المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌51 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٢

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌48 - باب في التسمية على الوضوء

- ‌49 - باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها

- ‌50 - باب يحرك يده في الإناء قبل أن يغسلها

- ‌51 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا

- ‌53 - باب الوضوء مرتين

- ‌54 - باب الوضوء مرة مرة

- ‌57).***55 -باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق

- ‌56 - باب في الاستنثار

- ‌57 - باب تخليل اللحية

- ‌58 - باب المسح على العمامة

- ‌ وفي المسح على العمامة أحاديث صحيحة

- ‌59 - باب غسل الرجلين

- ‌60 - باب المسح على الخفين

- ‌61 - باب التوقيت في المسح

- ‌62 - باب المسح على الجوربين

- ‌63 - باب كيف المسح

- ‌64 - باب في الانتضاح

- ‌66).***65 -باب ما يقول الرجل إذا توضأ

- ‌باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد

- ‌66 - باب تفريق الوضوء

- ‌67 - باب إذا شك في الحدث

- ‌68 - باب الوضوء من القبلة

- ‌69 - باب الوضوء من مس الذكر

- ‌70 - باب الرخصة في ذلك

- ‌مس الذكر

- ‌71 - باب الوضوء من لحوم الإبل

- ‌72 - باب الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله

- ‌73 - باب ترك الوضوء من مس الميتة

- ‌74 - باب في ترك الوضوء مما مست النار

- ‌75 - باب التشديد في ذلك

- ‌76 - باب في الوضوء من اللبن

- ‌77 - باب الرخصة في ذلك

- ‌78 - باب الوضوء من الدم

- ‌79 - باب الوضوء من النوم

الفصل: ‌51 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

‌51 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

-

106 -

. . . الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن حُمران بن أبان مولي عثمان بن عفان، قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ، فأفرغ على يديه ثلاثًا فغسلهما، ثم تمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثًا، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثًا، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال:"من توضأ مثل وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسه: غفر الله له ما تقدم من ذنبه".

• حديث متفق عليه.

وفي رواية لمسلم: "ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات".

وفي رواية للبخاري (164): "فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات، ثم أخل يمينه في الوَضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر"، ولهما:"فأفرغ على كفيه".

أخرجه البخاري (159 و 164 و 1934)، ومسلم (226)، وأبو عوانة (1/ 201 - 203/ 652 - 656)، وأبو نعيم في مستخرجه (1/ 291 و 539/ 292 و 540)، والنسائي

(1/ 64 و 65 و 80/ 84 و 85 و 116)، والدارمي (1/ 188/ 693)، وابن خزيمة (3 و 158)، وابن حبان (3/ 340 و 343/ 1058 و 1065)، وابن الجارود (67)، وأحمد (1/ 59)، وأبو عبيد في الطهور (1 و 2 و 77 و 78 و 275 و 291 و 338)، وعبد الرزاق (1/ 44/ 139)، والبزار (2/ 79 و 80/ 429 - 431)، والطحاوي (1/ 36)، والطبراني في الأوسط (5/ 169/ 4972)، وفي الصغير (2/ 46/ 755)، والدارقطني (1/ 83)، والبيهقي في السنن (1/ 48 و 53 و 56 و 58)، وفي الخلافيات (1/ 477/ 277 و 278)، وفي الشعب (3/ 6 - 7/ 2720)، وفي بيان من أخطأ على الشافعي (123)، والبغوي في شرح الكامة (1/ 431/ 221)، وفي التفسير (2/ 16).

• قال ابن شهاب: "وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة".

• هكذا رواه عن الزهري من أصحابه الثقات ومن تابعهم: إبراهيم بن سعد، ويونس بن يزيد، ومعمر بن راشد، وشعيب بن أبي حمزة، وعقيل بن خالد، وجعفر بن برقان.

خالفهم ابن جريج، فرواه عن ابن شهاب بإسناده، إلا أنَّه قال في متنه:"ثم استنثر ثلاث مراث، ومضمض ثلاثًا"، وفي رواية:"واستنشق ثلاثًا، ومضمض ثلاثًا".

أخرجه أحمد (1/ 60)، وعبد الرزاق (1/ 45/ 140)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 412/ 419).

وقد سأل عثمانُ بن سعيد الدارمي الإمامَ يحيى بن معين عن أصحاب الزهري واحدًا

ص: 14

واحدًا حتَّى قال: "فابن جريج؟ فقال [ابن معين]: ليس بشيء في الزهري"[تاريخ الدارمي (13)][شرح علل الترمذي (2/ 676)، التهذيب (5/ 305)، وقيل: لم يسمع من الزهري، وقد صرح هنا بالتحديث فلعله تجوز في إطلاق التحديث على الإجازة].

وعلى هذا: فهي رواية شاذة بهذه الزيادة التي يُستدَل بها على جواز فصل المضمضة عن الاستنشاق بغرفتين، والله أعلم.

هكذا رواه عن ابن جريج: محمد بن بكر البرساني [صدوق يخطيء]، وعبد الرزاق بن همام [ثقة، من أثبت الناس في ابن جريج].

ثم وجدته عند أبي عبيد في الطهور (1 و 77 و 275 و 291 و 338)، ومن طريقه: البيهقي في كان من أخطأ على الشافعي (123).

من رواية ابن جريج كالجماعة: "ثم استنشق وتمضمض"، ولم يذكر عددًا، رواه عنه هكذا: حجاج بن محمد المصيصي، وهو: ثقة ثبت، من أثبت أصحاب ابن جريج.

فلعل ابن جريج اضطرب فيه، فرواه مرة هكذا، ومرة هكذا، والله أعلم.

• وشذ أيضًا بعضهم فرواه عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب به، إلا أنَّه ذكر التثليث في المضمضة والاستنشاق.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (1/ 373/ 387)، والبيهقي في السنن (1/ 49 و 68).

والمحفوظ عن ابن وهب فيه كالجماعة، كما عند مسلم وأبي عوانة والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وغيرهم، وكما رواه الليث بن سعد عن يونس به بدون ذكر التثليث عند أبي عبيد في الطهور (2 و 78).

• وقد رواه عن حمرانَ جماعةٌ غير عطاء بن يزيد، وسيأتي ذكر بعضهم.

• وانظر بعض الأوهام: في علل ابن أبي حاتم (1/ 70/ 187)، وعلل الدارقطني (3/ 20/ 261).

***

107 -

. . . الضحاك بن مخلد: حدثنا عبد الرحمن بن وَرْدان: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن: حدثني حمران قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ

، فذكر نحوه، ولم يذكر المضمضة والاستنثار [وفي نسخة: والاستنشاق، بدل: والاستنثار]، وقال فيه:"ومسح رأسه ثلاثًا، ثم غسل رجليه ثلاثًا"، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال:"من توضأ دون هذا كفاه"، ولم يذكر أمر الصلاة.

• حديث منكر

أخرجه البزار (2/ 73/ 418)، والدارقطني (1/ 91)، والبيهقي (1/ 62)، والضياء في المختارة (1/ 454/ 328).

ص: 15

قال البزار: "ولا نعلم روى أبو سلمة عن حمران إلا هذا الحديث".

قلت: وهذا منكر، ففي تفرد عبد الرحمن بن وردان به عن أبي سلمة: نكارة ظاهرة، فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن ثقة مكثر، قد روى عنه جماعات من الثقات، وعبد الرحمن بن وردان ليس بالحافظ الَّذي يعتمد على حفظه فيُحتمل تفرده، بل هو ممن يهِم ويخطئ، قال فيه أبو حاتم:"هو شيخ، ما بحديثه بأس"، وقال ابن معين:"صالح"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني:"ليس بالقوي"، وفي سؤالات البرقاني:"مدني يعتبر به"، وفي موضع آخر:"مدني صالح، يحدث عن أنس"[التهذيب (5/ 195)، الجرح والتعديل (5/ 295)، الميزان (2/ 596)، الإكمال لمغلطاي (8/ 249)، سؤالات البرقاني (272 و 576 و 577)].

قال ابن سيد الناس في النفح الشذي (1/ 341): "فلولا مخالفة عبد الرحمن الثقات في انفراده بالتثليث؛ لكان صحيحًا أو حسنًا] [وانظر: البدر المنير (2/ 171)].

وسيأتي كلام أبي داود في هذا المعنى، وكذا البيهقي، فقد ضعفا حديثه في عموم الأحاديث الدالة على تكرار مسح الرأس، وانظر: المغني لابن قدامة (1/ 88).

***

108 -

قال أبو داود: حدثنا محمد بن داود الإسكندراني: حدثنا زياد بن يونس: حدثني سعيد بن زياد المؤذن، عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي، قال: سئل ابن أبي مليكة عن الوضوء؟ فقال: رأيت عثمان بن عفان سئل عن الوضوء، فدعا بماء، فأتي بميضاة، فأصغاها على يده اليمنى، ثم أدخلها في الماء، فتمضمض ثلاثًا، واستنثر ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يده اليمنى ثلاثًا، وغسل يده اليسرى ثلاثًا، ثم أدخل يده فأخذ ماءً فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة، ثم غسل رجليه، ثم قال: أين السائلون عن الوضوء؛ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.

قال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنَّه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثًا، وقالوا فيها:"ومسح رأسه"، ولم يذكروا عددًا، كما ذكروا في غيره.

• حديث منكر

أخرجه من طريقه: البيهقي (1/ 49 و 64).

وهذا منكر أيضًا بذكر الفصل بين المضمضة والاستنشاق ثلاثًا ثلاثًا، كل على حدة، وبذكر مسح الأذنين في حديث عثمان، والحفاظ يروونه بدون هاتين الخصلتين، ولا تروى إلا من طرق ضعيفة.

ص: 16

وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات عدا: سعيد بن زياد المكتب المؤذن المدني، روى عنه اثنان وقيل ثلاثة، ذكره ابن حبان في الثقات [التهذيب (3/ 323)، التقريب (378) وقال: "مقبول" يعني: حيث يتابع، ولم يتابع عليه عن عثمان التيمي، ولا عن ابن أبي مليكة]، ومن بعده انتقل الإسناد فبعد أن كان مدنيًا صار إسكندرانيًا، فهو إسناد غريب.

• وممن زاد ذكر مسح الأذنين، أو الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث عثمان:

1 -

سعيد بن إياس الجريري، وقد اختلف عليه:

أ- فرواه خالد بن عبد الله الواسطي، عن الجريري، عن عروة بن قبيصة، عن رجل من الأنصار، عن أبيه، قال: كنت قائمًا عند عثمان بن عفان فقال: ألا أنبئكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ قلنا: بلى، فدعا بماء فغسل وجهه ثلاثًا، ومضمض واستنشق ثلاثًا، ثم غسل يديه إلى مرفقيه ثلاثًا، ثم مسح برأسه وأذنيه، وغسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. أخرجه أحمد (1/ 74).

ج - ورواه يزيد بن هارون، عن الجريري، عن عروة بن قبيصة، عن رجل من الأنصار، عن أبيه: أن عثمان قال:

فذكره، وفيه: فتمضمض ثلاثًا، واستنثر ثلاثًا

ثم قال: واعلموا أن الأذنين من الرأس، ثم قال: قد تحريت لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أحمد (1/ 60 - 61)، وابن أبي شيبة (1/ 18 و 24/ 80 و 169)، والدارقطني (1/ 104 - 105) مختصرًا.

قال الدارقطني: "رُوي عن عثمان بن عفان من قوله [يعني: الأذنان من الرأس]، وفي إسناده رجل مجهول".

ج - ورواه شداد بن سعيد [صدوق يخطيء. التقريب (432)]، عن الجريري، عن حمران، عن عثمان: أنَّه دعا بوضوء، فغسل كفيه ثلاثًا، ومضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى ثلاثًا، ويده اليسرى ثلاثًا، ومسح برأسه وأذنيه، ثم غسل القدم اليمنى ثلاثًا، وغسل اليسرى ثلاثًا، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ.

أخرجه البزار (2/ 88/ 442)، بإسناد صحيح إلى شداد.

د - ورواه إسماعيل بن علية، وعبد الوارث بن سعيد: عن الجريري، عن أبي عائذ سيف السعدي، عن يزيد بن البراء بن عازب، عن أبيه البراء به نحوه مطولًا، والشاهد منه قوله:"ثم مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 170)، وأحمد في المسند (4/ 288)، وفي العلل ومعرفة الرجال (2/ 456/ 2818)، والروياني (333)، والدولابي في الكنى (2/ 706/ 1240)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 401/ 393)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 225).

وكان الجريري قد اختلط، وإسماعيل بن علية وعبد الوارث بن سعيد ممن سمع منه قبل الاختلاط [انظر: الكواكب النيرات (24) وغيرها]، وعليه: فروايتهما هي المحفوظة، ويكون قد حدث الباقين به بعد الاختلاط فخلط فيه كما ترى، والله أعلم.

ص: 17

وعروة بن قبيصة، وسيف أبو عائذ السعدي: في عداد المجاهيل [التعجيل (442 و 734)].

2 -

ورواه أيضًا: أيوب بن سيار، عن ابن المنكدر، عن حمران: أن عثمان دعا بفخارة ماء في موضع الجنائز، فمضمض واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما مرة واحدة، وغسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم فعل هذا.

أخرجه البزار (2/ 82/ 434).

وقال: "ولا نعلم روى ابن المنكدر عن حمران عن عثمان إلا هذين الحديثين".

قلت: هو حديث باطل، أيوب بن سيار: متروك، منكر الحديث، كذبه بعضهم [الميزان (1/ 288)، اللسان (1/ 539)، الجامع في الجرح والتعديل (1/ 0 9)].

3 -

ورواه البزار (2/ 377/32)، قال: حدثنا عبد الله بن شبيب، قال: نا الوليد بن عطاء الأغر، قال: نا عبد الله بن عبد العزيز، قال: حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب، قال: توضأ عثمان فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ويده اليمنى ثلاثًا، ويده اليسرى ثلاثًا، ومسح على رأسه، وغسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا.

ثم قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن ربيعة عن سعيد عن عثمان إلا عبد الله بن عبد العزيز، ولا رواه عن عبد الله بن عبد العزيز إلا الوليد بن عطاء، ولم نسمعه إلا من عبد الله بن شبيب".

ورواه الدارقطني في الأفراد (1/ 166/ 212 - أطرافه)، وقال:"غريب من حديث ربيعة عن سعيد عنه، تفرد به الوليد بن عطاء بن الأغر، عن عبد الله بن عبد العزيز عنه عن عثمان".

قلت: هو حديث منكر، عبد الله بن عبد العزيز هو: ابن عبد الله بن عامر الليثي أبو عبد العزيز المدني: عنكر الحديث [التهذيب (4/ 0 38)، الميزان (2/ 455)]، والوليد بن عطاء: شيخ مكي، لم يوثقه معتبر [الميزان (4/ 342)، اللسان (6/ 272)، الكامل (7/ 79)]، وعبد الله بن شبيب: واهٍ، ذاهب الحديث [الميزان (2/ 438)، اللسان (3/ 370)].

4 -

ورواه سعيد بن أبي هلال، عن عطاء بن أبي رباح: أن عثمان بن عفان كامه أُتي بوَضوء

فذكر الحديث، قال: ثم مسح برأسه ثلاثًا حتَّى قفاه، وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وغسل رجليه: اليمنى ثلاثًا، ثم غسل اليسرى ثلاثًا، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ هكذا.

أخرجه البيهقي في الخلافيات (1/ 336 / 131).

قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان [شيرازي، ثقة مشهور. السير (17/ 397)]: أنبأ أحمد بن عبيد الصفار [بصري، ثقة ثبت. تاريخ بغداد (4/ 261)، السير (438/ 15)]: ثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان [بغدادي، بلخي الأصل: ثقة. سؤالات

ص: 18

الحاكم (14)، تاريخ بغداد (4/ 11)]: ثنا يحيى بن بكير: ثنا الليث، عن خالد [هو: ابن يزيد المصري]، عن سعيد به.

قال البيهقي في السنن (1/ 63): "وهو مرسل".

وقال ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 544): "وهو منقطع فيما بين عطاء بن أبي رباح وعثمان رضي الله عنه".

قلت: ورجاله ثقات؛ لكن إسناده غريب إلى عطاء، فهو مكي، ثم مصري، ثم بغدادي، ثم بصري، ثم شيرازي؛ فما أغربه!.

وإنما يعرف هذا من رواية حجاج بن أرطاة بدون هذه الزيادات:

فقد روى حماد بن زيد، وأبو معاوية، وعباد بن العوام، وغيرهم:

عن الحجاج، عن عطاء، عن عثمان، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه، وغسل رجليه غَسلًا. لفظ حماد.

أخرجه ابن ماجة (435)، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند (1/ 66 و 72)، وابن أبي شيبة (1/ 17 و 22/ 65 و 133).

وهذا أولى، وإسناده ضعيف؛ لانقطاعه بين عطاء بن أبي رباح وعثمان [انظر: تحفة التحصيل (228)]، وحجاج بن أرطاة: ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمتروكين، وقد سمع من عطاء.

واختلف فيه على عطاء، انظر: التاريخ الكبير (6/ 456)، مسند أحمد (2/ 348)، سؤالات الآجري (478)، علل ابن أبي حاتم (1/ 63/ 164)، علل الدارقطني (3/ 28/ 263).

• ورواه أيضًا بالفصل بين المضمضة والاستنشاق ثلاثًا ثلاثًا:

5 -

عطاف بن خالد المخزومي، عن طلحة مولى آل سراقة، عن معاوية بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، قال: رأيت عثمان بن عفان صلى الله عليه وسلم توضأ، فتمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه واحدة، وغسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.

وفي رواية: عن طلحة مولى آل سراقة، قال: رأيت معاوية بن عبد الله بن جعفر يتوضأ، فمضمض واستنشق، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه ثلاثًا، ومسح برأسه، وغسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: هكذا رأيت عبد الله بن جعفر يتوضأ، وقال عبد الله بن جعفر: هكذا رأيت عثمان بن عفان يتوضأ، وقال عثمان: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 350)، والطبراني في الصغير (1/ 312/ 515)، وفي الأوسط (8/ 235/ 8499)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (631)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (45/ 60).

قال الطبراني في الصغير: "لم يروه عن عبد الله إلا ابنه، ولا عنه إلا طلحة، تفرد به عطاف".

ص: 19

وقال في الأوسط: "لم يرو هذا الحديث عن معاوية بن عبد الله بن جعفر إلا طلحة مولى آل سراقة، تفرد به عطاف بن خالد".

وهدا أيضًا ضعيف؛ عطاف بن خالد: صالح الحديث [التهذيب (5/ 587)، الميزان (3/ 69)]، وطلحة مولى آل سراقة: مجهول؛ لم يُذكر له راوٍ سوى عطاف بن خالد [التاريخ الكبير (4/ 0 35)، الثقات (6/ 488)]، ومعاوية بن عبد الله: روى عنه جماعة، ووثقه العجلي، وذكره ابن حبان في ثقاته [التهذيب (8/ 247)].

• ثم وجدت إسحاق بن يحيى بن طلحة [ضعفوه، ولم يترك، قال أحمد وعمرو بن علي الفلاس والنسائي: "متروك"، وقواه بعضهم فقال البخاري: "يتكلمون في حفظه، يكتب حديثه"، وقال مرة أخرى: "يهم في الشيء بعد الشيء إلا أنَّه صدوق". انظر: التهذيب (1/ 270)، الميزان (1/ 204)، التقريب (133) وقال: "ضعيف"]، رواه عن معاوية بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن عثمان: أنَّه توضأ فغسل يديه ثلاثًا ثلاثًا، كل واحدة منهما، واستنثر ثلاثًا، ومضمض ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه ثلاثًا، وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، كل واحدة منهما، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ هكذا.

أخرجه البزار (2/ 11 / 349)، والطحاوي (1/ 29)، والدارقطني (1/ 91)، والبيهقي في السنن (1/ 63)، وفي الخلافيات (1/ 310 / 119).

قال الدارقطني بعده: "إسحاق بن يحيى: ضعيف".

وضعفه البيهقي في عموم الأحاديث الدالة على تكرار مسح الرأس فقال: "وقد رُوي من أوجه غريبة عن عثمان رضي الله عنه ذكر التكرار في مسح الرأس؛ إلا أنها مع خلاف الحفاظ الثقات ليست بحجة عند أهل المعرفة، وإن كان بعض أصحابنا يحتج بها"(1/ 62)، لكنه خالف نفسه فاحتج بها في الخلافيات.

***

109 -

. . . عبيد الله بن أبي زياد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبي علقمة: أن عثمان دعا بماء فتوضأ، فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى، ثم غسلهما إلى الكوعين، قال: ثم مضمض واستنشق ثلاثًا، وذكر الوضوء ثلاثًا، قال: ومسح برأسه، ثم غسل رجليه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل ما رأيتموني توضأت، ثم ساق نحو حديث الزهري وأتم.

• شاذ بتثليث المضمضة والاستنشاق وبالفصل بينهما.

أخرجه البزار (2/ 89/ 443)، والطحاوي في المشكل (10/ 78/ 3931 و 3932)، والبيهقي (1/ 47).

ص: 20

لفظ البزار: أنَّه دعا بوَضوء، وعنده ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى وغسلهما ثلاثًا، ومضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح برأسه، وغسل رجليه فأنقاهما، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل هذا الوضوء، وقال: توضأ كما رأيتموني توضأت، ثم قال:"من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى ركعتين: كان من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

وهذا إسناد صالح في المتابعات، رجاله ثقات؛ عدا القداح عبيد الله بن أبي زياد، فإنه: ليس بالقوي [التقريب (638)].

ومتنه شاذ بالفصل بين المضمضة والاستنشاق ثلاثًا ثلاثًا.

***

110 -

. . . إسرائيل، عن عامر بن شقيق بن جمرة، عن شقيق بن سلمة، قال: رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه ثلاثًا، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا.

قال أبو داود [بعد أن رواه من طريق يحيى بن آدم عن إسرائيل]: رواه وكيع عن إسرائيل قال: توضأ ثلاثًا قط [وفي نسخة: فقط].

• حديث منكر

أخرجه الترمذي في الجامع (31)، وفي العلل الكبير (19) مختصرًا، وأبو علي الطوسي في مستخرجه على جامع الترمذي "مختصر الأحكام"(28)، وابن ماجة (430) مختصرًا. والدارمي (1/ 191 و 193/ 704 و 708) مفرقًا مختصرًا. وابن خزيمة (1/ 78 و 79 و 86/ 151 و 152 و 167)، وابن حبان (3/ 362/ 1081) مختصرًا. والحاكم (1/ 149)، وابن الجارود (72)، والضياء في المختارة (1/ 469 - 471/ 343 - 346)، وأحمد (1/ 57) مختصرًا. وعبد الرزاق (1/ 41/ 125)، وابن أبي شيبة (1/ 17/ 63) و (1/ 20/ 113) و (7/ 318/ 36459) مختصرًا. وعبد بن حميد (62)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1409)، والبزار (2/ 49/ 393)، وأبو يعلى (2/ 298/ 93 - مطالب)، وابن المنذر (1/ 385/ 370)، الطحاوي (1/ 32)، والدارقطني (1/ 86 و 91)، والبيهقي في السنن (1/ 54 و 63)، وفي الخلافيات (1/ 306 و 310/ 117 و 118)، وفي المعرفة (1/ 176/ 89).

رواه عن إسرائيل: عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وأبو عامر العقدي، وعبد الرزاق بن همام، وأبو غسان مالك بن إسماعيل، وخلف بن الوليد، وعبيد الله بن موسى، وأبو أحمد الزبيري، وابن نمير، ويحيى بن آدم، وأسد بن موسى، وابن أبي زائدة، ومصعب بن المقدام

ص: 21

يزيد بعضهم على بعض في ألفاظ الحديث، وعند بعضهم ما ليس عند الآخر.

ولفظ عبد الرحمن بن مهدي: رأيت عثمان بن عفان توضأ فغسل كفيه ثلاثًا، ومضمض واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وخلل لحيته ثلاثًا، وغسل قدميه، وخلل أصابع قدميه ثلاثًا، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت. [عند ابن خزيمة (152)، ابن الجارود. المختارة (344)، الدارقطني (1/ 86)].

يقاربه فيه:

أبو غسان [عند الدارمي. ابن الجارود. الدارقطني. البيهقي (1/ 63)].

وأبو أحمد الزبيري، وفيه:"وتمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا"[عند الضياء في المختارة (343)].

ولفظ يحيى بن آدم: رأيت عثمان توضأ، فمضمض واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وخلل لحيته ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه ثلاثًا، وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا [عند أبي داود (110)، الدارقطني (1/ 91)].

• وممن رواه قدم فيه وأخر، أو زاد ونقص:

عبد الرزاق بخلف عنه [عند الترمذي (31)، ابن ماجة (430)، الحاكم. البيهقي (1/ 54)، ابن المنذر. عبد الرزاق. الضياء (345 و 346)].

أبو عامر العقدي [عند ابن خزيمة (167)].

خلف بن الوليد [عند ابن خزيمة (151)].

وكيع [عند أحمد. ابن أبي شيبة. البزار].

مصعب بن المقدام، وابن نمير [عند ابن حبان. ابن أبي شيبة. عبد بن حميد. الدارقطني (1/ 86)].

ولفظ الأخيرين، وبنحوه وكيع [عند البزار]: رأيت عثمان بن عفان يتوضأ فغسل يديه ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ومضمض ثلاثًا، واممتنشق ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، ثم غسل قدميه ثلاثًا، ثم خلل أصابعه، وخلل لحيته ثلاثًا حين غسل وجهه، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كالذي رأيتموني فعلت.

انظر: سنن الدارقطني (1/ 86)، وعلله (3/ 34/ 269).

ومما قال في العلل: "وتقديم ابن نمير لغسل الوجه على المضمضة والاستنشاق فيه: وهم منه على إسرائيل لمخالفة الأثبات عن إسرائيل".

قلت: لم ينفرد ابن نمير بذلك، وقد أشرت إلى من قدم وأخر في هذا الحديث آنفًا.

قال ابن أبي خيثمة: "سئل يحيى بن معين عن حديث: إسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل، عن عثمان: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا؟ فقال: ضعيف".

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن عثمان إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".

ص: 22

وسبق نقل كلام أبي داود والبيهقي في السنن في استغرابه.

وقال البيهقي في المعرفة: "وإنما اعتمد الشافعي رحمه الله في التكرار على جملة حديث حمران عن عثمان، والروإيات الثابتات عند صاحبي الصحيح عن حمران: تدل على أن التكرار وقع فيما عدا الرأس من الأعضاء، وأنه مسح برأسه مرة واحدة، وقد روي من أوجه غريبة ذو التكرار في مسح الرأس في حديث عثمان وعلي".

لكن البيهقي خالف نفسه بعد ذلك، فاحتج به في الخلافيات (1/ 309)، وقال:"وهو إسناد حسن؛ قد احتجا بجميع رواته غير عامر بن شقيق فقد سمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: لا أعلم في عامر طعنًا بوجه من الوجوه"، قلت: هو في ذلك يحاكي قول شيخه في المستدرك.

وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح. وقال محمد بن إسماعيل: أصح شيء في هذا الباب: حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان"، يعني: في تخليل اللحية، كذا قال في الجامع.

وقال في العلل: "قال محمد: أصح شيء عندي في التخليل: حديث عثمان، قلت: إنهم يتكلمون في هذا الحديث؟ فقال: هو حسن".

ولعل الترمذي مال إلى تصحيحه - مع كونه حديثًا منكرًا غريبًا - لأجل كلام البخاري هذا، وإن كان يحمل في طياته معنى الإنكار له، والله أعلم.

وقد صححه أيضًا: ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود والضياء.

وقال ابن المنذر في الأوسط (1/ 385): "والأخبار التي رُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه خلل لحيته قد تكلم في أسانيدها، وأحسنها حديث عثمان".

وقال الحاكم: "وقد اتفق الشيخان على إخراج طرق لحديث عثمان في دبر وضوئه، ولم يذكرا في رواياتهما تخليل اللحية ثلاثًا، وهذا إسناد صحيح، قد احتجا بجميع رواته غير عامر بن شقيق، ولا أعلم في عامر بن شقيق طعنًا بوجه من الوجوه".

وتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: "ضعفه ابن معين".

قلت: قال أبو داود لأحمد: "تخليل اللحية؟ قال: يخللها، قد رُوي فيه أحاديث، ليس يثبت فيه حديث -يعني: عن النبي صلى الله عليه وسلم"[مسائل أبي داود لأحمد (40)].

وقول أبي داود في مسائله (1965) بعد ذلك: "سمعت أحمد غير مرة يقول: أحسن شيء فيه -يعني: في اللحية- حديث شقيق عن عثمان -يعني: عن النبي صلى الله عليه وسلم":

مما يؤيد ما ذهبنا إليه من أن قول البخاري: "أصح شيء فيه حديث عثمان"، ثم قوله:"هو حسن": لا يعني: تصحيحه للحديث، فهذا الإمام أحمد قبله يقول هذا القول، ثم هو يضعف كل ما جاء في تخليل اللحية حتَّى حديث عثمان هذا بقوله:"ليس يثبت فيه حديث".

وقال أبو حاتم: "لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية حديث"[العلل (1/ 45)].

ص: 23

وقال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 120): "رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه خلل لحيته في وضوئه من وجوه كلها ضعيفة".

والحق مع الأئمة الذين ضعفوه، فإن هذا الحديث منكر، زاد فيه عامر بن شقيق بن جمرة زيادات لا يرويها الثقات: مثل الفصل بين المضمضة والاستنشاق، ومسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، وتثليث المسح، وتخليل اللحية، وتخليل أصابع القدمين، وهذا كلُّه لا يرويه الثقات من حديث عثمان.

وفي تفرد عامر بن شقيق بهذا عن أبي وائل دون أصحابه الثقات: نكارة ظاهرة، فكيف وقد خولف فيه.

وعامر هذا مختلف فيه: قال النسائي: "ليس به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات، فلعلهما نظرا إلى عموم متابعته للثقات دون موضع المخالفة الَّذي يقدح في حفظه وضبطه، وهذا الَّذي نظر إليه ابن معين وأبو حاتم، قال ابن معين:(ضعيف الحديث)، وقال أبو حاتم:"ليس بقوي، وليس من أبي وائل بسبيل"؛ فلا يقبل من مثله تفرده عن أبي وائل بمثل هذا، وفي سؤالات المروذي أن أبا عبد الله أحمد بن حنبل ذكر عامرًا هذا فتكلم فيه بشيء، وقال ابن حزم:"ضعيف"، وفي موضع آخر:"ليس مشهورًا بقوة النقل"[الجرح والتعديل (6/ 322)، سؤالات المروذي (99)، المحلى (2/ 36) و (5/ 125)، التهذيب (4/ 159)، الميزان (2/ 359)، التقريب (476) وقال: [لين الحديث"].

• فهو حديث منكر؛ لتفرد عامر بن شقيق برواية هذا الحديث بهذه الألفاظ عن أبي وائل شقيق بن سلمة.

فكيف وقد خالف فيه الثقات عن أبي وائل؛ فهو عندئذ ليس من أبي وائل بسبيل!

أ - فقد رواه عبدة بن أبي لبابة الأسدي الكوفي [وهو ثقة]، عن شقيق بن سلمة، قال: رأيت عثمان وعليًّا يتوضَّآن ثلاثًا ثلاثًا، ويقولان: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه ابن ماجة (413)، وأبو الحسن القطان في زياداته على السنن (413 م)، والضياء في المختارة (1/ 472/ 347)، عن عثمان وحده. و (2/ 119/ 492)، والطيالسي (81 و 171)، وأبو عبيد في الطهور (79)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1410)، والبزار (2/ 51/ 394)، وأبو يعلى (1/ 432/ 572)، عن علي وحده. والطحاوي في شرح المعاني (1/ 29)، وفي أحكام القرآن (20)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (3442 و 3443)، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 106 و 107/ 160 و 161)، وابن عدي في الكامل (4/ 282).

وفي رواية لابن الجعد وغيره: "وأفردا المضمضة من الاستنشاق".

قال النووي في المجموع (1/ 494): "رواه ابن ماجة بإسناد صحيح".

ب- ورواه أبو عمرو الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، قال: حدثني شقيق بن سلمة، قال: حدثني حمران مولى

ص: 24

عثمان بن عفان، قال: رأيت عثمان بن عفان قاعدًا في المقاعد، فدعا بوضوء فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقعدي هذا توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال:"من توضأ مثل وضوئي هذا غفر له ما تقدم من ذنبه]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا تغتروا".

أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 144/ 175)، وابن ماجة (285)، وابن حبان (2/ 75/ 365)، وأحمد (1/ 66)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1411)، والطحاوي في المشكل (1/ 325/ 309 - ترتيبه)، والبيهقي في الشعب (8/ 3/ 2723).

وقد اختلف فيه على يحيى بن أبي كثير، وهذا الوجه ليس بمحفوظ عنه، ومن ثم ليس محفوظًا من حديث شقيق بن سلمة من هذا الوجه.

قال أبو حاتم: "هذا خطأ؛ إنما هو: محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن حمران، وليس لأبي وائل معنى، هذا الغلط من الوليد فيما أرى"[العلل (1/ 157 444)]، قلت: يعني: الوليد بن مسلم راويه عن الأوزاعي عن يحيى، ولم ينفرد به عن الأوزاعي، بل تابعه عليه جماعة من أصحاب الأوزاعي، منهم: أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج [وهو: ثقة]، ومن ثم فالوهم فيه عندي من الأوزاعي نفسه، فقد كان لا يقيم حديث يحيى بن أبي كثير، ولم يكن عنده في كتاب، إنما كان يحدث به من حفظه، فيهم فيه [شرح علل الترمذي (2/ 677)]، والطريق الَّذي رجحه أبو حاتم: وصله ابن ماجة (285 م): من طريق عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين: حدثنا الأوزاعي به، وابن أبي العشرين: صدوق، وكان يخالف في حديثه.

ولذلك فقد اختار البخاري وجهًا آخر، فأخرجه في صحيحه (6433)، وهو ما رواه شيبان بن عبد الرحمن النحوي [ثقة، من أصحاب يحيى]، عن يحيى، عن محمد بن إبراهيم القرشي: أخبرني معاذ بن عبد الرحمن: أن ابن أبان أخبره، قال: أتيت عثمان بن عفان بطَهور، وهو جالس على المقاعد، فتوضأ فاحسن الوضوء، ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وهو في هذا المجلس فأحسن الوضوء، ثم قال:"من توضأ مثل هذا الوضوء، ثم أتى المسجد فركع ركعتين، ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه"، قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تغتروا".

وأخرجه من هذا الوجه أيضًا: النسائي في الكبرى (1/ 143/ 174)، وأحمد (1/ 64)، والبزار (2/ 84/ 436)، والطحاوي في المشكل (1/ 324/ 308 - ترتيبه).

وقد رواه مسلم في صحيحه (13/ 232)، والنسائي (2/ 111/ 856)، وابن خزيمة (2/ 373/ 1489)، وأحمد (1/ 67 و 71)، والبزار (2/ 85/ 437)، والبيهقي (1/ 82)، من وجه آخر:

من طريق عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، ونافع بن جبير بن مطعم، عن معاذ بن عبد الرحمن به نحو حديث شيبان، مما يدل على كونه محفوظًا من هذا الوجه، وأن شيبان قد حفظه عن يحيى، وأن من رواه على غير هذا الوجه فقد وهم، والله أعلم.

ورجح الطحاوي في المشكل رواية شيبان على رواية الأوزاعي، فقال: "وكان ما

ص: 25

روى شيبان هذا الحديث عليه: أشبه عندنا مما رواه الأوزاعي عليه؛ لأنَّ الأوزاعي ذكر في إسناده شقيق بن سلمة، وشقيق لا نعلمه ممن حدث عنه محمد بن إبراهيم ولا ممن لقيه".

وذكر الاختلاف فيه الدارقطني في العلل (3/ 25 - 26)، ولم يقض فيه بشيء، وانظر: الطهور لأبي عبيد (3)، الفتح لابن حجر (11/ 250).

• فإن قيل: قد رواه ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي، عن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، قال: رأيت عثمان بن عفان دعا بوَضوء وهو على باب المسجد، فغسل يديه، ثم مضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، وأمرَّ بيديه على ظاهر أذنيه، ثم مر بهما على لحيته، ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم قام فركع ركعتين، ثم قال: توضأت لكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم ركعت ركعتين كما رأيته ركع، قال: ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من ركعتيه: "من توضأ كما توضأت، ثم ركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه: غفر له ما كان بينهما وبين صلاته بالأمس].

أخرجه أحمد (1/ 68)، والدارقطني (1/ 83).

فيقال: قد أصاب ابن إسحاق في إسناده، وفي متنه إلى قوله:"ثم مسح برأسه"، وزاد بعد ذلك زيادات شاذة من حديث عثمان، مثل: مسح الأذنين واللحية، وغير ذلك من المرفوع، وإن كان في تفرده عن محمد بن إبراهيم التيمي بهذا السياق: نظر، فقد رواه يحيى بن أبي كثير [الثقة الثَّبت] عن التيمي بدون صفة الوضوء، وبلفظ آخر في فضل الركعتين [كما تقدم عند البخاري]، ورواه عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، ونافع بن جبير بن مطعم [وهما: ثقتان مدنيان]، عن معاذ بن عبد الرحمن به بدون صفة الوضوء [كما عند مسلم]، وعليه: فهو شاذ بهذا اللفظ والسياق.

• والحاصل أن حديث عامر بن شقيق هذا: حديث منكر، والله أعلم.

• فإن قيل: له طريق أخرى عن عثمان:

يرويها محمد بن معاوية النيسابوري، قال: نا شعيب بن رزيق، عن عطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيب، قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ فخلل لحيته، ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ فخلل لحيته.

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 226/ 6253)، وفي مسند الشاميين (3/ 322/ 2402)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 206).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عطاء الخراساني إلا شعيب بن رزيق".

وقال أبو نعيم: "غريب من حديث عطاء، تفرد به شعيب".

قلث: عطاء بن أبي مسلم الخراساني: صدوق يهم كثيرًا يرسل ويدلس [كذا قال في التقريب (679)]، وعطاء: خراساني نزل الشام، ففي تفرده بهذا عن سعيد بن المسيب المدني الإمام: نظر.

ص: 26

وشعيب بن رزيق: صدوق يخطئ [التقريب (437)]، قال ابن حبان:"يعتبر حديثه من غير روايته عن عطاء الخراساني"[الثقات (8/ 308)].

وظاهر كلام الطبراني وأبي نعيم أن محمد بن معاوية النيسابوري لم ينفرد بهذا الحديث، لكني لم أجد له متابعًا، فإن كان منفردًا به: فلا يصح الإسناد إذًا إلى عطاء وشعيب، وتكون التبعة فيه على النيسابوري هذا؛ فإنه متروك، كان يتلقن، كذبه ابن معين والدارقطني وغيرهما [التهذيب (7/ 435)]، وإن لم ينفرد به، فكفى بتفرد شعيب بن رزيق به عن عطاء، فإنه لا يعتبر بحديثه عنه، وعليه: فإن هذا الطريق أشد وهما، من سابقه، والله أعلم.

• ومما روي بتليث المسح أيضًا:

أ - صفوان بن عيسى: ثنا محمد بن عبد الله بن أبي مريم؛ قال: دخلت على ابن دارة - مولى عثمان - منزله فسمعني أتمضمض، فقال: يا محمد! قلت: لبيك، قال: ألا أخبرك عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: رأيت عثمان بن عفان وهو بالمقاعد فدعا بإناء فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه ثلاثًا، وغسل قدميه، ثم قال: من أحب أن ينظر إلى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى وضوئي هذا.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 393)، وأحمد (1/ 61)، والبزار (2/ 66/ 409)، والطحاوي (1/ 36)، والدارقطني (1/ 91 - 92)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1635/ 4014)، والبيهقي في السنن (1/ 62 - 63)، وفي الخلافيات (1/ 332/ 128)، والضياء في المختارة (1/ 492 - 493/ 364)، وابن الجوزي في التحقيق (136).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن ابن دارة إلا محمد بن عبد الله بن أبي مريم".

قلت: لم يكن به بأس، كذا قال يحيى القطان، وقال أبو حاتم:"شيخ مديني، صالح الحديث"، وروى عنه مالك ويحيى القطان [الجرح (7/ 306)، الثقات (7/ 419)]، وقد سبق له معنا حديث في السواك وخصال الفطرة تحت الحديث رقم (54).

لكن ابن دارة هذا، وهو زيد بن دارة: في عداد المجاهيل؛ لم يرو عنه سوى ابن أبي مريم، ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (3/ 393)، وذكر له هذا الحديث في ترجمته، وكأنه لا يعرف إلا به. الجرح والتعديل (3/ 563)، الثقات (4/ 247)]؛ فهو علة هذا الحديث، وانظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم (4013).

ب - محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن عثمان بن عفان: أنَّه توضأ بالمقاعد - والمقاعد بالمدينة حيث يصلى على الجنائز عند المسجد -، فغسل كفيه ثلاثًا ثلاثًا، ومضمض ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا، ومسح برأسه ثلاثًا، وغسل قدميه ثلاثًا، وسلَّم عليه رجل وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتَّى فرغ، فلما فرغ كلَّمه معتذرًا إليه، وقال: لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من

ص: 27

توضأ هكذا ولم يتكلم، ثم قال: أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، غفر له ما بين الوضوءين".

أخرجه أبو يعلى (2/ 279/ 87 - مطالب)، والطبراني في الدعاء (387)، والدارقطني (1/ 92)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (1/ 329/ 125).

ثم رواه الدارقطني (1/ 93)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (1/ 330/ 126): من نفس الطريق فجعله ابن البيلماني من مسند ابن عمر بدل عثمان، ومن قوله بدل فعله.

وهدا حديث منكر، محمد وأبوه: ضعيفان، لكن أبوه أمثل منه، فإن محمدًا هذا: منكر الحديث، قال ابن حبان:"روى عن أبيه نسخة موضوعة"، ورواية أبيه عن ابن عمر: مرسلة، قال صالح جزرة:"حديثه منكر، ولا يعرف أنَّه سمع من أحد من الصحابة إلا من سُرَّق"، وقال الأزدي:"منكر الحديث، يروي عن ابن عمر بواطيل"[التقريب (572 و 869)، التهذيب (2/ 494) و (3/ 623)، المغني (1/ 596) و (2/ 334)، الميزان (2/ 551) و (3/ 617)].

• وبعد هذا العرض السريع لبعض طرق حديث عثمان صلى الله عليه وسلم فإنني لم أرد أن أستوعب كل طرق هذا الحديث، ولم أتعرض لطرق الحديث في ثواب الوضوء، أو الركعتين بعده، وإنما أردت كان ضعف هذه الزيادات في صفة الوضوء التي أتت من طرق ضعيفة لم يأت بها الثقات، لا سيما تثليث المسح والتخليل للحية وأصابع القدمين والتفريق بين المضمضة والاستنشاق وغير ذلك.

• ومما استدل به القائلون بتكرار مسح الرأس ثلاثًا:

حديث عروة بن الزبير، عن حمران مولى عثمان بن عفان، عن عثمان: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا.

وفي رواية الصحيحين لم يذكر التثليث وزاد: والله لأحدثنكم حديثًا لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء، فيصلي صلاة إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلاة التي تليها.

أخرجه البخاري (160)، ومسلم (227)، وأبو عوانة (1/ 192 و 193/ 608 - 611)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1/ 293/ 541 و 542)، والنسائي (1/ 91/ 146)، وابن خزيمة (2)، وابن حبان (3/ 316/ 1541)، ومالك (1/ 35/ 59)، والشافعي في الأُم (1/ 32)، وفي اختلاف الحديث (67)، وفي المسند (16)، وأحمد (1/ 57 و 68)، والطيالسي (76)، وعبد الرزاق (1/ 45/ 141)، والحميدي (35)، وأبو خيثمة في كتاب العلم (122)، وابن أبي شيبة (2/ 159/ 7645)، وعبد بن حميد (65)، والبزار (2/ 76 - 78/ 423 - 426)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2)، والبيهقي في السنن (1/ 62)، وفي المعرفة (1/ 171 و 174/ 81 و 86)، وفي كان من أخطأ على الشافعي (118 و 125)، وفي الشعب (3/ 11 و 12/ 2729 و 2730)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 212)، وفي

ص: 28

الاستذكار (1/ 196)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 324/ 152)، وفي التفسير (2/ 17 - 18).

وانظر: علل ابن أبي حاتم (2/ 183/ 2044).

قال البيهقي بعد هذا الحديث: "على هذا اعتمد الشافعي في تكرار المسح، وهذه رواية مطلقة، والروايات الثابتة المفسرة عن حمران تدل على أن التكرار وقع فيما عدا الرأس من الأعضاء، وأنه مسح برأسه مرة واحدة "، ثم أسند إلى أبي داود قوله:"أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنَّه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثًا، وقالوا فيها: "ومسح برأسه"، ولم يذكروا عددًا، كما ذكروا في غيره"، ثم قال البيهقي:"وقد روي من أوجه غريبة عن عثمان رضي الله عنه ذكر التكرار في مسح الرأس؛ إلا أنها مع خلاف الحفاظ الثقات ليست بحجة عند أهل المعرفة، وإن كان بعض أصحابنا يحتج بها".

قال الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 49) متعقبًا ابن الجوزي على ما أورده من روايات من حديث عثمان وعلي والتي فيها ذكر تثليث المسح، قال الذهبي:"الكل لا يصح".

***

111 -

. . . أبو عوانة، عن خالد بن علقمة، عن عبدِ خيرٍ، قال: أتانا عليٌّ رضي الله عنه وقد صلى، فدعا بطَهور، فقلنا: ما يصنع بالطَّهور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليعلمنا، فأُتي بإناءٍ فيه ماءٌ وطست، فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثًا، ثم تمضمض واستنثر ثلاثًا، فمضمض ونثر من الكف الَّذي يأخذ فيه، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يده اليمنى ثلاثًا، وغسل يده الشمال ثلاثًا، ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثًا، ورجله الشمال ثلاثًا، ثم قال: من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فهو هذا.

• حديث صحيح

في رواية النسائي: "من الكف الَّذي يأخذ به الماء".

أخرجه النسائي (1/ 68/ 92)، وأحمد (1/ 154)، وابنه في زيادات المسند (1/ 141)، والبزار (3/ 41/ 792)، والحسن بن سفيان في الأربعين (15)، والآجري في الأربعين (15)، والبيهقي (1/ 50 و 68)، والخطيب في الموضح (2/ 59)، والبغوي في شرح السنَّة (1/ 315/ 222)، والجوزقاني في الأباطيل (326).

قال البغوي: "هذا حديث حسن".

وقال الجوزقاني: "هذا حديث صحيح".

قلت: هو حديث صحيح، رجاله ثقات سمع بعضهم من بعض، صححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، والضياء، واحتج به النسائي، وأبو داود.

***

ص: 29

112 -

. . . زائدة: حدثنا خالد بن علقمة الهمداني، عن عبد خير، قال: صلى عليٌّ الغداة ثم دخل الرحبة فدعا بماء، فأتاه الغلام بإناءٍ فيه ماءٌ وطستٍ، قال: فأخذ الإناء بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى، وغسل كفيه ثلاثًا، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا،

، ثم ساق قريبًا من حديث أبي عوانة، قال: ثم مسح رأسه مُقدَّمه ومُؤخَّره مرة، ثم ساق الحديث نحوه.

• حديث صحيح

هذه رواية الحسين بن علي الجعفي، وهو ثقة، وسياق عبد الرحمن بن مهدي الإمام أتم من هذا، قال الإمام أحمد (1/ 135): حدثنا عبد الرحمن: حدثنا زائدة بن قدامة، عن خالد بن علقمة: حدثنا عبد خير، قال: جلس عليٌّ بعد ما صلى الفجر في الرحبة، ثم قال لغلامه: ائتني بطَهور، فاتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست، قال عبد خير: ونحن جلوس ننظر إليه، فأخذ بيمينه الإناء فأكفاه على يده اليسرى، ثم غسل كفيه، ثم أخذ بيده اليمنى الإناء، فأفرغ على يده اليسرى، ثم غسل كفيه، فعله ثلاث مرار، قال عبد خير: كل ذلك لا يدخل يده في الإناء حتَّى يغسلها ثلاث مرات، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء، فمضمض واستنشق، ونثر بيده اليسرى، فعل ذلك ثلاث مرات، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فغسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم غسل يده اليسرى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء حتَّى غمرها الماء ثم رفعها بما حملت من الماء ثم مسحها بيده اليسرى، ثم مسح رأسه بيديه كلتيهما مرة، ثم صب بيده اليمنى ثلاث مرات على قدمه اليمنى، ثم غسلها بيده اليسرى، ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليسرى، ثم غسلها بيده اليسرى ثلاث مرات، ثم أدخل يده اليمنى فغرف بكفه فشرب، ثم قال: هذا طُهور نبي الله صلى الله عليه وسلم، فمن أحب أن ينظر إلى طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم، فهذا طهوره.

أخرجه النسائي (1/ 67/ 91)، والدارمي (1/ 190/ 701)، وابن خزيمة (1/ 76/ 147)، وابن حبان (3/ 337 و 361/ 1005 و 1079)، وابن الجارود (68)، والضياء في المختارة (2/ 280 و 283/ 659 و 661)، وأحمد (1/ 135)، وأبو عبيد في الطهور (75 و 127 و 276 و 290 و 335 و 347)، وأبو بكر الأثرم في السنن (36)، والبزار (3/ 39/ 791)، وأبو يعلى (1/ 246/ 286)، وابن المنذر (1/ 375 و 377 و 391 و 397/ 352 و 360 و 378 و 389)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 29 و 35)، وفي أحكام القرآن (18)، والدارقطني (1/ 95 و 105)، والبيهقي (1/ 47 و 48 و 58 و 59 و 74).

قال البزار: "وهذا الحديث قد رواه غير واحد عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي، ولا نعلم أحدًا أحسن له سياقًا ولا أتم كلامًا من زائدة"، وكان قال قبل ذلك بثبوته عن علي.

***

ص: 30

113 -

. . . شعبة قال: سمعت مالك بن عرفطة، قال: سمعت عبد خير، قال: رأيت عليًّا أتي بكرسي فقعد عليه، ثم أُتي بكُوز من ماء، فغسل يديه ثلاثًا، ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد

وذكر هذا الحديث.

• حديث صحيح، ووهم شعبة في قوله: مالك بن عرفطة، إنما هو: خالد بن علقمة.

تمام هذه الرواية من رواية عبد الله بن المبارك: عن علي: أنَّه أتى بكرسي فقعد عليه، ثم دعا بتور فيه ماء، فكفأ على يديه ثلاثًا، ثم مضمض واستنشق بكف واحد ثلاث مرات، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، وأخذ من الماء فمسح برأسه - وأشار شعبة مرة من ناصيته إلى مؤخر رأسه ثم قال: لا أدرى أردها أم لا؟ -، وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: من سره أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا طهوره.

أخرجه النسائي (1/ 68 و 93/ 69 و 94)، والضياء في المختارة (2/ 281/ 660)، وأحمد (1/ 122 و 139)، والطيالسي (142)، وأبو الحسن الطوسي في الأربعين (4)، والبزار (3/ 41 - 42/ 793)، وأبو يعلى (1/ 407/ 535)، والطحاوي (1/ 35)، والبيهقي (1/ 51)، والخطيب في الموضح (2/ 60)، وفي المدرج (1/ 557 - 559).

قال أبو داود [في رواية ابن الأعرابي]: "أخطأ فيه شعبة، وإنما هو خالد بن علقمة"[سنن أبي داود (1/ 201) تحقيق محمد عوامة].

وقال أيضًا [في رواية أبي الحسن بن العبد]: "مالك بن عرفطة إنما هو خالد بن علقمة، أخطأ فيه شعبة.

قال أبو داود: قال أبو عوانة يومًا: حدثنا مالك بن عرفطة عن عبد خير، فقال له عمرو الأعصف: رحمك الله يا أبا عوانة! هذا خالد بن علقمة، ولكن شعبة مخطئ فيه، فقال أبو عوانة: هو في كتابي: خالد بن علقمة، ولكن قال في شعبة: هو مالك بن عرفطة.

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا أبو عوانة، عن مالك بن عرفطة، قال أبو داود: وسماعه قديم.

قال أبو داود: حدثنا أبو كامل، قال: حدثنا أبو عوانة، عن خالد بن علقمة، وسماعه متأخر، كان بعد ذلك رجع إلى الصواب" [تحفة الأشراف (7/ 417)].

وقال النسائي: "هذا خطأ؛ والصواب: خالد بن علقمة، ليس مالك بن عرفطة".

وقال الترمذي بعد الحديث رقم (49): "وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد، عن خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي: حديث الوضوء بطوله، وهذا حديث حسن صحيح.

قال: وروى شعبة هذا الحديث عن خالد بن علقمة؛ فأخطأ في اسمه واسم أبيه، فقال: مالك بن عرفطة عن عبد خير عن علي.

قال: وروي عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي، قال: وروي

ص: 31

عنه عن مالك بن عرفطة: مثل رواية شعبة. والصحيح: خالد بن علقمة"، ونقله الطوسي في مستخرجه (40).

وقال الإمام أحمد في المسند (6/ 244): "إنما هو خالد بن علقمة الهمداني؛ وهم شعبة"[وانظر: سؤالات ابن هانيء (2373)، الكامل لابن عدي (3/ 307)، معرفة علوم الحديث (149)].

وقال في العلل ومعرفة الرجال (1/ 515 - 516/ 1210): "أخطأ شعبة في اسم خالد بن علقمة، فقال: مالك بن عرفطة".

وقال عبد الله بن أحمد في المسند (1/ 122): "هذا أخطأ فيه شعبة؛ إنما هو عن خالد بن علقمة عن عبد خير".

وقال البزار: "ورواه شعبة عن مالك بن عرفطة؛ فأخطأ في اسمه واسم أبيه، وإنما هو خالد بن علقمة عن عبد خير".

وقال أبو زرعة: "وهم فيه شعبة؛ إنما أراد: خالد بن علقمة"[علل ابن أبي حاتم (1/ 56/ 145)].

وقال أبو حاتم: "كان شعبة يخطئ في اسم خالد بن علقمة، وكان أبو عوانة يقول: خالد بن علقمة، فقال شعبة: لم يكن بخالد بن علقمة، وانما كان مالك بن عرفطة، فلقنه الخطأ، وترك الصواب، وتلقن ما قال شعبة، لم يجسر أن يخالفه"[العلل (2/ 29 / 1563) (4/ 454/ 1563 - ط سعد الحميد)].

وقال أيضًا: "وهم شعبة؛ إنما هو خالد بن علقمة عن عبد خير"[العلل (2/ 34 1578)، [وانظر: الجرح (3/ 343)].

وقال البخاري: "وقال شعبة: مالك بن عرفطة، وهو وهم،

، وقال أبو عوانة مرة: خالد بن علقمة، ثم قال: مالك بن عرفطة" [التاريخ الكبير (3/ 163)].

وتبعه ابن حبان في ثقاته (6/ 260).

وقال الدارقطني في العلل (4/ 49): "فأما شعبة فوهم في اسم خالد بن علقمة، فسماه خالد [كذا، والصواب: مالك] بن عرفطة، وأتى بالحديث".

وقال الخطيب في الموضح (2/ 60) في خالد بن علقمة: "وهو مالك بن عرفطة الَّذي روى عنه شعبة هذا الحديث، وكان شعبة يخطئ في اسمه ونسبه"، ثم ساق كلام أبي داود المتقدم ثم فسره إلى أن قال:"فيشبه أن يكون أبو عوانة كان يتابع شعبة على روايته عن مالك بن عرفطة، ثم تبين له أن الصواب خالد بن علقمة فرجع إليه في آخر أمره، والله أعلم"، وقاله الخطيب أيضًا في المدرج (1/ 559) ثم ساق عن ابن أبي داود نحو كلام أبيه مفسرًا.

ووافقهم: الحاكم في معرفة علوم الحديث (149)، والمزي في تهذيب الكمال (8/ 134) و (27/ 152) و (30/ 443)، وابن حجر في التهذيب (2/ 526)، وفي التقريب (289)، والذهبي في الكاشف (2/ 236)، وغيرهم.

ص: 32

ولم أر فيمن تقدم من خالفهم، وعلى هذا فهو إجماع من أهل الحديث، واتفاقهم يكون حجة، فلا عبرة بعدئذ بمن خالفهم من المتأخرين [انظر: تعليق العلامة أحمد شاكر على جامع الترمذي (1/ 69 - 70)].

• وممن تابع أبا عوانة وزائدة وشعبة في هذا الحديث:

أ - سفيان الثوري، عن خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا.

أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند (1/ 115 و 116)، الخطيب في التاريخ (6/ 415)، والضياء في المختارة (2/ 285/ 667).

ب - شريك بن عبد الله النخعي، عن خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي، قال: توضأ عليٌّ رضي الله عنه، فتمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا من كفٍّ واحد، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم أدخل يده في الركوة فمسح رأسه، وغسل رجليه، ثم قال: هذا وضوء نبيكم صلى الله عليه وسلم.

أخرجه ابن ماجة (404)، والضياء في المختارة (2/ 284/ 664)، وعبد الله بن أحمد بن زيادات المسند (1/ 123 و 125 و 141)، وأبو عبيد في الطهور (132)، وابن أبي شيبة (1/ 16 و 42/ 55 و 406)، وأبو بكر الأثرم في السنن (37)، والحسن بن سفيان في الأربعين (16)، والدولابي في الكنى (2/ 443/ 795)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 316/ 241)، والطبراني في الأوسط (7/ 119/ 7030)، وفي الصغير (2/ 147/ 939)، والدارقطني في العلل (4/ 53)، والخطيب في التاريخ (2/ 169)، والمزي في تهذيب الكمال (8/ 135).

وانظر: المعجم الأوسط (7/ 119/ 7530)، أطراف الغرائب والأفراد (1/ 243/ 364)، علل الدارقطني (4/ 50 و 53/ 424)، تاريخ بغداد (2/ 169).

ج - أبان بن تغلب، عن خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وأخد لرأسه ماءً جديدًا.

أخرجه الدارقطني في السنن (1/ 91)، ومن طريقه: أبو موسى المديني في اللطائف (760).

د - خالفهم: أبو حنيفة النعمان [فقيه إمام؛ ضعيف في الحديث]، فرواه عن خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي: أنَّه توضأ فغسل يديه ثلاثًا، ومضمض واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه ثلاثًا، وغسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: من أحب أن ينظر إلى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم كاملًا فلينظر إلى هذا.

أخرجه أبو يوسف القاضي في كتاب الآثار (4)، والدارقطني في السنن (1/ 89)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (98 و 99)، والبيهقي في السنن (1/ 63)، وفي الخلافيات (1/ 311/ 120)، والخطيب (5/ 98).

قال الدارقطني في السنن: "هكذا رواه أبو حنيفة عن خالد بن علقمة قال فيه:

ص: 33

"ومسح برأسه ثلاثًا"، وخالفه جماعة من الحفاظ الثقات، منهم: زائدة بن قدامة، وسفيان الثوري، وشعبة، وأبو عوانة، وشريك، وأبو الأشهب جعفر بن الحارث، وهارون بن سعد، وجعفر بن محمد، وحجاج بن أرطاة، وأبان بن تغلب، وعلي بن صالح بن حي، وحازم بن إبراهيم، وحسن بن صالح، وجعفر الأحمر: فرووه عن خالد بن علقمة، فقالوا فيه:"ومسح رأسه مرة"، إلا أن حجاجًا من بينهم جعل مكان عبد خير: عمرًا ذا مُرٍّ، ووهم فيه، ولا نعلم أحدًا منهم قال في حديثه: إنه مسح رأسه ثلاثًا غير أبي حنيفة

".

وقال في العلل (4/ 51 / 424): "واتفقوا في الحديث على مسح الرأس مرة واحدة؛ إلا أبا حنيفة فإنه قال في روايته عن خالد بن علقمة عن عبد خير: أنَّه مسح رأسه ثلاثًا، ومع خلاف أبي حنيفة للجماعة، وروايته: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثًا، قد خالف في هذا فزعم أن السُّنَّة في مسح الرأس مرة واحدة".

وقال في الأفراد (1/ 243/ 364 - أطرافه): "وقال أبو حنيفة: عن خالد بن علقمة عن عبد خير، أنَّه مسح الرأس ثلاثًا، ولم يقل ذلك غيره عن خالد، ورواه الثوري وشعبة وشريك وعلي بن صالح وهارون بن سعد وغيرهم عن خالد، وهو عن عبد خير عن علي، لم يذكروا فيه: مسح الرأس ثلاثًا، ومع خلاف أبي حنيفة لجميع من رواه عن خالد: فقد خالف حكم ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يمسح الرأس مرة واحدة".

وقال البيهقي في السنن: "فرواه زائدة بن قدامة وأبو عوانة وغيرهما عن خالد بن علقمة: دون ذكر التكرار في مسح الرأس، وكذلك رواه الجماعة عن علي إلا ما شذ منها"، وقال نحوه في الخلافيات.

وانظر طرقًا أخرى: تاريخ دمشق (51/ 228).

• وقد تابع خالد بن عقمة على هذا حديث عن عبد خير:

1 -

أبو إسحاق السبيعي، عن عبد خير، ذكر عن علي مثل حديث أبي حية [وسيأتي]، إلا أن عبد خير قال: كان إذا فرغ من طهوره أخذ من فضل طهوره بكفه فشربه.

وفي رواية البزار: قال أبو إسحاق: فحدثني عبد خير عن علي بمثل هذا الحديث، غير أنَّه لما فرغ أخذ حفنة من ماء في كفه فشربها وهو قائم.

وفي رواية عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، قال: ثنا أبو إسحاق، عن عبد خير، وعن أبي حية، عن علي رضي الله عنه: أنَّه دعا بماء في إناء، وأفرغ من يمينه على شماله، فغسل كفيه ثلاثًا، ثم مضمضى ثلاثًا، ثم استنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه، وقال أحدهما: أخذ غرفة من ماء بكفه فوضعها على رأسه، وغسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت.

أخرجه الترمذي (49)، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند (1/ 127)، والبزار (2/ 311/ 736)، وأبو يعلى (1/ 386/ 500)، وابن بشران في الأمالي (1314).

قال الترمذي: "وهذا حديث حسن صحيح".

ص: 34

وصححه الدارقطني في العلل (4/ 192).

وقوله في هذه الرواية: ثم مضمض ثلاثًا، ثم استنشق ثلاثًا، يمكن حمله على إرادة ذكر العدد لكل فعل، ومنها المضمضة والاستنشاق وإن كانا من غرفة واحدة، لكنه أراد أن يبين أنَّه فعل كل واحدة منهما ثلاث مرات، فأوهم الفصل، وليس على ظاهره، وذلك بدليل رواية خالد بن علقمة وهي رواية محكمة تُرَدُّ إليها الرواية المشتبهة، ففي رواية أبي عوانة عن خالد [برقم (111)]: فمضمض ونثر من الكف الَّذي يأخذ فيه، وفي رواية زائدة [برقم (112)]: فمضمض واستنشق، ونثر بيده اليسرى، فعل ذلك ثلاث مرات، وفي رواية شعبة [رقم (113)]: ثم مضمض واستنشق بكف واحد ثلاث مرات، وهكذا في غيرها من الروايات عن خالد، والله أعلم.

2 -

عبد الملك بن سلع الهمداني [صدوق. التقريب (623)]، عن عبد خير، قال: علَّمنا عليٌّ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصب الغلام على يديه حتَّى أنقاهما، ثم أدخل يده في الركوة، فمضمض واستنشق، وغسل وجهه ثلاثًا ثلاثًا، وذراعيه إلى المرفقين ثلاثًا ثلاثًا، ثم أدخل يده في الركوة فغمر أسفلها بيده، ثم أخرجها فمسح بها الأخرى، ثم مسح بكفيه رأسه مرة، ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاثًا ثلاثًا، ثم اغترف هنية من ماء بكفه فشربه، ثم قال: هكذا كان رسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ. لفظ مروان بن معاوية عن عبد الملك، ولفظ عبد الله بن نمير: كنا مع عليٌّ يومًا صلاة الغداة، فلما انصرف دعا الغلام بالطست، فتوضأ ثم أدخل إصبعيه في أذنيه، ثم قال لنا: هكذا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.

هذا هو المحفوظ عن عبد الملك، وانفرد ابنه مسهر بزيادات منكرة، مثل تثليث مسح الرأس والأذنين، ومسهر: ليس بالقوي، وقد اضطرب فيه فرواه مرة كالجماعة، ومرة بما انفرد به، وخالفه مروان بن معاوية الفزاري، وهو: ثقة حافظ، فرواه كالجماعة، وكذلك ابن نمير لم يذكر التثليث، وهو: ثقة.

أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 137 - 138/ 161)، وأحمد (1/ 110)، وابنه في الزيادات على المسند (1/ 113 و 123 - 124)، وابن أبي شيبة (1/ 25 و 42/ 176 و 399)، وأبو عبيد في الطهور (341)، والدارقطني (1/ 92)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 1273).

3 -

الحسن بن عقبة أبو كبران [وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: "شيخ يكتب حديثه"، وذكره ابن حبان في الثقات. التعجيل (202)]، قال: سمعت عبد خير يقول: قال علي: ألا أريكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا.

أخرجه الدارمي (1/ 190/ 702)، وأحمد (1/ 123)، وابنه عبد الله في الزيادات (1/ 114 و 124)، وابن أبي شيبة (1/ 16/ 60)، والضياء في المختارة (2/ 285/ 665 و 666).

ولأبي إسحاق السبيعي وإسماعيل السدي عن عبد خير في هذا الحديث لفظ آخر أو هو حديث آخر يأتي الكلام عليه عند الحديث رقم (162).

***

ص: 35

114 -

. . . ربيعة الكناني، عن المنهال بن عمرو، عن زِرِّ بن حُبيش: أنَّه سمع عليًّا، وسُئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وقال: ومسح على رأسه حتَّى لما يقطُر، وغسلى رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

• إسناده حسن، وأعله أبو حاتم.

أخرجه النسائي في مسند علي [كما في تهذيب الكمال (9/ 131)]. والضياء في المختارة (2/ 77/ 455)، وأحمد (1/ 110)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (1/ 317)، والبزار (2/ 183 - 184/ 561)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 21)، والطبراني في الأوسط (4/ 110/ 3736)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 267)، والبيهقي (1/ 58 و 74)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 150/ 136 م)، والمزي في التهذيب (9/ 131).

ساق بتمامه البزار وغيره، ولفظه عنده: وسئل علي عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأهراق الماء في الرحبة، ثم دعا بماء، فقال: أين السائل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فغسل يديه ثلاثًا، ووجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ثم مسح برأسه حتَّى كاد أن يقطر، ثم غسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: هكذا كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال البزار: "ولا نعلم روى المنهال عن زر عن علي رضي الله عنه حديثًا مسندًا إلا هذا الحديث".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن المنهال بن عمرو: إلا ربيعة الكناني، وهو ربيعة بن عبيد كوفي، وأبو مريم عبد الغفار بن القاسم الأنصاري".

قلت: لا تغني متابعة أبي مريم شيئًا، فقد كان: متروكًا، يضع الحديث [اللسان (5/ 226)].

وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث فقال: "إنما يُروى هذا الحديث عن المنهال، عن أبي حية الوادعي، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أشبه"[العلل (1/ 21/ 28)].

ثم أسنده ابن أبي حاتم فقال: "حدثنا أبي، قال: حدثنا الهيثم بن يمان، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن المنهال بن عمرو، عن أبي حية بن قيس، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم"[وانظر: النكت الظراف (7/ 373)].

قلت: ورواه أيضًا من طريق عمرو بن ثابت: أبو أحمد الحاكم الكبير في الأسامي والكنى (4/ 228)، والدارقطني في الأفراد (1/ 284/ 431 - أطرافه).

قال أبو أحمد الحاكم: "إن كان محفوظًا".

وقال الدارقطني: "غريب من حديث المنهال بن عمرو عن أبي حية، تفرد به عمرو بن ثابت".

وإذا نظرنا إلى ظاهر الإسنادين ترجح لدينا لأول وهلة رواية ربيعة بن عتبة؛ فإنه

ص: 36

صدوق، بينما عمرو بن ثابت: ضعيف [التقريب (731)]، بل قال فيه الذهبي في المغني (2/ 141):"متروك"، وعليه فالأقرب إلى الصواب - في ظاهر الأمر - ترجيح رواية ربيعة بن عتبة على رواية عمرو بن ثابت، لا سيما وقد حكم الدارقطني بالغرابة على رواية عمرو، وعلق الحاكم ثبوتها على كونها محفوظة، لكني رأيت أبا حاتم الإمام الناقد البصير رجح رواية الضعيف على رواية الصدوق، وذلك فيما يبدو لي - والله أعلم - لأجل تفرد المنهال بن عمرو بهذا الحديث عن زر بن حبيش، بينما الحديث يرويه أبو إسحاق السبيعي عن أبي حية، وعليه فإن أبا حاتم يرى أن ذكر زر بن حبيش في هذا الإسناد ليس له معنى، إذ الحديث يرويه عن علي جماعة، منهم: عبد خير، وأبو حية، والنزال بن سبرة، وغيرهم، فلما وافقت رواية الضعيف رواية بعض الثقات في تابعي هذا الحديث؛ أخذ بها أبو حاتم ورد بها رواية الصدوق، والله أعلم.

***

115 -

قال أبو داود: حدثنا زياد بن أيوب الطوسي: حدثنا عبيد الله بن موسى: حدثنا فطر، عن أبي فروة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: رأيت عليًّا توضأ، فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه واحدة، ثم قال: هكذا توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم

• شاذ؛ والصواب: مقطوع على بن أبي ليلى من فعله

أخرجه من طريق أبي داود: الضياء المقدسي في المختارة (2/ 264/ 642).

وقال الحافظ في التلخيص (1/ 136): "رواه أبو داود بسند صحيح".

قلت: لكن لهذا الإسناد علة، فقد رواه سفيان الثوري، عن مسلم [هو: ابن سالم النهدي، أبو فروة الجهني: لا بأس به. التهذيب (4/ 69)]، قال: رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى توضأ ثلاثًا ثلاثًا. فلم يجاوز به ابن أبي ليلى.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 17 / 72).

والنفس لا يساورها أدنى شك في كون الثوري أثبت من مائة مثل فطر بن خليفة؛ وعليه فالرواية المقطوعة أولى بالصواب.

ورواه أيضًا يزيد [هو: ابن أبي زياد الهاشمي مولاهم، الكوني: ضعيف؛ كبر فتغير وصار يتلقن، وكان شيعيًا. التقريب (1075)]، قال: رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى توضأ، فمضمض واستنشق مرة أو مرتين، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه، وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ولم أره خلل لحيته، ثم قال: هكذا رأيت عليًّا توضأ.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 17 و 21 و 22/ 71 و 123 و 138)، وعنه: أبو بكر الأثرم في السنن (2)، ومن طريقه: ابن المنذر (1/ 408 / 410).

***

ص: 37

116 -

أبو إسحاق، عن أبي حية، قال: رأيت عليًّا توضأ، فذكر وضوءَه كلَّه ثلاثًا ثلاثًا، قال: ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: إنما أحببت أن أريَكم طُهور رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو داود: أخطأ فيه محمد بن القاسم الأسدي، قال: عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن حية، وإنما هو: أبو حية.

• حديث صحيح.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير، الكنى منه (24)، والترمذي (44) و (48)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(40)، والنسائي (1/ 70 و 79 و 87/ 96 و 115 و 136) مطولًا ومختصرًا. وابن ماجة (436 و 456) مفرقًا مختصرًا. والضياء في المختارة (2/ 409 - 411/ 795 - 797)، وأحمد (1/ 120 و 125 و 127 و 142 و 148)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (1/ 127 و 156 و 157 و 158 و 160)، وعبد الرزاق (1/ 38/ 120 و 121)، وابن أبي شيبة (6/ 11 و 26 و 95/ 54 و 192 و 1063)، والسري بن يحيى في حديث الثوري (29)، والبزار (2/ 309 و 310/ 734 - 736) و (3/ 43 / 795)، وأبو يعلى (1/ 244 و 385 و 431/ 283 و 499 و 571)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 29 و 35)، وفي أحكام القرآن (19)، والمحاملي في أماليه (167)، والدارقطني في العلل (4/ 192 و 193)، وابن بشران في الأمالي (1314)، والبيهقي (1/ 75)، والخطيب في التاريخ (9/ 97)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 44/ 228)، والجوزقاني في الأباطيل (327)، وابن الجوزي في التحقيق (133 و 134).

وسياقه بتمامه عند النسائي وغيره: رأيت عليًّا توضأ فغسل كفيه حتَّى أنقاهما، ثم تمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل قدميه إلى الكعبين، ثم قام فأخذ فضل طَهوره فشرب وهو قائم، ثم قال: أحببت أن أريكم كيف طُهور النبي صلى الله عليه وسلم.

وما وقع عند البزار وغيره من تثليث مسح الرأس: فهو وهم.

وقوله في هذه الرواية: ثم تمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، يحمل على ما ذكرته سابقًا عند رواية أبي إسحاق عن عبد خير.

• رواه بهذا الإسناد عن أبي إسحاق مطولًا ومختصرًا: سفيان الثوري، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وإسرائيل، وزكريا بن أبي زائدة، وعبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، وزيد بن أبي أنيسة [وهم: ثقات]، وغيرهم؛ إلا أن زيدًا شذ بقوله:"ومسح برأسه ثلاثًا"[عند عبد الله بن أحمد (1/ 158)].

ص: 38

• وخالفهم:

1 -

الجراح بن مليح [صدوق]، فرواه عن أبي إسحاق، عن أبي حية وعمرو ذي مر، عن علي بنحوه.

رواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند (1/ 160)، قال: حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح، حدثنا أبي، عن أبيه، عن أبي إسحاق به.

فلا يصح الإسناد إلى الجراح؛ فإن حفيده سفيان ممن سقط حديثه.

وقال الدارقطني في العلل (4/ 192) بأن رواية الجراح غير محفوظة.

2 -

ورواه عمرو بن قيس الملائي [ثقة مأمون]، عن أبي إسحاق: نا ناجية بن كعب، قال: رأيت عليًّا توضأ، فغسل الوجه ثلاثًا، والذراعين ثلاثًا، ومسح برأسه، والقدمين ثلاثًا إلى الكعبين، ثم أخذ فضل وضوئه فشربه قائمًا، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع.

أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 25/ 7849).

وقال: "لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا عمرو بن قيس، ولا عن عمرو بن قيس إلا محمد بن عبد الملك، تفرد به وهب بن بقية".

قلت: وهب: ثقة، لكن الشأن في تفرد محمد بن عبد الملك بن مروان، أبي إسماعيل الواسطي الكبير بهذا الحديث عن عمرو بن قيس الملائي، ومحمد هذا: روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يعتبر حديثه إذا بيَّن السماع في روايته؛ فإنه كان مدلسًا، يخطئ"[الثقات (9/ 49)، التهذيب (3/ 635)، وانظر: سنن الدارقطني (4/ 232)]، ولم يذكر سماعًا؛ فلا يحتمل تفرد مثله عن الملائي، ولا يثبت عنه، والله أعلم.

قال الدارقطني في العلل (4/ 192/ 501): "وأما قول عمرو بن قيس، وقول أبي وكيع، وقول أبي بكر بن عياش: فغير محفوظ، والله أعلم".

• قلت: وقد اختلف على أبي إسحاق السبيعي في هذا الحديث بأكثر من هذا الَّذي ذكرت، والمحفوظ: رواية الجماعة [انظر الاختلاف فيه: علل الدارقطني (4/ 189/ 551)، علل ابن أبي حاتم (1/ 56/ 144)].

قال أبو زرعة: "الصحيح: ما قال الثوري وأبو الأحوص وإسرائيل".

وقال الدارقطني: "أصحها كلها: قول من قال: عن أبي حية، وقول عبد الرحمن بن حميد: عن أبي حية وعبد خير؛ فإنه ثقة، وقد ضبطه أبا حية، وزاد معه عبد خير، وتابعه: عمار بن رزيق على عبد خير".

• وقد أشار أبو داود إلى اختلاف وقع في هذا الإسناد على الثوري، حيث قال:"أخطأ فيه محمد بن القاسم الأسدي قال: عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن حية، وإنما هو: أبو حية"[وذكره المزي في التحفة (7/ 461 - 462)].

قال الدارقطني في العلل (4/ 190): "ورواه محمد بن القاسم الأسدي عن الثوري فوهم في إسناده، فقال: عن حية عن علي، والصواب: عن أبي حية"، وذكر أيضًا اختلافًا

ص: 39

آخر وقع على الثوري في متنه، ثم قال:"والصواب ما ذكره غيره عن الثوري: أنَّه توضأ ثلاثًا ثلاثًا".

قال أبو زرعة: "أبو حية: لا يعرف اسمه، وهو ابن قيس الوادعي".

• قلت: أبو حية بن قيس الوادعي الكوفي: وثقه ابن نمير، وقال أحمد:"شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن المديني وأبو الوليد ابن الفرضي:"مجهول"، وروى عنه أبو إسحاق السبيعي والمنهال بن عمرو - إن كان محفوظًا -، كذا قال أبو أحمد الحاكم، لكن قال أبو حاتم:"وهو أشبه"، يعني في كون المنهال روى عنه هذا الحديث [راجع الحديث (114)]، وذكره مسلم في المنفردات والوحدان (405) فيمن انفرد بالرواية عنهم أبو إسحاق السبيعي، لكن قال ابن حبان:"روى عنه أبو إسحاق السبيعي وأهل الكوفة"، مما يدل على عدم تفرد أبي إسحاق بالرواية عنه [الجرح والتعديل (9/ 360)، الثقات (5/ 180)، طبقات ابن سعد (6/ 236)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 482/ 3172)، فتح الباب (2388)، التهذيب (10/ 90)، الميزان (4/ 519)، وقال: "لا يُعرف؛ تفرد عنه أبو إسحاق بوضوء علي

"، وأولى منه قول الحافظ ابن حجر في التقريب (1138): "مقبول"، يعني: إذا توبع، وقد توبع في هذا الحديث كما ترى، لذا وثقه ابن نمير، وصحح له الترمذي وغيره].

وقد صحح له هذا الحديث الترمذي وابن السكن والضياء المقدسي والجوزقاني، واحتج به أبو داود والنسائي في صحاحه، وحسنه البغوي وابن القطان الفاسي [بيان الوهم (4/ 108/ 1546) و (5/ 662)، [وانظر: البدر المنير (2/ 114)].

قال الترمذي: "حديث علي أحسن شيء في هذا الباب وأصح؛ لأنَّه قد روى من غير وجه عن علي رضوان الله عليه".

وقال أيضًا: "حديث علي: رواه أبو إسحاق الهمداني عن أبي حية وعبد خير والحارث عن علي، وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي: حديث الوضوء بطوله، وهذا حديث حسن صحيح".

وقال البغوي: "هذا حديث حسن"، وقال الجوزقاني:"هذا حديث صحيح".

***

117 -

. . . محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن عبيد الله الخولاني، عن ابن عباس، قال: دخل علي علي بن أبي طالب وقد أهراق الماء، فدعا بوَضوء، فأتيناه بتَوْرِ فيه ماء حتَّى وضعناه بين يديه، فقال: يا ابن عباس ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى.

قال: فأصغى الإناء على يده فغسلها، ثم أدخل يده اليمنى فأفرغ بها على الأخرى، ثم غسل كفيه، ثم تمضمض واستنثر، ثم أدخل يديه في الإناء جميعًا فأخذ

ص: 40

بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه، ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثم الثانية، ثم الثالثة مثل ذلك، ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فصبها على ناصيته، فتركها تستَنُّ على وجهه، ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثًا ثلاثًا، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، ثم أدخل يديه جميعًا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل، ففتلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك.

قال: قلت: وفي النعلين؟! -قال: وفي النعلين. قال: قلت: وفي النعلين؟!. قال: وفي النعلين. قال: قلت: وفي النعلين؟! قال: وفي النعلين.

• حديث منكر.

أخرجه ابن خزيمة (1/ 79/ 153)، وابن حبان (3/ 362/ 1080)، والضياء في المختارة (2/ 230/ 609)، وأحمد (1/ 82 - 83)، والبزار (2/ 111/ 464)، وأبو يعلى (1/ 448/ 600)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (32)، والطحاوي (1/ 32 و 34 - 35)، والبيهقي (1/ 53 و 74)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 350/ 5785).

وهذا إسناد حسن؛ رجاله ثقات غير ابن إسحاق فإنه صدوق يدلس، وقد صرح بالتحديث، ففي رواية إسماعيل ابن علية عند أحمد وغيره، قال إسماعيل: ثنا محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن طلحة، فصرح بالتحديث، وأمنا تدليسه، إلا أنه حديث معلول؛ بل منكر، فلا تغتر بتحسين من حسنه.

وأما تصحيح ابن خزيمة وابن حبان له، فيحمل على أنهما اجتزءا منه على ما لا يستنكر من صك القدم بالماء وفيها النعل، فإنهما ساقا الحديث إلى قوله: فصك بها وجهه، ثم قال ابن خزيمة:"وذكر الحديث"، وقال ابن حبان:"حتى فرغ من وضوئه"، وترجما للحديث باستحباب صك الوجه بالماء عند غسل وجهه.

قال البزار: "وهذا الحديث بهذه الألفاظ لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وعبيد الله الخولاني لا نعلم أن أحدًا يروي عنه غير محمد بن طلحة".

قلت: عبيد الله الخولاني: هو ابن الأسود: ثقة من الثالثة، روى عنه أيضًا: بسر بن سعيد، وعاصم بن عمر بن قتادة، وأخرج له الشيخان [التهذيب (5/ 363)، التقريب (635)].

قال البيهقي: "وقال أبو عيسى الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث؟ فقال: لا أدرى ما هذا الحديث! فكأنه رأى الحديث الأول أصح، يعني: حديث عطاء بن يسار"، قلت: الآتي ذكره.

وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 44): "وأما هذا الحديث فقد تكلم الناس فيه، قال أبو عيسى: سألت محمد بن إسماعيل عنه فضعفه، وقال: ما أدري ما هذا! ".

واستنكره ابن الجوزي على محمد بن إسحاق، وبه أعله.

ص: 41

وقال الذهبي في تلخيص العلل (119): "هذا حديث منكر".

• والحديث الذي أشار إليه البخاري -وهو المحفوظ عن ابن عباس في صفة الوضوء، وفيه: أنه غسل قدميه ليس فيها النعل- هو ما رواه: سليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، ومحمد بن عجلان، وورقاء بن عمر، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، وداود بن قيس الفراء، ومعمر بن راشد:

سبعتهم [وهم ثقات]: عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: أنه توضأ فغسل وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماء فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله -يعني: اليسرى-، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.

هذا لفظ سليمان بن بلال.

وبنحوه لفظ ابن عجلان، لكنه شذ فزاد بعد: فمسح رأسه وأذنيه، قال: داخلهما السبابتين، وخالف بإبهاميه إلى ظاهر أذنيه، فمسح باطنهما وظاهرهما.

وقال داود بن قيس: توضأ بغرفة فرفة. وقال أيضًا: توضأ مرة مرة.

وقال الدراوردي: توضأ مرة مرة، وجمع بين المضمضة والاستنشاق. ورواه مرة مفصلًا، ووهم بعضهم عليه فزاد فيه ذكر الانتعال.

وقال معمر: توضأ فغسل كل عضو منه غسلة واحدة.

أخرجه البخاري (140) واللفظ الأول له. والترمذي (36)، والنسائي (1/ 73 و 74/ 101 و 102)، وابن ماجه (403 و 439)، والدارمي (1/ 189/ 697)، وابن خزيمة (148 و 171)، وابن حبان (3/ 357 و 367/ 1076 و 1086)، وابن الجارود (69)، والحاكم (1/ 150 و 151)، وأحمد (1/ 268 و 332 و 336)، والشافعي في الأم (1/ 32)، وفي اختلاف الحديث (488)، وفي الرسالة (452)، وفي المسند (16)، وعبد الرزاق (1/ 41 و 42/ 126 و 127)، وأبو عبيد في الطهور (86 و 105 و 351)، وابن أبي شيبة (1/ 17 و 18 و 27/ 64 و 74 و 208)، والبزار (11/ 422 - 424/ 5276 - 5279)، وأبو يعلى (4/ 367/ 2486) و (5/ 76 و 77/ 2670 - 2672)، وابن المنذر (1/ 376 و 384 و 404/ 358 و 368 و 400)، والطحاوي (1/ 32 و 35)، وأبو بكر الشافعي في فوائده (378)، وابن عدي في الكامل (4/ 186 و 257 و 272)، والبيهقي في السنن (1/ 50 و 53 و 55 و 67 و 72 و 73)، وفي المعرفة (1/ 170 و 171/ 78 و 80).

• ورواه سفيان الثوري، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، قال: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة.

أخرجه البخاري (157)، وأبو داود (138)، والترمذي (42)، وأبو علي الطوسي في

ص: 42

مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(37)، والنسائي (1/ 62/ 80)، وابن ماجه (411)، والدارمي (1/ 189 و 194/ 696 و 711)، وابن حبان (3/ 374/ 1095)، وابن الجارود (69)، وأحمد (1/ 233 و 365)، وعبد الرزاق (1/ 42/ 128)، وأبو عبيد في الطهور (153)، وعبد بن حميد (702)، وأبو بكر الباغندي في ستة مجالس من أماليه (25)، والبزار (11/ 422 و 424/ 5275 و 5280)، وابن المنذر (1/ 244 و 407/ 154 و 406)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 29)، وفي أحكام القرآن (21)، وابن عدي في الكامل (3/ 177)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (5/ ب - 6/ أ)، وأبو نعيم الأصبهاني في مسند أبي حنيفة (123)، وابن حزم (2/ 33)، والبيهقي (1/ 80 و 162 و 286)، والخطيب في التاريخ (7/ 36)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 442/ 226)، وأبو موسى المديني في اللطائف (226).

هكذا رواه الحفاظ عن الثوري، وقد وهم فيه عليه:

أ- قبيصة بن عقبة [ثقة، ربما خالف في حديث سفيان]، فزاد: وانتضح.

قال البزار: "وأما حديث قبيصة: أنه توضأ وانتضح؛ فأخطأ فيه، إنما كان نضح قدميه فحمله على نضح الفرج إذ اختصره".

ب- ووهم فيه أيضًا: رواد بن الجراح [حدث عن الثوري بأحاديث لم يتابع عليها]، فزاد: ومسح على نعليه.

قال البيهقي: "هكذا رواه رواد بن الجراح؛ وهو ينفرد عن الثوري بمناكير هذا أحدها، والثقات رووه عن الثوري دون هذه اللفظة، وروي عن زيد بن الحباب عن الثوري هكذا وليس بمحفوظ"، ثم أسنده من طريقه.

• خالفهم فوهم في لفظه، وزاد فيه ما ليس منه:

هشام بن سعد [صدوق، له أوهام، لم يكن بالحافظ]، قال: حدثنا زيد، عن عطاء بن يسار، قال: قال لنا ابن عباس: تحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماء، فاغترف غرفة بيده اليمنى، فتمضمض واستنشق، ثم أخذ أخرى فجمع بها يديه ثم غسل وجهه، ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليسرى، ثم قبض قبضة من الماء، ثم نفض يده، ثم مسح بها رأسه وأذنيه، ثم قبض قبضة أخرى من الماء، فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه: يدٌ فوق القدم، ويدٌ تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك.

أخرجه أبو داود (137)، والحاكم (1/ 147)، والبزار (11/ 425/ 5281)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (80)، وابن الأعرابي في المعجم (1599)، والطبراني في الكبير (10/ 311/ 10759)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (5/ ب -6/ أ)، والبيهقي في السنن (1/ 58 و 72 و 73)، وفي المعرفة (1/ 170/ 79).

قال البزار: "وأما حديث هشام بن سعد: فلا نعلم أحدًا تابعه على لفظه،. . .".

ص: 43

وقال البيهقي في السنن: ". . .، وهشام بن سعد ليس بالحافظ جدًّا؛ فلا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات الأثبات، كيف وهم عدد وهو واحد،. . .".

وقال في المعرفة: "وهشام بن سعد، وعبد العزيز بن محمد [قلت: على فرض ثبوته عنه، وإلا فهو لا يثبت]: ليسا من الحفظ بحيث يقبل منهما ما ينفردان به؛ كيف وقد خالفهما عدد ثقات،. . .".

وقال في السنن: "والصحيح: رواية الجماعة.

ورواه عبد العزيز الدراوردي وهشام بن سعد عن زيد بن أسلم، فحكيا في الحديث رشًا على الرجل وفيها النعل: وذلك يحتمل أن يكون غسلها في النعل، فقد رواه سليمان بن بلال، ومحمد بن عجلان، وورقاء بن عمر، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، عن زيد بن أسلم، فحكوا في الحديث غسله رجليه، والحديث: حديث واحد، والعدد الكثير أولى بالحفظ من العدد اليسير؛ مع فضل حفظ من حفظ فيه الغسل بعد الرش على من لم يحفظه".

وقال ابن حجر في الفتح (1/ 241): "وأما ما وقع عند أبي داود والحاكم: فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه: يد فوق القدم، ويد تحت النعل؛ فالمراد بالمسح: تسييل الماء حتى يستوعب العضو، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في النعل، كما سيأتي عند المصنف من حديث ابن عمر، وأما قوله: تحت النعل، فإن لم يحمل على التجوز عن القدم، وإلا فهي رواية شاذة؛ وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما تفرد به، فكيف إذا خالف قوله: فغسل بها رجله، يعني: اليسرى".

قلت: في رواية ابن الأعرابي: وجعل يده اليمنى على ظهر القدم، واليسرى على النعل مما يلي الأرض، فهذه الرواية يصعب حملها على التجوز عن القدم، لكن راويها عن هشام بن سعد: بكر بن صدقة الجدي: مستور، روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات [الثقات (8/ 148)، علل الدارقطني (8/ 16)].

وانظر: إتحاف المهرة (7/ 458 - 461/ 8224 - 8227).

• وانظر في الأوهام فيه على زيد بن أسلم وغيره: جامع الترمذي (42)، سنن ابن ماجه (412)، المستدرك (1/ 151)، مسند أحمد (1/ 23)، مسند الطيالسي (2660)، مصنف عبد الرزاق (1/ 42/ 129)، الطهور لأبي عبيد (104)، مسند عبد بن حميد (12)، مسند البزار (1/ 416/ 292) و (11/ 425 و 426/ 5282 و 5283)، شرح المعاني (1/ 29)، ضعفاء العقيلي (2/ 263)، علل ابن أبي حاتم (72)، المعجم الكبير (11/ 137/ 11394)، المعجم الأوسط (9/ 81 و 163/ 9188 و 9429)، الكامل (4/ 247)، حديث أبي بكر بن المقرئ (2)، علل الدارقطني (2/ 144/ 170)، أطراف الغرائب والأفراد (3/ 301 و 357/ 2721 و 2897).

وقد سبق أن خرجت هذا الحديث وبينت علته في مسائل الفقه (1/ 38 - 42).

***

ص: 44

قال أبو داود: وحديث ابن جريج عن شيبة يشبه حديث علي؛ لأنه قال فيه حجاج بن محمد: عن ابن جريج: ومسح برأسه مرة واحدة.

وقال فيه ابن وهب: عن ابن جريج: ومسح برأسه ثلاثًا.

• أما حديث حجاج، قال: قال ابن جريج: حدثني شيبة، أن محمد بن على أخبره، قال: أخبرني أبي علي، أن الحسين بن علي، قال: دعاني أبي عليٌّ بوَضوء فقربته له، فبدأ فغسل كفيه ثلاث مرات قبل أن يدخلها في وَضوئه، ثم مضمض ثلاثًا، واستنثر ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثًا، ثم اليسرى كذلك، ثم مسح برأسه مسحة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثًا، ثم اليسرى كذلك، ثم قام قائمًا، فقال: ناولني، فناولته الإناء الذي فيه فضل وَضوئه فشرب من فضل وَضوئه قائمًا فعجبت، فلما رآني قال: لا تعجب فإني رأيت أباك النبي صلى الله عليه وسلم يصنع مثل ما رأيتني صنعت، يقول لوُضوئه هذا، وشُرب فضل وَضوئه قائمًا.

أخرجه النسائي (1/ 69 - 70/ 95)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (2/ 51/ 431).

• وأما حديث ابن وهب، رواه عن ابن جريج، عن محمد بن علي بن حسين، عن أبيه، عن جده، عن علي: أنه توضأ فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه ثلاثًا، ومسح برأسه ثلاثًا، وغسل رجليه ثلاثًا، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 242)، والطحاوي (4/ 273)، والبيهقي في السنن (1/ 63)، وفي الخلافيات (1/ 319/ 121).

قال البيهقي: "هكذا قال ابن وهب: ومسح برأسه ثلاثًا، وقال فيه حجاج عن ابن جريج: ومسح برأسه مرة".

وكان قال قبل ذلك: وقد روي من أوجه غريبة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه[يعني: في مسح الرأس ثلاثًا]، والرواية المحفوظة عنه غيرها".

• ورواه أيضًا: أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج قال: أخبرني شيبة -يعني: ابن محمد-، أن محمد بن علي أخبره، أن الحسين بن علي أخبره، عن علي: أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وشرب بقية وضوئه، وغسل يديه قبل أن يدخلها الإناء، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.

أخرجه البخاري في التاريخ (4/ 242)، والبزار (2/ 148/ 510)، والمحاملي في الأمالي (253).

تابعه على هذا الإسناد بإسقاط علي بن الحسين منه: أبو قرة موسى بن طارق.

أخرجه ابن المقرئ في الأربعين. وذكره الدارقطني في العلل (3/ 101).

• ورواه عبد الرزاق في المصنف (1/ 40/ 123)، عن ابن جريج: أخبرني من

ص: 45

أصدق، أن محمد بن علي بن حسين أخبره، قال: أخبرني أبي، عن أبيه، قال: دعا علي بوضوء. . . فذكره بنحو حديث حجاج.

• وأشبهها بالصواب: رواية حجاج بن محمد المصيصي؛ فهو أثبتهم وأحفظهم؛ قال الدارقطني في العلل (3/ 101): "فجوَّد إسناده، ووصله، وضبطه"، وفي رواية ابن وهب إسقاط الواسطة بين ابن جريج ومحمد بن علي، وأبهمه عبد الرزاق، وفي رواية أبي عاصم وأبي قرة إسقاط علي بن الحسين من الإسناد.

وعليه فإن رواية حجاج: إسنادها صحيح متصل، وشيبة: هو ابن نصاح، كذا نسبه أبو قرة موسى بن طارق في روايته، وجزم به المزي، وتبعه ابن حجر، وقد أفرد شيبة هذا بالترجمة عن ابن نصاح وفرَّق بينهما: البخاري، وتبعه ابن أبي حاتم، وابن حبان، لكن قال الأخير:"إن لم يكن ابن نصاح؛ فلا أدري من هو"[التاريخ الكبير (4/ 241 و 242)، الجرح والتعديل (4/ 335 و 336)، الثقات (6/ 444 و 445)، التهذيب (3/ 663)، تحفة الأشراف (7/ 366)].

وانظر فيمن روى هذا الحديث عن علي بن أبي طالب غير ما تقدم: مسائل الفقه (1/ 44) و (3/ 143).

• وحاصل ما تقدم أن تثليث المسح على الرأس: لا يصح من حديث علي بن أبي طالب، وإنما روي عنه من طرق غريبة، غير محفوظة، ضعفها الأئمة، كما تقدم نقل أقوالهم، والله أعلم.

***

118 -

. . . مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم -وهو جد عمرو بن يحيى المازني-: هل تستطيع أن تُريَني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟

فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بوَضوء، فأفرغ على يديه، فغسل يديه، ثم تمضمض واستنثر ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر: بدأ بمقدَّم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه.

• حديث متفق عليه

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 18/ 32)، ووقع فيه في أول الوضوء: فغسل يديه مرتين، ثم تمضمض،. . . [(32 - رواية يحيى)، (43 - رواية أبي مصعب)، (23 - رواية الحدثاني)، (401 - رواية ابن القاسم بتلخيص القابسي)]، وأما رواية القعنبي (26) - والتي من طريقه رواه أبو داود - فليس فيها عدد، إنما قال: فغسل يديه، وتمضمض.

ص: 46

ومن طريق مالك: أخرجه البخاري (185)، ومسلم (235)، وأبو عوانة (1/ 203 و 209/ 658 و 659 و 678)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 299/ 557)، وأبو داود (118)، والترمذي (32)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(29)، والنسائي (1/ 71 و 72/ 97 و 98)، وابن ماجه (434)، وابن خزيمة (1/ 80 و 81 و 88/ 155 و 157 و 173)، وابن حبان (3/ 365/ 1084)، وابن الجارود (73)، والشافعي في الأم (1/ 26 و 32)، وفي الرسالة (163)، وفي اختلاف الحديث (67)، وفي المسند (14 و 16)، وأحمد (4/ 38 و 39)، وعبد الرزاق (1/ 6 و 44/ 5 و 138)، وأبو عبيد في الطهور (333)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 30)، وفي أحكام القرآن (23)، والهيثم بن كليب الشاشي (3/ 43/ 1078)، والجوهري في مسند الموطأ (600)، والبيهقي في السنن (1/ 59)، وفي المعرفة (1/ 165/ 67)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 434/ 223)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". وابن الجوزي في التحقيق (1/ 148/ 131).

قال الترمذي بعد أن أخرجه في مسح الرأس: "حديث عبد الله بن زيد: أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق".

***

119 -

. . . خالد، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عاصم، بهذا الحديث، قال: فمضمض واستنشق من كف واحدة، يفعل ذلك ثلاثًا، ثم ذكر نحوه.

• متفق عليه

أخرجه البخاري (191)، ومسلم (235)، وأبو عوانة (1/ 204/ 661 و 662)، وأبو نعيم (1/ 299/ 556)، والترمذي (28)، وابن ماجه (405)، والدارمي (1/ 188/ 694)، والحاكم (1/ 182)، وأحمد (4/ 39 و 42)، والهيثم بن كليب الشاشي (3/ 47/ 1091)، وابن قانع في المعجم (2/ 110)، والبيهقي (1/ 55)، والبغوي (1/ 435/ 224).

خالد هو: ابن عبد الله الواسطي الطحان، ولفظه عند مسلم: قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بإناء، فأكفأ منه على يديه فغسلهما ثلاثًا، ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق من كف واحدة، ففعل ذلك ثلاثًا، ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثًا، ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه، فأقبل بيديه وأدبر، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

• وممن روى هذا الحديث أيضًا عن عمرو بن يحيى المازني:

1 -

وهيب بن خال، عن عمرو، عن أبيه: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن

ص: 47

زيد عن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم؟ فدعا بتور من ماه، فتوضأ لهم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، فأكفأ على يده من التور، فغسل يديه ثلاثًا، ثم أدخل يده في التور، فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث غرفات، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين، ثم أدخل يده فمسح رأسه، فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه إلى الكعبين.

أخرجه البخاري (186 و 192)، ومسلم (235)، وأبو عوانة (1/ 204 و 209/ 663 و 679)، وأبو نعيم (1/ 300/ 558)، وابن حبان (3/ 358/ 1077)، والبيهقي في السنن (1/ 50 و 80)، وفي المعرفة (1/ 305/ 355 و 356).

هذه رواية موسى بن إسماعيل عن وهيب، وفي رواية سليمان بن حرب: فمضمض واستنشق ثلاثًا، بثلاث غرفات من ماء.

2 -

سليمان بن بلال، قال: حدثني عمرو بن يحيى، عن أبيه، قال: كان عمى يكثر من الوضوء، قال لعبد الله بن زيد: أخبرني كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بتور من ماء، فكفأ على يديه، فغسلهما ثلاث مرار، ثم أدخل يده في التور، فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة، ثم أدخل يده فاغترف بها، فغسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يدبه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم أخد بيده ما، فمسح رأسه، فأدبر به وأقبل، ثم غسل رجليه، فقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ.

أخرجه البخاري (199)، ومسلم (235)، وأبو عوانة (1/ 204/ 660).

• تقدم في رواية مالك: أنه غسل يديه مرتين في أول الوضوء، وخالفه خالد بن عبد الله الواسطي، ووهيب بن خالد، وسليمان بن بلال [وثلاثتهم ثقات أثبات] فقالوا: فغسل يديه ثلاثًا.

قال ابن حجر في الفتح (1/ 291): "وهؤلاء حفاظ وقد اجتمعوا؛ فزيادتهم مقدمة على الحافظ الواحد،. . .، ولا يقال: يحمل على واقعتين؟ لأنا نقول: المخرج متحد، والأصل عدم التعدد".

3 -

عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن عمرو به.

تقدم برقم (100)، وهو صحيح، أخرجه البخاري.

4 -

عبد العزيز بن محمد الدراوردي [ثقة]، عن عمرو به.

أخرجه الدارمي (1/ 188/ 694).

5 -

يحيى بن عبد الله بن سالم [صدوق، روى له مسلم]، عن عمرو به.

رواه عنه ابن وهب مقرونًا بمالك.

أخرجه أبو عوانة (659)، وابن الجارود (73)، والطحاوي (1/ 30).

6 -

محمد بن فليح بن سليمان [صدوق يهم. التقريب (889)]، عن عمرو به نحوه.

أخرجه الدارقطني (1/ 82).

7 -

خارجة بن مصعب [متروك]، عن عمرو به نحوه.

ص: 48

أخرجه الطيالسي (1198).

8 -

خالفهم سفيان بن عيينة، فرواه عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد [بن عبد ربه]-الذي أرى النداء- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه مرتين، وغسل رجليه مرتين، ومسح برأسه مرتين.

أخرجه الترمذي (47)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(38)، والنسائي (1/ 72/ 99)، وابن خزيمة (1/ 80 و 88/ 156 و 172)، وابن الجارود (70)، وأحمد (4/ 40)، والحميدي (417)، وابن أبي شيبة (1/ 16/ 57)، وأبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (229)، والدارقطني (1/ 81 - 82)، والبيهقي (1/ 63).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، فأخطأ.

فإن له علة بينها ابن عبد البر في التمهيد بيانًا شافيًا (20/ 115) فقال: "ورواه ابن عيينة عن عمرو بن يحيى فأخطأ فيه في موضعين؛ أحدهما: أنه قال فيه: عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهذا خطأ، وإنما هو عبد الله بن زيد بن عاصم. . .، وأما الموضع الثاني الذي وهم ابن عيينة فيه في هذا الحديث: فإنه ذكر فيه مسح الرأس مرتين [قلت: وكذلك قوله: وغسل رجليه مرتين] ولم يذكر فيه أحد: مرتين، غير ابن عيينة، وأظنه -والله أعلم- تأول الحديث، قوله: "فمسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر"، وما ذكرناه عن ابن عيينة فمن رواية: مسدد، ومحمد بن منصور، وأبي بكر بن أبي شيبة [قلت: ومحمد بن أبي عمر، وعبد الجبار بن العلاء، وابن المقرئ، ومحمد بن حماد، وعباس بن يزيد، والإمام أحمد بن حنبل] كلهم ذكر فيه عن ابن عيينة ما حكينا عنه، وأما الحميدي [قلت: وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وسعيد بن منصور] فإنه ميز ذلك فلم يذكره، أو حفظ عن ابن عيينة أنه رجع عنه، فذكر فيه عن ابن عيينة: "ومسح رأسه، وغسل رجليه"، فلم يصف المسح ولا قال: مرتين، وقال في الإسناد: "عن عبد الله بن زيد" لم يزد، لم يقل: ابن عاصم ولا ابن عبد ربه؛ فتخلص".

قال الإمام أحمد في المسند (4/ 40): "سمعته من سفيان ثلاث مرات، يقول: "غسل رجلين مرتين"، وقال مرة: "مسح برأسه مرة"، وقال مرتين: "مسح برأسه مرتين".

وهذا يبين أن الوهم فيه والاضطراب إنما هو من ابن عيينة نفسه فكان يحدث به مرة هكذا ومرة هكذا، ولم يضبطه.

وقال الدارقطني: "كذا قال ابن عيينة، وإنما هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، وليس هو الذي أُري النداء".

وقال البيهقي: "وقد خالفه: مالك ووهيب وسليمان بن بلال وخالد الواسطي وغيرهم، فرووه عن عمرو بن يحيى في مسح الرأس مرة، إلا أنه قال: أقبل وأدبر".

• ولهدا الحديث طرق أخرى؛ منها:

1 -

ما رواه عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقرئ، قال: حدثنا سعيد -يعني:

ص: 49

ابن أبي أيوب- قال: حدثني أبو الأسود [يعني: محمد بن عبد الرحمن بن نوفل]، عن عباد بن تميم المازني، عن أبيه، أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، ويمسح بالماء على رجليه.

أخرجه أحمد (4/ 40)، وابن خزيمة (1/ 101/ 201)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 208/ 2192)، والطبراني في الكبير (2/ 60/ 1286)، وفي الأوسط (9/ 132/ 9332)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 452 و 453/ 1298 و 1299)، وابن الأثير في أسد الغابة (1/ 322).

قال الطبراني: "لا يُروى هذا الحديث عن تميم المازني إلا بهذا الإسناد، تفرد به سعيد بن أبي أيوب".

وتأوله ابن خزيمة على وضوء من لم يحدث، وحمله على حديث النزال بن سبرة عن علي: في وضوء من لم يحدث [مخرج في أحاديث الذكر والدعاء تحت رقم (261)].

وهذا إسناد صحيح، ويحتمل أن يكون الراوي تجوز في التعبير عن الغسل بالمسح، والله أعلم.

• وقد روى الطحاوي في شرح المعاني (1/ 35) بإسناد صحيح إلى:

ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عباد بن تميم، عن عمه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على القدمين.

وعم عباد بن تميم هو: عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، لكن ابن لهيعة: ضعيف.

ورواه أبو عبيد في الطهور (353)، من طريق ابن لهيعة به، لكن قال: عن أبيه أو عمه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح برأسه وأذنيه، داخلهما وخارجهما.

• ولا أستبعد أن يكون راوي هذا الحديث هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، فإن رواية ابن لهيعة هذه يؤيدها:

ما رواه شعبة، عن حبيب بن زيد الأنصاري، عن عباد بن تميم، عن عمه عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بثُلثُيْ مُدٍّ ماءً، فتوضأ فجعل يدْلُك ذراعيه.

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (94).

وسيأتي له مزيد بيان تحت الحديث رقم (160).

2 -

ورواه فليح بن سليمان، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين.

أخرجه البخاري (158)، وابن خزيمة (1/ 87/ 170)، وأحمد (4/ 41)، والدارقطني (1/ 93)، والبيهقي (1/ 79)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 443/ 227)، وقال:"هذا حديث صحيح".

قال ابن حجر في الفتح (1/ 259) بأنه يحتمل أن يكون حديث فليح هذا المجمل غير حديث مالك ومن تابعه عن عمرو بن يحيى المازني المبين؛ لاختلاف مخرجهما، وهذا أظهر من قوله قبلُ: "وحديثه هذا مختصر من حديث مشهور في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم،

ص: 50

كما سيأتي بعدُ من حديث مالك وغيره"، واستشهد له بحديث أبي هريرة الآتي برقم (136).

3 -

ورواه ابن وهب، عن عمرو بن الحارث: أن حبان بن واسع حدثه: أن أباه حدثه: أنه سمع عبد الله بن زيد بن عاصم المازني،. . . فذكر الحديث، وهو الحديث الآتي.

***

120 -

. . . ابن وهب، عن عمرو بن الحارث: أن حبان بن واسع حدثه: أن أباه حدثه: أنه سمع عبد اللَّه بن زيد بن عاصم المازني يذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر وضوئه، وقال: ومسح رأسه بماءٍ غيرِ فضل يديه، وغسل رجليه حتى أنقاهما.

• حديث صحيح.

أخرجه مسلم (236)، والبخاري في التاريخ الكبير (3/ 112)، وأبو عوانة (1/ 210/ 680)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1/ 300/ 559)، والترمذي (35)، وابن خزيمة (1/ 79 - 80/ 154)، وابن حبان (3/ 366/ 1085)، وأحمد (4/ 41)، والبيهقي في السنن (1/ 65 و 236)، وفي المعرفة (1/ 305/ 357)، والمزي في التهذيب (5/ 331).

ولفظه عند مسلم: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فمضمض ثم استنثر، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويده اليمنى ثلاثًا، والأخرى ثلاثًا، ومسح برأسه بماء غير فضل يده، وغسل رجليه حتى أنقاهما.

قال الترمذي: "وهذا حديث حسن صحيح. . .، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا أن ياخذ لرأسه ماءً جديدًا".

وقال البيهقي: "رواه مسلم بإسناد صحيح".

• وقد اختلف في هذا الحديث:

أ- فرواه هكذا عن ابن وهب:

أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح [مصري، ثقة، أكثر عن ابن وهب]، وهارون بن معروف [المروزي نزيل بغداد، ثقة]، وهارون بن سعيد الأيلي [نزيل مصر، ثقة فاضل]، وعلي بن خشرم [المروزي، ثقة]، وسريج بن النعمان [بغدادي، ثقة]، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب [المصري، ابن أخي عبد الله بن وهب، أكثر عن عمه، وهو صدوق تغير بآخره]، وأصبغ بن الفرج [مصري، ثقة فقيه]، وحجاج بن إبراهيم الأزرق [بغدادي، نزل طرسوس ومصر، ثقة فاضل]، وحرملة بن يحيى [مصري، صدوق، كان أعلم الناس بابن وهب].

• واختلف على هذا الأخير:

فرواه عنه به هكذا:

محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني [ثقة. سؤالات السهمي (12)، السير (14/ 292)،

ص: 51

تذكرة الحفاظ (2/ 764)]، وابن سلم [وابن سلم هذا هو: عبد الله بن محمد بن سلم أبو محمد الخصيب المقدسي قال: "قدمت مصر فبدأت بحرملة فكتبت عنه كتاب عمرو بن الحارث ويونس بن يزيد. . ." الكامل (1/ 183)، السير (12/ 173)، ونعته الذهبي بقوله:"الإمام المحدث العابد الثقة".

روى عنه ابن حبان فأكثر جدًّا بنسخة أكثرها: عن حرملة بن يحيى، عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث.

انظر على سبيل المثال: صحيح ابن حبان، الأحاديث رقم:

(336 و 398 و 605 و 639 و 643 و 760 و 793 و 837 و 903 و 1049 و 1052 و 1141 و 1252 و 1291 و 1315 و 1352 و 1374 و 1383 و 1553 و 1576 و 1609 و 1636 و 1721 و 1748 و 2038 و 2045 و 2066 و 2085 و 2115 و 2518 و 2555 و 2624 و 2677 و 2758 و 2828 و 2840 و 2923 و 2943 و 2975 و 3122 و 3140 و 3216 و 3220 و 3224 و 3239 و 3292 و 3403 و 3538 و 3569 و 3607 و 3624 و 3667 و 3808 و 3972 و 4005 و 4236 و 4308 و 4509 و 4512 و 4560 و 4595 و 4629 و 4709 و 4864 و 4896 و 5011 و 5193 و 5585 و 5588 و 5610 و 5625 و 5678 و 5858 و 5860 و 5868 و 5904 و 5921 و 5933 و 6041 و 6234 و 6309 و 6434 و 6466 و 6688 و 6706 و 6836 و 6939 و 7225 و 7230 و 7235 و 7304 و 7334 و 7405 و 7418 و 7471 و 7473 و 7488).

وبذا يتأكد خطأ محقق الجزء السادس من إتحاف المهرة، حيث ظن أن ابن سلم هذا هو: علي بن الحسن بن سلم الأصبهاني، وهو وإن كان يروي عنه ابن حبان أيضًا؛ لكنه قليل الرواية عنه، ولم يرو عنه عن حرملة شيئًا، وإنما يروي ابن حبان: عن عبد الله بن محمد بن سلم، عن حرملة، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث: كثيرًا كما ترى.

انظر: الإتحاف (6/ 640)].

ب- وخالفهما:

الحسن بن سفيان [ثقة حافظ، نعته الذهبي بقوله: "الإمام الحافظ الثبت". الجرح (3/ 16)، السير (14/ 157)، تذكرة الحفاظ (2/ 703)]، فرواه عن حرملة بن يحيى.

وتابعه: محمد بن أحمد بن أبي عبيد الله، فرواه عن عبد العزيز بن عمران بن مقلاص، وحرملة بن يحيى، قالا: أنبا ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن حبان بن واسع، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد الأنصاري، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأخذ ماءً لأذنيه خلاف الماء الذي مسح به رأسه.

أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 151 و 152)، وفي المعرفة (97 - 98).

وقال في المستدرك: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، إذا سلم من ابن أبي عبيد الله هذا، فقد احتجا جميعًا بجميع رواته".

ص: 52

ثم قال: "وشاهده،. . ."، فأسنده من طريق الحسن بن سفيان عن حرملة به.

وعنه: أخرجه البيهقي في الخلافيات (1/ 339 - 341/ 132 و 134)، وقال:"ذكر الحاكم أبو عبد الله -رحمه الله تعالى- هذا الحديث في كتاب المستدرك، وأشار إلى تفرد ابن أبي عبيد الله بذلك، ثم استشهد بحديث الحسن بن سفيان هذا، ورواه في السادس عشر من الأمالي القديمة من حديث الهيثم بن خارجة كما ذكرناه، فثبت بذلك صحة طريقه إلى عبد الله بن وهب المصري"[انظر: الإمام في معرفة أحاديث الأحكام (1/ 580)، ذيل على ميزان الاعتدال (638)].

قلت: حديث الهيثم بن خارجة، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن حبان بن واسع الأنصاري: أن أباه حدثه: أنه سمع عبد الله بن زيد، يذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؛ فأخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذي أخذ لرأسه.

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 65)، وفي الخلافيات (133).

قال في السنن: "وهذا إسناد صحيح".

قلت: وهو كما قال؛ فإن الهيثم بن خارجة، المروذي نزيل بغداد: ثقة؛ إلا أن متن الحديث شاذ بهذا السياق.

نعم؛ لم يتفرد به الهيثم عن ابن وهب، فقد تابعه حرملة بن يحيى [على اختلاف عليه فيه]، وأما متابعة عبد العزيز بن عمران بن مقلاص [مصري: صدوق. الجرح والتعديل (5/ 391)]: فلا تثبت؛ فقد تفرد بها عنه: محمد بن أحمد بن أبي عبيد الله المصري، وهو لا يعرف.

والسبب في حكمي على هذه الرواية بالشذوذ، مع صحة الإسناد إلى ابن وهب: أمور منها:

• الأول: الاختلاف على حرملة بن يحيى في لفظ هذا الحديث، فقد رواه عنه ثقتان بما يوافق رواية جماعة الثقات عن ابن وهب، وخالفهما ثقة واحد، ورواية الأكثر أولى بالقبول من جهة العدد، ومن جهة موافقة هذه الرواية لرواية من رواه عن ابن وهب من الثقات.

• الثاني: أن الهيثم بن خارجة من الغرباء، وقد خالف في لفظ هذا الحديث بلدي الراوي، فقد رواه عن ابن وهب بالرواية المحفوظة: ستة من أهل بلده، ومن نزلائها، وتابعهم: بغداديان ومروزيان؛ بل ورجل من أهل بيته، وأهل بيت الرجل أعلم بحديثه من غيرهم، وعليه فروايتهم أولى بالصواب، وهي المحفوظة.

• الثالث: أن رواية الجماعة عن ابن وهب قد صححها جمع من العلماء، منهم: الإمام مسلم، فأخرجها في صحيحه، والترمذي، فقد قال:"حسن صحيح"، والبيهقي، فقال:"وهذا أصح من الذي قبله"، يعني: من رواية الهيثم بن خارجة ومن تابعه، وصححها أيضًا: ابن خزيمة وابن حبان وأبو عوانة وأبو نعيم، وقال ابن حجر في البلوغ (39) عن رواية مسلم:"وهو المحفوظ".

ص: 53

• الرابع: أن الذين صححوا الرواية الشاذة: قد صرحوا أو ألمحوا إلى شذوذها؛ فهذا الحاكم يقول في معرفة علوم الحديث (98): "هذه سنة غريبة، تفرد بها أهل مصر، ولم يشركهم فيها أحد"، وهذا البيهقي في السنن بعد ما صحح إسنادها، ثم أخرجها من الوجه المحفوظ، يقول:"وهذا أصح من الذي قبله".

• فإن قيل: ألا يؤيد ذلك أيضًا أن عمرو بن الحارث قد توبع على هذا الوجه المحفوظ عنه:

تابعه عبد الله بن لهيعة، فقال: حدثنا حبان بن واسع، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عاصم -عمه- المازني، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالجحفة، فمضمض ثم استنشق، ثم غسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى ثلاثًا، [والأخرى ثلاثًا]، ثم مسح رأسه بماءٍ غيرِ فضل يديه، ثم غسل رجليه حتى أنقاهما.

أخرجه أحمد (4/ 39 و 40 و 41)، والدارمي (1/ 193/ 759 - ط زمرلي)(1/ 553/ 736 - ط حسين سليم أسد)، وابن قانع (2/ 110).

وترجم له الدارمي بقوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماءً جديدًا".

وهي متابعة جيدة، فابن لهيعة وإن كان ضعيفًا إلا أنه يصلح في المتابعات.

فيقال: هذا الحديث رواه هكذا عن ابن لهيعة: موسى بن داود [الضبي: صدوق]، والحسن بن موسى [الأشيب: ثقة]، ويحيى بن حسان [التنيسي: ثقة].

فقالوا فيه: بماءٍ غيرِ فضل يديه، مثل رواية عمرو بن الحارث.

• وخالفهم: عبد الله بن المبارك:

قال الإمام أحمد في مسنده (7/ 3591/ 16732 - ط المكنز)(26/ 390/ 16469 - ط الرسالة)(4/ 42 - الميمنية، وقد تصحف فيها موضع الشاهد): حدثنا علي بن إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله، وعَتَّابٌ، قال: ثنا عبد الله -يعني: ابن المبارك-، قال: أخبرنا ابن لهيعة، قال: ثنا حَبان بن واسع، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالجُحْفة، فذكر معنى حديث حسن؛ إلا أنه قال: ومسح رأسه بماءٍ غَبَرَ من فضل يده.

فهذا الإمام أحمد يبين أن رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة تخالف رواية الحسن بن موسى عنه، وموضع الاختلاف بينهما هو في هذه الجملة التي ذكرها، حيث إن الأولى تدل على أنه أخذ لرأسه ماءً جديدًا، بينما الأخرى تدل على أنه مسح رأسه بما بقي في يديه من غسل ذراعيه، ولم ياخذ لها ماءً جديدًا.

ورواية ابن المبارك هذه عن ابن لهيعة: هي الأقرب للصواب من حديث ابن لهيعة، وإن كانت روايته الموافقة لرواية عمرو بن الحارث قد رواها عنه ثلاثة من الثقات، وذلك لأن ابن المبارك سماعه من ابن لهيعة قديم، وكان يتتبع أصوله، ويكتب منها، وهو في ذلك مثل: عبد الله بن وهب وعبد الله بن يزيد المقرئ، سماعهم من ابن لهيعة صحيح

ص: 54

قديم بخلاف غيرهم، وابن لهيعة ضعيف الحديث، سواء من رواية العبادلة عنه أو من رواية غيرهم، غير أن رواية العبادلة عنه أصح من رواية غيرهم ممن كثرت المناكير في حديثهم عن ابن لهيعة، بسبب: تدليسه، وسوء حفظه، وكثرة أوهامه، واضطرابه، وقبوله للتلقين [التهذيب (2/ 411)، الميزان (2/ 475)، التذييل على التهذيب (214)].

وهذه الرواية وإن كانت من رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة، فهي من دلائل ضعف ابن لهيعة واضطرابه وسوء حفظه، لمخالفته في ذلك رواية عمرو بن الحارث، وهو: ثقة ثبت، فقيه حافظ.

ولهذا فإن الترمذي لم ينقل عن ابن لهيعة غير هذه الرواية المخالفة لحديث عمرو بن الحارث، فقال الترمذي في الجامع (1/ 51 - ط الرسالة) عقب الحديث رقم (35): "وروى ابنُ لهيعة هذا الحديثَ عن حَبان بن واسع، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، وأنه مسح رأسه بماءٍ غَبَرَ من فضل يديه.

ورواية عمرو بن الحارث عن حبان: أصح؛ لأنه قد رُوي من غير وجهٍ هذا الحديثُ عن عبد الله بن زيد وغيره؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماءً جديدًا، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم: رأوا أن ياخذ لرأسه ماءً جديدًا" [انظر: جامع الأصول (7/ 158)، وفيه: "بما غبر فضل يديه". النفح الشذي (1/ 348)، وفيه: "بما غبر من فضل يديه". النكت الظراف (4/ 341)، وتصحفت فيه: غبر إلى غير] [وانظر: حاشية العلامة أحمد شاكر على جامع الترمذي (1/ 51)].

• وحاصل ما تقدم: أن المحفوظ في هذا الحديث: ما رواه مسلم وغيره ممن صححوه: "ومسح برأسه بماء غير فضل يديه"، وأما رواية:"فأخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذي أخذ لرأسه"، فهي: شاذة لا تثبت.

وانظر: الأحكام الوسطى (1/ 171)، بيان الوهم والإيهام (2/ 235)، الإمام (1/ 581)، التلخيص (1/ 158) وغيرها.

وانظر فيمن وهم في إسناده على ابن وهب: معرفة الصحابة (5/ 2737 /6529).

• تنبيه: قال الحافظ في الفتح (1/ 292) عن رواية عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن عبد الله بن زيد: "ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل اليدين مرتين، لكن في رواية مسلم من طريق حبان بن واسع، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وفيه: "ويده اليمنى ثلاثًا، ثم الأخرى ثلاثًا"، فيحمل على أنه وضوء آخر؛ لكون مخرج الحديثين غير متحد"، قلت: وكذلك لاختلاف سياقهما، والله أعلم.

***

121 -

. . . أبو المغيرة: حدثنا حَريز: حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي، قال: سمعت المقدام بن مَعْدي كَرِب الكِنْدي، قال: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 55

بوَضوء، فتوضأ فغسل كفيه ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشق ثلاثًا، ثم مسح برأسه وأذيه ظاهرهما وباطنها.

• إسناده حسن، وهو شاذ بتأخير المضمضة والاستنشاق.

أخرجه ابن الجارود (74)، وأحمد (4/ 132)، والطبراني في الكبير (20/ 277/ 654)، وفي مسند الشاميين (2/ 146/ 1076).

زاد في رواية أحمد والطبراني: وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا.

وهكذا رواية هذا الحديث عن المقدام بن معدي كرب، بتأخير المضمضة والاستنشاق إلى ما بعد غسل الوجه والذراعين: في سنن أبي داود، ومسند أحمد، ومعجم الطبراني، ومسند الشاميين له، وانظر: بيان الوهم (2/ 195/ 176)، جامع الأصول (7/ 159/ 5145)، الإمام في معرفة أحاديث الأحكام (1/ 434)، تحفة الأشراف (8/ 511 - 512/ 11573)، البدر المنير (2/ 160)، الدراية (1/ 29).

وهذا إسناد حمصي حسن؛ رجاله ثقات، غير عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي الحمصي؛ قال ابن المديني:"مجهول؛ لم يرو عنه غير حريز"، وقال ابن القطان الفاسي:"مجهول الحال، لا يعرف روى عنه إلا حريز بن عثمان".

قلت: قد قالا بما علما، وعند غيرهما زيادة علم توجب خلاف حكمها؛ فقد روى عنه أيضًا: صفوان بن عمرو، وثور بن يزيد، وهؤلاء ثلاثة من الثقات يروون عن تابعي، لا سيما حريز بن عثمان؛ الثقة الثبت الذي لا يروي إلا عن ثقة، قال أبو داود:"شيوخ حريز كلهم ثقات"، وقال العجلي في ابن ميسرة:"شامي تابعي، ثقة"، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، فهو صدوق يحسن حديثه، لا سيما وقد صحح إسناده الطبرى في كتابه "تهذيب الآثار" فقال:"إسناده صحيح"[انظر: التهذيب (5/ 186)، الميزان (2/ 594)، إكمال مغلطاي (8/ 239)، ثقات العجلي (835)، الثقات (5/ 109)، بيان الوهم (4/ 109/ 1547) و (2/ 195/ 176) و (5/ 221 و 663)، الذيل على الميزان (527)][وانظر: رد الإمام ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 571 - 573) على تضعيف ابن القطان لهذا الحديث، وكذلك ابن الملقن في البدر المنير (2/ 208)].

فهو إسناد متصل برواية الثقات، سمع بعضهم من بعض، ولم ينفرد به أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، فقد تابعه الوليد بن مسلم وقد صرح فيه بالسماع؛ فانتفت وصمة التدليس، وبمتابعة أبي المغيرة أمنا من التسوية.

لكن يبقى أن يقال بأن هذا الحديث قد جاء بما يخالف ما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة، في ترتيب غسل أعضاء الوضوء، حيث أخر المضمضة والاستنشاق إلى ما بعد غسل الوجه والذراعين، ومثل هذا لا يحتمل بمثل هذا الإسناد، قال ابن القطان في بيان الوهم (2/ 195/ 176): "وتاخير المضمضة والاستنشاق إلى ما بعد غسل الوجه والذراعين بحيث لا يحتمل، إنما أعرفه من حديث المقدام بن معدي كرب، إلا أنه من

ص: 56

رواية من لا تعرف حاله، وهو عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي، ذكر الحديث بذلك أبو داود، فاعلمه"، قلت: قد علمت حال ابن ميسرة، لكن لا يقبل منه مخالفة ما رواه الثقات في الأحاديث الصحيحة، كحديث عثمان بن عفان، وحديث عبد الله بن زيد بن عاصم، وحديث ابن عباس، وحديث علي بن أبي طالب، وحديث عبد الله بن عمرو، وغيرها؛ فهو شاذ بهذا الترتيب، ويقبل منه ما وافق فيه الثقات، والله أعلم.

***

122 -

قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد، ويعقوب بن كعب الأنطاكي، لفظُه، قالا: حدثنا الوليد بن مسلم، عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن المقدام بن معدي كرب، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فلما بلغ مسْحَ رأسِه: وضع كفَّيه على مُقدَّم رأسه، فأمرَّهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ [وعند ابن الأعرابي وابن داسة: بدأ منه].

قال محمود: قال: أخبرني حريز.

• حديث حسن.

يعني: أبو داود: أن الوليد صرح بالتحديث فيه عن حريز بن عثمان، في رواية محمود بن خالد.

***

123 -

قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد، وهشام بن خالد، المعنى، قالا: حدثنا الوليد، بهذا الإسناد، قال: ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، زاد هشام: وأدخل أصابعه في صِمَاخ أذنيه.

• حديث حسن.

قلت: رواه عن الوليد أيضًا: أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى الدمشقي، ابن بنت شرحبيل [صدوق]، ومحمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني [صدوق]، وصرح في روايته بالسماع، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن به، وفي آخره: ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما مرة واحدة.

وممن رواه عن الوليد فصرح فيه بالتحديث أيضًا: صفوان بن صالح، وهشام بن عمار، وفي رواية هشام: فغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا.

أخرج حديثهم عن الوليد بن مسلم:

ابن ماجه (442 و 457)، وأبو عبيد في الطهور (334 و 354)، والطحاوي في شرح

ص: 57

المعاني (1/ 32)، وفي أحكام القرآن (26)، والطبراني في الكبير (19/ 378/ 887) و (20/ 277/ 655 و 656)، وفي مسند الشاميين (2/ 136 و 147/ 1060 و 1077)، والبيهقي (1/ 59 و 65)، وابن عبد البر (20/ 124 - 125).

قال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 207): "وهذا حديث سكت عليه أبو داود وعبد الحق، فيكون محتجًا به عندهما، إما صحيحًا أو حسنًا عند أبي داود، وإما صحيحًا عند عبد الحق" يعني: الإشبيلي.

وقال ابن الصلاح في كلامه على المهذب: إنه حديث حسن [البدر المنير (2/ 209)]، وتبعه على ذلك النووي في المجموع (1/ 468).

وقال في الخلاصة (187): "رواه أبو داود بإسناد صحيح".

وقال ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 573): "فبرواية محمود عن الوليد يزول التدليس، وبرواية أبي المغيرة عن حريز تزول التسوية".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 209): "الحديث حسن".

وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 156/ 94): "إسناده حسن"، وهو كما قال.

وقد صححه أو حسنه ابن القطان بشاهده من حديث الربيع بنت معوذ الآتي برقم (131) ولفظه: "فأدخل إصبعيه في حجري أذنيه، [بيان الوهم (5/ 221)].

***

124 -

قال أبو داود: حدثنا مُؤَمَّل بن الفضل الحراني: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا عبد الله بن العلاء: حدثنا أبو الأزهر المغيرة بن فروة ويزيد بن أبي مالك: أن معاوية توضأ للناس كما رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فلما بلغ رأسَه غرف غرفة من ماء، فتلقَّاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه، حتى قطر الماء أو كاد يقطر، ثم مسح من مُقدَّمه إلى مُؤخَّره، ومن مُؤخَّره إلى مُقَّدمه.

• حديث حسن؛ بمجموع طرقه، وبشاهده عن المقدام بن معدي كرب، دون قوله:"غرف غرفة من ماء، فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه، حتى قطر الماء، أو: كاد يقطر": فإنه شاذ.

وفي رواية علي بن بحر عن الوليد به عند أحمد: وأنه مسح رأسه بغرفة من ماء، حتى يقطر الماء من رأسه، أو: كاد يقطر، وأنه أراهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ مسح رأسه، وضع كفيه على مقدم رأسه، ثم مر بهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما حتى بلغ المكان الذي بدأ منه.

رواه أيضًا عن الوليد: دحيم، وصفوان بن صالح، ومحمود بن خالد [وخمستهم ثقات].

أخرجه أحمد (4/ 94)، وأبو بكر الأثرم في السنن (4)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 30)، وفي أحكام القرآن (25)، والطبراني في الكبير (19/ 378 و 384/ 887 و 900)،

ص: 58

وفي مسند الشاميين (1/ 450/ 792 و 794) و (2/ 136/ 1060)، والبيهقي (1/ 59)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 150/ 137).

وهذا إسناد دمشقي حسن؛ لولا إرساله.

قال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (5/ 663): "وأحد راوييه عن معاوية: لا تعرف حاله، والآخر لا يعرف سماعه منه".

قال الحافظ العراقي في ذيله على ميزان الاعتدال (697): "قلت: مراده بالذي لا تعرف حاله: المغيرة؛ فإن يزيد: روايته عن معاوية مرسلة، وقد وثقه أبو حاتم وغيره، فتعين أن يكون أراد بالمجهول: المغيرة؛ وليس بمجهول الحال، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة".

قلت: والحق مع الحافظ العراقي، فإذا يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك: ثقة [الجرح والتعديل (9/ 277)، التهذيب (9/ 360)]، قال المزي في التهذيب (32/ 189) لما ذكر روايته عن معاوية بن أبي سفيان:"وفي سماعه منه نظر"، قلت: بل لم يدركه؛ فقد ولد يزيد بن أبي مالك في السُّنَّة التي توفي فيها معاوية بن أبي سفيان سنة ستين، وهذا على قولٍ، وأكثرهم على أن يزيد توفي سنة (130) وله اثنتان وسبعين سنة، وعليه تكون ولادته سنة (58) فيكون عمره سنتين فقط يوم وفاة معاوية، وعلى قول ثالث: أنه مات سنة (138)، وله (78) سنة، وعليه: تكون ولادته سنة ستين أيضًا، فأنى يكون له إدراك لمعاوية [انظر: تهذيب الكمال (32/ 192)، تهذيب التهذيب (9/ 361)]، لكن قال الآجري: قيل لأبي داود: يزيد بن أبي مالك سمع من معاوية؟ قال: أُراه قد سمع من أبي الدرداء، قال: يزيد يرسل" [سؤالات الآجري (5/ ق 21)]، وهذا يؤيد احتمال إدراك يزيد لمعاوية فإن أبا الدرداء توفي في أواخر خلافة عثمان، يعني: قبل سنة (35)، لكن العلم بكونه يرسل ولم يصرح بسماع: يرُدُّ هذا القول؛ لا سيما مع قول الذين أرخوا سنة وفاته وعمره، فقولهم أحق أن يُقبل ويعتمد عليه، والله أعلم.

وقد رأيت في العلل ومعرفة الرجال (2/ 458/ 3030) من طريق: خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه: أن أبا الدرداء كان يقضي على أهل دمشق. . . فذكر قصة، ولم يذكر فيها سماعًا ليزيد من أبي الدرداء، أو أنه أدرك هذه القصة والواقعة، وخالد بن يزيد راويها: ضعيف، اتهمه ابن معين [التقريب (293)].

والمغيرة بن فروة أبو الأزهر: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه ثلاثة من ثقات أهل الشام، وقال ابن حزم في المحلى (7/ 24):"غير مشهور"، فهو حسن الحديث إذا لم يخالف أو ينفرد، ولا يعرف له سماع من معاوية بن أبي سفيان [انظر: التاريخ الكبير (7/ 0 32)، الجرح والتعديل (8/ 227)، الثقات (5/ 410)، تاريخ دمشق (60/ 81)، التهذيب (8/ 307)، التقريب (966) وقال:"مقبول"، يعني: إذا توبع، تابعه يزيد بن أبي مالك مقرونًا به] [وانظر أيضًا: فتح الباب (545 و 557)].

ص: 59

• وقد جمع صفوان بن صالح، ومحمود بن خالد [وهما ثقتان] في هذا الحديث أسانيد:

• رواه صفوان بن صالح قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن حريز بن عثمان، قال: سمعت القاسم بن محمد الثقفي، يحدث عن معاوية: أنه أراهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ مسح رأسه: جعل يديه على مقدم رأسه، ثم مر بهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما حتى بلغ المكان الذي بدأ منه.

قال الوليد: وأخبرني عبد الله بن العلاء بن زبر، عن أبي الأزهر، عن معاوية بذلك.

وأخبرني سعيد بن عبد العزيز، عن يونس بن ميسرة، عن المقدام بن معدي كرب بمثل ذلك.

وأخبرني حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن المقدام بن معدي كرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 136 /1060)، وفي المعجم الكبير (19/ 377/ 886) بالإسناد الأول فقط، لكن جعل "عثمان بن المنذر" بدل "حريز بن عثمان".

وأخرجه الطبراني في الكبير (888)، من طريق: إسحاق بن إدريس: ثنا الوليد بن مسلم، عن عثمان بن محمد: حدثني القاسم بن محمد: أنه حضر معاوية توضأ، فمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما، وقال: هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 32)، من طريق: محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، بالإسناد الرابع فقط، وفيه سماع ابن ميسرة من المقدام، وزاد مسح الأذنين.

وبنحوه من طريق صفوان بن صالح: أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 147/ 1077).

• ورواه محمود بن خالد: ثنا الوليد بن مسلم، قال: قال عثمان بن المنذر: سمعت القاسم بن محمد الثقفي، يحدث عن معاوية: أنه أراهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ مسح رأسه: وضع كفيه على مقدم رأسه، ثم مر بهما حتى بلغ المكان الذي بدأ منه.

قال الوليد: وأخبرني عبد الله بن العلاء بن زبر، عن أبي الأزهر، عن معاوية بذلك.

وأخبرني حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن المقدام بن معدي كرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 378 /887)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 39).

ورواه ابن عساكر أيضًا (40/ 39)، من طريق: محمود بن خالد، عن الوليد، قال: وقال عثمان بن المنذر: سمعت القاسم بن محمد الثقفي، يحدث عن معاوية: أنه أراهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ مسح رأسه: وضع كفيه على مقدم رأسه، ثم مر بهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما حتى بلغ المكان الذي منه بدأ.

قال: أنا محمود: ثنا الوليد، قال: وأخبرني سعيد بن عبد العزيز، عن ابن حلبس، عن معاوية مثله.

ص: 60

ثم رواه بالإسناد الأول فقط في موضع آخر (49/ 155).

• أما الإسناد الثاني والرابع في رواية صفوان، والإسناد الثاني والثالث في رواية محمود فقد تقدم الكلام عليها.

ويبقى الكلام على الإسناد الأول والثالث في رواية صفوان، والأول في رواية محمود:

• أما الإسناد الأول: ففيه وهم، لا أدري أهو من شيخ الطبراني، أم من الطبراني نفسه؟ وهو جعل حريز بن عثمان راويًا عن القاسم بن محمد الثقفي، وإنما راويه عنه: عثمان بن المنذر، كما في كتب الرجال، وكما وقع في المعجم الكبير (886) من رواية صفوان، و (887) من رواية محمود بن خالد، وكذا عند ابن عساكر [انظر: التاريخ الكبير (6/ 250) و (7/ 157)، الجرح والتعديل (6/ 169) و (7/ 118)، الثقات (5/ 305) و (8/ 451)، تاريخ دمشق (40/ 38) و (49/ 155)].

ووهم إسحاق بن إدريس [وهو ضعيف. اللسان (1/ 390)] فقال: "عثمان بن محمد" بدل "عثمان بن المنذر"[طب (888)].

والقاسم بن محمد بن أبي سفيان الثقفي، وعثمان بن المنذر: مجهولان؛ انظر: ما تقدم من كتب الرجال، ولا يعرف للقاسم سماع من معاوية؛ فالإسناد ضعيف.

وقد روى الذهبي هذا الحديث في السير (14/ 290)، وفي تاريخ الإسلام (23/ 322)، من طريق: دحيم: ثنا الوليد بن مسلم: ثنا عثمان بن المنذر: أنه سمع القاسم بن محمد، يحدث عن معاوية به، بهذا الإسناد فقط ثم قال:"غريب، والقاسم هذا: ثقفي من أهل دمشق، روى عنه أيضًا: قيس بن الأحنف"، وقال في التاريخ:"مُقِلٌّ".

• وأما الإسناد الثالث: فإن رجاله شاميون ثقات، إن سلم من تسوية الوليد بن مسلم، وخالف صفوانَ فيه: محمودُ بن خالد [عند ابن عساكر (40/ 39)]، فجعله من مسند معاوية بدل المقدام.

• وخلاصة ما تقدم:

فإن حديث معاوية: حسن؛ بمجموع طرقه، وبشاهده عن المقدام بن معدي كرب، بل قد جاء معناه في أحاديث صحيحة، مثل حديث علي بن أبي طالب [تقدم برقم (113)]، وحديث عبد الله بن زيد [تقدم برقم (118)].

وأما ما جاء في بعض طرقه: "غرف غرفة من ماء، فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه، حتى قطر الماء، أو: كاد يقطر": فإنه شاذ لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه، وإنما الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح رأسه؛ لا أنه وضع الماء على رأسه، وما جاء في هذا المعنى من حديث علي [وقد تقدم برقم (114)] بلفظ:"حتى لما يقطر": فلا يشهد له؛ فإن فيه ضعفًا أيضًا فليراجع، والعمدة في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم: إنما هو فيما ثبت عنه من حديث عثمان وعلي وعبد الله بن زيد وغيرهم: من مسح الرأس فقط.

***

ص: 61

125 -

قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد: حدثنا الوليد، بهذا الإسناد، قال: فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وغسل رجليه بغير عدد.

• رجاله ثقات، ولفظة:"بغير عدد": شاذة.

أخرجه من طريق محمود بن خالد: ابن شاهين في الناسخ (123)، وابن سمعون في أماليه (96)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 81)، والمزي في التهذيب (28/ 393 - 394).

وأخرجه أحمد (4/ 94)، عن علي بن بحر، عن الوليد به.

والطبراني في مسند الشاميين (1/ 450/ 793)، من طريق دحيم، عن الوليد به.

وفي المعجم الكبير (19/ 378/ 889)، من طريق صفوان بن صالح، عن الوليد به.

وفي رواية علي بن بحر، ومحمود بن خالد، وصفوان بن صالح: التصريح بالسماع في جميع طبقات السند؛ عدا أبي الأزهر وابن أبي مالك فلم يُذكر لهما سماع من معاوية، والذي لولاه لكان هذا الإسناد حسنًا؛ كما تقدم تقريره.

• وأما قوله: "وغسل رجليه بغير عدد" فإنه إن كان محفوظًا: فيمكن حمله على الإنقاء فيما لم يزد على ثلاث مرار، كما جاء في حديث عبد الله بن زيد الصحيح الذي أخرجه مسلم وتقدم معنا برقم (120)، ولفظه:"وغسل رجليه حتى أنقاهما".

وأما إن أريد به الزيادة على الثلاث: فإنه مردود بصريح حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، والذي سيأتي برقم (135)، وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، إلى أن غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال:"هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم"، والله أعلم.

***

126 -

. . . بشر بن المفضل: حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن الرُّبَيِّع بنت مُعوِّذ ابن عَفْراء، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا، فحدثتنا أنه قال:"اُسكُبي لي وَضوءًا"، فذكرت وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت فيه: فغسل كفيه ثلاثًا، ووضا وجهه ثلاثًا، ومضمض واستنشق مرة، ووضَّأ يديه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه مرتين: يبدأ بمؤخَّر رأسه ثم بمقدَّمه، وبأذنيه كلتيهما ظهورِهما وبطونِهما، ووضَّأ رجليه ثلاثًا ثلاثًا.

قال أبو داود: وهذا معنى حديث مسدد.

• حديث ضعيف، اضطرب فيه ابن عقيل، ولم يضبطه.

قلت: يعني: شيخه راويه عن بشر.

وفي رواية: قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا، قال: فحدثتنا أنه قال: "اسكبي لي وضوءًا"، فسكبت له في ميضاة، وهي الركوة، فأخذ مُدًّا وثلثا، أو مدًّا وربعًا، فقال:"اسكبي على يدي"، فغسل كفيه ثلاثًا، ثم قال:"ضعي"، قالت: فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا

ص: 62

أنظر، فوضَّأ وجهه ثلاثًا، ومضمض واستنشق مرة، ووضَّأ يده اليمنى ثلاثًا، ووضأ يده اليسرى ثلاثًا، ثم مسح برأسه مرتين: يبدأ بمؤخَّر رأسه ثم بمقدمَّه، ثم مؤخَّر رأسه ثم مقدَّمه، ثم مسح بأذنيه كلتيهما ظاهرهما وباطنهما، ووضَّأ رجله اليمنى ثلاثًا، ووضَّأ رجله اليسرى ثلاثًا.

أخرجه الترمذي (33) مختصرًا. والحاكم (1/ 152)، وأبو بكر المروزي محمد بن يحيى في زوائده على الطهور لأبي عبيد (116)، والطبراني في الكبير (24/ 271/ 686)، والبيهقي في السنن (1/ 64) مطولًا وقد سقت لفظه. وفي المعرفة (1/ 175/ 87)، وفي الخلافيات (1/ 322/ 124).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسنادًا، وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث، منهم: وكيع بن الجراح".

يعني: في البداءة بمؤخر الرأس؛ وعليه ترجم للحديث.

وقال الحاكم: "ولم يحتجا بابن عقيل، وهو مستقيم الحديث، مقدم في الشرف".

قلت: نعم؛ هو من سادات المسلمين، وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم أبي طالب الهاشمي الطالبي المدني، وأمه زينب بنت علي بن أبي طالب، وهو من فقهاء أهل البيت وقرائهم، إلا أنه كان رديء الحفظ، ولم يكن بمستقيم الحديث كما يقول الحاكم [انظر: السير (6/ 204)، المجروحين (2/ 3)]، بل كثرت الأوهام في مروياته حتى صار ضعيفًا عند الجمهور، سواه أحمد وابن معين بعاصم بن عبيد الله -الضعيف-[العلل ومعرفة الرجال (2038)، سؤالات أبي داود (152 و 566)، التهذيب (4/ 475)]، وحديثه في مرتبة الحسن -كما قال الذهبي- إذا لم يخالف، أو لم يختلف عليه فيه، سواء في إسناده أو في متنه [انظر: الميزان (2/ 485)، المغني (1/ 354)، السير (6/ 205)، التلخيص الحبير (2/ 222)]، وهذا الحديث قد اختلف عليه في متنه، وروي عنه بألفاظ مختلفة، مما يدل على أنه لم يضبطه، وجاء هو فيه بما يخالف الأحاديث الصحيحة الثابتة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، مثل تقديم غسل الوجه على المضمضة والاستنشاق، ومثل مسح الرأس مرتين، ومثل البداءة في مسح الرأس بالمؤخرة، وغير ذلك مما سيأتي ذكره في طرق الحديث.

قال ابن عبد البر في التمهيد (7/ 275 - إحياء التراث): "وهو حديث مختلف في ألفاظه، وهو يدور على عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع،. . .، وعبد الله بن محمد بن عقيل: ليس بالحافظ عندهم، وقد اختلف عنه في هذا".

وقال العباس بن يزيد -راوي هذا الحديث عن ابن عيينة-: "هذه المرأة حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بدأ بالوجه قبل المضمضة والاستنشاق، وقد حدَّث أهل بدر، منهم: عثمان وعلي رضي الله عنهما: أنه بدأ بالمضمضة والاستنشاق قبل الوجه، والناس عليه"[سنن الدارقطني (1/ 96 - 97)].

وابن عقيل قد مضى له معنا في السنن حديث: "مفتاح الصلاة الطهور" برقم (61) وهو حديث صحيح، وقد فصلنا في ابن عقيل القول هناك، ونقلنا أقوال أهل العلم فيه

ص: 63

فليراجع، وسبق له أيضًا حديث في تخريج الذكر والدعاء (2/ 823 /371) في الأضحية، وقد اضطرب فيه اضطرابًا شديدًا؛ ولأجله قال فيه أبو حاتم:"ابن عقيل لا يضبط حديثه"، وقال أيضًا:"هذا من تخليط ابن عقيل"، ووافقه في هذا أبو زرعة والدارقطني، راجع الحديث رقم (370 و 371) من الأذكار.

***

127 -

. . . سفيان، عن ابن عقيل، بهذا الحديث يُغيِّر بعض معاني بِشْر، قال فيه:"وتمضمض واستنثر ثلاثًا".

• حديث ضعيف، اضطرب فيه ابن عقيل، ولم يضبطه.

أخرجه أحمد (6/ 358)، والحميدي (342)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 373/ 348)، والعقيلي (2/ 299)، والطبراني في الكبير (24/ 267/ 677)، والدارقطني (1/ 96)، والبيهقي في السنن (1/ 72)، وفي المعرفة (1/ 175/ 87)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 260).

قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قال: أرسلني علي بن حسين إلى الربيع بنت معوذ ابن عفراء، فسألتها عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجت له -يعني-: إناءً يكون مدًّا، أو نحو مد وربع-قال سفيان: كأنه يذهب إلى الهاشمي-، قالت: كنت أُخرِج له الماء في هذا، فيصبُّ على يديه ثلاثًا، -وقال مرة: يغسل يديه قبل أن يدخلها-، ويغسل وجهه ثلاثًا، ويمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ويغسل يده اليمنى ثلاثًا، واليسرى ثلاثًا، ويمسح برأسه -وقال: مرة أو مرتين-، مقبلًا ومدبرًا، ثم يغسل رجليه ثلاثًا.

قد جاءني ابن عم لك فسألني -وهو ابن عباس-، فأخبرته، فقال لي: ما أجد في كتاب الله إلا مسحتين وغسلتين.

وفي رواية الحميدي -وهو راوية سفيان بن عيينة-: تقديم المضمضمة والاستنشاق على غسل الوجه، وقال في آخره: ووصف لنا سفيان المسح: فوضع يديه على قرنيه، ثم مسح بهما إلى جبهته، ثم رفعها ووضعها على قرنيه من وسط رأسه، ثم مسح إلى قفاه.

قال سفيان: وكان ابن عجلان حدثناه أولًا، عن ابن عقيل، عن الربيع، فزاد في المسح، قال: ثم مسح من قرنيه إلى عارضيه حتى بلغ طرف لحيته، فلما سألنا ابن عقيل عنه، لم يصف لنا في المسح العارضين [وفي رواية العقيلي عن الحميدي:"قصر لنا في المسح"]، وكان في حفظه شيء فكرهت أن أُلقِّنه. اهـ أصححت بعضه من كتاب الضعفاء الكبير للعقيلي (2/ 701 - طبعة حمدي السلفي)] [وانظر: المعرفة والتاريخ (3/ 49)].

ورواية سفيان بن عيينة هذه تبين أن ابن عقيل حدثه بهذا الحديث وكان قد تغير، لقوله:"فكرهت أن أُلقِّنه"، وفيها تثليث المضمضة والاستنشاق، وصفة أخرى في مسح الرأس.

***

ص: 64

128 -

. . .الليث، عن ابن عجلان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندهما، فمسح الرأس كله، من قَرْن الشعر كلَّ ناحية لِمُنْصَبِّ الشعر، لا يحرِّك الشعر عن هيئته.

• حديث ضعيف، اضطرب فيه ابن عقيل، ولم يضبطه.

أخرجه أحمد (6/ 359 و 360)، وأبو عبيد في الطهور (1332، وابن المنذر (1/ 393/ 384)، والطبراني في الكبير (24/ 271/ 688)، والبيهقي (1/ 60).

***

129 -

. . . بكر بن مضر، عن ابن عجلان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل: أن ربيع بنت معوذ ابن عفراء أخبرته، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، قالت: فمسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصُدْغيه، وأذنيه، مرة واحدة.

• حديث ضعيف، اضطرب فيه ابن عقيل، ولم يضبطه.

في بعض النسخ المطبوعة زيادة: "عن أبيه" وليست في نسخة محمد عوامة المحققة، وهو الصواب، قال المزي في تحفة الأشراف (11/ 304):"قال أبو القاسم: وجدت في نسخة من طريق اللؤلؤي: عن ابن عقيل عن أبيه عن ربيع، وهو وهم".

وقال في تهذيب الكمال (26/ 131): "ووقع في بعض الثسخ من سنن أبي داود من رواية أبي علي اللؤلؤي: حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن أبيه، عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء في الوضوء، وهو وهم، وفي باقي الروايات: عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع، ليس فيه: عن أبيه.

وكذلك في رواية الترمذي، وهو الصواب، والله أعلم".

أخرجه الترمذي (34)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(31)، وأبو عبيد في الطهور (337)، والطحاوي (1/ 33)، والطبراني في الكبير (24/ 272/ 689)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 438/ 225)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 156/ 144).

قال الترمذي: "وحديث الربيع: حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه مسح برأسه مرة، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، وبه يقول: جعفر بن محمد، وسفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: رأوا مسح الرأس مرة واحدة.

حدثنا محمد بن منصور المكي، قال: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: سألت جعفر بن محمد عن مسح الرأس أيجزئ مرة؟ فقال: إي والله".

ص: 65

قلت: صححه الترمذي لموافقة هذه الرواية في ظاهرها الأحاديث الصحيحة المروية في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فالحديث ضعيف لاضطراب ابن عقيل فيه.

وبكر بن مضر: ثقة ثبت، وتابعه على هذا الوجه مع بعض الاختلاف في الألفاظ:

إسماعيل بن جعفر [ثقة ثبت]، وسعيد بن أبي أيوب [ثقة ثبت]، والحسن بن عياش [صدوق]، وهمام بن يحيى [ثقة]، وبقية بن الوليد [صدوق يدلس ويسوى]، وابن لهيعة [ضعيف]: ستتهم، عن ابن عجلان به نحوه.

وفي رواية ابن لهيعة: مسح على رأسه مجاري الشعر، ما أقبل منه وما أدبر، ومسح صدغيه وإذنيه ظاهرهما وباطنهما.

أخرج حديثهم: أحمد (6/ 359)، وأبو عبيد بن الطهور (330 و 350)، وابن المنذر (1/ 393/ 383)، والطحاوي (1/ 33)، والطبراني في الكبير (24/ 272/ 690)، وفي الأوسط (6/ 169/ 6100)، وفي الصغير (2/ 280/ 1167)، والبيهقي (1/ 59 - 65)، والخطيب في التاريخ (6/ 135)، وفي تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 523).

***

130 -

. . . عبد الله بن داود، عن سفيان بن سعيد، عن ابن عقيل، عن الربيع: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فَضْل ماءٍ كان في يده.

• حديث ضعيف، اضطرب فيه بن عقيل، ولم يضبطه.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (1/ 288/ 200)، والطبراني في الأوسط (3/ 36/ 2389)، وفي الكبير (24/ 267/ 679)، والدارقطني (1/ 87)، وقال في رواية:"بلل يديه"، وفي أخرى:"بما فضل في يديه من الماء". وابن حزم في المحلى (1/ 184)، والبيهقي في السنن (1/ 237)، وفي الخلافيات (3/ 12/ 869)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 318/ 225).

وعبد الله بن داود، هو الخريبي: ثقة عابد، تابعه:

أ- وكيع بن الجراح [ثقة حافظ، من أثبت الناس في الثوري]، فرواه عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: حدثتني الربيع بنت معوذ ابن عفراء قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا فيكثر، فأتانا فوضعنا له الميضاة، فتوضأ، فغسل كفيه ثلاثًا، ومضمض واستنشق مرة مرة، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا، ومسح رأسه بما بقي من وَضوئه في يديه مرتين، بدأ بمؤخره ثم رد بده إلى ناصيته، وغسل رجليه ثلاثًا، ومسح أذنيه مقدَّمهما ومؤخَّرهما.

أخرجه مطولًا ومختصرًا:

ابن ماجه (418 و 438)، وأحمد (6/ 358) وهذا لفظه، و (6/ 359)، وإسحاق (5/ 140/ 2263)، وابن أبي شيبة (1/ 16 و 23 و 27 و 28/ 59 و 145 و 198 و 211)، وابن

ص: 66

المنذر (1/ 392/ 381)، والطبراني في الكبير (24/ 268 و 269/ 678 و 680 و 681)، والبيهقي في السنن (1/ 65) وفيه:"فأدخل إصبعيه في أذنيه". وفي الخلافيات (1/ 320/ 122)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 163/ 155).

ب- عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي [ثقة مأمون، أثبت الناس كتابًا في الثوري]، فرواه عن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، فأصغي له وَضوءًا في مخضب حزرناه مدًّا، قالت: فبدأ فغسل كفيه ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشق ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل بله اليمنى ثلاثًا، ثم يده اليسرى ثلاثًا، ثم مسح رأسه بماء يديه من بقية الماء، من قِبَل قفاه فعلا به إلى ناصيته مرتين، ثم مسح بطون أذنيه وظهورهما، وجعل بدخل أصبعيه في أذنيه، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثًا، ثم رجله اليسرى ثلاثًا.

أخرجه البيهقي في الخلافيات (1/ 321 - 322/ 123).

• خالف الثوريَّ [الإمام الثقة الثبت الحجة]:

أ- قيس بن الربيع [صدوق، تغير لما كبر وساء حفظه، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به]، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: أرسلني علي بن الحسين إلى الربيع بنت معوذ أسألها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيرًا ما يتوضأ عندهم، فأتيتها فسألتها؟ فقالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فأخذ لرأسه ماءًا جديدًا.

أخرجه الطيالسي (1729)، والطبراني في الكبير (24/ 273/ 693)، وزاد:"أدبر بيديه وأقبل بهما".

وخالف الثوري أيضًا في مسح الرأس بما فضل في يديه من الماء:

ب- شريك بن عبد الله النخعي [وهو: سيئ الحفظ]، فرواه عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ، قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بميضأة، فقال:"اسكبي"، فسكبت، فغسل وجهه، وذراعيه إلى مرفقيه، وأخذ ماءً جديدًا فمسح به رأسه: مقدمه ومؤخره، وغسل قدميه ثلاثًا ثلاثًا.

أخرجه ابن ماجه (390 و 440)، وأبو بكر المروزي في زياداته على الطهور لأبي عبيد (331)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2416) مطولًا بنحو رواية ابن عيينة.

والطحاوي (1/ 33)، والطبراني في الكبير (24/ 269/ 682 و 683)، والبيهقي (1/ 237).

• وعلى هذا: فإما أن يقال بأن المحفوظ من حديث الرُّبيِّع: هو ما رواه الثوري ومن تابعه، بـ "أنه صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده"، أو "ببلل يديه"، أو "بما بقي من وضوئه في يديه مرتين"، وتكون رواية قيس بن الربيع وشريك: شاذة، وهو "أنه صلى الله عليه وسلم أخد لرأسه ماء جديدًا".

وإما أن يقال: بأن هذا من جملة اضطراب ابن عقيل في متن هذا الحديث، وأنه قد حدث كلًّا بما رواه، وكلٌّ قد حدث بما حفظ وسمع.

ص: 67

وهذا هو الأقرب عندي للصواب، وهو أن هذا الاختلاف في المتن إنما هو من تخليط ابن عقيل [انظر: تخريج الأذكار (2/ 823)].

• وهناك احتمال في الجمع بين الروايتين ذكره البيهقي (1/ 237)، وهو أن تحمل رواية الثوري على أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ماءً جديدًا لرأسه ثم صبه ومسح رأسه بما فضل في يديه من هذا الماء، تؤيده رواية:"ببلل يديه"، وهو احتمال قوي يجمع به بين الروايات، وبه توافق رواية الثوري الأحاديث الصحيحة المصرحة بكونه أخذ لرأسه ماءً جديدًا، والله أعلم.

ورواية قيس وشريك هي الموافقة للرواية الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن زيد الذي أخرجه مسلم بلفظ "ومسح برأسه بماء غير فضل يده"[تقدم برقم (120)]، وهو الظاهر من حديث علي بن أبي طالب الصحيح، ففي رواية أبي عوانة المتقدمة برقم (111):"ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة"، وفي رواية زائدة بن قدامة (112):"ثم أدخل يده اليمنى في الإناء حتى غمرها الماء، ثم رفعها بما حملت من الماء، ثم مسحها بيده اليسرى، ثم مسح رأسه بيديه كلتيهما مرة"، وفي رواية شعبة (113):"وأخد من الماء فمسح برأسه"، وفي حديث عبد الله بن زيد المتفق عليه [المتقدم برقم (119)]:"ثم أدخل بده فاستخرجها فمسح برأسه".

قال البيهقي بعد أن أسند رواية شريك: "هكذا رواه شريك بن عبد الله، وهو موافق للرواية الصحيحة عن عبد الله بن زيد، وروي عن عبد الله بن محمد بن عقيل ما يشبه خلافه ويشبه موافقته"، ثم أسند رواية عبد الله بن داود الخريبي، ثم قال:"هكذا رواه جماعة عن عبد الله بن داود وغيره عن الثوري، وقال بعضهم: "ببلل يديه"، وكانه أراد: أخذ ماءً جديدًا فصب بعضه ومسح رأسه ببلل يديه، وعبد الله بن محمد بن عقيل لم يكن بالحافظ، وأهل العلم بالحديث مختلفون في جواز الاحتجاج برواياتها [السنن (1/ 237)].

إذا علمت هذا فلا ينبغي أن يعوَّل على ما ذكره الألباني في حكم هذه المسألة في الضعيفة (2/ 424/ 995)، والله أعلم.

***

131 -

. . . الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فأدخل إصبعيه في جُحْرَي أذنيه.

• حديث ضعيف، اضطرب فيه ابن عقيل، ولم يضبطه.

أخرجه ابن ماجه (441)، وأحمد (6/ 359)، والطبراني في الكبير (24/ 267/ 675)، والبيهقي (1/ 65)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 439/ 225).

ولفظه عند الطبراني بإسناد صحيح إلى الحسن: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكبت له طَهورًا، فمضمص واستنشق، وغسل وجهه ثلاثًا ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه مرتين: بدأ بمؤخره قبل مقدمه، ومسح مؤخر أذنيه، وأدخل إصبعيه في جُحر أذنيه، وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا.

ص: 68

والحسن بن صالح: ثقة ثقة.

• وممن روى هذا الحديث أيضًا عن ابن عقيل:

8 -

معمر بن راشد [ثقة]، عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قال: دخلت على الربيع بنت عفراء، فقالت: من أنت؟ قال: قلت: أنا عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قالت: فمن أمك؟ قلت: ريطة بنت علي، أو: فلانة بنت علي بن أبي طالب، قالت: مرحبًا بك يا ابن أختي، قلت: جئتك أسألك عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلنا ويزورنا، وكان يتوضأ في هذا الإناء، أو: في مثل هذا الإناء، وهو نحو مد، قالت: فكان يغسل يديه، ويمضمض ويستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه ثلاثًا ثلاثًا، ثم مسح برأسه مرتين، ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وغسل قدميه ثلاثًا ثلاثًا.

ثم قالت: أما ابن عباس قد دخل عليَّ فسألني عن هذا الحديث فأخبرته، فقال: يأبى الناس إلا الغسل، ونجد في كتاب الله المسح على القدمين.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 8 و 14 و 22 و 37/ 11 و 35 و 65 و 119)، وإسحاق بن راهويه (65/ 141/ 2264)، وابن المنذر (1/ 400/ 391)، والطبراني في الكبير (24/ 266/ 673 و 674).

9 -

زهير بن محمد [ثقة؛ إلا أن رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، والراوي عنه هنا أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي، وهو: بصري، إلا أنه صدوق سيء الحفظ، وكان يصحف]، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: سمعت الربيع بنت معوذ ابن عفراء، تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا، وكنت أسكب له وَضوءًا، فيتوضأ عندنا في ميضأة لنا قدر مد ونصف، أو مد وثلث، وكنت أسكب على كفيه ثلاث مرات، ثم أضعها له، فيتمضمض ويستنشق، ويغسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا، ويمسح رأسه وأذنيه، ثم يغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا.

أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 270/ 684).

10 -

روح بن القاسم [ثقة حافظ]، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا، فنأتيه بميضأة لنا فيها ماء، يأخذ بمد المدينة مدًّا ونصفًا أو ثلثًا، فأصب عليه، فيغسل يديه ثلاثًا، ويمضمض ويستنشق، ويغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ويمسح برأسه مرة واحلة، ويمسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، ويُطَهِّر قدميه.

أخرجه ابن ماجه (458) مختصرًا. وابن أبي شيبة (1/ 27/ 199)، وأبو عمر الدوري في قراءات النبي صلى الله عليه وسلم (36)، والطحاوي (1/ 33)، والطبراني في الأوسط (3/ 35/ 2388)، وفي الكبير (24/ 367/ 676) مطولًا واللفظ له.

11 -

عبيد الله بن عمرو الرقي [ثقة فقيه]، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا، فآخذ ميضأة لنا قدر مد

ص: 69

ونصف، أو مد وثلث، فأسكب عليه من الماء، فيغسل يديه ثلاثًا، ويتمضمض ويستنشق، ويغسل وجهه ثلاثًا، ويمسح برأسه مرتين، ثم يغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا. وفي رواية: وتمضمض ثلاثًا.

أخرجه الدارمي (1/ 187/ 690) مختصرًا. وابن المنذر (1/ 362/ 334)، والطحاوي (1/ 36)، والطبراني في الكبير (24/ 271/ 687) مطولًا.

12 -

فليح بن سليمان [صدوق كثير الخطأ]، عن ابن عقيل، بنحوه، وفيه: فمضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه ثلاثًا، ثم مسح مقدم رأسه ومؤخره، ومسح أذنيه مع مؤخر رأسه، وغسل رجليه.

أخرجه الطبراني (24/ 270/ 685).

13 -

مسلم بن خالد [الزنجي: فقيه، صدوق كثير الأوهام]، عن ابن عقيل: حدثتني الربيع بنت معوذ، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فمسح مقدم رأسه ومؤخره، وصدغيه، ثم أدخل اصبعبه السبابتين فمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما.

أخرجه الدارقطني (1/ 106).

14 -

إسحاق بن حازم الزيات [صدوق]، عن ابن عقيل به، وفيه: فتوضأ فغسل وجهه، وغسل يديه، ومسح برأسه ومسح صدغيه، ومسح مقدم رأسه، ومسح مؤخر رأسه، حتى بلغ وسطه في كل مسحة، وغسل رجليه.

أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 272 و 273/ 691 و 692)، وفي الأوسط (8/ 350/ 8841).

15 -

عباد بن كثير [هو الثقفي البصري: متروك، قال أحمد: روى أحاديث كذب. التقريب (482)]، عن ابن عقيل به مختصرًا.

أخرجه الخطيب في التاريخ (5/ 168).

16 -

عمرو بن أبي سلمة، قال: حدثنا صدقة بن عبد الله، عن سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، بنحو حديث معمر.

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 288/ 939).

وقال: "لم يرو هذا الحديث عن سعيد إلا صدقة، تفرد به عمرو".

قلت: هو منكر، صدقة بن عبد الله السمين الدمشقي: ضعيف؛ وفي تفرده عن ابن أبي عروبة نكارة ظاهرة، بل إن ابن أبي عروبة منه بريء، فأين أصحابه وأهل بلده، والراوي عن صدقة: عمرو بن أبي سلمة التنيسي: ضعيف أيضًا؛ فأنى له؟!

• وانظر فيما لا يصح أيضًا عن ابن عقيل: تاريخ أصبهان (2/ 332).

• وحاصل ما تقدم من رواية الثقات عن ابن عقيل يظهر لنا بجلاء: أن ابن عقيل لسوء حفظه قد اضطرب في متن هذا الحديث، فما وافق فيه الثقات قبلناه، وما انفرد به فيه أو خالف الثقات رددناه.

ص: 70

فها هو مرة يقدم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه، ومرة يؤخرها.

ومرة يثلثها، ومرة يفردها، فيقول: مرة واحدة.

وفي مسح الرأس: مرة يقول: مسح برأسه مرة، وأخرى يقول: مرتين.

ومرة يقول: مسح برأسه بما بقي من وضوئه في يديه، وأخرى يقول: أخذ لرأسه ماء جديدًا.

ومرة يقول: ومسح برأسه مرتين: بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، وثانية يقول: ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وثالثة يقول: من قرن الشعر كل ناحية لمنصب الشعر، لا يحرك الشعر عن هيئته، ورابعة يقول: بدأ بمؤخره ثم رد يده إلى ناصيته، وخامسة يقول: ومسح مقدم رأسه ومسح مؤخر رأسه، حتى بلغ وسطه في كل مسحة.

ثم هو قد روى عن ابن عباس ما يخالف روايته، حيث قال ابن عقيل عن الربيع [في رواية ابن عيينة عنه]: قد جاءني ابن عم لك فسألني -وهو ابن عباس-، فأخبرته، فقال لي: ما أجد في كتاب الله إلا مسحتين وغسلتين.

وقال [في رواية معمر عنه]: أما ابن عباس قد دخل عليَّ فسألني عن هذا الحديث فأخبرته، فقال: يأبى الناس إلا الغسل، ونجد في كتاب الله المسح على القدمين.

وهذا مخالف للمحفوظ عن ابن عباس فيما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يخالف روايته، ويذهب إلى اجتهاده ورأيه، وقولُه في الإنكار على أبي بكر وعمر في النهي عن متعة الحج مشهور، حيث قال:"أراهم سيهلكون، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: قال أبو بكر وعمر"[مسند أحمد (1/ 252 و 337)، شرح المعاني (2/ 189)، المعجم الأوسط (21)، جامع بيان العلم (2377 و 2378 و 2381)]، فابن عباس قد روى غسل القدمين في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: ثم أخذ غرفة من ماء فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله -يعني: اليسرى-، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.

أخرجه البخاري (140)، وقد تقدم تحت الحديث رقم (117).

• ومن هذا العرض يتبين: أن ابن عقيل أخطأ في تأخير المضمضمة والاستنشاق عن غسل الوجه، وفي إفرادهما مع تثليث بقية الأعضاء، وفي تكرار مسح الرأس، وفي صفة المسح التي اضطرب فيها شديدًا، وفي مسح الرأس بما بقي [أو: فضل] من ماء اليدين.

قال النووي في المجموع (1/ 213) عن حديث ابن عقيل عن الربيع: "أنه ضعيف؛ فإن راويه عبد الله بن محمد: ضعيف عند الأكثرين، وإذا كان ضعيفًا لم يحتج بروايته ولو لم يخالفه غيره، ولأن هذا الحديث مضطرب عن عبد الله بن محمد".

• وقد روي هذا الحديث من غير طريق ابن عقيل:

رواه يزيد بن إبراهيم التستري: ثنا ليث بن أبي سليم، عن النعمان بن سالم، عن الرُّبَيِّع بنت معوذ، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا ويغشانا، فإذا حضرت الصلاة وضعنا له إناءً حزرناه يأخذ مدًّا أو مدًّا ونصفًا، فيغسل كفيه ثلاثًا، ويتمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ويغسل

ص: 71

وجهه ثلاثًا، ثم يغسل يديه ثلاثًا ثلاثًا، ويمسح رأسه مرة، ويغسل أذنيه ظاهرهما وباطنهما وغضونهما، ويغسل رجليه ثلاثًا، ويخلل بين أصابعه.

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 214 - 15/ 7309)، قال: حدثنا محمد بن العباس: ثنا عبيد الله بن الحجاج بن المنهال الأنماطي: ثنا أبي: ثنا يزيد بن إبراهيم التستري به.

ثم قال: "لم يرو هذا الحديث عن النعمان بن سالم إلا ليث، ولا عن ليث إلا يزيد، ولا عن يزيد إلا حجاج، تفرد به ابنه".

قلت: لم يتفرد به عبيد الله بن الحجاج ولا أبوه، فقد رواه سليمان بن حرب، قال: ثنا يزيد بن إبراهيم التستري به مختصرًا.

أخرجه بحشل في تاريخ واسط (74) قال: ثنا محمد بن إسماعيل بن سالم، قال: ثنا سليمان بن حرب به.

قلت: وإسناده إلى يزيد: إسناد حسن.

وعليه فالمتفرد بهذا الإسناد هو يزيد بن إبراهيم التستري، وهو ثقة ثبت.

وهذا حديث غريب؛ فإن حديث الرُّبيِّع في صفة الوضوء إنما يرويه عنها عبد الله بن محمد بن عقيل، وبه يعرف، ولا يعرف للنعمان بن سالم سماع من الرُّبيِّع، بل لم تذكر كتب الرجال له عنها رواية، وليث بن أبي سليم: ضعيف لاختلاطه وعدم تميز حديثه.

ثم إن هذا الإسناد: مدني [فإن الرُّبيِّع حديثها في أهل المدينة]، ثم طائفي، ثم كوفي، ثم بصري تستري؛ فما أغربه!

وانظر: بيان الوهم (4/ 101/ 1543) و (5/ 137/ 2377) و (5/ 662).

***

132 -

. . . عبد الوارث، عن ليث، عن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه مرة واحدة، حتى بلغ القذال -وهو: أول القفا-.

وقال مسدد [شيخ أبي داود، وراويه عن عبد الوارث]: مسح رأسه من مُقدَّمه إلى مُؤخَّره حتى أخرج يديه من تحت أذنيه.

قال أبو داود: قال مسدد: فحدثت به يحيى فأنكره.

قال أبو داود: وسمعت أحمد يقول: أن ابن عيينة زعموا أنه كان ينكره، ويقول: أيْشٍ هذا! طلحة عن أبيه عن جده.

• حديث ضعيف بالاتفاق.

أخرجه أحمد (3/ 481)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 30)، وفي أحكام القرآن (24)، والطبراني في الكبير (19/ 180/ 407 و 408)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2016/ 5067)،

ص: 72

والخطيب في التاريخ (6/ 169)، وابن عساكر في التاريخ (7/ 103 - 104).

رواه أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به، بلفظ: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القذال، وما يليه من مقدم العنق بمرة.

قال: القذال: السَّالِفةُ العُنُق.

• ورواه أيضًا عن ليث بن أبي سليم:

2 -

حفص بن غياث، عن ليث، عن طلحة، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فوضع يده فوق رأسه، ثم ردَّها على قفاه، ثم أخرجها من تحت الحنك.

وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مسح رأسه: استقبل رأسه بيديه حتى يأتي على أذنيه وسالفته. وله ألفاظ أخر.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 23/ 150)، وعبد بن حميد (384) باللفظ الأول. والدولابي في الكنى (1/ 164/ 321 و 322)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 30)، وفي أحكام القرآن (24)، وابن قانع في المعجم (2/ 221)، والبيهقي في السنن (1/ 60) باللفظ الثاني. وفي الخلافيات (1/ 442/ 251)، والخطيب في التاريخ (6/ 169)، وابن عساكر في التاريخ (7/ 103 - 104).

ووقع عند الدولابي بإسناد صحيح إلى حفص: "عن طلحة وليس هو ابن مصرف".

3 -

إسماعيل بن زكريا [الخُلقاني: صدوق][مقرونًا بحفص بن غياث]، عن ليث، عن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح برأسه، ثم أمر بيديه هكذا على سالفته من خلفه.

أخرجه الدولابي في الكنى (1/ 164/ 321)، قال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب [هو: الجوزجاني السعدي: ثقة حافظ]، قال: ثنا سعيد بن سليمان [هو: الضبي، أبو عثمان الواسطي البزاز، المعروف بسعدويه: ثقة حافظ]، قال: ثنا حفص بن غياث وإسماعيل بن زكريا به.

وهذا إسناد صحيح إلى إسماعيل بن زكريا، وقد وقع عنده: طلحة بن مصرف هكذا منسوبًا، لكن قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 161):"ورواه حفص بن غياث وإسماعيل بن زكريا: عن ليث عن طلحة عن أبيه عن جده، ولم ينسب طلحة"، وذكر المزي في التهذيب (24/ 184) إسماعيل بن زكريا فيمن لم ينسب طلحة، فإن كان حفظه الدولابي [محمد بن أحمد بن حماد، أبو بشر الحافظ: تُكُلِّم فيه. اللسان (6/ 506)]، فيكون اختلف فيه على إسماعيل بن زكريا، والله أعلم.

4 -

أبو سلمة الكندي: ثنا ليث بن أبي سليم: حدثني طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، يأخذ دكل واحدة ماءً جديدًا، وغسل وجهه ثلاثًا، فلما مسح رأسه قال هكذا، وأومأ بيده من مقدم رأسه حتى بلغ بهما إلى أسفل عنقه من قبل قفاه.

ص: 73

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 180 - 181/ 409).

قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري: ثنا شيبان بن فروخ: ثنا أبو سلمة الكندي به.

قلت: أبو سلمة الكندي هذا: هو عثمان بن مقسم، قال عمرو بن علي الفلاس:". . . عثمان بن مقسم البرى، وهو أبو سلمة الكندي، وهو صدوق، ولكنه كثير الوهم والغلط، وكان صاحب بدعة".

وقال ابن عدي: "وأبو سلمة الكندي: هو عثمان بن مقسم، وشيبان يكنيه لضعفه".

وقال الخطيب في الموضح (2/ 298) في ذكر عثمان بن مقسم البصري: "وهو عثمان البري الذي روى عنه شيبان بن فروخ،. . . وهو أبو سلمة الكندي الذي روى عنه شيبان أيضًا. . .".

وعثمان بن مقسم البري أبو سلمة الكندي سنان: متروك، تركه يحيى القطان وابن المبارك، وقال أبو حاتم والنسائي والدارقطني:"متروك"، وكذبه الثوري والجوزجاني وأبو حاتم وابن معين، وقال:"هو من المعروفين بالكذب ووضع الحديث"، وقال أبو زرعة:"هو مثل أبي جزي"[يعني: نصر بن طريف، وهو متروك، كذبه جماعة]، وقال أحمد:"حديثه منكر، وكان رأيه رأي سوء"، وقال ابن عدي:"وعامة حديثه مما لا يتابع عليه إسنادًا أو متنًا، وهو ممن يغلط الكثير، ونسبه قوم إلى الصدق، وضعفوه للغلط الكثير الذي كان يغلط، إلا أنه في الجملة: ضعيف، ومع ضعفه يكتب حديثه"، وقال ابن مهدي:"حديث عثمان البري عن الحجازيين مقارب"، وقال الفلاس:"صدوق، ولكنه كثير الوهم والغلط، وكان صاحب بدعة"[يعني: كان قدريًّا معتزليًا، ينكر الميزان ويستهزئ به][انظر: التاريخ الكبير (6/ 252)، الجرح والتعديل (6/ 167)، العلل ومعرفة الرجال (3466 و 4683 و 4970 و 4971 و 5057)، أسامي الضعفاء (226)، سؤالات الآجري (5/ ق 5 و 7)، المعرفة والتاريخ (2/ 123) و (3/ 34 و 62)، علل الحديث (2367)، الضعفاء الكبير (3/ 217)، المجروحين (2/ 101)، الكامل (5/ 155)، فتح الباب (3169)، الموضح (2/ 298)، الطبقات الكبرى (7/ 285)، السير (7/ 325)، سؤالات البرذعي (640)، سؤالات الحاكم (260)، الميزان (3/ 56)، اللسان (4/ 179)، المغني (2/ 51)، الديوان (2/ 150)، وغيرها].

ثم وجدت ابن سعد أخرجه في الطبقات (6/ 389) بأخصر من هذا، عن يزيد بن هارون، عن عثمان بن مقسم البري، عن ليث، عن طلحة بن مصرف الأيامي، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه هكذا، ووصف ذلك يزيد بيديه جميعًا: فبدأ فمسح مقدم رأسه، وجر يديه إلى قفاه، حتى أمرهما على سوالفه إلى بطن لحيته، قال يزيد: وأنا آخذ بها.

5 -

معتمر بن سليمان، قال: سمعت ليثًا، يذكر عن طلحة، عن أبيه، عن جده، قال: دخلت -يعني: على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ، والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، فرأيته يفصل بين المضمضمة والاستنشاق.

ص: 74

أخرجه أبو داود (139)، والطبراني في الكبير (19/ 181/ 410)، ووقع عنده طلحة بن مصرف منسوبًا. والبيهقي (1/ 51).

وفي هذه الروايات الخمس عن ليث، لم يصرح بكون طلحة هذا هو ابن مصرف سوى: عبد الوارث بن سعيد [وهو: ثقة ثبت]، وأبي سلمة الكندي عثمان بن مقسم البري [وقد عرفت حاله]، واختلف فيه على إسماعيل بن زكريا، وأما: حفص بن غياث والمعتمر بن سليمان [وهما ثقتان]: فلم ينسباه [في الأصح عنهما]، حينئذ يقال بأن هذا الاختلاف إنما هو من ليث بن أبي سليم نفسه، حيث نسبه مرة ولم ينسبه أخرى، وهو: ضعيف اختلط، ولم يتميز حديثه فترك، فلا يعتمد عليه، وينظر في رواية غيره ممن رواه عن طلحة:

فوجدنا مالك بن مغول [وهو: ثقة ثبت، معروف بالرواية عن طلحة بن مصرف، وروايته عنه عند البخاري ومسلم]، رواه عن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح برأسه حتى بلغ القذال.

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 181/ 411)، وابن طاهر السلفي فيما انتخبه من أصول شيخه الطيوري (744).

من طريق سعيد بن عنبسة الخراز: حدثنا شعيب بن حرب: حدثنا مالك بن مغول به.

وسعيد بن عنبسة هذا هو: أبو عثمان الخراز الرازي: سمع منه أبو حاتم ولم يحدث عنه، وقال:"فيه نظر"، وسئل عنه ابن معين فقال:"لا أعرفه"، فقيل له: إنه حدث عن أبي عبيدة الحداد بحديث والان؟ فقال: "هذا كذاب"، وقال ابن الجنيد:"كذاب"، وقال أبو حاتم:"كان لا يصدق"[الجرح والتعديل (4/ 52)، المتفق والمفترق (2/ 1097)، الميزان (2/ 154)، اللسان (3/ 49)].

وعليه فهو إسناد باطل؛ لا يصح عن مالك بن مغول أنه حدث به.

ويكون ليث بن أبي سليم هو المتفرد به عن طلحة، والله أعلم.

• وعليه فلهذا الحديث ثلاث علل؛ بل أربع:

الأولى: ليث بن أبي سليم: ضعيف لاختلاطه وعدم تميز حديثه.

الثانية: "طلحة عن أبيه عن جده": قيل: هو طلحة بن مصرف كما جاء في الرواية، وقيل: غيره، قال ابن أبي حاتم:"سألت أبي عن حديث رواه معتمر، عن ليث، عن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق؟ فلم يثبته، وقال: طلحة هذا يقال: إنه رجل من الأنصار، ومنهم من يقول: هو طلحة بن مصرف، ولو كان طلحة بن مصرف لم يختلف فيه"[العلل (1/ 53/ 131)، المراسيل (652)، الجرح (4/ 473) و (8/ 420)].

وقال أبو زرعة: "لا أعرف أحدًا سمى والد طلحة، إلا أن بعضهم يقول: ابن مصرف"[المراسيل (653)، الجرح (4/ 473)].

ص: 75

قلت: إنما فرق بينهما ابن أبي حاتم تبعًا لأبيه وأبي زرعة، وأما البخاري فلم يفرد:"طلحة عن أبيه عن جده" بترجمة أخرى غير ترجمة طلحة بن مصرف، لكنه لم يأت على ذكر هذا الإسناد، وتبعه ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (4/ 346)، الثقات (4/ 393)].

وظاهر كلام الأئمة الذين سنسوق أقوالهم: أنهم لم ينكروا كون طلحة هذا هو ابن مصرف القارئ المشهور.

وقد رد ابن القطان الفاسي على من نفى كون طلحة هو ابن مصرف، فقال بعد أن ساق كلام أبي حاتم الذي احتج به عبد الحق في أحكامه الصغرى ولم ينسبه إليه قال:"وهو كلام فيه نظر، وذلك أنه قد تبين -كما قلنا- في الحديث أنه عند أبي داود: عن طلحة بن مصرف،. . .، وليث بن أبي سليم: معروف الرواية عن طلحة بن مصرف، وخاصة حديث مسح الرأس، قال ليث: أمرني مجاهد أن ألزم أربعة: أحدهم طلحة بن مصرف. . . "[بيان الوهم (3/ 317)].

العلة الثالثة: مصرف والد طلحة: وهو ابن عمرو بن كعب، أو ابن كعب بن عمرو اليامي: مجهول [التقريب (945)، ذيل الميزان (689)، اللسان (8/ 73)، بيان الوهم (3/ 318)].

الرابعة: هل لجد طلحة صحبة أم لا؟

قال علي بن المديني: قلت لسفيان: إن ليثًا روى عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده: رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فأنكر ذلك سفيان، وعجب منه أن يكون جد طلحة لقي النبي صلى الله عليه وسلم[الجرح والتعديل (1/ 38)، الضعفاء الكبير (4/ 16)، السنن الكبرى للبيهقي (1/ 51)، الخلافيات (1/ 445/ 252)، وزاد من رواية عثمان الدارمي: "قال علي: وسألت عبد الرحمن بن مهدي عن نسب جد طلحة؟ فقال: عمرو بن كعب أو كعب بن عمرو، وكانت له صحبة، وقال غيره: عمرو بن كعب، لم يشك فيه"].

وقال أبو داود: "وسمعت أحمد يقول: إن ابن عيينة زعموا أنه كان ينكره، ويقول: أيْش هذا! طلحة عن أبيه عن جده"[السنن (132)].

وفي مسائله للإمام أحمد (1949) قال: "سألت أحمد عن حديث: ليث عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: في مسح الرأس؟ قال: ما أدرى ما هذا؟!

قال أبو داود: سمعت رجلًا من ولد طلحة بن مصرف يذكر أن جده له وفادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال أحمد: ابن عيينة زعموا كان ينكره، يقول: طلحة عن أبيه عن جده: أي شيء هذا؟! ".

وقيل لابن معين: طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، رأى جدُّه النبيَّ صلى الله عليه وسلم؟

فقال يحيى: "المحدثون يقولون: قد رآه، وأهل بيت طلحة يقولون: ليست له صحبة"[تاريخ الدوري (3/ 30/ 129)، المراسيل (651)، الخلافيات (1/ 446/ 254)].

وفي المراسيل (650) أن صالحًا سأل أباه الإمام أحمد، قال: "طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، له صحبة؟ وما اسم جده؟

ص: 76

قال: لا أدرى، وقد بلغنا عن سفيان بن عيينة أنه أنكر أن يكون له صحبة".

وقد جزم ابن معين بنفي الصحبة فيما رواه عنه ابن الجنيد قال: "قال يحيى، وأنا أسمع: وطلحة بن مصرف عن أبيه عن جده: ليس له صحبة، قال ولد طلحة بن مصرف: ما أدرك جدُّنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم"[سؤالات ابن الجنيد (759)].

وانظر: تحفة التحصيل (247)، جامع التحصيل (582).

قلت: أما البخاري فلم يترجم لا لكعب بن عمرو ولا لعمرو بن كعب، وترجم لهما ابن حبان في ثقاته (3/ 268 و 353)، وقال في الموضعين:"له صحبة"، وأما ابن أبي حاتم فلم يجزم بها بل حكاها على التمريض فقال في ترجمة مصرف (8/ 420):"روى عن أبيه، وقال بعضهم: له صحبة"، ثم ساق قول أبيه في طلحة، وقال في ترجمة كعب بن عمرو (7/ 161):"جد طلحة بن مصرف، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم"، وقد أورده في الصحابة عامةُ من صنف فيهم [انظر: معجم الصحابة لابن قانع (2/ 221)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (4/ 2016/ 2071) و (5/ 2377/ 2505)، أسد الغابة (4/ 458)، الاستيعاب (3/ 296 - بهامش الإصابة) وقال:"له صحبة ومنهم من ينكرها، ولا وجه لإنكار من أنكر ذلك". طبقات ابن خياط (76)، طبقات ابن سعد (6/ 389)، إيضاح الإشكال (3)، الإنابة (2/ 121/ 850)، الاصابة (3/ 300 و 523)، تهذيب الأسماء واللغات (2/ 377)، وقال في الكاشف (2/ 148):"يقال: له صحبة"].

وقال ابن القيم في الزاد (1/ 193): "ولا يعرف لجده صحبة".

وقال المزي في التهذيب (24/ 184): "يقال: له صحبة"، وذكر بأن الذي نسب طلحة بن مصرف: عبد الوارث بن سعيد، وأما معتمر بن سليمان وإسماعيل بن زكريا وحفص بن غياث فقالوا:"عن طلحة عن أبيه عن جده" ولم ينسبوه.

وقال ابن حجر في التهذيب (6/ 577): "فإن كان جد طلحة بن مصرف: فقد رجح جماعة أنه كعب بن عمرو، وجزم ابن القطان بأنه عمرو بن كعب، وإن كان طلحة المذكور: ليس هو ابن مصرف، فهو مجهول، وأبوه مجهول، وجده لا يثبت له صحبة؛ لأنه لا يعرف إلا في هذا الحديث"، ثم هو بعدُ يقول في التقريب (811):"صحابي".

• والأرجح -والله أعلم-: ما قاله ابن عيينة ويحيى بن معين بأنه ليس له صحبة، ومع ابن معين في ذلك البينة، وأما ما يعارضها من بينة أبي داود فلم يذعن لها الإمام أحمد، ولم يرجع عن إنكاره لهذا الحديث، اعتمادًا على قول سفيان بن عيينة، وأهل بيت الرجل أعلم به من غيره: قال ولد طلحة بن مصرف: ما أدرك جدُّنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

• وللحديث إسناد آخر:

يرويه ابن قانع في المعجم (2/ 221)، والطبراني في الكبير (19/ 181/ 412).

كلاهما: عن محمد بن عبد الله بن سليمان مطين: نا أحمد بن مصرف [بن عمرو اليامي]، قال: حدثني أبي مصرف بن عمرو بن السري بن مصرف [بن كعب بن عمرو]،

ص: 77

عن أبيه، عن جده، يبلغ به عمرو بن كعب [يبلغ به كعب بن عمرو، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح باطن لحيته وقفاه.

اللفظ لابن قانع وما بين المعكوفين للطبراني.

ورواه عن الطبراني وأبي بكر الطلحي، كلاهما عن مطين به: أبو نعيم في المعرفة (5/ 2377 /5832)، وعزاه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 166) لأبي علي ابن السكن في كتاب الحروف.

قال عبد الحق: "وهذا الإسناد لا أعرفه، وكتبته تذكرة، حتى أسأل عنه إن شاء الله تعالى".

قال ابن القطان في بيان الوهم (3/ 318 - 319/ 1066): "فعلة هذه الأخبار كلها: الجهل بحال مصرف بن عمرو، والد طلحة بن مصرف، وفي بعضها ليث بن أبي سليم.

فأما إسناد ابن السكن: فمجهول مُثَبَّج [التثبيج: التخليط. تاج العروس (5/ 443)، لسان العرب (2/ 220)]، ومصرف بن عمرو بن السري، وأبوه عمرو، وجده السرى: لا يعرفون، وليس فيه رواية لمصرف بن عمرو بن كعب، وإنما ظهر فيه من السرى إلى عمرو بن كعب الذي هو جد طلحة بن مصرف، وسماعه منه لا يعرف، بل ولا تعاصرهما، فالجميع لا يصح، فاعلم ذلك".

وانظر أيضًا: بيان الوهم (5/ 662)، ذيل العراقي على الميزان (414 و 689)، الأحكام الوسطى (1/ 170)، اللسان (3/ 18) و (4/ 421) و (6/ 50).

وقال أبو حاتم في السري بن مصرف: "لم يكن صاحب حديث"[الجرح والتعديل (4/ 284)].

قلت: هو إسناد مجهول؛ كما قال ابن القطان، إلا مطين وشيخه أحمد بن مصرف وأبوه مصرف بن عمرو بن السري: فهؤلاء ثقات، والباقي مجاهيل.

• وحاصل ما تقدم: أن الحديث ضعيف، اتفق الأئمة على تضعيفه وإنكاره، فقد أنكره يحيى بن سعيد القطان، وسفيان بن عيينة، وأقره الإمام أحمد، ولم يثبته أبو حاتم، وضعفه كذلك جماعة من المتأخرين.

قال النووي في المجموع (1/ 526): "حديث ضعيف بالاتفاق".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 225): "وهو حديث ضعيف".

وقال ابن حجر: "ضعيف"[الدراية (1/ 20)، التلخيص (79)].

وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 192): "ولم يجئ الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح البتة".

وقال أيضًا (1/ 195): "ولم يصح عنه في مسح العنق حديث البتة".

• وأما ما جاء في مسح الرقبة، وأنه أمان من الغل: فلا يصح فيه شيء:

قال ابن الصلاح في كلامه على الوسيط: "هذا الحديث هو غير معروف عند أهل

ص: 78

الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من قول بعض السلف" [البدر المنير (2/ 222)، نيل الأوطار (1/ 256)].

وقال النووي في المجموع شرح المهذب (1/ 526): "موضوع، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال في كلامه على الوسيط: "هذا حديث باطل موضوع، إنما هو من كلام بعض السلف. قال: ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسح الرقبة شيء، وليس هو سُنَّة؛ بل هو بدعة، ولم يذكره الشافعي ولا جمهور الأصحاب، وإنما قاله ابن القاص وطائفة يسيرة، وهو غلط لقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم" [البدر المنير (2/ 222)].

وقال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 221): "هذا الحديث غريب جدًّا، لا أعلم من خرجه بعد البحث عنه".

وقال ابن القيم في المنار المنيف (269): "حديث مسح الرقبة في الوضوء: باطل".

وانظر: الطهور لأبي عبيد (368 و 369)، تاريخ أصبهان (2/ 78)، الإمام (1/ 585)، مجموع الفتاوى (1/ 279) و (21/ 127)، زاد المعاد (1/ 192)، البدر المنير (2/ 223)، طبقات الشافعية (6/ 292)، الميزان (4/ 103)، التلخيص الحبير (1/ 92 و 93)، المبدع (1/ 112)، الإنصاف (1/ 137)، أسنى المطالب في شرح روض الطالب (1/ 41)، تنزيه الشريعة (35)، كشف الخفاء (2300)، الفوائد المجموعة (29)، السلسلة الضعيفة (69 و 744)، وغيرها كثير.

***

133 -

. . . عباد بن منصور، عن عكرمة بن خالد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. . . فذكر الحديث كله ثلاثًا ثلاثًا، قال: ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة.

• حديث منكر

لفظ أحمد (1/ 369): حدثنا يزيد: أخبرنا عباد بن منصور، عن عكرمة بن خالد المخزومي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أتيت خالتي ميمونة بنت الحارث، فبِتُّ عندها، فوجَدْتُ ليلتَها تلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم دخل بيته، فوضع رأسه على وسادة من أَدَم حشوها ليف، فجئت فوضعت رأسي على ناحية منها، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر فإذا عليه ليل، فسبح وكبر حتى نام، ثم استيقظ وقد ذهب شطر الليل، -أو قال: ثلثاه- فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى حاجته، ثم جاء إلى قربة على شَجْب فيها ماء، فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه وأذنيه مرة، ثم غسل قدميه -قال يزيد: حسبته قال: ثلاثًا ثلاثًا- ثم أتى مصلاه، فقمت

ص: 79

وصنعت كما صنع، ثم جئت فقمت عن يساره، وأنا أريد أن أصلي بصلاته، فأمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا عرف أني أريد أن أصلي بصلاته، لَفَتَ يمينه، فأخذ بأذني فأدارني حتى أقامني عن يمينه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى أن عليه ليلًا ركعتين، فلما ظن أن الفجر قد دنا، قام فصلى ست ركعات، أوتر بالسابعة، حتى إذا أضاء الفجر، قام فصلى ركعتين، ثم وضع جنبه فنام، حتى سمعث فَخِيخه، ثم جاءه بلال فآذنه بالصلاة، فخرج فصلى، وما مس ماءً.

فقلت لسعيد بن جبير: ما أحسن هذا!! فقال سعيد بن جبير: أما والله لقد قلتُ ذاك لابن عباس، فقال: مه إنها ليست لك ولا لأصحابك إنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه كان يحفظ.

وفي رواية: فلما طلع الفجر الأول، قام فصلى تسع ركعات، يسلم في كل ركعتين، وأوتر بواحدة وهي التاسعة، ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك حتى أضاء الفجر جدًّا، ثم قام فركع ركعتى الفجر، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع جنبه فنام.

أخرجه أحمد (1/ 369 و 370)، وابن خزيمة (2/ 150/ 1094)، وأبو عبيد في الطهور (83 و 352)، وابن أبي الدنيا في التهجد (387)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 196/ 2684)، والطبراني في الكبير (12/ 70/ 12504)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 440/ 250)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 38 - 39).

وهذا حديث منكر؛ عباد بن منصور ضعيف، وله أحاديث منكرة [انظر: التهذيب (4/ 193)، إكمال مغلطاي (7/ 172)، الميزان (2/ 376)].

• ولا يعرف هذا الحديث عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس إلا من طريق عباد، تفرد به.

وقد رواه جماعة: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، بدون صفة الوضوء.

وكذا رواه ابن طاووس، عن عكرمة، عن ابن عباس بدون صفة الوضوء أيضًا.

• فقد أخرج أبو داود (1365)، والنسائي في الكبرى (1/ 236/ 399) و (2/ 165/ 1429)، وابن حبان (6/ 356/ 2627)، وأحمد (1/ 252 و 365 - 366)، وعبد الرزاق (2/ 406/ 3868) و (3/ 36/ 4706)، وعبد بن حميد (692)، وأبو يعلى (4/ 350/ 2465)، والطحاوي (1/ 286)، والطبراني في الكبير (11/ 132/ 11272)، والبيهقي (3/ 8).

من طريق عبد الله بن طاووس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس، قال: بتُّ عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل، [فقمت معه عن يساره، فأخذ بيدي، فجعلني عن يمينه]، فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر، حزرت قيامه في كل ركعة بقدر {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} [المزمل: 1].

هذا لفظ معمر عن ابن طاووس، ولفظ وهيب بن خالد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل يصلي، فقمت فتوضأت، فقمت عن يساره، فجذبني فجرني، فأقامني عن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة، قيامه فيهن سواء.

ص: 80

• وقد رواه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس جماعة، منهم:

1 -

الحكم بن عتيبة، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات، ثم نام، ثم قام، ثم قال:"نام الغليم"، أو: كلمة تشبهها، [فتوضأ -قال: لا أحفظ وضوءه-]، ثم قام نقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه، فصلى خمس ركعات، ثم صلى ركعتين، ثم نام حتى سمعت فطيطه -أو: خطيطه- ثم خرج إلى الصلاة.

أخرجه البخاري (117 و 697)، وأبو داود (1356 و 1357)، والنسائي في الكبرى (1/ 239/ 406) و (2/ 134/ 1343)، والدارمي (1/ 319/ 1255)، وأحمد (1/ 341 و 354)، والطيالسي (2754)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (386)، والطحاوي (1/ 287 و 308) و (3/ 309 - 310)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (149)، والمحاملي في الأمالي (38)، والطبراني في الكبير (12/ 25/ 12365)، والبيهقي (2/ 477) و (3/ 28)، وابن عبد البر (13/ 218).

وفي رواية لأحمد والنسائي بإسناد صحيح: قال: ثم قام فتوضأ، قال: لا أحفظ وضوءه.

وهذا مما يرُدُّ كون صفة الوضوء محفوظة في هذا الحديث.

2 -

أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به، مختصرًا دون عدد الركعات، وفيه: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت عن يساره، قال: فأخذ بذؤابتي فجعلني عن يمينه.

وأبو بشر من أثبت الناس في سعيد بن جبير.

أخرجه البخاري (5919)، وأبو داود (611)، وأحمد (1/ 215 و 287)، والطيالسي (2742)، وابن أبي شيبة (1/ 428/ 4924)، والحسن بن عرفة في جزئه (81)، وأبو بكر الشافعي في فوائده (252 و 253)، والطبراني في الكبير (12/ 55/ 12456)، وابن بشران في الأمالي (1508)، والبيهقي في السنن (3/ 95)، وفي الشعب (5/ 232/ 6486)، وابن عبد البر (1/ 268).

3 -

عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت أصلي معه، فقمت عن يساره، فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه.

أخرجه البخاري (699)، والنسائي (2/ 87/ 806)، وابن حبان (5/ 571/ 2196)، وأحمد (1/ 360)، والبيهقي (3/ 54)، وابن عبد البر (13/ 214)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 383/ 826).

4 -

يحيى بن عباد بن شيبان [وهو ثقة]، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به مطولًا، وفيه بيان سبب المبيت، وعدد الركعات، والدعاء.

أخرجه أبو داود (1358)، والنسائي في الكبرى (1/ 238/ 405) و (2/ 135/ 1344)،

ص: 81

ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الوتر (75 - مختصره)، والطبراني في الكبير (12/ 31/ 12380)، والبيهقي (3/ 29)، والمزي في التهذيب (31/ 392).

5 -

أبو هاشم الرماني [ثقة]، عن سعيد، عن ابن عباس به مختصرًا، وفيه الدعاء.

أخرجه أحمد (1/ 352)، والطبراني (12/ 60/ 12471).

• ومن الأوهام فيه على سعيد بن جبير، وليس فيه صفة الوضوء أيضًا، ما رواه:

1 -

حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد، عن ابن عباس به، وفيه الدعاء بين السجدتين، وهو منكر.

مخرج في الذكر والدعاء برقم (99)(1/ 181).

2 -

أيوب السختياني، عن سعيد، عن ابن عباس.

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 284)، وابن أبي عاصم في الآحاد (1/ 287/ 381)، والطبراني في الكبير (12/ 58/ 12466).

وإنما يرويه أيوب، عن عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس به، وتقدم.

• والثابت في هذا عن ابن عباس:

ما رواه زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فغسل يديه، ثم تمضمض واستنشق من غرفة واحدة، وغسل وجهه، وغسل يديه مرة، ومسح برأسه وأذنيه مرة. لفظ عبد العزيز بن محمد الدراوردي.

وتابعه على مسح الأذنين في حديث ابن عباس هذا:

ابن عجلان [صدوق]، وزاد: غسل الرجلين، وشذ بذكر تفصيل مسح الأذنين.

وهشام بن سعد [صدوق، له أوهام، لم يكن بالحافظ]، فرواه مطولًا، وفيه ذكر الأذنين، لكنه شذ بقوله: فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه: يدٌ فوق القدم، ويدٌ تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك.

أخرجه أبو داود (137)، والترمذي (36)، والنسائي في المجتبى (1/ 73 و 74/ 101 و 102)، وفي الكبرى (1/ 108 و 142/ 92 و 93 و 170)، وابن ماجه (403 و 439)، والدارمي (1/ 189/ 697)، وابن خزيمة (148 و 171)، وابن حبان (3/ 357 و 360 و 367/ 1076 و 1078 و 1086)، والحاكم (1/ 147)، والشافعي في الأم (1/ 32)، وفي المسند (16)، وأبو عبيد في الطهور (86 و 105 و 351)، وابن أبي شيبة (1/ 17 و 18 و 27/ 64 و 74 و 208)، والبزار (11/ 422 و 423 و 425/ 5276 - 5278 و 5281)، وأبو يعلى (4/ 367/ 2486) و (5/ 76 و 77/ 2670 - 2672)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (80)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 376 و 384 و 404/ 358 و 368 و 400)، والطحاوي (1/ 32)، وابن الأعرابي في المعجم (1599)، والطبراني في الكبير (10/ 311/ 10759)، والبيهقي في السنن (1/ 55 و 58 و 67 و 72 و 73)، وفي المعرفة (1/ 170 و 171/ 78 - 0 8).

وأصله في البخاري (140)، وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (117).

***

ص: 82

134 -

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد،

(ح) وحدثنا مسدد وقتيبة، عن حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة: وذكر وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح المأقين، قال: وقال: "الأذنان من الرأس".

قال سليمان بن حرب: يقولها أبو أمامة.

قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من أبي أمامة، يعني: قصة الأذنين.

قال قتيبة: عن سنان أبي ربيعة.

قال أبو داود: وهو ابن ربيعة، كنيته أبو ربيعة.

• حديث: "وكان يمسح الماقين": مرفوع بإسناد ضعيف، و"الأذنان من الرأس": موقوف على أبي أمامة بإسناد ضعيف، ولا يصح في الباب شيء مرفوعًا، وقد صح من قول ابن عمر موقوفًا عليه

قلت: انقسم الرواة لهذا الحديث عن حماد بن زيد: أربع فرق:

الأولى: صرحت برفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثانية: صرحت بوقفه على أبي أمامة.

الثالثة: روته بلفظ يحتمل الرفع والوقف، مثل قول بعضهم: قال: وقال: والأذنان من الرأس، فيحتمل أن يكون القائل هو أبو أمامة، ويحتمل الرفع.

الرابعة: نقلت شك حماد بن زيد فيه، حيث قال حماد: لا أدرى هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم، أو من أبي أمامة.

• أما الفرقة الأولى: ممن صرح رفعه:

1 -

أبو أسامة حماد بن أسامة [ثقة ثبت. التقريب (267)].

2 -

أحمد بن عبدة [ثقة. التقريب (94)].

3 -

محمد بن أبي بكر المقدمي [ثقة. التقريب (829)].

4 -

محمد بن عبد الله بن بزيع [ثقة. التقريب (859)].

5 -

الهيثم بن جميل [ثقة، يغلط على الثقات. التهذيب (9/ 101)، الميزان (4/ 320)].

6 -

محمد بن زياد أبو عبد الله الزيادي البصري [قال ابن حبان في الثقات: "ربما أخطأ"، وضعفه ابن منده، وروى له البخاري مقرونًا بغيره. التهذيب (7/ 156)، الميزان (3/ 552)، فلا يقال في مثله: "صدوق يخطئ" كما في التقريب (845)، ولا كما قال في المغنى (2/ 301): "صدوق ضعفه ابن منده"؛ إذ لم يوثقه معتبر].

ص: 83

أخرج حديثهم: ابن ماجه (444)، والروياني (1247)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 458 و 459/ 11382 و 11384)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (33)، وابن عدي في الكامل (3/ 440)، والدارقطني في السنن (1/ 103)، وفي المؤتلف (3/ 1206)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 406/ 219)، والمزي في التهذيب (12/ 148)، وابن دقيق العيد في الإمام (1/ 500).

• وأما الفرقة الثانية: ممن صرح بوقفه؛ فلم أجد منهم سوى سليمان بن حرب، وهو ثقة ثبت إمام حافظ، لزم حماد بن زيد تسع عشرة سنة.

أخرج حديثه: أبو داود (134)، والدارقطني (1/ 103)، والبيهقي في السنن (1/ 66 و 67)، وفي الخلافيات (1/ 423 و 424/ 228 و 229).

• وأما الفرقة الثالثة: ممن رواه بلفظ محتمل:

1 -

مسدد بن مسرهد [ثقة حافظ. التقريب (935)].

2 -

أبو عمر الضرير حفص بن عمر [الأكبر، صدوق عالم. التقريب (259)].

3 -

عفان بن مسلم [ثقة ثبت. التقريب (681)].

4 -

يحيى بن حسان التنيسي [ثقة. التقريب (1052)].

5 -

خالد بن خداش [صدوق يخطئ. التقريب (285)].

6 -

يحيى بن إسحاق السيلحيني [صدوق. التقريب (1048)].

7 -

عبد الله بن الجراح [صدوق يخطئ. التقريب (496)].

8 -

أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني [ثقة. التقريب (407)].

9 -

عارم أبو النعمان محمد بن الفضل [ثقة ثبت، تغير في آخر عمره. التقريب (889)].

أخرج حديثهم: أبو داود (134)، وأحمد (5/ 258 و 268)، وأبو عبيد في الطهور (88 و 359)، وأبو بكر الأثرم في السنن (8)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 381/ 362)، والطحاوي (1/ 33)، والطبراني في الكبير (8/ 121/ 7554)، والدارقطني (1/ 103)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 145 - 146)، والبيهقي في السنن (1/ 66 و 67)، وفي الخلافيات (1/ 423/ 228)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 151/ 138).

• وأما الفرقة الرابعة: التي نقلت شك حماد بن زيد فيه:

1 -

قتيبة بن سعيد [ثقة ثبت. التقريب (799)].

2 -

المعلى بن منصور [ثقة فقيه. التقريب (961)].

3 -

يونس بن محمد المؤدب [ثقة ثبت. التقريب (199)].

أخرج حديثهم: أبو داود (134)، والترمذي (37)، وأحمد (5/ 264)، والطبري (4/ 459/ 11383)، والدارقطني (1/ 103)، والبيهقي في السنن (1/ 67)، وفي الخلافيات (1/ 423/ 228).

فإذا نظرنا في هذا الاختلاف وجدناه يدور على الثقات، وأكثرهم بصريون بلديون

ص: 84

لحماد بن زيد، مما يصعب معه القول بتخطئة بعضهم؛ لكن إذا نظرنا إلى رواية الحديث المطولة عند البيهقي مثلًا من رواية مسدد وأبي الربيع الزهراني نجدها تقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا، ومسح برأسه، وقال:"الأذنان من الرأس"، وكان يمسح الماقين.

فيظهر لنا ببادئ النظر، أن قوله: وقال: "الأذنان من الرأس": إنما هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو متخلل لفعله صلى الله عليه وسلم في صفة الوضوء، وعلى هذا المعنى الظاهر حمله هؤلاء الثقات الستة الذين صرحوا برفعه لما اختصروا الحديث، واقتصروا منه على القول دون الفعل.

إلا أن هذا النظر ليس له حظ من الصحة، ذلك أن حماد بن زيد كان في الغالب يرويه هكذا بهذا اللفظ المحتمل، ففهم منه هؤلاء الثقات أنه مرفوع، إلا أن بعض الرواة الذين حدثهم حماد بهذا الحديث قد صرح لهم بأنه يشك في رفع هذه الجملة، ثم جاء سليمان بن حرب ليجزم بوقفها على أبي أمامة ويرفع هذا الشك، ويبين أن هذه الجملة القولية التي تخللت صفة الوضوء الفعلية: إنما هي من قول أبي أمامة.

قال الدارقطني بعد رواية الزيادي المرفوعة: "شهر بن حوشب: ليس بالقوي، وقد وقفه سليمان بن حرب عن حماد، وهو ثقة ثبت".

ثم أسند الحديث من رواية الهيثم بن جميل والمعلى وأبي عمر وابن أبي بكر، ثم قال: "أسنده هؤلاء عن حماد، وخالفهم سليمان بن حرب، وهو ثقة حافظ.

حدثنا عبد الله بن جعفر بن خشيش: نا يوسف بن موسى القطان: ثنا سليمان بن حرب: نا حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة: أنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان إذا توضأ مسح ماقيه بالماء، قال: فقال أبو أمامة: الأذنان من الرأس.

قال سليمان بن حرب: الأذنان من الرأس: إنما هو قول أبي أمامة، فمن قال غير هذا فقد بدَّل -أو كلمة قالها سليمان- أي: أخطأ.

خالفه حماد بن سلمة، رواه عن سنان بن ربيعة، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ غسل ماقيه بإصبعيه، ولم يذكر الأذنين". اهـ كلام الدارقطني.

وقال في العلل (12/ 263/ 2695): "وقال سليمان بن حرب في هذا الحديث عن حماد بن زيد: إن قوله: والأذنان من الرأس: هو من قول أبي أمامة، غير مرفوع. وهو: الصواب".

وقول سليمان بن حرب هذا يزيل اللبس والإشكال، حتى لا يقال بأن حماد بن زيد كان من شأنه وقف المرفوع، لا سيما لو قال:"قال: قال"، كما أخبر بذلك موسى بن هارون، ومما يجعل النفس تطمئن أكثر لكون الموقوف هو المحفوظ، أن موسى بن هارون نفسه لما سئل عن هذا الحديث قال:"ليس بشيء، فيه شهر بن حوشب، وشهر: ضعيف، والحديث في رفعه شك"، فلم يُعمل فيه هذه القاعدة التي ذكرها في شأن حماد بن زيد.

ص: 85

• وعلى هذا فهذه الجملة القولية من الحديث: "الأذنان من الرأس": إنما هي من قول أبي أمامة موقوفة عليه، أدرجها بعضهم في الحديث.

قال البيهقي: "وهذا الحديث يقال فيه من وجهين: أحدهما: ضعف بعض الرواة، والآخر: دخول الشك في رفعه، وبصحة ذلك. . .".

قلت: أما من جهة الشك في رفعه ووقفه، فالمحفوظ: الوقف على أبي أمامة.

وأما من جهة ضعف بعض الرواة: فإن شهر بن حوشب: حسن الحديث إذا لم يخالف أو ينفرد بأصل وسنة، وهو هنا قد انفرد عن أبي أمامة بهذا الحديث [وسيأتي عدم صحة الأسانيد فيه عن أبي أمامة، وأن هذا هو أشهر إسناد فيه]، فلا يقبل تفرده، لا سيما والراوي عنه: سنان بن ربيعة: ليس بالقوي [التهذيب (3/ 527)، الميزان (2/ 235)، وقال: "صويلح". التقريب (417)، وقال: "صدوق فيه لين". أخرج له البخاري مقرونًا].

وقد اختلف عليه في هذا الحديث كما ذكر الدارقطني، وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 28/ 47):"سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن سنان بن ربيعة عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ غسل مآقي عينيه بإصبعيه؟ قال أبي: روى حماد بن زيد، عن سنان، عن شهر، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحماد بن زيد: أحفظ وأثبت من حماد بن سلمة، وسنان بن ربيعة أبو ربيعة: مضطرب الحديث"، فأعله أبو حاتم بسنان بن ربيعة.

قال الدارقطني: "حدثنا دعلج بن أحمد، قال: سألت موسى بن هارون عن هذا الحديث؟ قال: ليس بشيء، فيه شهر بن حوثب، وشهر: ضعيف، والحديث في رفعه شك. وقال ابن أبي حاتم: قال أبي: سنان بن ربيعة أبو ربيعة: مضطرب الحديث".

وقال الترمذي: "هذا حديث حسن، ليس إسناده بذاك القائم".

وقال ابن عدي: "وهذا يرويه عن سنان: حماد بن زيد، ويرويه عن شهر بن حوشب: سنان بن ربيعة، ولسنان أحاديث قليلة، وأرجو أنه لا بأس به".

وانظر فيمن وهم في هذا الحديث على حماد بن زيد: علل الدارقطني (15/ 305/ 4053).

• وعلى هذا فالحديث قد اتفق أئمة الحديث على ضعفه، والأئمة المحدثون إذا اتفقوا على شيء يكون حجة، فقد ضعفه أبو حاتم، وموسى بن هارون، والدارقطني، والترمذي، وابن عدي، والبيهقي.

وكذلك: عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 171)، وابن القطان الفاسي في بيان الوهم (2/ 280) و (3/ 320) و (5/ 262).

• وخلاصة القول: أن حديث: وكان يمسح الماقين: مرفوع بإسناد ضعيف، و"الأذنان من الرأس": موقوف على أبي أمامة بإسناد ضعيف.

وقد حسنه ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 504)؛ فلم يصب.

ص: 86

وفُسِّر الماقان: بطرف العين الذي يلي الأنف، وهو مخرج الدمع.

• وقد روي هذا الحديث عن أبي أمامة بأسانيد أخر؛ منها:

1 -

أحمد بن عيسى الخشاب: حدثنا عبد الله بن يوسف: حدثنا عيسى بن يونس: حدثنا أبو بكر بن أبي مريم، قال: سمعت راشد بن سعد، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".

أخرجه ابن عدي (1/ 192)، والدارقطني (1/ 104)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 427/ 235).

قال الدارقطني: "أبو بكر بن أبي مريم: ضعيف".

وقال ابن عدي: "هذا الحديث بهذا الإسناد لا يرويه إلا أحمد بن عيسى، وإنما يروي هذا حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة".

قلت: هو باطل بهذا الإسناد؛ لتفرد الخشاب هذا به عن عبد الله بن يوسف التنيسي، وأحمد بن عيسى الخشاب: كذبه أبو زرعة الرازي ومسلمة وابن طاهر، وقال ابن حبان:"يروى عن المجاهيل الأشياء المناكير، وعن المشاهير الأشياء المقلوبة، لا يجوز عندي الاحتجاج بما انفرد من الأخبار"، وقال الدارقطني:"ليس بالقوي"[سؤالات البرذعي (2/ 676)، المجروحين (1/ 160 - ط حمدي السلفي)، الكامل (1/ 191)، الضعفاء والمتروكون للدارقطني (73)، التهذيب (1/ 91)، الميزان (1/ 126)، اللسان (1/ 261)].

وصوابه: مرسل: فقد رواه أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي [وهو ثقة. التقريب (435)]: نا أبو بكر بن أبي مريم، عن راشد بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".

أخرجه الدارقطني (1/ 104).

وقال: "هذا مرسل، وروى عنه متصلًا عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح، وأبو بكر بن أبي مريم: ضعيف".

وعليه: فلا يصح هذا عن أبي أمامة: متصلًا، ولا عن راشد بن سعد: مرسلًا.

2 -

جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الأذنان من الرأس".

أخرجه ابن عدي (7/ 240)، والدارقطني (1/ 104)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 425/ 230 و 231).

قال الدارقطني: "جعفر بن الزبير: متروك"، وقال ابن حبان:"وروى جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة: نسخة موضوعة، أكثر من مائة حديث"[المجروحين (1/ 250)، وقال في التقريب (119): "متروك الحديث، وكان صالحًا في نفسه"]، فلا يبعد أن يكون هذا منها.

• ورواه سليمان بن عبد الرحمن [ابن بنت شرحبيل]: ثنا عثمان بن فائد القرشي:

ص: 87

ثنا أبو معاذ الألهاني، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الأذنان من الرأس".

أخرجه تمام في الفوائد (1571)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 150).

وعثمان بن فائد: منكر الحديث، بل متهم بالوضع، قال البخاري:"في حديثه نظر"، وقال ابن حبان:"يروي عن جعفر بن برقان والشاميين: العجائب، روى عنه سليمان بن عبد الرحمن، يأتي عن الثقات بالأشياء المعضلات حتى يسبق إلى القلب أنه كان يعملها تعمدًا؛ لا يجوز الاحتجاج به". وقال ابن عدي: "منكر الحديث" وقال أيضًا: "قليل الحديث، وعامة ما يرويه ليس بالمحفوظ"، وقال أبو نعيم الأصبهاني:"روى عن الثقات مناكير، لا شيء"، وضعفه غيرهم، وذكر له الذهبي حديث: كلام أهل الجنة بالعربية، وقال:"هذا موضوع، والآفة عثمان"، ثم ذكر له أحاديث أخرى موضوعة، ثم قال:"المتهم بوضع هذه الأحاديث: عثمان، وقل أن يكون عند البخاري رجل فيه نظر إلا وهو متهم"[المجروحين (2/ 101)، الكامل (5/ 159)، التهذيب (3/ 76)، الميزان (3/ 51)، إكمال مغلطاي (9/ 180)]، وأبو معاذ الألهاني: فلم أعرفه.

3 -

حماد بن سلمة: أنبأنا عمرو بن دينار، عن سميع، عن أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه وذراعيه ثلاثًا ثلاثًا.

أخرجه أحمد (5/ 257 و 258)، والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 190)، والطحاوي (1/ 29).

وهذا مع ضعفه فليس فيه ما يشهد لحديث الباب: في مسح الماقين، و"الأذنان من الرأس".

وإسناده ضعيف؛ قال البخاري: "لا يعرف لعمرو سماع من سميع، ولا لسميع من أبي أمامة"، وسميع: مجهول [التعجيل (427)، اللسان (3/ 136)].

• وعلى هذا فإسناد: حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة: هو أشهر إسناد لهذا الحديث، كما قال البيهقي في السنن (1/ 66)، بل يقال: إن شهرًا هو الذي تفرد به عن أبي أمامة، ولا يصح في هذا عن القاسم عن أبي أمامة، ولا عن راشد بن سعد عن أبي أمامة شيء.

• وقد روي هذا الحديث عن: ابن عمر، وابن عباس، وأبي موسى، وأبي هريرة، وعثمان، وأنس، وعبد الله بن زيد، وعبد الله بن أبي أوفى، وجابر، وسمرة بن جندب، وعائشة، وسلمة بن قيس الأشجعي.

ولا يثبت منها شيء، بل لا يصلح منها شيء للاعتضاد والتقوية إذا أمكن التحسين بالشواهد، وهي كلها إما: شاذة أو منكرة؛ لا يمكن باجتماعها أن يقال بأن لها أصلًا، ويصح منها موقوفًا على ابن عمر.

وممن جمع طرقها وأتى عليها جميعًا بالتعليل: الدارقطني في السنن (1/ 97 - 105)،

ص: 88

وتبعه فأجاد وأفاد وزاد بما لم يأت عليه: البيهقي في الخلافيات (1/ 339 - 450)(1/ 171 - 202 - مختصره)، ثم اختصره في السنن (1/ 66 - 67)، وفي المعرفة (1/ 178).

وكان مما قاله في السنن: "فروي ذلك بأسانيد ضعاف، ذكرناها في الخلاف، وأشهر إسناد فيه:. . . " فذكر حديث حماد بن زيد، وضعفه.

وقال في الخلافيات (1/ 347): "وربما استدل أصحاب أبي حنيفة بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الأذنان من الرأس" بأسانيد كثيرة، ما منها إسناد إلا وله علة، روي ذلك عن: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة، وأنس بن مالك، وأبي أمامة الباهلي، وعبد الله بن زيد، وسمرة بن جندب، وروي ذلك عن عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين".

ثم أتى عليها جميعًا فضعفها، وبيَّن عللها بما لا يحتاج إلى مزيد بيان.

وقال العقيلي في الضعفاء الكبير (1/ 31): "والأسانيد في هذا الباب لينة".

وقال ابن حزم في المحلى (2/ 55): "الآثار في ذلك واهية".

وضعفها: عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 171)، فقال:"ولا يصح منها كلها شيء".

وكذلك ابن الصلاح في مقدمته ص (51)، وأقره العراقي عليه.

لكن جاء بعض المتأخرين فحكموا عليه بالحسن بمجموع طرقه وبتصحيح المعلول منها مثل: الحاكم في معرفة علوم الحديث (92)، وابن القطان الفاسي في بيان الوهم (2/ 280) و (3/ 320) و (5/ 262)، وابن دقيق العيد في الإمام (1/ 449 و 576)، والزيلعي في نصب الراية (1/ 18)، وابن حجر في النكت على ابن الصلاح (1/ 409)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 151)، وغيرهم.

لذا أحببت أن أذكرها مفصلة، وهاك البيان:

1 -

أما حديث ابن عمر:

أ- يرويه الجراح بن مخلد البصري [ثقة]: حدثنا يحيى بن محمد بن العريان الهروي [شيخ مجهول. تاريخ بغداد (14/ 161)]: حدثنا حاتم بن إسماعيل [صدوق]، عن أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأذنان من الرأس".

أخرجه الدارقطني في السنن (1/ 97)، وفي العلل (12/ 346/ 2773)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 347 و 348/ 140 و 141)، والخطيب في تاريخ بغداد (14/ 161)، وفي الموضح (1/ 187)، وابن الجوزي في التحقيق (139).

قال الدارقطني في السنن: "كذا قال، وهو وهم، والصواب: عن أسامة بن زيد، عن هلال بن أسامة الفهري، عن ابن عمر موقوفًا.

هذا وهم، ولا يصح وما بعده، وقد بينت عللها".

وقال في العلل: "وهو وهم، والصواب: عن أسامة بن زيد الليثي، عن هلال بن

ص: 89

أسامة الفهري، عن ابن عمر، قوله، غير مرفوع"، وقال مثله في موضع آخر من العلل (12/ 361/ 2784).

وقال الخطيب في الموضح: "والخطأ فيه من وجهين: أحدهما: قوله: عن نافع، والثاني: روايته مرفوعًا، وحديث وكيع: الصواب، والله أعلم".

• قلت: الوهم فيه من يحيى بن العريان الهروي؛ فإنه شيخ مجهول، نزل بغداد، وحدث بها، لا يُعلم روى عنه سوى الجراح بن مخلد، ولم يوثق، فلا يقبل منه هذا التفرد، لا سيما وقد خالف الثقات الحفاظ:

فقد رواه أبو أسامة حماد بن أسامة [ثقة ثبت]، ووكيع بن الجراح [ثقة حافظ]:

عن أسامة بن زيد، عن هلال بن أسامة الفهري، قال: سمعت ابن عمر يقول: الأذنان من الرأس.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 24/ 163)، والدارقطني (98/ 1)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 349 و 350/ 142 و 143)، والخطيب في الموضح (1/ 187).

قال البيهقي: "ومن رواه مسندًا: ليس ممن يقبل منه ما تفرد به؛ إذ لم تثبت عدالته، فكيف إذا خالف الثقات، مثل: وكيع بن الجراح: الحافظ المتقن، وأبي أسامة حماد بن أسامة: المتفق على عدالته، وقد أتيا به موقوفًا".

قلت: وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد حسن، وهلال بن أسامة هذا هو: هلال بن أبي ميمونة، وهو هلال بن علي بن أسامة، والصواب فيه قول البخاري وأبي حاتم وغيرهما، خلافًا للخطيب ومن تبعه [انظر: التاريخ الكبير (8/ 204)، الجرح والتعديل (9/ 76)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 171 و 214/ 758 و 991)، المعجم الأوسط للطبراني (7/ 105/ 6987)، رجال صحيح البخاري للكلاباذي (2/ 778)، التعديل والتجريح (3/ 1179/ 1413)، الموضح (1/ 187) و (2/ 520)، التهذيب (4/ 290 و 291)].

ب- ورواه أبو عبد الله القاسم بن يحيى بن يونس البزاز: نا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".

أخرجه الدارقطني (1/ 97).

قال الدارقطني: "رفعه وهم، والصواب: عن ابن عمر من قوله، والقاسم بن يحيى هذا: ضعيف".

قلت: لم ينفرد به القاسم بن يحيى، بل تابعه عليه: ضمرة بن ربيعة [وهو: صدوق]، فرواه عن إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر به مرفوعًا.

أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 300)، وابن المقرئ في المعجم (34 و 35)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 351/ 145).

قال ابن عدي: "ولا يحدث بهذا الحديث عن يحيى غير: ابن عياش، وعن ابن عياش: ضمرة".

ص: 90

وقال البيهقي: "والقاسم بن يحيى: ضعيف، وضمرة بن ربيعة أيضًا: ليس بالقوي، فإن سلم منهما فالحمل فيه علي إسماعيل بن عياش، ورفعُه: وهم، والصواب موقوف".

قلت: لم ينفرد به ضمرة كما قال ابن عدي، وقد قال الدارقطني في العلل (12/ 346/ 2773):"رواه ضمرة بن ربيعة والقاسم بن يحيى عنه"، وكذا قال البيهقي.

وإنما آفته رواية ابن عياش عن الحجازيين، فإنها ضعيفة، وهذه منها، فكان يحيى بن سعيد هذا هو: الأنصاري المدني، وفي تفرد ابن عياش عنه نكارة ظاهرة، وقد ساق البيهقي في الخلافيات (1/ 148/354) حديثًا منكرًا من رواية ابن عياش عن يحيى بن سعيد، للتدليل على ضعفه فيه، ولم ينفرد ابن عياش بهذا فحسب بل إنه قد خولف فيه:

• خالفه:

عباد [هو: ابن العوام: ثقة]، وفرج بن فضالة [ضعيف، وفي حديثه عن يحيى مناكير]: روياه عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يمسح أذنيه مع وجهه.

لفظ عباد، ولفظ فرج: عن ابن عمر، قال: الأذنان من الرأس.

أخرجه أبو عبيد في الطهور (363)، عن عباد به. وأبو جعفر بن البختري في الحادي عشر من فوائده (165) من طريق فرج به.

وهذا هو: الصواب، وإسناده صحيح إلى ابن عمر، من فعله.

قال الدارقطني في العلل (12/ 346/ 2773) عن رواية عباد: "وهو الصحيح".

وقال ابن حجر في النكت (1/ 414): "ورجاله ثقات؛ إلا أن رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين فيها مقال، وهذا منها، والمحفوظ من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما من قوله".

• وممن أفحش في الخطأ في هذا الحديث على إسماعيل بن عياش:

عبد الوهاب بن الضحاك، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".

أخرجه البيهقي في الخلافيات (1/ 400/ 211) بإسناد صحيح إليه.

ثم قال: قال الحاكم أبو عبد الله: "تفرد به إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد، وإسماعيل بن عياش على جلالة محله: إذ انفرد بحديث لم يقبل منه؛ لسوء حفظه".

نعم؛ رواية ابن عياش عن الحجازيين ضعيفة، وهذه منها، لكن الرجل بريء من هذا الإسناد، آفته: عبد الوهاب بن الضحاك الحمصي؛ فكأنه: متروك، منكر الحديث، بل كذاب يضع الحديث، له عن إسماعيل بن عياش وغيره: مقلوبات وبواطيل وأوابد، وهذا منها [التهذيب (2/ 637)، الميزان (2/ 679)].

ج - ورواه عبد الله بن محمد بن وهيب الغزي [روي عنه جماعة من الحفاظ. تاريخ دمشق (33/ 273)، تاريخ الإسلام (23/ 69)]: نا محمد بن أبي السري [هو محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن العسقلاني: لين الحديث، كثير الغلط، وكان حافظًا، وثقه ابن

ص: 91

معين. الجرح والتعديل (8/ 105)، الثقات (9/ 88)، الأنساب (4/ 191)، تاريخ دمشق (55/ 228)، بيان الوهم (5/ 218)، الميزان (4/ 23)، التهذيب (3/ 686)]: ثنا عبد الرزاق، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".

أخرجه الدارقطني (1/ 97).

ورواه تمام في فوائده (620)، من طريق: عبد الله بن وهيب الغزي: ثنا ابن أبي السري: ثنا عبد الرزاق، عن سفيان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر به مرفوعًا.

قال الدارقطني: "كذا قال عبد الرزاق عن عبيد الله، ورفعه أيضًا: وهمٌ، ورواه إسحاق بن إبراهيم قاضي غزة، عن ابن أبي السري، عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن عبيد الله، ورفعه أيضًا وهمٌ، ووهِم في ذكر الثوري، وإنما رواه عبد الرزاق، عن عبد الله بن عمر أخي عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، به موقوفًا".

أخرجه من طريق ابن أبي السري على الوجهين: البيهقي في الخلافيات (/ 1/ 357 152 و 153).

قلت: وهم فيه ابن أبي السري، وأفحش في الغلط، والمحفوظ عن عبد الرزاق: عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الأذنان من الرأس. كذا هو في المصنف (1/ 11/ 24).

د - ورواه الحسن بن كليب: حدثنا مصعب بن المقدام: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فليتمضمض وليستنثر، والأذنان من الرأس".

أخرجه الخطيب في التاريخ (7/ 406).

ثم روى عن الدارقطني قوله: "هذا حديث منكر بهذا الإسناد متصلًا؛ تفرد به الحسن بن كليب، وهو: ضعيف الحديث، والمحفوظ: عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا".

قلت: المحفوظ عن الثوري في هذا: ما رواه أصحابه الثقات عنه، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا، وسيأتي تحت حديث ابن عباس الآتي، وانظر: الميزان (1/ 519)، واللسان (3/ 109) في ترجمة الحسن بن كليب هذا، وقال:"ضعفه الدارقطني والخطيب"، وأورد له هذا الحديث.

• قلت: والمحفوظ في هذا عن نافع عن ابن عمر:

هو ما رواه: محمد بن إسحاق [صدوق]، وعبد الله بن عمر العمري [ليس بالقوي]، وعبد الله بن نافع [ضعيف]:

رواه ثلاثتهم: عن نافع، عن ابن عمر، قال: الأذنان من الرأس، فإذا مسحت الرأس فامسحهما. وفي رواية: كان ابن عمر يمسح أذنيه، ويقول: هما من الرأس.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 11/ 24)، وابن أبي شيبة (1/ 24/ 164)، وابن جرير الطبري

ص: 92

في تفسيره (4/ 458/ 11372)، والدولابي في الكني (3/ 1167/ 2037)، والطحاوي (1/ 34)، والدارقطني (1/ 98)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 358 و 365/ 154 و 165 و 166).

وهذا الصواب: موقوف علي ابن عمر، بإسناد صحيح.

• ورواه سفيان الثوري، عن رجل قد سماه، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الأذنان من الرأس.

أخرجه أبو جعفر بن البختري في الحادي عشر من فوائده (166).

• وقد روى عبيد الله بن عمر العمري، ومالك، وأيوب السختياني، وابن جريج، وعبد الله بن عمر العمري:

عن نافع: أن ابن عمر كان يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما، يتتبع بذلك الغضون.

لفظ أيوب، وألفاظهم متفاوتة.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 11 و 12/ 26 و 28 و 29 و 30)، وأبو عبيد في الطهور (363)، وابن أبي شيبة (1/ 25/ 173)، وأبو بكر الأثرم في السنن (11)، وابن المنذر (1/ 402/ 397 و 398)، والطحاوي (1/ 34)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 344/ 136 و 137)، وفي السنن (1/ 65).

وهذا صحيح عن ابن عمر، من فعله.

قال البيهقي: "هذا إسناد صحيح، لا يشتبه علي أحد".

هـ - ورواه محمد بن الفضل، عن زيد، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".

أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 200)، وجعل نافعًا بدل مجاهد. والدارقطني (1/ 98)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 359 و 360/ 155 و 156)، رواه من طريق الدارقطني -وفيه: عن مجاهد-، ومن طريق ابن عدي -وفيه: عن نافع-، وضعفه جدًّا.

قال الدارقطني: "محمد بن الفضل هو ابن عطية: متروك الحديث".

قلت: لا يصح، لا عن نافع، ولا عن مجاهد: إسناده واهٍ بمرة: زيد بن الحواري العمي: ضعيف، ومحمد بن الفضل بن عطية: متروك الحديث، كذاب [التهذيب (3/ 675)، الميزان (4/ 6)].

• وممن رواه موقوفًا على ابن عمر:

أ- سفيان الثوري، عن سالم أبي النضر، قال: سمعت سعيد بن مرجانة، يقول: سمعت ابن عمر يقول: الأذنان من الرأس. موقوف.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 11/ 25)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 458/ 11374)، والدولابي في الكني (3/ 1089/ 1952)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 401/ 395)، والدارقطني (1/ 98)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 363 / 161 و 162).

فهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين.

ص: 93

ب- هشيم بن بشير [ثقة ثبت]، وشعبة [ثقة حافظ متقن]، وأبو مطرف [عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز: وثق]، وعبد الحكيم بن منصور [متروك].

رووه: عن غيلان بن عبد الله مولي قريش [وفي رواية: مولى بني مخزوم][قال شعبة: سمعت مولى لقريش، وقال مرة: عن رجل. أبهمه]، قال: سمعت ابن عمر يقول: الأذنان من الرأس. موقوف.

وفي رواية: سمعت ابن عمر سأله سائل، قال: إنه توضأ ونسي أن يمسح أذنيه؟

قال: فقال ابن عمر: الأذنان من الرأس، ولم ير عليه بأسًا.

أخرجه أبو عبيد في الطهور (362)، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (2/ 157/ 1860)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 458/ 11370 و 11371 و 11373 و 11375)، والطحاوي (1/ 34)، والدارقطني (1/ 98)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 363/ 163 و 164)، والخطيب في المدرج (2/ 787).

وهذا موقوف بإسناد حسن، غيلان بن عبد الله الواسطي، مولى بني مخزوم: قال أحمد: "روى عنه شعبة، وهو أحب إليَّ من سهيل بن ذكوان" ثم قال: "سهيل: روى عنه عباد وهشيم، وقال عباد بن العوام: كنا نتهمه بالكذب، يعني: سهيلًا، قال عباد: قلت له: صف لي عائشة؟ قال: كانت أدماء. قال أبي: وكانت عائشة يقال شقراء بيضاء"، وسهيل بن ذكوان هذا: ليس هو ابن أبي صالح السمان، ولكنه آخر، مكي نزل واسط، كنيته أبو السندي، وقيل: أبو عمرو، وهو: متروك، كذبه عباد وابن معين لوصفه عائشة بالأدمة [التاريخ الأوسط (2/ 102/ 1950)، التاريخ الكبير (4/ 104)، الجرح والتعديل (4/ 246)، كنى مسلم (2325)، ضعفاء العقيلي (2/ 154)، المجروحين (1/ 353)، الكامل (3/ 446)، الجامع لأخلاق الراوي (1/ 133 و 134/ 147 و 151)، تاريخ الإسلام (9/ 169 و 348)، اللسان (4/ 210)، وغيرها]، ووجه مقارنة الإمام أحمد هنا بين غيلان وسهيل هذا: أنهما يعرفان برواية هشيم عنهما، وأن هشيمًا يروي عنهما موقوفات، ولم يقع في مرويات غيلان مثل ما وقع في مرويات سهيل، هذا من جهة، ومن جهة أخري: فإن شعبة قد روي عن غيلان، ولم يرو عن سهيل شيئًا، وفي هذا رفع لشأن غيلان، لكون شعبة كان ينتقي شيوخه، ولا يروي في الغالب إلا عن ثقة، وليس في مرويات غيلان عن ابن عمر ما يستنكر [انظر: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 57 و 164/ 593 و 1889) و (4/ 52 و 181/ 6382 و 7893)]، لذا كان غيلان أحب إلى الإمام أحمد من سهيل، وعلى هذا فلا جرم أن ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال الدارقطني:"غيلان بن عبد الله، عن ابن عمر: هو مولى بني مخزوم: ثقة"[العلل ومعرفة الرجال (1/ 442/ 988)، التاريخ الكبير (7/ 105)، وقال: "سمع ابن عمر قوله، سمع منه هشيم وشعبة". الجرح والتعديل (7/ 53)، الثقات (5/ 291)، سؤالات البرقاني (414)].

ص: 94

• وحاصل ما تقدم أن المحفوظ في هذا الحديث: موقوف على ابن عمر بأسانيد صحيحة، والله أعلم.

• وله طرق أخرى عن ابن عمر موقوفًا أيضًا، لكن فيها ضعف أو شذوذ.

أخرجها أبو يوسف في الآثار (32)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 458 11379 و 11380).

وروي مرفوعًا من طريق واهية عند البيهقي في الخلافيات (1/ 388/ 197)، ويأتي ذكرها في طرق حديث ابن عباس.

2 -

وأما حديث ابن عباس، وله طرق عنه:

• الأول: يرويه أبو كامل الجحدري: حدثنا غندر محمد بن جعفر، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأذنان من الرأس".

أخرجه البزار في مسنده [اللسان (7/ 475)]. وابن عدي في الكامل (3/ 131) و (4/ 196)، والدارقطني (1/ 99)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 366 و 367/ 167 - 169)، وابن الجوزي في التحقيق (140)، والرافعي في التدوين (1/ 459).

قال الخليلي في الإرشاد (3/ 844/ 212): "سمعت الحاكم يقول: سألت أبا علي الحافظ عن حديث أبي كامل الجحدري، عن غندر، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأذنان من الرأس"؟

فقال: هذا حديث حدثنا به ابن الباغندي ونحن نتهمه به؛ فإنه لم يحدث به في الإسلام أحد غيره عن أبي كامل عن غندر.

قال الحاكم: فذاكرني أبو الحسين بن المظفر البغدادي، فقال لي: الباغندي ثقة إمام، لا ينكر منه إلا التدليس، والأئمة قد دلسوا. فقلت: لا تقل بهذا، أليس قد روى عن أبي كامل هذا ولم يتابع عليه، فقال: قد ذُكر لي عن عبد الخالق البزار عن أبي كامل كما عند الباغندي".

قلت: نعم، تابعه البزار عليه، والحسن بن علي بن شبيب المعمري، قال الحافظ ابن حجر في اللسان (7/ 475) في ترجمة الباغندي:"والحديث موجود في مسند البزار بهذا الإسناد، وقد قال الدارقطني: أخطأ فيه أبو كامل؛ فبريء منه الباغندي".

ولما روي البيهقي في الخلافيات هذا الحديث عن الحاكم أبي عبد الله، من طريق المعمري، قال:"قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث يعرف بالمعمري، وهو آخر ما ذكره موسى بن هارون في الإنكار عليه، وقد سرقه منه الباغندي وغيره".

وقال ابن عدي: "قال أبو كامل: لم أكتب عن غندر إلا هذا الحديث الواحد، أفادنيه عنه عبد الله بن سلمة الأفطس.

وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن غندر بهذا الإسناد غير أبي كامل، وحدث عن أبي كامل بهذا الحديث: المعمري والباغندي، وقد روي هذا الحديث عن الربيع بن بدر عن ابن جريج".

ص: 95

وعلى هذا فلا تصح نسبة هذا الحديث إلى غندر، وهو منه بريء، وآفته: عبد الله بن سلمة الأفطس، فإنه: متروك الحديث، ويبدو أنه أدخله على أبي كامل، وقد كان الأفطس يحسد غندرًا ويغمزه، فلا يبعد أن يدعي عليه ما لم يقله، يفسد عليه، والله أعلم [الجرح والتعديل (5/ 69)، المعرفة والتاريخ (3/ 154)، اللسان (4/ 488)].

وقال الدارقطني: "تفرد به أبو كامل عن غندر، ووهم عليه فيه، تابعه الربيع بن بدر، وهو: متروك، عن ابن جريج، والصواب: عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا".

وقد اغتر بظاهر هذا الإسناد وثقة رجاله: ابن القطان الفاسي، فقال فقال في بيان الوهم (5/ 263/ 2462):"هذا الإسناد عندي صحيح بثقة راويه واتصاله"، وادعى أن الدارقطني لم يأت بحجة على توهيمه أبا كامل فيه، ولم يطلع ابن القطان علي كلام أبي كامل نفسه عند ابن عدي، ففيه الحجة البالغة، والله أعلم.

قال ابن حجر في النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 412): "وهذا رجاله رجال مسلم أيضًا؛ إلا أن له علة: فإن أبا كامل تفرد به عن غندر، وتفرد به غندر عن ابن جريج، وخالفه من هو أحفظ منه وأكثر عددًا فرووه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم معضلًا، والعلة فيه من جهتين:

إحداهما: أن سماع غندر عن ابن جريج كان بالبصرة، وابن جريج لما حدث بالبصرة حدث بأحاديث وهم فيها، وسماع من سمع منه بمكة أصح.

ثانيهما: أن أبا كامل قال فيما رواه أبو أحمد بن عدي عنه: لم أكتب عن غندر إلا هذا الحديث، أفادنيه عنه عبد الله بن سلمة الأفطس، انتهي.

والأفطس: ضعيف جدًّا، فلعله أدخله على أبي كامل.

وقد مال أبو الحسن بن القطان إلى الحكم بصحته؛ لثقة رجاله واتصاله، وقال ابن دقيق العيد: لعله أمثل إسناد في هذا الباب.

قلت: وليس بجيد؛ لأن فيه العلة التي وصفناها والشذوذ؛ فلا يحكم له بالصحة، كما تقرر، والله أعلم".

قلت: الذي يظهر لي بدلائله: أن غندرًا بريء من عهدة هذا الحديث، وإنما وقع الوهم لأبي كامل فيه من جهة إدخال الأفطس عليه هذا الحديث علي أنه من حديث غندر، وليس كذلك، ولذلك جزم ابن عدي والدارقطني بوهم أبي كامل فيه، وأن الحديث ليس بمحفوظ عن غندر، وإنما يعرف من حديث أحد المتروكين: الربيع بن بدر، وسيأتي كلام الأئمة علي تفرد الربيع به.

قلت: قد اختلف فيه هذا الحديث علي ابن جريج:

أ- فرواه غندر محمد بن جعفر [بصري، ثقة، ولا يصح عنه هذا الحديث، وهو بريء من عهدته]، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس به مرفوعًا.

ص: 96

وقد رواه أحد المتروكين: الربيع بن بدر، عن ابن جريج به هكذا، بلفظ:"تمضمضوا واستنشقوا، والأذنان من الرأس".

أخرجه ابن عدي (3/ 131)، والدارقطني (1/ 99)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 281)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 373 و 374/ 173 و 174).

قال ابن عدي: "وهذا عن ابن جريج لا يرويه غير الربيع بن بدر، وغندر صاحب شعبة، ومن حديث غندر: ليس بالمحفوظ".

قال الدارقطني: "الربيع بن بدر: متروك الحديث".

وقال أبو نعيم: "غريب من حديث ابن جريج في المضمضة والاستنشاق، لا أعلم رواه عنه إلا الربيع".

وعلي هذا فإن هذا الحديث إنما يعرف بالربيع بن بدر [المتروك]، وليس من حديث غندر [الثقة]، وإنما أدخله الأفطس علي أبي كامل، فغلط فيه، والله أعلم.

ب- ورواه علي بن عاصم [صدوق، كثير الغلط والوهم]، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

أخرجه الدارقطني (1/ 100)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 372/ 172)، وابن الجوزي في التحقيق (141).

قال الدارقطني في العلل (14/ 105/ 3452): "ووهم فيه، وإنما أراد أن يقول: سليمان بن موسى، عن الزهري: مرسلًا".

ونقل عنه البيهقي قوله: "وهم علي بن عاصم في قوله: عن أبي هريرة، والذي قبله: أصح عن ابن جريج"، يعني: عن سليمان بن موسى مرسلًا.

ج- ورواه محمد بن الأزهر الجوزجاني: نا الفضل بن موسى السيناني [ثقة ثبت]، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فليتمضمض وليستنشق، والأذنان من الرأس".

أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 32)، الدارقطني (1/ 84 و 100)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 435/ 243)، وابن الجوزي في التحقيق (142).

أعله العقيلي بابن الأزهر، وقال في المرسل:"هذا أولى".

وقال الدارقطني: "كذا قال، والمرسل أصح"، وقال أيضًا:"محمد بن الأزهر: ضعيف، وهذا خطأ، والذي قبله المرسل: أصح، والله أعلم".

قلت: محمد بن الأزهر الجوزجاني: ضعفه الدارقطني، وقال أحمد:"لا تكتبوا عنه حتى لا يحدث عن الكذابين"، وقال ابن حبان:"كثير الحديث، يتعاطى الحفظ، من جلساء أحمد بن حنبل"، ووثقه الحاكم [العلل ومعرفة الرجال (3/ 5153/261)، الثقات (9/ 123)، الكامل (6/ 132)، اللسان (6/ 544)]، فلا يحتمل تفرد مثله عن السيناني.

• ورواه عصام بن يوسف البلخي [روي أحاديث لا يتابع عليها. اللسان (5/ 436)]:

ص: 97

ثنا عبد الله بن المبارك، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا تتم الصلاة إلا به، والأذنان من الرأس".

أخرجه ابن عدي (3/ 266)، والدارقطني (1/ 84)، والبيهقي في السنن (1/ 52)، وفي الخلافيات (1/ 434 و 435/ 241 و 242).

قال ابن عدي: "وهذا لا أعرفه إلا من هذا الوجه".

قال الدارقطني في السنن: "تفرد به عصام عن ابن المبارك، ووهم فيه، والصواب: عن ابن جريج عن سليمان بن موسى مرسلًا: عن النبي صلى الله عليه وسلم "من توضأ فليتمضمض وليستنشق"، وأحسب عصامًا حدث به من حفظه فاختلط عليه، فاشتبه بإسناد حديث ابن جريج عن سليمان عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل"، والله أعلم".

وذكره الدارقطني في العلل (14/ 105/ 3452)، وقال:"وكلا الروايتين: وهم في الإسناد والمتن"، وانظر بقية كلامه، وقال نحو كلامه في السنن.

وقال البيهقي: "وهم فيه عصام بن يوسف، أو من دونه، والصواب: مرسل".

د- خالفهم أصحاب ابن جريج الثقات فأرسلوه، وهو الصواب:

فقد رواه حجاج بن محمد المصيصي [ثقة ثبت، من أثبت الناس في ابن جريج]، ووكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، وسفيان الثوري [ثقة ثبت، إمام حجة]، وسفيان بن عيينة [ثقة ثبت إمام]، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني [ثقة، مكثر عن ابن جريج، ثبت فيه]، والوليد بن مسلم [ثقة ثبت]، وعبيد الله بن موسى [ثقة]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق]، وإسماعيل بن عياش [روايته عن الحجازيين ضعيفة، وهذه منها، لكنه أصاب هنا]، وصلة بن سليمان [متروك، كذبه ابن معين وأبو داود. اللسان (4/ 333)][وهم (10) أنفس]:

رووه: عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأذنان من الرأس"، وفي رواية:"من توضأ فليتمضمض وليستنشق". هكذا مرسلًا.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 23/11)، وأبو عبيد في الطهور (360)، وابن أبي شيبة (1/ 23/ 156)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 459/ 11385)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 32)، وأبو جعفر ابن البختري في الحادي عشر من فوائده (164)[(660) مجموع مصنفاته]. والدارقطني (1/ 84 و 99)، والبيهقي في السنن (1/ 52)، وفي الخلافيات (1/ 368 و 436/ 171 و 244)، والخطيب في التاريخ (7/ 406).

قال العقيلي: "هذا أولى"، يعني: من حديث ابن الأزهر الجوزجاني.

وذكره الدارقطني في العلل (13/ 321/ 3194) وقال: "والمرسل أصح"، وكذا قال في السنن (1/ 84)، وانظر أيضًا: علل الدارقطني (14/ 105/ 3452).

وقال البيهقي في الخلافيات: "وهؤلاء الذين وصلوا هذا الإسناد:

ص: 98

تارة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس.

وتارة عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة.

وغير ذلك مما سبق ذكرنا له: ليسوا من أهل الصدق والعدالة؛ بحيث إذا انفردوا بشيء يقبل ذلك منهم، أو جاز الاحتجاج بخبرهم.

فكيف إذا خالفوا الثقات! وباينوا الأثبات! وعمدوا إلي المعضلات فجوَّدوها! وقصدوا إلى المراسيل والموقوفات فأسندوها!

والزيادة إنما هي مقبولة عن المعروف بالعدالة، والمشهور بالصدق والأمانة، دون من كان مشهورًا بالكذب والخيانة، أو منسوبًا إلى نوع من الجهالة"، ثم روى المرسل من طريق الثوري، ثم قال: "وهذا هو الصواب وبغير ذلك لا تثبت الحجة".

• الثاني: يرويه أحمد بن بكر أبو سعيد ببالس: نا محمد بن مصعب القرقساني [صدوق، كثير الغلط]: حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فليتمضمض وليستنشق، والأذنان من الرأس".

أخرجه ابن عدي (1/ 188)، الدارقطني (1/ 100)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 375/ 178)، وابن الجوزي في التحقيق (143).

قال ابن عدي: "وهذا الحديث لا يعرف إلا بأحمد بن بكر".

قلت: هو حديث منكر بهذا الإسناد عن إسرائيل، وأحمد بن بكر البالسي: قال ابن عدي: "روي أحاديث مناكير عن الثقات"، وقال الدارقطني:"ضعيف"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"كان يخطئ"، وقال الأزدي:"كان يضع الحديث"[الثقات (8/ 51)، الكامل (1/ 188)، اللسان (1/ 411)].

• خالفه:

وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، فرواه عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: الأذنان من الرأس.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 24/ 162).

• ورواه مصعب بن المقدام [لا بأس به]، عن حسن بن صالح [ثقة حافظ]، عن جابر، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله سواء إلا أنه قال: "وليستنثر].

أخرجه الدارقطني (1/ 100).

• ورواه علي بن يونس، عن إبراهيم بن طهمان [ثقة]، عن جابر، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا يتم الوضوء إلا بهما، والأذنان من الرأس".

أخرجه الدارقطني (1/ 100).

قال الدارقطني: "جابر: ضعيف، وقد اختلف عنه: فأرسله الحكم بن عبد الله أبو مطيع، عن إبراهيم بن طهمان، عن جابر، عن عطاء، وهو: أشبه بالصواب".

ص: 99

قلت: علي بن يونس هذا هو: البلخي، وقيل: المديني، قال الخليلي:"ثقة"، وقال مرة أخرى:"صدوق مشهور"، لكن قال العقيلي:"لا يتابع على حديثه"، وروى عن مالك حكاية، قال الذهبي:"باطلة، وإسنادها مظلم"، وقال ابن حجر:"وليس في الإسناد مَن يُنظر في أمره سوي علي هذا"[الجرح والتعديل (6/ 209)، الثقات (8/ 459)، ضعفاء العقيلي (3/ 256)، الإرشاد (1/ 277) و (3/ 935)، تاريخ الإسلام (14/ 273)، الميزان (3/ 163)، اللسان (6/ 40)].

• وخالفه أبو مطيع الخراساني، عن إبراهيم بن طهمان، عن جابر، عن عطاء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المضمضة والاستنشاق من وظيفة الوضوء لا يتم الوضوء إلا بهما، والأذنان من الرأس".

أخرجه الدارقطني (1/ 101)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (1/ 377/ 179).

وقال في العلل (13/ 322/ 3194): "والمرسل أصح".

قلت: أبو مطيع الخراساني البلخي، الحكم بن عبد الله بن مسلمة: فقيه بصير بالرأي، من أصحاب أبي حنيفة، لكنه: متروك الحديث، كذبه أبو حاتم، واتهم بالوضع، جهمي خبيث [المجروحين (2/ 103)، الكامل (2/ 214)، تاريخ بغداد (8/ 223)، تاريخ الإسلام (13/ 158)، اللسان (3/ 246)، وغيرها].

فالأظهر أن رواية الوصل أشبه، من رواية الإرسال، لكن أيًا كان الصواب، فإن هذا الحديث إسناده واهٍ، ليس بشيء، مداره على جابر بن يزيد الجعفي، رواه عنه إسرائيل والحسن بن صالح وإبراهيم بن طهمان، وهم ثقات حفاظ، وقد اختلفوا عليه، والبلاء فيه من جابر نفسه؛ فإنه: متروك، كذاب، غالٍ في الرفض، كان يؤمن برجعة عليٍّ إلى الدنيا، وهي بدعة مكفرة، ويحمل توثيق شعبة والثوري له على أنهما سمعا منه قبل أن يظهر بدعته، والله أعلم [التهذيب (1/ 284)، الميزان (1/ 379)].

• الثالث: يرويه سويد بن سعيد [صدوق، لكنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه]: حدثنا القاسم بن غصن [ضعيف. اللسان (6/ 379)]، عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".

أخرجه الدارقطني (1/ 85 و 101)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 377/ 180)، والخطيب في تاريخ بغداد (3/ 234) و (6/ 384).

قال الدارقطني: "إسماعيل بن مسلم: ضعيف، والقاسم بن غصن مثله.

خالفه علي بن هاشم فرواه عن إسماعيل بن مسلم المكي عن عطاء عن أبي هريرة، ولا يصح أيضًا".

• خالفه: علي بن هاشم بن البريد [شيعي، صدوق]، قال: ثنا إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فليتمضمض وليستنشق، والأذنان من الرأس".

ص: 100

أخرجه أبو يعلي (11/ 256/ 6370)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 459/ 11386)، وابن حبان في المجروحين (2/ 110)، والطبراني في الأوسط (1/ 172/ 538)، والدارقطني (1/ 101)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 378/ 181 و 182).

أنكره ابن حبان على علي بن هاشم.

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عطاء إلا إسماعيل، تفرد به: علي بن هاشم".

قلت: هذا من تخاليط إسماعيل بن مسلم المكي؛ فإنه ضعيف جدًّا، تركه ابن مهدي والقطان والنسائي [التهذيب (1/ 168) وغيره]، وله طريق ثالث يأتي ذكره في حديث جابر.

• خالف إسماعيلَ بن مسلم فأوقفه على ابن عباس:

عمرُ بن قيس [سندل: متروك]، فرواه عن عطاء، عن ابن عباس، قال: الأذنان من الرأس في الوضوء، ومن الوجه في الإحرام.

أخرجه الدارقطني (1/ 101)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 386/ 195).

قال الدارقطني: "عمر بن قيس: ضعيف".

قلت: فلا يصح هذا عن عطاء بن أبي رباح: لا عن ابن عباس، ولا عن أبي هريرة، لا موصولًا، ولا مرسلًا.

• الرابع: محمد بن زياد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأذنان من الرأس".

أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 67)، وابن عدي (6/ 130)، والدارقطني (1/ 101)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 382/ 189).

قال الدارقطني: "محمد بن زياد هذا: متروك الحديث، ورواه يوسف بن مهران عن ابن عباس موقوفًا".

قلت: هذا موضوع على ميمون بن مهران، محمد بن زياد اليشكري الطحان: كذاب خبيث، يضع الحديث، روي عن ميمون بن مهران الموضوعات [التهذيب (3/ 565) وغيره].

• الخامس: قال الطبراني في الكبير (10/ 322/ 10784): حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي: ثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن قارظ بن شيبة، عن أبي غطفان، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استنشقوا مرتين، والأذنان من الرأس".

وهذا لم أجده في مسند الإمام أحمد من روايته عن وكيع، لكن رواه الإمام في مسنده (228/ 1 و 315 و 352) عن يحيى بن سعيد القطان، وهاشم بن القاسم، ويزيد بن هارون [وهم ثقات أثبات]: عن ابن أبي ذئب: حدثني قارظ، عن أبي غطفان، قال: رأيت ابن عباس توضأ، [فمضمض، واستنشق]، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "استنثروا مرتين بالغتين، أو: ثلاثًا"، هكذا بدون جملة:"والأذنان من الرأس".

وقد رواه عن وكيع: أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة [ثقة حافظ]، وإبراهيم بن موسى

ص: 101

الفراء [ثقة حافظ]، وعلي بن محمد بن إسحاق الطنافسي [ثقة، ويحتمل أن يكون: ابن أبي الخصيب، وهو صدوق، لكن الأول أقرب]:

رواه ثلاثتهم: عن وكيع: ثنا ابن أبي ذئب، عن قارظ، عن أبي غطفان، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استنثروا مرتين بالغتين، أو: ثلاثًا".

فلم يذكروا فيه هذه الزيادة: "والأذنان من الرأس"، وبخلاف لفظ الطبراني.

أخرجه أبو داود (141)، وابن ماجه (408)، وابن أبي شيبة (1/ 33/ 277).

ورواه عن ابن أبي ذئب: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن المبارك، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ويزيد بن هارون، وآدم بن أبي إياس، وإسحاق بن سليمان الرازي، وأبو داود الطيالسي سليمان بن داود، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وخالد بن مخلد القطواني، وأسد بن موسى، وإسحاق بن عيسي القشيري ابن بنت داود بن أبي هند:

[وهم أحد عشر نفسًا من الثقات] رووه عن ابن أبي ذئب، عن قارظ بن شيبة، عن أبي غطفان، قال: دخلت علي ابن عباس فوجدته يتوضأ، فمضمض واستنثر، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استنثروا اثنتين بالغتين، أو: ثلاثًا".

فلم يذكروا في روايتهم: "والأذان من الرأس".

أخرجه البخاري في التاريخ (7/ 201)، والنسائي في الكبري (1/ 109/ 97)، وابن ماجه (408)، والحاكم (1/ 148)، وابن الجارود (77)، وأحمد (1/ 228 و 315 و 352)، والطيالسي (4/ 445/ 2848)، وابن أبي شيبة (1/ 33/ 277)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 377/ 359)، والبيهقي (1/ 49)، وابن عبد البر (18/ 4 22)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 246 - 47 2)، والمزي في تهذيب الكمال (23/ 334)، وابن حجر في التغليق (2/ 105).

فدل ذلك علي وهم رواية الطبراني، ويحتمل أن يكون الوهم من الطبراني نفسه، والله أعلم.

• السادس: قال البيهقي في الخلافيات (1/ 388/ 197): حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي إملاء: أنا محمد بن عبد الواحد الرازي: ثنا محمد بن أحمد بن علي البرذعي [نعته الذهبي بقوله: "الإمام الحافظ الرحال". الإرشاد (2/ 783/ 671)، التدوين (1/ 188)، السير (16/ 233)]: ثنا الحسين بن مأمون البرذعي [قال الخليلي: "ثقة حافظ كبير المحل". الإرشاد (2/ 784/ 672)]: ثنا بشر بن عمرو بن سام [الكابلي، له نسخة]: ثنا أبي عمرو بن سام: ثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عمر وابن عباس، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".

قال البيهقي: "هذا إسناد واهٍ، لا تقوم به الحجة، وأكثر رواته مجهولون، فإن سلم منهم فعبد الوهاب بن مجاهد: علة الطريق، وهو ليس بالقوي، ولم يسمع من أبيه".

قلت: إسناده مجهول تالف، وعبد الوهاب بن مجاهد بن جبر: متروك، كذبه الثوري، ولم يسمع من أبيه [التهذيب (2/ 640)].

ص: 102

• السابع: رواه حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، أنه قال: الأذنان من الرأس. موقوف.

أخرجه أبو عبيد في الطهور (361)، وابن أبي شيبة (1/ 24/ 160)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 458/ 11376)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 401/ 394)، والدارقطني (1/ 102)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 386/ 194).

وهذا موقوف على ابن عباس بإسناد ضعيف؛ علي بن زيد بن جدعان: ضعيف، وهو المتفرد بالرواية عن يوسف بن مهران.

فلا يصح عن ابن عباس مرفوعًا ولا موقوفًا.

3 -

وأما حديث أبي موسى الأشعري:

يرويه علي بن جعفر بن زياد الأحمر [ثقة. الجرح والتعديل (6/ 178)، الثقات (8/ 468)، تاريخ بغداد (11/ 366)، تاريخ الإسلام (16/ 282)،: نا عبد الرحيم بن سليمان: نا أشعث، عن الحسن، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الأذنان من الرأس".

أخرجه العقيلي في الضعفاء (1/ 31)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 53/ 133)، وابن عدي في الكامل (1/ 373)، والدارقطني (1/ 102)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 394/ 204).

قال العقيلي بعد أن أورده في ترجمة أشعث بن سوار: "لا يتابع عليه، الأسانيد في هذا الباب لينة".

وأعله أبو حاتم بالرواية الموقوفة.

وقال ابن عدي: "ولا أعلم رفع هذا الحديث عن عبد الرحيم غير علي بن جعفر، ورواه غيره موقوفًا عن عبد الرحيم".

وقال الدارقطني في السنن: "رفعه علي بن جعفر عن عبد الرحيم، والصواب: موقوف، والحسن لم يسمع من أبي موسى".

وقال في العلل (7/ 250/ 1329): "والصواب: موقوف".

وقال ابن عبد الهادي في شرح العلل (153): "والصواب وقفه على أبي موسى".

وانظر فيمن وهم فيه على علي بن جعفر الأحمر: المعجم الأوسط للطبراني (4/ 241/ 4084).

• وهم في رفعه علي بن جعفر الأحمر، فقد خالفه حافظان فأوقفاه:

رواه أبو بكر بن أبي شيبة [ثقة حافظ]، وإبراهيم بن موسى الفراء [ثقة حافظ]:

عن عبد الرحيم بن سليمان، عن أشعث، عن الحسن، عن أبي موسى الأشعري، قال: الأذنان من الرأس. هكذا موقوفًا.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 158/24)، وعنه: أبو بكر الأثرم في السنن (10)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 401/ 396)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 53/ 133)، وابن عدي

ص: 103

في الكامل (1/ 373)، والدارقطني (1/ 103)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 395/ 205).

هكذا رواه أشعث بن سوار [وهو: ضعيف]، عن الحسن، عن أبي موسى: قوله.

• وهذا إنما يرويه أصحاب الحسن من قوله مقطوعًا عليه، وهو الصواب:

رواه يونس بن عبيد [ثقة ثبت، أثبت الناس في الحسن]، وقتادة [ثقة ثبت، ثبت في الحسن]، والربيع بن صبيح [ليس بالقوي]، وعمرو بن عبيد [شيخ القدرية والمعتزلة، متروك، يكذب على الحسن]:

أربعتهم عن الحسن، قال: الأذنان من الرأس.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 157/ 24 و 161)، وأبو بكر الأثرم في السنن (9)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 458 و 459/ 11377 و 11378 و 11381 و 11387)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (3163).

وهذا هو المحفوظ عن الحسن البصري: قوله، وعليه: فلا يحفظ من مسند أبي موسى، ولا من كلامه، والله أعلم.

قال البيهقي في الخلافيات (1/ 396): "ورواه يونس بن عبيد عن الحسن أنه قال: الأذنان من الرأس، وهو: الصواب".

4 -

وأما حديث أبي هريرة، فله عنه طرق:

أ- يرويه عمرو بن الحصين: ثنا محمد بن عبد الله بن عُلاثة، عن عبد الكريم الجزري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".

أخرجه ابن ماجه (445)، والطبراني في الأوسط (8/ 176/ 8318)، والدارقطني (1/ 102)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 397/ 207 و 208).

قال الدارقطني: "عمرو بن الحصين وابن علاثة: ضعيفان".

وقال البيهقي: قال الحاكم أبو عبد الله: "تفرد به محمد بن علاثة عن عبد الكريم بن مالك الجزري، وابن علاثة: هو أبو اليسير القاضي محمد بن عبد الله بن علاثة الشامي: ذاهب الحديث بمرة، وله مناكير عن الأوزاعي وغيره من أئمة المسلمين".

فهذا حديث منكر؛ لتفرد ابن علاثة به عن عبد الكريم بن مالك الجزري [الثقة الثبت]، وابن علاثة: في حفظه نظر، لا يحتمل تفرده عن الجزري [انظر: التاريخ الكبير (1/ 133)، التهذيب (3/ 612) وغيرهما]، والراوي عنه: عمرو بن الحصين: متروك، ذاهب الحديث، روى عن ابن علاثة أحاديث موضوعة [التهذيب (3/ 264)، الميزان (3/ 252)].

وهذا إنما يعرف من قول سعيد بن المسيب، لم يعده، فقد رواه:

يزيد بن زريع، وابن أبي عدي، وعبدة بن سليمان [وهم ثقات أثبات، من أثبت أصحاب ابن أبي عروبة، وممن روي عنه قبل الاختلاط]، وعبد الرحيم بن سليمان [ثقة حافظ]:

رووه عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيب، قالا: الأذنان من الرأس.

ص: 104

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 157/ 24 و 161)، وأبو بكر الأثرم في السنن (9)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 458/ 11377 و 11378).

وكان سعيد بن أبي عروبة أول ما تغير: حدَّث بهذا الحديث عن قتادة، عن أنس، قال: الأذنان من الرأس.

قاله علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان [ضعفاء العقيلي (2/ 112 و 113)، شرح علل الترمذي (2/ 746)].

ب- ورواه البختري بن عبيد: حدثنا أبي: حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 57)، والدارقطني (1/ 102)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 400 - 401/ 212)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 88)، وغيرهم.

قال الدارقطني: "البختري بن عبيد: ضعيف، وأبوه مجهول".

وهذا حديث منكر؛ البختري بن عبيد بن سلمان الطابخي: متروك، روي عن أبيه عن أبي هريرة: أحاديث منكرة [التهذيب (1/ 214)، الميزان (1/ 299)]، وأبوه: مجهول [التقريب (411)].

ج- ورواه عبد الله بن محرر، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، قال: الأذنان من الرأس.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 12/ 27)، ومن طريقه: الدارقطني (1/ 102)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (1/ 402/ 214).

قال الدارقطني: "ابن محرر: متروك".

قلت: ففي تفرده عن ابن الأصم به نكارة ظاهرة.

د- وله طريق رابعة تقدم ذكرها تحت حديث ابن عمر (1).

هـ- وله طريق خامسة تقدم ذكرها تحت حديث ابن عباس (2).

5 -

وأما حديث عثمان:

يرويه يزيد بن هارون: نا الجريري، عن عروة بن قبيصة، عن رجل من الأنصار، عن أبيه، عن عثمان، قال: واعلموا أن الأذنين من الرأس.

قال الدارقطني: "وروي عن عثمان بن عفان من قوله، وفي إسناده: رجل مجهول، رواه عن أبيه عن عثمان".

تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (108)، وهو غير محفوظ، إنما هو من حديث البراء، وبدون هذه الجملة، ولا يصح أيضًا.

6 -

وأما حديث أنس، وله عنه طرق:

أ- يرويه عفان بن سيار [شيخ، قليل الحديث، ويهم فيه. انظر: التهذيب (3/ 116)]، وبشر بن محمد بن أبان الواسطي [شيخ لا بأس به، له أوهام. اللسان (2/ 310)]:

ص: 105

روياه عن عبد الحكم، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأذنان من الرأس".

أخرجه ابن عدي (2/ 18)، والدارقطني (1/ 104).

وروي من حديث شعبة عن عبد الحكم عن أنس به مرفوعًا.

أخرجه أبو الحسن الحمامي في التاسمع من فوائده (2) بانتقاء ابن أبي الفوارس.

ولا يصح هذا من حديث شعبة، قال ابن أبي الفوارس:"هذا حديث غريب من حديث شعبة عن عبد الحكم عن أنس، تفرد به أبو داود [يعني: الطيالسي]، وتفرد به سهل بن صالح عن أبي داود، وتفرد به الفضل بن محمد عن سهل".

قلت: الطيالسي وسهل بن صالح الأنطاكي: ثقتان، لكن آفته في الأخير: الفضل بن محمد الباهلي الأنطاكي الأحدب العطار: كذاب، يسرق الحديث [اللسان (6/ 351)]، فهو موضوع علي شعبة، ليس من حديثه في شيء.

قال الدارقطني: "عبد الحكم: لا يحتج به".

قلت: هو حديث منكر؛ عبد الحكم بن عبد الله، ويقال: ابن زياد القسملي: منكر الحديث، روي عن أنس: نسخة منكرة [التهذيب (2/ 471)، الميزان (2/ 536)].

ب- ورواه خارجة بن مصعب، عن الهيثم بن جماز، عن يزيد الرقاشي، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الأذنان من الرأس".

أخرجه ابن عدي (3/ 55) بإسناده إلي خارجة. ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (1/ 404/ 218)، وضعفه.

وهذا إسناد ساقط، مسلسل بالضعفاء والمتروكين: يزيد بن أبان الرقاشي: ضعيف، والهيثم وخارجة: متروكان، وتركت الكلام عمن له أوهام.

ج- قال الطبراني في الصغير (322)، وفي الأوسط (3/ 347/ 3362) [ومن طريقه: الذهبي في الميزان (1/ 405)، وتاج الدين السبكي في طبقات الشافعية (9/ 280)، والعراقي في الأربعين العشارية (40)]، قال الطبراني: حدثنا جعفر بن حميد بن عبد الكريم بن فروخ بن ديزج بن بلال بن سعد الأنصاري الدمشقي: حدثني جدي لأمي عمر بن أبان بن مفضل المدني، قال: أراني أنس بن مالك الوضوء: أخذ ركوة فوضعها علي يساره، وصَبَّ علي يده اليمني فغسلها ثلاثًا، ثم أدار الركوة علي يده اليمني فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه ثلاثًا، وأخذ ماءً جديدًا لسماخيه فمسح سماخيه، فقلت له: قد مسحت أذنيك؟ فقال: يا غلام! إنهما من الرأس، ليس هما من الوجه، ثم قال: يا غلام! هل رأيت وفهمت، أو أعيد عليك؟ فقلت: قد كفاني، وقد فهمت، فقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.

قال الطبراني: "لم يرو عمر بن أبان عن أنس حديثا غير هذا".

وقال الذهبي: "لم يرو عمر بن أبان: لا يُدرى من هو، والحديث ثُماني لنا، على ضعفه"،

وقال أيضًا: "عمر بن أبان، عن أنس: في الوضوء: لا يعرف، وعنه شيخ الطبراني

ص: 106

جعفر بن حميد، فمن جعفر؟! " [الميزان (1/ 405) و (3/ 181)، اللسان (2/ 451) و (6/ 65)].

وقال السبكي: "في إسناده شيخ الطبراني وشيخه عمر بن أبان، وهما مجهولان".

وقال العراقي: "هذا حديث غريب".

قلت: هذا إسناد مجهول.

7 -

وأما حديث عبد الله بن زيد:

فيرويه سويد بن سعيد: ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".

أخرجه ابن ماجه (443)، عن سويد به. والبيهقي في الخلافيات (1/ 238/429) من طريق: عمران بن موسى بن مجاشع [أبو إسحاق السختياني الجرجاني: ثقة ثبت مصنف، أكثر عنه ابن حبان في صحيحه. تاريخ جرجان (322)، معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي (3/ 725/ 341)، الأنساب (3/ 233)، تاريخ الإسلام (23/ 165)، السير (14/ 136)]: ثنا سويد به، ولفظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد، وجعل يدلك، والأذنان من الرأس.

وهذا باطل من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري، تفرد به سويد بن سعيد، وقد كان صدوقًا، لكنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه [انظر: التهذيب (2/ 133) وغيره]، والذي يظهر لي أن هذا الحديث مما تلقنه، فقد روى هذا الحديث:

أبو لبيد محمد بن إدريس السامي السرخسي [قال الخليلي: "ثقة متفق عليه". الإرشاد (3/ 953/ 885)، الأنساب (3/ 203)، تكملة الإكمال (3/ 282)]: ثنا سويد هو ابن سعيد: ثنا يحيى بن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد، قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح بأذنيه. فلم يذكر هذه الزيادة.

أخرجه الضياء في المختارة (9/ 364/ 333).

ورواه أبو كريب محمد بن العلاء بن كريب [ثقة حافظ]، وإبراهيم بن موسى الرازي الفراء [ثقة حافظ]، ومحمد بن عبيد بن محمد بن واقد المحاربي [لا بأس به]، وعبد الله بن عامر بن زرارة [صدوق]، وسليمان بن داود المباركي [صدوق]:

رووه عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بثلثي مد، فجعل يدلك ذراعيه. وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح بأذنيه. فلم يذكروا هذه الزيادة.

أخرجه النسائي في الإغراب (49)، وابن خزيمة (1/ 62/ 118)، وابن حبان (3/ 364/ 1083)، والحاكم (1/ 144 و 161 - 162)، والضياء في المختارة (9/ 364 و 368/ 332 و 337)، والروياني (1009)، والهيثم بن كليب الشاشي (3/ 45/ 1088)، والبيهقي (1/ 196).

ورواه معاذ بن معاذ، ويحيى بن سعيد القطان، وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان،

ص: 107

وأبو داود الطيالسي: عن شعبة به، بنحو لفظ ابن أبي زائدة، ولم يذكروا "الأذنان من الرأس". وقد تقدم تخريجه برقم (94)، فراجعه.

فمن وقف علي ذلك أيقن ببطلان هذه اللفظة التى أتي بها سويد بن سعيد فخالف جميع من روى هذا الحديث من الثقات الحفاظ المتقنين وغيرهم، وأن هذه اللفظة تلقنها سويد فيما تلقنه، وليست من حديثه، والله أعلم.

وانظر فيمن اغتر بظاهر إسناد ابن ماجه: نصب الراية (1/ 19)، الجوهر النقي (1/ 67)، النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 411).

8 -

وأما حديث عبد الله بن أبي أوفي:

يرويه محمد بن يزيد المستملي، قال: ثنا يزيد بن هارون: أخبرنا فائد بن عبد الرحمن أبو ورقاء، قال: قال عبد الله بن أبي أوفى: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال:"الأذنان من الرأس".

أخرجه ابن عدي (6/ 282).

قال ابن عدي: "وهذا حديث باطل بهذا الإسناد".

فقد أورده في ترجمة محمد بن يزيد المستملي، أبي بكر الطرسوسي، منكرًا به عليه، وقال عنه:"يسرق الحديث، ويزيد فيه، ويضع"، ولما ترجم الخطيب في تاريخه (2/ 288) لمحمد بن يزيد هذا، ذكر له حديثًا موضوعًا في فضل أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ثم قال: "هذا خبر باطل؛ ومحمد بن يزيد: متروك،

" [اللسان (7/ 586)].

وفائد بن عبد الرحمن أبو الورقاء: متروك، ذاهب الحديث، اتهموه، قال أبو حاتم: "ذاهب الحديث، لا يكتب حديثه،

، وأحاديثه عن ابن أبي أوفي: بواطيل، لا تكاد ترى لها أصلًا، كأنه لا يشبه حديث ابن أبي أوفى، ولو أن رجلًا حلف أن عامة حديثه: كذب؛ لم يحنث" [الجرح والتعديل (7/ 84)، التهذيب (3/ 380)].

وقد رواه مروان بن معاوية الفزاري [ثقة حافظ]، عن أبي ورقاء العبدي، عن ابن أبي أوفي به، وزاد تخليل اللحية، ولم يذكر الأذنين.

أخرجه أبو عبيد في الطهور (82).

وهو باطل أيضًا، لأجل فائد بن عبد الرحمن أبي الورقاء.

9 -

وأما حديث جابر بن عبد الله:

فيرويه البيهقي في الخلافيات (1/ 393 و 394/ 202 و 203)، من طريقين: عن الحباب بن محمد بن الحباب التستري [قال الدارقطني: ليس به بأس. سؤالات السهمي (282)]: ثنا عثمان بن حفص: ثنا سلام [ولم يذكره في الطريق الثانية]: نا إسماعيل بن أمية وإسماعيل المكي، عن عطاء، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فليمضمض وليستنشق، والأذنان من الرأس".

قال البيهقي: "وهم فيه الراوي عن إسماعيل، أو من دونه، وذكر جابر فيه خطأ،

ص: 108

وقد اختلف فيه علي إسماعيل المكي، كما سبق ذكري له، والله أعلم.

والأشبه بالصواب: حديث عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم ذكري له، والله أعلم".

يعني بذلك: الخلاف السابق ذكره في حديث ابن عباس (2)، الطريق الثالث.

قلت: هو حديث باطل؛ سلام هو: ابن أبي خبزة العطار البصري: متروك، منكر الحديث، قال ابن المديني:"يضع الحديث"[اللسان (4/ 97)، وانظر بعض هذا الإسناد، ومنه صححته: المعجم الأوسط للطبراني (4/ 19/ 3504 و 3505)، المعجم الصغير (413)، أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الشيخ (2/ 512/ 481) و (3/ 446/ 728)، المجروحين (1/ 340)، الكامل لابن عدي (3/ 303)، سنن الدارقطني (3/ 309)، الإكمال لابن ماكولا (2/ 142)، توضيح المشتبه (1/ 512)]، وعثمان بن حفص هو: التومني، ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 455)، وقال:"من أهل الأهواز، يروي عن أبي عاصم وأهل البصرة، حدثنا عنه: أهل الأهواز، يغرب"، وليس هو: ابن خلدة الأنصاري الزرقي المدني قطعًا، لاختلافهما في الطبقة والنسب والرواة والبلد [الثقات (5/ 155)، اللسان (5/ 378)].

وإسماعيل بن أمية الأموي: ثقة، وإسماعيل بن مسلم المكي: ضعيف جدًّا، تقدم ذكر الاختلاف عليه في هذا الحديث عند حديث ابن عباس (2)، الطريق الثالث.

10 -

وأما حديث سمرة بن جندب:

فيرويه محمد بن عثمان بن أبي سويد البصري، وأحمد بن سعيد الطبري، قالا: حدثنا هدبة بن خالد: حدثنا همام، عن سعيد بن أبي عروبة، قال: كنت عند منبر الحجاج بن يوسف، فسمعته يقول: حدثني سمرة بن جندب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأذنان من الرأس". لفظ ابن أبي سويد، ولفظ الطبري:"الآذان من الرأس".

أخرجه تمام في مسند المقلين من الأمراء والسلاطين (3 و 4)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 433/ 240)، ابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 234).

قال البيهقي: "والحجاج بن يوسف: لا يحتج بحديثه؛ إن كان محفوظًا عنه، والطريق إليه سليم، ولا يخفي حاله على أحد".

قلت: هو حديث باطل، الحجاج بن يوسف الثقفي الأمير الظالم: قال النسائي: "ليس بثقة، ولا مأمون"، وقال أبو أحمد الحاكم:"ليس بأهل أن يروى عنه"[التهذيب (1/ 363)، الميزان (1/ 466)، السير (4/ 343)، اللسان (2/ 567)].

ولا يصح الطريق إليه: فإن سعيد بن أبي عروبة وهمام بن يحيىي وهدبة بن خالد: ثقات مشاهير، فكيف لا يُروى عنهم هذا الحديث إلا من هذا الطريق الغريب.

ومحمد بن عثمان بن أبي سويد البصري الذارع: ضعيف، قال الدارقطني:"ضعيف"، وقال ابن عدي:"حدث عن الثقات ما لم يتابع عليه، وكان يُقرأ عليه من نسخةٍ له ما ليس من حديثه، عن قوم رآهم، أو لم يرهم، ويُقلب الأسانيد عليه فيُقرُّ به"، وأثنى

ص: 109

عليه أبو خليفة، قلت: هذا ثناء مبهم، فلعله أثنى عليه في دينه، لا في ضبطه للحديث، والجرح هنا مفسر، فقد كان يتلقن، ويُشبَّه عليه، فلم يكن حافظًا لحديثه، وقد انفرد عن الثقات بما ليس من حديثهم، ويكفي هذا في رد حديثه [الكامل (6/ 304)، سؤالات حمزة السهمي (37)، تاريخ الإسلام (22/ 282)، اللسان (7/ 339)].

وأما أحمد بن سعيد الطبري: فلم أهتد إليه، والإسناد إليه لا يصح، فيه من لم أعرفه، وفيه: أبو يعلى حمزة بن داود بن سليمان بن الحكم بن سليمان بن الحكم بن الحجاج بن يوسف الثقفي الأبلي المؤدب: سئل عنه الدارقطني، فقال:"ذاك لا شيء"[سؤالات حمزة السهمي (278)، الميزان (1/ 607)، اللسان (3/ 289)].

• والمعروف في هذا عن ابن أبي عروبة:

ما رواه: يزيد بن زريع، وابن أبي عدي، وعبدة بن سليمان، وعبد الرحيم بن سليمان: رووه عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيب، قالا: الأذنان من الرأس.

تقدم ذكره تحت حديث أبي هريرة (4).

11 -

وأما حديث عائشة:

يرويه طالوت بن عباد [صدوق. اللسان (4/ 346)]: نا اليمان أبو حذيفة، عن عمرة، قالت: سألت عائشة عن الأذنين؟ فقالت: من الرأس، وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما إذا توضأ.

أخرجه الدارقطني (1/ 105)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (1/ 437/ 245).

قال الدارقطني: "اليمان: ضعيف".

قلت: هو حديث منكر؛ لتفرد أبي حذيفة اليمان بن المغيرة البصري به عن عمرة، واليمان: منكر الحديث [التهذيب (4/ 452)، الميزان (4/ 460)].

وتقدم له طريق أخرى تحت حديث ابن عباس (2).

12 -

وأما حديث سلمة بن قيس الأشجعي:

يرويه خيثمة بن سليمان الأطرابلسي [ثقة مأمون. اللسان (3/ 386)]: قال حدثني وزير بن القاسم الجبيلي [لم أر من وثقه، وله أوهام علي الثقات، وهو قليل الرواية. الأنساب (2/ 24)، تاريخ دمشق (63/ 34)، تاريخ الإسلام (20/ 488)، اللسان (8/ 377)]: أنا آدم بن أبي إياس: نا شعبة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سلمة بن قيس الأشجعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأت فانثر، وإذا استجمرت فأوتر، والأذنان من الرأس".

أخرجه الخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (2/ 783)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (41/ 350).

قال الخطيب: "قوله في هذا الحديث: "الأذنان من الرأس": خطأ صريح، ووهم

ص: 110

شنيع، وذلك أن المتن المرفوع إلي قوله:"فأوتر" حسب لا زيادة عليه، والوهم في هذا الحديث من وزير بن القاسم وهمه علي آدم، أو من خيثمة وهمه علي وزير، والحديث في كتاب آدم عن شعبة، وآخره:"فأوتر"، وبعده في إثره بإسناد آخر: عن عبد الله بن عمر قال: الأذنان من الرأس، فأسقط الناقل لحديث سلمة بن قيس ما بعده من إسناد حديث ابن عمر، ووصل لفظه بمتن حديث سلمة.

وقد روي معمر بن راشد، وسفيان الثوري، وموسكتابن مطير، وقيس بن الربيع، وأبو عوانة، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وجرير بن عبد الحميد: عن منصور: حديث سلمة بن قيس؛ فلم يزيدوا علي قوله: "وإذا استجمرت فأوتر".

وكذلك رواه أبو الوليد الطيالسي عن شعبة عن منصور.

وروي إبراهيم بن الهيثم البلدي، عن آدم بن أبي إياس، عن شعبة: حديث سلمة بن قيس، وأتبعه بحديث ابن عمر، وميز كل واحد منهما عن صاحبه"، ثم أسند حديث هؤلاء.

وقال ابن عساكر: "هكذا رواه خيثمة، وقوله: "والأذنان من الرأس": ليس من الحديث المرفوع، وإنما روى آدم هذا الحديث عن شعبة مثل ما رواه أبو الوليد الطيالسي، وآخره: "وإذا استجمرت فأوتر"، ثم روي بعده: عن شعبة: حدثني رجل كان بواسط مولى لبني مخزوم، قال: سمعت ابن عمر يقول: الأذنان من الرأس، كذلك".

وعلى هذا يكون وزير بن القاسم قد أدرج حديث غيلان عن ابن عمر [المتقدم ذكره تحت حديث ابن عمر (1)، في حديث سلمة بن قيس الأشجعي، وسيأتي تخريجه تحت الحديث الآتي برقم (140).

• وبعد هذا العرض يمكن أن يقال:

إن هذا الحديث مثال جيد للحديث الضعيف الذي جاء من طرق كثيرة متعددة، لكنها لا تقوي بعضها بعضًا، ولا تشهد باجتماعها أن للحديث أصلًا، ولذا ضربه ابن الصلاح في مقدمته مثالًا لهذا النوع [مقدمة ابن الصلاح (51)].

لكن الحديث قد صح عن ابن عمر من قوله موقوفًا عليه، ولهذا قال به الإمام أحمد؛ فإنه لما سئل: الأذنان من الرأس؟ قال: "نعم"[كذا في رواية الأثرم في سننه (12)، ومسائل أبي داود له (44)]، وفي رواية إسحاق بن منصور الكوسج (13)، قال:"الأذنان من الرأس، يمسحهما مع الرأس"، ولما قال له أبو داود [مسائله (45)]: إذا ترك مسح أذنيه ناسيًا يعيد الوضوء؟ قال: "لا؛ لأن الأذنين من الرأس".

وقد فهم البعض من ذلك أن الإمام أحمد يحتج بالحديث المرفوع، ويصححه بمجموع طرقه، ولكن هذا الفهم ليس صحيحًا، فقد قال حرب: قلت لأبي عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل-: الأذنان من الرأس؟ قال: "نعم"، قلت: صح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

ص: 111

قال: "لا أعلم"[التنقيح (1/ 205)]، فلو صح عنده شيء مرفوع لقال به، وقوله:"لا أعلم" يعني: أنه لا يعلم فيه حديثًا صحيحًا.

ومما يزيد الأمر وضوحًا ما قاله ابنه عبد الله في مسائله (95)، قال: سألت أبي عن من ترك مسح الأذنين ناسيًا حتى يفرغ من صلاته؟ قال: "أرجو أن يجزيه، قال ابن عمر: الأذنان من الرأس".

فهذا صريح في كون الإمام أحمد إنما احتج في هذا الباب بما صح عن ابن عمر موقوفًا عليه، والله أعلم.

• وهذا الحديث مع ضعفه؛ إلا أنه صحيح المعني، وله ما يشهد لمعناه في الصحيح وفيه غنية، والحمد لله.

قال الترمذي في الجامع (1/ 53): "هذا حديث حسن؛ ليس إسناده بذاك القائم.

والعمل علي هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم: أن الأذنين من الرأس، وبه يقول: سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.

وقال بعض أهل العلم: ما أقبل من الأذنين فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس، قال إسحاق: وأختار أن يمسح مقدمهما مع الوجه، ومؤخرهما مع رأسه، وقال الشافعي: هما سنة علي حيالهما؛ يمسحهما بماء جديد".

انظر: مسائل أحمد لابنه عبد الله (95)، مسائل أحمد وإسحاق لإسحاق بن منصور الكوسج (13)، مسائل أبي داود (44 و 45)، سنن الأثرم (12)، الطهور (365)، الأوسط لابن المنذر (1/ 400)، شرح السُّنَّة (1/ 441).

ومما يدل على أن: الأذنين من الرأس، يمسحان بماء الرأس، ولا يؤخذ لهما ماء جديد:

1 -

حديث ابن عباس:

رواه زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فغسل يديه، ثم تمضمض واستنشق من غرفة واحدة، وغسل وجهه، وغسل يديه مرة، ومسح برأسه وأذنيه مرة.

وهو حديث صحيح، تقدم تحت الحديث رقم (117 و 133)، ويأتي برقم (137).

قال الترمذي: "حديث حسن صحيح، والعمل علي هذا عند أكثر أهل العلم: يرون مسح الأذنين ظهورهما وبطونهما".

وهو كما قال، وصححه أيضًا: ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وابن منده وقال:"لا يعرف مسح الأذنين من وجه يثبت إلا من هذه الطريق"، قال ابن حجر:"وكأنه عني بهذا التفصيل والوصف"[التلخيص (1/ 159)، خلاصة البدر (98)، نيل الأوطار (1/ 253 و 254)].

قلت: رواية ابن عجلان هذه أعلها البزار، وقد سبقت الإشارة إلي ذلك، والعمدة في هذا علي حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي، ورواية ابن عجلان وهشام بن سعد: داخلة في جملة المتابعات.

ص: 112

واحتج به النسائي في بابه، فعقد له ترجمة، فقال:"مسح الأذنين"، ثم أخرج تحتها حديث الدراوردي، ثم عقد بابًا آخر، وترجم له بقوله:"باب: مسح الأذنين مع الرأس، وما يستدل به علي أنهما من الرأس"، ثم أخرج تحتها حديث ابن عجلان، ثم أتبعه بحديث الصنابحي، والشاهد منه:"فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه"[موطأ مالك (1/ 67/ 66)، سنن النسائي (103)، سنن ابن ماجه (282)]، وانظر تعليق بشار عواد علي هذا الحديث في الموطأ.

قال المجد ابن تيمية في المنتقي بعد هذا الحديث (195): "فقوله: "تخرج من أذنيه" إذا مسح رأسه: دليل علي أن الأذنين داخلتان في مسماه ومن جملته".

2 -

حديث عبد الله بن زيد:

رواه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بثلثي مد، فجعل يدلك ذراعيه. وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح بأذنيه.

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (94)، وتحت الحديث رقم (134).

3 -

حديث المقدام بن معدي كرب:

وفيه: "ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما"، وفي رواية:"وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه".

تقدم برقم (121) و (123)، وهو حديث حسن.

4 -

حديث الربيع بنت معوذ:

وفيه: "وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما"، وفي رواية:"فأدخل إصبعيه في جحري أذنيه".

تقدم برقم (126) و (131)، وهو حديث ضعيف، مضطرب، لكن هذه السُّنَّة مما وافق فيها ابن عقيل رواية الثقات في الأحاديث المتقدمة، فتصلح حينئذٍ في الشواهد.

5 -

حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:

وفيه: "ثم مسح برأسه، فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه علي ظاهر أذنيه، وبالسباحتبن باطن أذنيه".

وسيأتي بعد هذا برقم (135)، وهو صحيح.

• قال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 194 - 195): "وكان يمسح أذنيه مع رأسه، وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما، ولم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماءً جديدًا، وإنما صح ذلك عن ابن عمر".

***

ص: 113