الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
52 - باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا
135 -
. . . أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رجلًا أتي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله كيف الطُّهور؟ فدعا بماء في إناء، فغسل كفيه ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا، ثم مسح برأسه، وأدخل إصبعيه السبَّاحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه علي ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطنَ أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال:"هكذا الوضوء؛ فمن زاد علي هذا أو نقص: فقد أساء وظلم" أو: "ظلم وأساء".
• حديث صحيح؛ إلا قوله: "أو نقص".
أخرجه من طريق أبي عوانة:
الطحاوي (1/ 36)، والبيهقي في السنن (1/ 79)، وفي الخلافيات (1/ 483/ 281 و 282)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 229/322).
ورواه سفيان الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء؟ فأراه الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال:"هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدَّى وظلم".
أخرجه النسائي (1/ 88/ 140)، وابن ماجه (422)، وابن خزيمة (1/ 89/ 174)، وابن الجارود (75)، وأحمد (2/ 180)، وابن أبي شيبة (1/ 16/ 58)، وابن المنذر (1/ 361/ 329)، والبيهقي (1/ 79)، وابن حجر في التغليق (2/ 96).
هكذا رواه عن الثوري: يعلى بن عبيد، والأشجعي عبيد الله بن عبيد الرحمن، ويعلى بن عبيد وإن كان ضعفه ابن معين في الثوري خاصة [وهو ثقة في غيره. التهذيب (9/ 421]؛ إلا أنه تابعه عليه الأشجعي، وهو ثبت في الثوري، عالم بحديثه، صاحب كتاب.
وتابعهما أيضًا على هذه الرواية بدون ذكر "أو نقص": أبو بكر الحنفي الصغير: عبد الكبير بن عبد المجيد، وهو بصري ثقة؛ إلا أنه رواه مطولًا بلفظ: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عن الطهور؟ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فغسل يديه ثلاثًا، ووجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه، وغسل رجليه ثلاثًا، فقال:"هذا الطهور، من زاد فقد أساء وظلم"، أو:"تعدى وظلم".
أخرجه ابن حجر في التغليق.
وخالفهم: أبو أسامة حماد بن أسامة، فرواه عن الثوري مختصرًا بنحو رواية يعلى إلا أنه زاد:"أو نقص".
أخرجه ابن أبي شيبة.
وحماد بن أسامة وإن كان ثقة ثبتًا؛ إلا أنه كان يحدث من كتب غيره، فلعل هذه الزيادة إنما وقعت له من غير رواية الثوري، ودخلت عليه في حديثه، فالله أعلم.
وعليه فالمحفوظ من حديث الثوري: بدون هذه الزيادة؛ إذ لم يأت بها الجماعة الذين رووا الحديث عن الثوري، لا سيما وفيهم الأشجعي، وهو صاحب كتاب عن الثوري، ومن أثبت الناس فيه.
• ووقع اختلاف آخر على الثوري فيه:
قال البيهقي في الخلافيات (1/ 484): "ورواه الفضل بن موسى السيناني وغيره عن الثوري عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب عن جده عبد الله بن عمرو، دون ذكر شعيب في الإسناد.
وقد وصله عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي الثقة الثبت، وتابعه: يعلى بن عبيد، كلاهما: عن الثوري عن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فلا يضرهما من خالفهما".
• وممن روى هذه الزيادة أيضًا -متابعًا لأبي عوانة-: عن موسى بن أبي عائشة: الحكم بن بشير بن سلمان: وهو صدوق.
أخرجه أبو عبيد في الطهور (90).
إلا أن سفيان الثوري أثبت من روى هذا الحديث عن موسى بن أبي عائشة.
فإما أن يكون الوهم في هذه الزيادة المنكرة "أو نقص" من أبي عوانة والحكم بن بشير، أو يكون موسى بن أبي عائشة حدث به مرة هكذا ومرة هكذا، وموسى: ثقة، وتكون التبعة فيه والحمل علي عمرو بن شعيب.
• ثم وجدت متابعين للثوري رويا الحديث عن موسى بن أبي عائشة، بدون هذه الزيادة:
رواه ابن الأعرابي في معجمه (1/ 78/61)، بإسناد صحيح إلى: إسرائيل، وهريم بن سفيان [وهما: ثقتان]، عن موسى بن أبي عائشة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فغسل يديه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه، وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال:"هذا الوضوء، فمن زاد فقد أساء وظلم"، أو:"ظلم وأساء".
وعليه: فلعل المحفوظ في هذا الحديث رواية الجماعة: سفيان الثوري، وإسرائيل، وهريم بن سفيان، حيث رووه بدون هذه الزيادة، والوهم فيه من أبي عوانة، والحكم بن بشير، والله أعلم.
• وإن كان الحمل فيه على عمرو بن شعيب:
فإن عمرو بن شعيب وإن كان ثقة في نفسه، وفيما يروى عن غير أبيه عن جده، فإنه قد اختلف في روايته عن أبيه عن جده.
ومن ضعف هذه السلسلة فإن عمدته في ذلك:
أ- إما لأن الجد هنا هو محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي وليس بصحابي [قاله ابن عدي وابن حبان].
ب- وإما لأن شعيب لم يسمع من جده عبد الله بن عمرو [قاله ابن حبان وغيره].
ج- وإما لأنها صحيفةٌ وكتابٌ وجده فرواه [قاله ابن معين وغيره، قال ابن معين: "إذا حدث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فهو كتاب،
…
، فمن هاهنا جاء ضعفه"، ووثقه في غير أبيه. تاريخ الدوري (4/ 462)].
• أما حجتهم الأولى: فإن وقوع مثله في الإسناد نادر [ومنه ما رواه ابن حبان في صحيحه (2/ 235/ 485): عن ابن الهاد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن محمد بن عبد الله، عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس: "ألا أخبركم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا
…
" الحديث] فقد قال فيه ابن حبان نفسه في الثقات (5/ 353): "ولا أعلم بهذا الإسناد إلا حديثًا واحدًا من حديث ابن الهاد عن عمرو بن شعيب"، وقال الذهبي في الميزان (3/ 266): "فما علمتها صحت، فإن محمدًا قديم الوفاة وكأنه مات شابًا". وانظر: سير أعلام النبلاء (5/ 174).
• وأما حجتهم الثانية: فغايتها عدم علم الناقل، فإذا كان غيره قد علم وثبت عنده سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، فالمثبت مقدم على النافي، كيف والذي أثبت سماع شعيب من جده عبد الله هم أئمة هذا الشان وعليهم المعول: البخاري، وابن المديني، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن صالح، والدارقطني.
• وأما حجتهم الثالثة: فبيانها من وجهين:
الأول: قال أبو زرعة: "وإنما أنكروا عليه كثيرة روايته عن أبيه عن جده. وقال: إنما سمع أحاديث يسيرة، وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها. وقال: ما أقل ما نصيب عنه مما روي عن غير أبيه عن جده من المنكر، وعامة هذه المناكير التي تروى عن عمرو بن شعيب إنما هي عن المثنى بن الصباح وابن لهيعة والضعفاء"[الجرح والتعديل (6/ 239)].
ونستفيد من كلام أبي زرعة -الإمام الناقد البصير المعتدل في نقده- أمورًا: منها: أن ما يرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: بعضه سماع، وبعضه وجادة. ومنها: أن غالب المناكير في روايته إنما هي من طريق الضعفاء، أمثال: ابن لهيعة والمثنى بن الصباح وغيرهم.
وقال الذهبي في السير (5/ 169) متعقبًا كلام أبي زرعة: "ويأتي الثقات عنه أيضًا بما ينكر"، فيقال حينئذ -كما في حالتنا هذه- إنما أتي من قبل روايته من الصحيفة.
الوجه الثاني: أنه قد ثبت سماع عمرو بن شعيب من أبيه شعيب -فليست كل روايته عنه وجادة- كما قد ثبت سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، وقد أثبت السماعين: البخاري وابن المديني وأحمد بن حنبل وأحمد بن صالح.
وابن معين الذي ضعف هذه السلسلة لأنها كتاب يقول أيضًا: "وجدَ شعيب كُتُب عبد الله بن عمرو فإن يرويها عن جده إرسالًا، وهي صحاح عن عبد الله بن عمرو غير أنه لم يسمعها".
قال ابن حجر بعده: "فإذا شهد له ابن معين أن أحاديث صحاح غير أنه لم يسمعها، وصح سماعه لبعضها، فغاية الباقي أن يكون وجادة صحيحة، وهو أحد وجوه التحمل، والله أعلم"[التهذيب (6/ 163)].
وبهذا يظهر بجلاء معنى قول الإمام أحمد: "أنا أكتب حديثه، وربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شيء"، وقوله:"أصحاب الحديث إذا شاؤوا احتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وإذا شاؤوا تركوه".
فنقول بأن هذا يمكن حمله على أن الضعف في حديثه وما يروى عنه من المناكير: إما من قبل من يروي عنه من الضعفاء، وإما من قبل روايته من الصحيفة بغير سماع؛ قال الذهبي في الميزان (3/ 266):"وبعضهم تعلل بأنها صحيفة رواها وجادة، ولهذا تجنبها أصحاب الصحيح، والتصحيف يدخل على الرواية من الصحف بخلاف المشافهة بالسماع"، وقال في السير (5/ 174):"وما أدري هل حفظ شعيب شيئًا من أبيه أم لا، وأنا عارف بأنه لازم جده وسمع منه، وأما تعليل بعضهم بأنها صحيفة، وروايتها وجادة بلا سماع، فمن جهة أن الصحف يدخل في روايتها التصحيف؛ لا سيما في ذلك العصر إذ لا شكل بعدُ في الصحف، ولا نقط بخلاف الأخذ من أفواه الرجال".
• وعلى هذا فالصحيح في سلسلة: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أنه لا يقبل مطلقًا؛ فيصحح أو يحسن بمجرد الإسناد، ولا يرد مطلقًا؛ فيضعف بمجرد الإسناد، ولكن ينظر في المتن فإن أتى بمتن معروف، له أصل يشهد له: قُبِل، وإن أتى بما يُنكر رُدَّ، والله أعلم.
• يبقى أن نبين أن الأئمة قد احتجوا بحديثه وصححوا له:
فها هو البخاري يقول في تاريخه (6/ 343): "ورأيت أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله والحميدي وإسحاق بن إبراهيم: يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه".
وصحح له البخاري عدة أحاديث [كما في علل الترمذي الكبير (55 و 154 و 186 و 302)]، وصحح له الترمذي في جامعه (1181)، واحتج به النسائي، وصحح له ابن خزيمة.
ولم أر حديثًا واحدًا أعله أو أنكره أبو حاتم الرازي لأجل عمرو بن شعيب نفسه، وإنما العلة فيما ينكره أو يعله من قبل الرواة عنه [انظر: العلل لابنه (1/ 79 - 80 و 148 و 220 و 222 و 256 و 298 و 432 و 469 و 477 و 488) و (2/ 14 و 210 و 284 و 5 28 و 433)].
[انظر: التاريخ الكبير (4/ 218) و (6/ 342)، الجرح والتعديل (6/ 238)، الثقات (6/ 437)، المجروحين (2/ 37 - ط حمدي السلفي)، الاعتبار للحازمي (1/ 225 - 226)، جامع الترمذي (322 و 641)، صحيح ابن حبان (6/ 156/ 2396)، تاريخ أسماء الثقات (841)، تحفة التحصيل (148 و 243)، جامع التحصيل (196 و 244)، ذكر من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه (16)، تاريخ ابن معين للدوري (4/ 462 و 482) و (3/ 92 1)، التمهيد (3/ 62) و (24/ 384)، سؤالات أبي داود (41 و 216 و 218)، سؤالات ابن أبي شيبة (116)، الكامل (5/ 116)، ثقات العجلي (1572)، سؤالات
البرذعي (2/ 727 و 728)، تعليقات الدارقطني على المجروحين (202)، المراسيل (417)، من تكلم فيه من الثقات (264)، السير (5/ 169)، المغني (2/ 145)، إكمال تهذيب الكمال (10/ 187)، الميزان (3/ 263)، التهذيب (6/ 159)].
• وممن وهم في إسناد هذا الحديث فأفحش:
سويد بن عبد العزيز [ضعيف جدًّا]، قال: حدثني الحجاج بن دينار، عن منصور بن المعتمر، عن مجاهد، عن ابن عباس: أن أعرابيًا أتي النبي صلى الله عليه وسلم . . . فذكره بنحوه بدون الزيادة.
أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 62/ 11091).
وانظر أيضًا: علل ابن أبي حاتم (1/ 65/ 172)، الكامل (7/ 228).
• وخلاصة ما تقدم:
أن حديث أبي عوانة: حديث صحيح إلا قوله: "أو نقص"؛ لمخالفتها الأحاديث الصحيحة في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم: توضأ مرة مرة، وتوضأ مرتين مرتين، وتوضأ بعض وضوئه ثلاثًا وبعضه مرتين، فدل ذلك على أن النقص عن ثلاث لا إساءة فيه، ولا ظلم ولا تعدٍ.
قال الحافظ في الفتح (1/ 233): "إسناده جيد؛ لكن عده مسلم في جملة ما أنكر على عمرو بن شعيب؛ لأن ظاهره ذم النقص من ثلاث
…
"، ثم تأول الحديث كما تأوله من قبل البيهقي، والصواب مع الإمام مسلم.
وقال النووي في المجموع (1/ 479): "هذا حديث صحيح"، وصححه أيضًا في موضع آخر (1/ 502).
وقال ابن دقيق العيد في الإمام (2/ 46) بعد ذكر الحديث من طريق سفيان الثوري مختصرًا والذي أخرجه النسائي وابن ماجه: "وهذا الحديث صحيح عند من يصحح حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لصحة الإسناد إلى عمرو، وهذا الحديث مختصر من الحديث الذي تقدم في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة أبي داود".
وقال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 143): "هذا الحديث صحيح".
وقال ابن عبد الهادي في المحرر (38): "وإسناده ثابت إلى عمرو، فمن احتج بنسخته عن أبيه عن جده: فهو عنده صحيح".
وصححه ابن حجر أيضًا في التلخيص (1/ 142)، والدراية (1/ 21 - 22)، وقال:"وإسناده قوي".
وانظر: الأحكام الوسطي (1/ 182)، وبيان الوهم (5/ 484)، هداية الرواة (1/ 225).
***