للوضوء لما أقدم عليه في صلاته! والقول هنا أيضًا بأن بينهما حائل تكلف لا داعي له.
لكن يمكن حمل الحديثين على المس بغير شهوة، وهذا الذي يدل عليه ظاهرهما، فيبقى حكم المس بشهوة!.
فنقول -وبالله التوفيق-: الشهوة وصف وجداني غير منضبط يصعب تعليق الحكم الشرعي هنا به لذا وجب البحث عن وصف منضبط يمكن معه تعليق الحكم الشرعي، وأقرب وصف منضبط يتعلق بالشهوة بل هو نتيجتها وأثرها: هو الخارج من القبل من مذي
ومني، وهو وصف منضبط يسهل تعليق الحكم الشرعي به، وعليه فيكون الناقض للوضوء ليس هو نفس المس بشهوة، ولكن الخارج من القبل نتيجة المس بشهوة.
راجع: الفروق (2/ 283) الفرق (98).
• وأما ما استدلوا به من حديث معاذ، فلا يصح سنده، ولا ينتهض معناه للدلالة على المطلوب.
فقد روى زائدة وجرير، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: يا رسول الله! ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئًا إلا قد أتاه منها، غير أنه لم يجامعها؟ قال: فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} الآية [هود: 114]، قال: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "توضأ، ثم صل".
وفي رواية: "توضأ وضوءًا حسنًا، ثم قم فصل"، قال معاذ: فقلت: يا رسول الله! أله خاصة أم للمؤمنين عامة؟ قال: "بل للمؤمنين عامة".
أخرجه الترمذي (3113)، والحاكم (1/ 135)، وأحمد (5/ 244)، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (77 و 78)، وعبد بن حميد (110)، وابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 133/ 18691 و 18695)، والطبراني في الكبير (20/ 136 و 137/ 277 و 278)، والدارقطني (1/ 134)، والبيهقي (1/ 125)، والذهبي في السير (7/ 378).
وخالفهما: شعبة، فرواه عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أبي ليلى: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت من امرأة ما دون الجماع، فأنزل الله هذه الآية:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} إلى {ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]، فقال معاذ: يا رسول الله! أله خاصة؟ فقال: "بل للناس كافة".
أخرجه النسائي في الكبرى (6/ 481/ 7287)، وابن جرير في تفسيره (7/ 133/ 18692 و 18693).
هكذا مرسلًا.
والحديث صححه الحاكم، وقال الدارقطني:"صحيح".
لكن قال الترمذي: "هذا حديث ليس إسناده بمتصل، عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ، ومعاذ بن جبل مات في خلافة عمر، وقتل عمر وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام صغير ابن ست سنين، وقد روى عن عمر ورآه، وروى شعبة هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسل".
وقال البيهقي: "وفيه إرسال، عبد الرحمن بن أبي ليلى: لم يدرك معاذ بن جبل".
وقال الذهبي في السير: "وعلته: أن شعبة رواه عن عبد الملك فأرسله، لم يذكر معاذًا، وعبد الرحمن ما أدرك معاذًا".
فظهرت بذلك علة الحديث، وله علة أخرى:
قال العلامة الألباني في الضعيفة (2/ 428/ 1000): "وقد جاءت هذه القصة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين والسنن والمسند وغيرها من طرق وأسانيد متعددة، وليس في شيء منها أمره صلى الله عليه وسلم بالوضوء والصلاة، فدل ذلك على أن الحديث منكر بهذه الزيادة، والله أعلم".
فمن ذلك: ما رواه أبو عثمان النهدي، عن عبد الله بن مسعود: أن رجلًا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، قال: فنزلت: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} [هود: 114]، قال: فقال الرجل: ألي هذه؟ يا رسول الله! قال: "لمن عمل بها من أمتي".
أخرجه البخاري (526 و 4687)، ومسلم (2763)، والترمذي (3114)، والنسائي في الكبرى (1/ 206/ 323) و (6/ 480/ 7285) و (10/ 130/ 11183)، وابن ماجه (1398 و 4254)، وابن خزيمة (312)، وابن حبان (5/ 18/ 1729)، وأحمد (1/ 385 و 430)، وعبد الرزاق (13830)، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (76)، وأبو يعلى (9/ 156/ 5240)، والطبراني في الكبير (10/ 230/ 10560)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 241 و 322)، وفي الشعب (3/ 42/ 2815).
وانظر بقية الشواهد في صحيح مسلم، وسنن الترمذي، والنسائي، وتعظيم قدر الصلاة، وغيرها.
ثم قال الألباني رحمه الله تعالى: "إذا تبين هذا فلا يحسن الاستدلال بالحديث على أن لمس النساء ينقض الوضوء، كما فعل ابن الجوزي في التحقيق (1/ 113) وذلك لأمور:
أولًا: أن الحديث ضعيف لا تنهض به حجة.
ثانيًا: أنه لو صح سنده، فليس فيه أن الأمر بالوضوء إنما كان من أجل اللمس، بل ليس فيه أن الرجل كان متوضئًا قبل الأمر حتى يقال: انتقض باللمس! بل يحتمل أن الأمر إنما كان من أجل المعصية تحقيقًا للحديث الآخر الصحيح بلفظ: "ما من مسلم يذنب ذنبًا فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر له"، أخرجه أصحاب السنن وغيرهم وصححه جمع، كما بينته في تخريج المختارة (رقم 7).
ثالثًا: هب أن الأمر إنما كان من أجل اللمس، فيحتمل أنه من أجل لمس خاص؛ لأن الحالة التي وصفها هي مظنة خروج المذي الذي هو ناقض للوضوء، لا من أجل مطلق اللمس، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال.
والحق أن لمس المرأة وكذا تقبيلها لا ينقض الوضوء، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، وذلك لعدم قيام دليل صحيح على ذلك، بل ثبت: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ.
…
وتقبيل المرأة إنما يكون مقرونًا بالشهوة عادة" انتهى كلامه.
قلت: قد سبق بيان عدم ثبوته، وأما الأمر الثاني من وجوه عدم صحة الاستدلال