المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌62 - باب المسح على الجوربين - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٢

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌48 - باب في التسمية على الوضوء

- ‌49 - باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها

- ‌50 - باب يحرك يده في الإناء قبل أن يغسلها

- ‌51 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا

- ‌53 - باب الوضوء مرتين

- ‌54 - باب الوضوء مرة مرة

- ‌57).***55 -باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق

- ‌56 - باب في الاستنثار

- ‌57 - باب تخليل اللحية

- ‌58 - باب المسح على العمامة

- ‌ وفي المسح على العمامة أحاديث صحيحة

- ‌59 - باب غسل الرجلين

- ‌60 - باب المسح على الخفين

- ‌61 - باب التوقيت في المسح

- ‌62 - باب المسح على الجوربين

- ‌63 - باب كيف المسح

- ‌64 - باب في الانتضاح

- ‌66).***65 -باب ما يقول الرجل إذا توضأ

- ‌باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد

- ‌66 - باب تفريق الوضوء

- ‌67 - باب إذا شك في الحدث

- ‌68 - باب الوضوء من القبلة

- ‌69 - باب الوضوء من مس الذكر

- ‌70 - باب الرخصة في ذلك

- ‌مس الذكر

- ‌71 - باب الوضوء من لحوم الإبل

- ‌72 - باب الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله

- ‌73 - باب ترك الوضوء من مس الميتة

- ‌74 - باب في ترك الوضوء مما مست النار

- ‌75 - باب التشديد في ذلك

- ‌76 - باب في الوضوء من اللبن

- ‌77 - باب الرخصة في ذلك

- ‌78 - باب الوضوء من الدم

- ‌79 - باب الوضوء من النوم

الفصل: ‌62 - باب المسح على الجوربين

وقال المزي في التهذيب (2/ 261): "وفي إسناد حديثه جهالة واضطراب" كذا في ترجمة أبي بن عمارة، وقال في ترجمة أيوب بن قطن (3/ 489):"وفي إسناده جهالة واضطراب"، وانظر: تحفة الأشراف (1/ 10).

وقال الذهبي في الميزان (1/ 292) في ترجمة أيوب بن قطن: "وحديثه في مسح الخف بلا توقيت: لم يثبت؛ لأنه اختلف فيه على يحيى بن أيوب على أقوال

[وذكر واحدًا منها ثم قال:] هؤلاء مجهولون ثلاثتهم".

وقال ابن حجر في الأصابة (1/ 19): "أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم، لكن الإسناد ضعيف".

وقال في التقريب (120) في ترجمة أبي بن عمارة: "له صحبة، وفي إسناد حديثه اضطراب"[وانظر: الدراية (1/ 77 - 79)، والتلخيص (1/ 284)].

فإذا رأيت اتفاق أهل الحديث على تضعيف حديث أبي بن عمارة؛ علمت وهاء قول الحاكم الذي لم يسبق إليه، ولم يتابع عليه، حيث قال في مستدركه (1/ 171):"أبي بن عمارة: صحابي معروف، وهذا إسناد مصري: لم ينسب واحد منهم إلى جرح، وإلى هذا ذهب مالك بن أنس، ولم يخرجاه".

وتعقبه ابن القيم في تهذيب السنن (1/ 120)، فقال:"والعجب من الحاكم! كيف يكون هذا مستدركًا على الصحيحين، ورواته لا يعرفون بجرح ولا بتعديل؟ ".

وحاصل ما تقدم: فإن أحاديث عدم التوقيت لا يصح منها شيء مرفوع، ولا يعارض بها أحاديث التوقيت الصحيحة المرفوعة؛ لا سيما حديث علي الذي أخرجه مسلم، والله أعلم.

***

‌62 - باب المسح على الجوربين

159 -

. . . سفيان الثوري، عن أبي قيس الأودي -هو عبد الرحمن بن ثروان-، عن هُزيل بن شُرحبيل، عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين.

قال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين.

قال أبو داود: ورُوي هذا أيضًا عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين، وليس بالمتصل ولا بالقوي.

قال أبو داود: ومسح على الجوربين: علي بن أبي طالب، وابن مسعود،

ص: 243

والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حُريث، ورُوي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس.

• حديث منكر.

سبق تخريجه في مسائل الفقه (1/ 27).

وهدا نص ما كتبت هناك، مع زيادات:

المسح على الجوربين والنعلين

عن أبي قيس الأودي -وهو عبد الرحمن بن ثروان-، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين.

أخرجه مسلم في التمييز (79)، وأبو داود (159)، والترمذي (99)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه على الترمذي "مختصر الأحكام"(81)، والنسائي في المجتبى (1/ 83/ 125 م)، وفي الكبرى (1/ 92/ 130)، وابن ماجه (559)، وابن خزيمة (198)، وابن حبان (4/ 167/ 1338)، وأحمد (4/ 252)، وابن أبي شيبة (1/ 171/ 1973) و (7/ 309/ 36353)، وعبد بن حميد (398)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 465)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 97)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 327)، والطبراني في الكبير (20/ 414 و 415/ 995 و 996)، وفي الأوسط (3/ 112/ 2645)، وابن حزم في العلى (2/ 82)، والبيهقي في السنن (1/ 283 - 284 و 284)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 215/ 248).

قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".

وصححه ابن خزيمة وابن حبان؛ فأخطؤوا.

فقد بوب له مسلم في التمييز بقوله: "ذكر خبر ليس بمحفوظ المتن"، ثم ذكر ممن رواه من التابعين عن المغيرة بن شعبة ستة عشر نفسًا، فلم يذكروه بهذا اللفظ، قال مسلم: "فكل هؤلاء قد اتفقوا على خلاف رواية أبي قيس عن هزيل

، والحمل فيه على أبي قيس أشبه، وبه أولى منه بهزيل؛ لأن أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخبارًا غير هذا الخبر، سنذكرها في مواضعها إن شاء الله

"، ثم أسند إلى "عبد الله بن المبارك، قال: عرضت هذا الحديث -يعني: حديث المغيرة من رواية أبي قيس- على الثوري فقال: لم يجيء به غيره، فعسى أن يكون وهمًا".

وقال أبو داود: "كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين".

وقال النسائي: "ما نعلم أن أحدًا تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، والله أعلم".

وقال أحمد: "ليس يروى هذا إلا من حديث أبي قيس"، ثم قال: "أبَى عبد الرحمن بن

ص: 244

مهدي أن يحدث به، يقول: هو منكر، يعني: حديث المغيرة هذا، لا يرويه الا من حديث أبي قيس" [العلل (3/ 367/ 5612)].

وقال أيضًا: "المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه مسح على الخفين، ليس هذا إلا من أبي قيس، إن له أشياء مناكير"[سؤالات الميموني (417)].

وقال العقيلي: "والرواية في الجوربين فيها لين".

وقال الدراقطني في العلل (7/ 112/ 1240): "ولم يروه غير أبي قيس وهو مما يغمز عليه به [وفي نسخة: مما يعد عليه به]؛ لأن المحفوظ عن المغيرة: المسح على الخفين".

وقال البيهقي في المعرفة (1/ 349): "وذاك الحديث منكر؛ ضعفه سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة: حديث المسح على الخفين، ويروى عن جماعة من الصحابة أنهم فعلوه [يعني: المسح على الجوربين والنعلين]، والله أعلم".

وقال في السنن: "قال أبو محمد [يعني: يحيى بن منصور]: رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر، وقال: أبو قيس الأودي وهزيل بن شرحبيل: لا يحتملان هذا مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة، فقالوا: "مسح على الخفين"، وقال: لا نترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل، فذكرت هذه الحكاية عن مسلم لأبي العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي، فسمعته يقول: علي بن شيبان يقول: سمعت أبا قدامة السرخسي يقول: قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لسفيان الثوري: لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك، فقال سفيان: الحديث ضعيف -أو: واهٍ- أو: كلمة نحوها"؛ لأنه لا يرويه عن أبي قيس إلا سفيان الثوري، قاله الطبراني في الأوسط (2645)، ثم ساق بإسناده قول أحمد المتقدم وفيه قول ابن مهدي في الحديث:"هو منكر"، ثم أسند إلى علي بن المديني قوله:"حديث المغيرة بن شعبة في المسح: رواه عن المغيرة: أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة، ورواه هزيل بن شرحبيل عن المغيرة إلا أنه قال: ومسح على الجوربين، وخالف الناس"، ثم أسند إلى ابن معين قوله:"الناس كلهم يروونه: على الخفين، غير أبي قيس".

وقال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 137): "وكان يحيى ينكر على أبي قيس حديثين: هذا [يعني: حديث: "قل هو الله أحد ثلث القرآن" عن أبي مسعود]، وحديث هزيل عن المغيرة: مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الجوربين".

وقال النووي في المجموع (1/ 527): "ضعيف، ضعفه الحفاظ، وقد ضعفه البيهقي، ونقل تضعيفه عن: سفيان وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين ومسلم بن الحجاج، وهؤلاء هم أعلام أئمة الحديث، وإن كان الترمذي قال: حديث حسن، فهؤلاء مقدمون عليه، بل كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة".

ص: 245

هذا كلام الأئمة في الحديث، وأما من جهة السند، فإن أبا قيس لا تحتمل مخالفته لهذا العدد الكبير الذين ساقهم مسلم ممن خالفهم أبو قيس في متنه، لا سيما وأبو قيس هذا لم يتفق على توثيقه، وهو ليس بالحافظ، فإنه وإن وثقه: ابن معين وابن نمير والعجلي والدارقطني، وقال النسائي وأحمد -في رواية-:"ليس به بأس"؛ إلا أن أحمد قال في رواية أخرى: "لا يحتج به"، وفي ثالثة:"يخالف في أحاديثه"، وفي رابعة:"هو كذا وكذا" وحرك يده، وقال أبو حاتم:"ليس بقوي، هو قليل الحديث، وليس بحافظ" قيل له: كيف حديثه؛ فقال: "صالح، هو لين الحديث"[التهذيب (5/ 65)، الميزان (2/ 553)].

والقول ما قال النووي، وهو حديث منكر.

• وقد وجدت له إسنادًا آخر:

يرويه أحمد الدورقي: ثنا يزيد بن هارون، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن فضالة بن عمرو الزهراني، عن المغيرة بن شعبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين.

أخرجه الإسماعيلي في معجم شيوخه (2/ 704).

قلت: هو منكر، كسابقه، ويقال فيه ما قيل فيه.

وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات مشاهير، غير فضالة بن عمرو الزهراني هذا، فإنه مجهول، ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في الثقات، إلا أنهم قالوا: فضالة بن عمير أو: فضالة بن عبيد، ولم يقل أحد: ابن عمرو [التاريخ الكبير (7/ 124)، الجرح والتعديل (7/ 77)، الثقات (5/ 296)].

ومن جهة أخرى فقد عدَّ مسلم هذا الإسناد فيمن خالفهم أبو قيس في متن الحديث؛ مما يقتضي أن يكون متنه: "مسح على الخفين"، فيكون ذلك من وهم أحد الرواة، والله أعلم.

• وللحديث شاهدان:

• الأول: يرويه محمد بن مسلمة: حدثنا موسى الطويل: حدثنا أنس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الجوربين، عليهما النعلان.

أخرجه الخطيب في تاريخه (3/ 306)، والذهبي في السير (17/ 480).

وقال: "هذا حديث تساعي لنا، لكن موسى ليس بثقة".

وعده في مناكير موسى الطويل هذا في الميزان (4/ 209)، وموسى هذا هو: ابن عبد الله الطويل: قال ابن حبان: "روى عن أنس بن مالك أشياء موضوعة، كان يضعها أو وضعت له فحدث بها، لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب"[المجروحين (2/ 251 - ط الصميعي"]، وقال ابن عدي:"يحدث عن أنس بمناكير، وهو مجهول"[الكامل (6/ 351)]، وقال أبو نعيم:"روى عن أنس المناكير، لا شيء"[اللسان (6/ 143)].

ومحمد بن مسلمة أيضًا قد ضُعِّف، وأنكرت عليه أحاديث، قال الخطيب: "في

ص: 246

أحاديثه مناكير بأسانيد واضحة"، وساق له حديثًا، ثم قال: "هذا الحديث باطل موضوع، ورجال إسناده كلهم ثقات سوى محمد بن مسلمة، والذي قبله أيضًا منكر، ورجاله كلهم ثقات، رأيت هبة الله بن الحسن الطبري يضعف محمد بن مسلمة، وسمعت الحسن بن محمد الخلال يقول: محمد بن مسلمة: ضعيف جدًّا"، ونقل عن الدارقطني قوله: "لا بأس به" [تاريخ بغداد (3/ 307)، الميزان (4/ 41)، اللسان (5/ 432)].

• والثاني: يرويه عيسى بن سنان، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، عن أبي موسى، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الجوربين والنعلين.

أخرجه ابن ماجه (560)، وأبو بكر الباغندي في ستة مجالس من أماليه (9)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 97)، والعقيلي (3/ 383)، والطبراني في الأوسط (2/ 24/ 1108)، والبيهقي (1/ 285)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 249/216).

قال أبو داود: "وليس بالمتصل، ولا بالقوي".

وفسره البيهقي بقوله: "الضحاك بن عبد الرحمن: لم يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى بن سنان: ضعيف، لا يحتج به".

وقال نحوه البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 80).

وقال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد، تفرد به عيسى".

و هذا من جهة المرفوع، وأما الموقوف من فعل الصحابة، فقد قال أبو داود:"ومسح على الجوربين: علي بن أبي طالب، وابن مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حريث، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس".

وزاد ابن المنذر: عمار بن ياسر، وأبا مسعود الأنصاري، وابن عمر، وبلالًا، وعبد الله بن أبي أوفى [انظر: الأوسط (1/ 462)].

فهؤلاء أربعة عشر صحابيًّا، قال ابن القيم في تهذيب السنن (1/ 121 - 123): "والعمدة في الجواز على هؤلاء رضي الله عنهم[يعني: جواز المسح على الجوربين]، لا على حديث أبي قيس، مع أن المنازعين في المسح متناقضون فإنهم لو كان هذا الحديث من جانبهم لقالوا: هذه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ولا يلتفتون إلى ما ذكروه هاهنا من تفرد أبي قيس، فإذا كان الحديث مخالفًا لهم أعلوه بتفرد راويه، ولم يقولوا: زيادة الثقة مقبولة، كما هو موجود في تصرفاتهم، والإنصاف: أن تكتال لمنازعك بالصاع الذي تكتال به لنفسك، فإن في كل شيء وفاءً وتطفيفًا، ونحن لا نرضى هذه الطريقة، ولا نعتمد على حديث أبي قيس، وقد نص أحمد على جواز المسح على الجوربين، وعلل رواية أبي قيس، وهذا من إنصافه وعدله رحمه الله، وإنما عمدته هؤلاء الصحابة، وصريح القياس، فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه، والمسح عليهما قول

ص: 247

أكثر أهل العلم: منهم من سمينا من الصحابة، وأحمد واسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك وسفيان الثوري وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وسعيد بن المسيب وأبو يوسف، ولا نعرف في الصحابة مخالفًا لمن سمينا،

، وقول مسلم رحمه الله: لا يُترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل، جوابه من وجهين:

أحدهما: أن ظاهر القرآن لا ينفي المسح على الجوربين؛ إلا كما ينفي المسح على الخفين، وما كان الجواب عن مورد الإجماع فهو الجواب في مسألة النزاع.

الثاني: أن الذين سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا تأويله مسحوا على الجوربين، وهم أعلم الأمة بظاهر القرآن ومراد الله منه، والله أعلم".

وممن كره المسح على الجوربين: مالك والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم [انظر: الأوسط (1/ 465)].

وقد حكى الترمذي أن أبا حنيفة رجع عن ذلك في آخر حياته؛ إذ مسح على الجوربين في مرضه الذي مات فيه [الجامع (1/ 169)].

قال ابن حزم في العلى (2/ 86): "وقال أبو حنيفة: لا يمسح على الجوربين، وقال مالك: لا يمسح عليهما إلا أن يكون أسفلهما قد خرز عليه جلد، ثم رجع فقال: لا يمسح عليهما، وقال الشافعي: لا يمسح عليهما الا أن يكونا مجلدين، قال علي: اشتراط التجليد خطأ لا معنى له؛ لأنه لم يأت به قرآن ولا سُنَّة ولا قياس ولا قول صاحب، والمنع من المسح على الجوربين خطأ لأنه خلاف السُّنَّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم[قد بينا بأنه لا يثبت في ذلك حديث مرفوع] وخلاف الآثار، ولم يخص عليه السلام في الأخبار التي ذكرنا خفين من غيرهما، والعجب أن الحنفيين والمالكيين والشافعيين يشنعون ويعظمون مخالفة الصاحب إذا وافق تقليدهم، وهم قد خالفوا ههنا أحد عشر صاحبًا لا مخالف لهم من الصحابة ممن يجيز المسح، فيهم: عمر وابنه وعلي وابن مسعود

".

***

160 -

. . . قال أبو داود: حدثنا مُسَدَّد وعبَّاد بن موسى، قالا: ثنا هشيم، عن يعلى بن عطاء الثقفي، عن أبيه، -قال عباد:- قال: أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه.

وقال عباد: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كِظامة قوم -يعني: المِيضأة، ولم يذكر مسدد: الميضأة والكظامة، ثم اتفقا:- فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه.

• حديث ضعيف.

سبق تخريجه في مسائل الفقه (1/ 51) برقم (6).

وهذا نص ما كتبت هناك، مع بعض الزيادات، وتغيير السياق بما يقتضيه المقام:

ص: 248

مسألة: في المسح على النعلين، أو: على الرجلين.

• أولًا: الأحاديث:

1 -

حديث ابن عباس:

أ- روى هشام بن سعد: أنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، قال: قال لنا ابن عباس: أتحبون أن أحدثكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ

فذكر الحديث، قال: ثم اغترف غرفة أخرى فرش على رجله، وفيها النعل، واليسرى مثل ذلك، ومسح بأسفل النعلين.

وفي رواية له: ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى، وفيها النعل، ثم مسحها بيديه: يد فوق القدم، ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك.

أخرجه أبو داود (137)، والحاكم (1/ 147)، والبزار (11/ 425/ 5281)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (80)، وابن الأعرابي في المعجم (1599)، والطبراني في الكبير (10/ 311/ 10759)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (5/ ب-6/ أ)، والبيهقي في السنن (1/ 58 و 72 و 73)، وفي المعرفة (1/ 170/ 79).

قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، وإنما اتفقا على حديث زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وهو مجمل، وحديث هشام بن سعد مفسر".

فوهم الحاكم في ذلك: فقد انفرد البخاري (157) بحديث سفيان الثوري، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، قال: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة. ولم يخرجه مسلم، ثم إن البخاري أخرجه مفسرًا من رواية: سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم به (140)، وفيه: أنه غسل رجليه، ولم يمسحهما، ولم يذكر النعل.

والوهم الثالث: وهو أن رواية هشام هذه شاذة، خالف فيها الثقات الذين رووا الحديث عن زيد بن أسلم، وهم: سليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، ومحمد بن عجلان، وورقاء بن عمر، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، وداود بن قيس الفراء، ومعمر بن راشد، وقد تقدم تخريج حديثهم، وذكر ألفاظهم تحت الحديث رقم (117).

وقد أعل البيهقي رواية هشام بن سعد هذه بقوله: "فهذه الروايات اتفقت على أنه غسلهما، وحديث الدراوردي [وهو عند البيهقي بلفظ: فرش على قدميه وهو منتعل، وهو عند النسائي بغير هذا اللفظ، فلا أُراه محفوظًا عنه] يحتمل أن يكون موافقًا بأن يكون غسلهما في النعل، وهشام بن سعد ليس بالحافظ جدًّا فلا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات الأثبات، كيف وهم عدد وهو واحد".

وقال أيضًا: "والصحيح: رواية الجماعة.

ورواه عبد العزيز الدراوردي وهشام بن سعد عن زيد بن أسلم، فحكيا في الحديث رشًا على الرجل وفيها النعل: وذلك يحتمل أن يكون غسلها في النعل، فقد رواه سليمان بن

ص: 249

بلال، ومحمد بن عجلان، وورقاء بن عمر، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، عن زيد بن أسلم، فحكوا في الحديث غسله رجليه، والحديث: حديث واحد، والعدد الكثير أولى بالحفظ من العدد اليسير؛ مع فضل حفظ من حفظ فيه الغسل بعد الرش على من لم يحفظه".

وقال ابن حجر في الفتح (1/ 241): "وأما قوله: تحت النعل: فإن لم يحمل على التجوز عن القدم، وإلا فهي رواية شاذة، وراويها هشام بن سعد: لا يحتج بما تفرد به فكيف إذا خالف".

وراجع الموضع المذكور (117) ففيه زيادة بيان، وانظر أيضًا:(133 و 137 و 138).

ب- وروى رواد بن الجراح، عن سفيان الثوري، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، ومسح على نعليه.

أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 177)، والبيهقي (1/ 286).

ورواد لا يتابع في حديثه عن الثوري، وهو فيه ضعيف جدًّا، ينفرد عنه بالمناكير [انظر: التهذيب (3/ 114) وغيره]، وقد خالف الناس فيه عن الثوري، وقد عدَّ ابن عدي هذا الحديث من منكراته عن الثوري، وقال البيهقي:"هكذا رواه رواد بن الجراح، وهو ينفرد عن الثوري بمناكير هذا أحدها، والثقات رووه عن الثوري دون هذه اللفظة، وروي عن زيد بن الحباب عن الثوري هكذا، وليس بمحفوظ".

ثم أخرجه من طريق زيد بن الحباب، ثم قال:"والصحيح: رواية الجماعة، ورواه عبد العزيز الدراوردي وهشام بن سعد عن زيد بن أسلم، فحكيا في الحديث رشًا على الرجل وفيها النعل: وذلك يحتمل أن يكون غسلها في النعل، فقد رواه سليمان بن بلال، ومحمد بن عجلان، وورقاء بن عمر، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، عن زيد بن أسلم، فحكوا في الحديث غسله رجليه، والحديث: حديث واحد، والعدد الكثير أولى بالحفظ من العدد اليسير؛ مع فضل حفظ من حفظ فيه الغسل بعد الرش على من لم يحفظه".

قلت: هو في صحيح البخاري (157) من طريق الثوري، بلفظ: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة. وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (117).

ج- وروى محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن عبيد الله الخولاني، عن ابن عباس، قال: دخل علىَّ علي بيتي فدعا بوضوء

فاقتص الحديث عن علي، وفي آخره: ثم أخذ بكفيه من الماء فصك بهما على قدمه، وفيها النعل، فبلها به، ثم على الرجل الأخرى مثل ذلك.

قال [يعني: ابن عباس،: قلت: وفي النعلين] قال: وفي النعلين، فأعادها ثلاثًا.

تقدم تخريجه برقم (117)، وهو حديث منكر.

وبذا يظهر أن المحفوظ عن ابن عباس في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه غسل رجليه، وهكذا رواه البخاري في صحيحه (140) ففيه: فرش على رجله اليمنى حتى غسلها.

ص: 250

2 -

حديث علي بن أبي طالب:

• روي عنه الغسل:

أ- زر بن حبيش، فقال في حديثه: وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا.

تقدم برقم (114).

ب- عبد خير، وقال في حديثه: ثم غسل رجله اليمنى ثلاثًا، ورجله الشمال ثلاثًا.

تقدم برقم (111 و 112 و 113)، وهو حديث صحيح.

• وروي عن عبد خير: أن عليًّا مسح على ظاهر قدميه، وفي رواية: ومسح على النعلين، وهو محمول على مسحه على الخف.

أخرجه الدارمي (1/ 195/ 715)، وأحمد (1/ 148)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (114 و 124)، والبزار (788 و 789 و 794)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 190)، والبيهقي (1/ 75 و 292).

من طريق أبي إسحاق، عن عبد خير، قال: رأيت عليًّا توضأ ومسح على النعلين، وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت، لرأيت أن باطن القدمين هو أحق بالمسح من ظاهرهما. وفي رواية: يمسح على ظاهر قدميه.

ويأتي تخريجه برقم (162 - 164)، وهو حديث صحيح، لكن تجوز الراوي في هذا اللفظ، وإنما أراد: المسح على ظاهر الخفين، وعبر بالقدمين وبالنعلين بدل الخفين، ويأتي تفصيل ذلك في موضعه، إن شاء الله تعالى، ولأبي إسحاق في هذا حديثان عن عبد خير، أحدهما في الوضوء [تقدم تحت الحديث رقم (113)]، والثاني في المسح على الخفين [ويأتي برقم (162 - 164)].

ج- أبو حية بن قيس، وقال في حديثه: وغسل قدميه إلى الكعبين.

تقدم برقم (116)، وهو حديث صحيح.

د- الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب، وفيه: ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثًا، ثم اليسرى كذلك.

أخرجه النسائي (1/ 69 - 70/ 95)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (2/ 51/ 431)، وعلقه أبو داود بعد الحديث رقم (117).

وإسناده صحيح متصل، وراجع تخريجه وطرقه فيما تقدم في الموضع المذكور.

هـ - أبو الغريف عبيد الله بن خليفة، وقال في حديثه: ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه.

أخرجه مختصرًا ومطولًا: البخاري في التاريخ الكبير (7/ 60)، وأحمد (1/ 110)، وعبد الرزاق (1/ 336/ 1306)، وابن أبي شيبة (1/ 97/ 1086)، وأبو يعلى (1/ 300/ 365)، وابن المنذر (2/ 96 و 97/ 619 و 620)، والدارقطني (1/ 118)، والبيهقي (1/ 89)، والضياء في المختارة (2/ 244 و 245/ 621 و 622)، والمزي في التهذيب (14/ 27).

ص: 251

وإسناده حسن.

• وتابعهم على ذلك: أبو مطر الجهني البصري [مجهول، ترك حفص بن غياث حديثه. الجرح والتعديل (9/ 445)، الإكمال للحسيني (1172)، اللسان (9/ 164)].

أخرجه أحمد (1/ 158)، وعبد بن حميد (95).

• لكن روى عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة، قال: رأيت عليًّا رضي الله عنه صلى الظهر، ثم قعد لحوائج الناس، فلما حضرت العصرُ أُتي بتور من ماء، فأخذ منه كفًّا فمسح به وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه، ثم أخد فضله فشرب قائمًا، وقال: إن ناسًا يكرهون هذا، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وهذا وضوء من لم يحدث.

وفي رواية بإسناد صحيح: فتمضمض واستنشق، ومسح وجهه وذراعيه، ومسح برأسه، ومسح رجليه.

أخرجه بتمامه أو طرفًا منه: البخاري (5615 و 5616)[وقال في الموضع الثاني: وغسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه، ولم يذكر: هذا وضوء من لم يحدث، قال ابن حجر في الفتح (10/ 82): "وهي على شرط الصحيح"]. وأبو داود (3718)، والترمذي في الشمائل (200)، والنسائي (1/ 84 - 85/ 130) واللفظ له. وابن خزيمة (16 و 202)، وابن حبان (3/ 339/ 1057) و (4/ 170 و 171/ 1340 و 1341) و (12/ 144/ 5326)، وأحمد (1/ 78 و 123 و 139 و 144 و 153 و 159)، والطيالسي (148)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الطهور (39)، والبزار (3/ 30/ 780 - 782)، وأبو يعلي (1/ 262 و 303/ 309 و 368)، وابن جرير الطبري في التفسير (6/ 113)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (459)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 34) و (4/ 273)، وفي المشكل (5/ 349)، والدارقطني في العلل (4/ 141/ 472)، والبيهقي في السنن (1/ 75) و (7/ 282)، وفي الشعب (5/ 109/ 5982)، وفي الآداب (670)، والبغوي في شرح السُّنَّة (11/ 382/ 3047)، وقال:"هذا حديث صحيح". والمزي في التهذيب (29/ 336)، وابن حجر في الإمتاع (5)، وقال:"هذا حديث صحيح".

وهذا صحيح كما ترى لاحتجاج البخاري به في صحيحه، وإن كان قد احتج به في غير أبواب الوضوء، حيث أخرجه في باب الشرب قائمًا، من كتاب الأشربة، وذلك عندي -والله أعلم- لكونه صريح الرفع في مسألة الشرب قائمًا، محتمل في صفة وضوء من لم يحدث، وهو وإن كان ظاهره الوقف، لكن مثله لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد، وكلام أبي زرعة في العلل (7)، والبيهقي في المعرفة (1/ 169): صريح في كونه مرفوعًا [وهو مخرج في أحاديث الذكر والدعاء تحت الحديث رقم (261)].

وهما عن علي حديثان مختلفان؛ لأن هذه الواقعة مختلفة عن الأحاديث السابقة، ولاختلاف السياق، فيقيد الحديث بما قيد به، وهو أنه في صفة وضوء من لم يحدث.

• وتابعه عليه: ربعي بن حراش، فرواه عن علي بنحوه مختصرًا.

ص: 252

أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند (1/ 102)، وعنه: الطبراني في الأوسط (4/ 312 - 313/ 4298).

وفي إسناده: فرات بن الأحنف، وهو من غلاة الشيعة، وإن كان وثقه ابن معين، والعجلي، وقال أبو حاتم:"صالح الحديث"، فقد ضعفه: النسائي وأبو داود وابن حبان، وقال:"لا تحل الرواية عنه، ولا الاحتجاج به"[اللسان (6/ 321)].

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ربعي إلا أحنف أبو فرات، تفرد به أبو عبيدة بن فضيل بن عياض"، قلت: وأبو عبيدة هذا وثقه الدارقطني، وقد تكلم فيه، وله أوهام [انظر: علل الدارقطني (11/ 178/ 2204)، اللسان (9/ 119)].

قال البيهقي في الجمع بين الحديثين في الغسل والمسح (1/ 75 - 76): "وفي هذا دلالة على أن ما روي عن علي في المسح على النعلين إنما هو في وضوء متطوع به لا في وضوء واجب عليه من حدث يوجب الوضوء.

أو: أراد غسل الرجلين في النعلين. أو: أراد المسح على جوربيه ونعليه كما رواه عنه بعض الرواة مقيدًا بالجوربين، وأراد به جوربين منعلين.

فثابت عنه رضي الله عنه غسل الرجلين، وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل الرجلين والوعيد على تركه، وبالله التوفيق".

قلت: وهذا الجمع فيما يتعلق برواية عبد خير والاختلاف عليه في متنه، والصواب في متنه: إنما هو غسل القدمين ثلاثًا، أو المسح على الخفين، والله أعلم.

وأما حديث النزال بن سبرة: فهو حديث آخر في حادثة معينة، وفيه: أن مسحه على وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه إنما هو في وضوء من لم يحدث.

وللطحاوي فيه تأويل آخر، حيث قال:"وليس في هذا الحديث عندنا دليل أن فرض الرجلين هو المسح؛ لأن فيه أنه قد مسح وجهه، فكان ذلك المسح هو غسل، فقد يحتمل أن يكون مسحه برجله أيضًا كذلك".

قلت: قول علي واعتذاره بأن هذا وضوء من لم يحدث يشعر بخلاف ذلك.

وأما ما رواه أبو ظبيان [حصين بن جندب: ثقة، من الثانية] قال: رأيت علي بن أبي طالب بالرحبة بال قائمًا حتى أرغى، فأُتي بكوز من ماء فغسل يديه

فقص وضوءه، ثم قال: ثم مسح على نعليه، ثم أقيمت الصلاة، فخلع نعليه، ثم تقدم فأمَّ الناس.

أخرجه أحمد في العلل (3/ 166/ 4739)، وعبد الرزاق (1/ 201/ 783 و 784)، وابن أبي شيبة (1/ 173/ 1998 و 2000)، والطحاوي (4/ 268)، والبيهقي (1/ 288)، والخطيب في الموضح (2/ 373)، وأبو طاهر السلفي في الطيوريات (265).

وإسناده صحيح موقوف.

وقد رُوي هذا عن علي من طرقٍ موقوفًا عليه.

ص: 253

فإن فعله هذا له احتمالان بينهما البيهقي بقوله: "والمشهور عن علي رضي الله عنه أنه غسل رجليه حين وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم.

فأما مسحه على النعلين فهو محمول على غسل الرجلين في النعلين، والمسح على النعلين لأن المسح رخصة لمن تغطت رجلاه بالخفين فلا يعدانها موضعها.

قال: والأصل وجوب غسل الرجلين إلا ما خصته سُنَّة ثابتة أو إجماع لا يختلف فيه، وليس على المسح على النعلين ولا على الجوربين واحد منهما، والله أعلم"، وقد تقدم بيان جواز المسح على الجوربين.

ونزيد هذه المسألة إيضاحًا -قبل استكمال إيراد أحاديث المسح على النعلين أو القدمين- بأقوال الإمام أحمد رحمه الله تعالى:

فقد سأله ابنه صالح عن المسح على النعلين؟ فقال الإمام: "إذا كان في القدم جوربان قد ثُبِّتا في القدم، فلا بأس أن يمسح على النعلين"[مسائله (379)].

وقال له: ما تقول في حديث علي: أنه مسح على نعليه ثم خلعهما وأمَّ القوم ولم يحدث وضوءًا، ما معناه؟ قال:"يُروى هذا عن علي"، قلت: فإن فعل هذا رجل؟ قال: "ما يعجبني، يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ويل للأعقاب من النار"، فإن كان أتى المسح على الأعقاب وغسل الرجلين فلا بأس"[مسائله (578)].

وقال له: من مسح على جوربه ونعله ونيته المسح على الجوربين أيجوز له أن يخلع النعلين ويصلي؟

قال: "إن كان مسح على النعلين مع الجوربين ثم خلع نعليه يعيد الوضوء كله، وإن كان مسح على الجوربين ولبس نعليه ولم يمسح على النعلين ثم خلعهما فلا بأس"[مسائله (618)].

وفي المقصد الأرشد (1/ 342): سأله الحسن بن إسحاق أبو علي الخرقي عن المسح على الجوربين؟ فقال: "فإذا استمسك القدمين فلا بأس".

3 -

حديث ابن عمر:

يرويه عبد الجبار بن العلاء: نا سفيان: نا محمد بن عجلان، عن سعيد -هو: ابن أبي سعيد المقبري-، عن عبيد بن جريج، قال: قيل لابن عمر: رأيناك تفعل شيئًا لم نر أحدًا يفعله غيرك! قال: وما هو؟ قالوا: رأيناك تلبس هذه النعال السبتية. قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها، ويتوضأ فيها، ويمسح عليها.

أخرجه ابن خزيمة (199)، ومن طريقه: البيهقي (1/ 287).

وهذا حديث صحيح؛ لكن بدون هذه الزيادة: "ويمسح عليها"، فإنها شاذة لا تصح، تفرد بها: عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار العطار، وهو: لا بأس به، وخالفه:

محمد بن أبي عمر [العدني: حافظ صدوق، لازم ابن عيينة ثمانية عشر عامًا، وكانت فيه غفلة]، والحميدي [ثقة حافظ، إمام فقيه، من أثبت أصحاب ابن عيينة، وراويته] قالا: ثنا سفيان، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، أنه قال

ص: 254

لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إني أراك تصنع خصالًا أربعًا لا يصنعهن أحد: لا تستلم من الأركان إلا هذين الركنين، ولا تحرم حتى تنبعث بك راحلتك، ورأيتك تغير لحيتك ورأسك، ورأيتك تلبس هذه النعال السبتية.

فقال ابن عمر رضي الله عنهما: أما الركنان: فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستلمهما، وأما الأحرام: فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم لا يحرم حتى تنبعث به راحلته، وأما الصفرة: فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصفر بها، وأما النعال السبتية: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فيها، ويلبسها. واللفظ للعدني، هكذا بدون الزيادة.

أخرجه الحميدي (651)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 119/ 99).

وقد رواه عن سعيد المقبري هكذا جماعة من أصحابه فلم يذكروا هذه الزيادة، منهم: مالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر العمري، وإسماعيل بن أمية، وغيرهم.

أخرجه بتمامه أو طرفًا منه: البخاري (166 و 5851)، ومسلم (1187)، وأبو عوانة (2/ 424/ 3690 و 3691)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 273/ 2711)، وأبو داود (1772)، والترمذي في الشمائل (74)، والنسائي (1/ 80/ 117) و (5/ 163 و 232/ 2760 و 2950)، وابن ماجه (3626)، وابن حبان (9/ 78/ 3763)، ومالك في الموطأ (1/ 448/ 935)، والشافعي في السنن (485)، وأحمد (2/ 17 و 66 و 110)، وعبد الرزاق (1/ 202/ 787)، وابن سعد في الطبقات (1/ 481 - 482)، والطحاوي (2/ 122 و 184)، والطبراني في الكبير (12/ 350/ 13314 - 13316)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 341/ 387)، والجوهري في مسند الموطأ (379)، والبيهقي في السنن (1/ 287) و (5/ 37)، وفي المعرفة (4/ 53/ 2919)، وفي الشعب (5/ 213/ 6401)، والبغوي في شرح السُّنَّة (7/ 56/ 1870)، وابن عساكر في التاريخ (9/ 164) و (21/ 331)، والمزي في التهذيب (19/ 194).

ومما يزيد ذلك وضوحًا -وهو شذوذ هذه الزيادة-: أن البخاري قد ترجم في صحيحه لهذا الحديث، في الموضع الأول، بقوله: باب: غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين.

وأما تصحيح ابن القطان الفاسي للحديث بهذه الزيادة فلا يعول عليه لما قد علمت [بيان الوهم (5/ 222/ 2432)].

4 -

حديث تميم بن زيد الأنصاري:

رواه جماعة من الثقات عن أبي عبد الرحمن المقرئ عبد الله بن يزيد: نا سعيد بن أبي أيوب: نا أبو الأسود: نا عباد بن تميم المازني، عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ، ويمسح بالماء على رجليه. وفي رواية: ومسح بالماء على لحيته ورجليه.

أخرجه ابن خزيمة (201)، وأحمد (4/ 40)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 208/ 2192)، والطبراني في الكبير (2/ 60/ 1286)، وفي الأوسط (9/ 132/ 9332)،

ص: 255

وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 452 و 453/ 1298 و 1299)، وابن الأثير في أسد الغابة (1/ 322).

قال الطبراني: "لا يُروى هذا الحديث عن تميم المازني إلا بهذا الإسناد، تفرد به سعيد بن أبي أيوب".

وقع في رواية ابن خزيمة وحده من طريق أبي زهير عبد المجيد بن إبراهيم المصري [دمياطي، لم أر من ذكره بجرح أو تعديل، وليس هو البوشنجي القاضي أبو الحسين. انظر: فتح الباب (2088 و 3002)، كنى الدولابي (2/ 464)، وغيرهما]: عن أبي الأسود، وهو: محمد بن عبد الرحمن مولى آل نوفل يتيم عروة بن الزبير، فلا أدري من الذي نسبه، وقد رواه عن المقرئ غير منسوب: أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو بشر بكر بن خلف، وهارون بن ملول المصري، وهم ثقات.

لذا قال ابن عبد البر في الاستيعاب (241): "هو حديث ضعيف الإسناد، لا تقوم به حجة".

وقال عبد الحق الإشبيلي في أبي الأسود هذا: "لا أدري من هو"[اللسان (9/ 14)].

قال ابن حجر في اللسان (9/ 14): "وتُعُقِّب بأن رجاله رجال الصحيح، وأبو الأسود: ثقة معروف، وهو: يتيم عروة، واسمه محمد بن عبد الرحمن"[وانظر: ذيل العراقي على الميزان (754)].

وقال في الإصابة (1/ 370) في ترجمة تميم بن زيد الأنصاري: "رجاله ثقات، وأغرب أبو عمر فقال: إنه ضعيف".

والذي يظهر أن أبا الأسود هذا هو يتيم عروة، فإن سعيد بن أبي أيوب معروف بالرواية عنه، وقد رواه عنه أيضًا ابن لهيعة وصرح بأسمه، لكن خالفه في متنه:

• فقد روى الطحاوي في شرح المعاني (1/ 35)، وابن شاهين في الناسخ (118)، ومن طريقه: الجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/ 514/ 323).

بإسناد صحيح إلى: ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عباد بن تميم، عن عمه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على القدمين. وكان عروة يفعل ذلك حتى اسود ظاهر قدميه.

وعم عباد بن تميم هو: عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، لكن ابن لهيعة: ضعيف.

قال الجوزقاني: "هذا حديث منكر، وابن لهيعة: ضعيف الحديث".

ورواه أبو عبيد في الطهور (353)، بإسناد صحيح إلى: ابن لهيعة، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عباد بن تميم، عن أبيه أو عمه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح برأسه وأذنيه، داخلهما وخارجهما.

ورواه الطبراني في الكبير (2/ 60/ 1285)، من طريق ابن لهيعة به، لكن قال: عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فبدأ فغسل وجهه وذراعيه، ثم تمضمض واستنشق، ثم مسح برأسه.

ص: 256

لكن شيخ الطبراني هو: المقدام بن داود الرعيني، وهو: ضعيف [انظر: اللسان (8/ 144) وغيره].

• ولا أستبعد أن يكون راوي هذا الحديث هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، فإن رواية ابن لهيعة هذه يؤيدها:

ما رواه شعبة، عن حبيب بن زيد الأنصاري، عن عباد بن تميم، عن عمه عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بثُلثُي مُدٍّ ماءً، فتوضأ فجعل يدْلُك ذراعيه.

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (94).

وحديث أبي الأسود هذا تأوله ابن خزيمة على وضوء من لم يحدث، وحمله على حديث النزال بن سبرة عن علي: في وضوء من لم يحدث [وقد تقدم ذكره قريبًا].

وإسناده صحيح، ويحتمل أن يكون الراوي تجوز في التعبير عن الغسل بالمسح، والله أعلم، وقد تقدم ذكره أيضًا تحت الحديث رقم (119).

5 -

حديث ابن عمر:

يرويه ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن نافع: أن ابن عمر كان إذا توضأ ونعلاه في قدميه: مسح على ظهور قدميه بيديه، ويقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا.

أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 35 و 97).

وهذا إسناد مدني حسن غريب؛ لم يتداوله من أصحاب نافع سوى ابن أبي ذئب [وهو ثقة إلا أنه لم يُذكر في ثقات أصحاب نافع]، ولم يتداوله من أصحاب ابن أبي ذئب سوى ابن أبي فديك [وهو صدوق].

ثم وجدت له متابعًا:

فقد رواه روح بن عبادة، عن ابن أبي ذئب، عن نافع: أن ابن عمر كان يتوضأ ونعلاه في رجليه، ويمسح عليهما، ويقول: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.

أخرجه البزار (12/ 216/ 5918).

وقال: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن نافع إلا ابن أبي ذئب، ولا نعلم رواه عنه إلا روح، وإنما كان يمسح عليهما لأنه توضأ من غير حدث، وكان يتوضأ لكل صلاة من غير حدث، فهذا معناه عندنا".

قلت: كلامه محتمل؛ وإلا فالحمل فيه على ابن أبي ذئب.

ولو كان هذا من حديث نافع لتداوله الثقات من أصحابه المعروفين، لا سيما وقد خالف الصحيح الثابت عن ابن عمر من كونه كان يلبس النعال السبتية فلما سئل عنها؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي لا شعر فيها، ويتوضأ فيها، فلم يذكر أنه كان يمسح عليها [في المحفوظ عنه]، وقد تقدم في الحديث الذي قبل هذا، ومع هذا فقد صححه ابن القطان في بيان الوهم (5/ 222/ 2432)، وصحيح إسناده ابن حجر في الدراية (1/ 83).

ص: 257

وقد سرق هذا الحديث أحد الوضاعين: خالد بن إسماعيل المخزومي أبو الوليد، فرواه عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر به.

أخرجه ابن عدي (3/ 43).

وقال: "وهذه الأحاديث بهذه الأسانيد مناكير، ولخالد بن إسماعيل هذا غير ما ذكرت من الحديث، وعامة حديثه هكذا كما ذكرت، وتبينت أنها موضوعات كلها".

6 -

حديث أوس بن أبي أوس:

قال: رأيت أبي توضأ ومسح على نعلين له، فقلت له: أتمسح على النعلين؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على النعلين.

أخرجه ابن حبان (4/ 169/ 1339)، وأحمد (4/ 9 و 10)، والطحاوي (1/ 96 و 97)، والطيالسي (1113)، وابن أبي شيبة (1/ 73/ 1997) و (7/ 309/ 36356)، وبحشل في تاريخ واسط (54)، والدولابي في الكنى (1/ 107/42)، وابن قانع في المعجم (1/ 29 - 30)، والطبراني في الكبير (1/ 222/ 605 و 606)، والبيهقي (1/ 287).

من طريق حماد بن سلمة وشريك بن عبد الله النخعي، عن يعلى بن عطاء، عن أوس بن أبي أوس، عن أبيه به.

• وخالفهما: شعبة بن الحجاج وهشيم بن بشير، فروياه عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن أوس بن أبي أوس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم بالطائف، فتوضأ ومسح على رجليه.

قال هشيم: كان هذا في أول الإسلام.

أخرجه أبو داود (160)، وأحمد (4/ 8 و 9)، وأبو عبيد في الطهور (388)، وبحشل في تاريخ واسط (54)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 475/ 11530)، والمحاملي في الأمالي (332)، والطبراني في الكبير (603 و 607 و 608)، وابن شاهين في الناسخ (119)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 309/ 991)، والحازمي في الاعتبار (62 - 63)، والبيهقي (1/ 286)، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/ 515/ 324)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 161/ 151)، والمزي في التهذيب (20/ 133).

وشعبة وهشيم: أحفظ، والقول قولهما، وعليه فالإسناد ضعيف، لجهالة عطاء العامري والد يعلى [التهذيب (5/ 585)، الميزان (3/ 78)].

قال الحازمي في الاعتبار: "لا يعرف هذا الحديث مجودًا متصلًا إلا من حديث يعلى بن عطاء، وفيه اختلاف أيضًا، وعلى تقدير ثبوته ذهب بعضهم إلى نسخه"، وهو قول هشيم كما تقدم، ثم قال:"أما الأحاديث الواردة في غسل الرجلين كثيرة جدًّا مع صحتها، فلا يعارضها مثل حديث يعلى بن عطاء لما فيه من التزلزل؛ لأن بعضهم رواه عن يعلى عن أوس ولم يقل عن أبيه، وقال بعضهم: عن رجل، ومع هذا الاضطراب لا يمكن المصير إليه، ولو ثبت كان منسوخًا كما قاله هشيم".

ص: 258

قلت: لم يثبت والحمد لله فقد كفينا.

وقال البيهقي: "وهذا الإسناد غير قوي، وهو يحتمل ما احتمل الحديث الأول، والذي يدل على أن المراد به غسل الرجلين في النعلين".

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 80 - بهامش الإصابة): "في إسناده ضعف".

وقال الجوزقاني: "هذا حديث منكر"، ثم نقل عن أحمد قوله:"لم يسمعه هشيم من يعلى بن عطاء".

وقال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (4/ 1565/120): "وما مثله صُحِّح؛ لأنه من رواية هشيم عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، قال: حدثني أوس بن أبي أوس

فذكره، وعطاء العامري والد يعلى بن عطاء: مجهول الحال، لا تعرف له رواية إلا هذه، وأخرى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ولا يعرف روى عنه غير ابنه يعلى، وهو وإن كان ثقة، فإن روايته عنه غير كافية في المبتغى من ثقته، وللحديث علة أخرى، وذلك أن منهم من يقول فيه: عن أوس بن أوس، أو: ابن أبي أوس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فزيادة: (عن أبيه" عادت بنقص، فإنا إنما كنا نقبل الأولى ولا نضع فيها نظرًا، باعتقاد أن أوس بن أوس أو: ابن أبي أوس صحابي، على رأي من يقبل أمثال هؤلاء الذين يدعون لأنفسهم الصحبة، ولا تكون معلومة لهم إلا من أقوالهم، فأما إذا كان إنما يرويه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صار هو ممن يجب النظر فيه كسائر من يُعد في زمن التابعين، وإذا كان ذلك كذلك، فإنه حينئذ يكون مجهول الحال، غير ثابت العدالة، وفي أنه: أوس بن أوس، أو أوس بن أبي أوس خلاف معروف

" ذكره، ثم ختم بحثه هذا بترجيح رواية هشيم وقال: "إلا أن عطاء: مجهول الحال، كما قلنا".

وذهب الطبري إلى أن هذا في وضوء من لم يحدث، إذ يجوز له المسح على الأعضاء بغير غسل كما في حديث علي المتقدم.

وإلى هذا القول ذهب أيضًا ابن خزيمة وابن حبان حيث صححا أحاديث المسح على الرجلين أو على النعلين فاحتاجا إلى التأويل، فأَوَّلاها على أنها كانت في وضوء النفل من غير حدث يوجب الوضوء، وهو وضوء من لم يحدث.

وذهب الطحاوي إلى أن أحاديث المسح على النعلين تحتمل أن يكون مسح على نعلين تحتهما جوربان، واستدل على عدم إجزاء المسح على النعلين بالنظر: حيث أنه قد أجمع الكل على أن الخفين إذا تخرقا حتى تبدو القدمان أن المسح لا يجزي عليهما، فكذلك النعلان فإنهما لا يغيبان القدمين، فيقاسا على الخفين المخرقين في عدم الإجزاء.

قال ابن حجر: "وهو استدلال صحيح، لكنه منازع في نقل الإجماع المذكور"[شرح المعاني (1/ 98)، الفتح (1/ 322)].

ومما استدل به البخاري أيضًا على عدم جواز المسح على القدمين ما رواه عن عبد الله بن عمرو قال: تخلف النبي صلى الله عليه وسلم عنا في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا

ص: 259