المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌79 - باب الوضوء من النوم - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٢

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌48 - باب في التسمية على الوضوء

- ‌49 - باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها

- ‌50 - باب يحرك يده في الإناء قبل أن يغسلها

- ‌51 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا

- ‌53 - باب الوضوء مرتين

- ‌54 - باب الوضوء مرة مرة

- ‌57).***55 -باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق

- ‌56 - باب في الاستنثار

- ‌57 - باب تخليل اللحية

- ‌58 - باب المسح على العمامة

- ‌ وفي المسح على العمامة أحاديث صحيحة

- ‌59 - باب غسل الرجلين

- ‌60 - باب المسح على الخفين

- ‌61 - باب التوقيت في المسح

- ‌62 - باب المسح على الجوربين

- ‌63 - باب كيف المسح

- ‌64 - باب في الانتضاح

- ‌66).***65 -باب ما يقول الرجل إذا توضأ

- ‌باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد

- ‌66 - باب تفريق الوضوء

- ‌67 - باب إذا شك في الحدث

- ‌68 - باب الوضوء من القبلة

- ‌69 - باب الوضوء من مس الذكر

- ‌70 - باب الرخصة في ذلك

- ‌مس الذكر

- ‌71 - باب الوضوء من لحوم الإبل

- ‌72 - باب الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله

- ‌73 - باب ترك الوضوء من مس الميتة

- ‌74 - باب في ترك الوضوء مما مست النار

- ‌75 - باب التشديد في ذلك

- ‌76 - باب في الوضوء من اللبن

- ‌77 - باب الرخصة في ذلك

- ‌78 - باب الوضوء من الدم

- ‌79 - باب الوضوء من النوم

الفصل: ‌79 - باب الوضوء من النوم

قال ابن حجر في التغليق (2/ 116): "والرجلان المذكوران سُميا في رواية البيهقي لهذا الحديث في كتاب دلائل النبوة: فالمهاجري عمار بن ياسر، والأنصاري عباد بن بشر، وسمى السورة التي كان يقرأ بها، وهي الكهف"، وقال نحوه في الفتح (1/ 337).

قلت: لا يصح من هذا شيء، هو شبه الريح، فالذي في الدلائل (3/ 378): إنما هو من رواية محمد بن عمر الواقدي [وهو متروك]، يرويه من طريق القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن أبيه: في صفة صلاة الخوف ثم أتبعه بهذه القصة مفصلة، وفيه ما ذكر، وانظر: الغوامض لابن بشكوال.

وحديث القاسم بن محمد هذا في الصحيحين [البخاري (4131)، مسلم (841)، في صفة صلاة الخوف، بدون هذه القصة مما يدل على نكارتها فضلًا عن أن راويها متروك لا يعتبر بحديثه.

***

‌79 - باب الوضوء من النوم

199 -

. . . عبد الرزاق: حدثنا ابن جريج: أخبرني نافع: حدثني عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شُغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال:"ليس أحدٌ ينتظر الصلاة غيركم".

• حديث متفق على صحته.

أخرجه البخاري (570)، ومسلم (639)، وأبو عوانة (1/ 307/ 1084)، وابن خزيمة (1/ 179/ 347)، وابن حبان (3/ 380/ 1099)، وأحمد (2/ 88)، وعبد الرزاق (5/ 557/ 2111)، وأبو العباس السراج في مسنده (583 و 584 و 1129)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1992)، وابن المنذر (2/ 371/ 1038)، والبيهقي (1/ 450)، وابن عبد البر (18/ 248).

وتابع عبد الرزاق عليه جماعة منهم: حجاج بن محمد، وأبو عاصم النبيل، ومحمد بن بكر البرساني:

أخرج حديثهم: أبو عوانة (/ 1/ 307/ 1083)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 236/ 1422)، وابن خزيمة (1/ 179/ 347)، والبزار (12/ 209/ 5895)، وأبو العباس السراج في مسنده (582 - 584 و 1128 و 1129)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1991).

• وله طرق أخرى، منها:

1 -

ما رواه منصور بن المعتمر، عن الحكم بن عتيبة، عن نافع، عن عبد الله بن

ص: 417

عمر، قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك، فقال حين خرج:"إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن يثقُل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة"، ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى.

أخرجه مسلم (639/ 220)، وأبو عوانة (1/ 307/ 1085)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 235/ 1421)، وأبو داود (425)، والنسائي (1/ 267 - 268/ 537)، وابن خزيمة (1/ 177/ 344)، وابن حبان (4/ 403/ 1536)، وابن أبي شيبة (1/ 291/ 3344)، والبزار (12/ 208 و 209/ 5894 و 5896)، وأبو العباس السراج في مسنده (585 و 1130)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1993)، والطحاوي (1/ 156 - 157)، وابن حزم في المحلى (3/ 183)، والبيهقي (1/ 450).

2 -

وما رواه فليح بن سليمان [وهو صدوق، كثير الخطأ، ضعفه جماعة، وأخرج له الشيخان]، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر ليلة العشاء حتى رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، وإنما حبسَنا لوفد جاءه، ثم خرج فقال:"ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم".

أخرجه أحمد (2/ 126)، وأبو العباس السراج في مسنده (586 و 1131)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1994).

وما انفرد به فليح من قوله: "وإنما حبسنا لوفد جاءه"، فما كان ليحفظه فليح دون: ابن جريج، والحكم، وهما أحفظا من مائة مثله.

3 -

أبو إسرائيل الملائي، عن فضيل بن عمرو الفقيمي، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بصلاة العشاء، فلم يخرج حتى تهجد المتهجد، ونام النائم، [وفي رواية: واستيقظ المستيقظ]، وصلى المصلي، ثم خرج فصلى بهم، ثم قال:"لولا أن أشق على أمتي لجعلت وقتها هذه الساعة".

أخرجه أحمد (2/ 28 و 94 - 95)، وأبو العباس السراج في مسنده (610 و 1156)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (2028)، والطبراني في الكبير (12/ 401/ 13481)، وفي الأوسط (4/ 344/ 4387)، وابن جميع الصيداوي في معجم شيوخه (73)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (48/ 308)، والذهبي في التذكرة (2/ 624).

قال الطبراني في الأوسط: "لم يرو هذا الحديث عن الفضيل بن عمرو إلا أبو إسرائيل، تفرد به: غسان بن الربيع".

قلت: غسان بن الربيع الأزدي الموصلي: ليس بحجة في الحديث، قال الدارقطني:"ضعيف"، وقال مرة:"صالح"، وذكره ابن حبان، وأخرج له في صحيحه، وقال أبو يعلى الخليلي:"ثقة صالح"[الجرح والتعديل (7/ 52)، الثقات (9/ 2)، الإرشاد (2/ 618)، تاريخ بغداد (12/ 329)، سنن الدارقطني (1/ 330)، تعجيل المنفعة (841)، اللسان (6/ 304)، الميزان (3/ 334)].

ص: 418

ولم ينفرد به، فقد تابعه جماعة من الثقات: عبيد الله بن موسى، وأسود بن عامر، وأبو أحمد الزبيري.

• تنبيه: وقع في بعض المصادر والنسخ: "إسرائيل"، وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو وهم من النساخ أو من غيرهم، وإنما هو: أبو إسرائيل إسماعيل بن أبي إسحاق خليفة العبسي الكوفي الملائي، وهو: ليس بالقوي، سيئ الحفظ، له أغاليط، يخالف الناس في حديثه، وكان غاليًا في التشيع والرفض، يكفر عثمان رضي الله عنه[التهذيب (1/ 148)، الميزان (1/ 226) و (4/ 490)، إكمال مغلطاي (2/ 165)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (3/ 1145)، التذييل على التهذيب (61)، الجامع في الجرح والتعديل (1/ 71)].

وعليه: فهو إسناد ضعيف.

4 -

عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء ذات ليلة، فناداه عمر، فقال: نام الناس والصبيان، فخرج إليهم، فقال:"ما ينتظر هذه الصلاة أحد غيركم من أهل الأرض".

قال الزهري: ولم يكن يُصلى يومئذ إلا بالمدينة.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 558/ 2116)، ومن طريقه: النسائي في الكبرى (1/ 230/ 387)، وابن خزيمة (1/ 177/ 343)، والبزار (12/ 263/ 6029)، وأبو العباس السراج في مسنده (581 و 1127).

وهذا شاذ بهذا الإسناد، والمحفوظ: عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة به.

انظر: ما يأتي تحت الحديث رقم (422).

***

200 -

. . . هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة؛ حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون.

قال أبو داود: زاد فيه شعبة عن قتادة قال: كنا نخفق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر.

• حديث صحيح

أخرجه أبو داود أيضًا في مسائل الإمام أحمد (2014)، وابن أبي شيبة (1/ 123 1398)، وأبو بكر الأثرم في سننه (138)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1103)، وابن المنذر (1/ 153/ 45)، والدارقطني (1/ 131)، والبيهقي (1/ 119)، وابن عبد البر (18/ 248).

ص: 419

قال الدارقطني: "صحيح".

قال أبو داود: "زاد فيه شعبة عن قتادة قال: كنا نخفق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وصله أبو داود بهذه الزيادة في مسائل الإمام أحمد (2014)، قال: حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا إسناد صحيح؛ على شرط الشيخين.

وحديث شعبة أخرجه: مسلم (376/ 125)، وأبو عوانة (1/ 223/ 738)، وأبو نعيم في مستخرجه (1/ 410/ 829)، والترمذي (78)، وأحمد (3/ 277)، وأبو بكر الأثرم في سننه (139)، وأبو يعلى (6/ 17/ 3240)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1102)، والطحاوي في المشكل (1/ 314/ 293 - ترتيبه)، وابن حزم في المحلى (1/ 224)، والبيهقي في السنن (1/ 120)، والخلافيات (2/ 145/ 413 و 414).

• وقد اختلف في متنه على شعبة:

1 -

فرواه خالد بن الحارث، وأبو عامر العقدي، وابن أبي عدي، وهاشم بن القاسم، وشبابة بن سوار:

خمستهم [وهم ثقات]: عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون.

وفي رواية خالد بن الحارث - عند مسلم وغيره -: "سمعت أنسًا يقول"، وفي آخرها قول شعبة لقتادة:"سمعته من أنس؟ قال: إي والله".

2 -

ورواه يحيى بن سعيد القطان، واختلف عليه:

أ - فرواه الإمام أحمد بن حنبل، وعبيد الله بن سعيد اليشكري [ثقة مأمون]، كلاهما: عن القطان بمثل رواية الجماعة.

ب - ورواه محمد بن بشار بندار، واختلف عليه:

فرواه الترمذي، عن بندار، عن القطان، عن شعبة به، بمثل رواية الجماعة.

ورواه أبو داود وتمتام محمد بن غالب، كلاهما: عن بندار، عن القطان، عن شعبة به نحوه، وزادا في آخره:"على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".

ورواه محمد بن عبد السلام الخشني [ثقة مشهور. السير (13/ 459)، ونعته بقوله: "الامام الحافظ المتقن". تذكرة الحفاظ (2/ 649) وقال: "وكان ثقة كبير الشأن"]، قال: ثنا محمد ين بشار: ثنا يحيى بن سعيد القطان: ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة، فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثم يقومون إلى الصلاة.

أخرجه ابن حزم (1/ 224).

• أما زيادة: "فيضعون جنوبهم" فهي زيادة شاذة، تفرد بهما محمد بن عبد السلام

ص: 420

الخشني عن بندار، وقد روى الحديث عن بندار بدون هذه الزيادة: أبو داود والترمذي وتمتام؛ وهم أكثر وأحفظ من الخشني، ورواه الإمام أحمد وعبيد الله بن سعيد اليشكري عن القطان بدونها أيضًا.

لذا فقد جزم الإمام أحمد بعدم ثبوت هذه الزيادة فقال: "لم يقل شعبة قط: كانوا يضطجعون"، قال:"وقال هشام: كانوا ينعسون".

قلت: رواية هشام بهذا اللفظ هي عند السراج وابن المنذر.

وقال الخلال: "قلت لأحمد: حديث شعبة: "كانوا يضعون جنوبهم"؟ فتبسم، وقال: هذا بمرة يضعون جنوبهم"[التلخيص الحبير (1/ 210)].

فإذا بان لك ذلك علمتَ ضعف ما ذهب إليه ابن القطان الفاسي من تصحيح هذه الزيادة من حديث شعبة حيث قال في بيان الوهم (5/ 589/ 2806): "وهو كما ترى: صحيح من رواية إمام عن شعبة، فاعلمه".

• وأما زيادة: "على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم": فهي زيادة محفوظة، اتفق عليها اثنان من الحفاظ: أبو داود وتمتام، ممن روى الحديث عن بندار؛ فهي زيادة محفوظة من حديث بندار، وأما كون الإمام أحمد لم يروها عن القطان، فلا يقدح في ثبوتها، لكون محمد بن بشار ممن يحتمل تفرده، وممن تُقبل زيادته، فإنه كان مكثرًا يوجد عنده ما ليس عند غيره، وممن طالت صحبته لشيخه يحيى بن سعيد القطان، قال ابن خزيمة:"سمعت بندارًا يقول: اختلفت إلى يحيى بن سعيد القطان أكثر من عشرين سنة"[التهذيب (7/ 64)].

• قال أبو داود: "ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر".

وصله أبو داود في مسائل الإمام أحمد (2014) قال: ثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضعون جنوبهم، فينامون، فمنهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ.

أخرجه من طرق عن سعيد بن أبي عروبة: البزار (282 - كشف الأستار) 175 - مختصر زوائد البزار)، وأبو يعلى (5/ 467/ 3199)، وابن المنذر (1/ 154/ 48).

وهو صحيح عن ابن أبي عروبة؛ رواه عنه أصحابه القدماء ممن روى عنه قبل الاختلاط، مثل: عبدة بن سليمان، وعبد الأعلى السامي، وخالد بن الحارث.

قال الحافظ في الفتح (1/ 315): "بإسناد صحيح".

قال أبو داود: "سمعت أحمد بن محمد بن حنبل يقول: اختلف شعبة وسعيد وهشام في حديث أنس: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نخفق رؤوسهم، ثم يصلون، ولا يتوضؤون، في اللفظ، وكلهم ثقات"[مسائله (2014)].

قال الألباني في تخريج السنن (1/ 365): "وهو يدل على أن أحمد يرى صحتها جميعًا، وهو الصواب، ويدل مجموعها على أنهم كانوا ينامون مضطجعين ثم يصلون دون أن يجددوا الوضوء.

ص: 421

وعليه فلا يجوز الاحتجاج بهذا الحديث على أن نوم الجالس لا ينقض كما هو ظاهر؛ لأنه ورد في المضطجع".

والرد على هذا من وجوه:

الأول: لا يلزم من قول الإمام أحمد: "وكلهم ثقات": أنه يرى صحتها جميعًا، فالثقة يخطئ؛ وحديثه حينئذ شاذ كما هو معلوم.

وها هو الإمام البخاري قد أعرض عن إخراج حديث قتادة هذا في صحيحه لأجل الاختلاف عليه في لفظه، وإنما أخرج حديث أنس هذا من رواية ثابت وعبد العزيز بن صهيب [البخاري (642 و 643 و 6292)]، وليس فيها ذكر الوضوء.

وأما الإمام مسلم فقد أخرج حديث قتادة من رواية شعبة فقط دون رواية هشام وسعيد.

والحق فيما أرى -والله أعلم -: أن حديث شعبة وهشام كلاهما صحيح؛ لا تعارض بينهما، بل إحدى الروايتين تفسر الأخرى.

وأما لفظ رواية سعيد فإنه مختلف عن لفظهما؛ وبيان ذلك:

وهو الوجه الثاني: أن شعبة قال: "ينامون"، وتفسيره في رواية هشام:"حتى تخفق رؤوسهم"، وفي رواية ابن المنذر:"ينعسون حتى تخفق رووسهم".

وهذا لا يكون من المضطجع كما هو مشاهد معلوم، وإنما يقع النعاس والخفق من القاعد المنتظر، وأما المضطجع فإنه يستغرق في النوم.

وهذا ما تقتضيه رواية ابن أبي عروبة؛ أعني: أن بعضهم كان لأجل اضطجاعه يستغرق في النوم، لذا قال في روايته:"فمنهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ".

وهذا وجه التعارض بين رواية سعيد من جهة، ورواية شعبة وهشام من جهة أخرى؛ فإنهما لم يذكرا في حديثهما أن من الصحابة من كان يتوضأ لأجل نومه وإنما نفيا ذلك مطلقًا؛ فقد قالا في روايتهما:"ولا يتوضؤون".

فرواية شعبة ورواية هشام المفسرة لها لا تحتملان سوى نوم القاعد الذي يخفق برأسه من النعاس، وهو مبادئ النوم، والذي لا يزول معه الشعور بالكلية بحيث لو انتقض وضوؤه أحس وانتبه.

وهذا بخلاف المضطجع الذي قد يستغرق في النوم؛ فيزول معه الشعور بالكلية فيلزمه حينئذ الوضوء، وهذا هو الذي جاء في رواية سعيد من أن بعضهم كان يتوضأ بسبب النوم.

ولهذا - في نظري والله أعلم - يجب الترجيح بين روايتي شعبة وهشام، وبين رواية سعيد:

فمن المعلوم بأن الثلاثة هم أثبت أصحاب قتادة؛ فإذا روى سعيد حديثًا عن قتادة؛ وخالفه فيه شعبة وهشام، فالقول قولهما، كما قال ابن رجب في شرح علل الترمذي (2/ 696) شارحًا قول البرديجي: "شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة: عن قتادة عن

ص: 422

أنس: صحيح، فإذا ورد عليك حديث لسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعًا، وخالفه هشام وشعبة، حُكم لشعبة وهشام على سعيد"، وقال في موضع آخر: "وإذا اختلفوا في حديث واحد فإن القول فيه: قول رجلين من الثلاثة".

قلت: ولهذا صحح مسلم رواية شعبة واقتصر عليها، ورواية هشام لا تعارضها بل هي مفسرة لها.

الوجه الثالث: أنه يلزم من كلامه: "دون أن يجددوا الوضوء" نفي ما جاء في رواية سعيد: "فمنهم من يتوضأ".

الوجه الرابع: قوله: "لأنه ورد في المضطجع"، فيه حمل لرواية شعبة وهشام على رواية سعيد، وأنها هي المفسرة لهما، وقد سبق بيان التعارض، من أن الخفق بالرؤوس لا يقع من المضطجع، وإنما من القاعد، وقول سعيد:"فمنهم من يتوضأ، معارض لرواية شعبة وهشام: "ولا يتوضؤون"، والله أعلم.

وثمت روايتان أخريان لم ينبه عليهما أبو داود، وهما روايتا معمر وأبي هلال:

1 -

أما رواية معمر:

فيرويها: ابن المبارك وعبد الرزاق، كلاهما: عن معمر، عن قتادة، عن أنس، قال: لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقَظون للصلاة، حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطًا، ثم يصلون ولا يتوضؤون.

قال ابن المبارك: "هذا عندنا وهم جلوس".

أخرجه عبد الرزاق (1/ 130/ 483)، والدارقطني (1/ 130 - 131)، والبيهقي (1/ 120).

قال الدارقطني: "صحيح".

قلت: رواية معمر عن العراقيين، أهل الكوفة والبصرة، متكلم فيها [انظر: شرح العلل (2/ 774)]، فليس هو في قتادة مثل ما هو في الزهري وابن طاووس، وسبق أن قلنا بأن أصحاب قتادة الحفاظ ثلاثة: شعبة وهشام وسعيد، بل إن معمرًا لا يبلغ مرتبة الشيوخ في قتادة، أمثال: أبان وهمام وحماد بن سلمة وغيرهم، فكما قلنا آنفًا: المحفوظ في هذا الحديث: ما رواه شعبة وهشام الدستوائي عن قتادة، وإذا كنا قد رجحناها على رواية سعيد بن أبي عروبة، فترجيحها على رواية معمر بن راشد من باب أولى.

هذا وجه، ووجه آخر، وهو إذا افترضا صحة هذه الرواية فإنها أيضًا يمكن حملها على ما قال الإمام ابن المبارك:"وهذا عندنا وهم جلوس"، لذا قال البيهقي:"وعلى هذا حمله عبد الرحمن بن مهدي والشافعي"، ولكن القول الأول أولى، والله أعلم.

2 -

وأما رواية أبي هلال عن قتادة عن أنس:

فقد أخرجها بألفاظ متقاربة: أحمد بن منيع في مسنده (1/ 101/ 154/ 3 - المطالب العالية)، وأبو العباس السراج في مسنده (32)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن

ص: 423

الجعد (3125)، والطحاوي في المشكل (1/ 312/ 289 - ترتيبه)، وابن عدي من الكامل (6/ 214)، والدارقطني (1/ 130).

قال الدارقطني: "صحيح".

ولفظه عند بعضهم: كنا نأتي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ننتظر الصلاة؛ فمنا من ينعس وينام -أو: ينعس-، ثم يصلي ولا يتوضأ.

وهو صحيح، كما قال الدارقطني؛ يعني: لغيره، فإن أبا هلال واسمه: محمد بن سليم الراسبي: صدوق؛ فيه لين [التقريب (849)]، وهو في قتادة أنزل رتبةً من رتبة الشيوخ الثقات مثل: أبان وهمام وحماد بن سلمة، ورفعه أبو داود فوق عمران بن داور القطان.

وهو في هذا الحديث قد وافق ثقات أصحاب قتادة: شعبة وهشام؛ فصح حديثه، والحمد لله.

• وحديث أنس هذا قد رواه غير قنادة، رواه ثابت البناني وحميد الطويل وعبد العزيز بن صهيب:

1 -

أما حديث ثابت البناني، فقد رواه عنه جماعة منهم:

أ - حماد بن سلمة، وهو الحديث الآتي:

***

ص: 424