المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌63 - باب كيف المسح - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٢

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌48 - باب في التسمية على الوضوء

- ‌49 - باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها

- ‌50 - باب يحرك يده في الإناء قبل أن يغسلها

- ‌51 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا

- ‌53 - باب الوضوء مرتين

- ‌54 - باب الوضوء مرة مرة

- ‌57).***55 -باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق

- ‌56 - باب في الاستنثار

- ‌57 - باب تخليل اللحية

- ‌58 - باب المسح على العمامة

- ‌ وفي المسح على العمامة أحاديث صحيحة

- ‌59 - باب غسل الرجلين

- ‌60 - باب المسح على الخفين

- ‌61 - باب التوقيت في المسح

- ‌62 - باب المسح على الجوربين

- ‌63 - باب كيف المسح

- ‌64 - باب في الانتضاح

- ‌66).***65 -باب ما يقول الرجل إذا توضأ

- ‌باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد

- ‌66 - باب تفريق الوضوء

- ‌67 - باب إذا شك في الحدث

- ‌68 - باب الوضوء من القبلة

- ‌69 - باب الوضوء من مس الذكر

- ‌70 - باب الرخصة في ذلك

- ‌مس الذكر

- ‌71 - باب الوضوء من لحوم الإبل

- ‌72 - باب الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله

- ‌73 - باب ترك الوضوء من مس الميتة

- ‌74 - باب في ترك الوضوء مما مست النار

- ‌75 - باب التشديد في ذلك

- ‌76 - باب في الوضوء من اللبن

- ‌77 - باب الرخصة في ذلك

- ‌78 - باب الوضوء من الدم

- ‌79 - باب الوضوء من النوم

الفصل: ‌63 - باب كيف المسح

نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثًا. الحديث رقم (63)، وترجم له بقوله:"باب: غسل الرجلين، ولا يمسح على القدمين".

وهذا يشير إلى أنه لم يصح عنده شيء مما تقدم ذكره في المسح على الرجلين أو النعلين، وهو الصحيح، إلا في حديث علي في وضوء من لم يحدث فقط، والله أعلم.

وذكر ابن القيم في تهذيب السنن (1/ 95 - 98) سبعة مسالك للعلماء في هذه الأحاديث قد ذكرنا معظمها في غضون هذا البحث، ولا يمنع ذلك من ذكر خلاصتها:

الأول: تضعيف أحاديث المسح على الرجلين أو النعلين، وهذا الذي نقول به، إلا في حديث علي الصحيح في وضوء من لم يحدث.

الثاني: أن هذا كان في أول الإسلام، ثم نسخ بأحاديث الغسل، وهذا ينظر فيه إذا ثبت الدليل.

الثالث: أن الرواية عن ابن عباس وعلي مختلفة فروي عنهما الغسل والمسح، والغسل يوافق رواية الجماعة من الصحابة، فهو أولى.

الرابع: أن أحاديث الرش والمسح إنما هي وضوء تجديد للطاهر، لا طهارة رفع حدث.

الخامس: أنه مسح رجليه ورش عليهما لأنهما كانتا مستورتين بالجوربين في النعلين.

السادس: أن الرجل لها ثلاثة أحوال: حال تكون في الخف، فيجزيء مسح ساترها، وحال تكون حافية، فيجب غسلها، وحال تكون في النعل فيرش عليها.

السابع: وهو مسلك الشيعة، وهو أن فرض الرجلين المسح.

وتقدم ذكر الراجح، والله أعلم.

***

‌63 - باب كيف المسح

؟

161 -

. . . عبد الرحمن بن أبي الزناد، قال: ذكره أبي، عن عروة بن الزبير، عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين.

وقال غير محمد [يعني: شيخه محمد بن الصباح البزاز]: على ظهر الخفين.

• حديث حسن.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 186)، والأوسط (1/ 437/ 981)، والترمذي (98)، وابن الجارود (85)، وأحمد (4/ 246 - 247 و 254)، والطيالسى (727)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 454/ 475)، والطبراني في الكبير (20/ 377 - 378/ 882)، والدارقطني (1/ 195)، والبيهقي (1/ 291)، وابن عبد البر (11/ 150)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 212/ 245).

• تنبيه: رواه البخاري في تاريخه الكبير والأوسط عن محمد بن الصباح نفسه بلفظ:

ص: 260

"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه، على ظاهرهما"، وجاء في رواية غيره:"على ظهور الخفين"، وفي أخرى:"ظاهر خفيه".

• تنبيه آخر: وقع في رواية أبي داود الطيالسي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة بن المغيرة، عن المغيرة بن شعبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح ظاهر خفيه.

قال البيهقي بعد أن أخرجه من طريقه: "كذا رواه أبو داود الطيالسي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، وكذلك رواه إسماعيل بن موسى عن ابن أبي الزناد، ورواه سليمان بن داود الهاشمي، ومحمد بن الصباح، وعلى بن حجر، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، عن المغيرة، والله أعلم".

قلت: أما أبو داود الطيالسي سليمان بن داود [ثقة حافظ، غلط في أحاديث] وإسماعيل بن موسى الفزاري [صدوق له أفراد، ويوصل مراسيل. التهذيب (1/ 345)، الميزان (1/ 251)]: فإنها قد وهما فيه، وسلكا فيه الجادة والطريق السهل، ذلك أن حديث المغيرة في المسح على الخفين: مشهور من رواية ابنه عروة بن المغيرة عن أبيه، والطيالسي: بصري، والفزاري: كوفي، فهما عراقيان، وحديث أهل العراق عن ابن أبي الزناد فيه ضعف واضطراب.

والمحفوظ: ما رواه الجماعة: سليمان بن داود الهاشمي [بغدادي، ثقة جليل فقيه]، وإبراهيم بن أبي العباس [سامري، ثقة]، وسريج بن النعمان [بغدادي، ثقة]، ومحمد بن الصباح [بغدادي، ثقة حافظ]، وعلي بن حجر [نزيل بغداد ثم مرو، ثقة حافظ]، وسعيد بن منصور [خراساني نزل مكة، ثقة]:

ستتهم [وهم ثقات حفاظ]: رووه عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، عن المغيرة به.

قال البخاري: "وهذا أصح"، يعني: من حديث الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح ظاهر خفيه وباطنهما. وسيأتي تخريجه برقم (165).

وقال الترمذي: "حديث المغيرة: حديث حسن، وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن المغيرة، ولا نعلم أحدًا يذكر عن عروة عن المغيرة: "على ظاهرهما" غيره، وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول: سفيان الثوري وأحمد، قال محمد: وكان مالك بن أنس يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد".

ووقع في رواية ابن عبد البر في التمهيد (11/ 150): "عن عروة قال: قال المغيرة بن شعبة"، ثم قال ابن عبد البر:"وهذا أيضًا منقطع ليس فيه حجة".

قلت: ظاهره الإرسال، لكنه متصل فإن عروة بن الزبير غير معروف بالتدليس، وقد ثبت سماعه من المغيرة بن شعبة، كما في حديث إملاص المرأة الذي رواه البخاري برقم (6908 م) من طريق هشام بن عروة عن أبيه [عروة بن الزبير] أنه سمع المغيرة بن شعبة يحدث عن عمر: أنه استشارهم في إملاص المرأة

الحديث.

ص: 261

فهو إسناد متصل بلا ريب، لكن هل تصح هذه الزيادة في هذا الحديث من حديث المغيرة بن شعبة:"على ظاهر خفيه"، "على ظهور الخفين"؟.

فنجيب أولًا على كلام الترمذي، فإن ظاهره أن المخرج متحد، يعني: أنه من رواية عروة بن المغيرة، ولا شك أنه إن كان حديث ابن أبي الزناد هذا من رواية عروة بن المغيرة فإنه يكون حينئذ شاذًا بل منكرًا؛ فقد رواه عن عروة: عامر الشعبي ونافع بن جبير وعباد بن زياد فلم يذكروا هذه الزيادة [راجع الأحاديث (149 - 151)].

لكن مخرجه هنا مختلف؛ فإنه من رواية عروة بن الزبير عن المغيرة، فإذا صح الإسناد إليه صحت الزيادة؛ إذ إنها حينئذ كالحديث المستقل.

وهذا الحديث لم يروه عن ابن أبي الزناد أحد من أهل المدينة، وإنما تفرد به عنه الغرباء، وغالبهم من أهل العراق، ومعلوم أن حديث ابن أبي الزناد بالمدينة أصح منه ببغداد [وقد سبق تفصيل ذلك تحت الحديث رقم (148) شاهد (13)، فليراجع]، لكن مما يقوي هذا الحديث أنه قد رواه عن ابن أبي الزناد: سليمان بن داود الهاشمي البغدادي، قال ابن المديني:"وقد نظرت فيما روى عنه سليمان بن داود الهاشمي فرأيتها مقاربة"، وحمل العلامة المعلمي اليماني هذا على أن ابن أبي الزناد حدث الهاشمي من أصل كتابه، ومما لم يلقنه ببغداد [راجع الموضع المذكور آنفًا].

وعلى هذا فنقول: لعل ابن أبي الزناد حفظ هذا الحديث وحدث به الهاشمي وغيره على الصواب، وألا يكون مما لقنه أهل بغداد وأفسدوا عليه به حديثه، فهو حديث حسن إن شاء الله تعالى.

وله شاهد صحيح من حديث علي بن أبي طالب، وهو الحديث الآتي:(162 - 164):

***

162 -

. . . حفص -يعني: ابن غياث-، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن علي، قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه.

• حديث صحيح.

***

163 -

. . . يزيد بن عبد العزيز، عن الأعمش، بإسناده بهذا الحديث، قال: ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحقَّ بالغَسل، حتى رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر خفيه.

• حديث صحيح.

***

ص: 262

164 -

. . . حفص بن غياث، عن الأعمش، بهذا الحديث، قال: لو كان الدين بالرأي لكان باطنُ القدمين أحقَّ بالمسح من ظاهرهما، وقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه.

ورواه وكيع عن الأعمش بإسناده، قال: كنت أرى أن باطنَ القدمين أحقُّ بالمسح من ظاهرهما، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهرهما.

قال وكيع: يعني: الخفين.

ورواه عيسى بن يونس عن الأعمش، كما رواه وكيع.

• حديث صحيح.

أخرج حديث الأعمش هذا عن أبي إسحاق:

النسائي في الكبرى (1/ 120/ 118)، والضياء في المختارة (2/ 283/ 662 و 663)، وأحمد (1/ 95)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (1/ 114 و 124)، وابن أبي شيبة (1/ 25 و 165/ 183 و 1895)، والبزار (3/ 36 و 37/ 788 و 789)، وأبو يعلى (1/ 287 و 455/ 346 و 613)، والدارقطني (1/ 199 و 204)، وابن شاهين في الناسخ (122)، وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (56)، وابن حزم في العلى (2/ 111)، والبيهقي في السنن (1/ 292)، وفي المدخل (219)، وفي المعرفة (1/ 352/ 444)، وفي الخلافيات (3/ 999/261)، والذهبي في السير (13/ 300).

• تابع الأعمش:

يونس بن أبي إسحاق، فرواه عن أبيه أبي إسحاق السبيعي، عن عبد خير، قال: رأيت عليًّا توضأ، ومسح على النعلين، ثم قال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت، لرأيت أن باطن القدمين هو أحق بالمسح من ظاهرهما.

هكذا قال يونس: ومسح على النعلين.

أخرجه الدارمي (1/ 195/ 715)، وأحمد (1/ 148)، والبزار (3/ 43/ 794)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 190)، والبيهقي في السنن (1/ 292)، وفي الخلافيات (3/ 264/ 1000).

قال البزار: "وهذا الحديث إنما حمله أهل العلم على أنه كان على طهارة؛ هذا لمن ثبَّت الخبر، ولا يحتمل غير ذلك؛ إذ كان الخبر عن عبد خير عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل رجليه".

وقال أبو نعيم: "غريب من حديث أبي إسحاق بذكر النعلين، لم نكتبه إلا من حديث يونس عنه".

• وخالفهما:

أبو الأحوص سلام بن سليم، فرواه عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن علي، بمثل

ص: 263

حديث أبي حية عن علي في صفة الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، والشاهد منه: ثم غسل قدميه إلى الكعبين، وليس فيه ذكر المسح على الخفين.

أخرجه الترمذي (49)، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند (1/ 127)، والبزار (2/ 311/ 736)، وأبو يعلى (1/ 386/ 500).

وقد تقدم ذكر هذا الطريق فراجعه تحت الحديث رقم (113).

وحديث أبي حية عن علي تقدم برقم (116)، فراجع لفظه هناك.

فهذان وجهان لهذا الحديث عن أبي إسحاق، أو هما حديثان مختلفان عن أبي إسحاق؛ إذ إنه حافظ، واسع الرواية، يحتمل من مثله التعدد في الأسانيد والمتون.

• وممن تابع أبا إسحاق على الحديث الأول:

1 -

المسيب بن عبد خير [وهو: ثقة. التقريب (944)]، رواه عنه أبو السوداء النهدي الكوفي، واسمه عمرو بن عمران [وهو: ثقة. التقريب (742)].

***

146 -

قال أبو داود: ورواه أبو السوداء، عن ابن عبد خير، عن ابيه، قال رأيت عليا توضأ فغسل ظاهر قدميه، وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، لظننت أن بطونهما أحق بالمسح.

حدثناه حامد بن يحيى: حدثنا سفيان، عن أبي السوداء، وساق الحديث.

• حديث صحيح.

هكذا في نسخة عوامة وذكر أنه جاء حديثًا تامًّا في نسخة (ب)، وذكره هكذا المزي في الأطراف (7/ 419)، وقال:"في رواية أبي بكر بن داسة، ولم يذكره أبو القاسم".

وقال سفيان بن عيينة أيضًا في هذا الحديث: يمسح ظهور قدميه.

أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 120/ 119)، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند (1/ 114 و 124)، وعبد الرزاق (1/ 19/ 57)، والحميدي (1/ 26/ 47)، وابن جرير الطبري في تفسيره (6/ 128)، والبيهقي في المعرفة (1/ 352/ 445)، وفي الخلافيات (3/ 265/ 1001)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 396).

قال أبو بكر الحميدي: "إن كان على الخفين [يعني: المسح] فهو سُنَّة، وإن كان على غير الخفين فهو منسوخ".

2 -

إسماعيل السدي [هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة، السدي الكبير صاحب التفسير: صدوق يهم. التقريب (141)]، وقد اختلف عليه:

أ- فرواه شريك بن عبد الله النخعي [صدوق سيئ الحفظ]، عن إسماعيل السدي، عن عبد خير، قال: رأيت عليًّا دعا بماء ليتوضأ، فتمسح به تمسحًا، ومسح على ظهر

ص: 264

قدميه، ثم قال: هذا وضوء من لم يحدث، ثم قال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ظهر قدميه رأيت أن بطونهما أحق، ثم شرب فضل وضوئه وهو قائم، ثم قال: أين الدين يزعمون أنه لا ينبغي لأحد أن يشرب قائمًا؟.

أخرجه أحمد (1/ 116) وهذا لفظه. والطحاوى (1/ 35) مختصرًا.

ب - خالفه فأتى به على وجهه الصحيح: إمام الحفظ والإتقان: سفيان بن سعيد الثوري، فرواه عن السدي، عن عبد خير، عن علي: أنه دعا بكوز من ماء، ثم قال: أين هؤلاء الذين يزعمون أنهم يكرهون الشرب قائمًا؟ قال: فأخذه فشرب وهو قائم، ثم توضأ وضوءًا خفيفًا، ومسح على نعليه، ثم قال: هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث.

أخرجه ابن خزيمة (1/ 100/ 200)، وأحمد (1/ 120)، والبيهقي (1/ 75 - 76).

هذا هو الصحيح عن السدي، قال الدارقطني في العلل (4/ 52):"وقول الثوري أصح".

لكن وهم السدي فيه بذكر النعلين:

• فقد رواه النزال بن سبرة، عن علي في وضوء من لم يحدث، وشاهده: أُتي بتور من ماء فأخذ منه كفًّا فمسح به وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه

الحديث.

وهذا صحيح؛ أخرجه البخاري (5616) وغيره، وقد تقدم تحت الحديث رقم (160).

ثم إن السدي قد شذ بهذا السياق في هذا الحديث عن عبد خير؛ فالمعروف في حديث عبد خير إنما هو في صفة الوضوء الكامل ثلاثًا ثلاثًا، وليس في وضوء من لم يحدث، هكذا رواه عن عبد خير: خالد بن علقمة، وأبو إسحاق السبيعي [من رواية أبي الأحوص عنه]، وعبد الملك بن سلع الهمداني، والحسن بن عقبة أبو كبران، وكذا رواه أبو حية وغيره عن علي بغسل القدمين، وليس فيه مسح الخفين [راجع الأحاديث المتقدمة برقم (111 - 116) و (165)]، ولا وضوء الطاهر ما لم يحدث.

• والخلاصة: أن رواية السدي عن عبد خير في وضوء من لم يحدث: شاذة لا يعتبر بها، وإنما يحفظ وضوء من لم يحدث من حديث النزال بن سبرة عن علي، كما تقدم.

وتابع أبا إسحاق على الحديث الثاني:

خالد بن علقمة، وعبد الملك بن سلع، والحسن بن عقبة أبو كبران:

رواه ثلاثتهم، عن عبد خير، عن علي، في صفة الوضوء الكامل ثلاثًا ثلاثًا، ليس فيه المسح على الخفين.

تقدم برقم (111 - 113).

• وتابع عبد خير عن علي به على هذا الوجه: أبو حية بن قيس وغيره.

انظر ما تقدم برقم (114 - 116).

وهو حديث صحيح؛ صححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود وابن السكن والضياء والجوزقاني وغيرهم.

وانظر: الحديث المتقدم برقم (160) في طرق حديث علي.

ص: 265

قال البزار بعد حديث الأعمش عن أبي إسحاق (3/ 38): "وهذا الحديث رواه الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي بهذا اللفظ، ورواه أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل رجليه، وهكذا رواه خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: غسل رجليه ثلاثًا، حيث [لعلها: حين، توضأ، والأخبار ثابتة عن علي من وجوه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غسل رجليه.

فإذا ثبت ذلك عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه غسل رجليه ثلاثًا: فقد وهي حديث الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير، وقد ذكرنا علة هذا الحديث في غير هذا الموضع، وفساده بأكثر من هذا الكلام، فاستغنينا عن إعادة ذكره بعد".

وقال الدارقطني في الاختلاف على الأعمش في لفظ الحديث: "واختلفوا في لفظ الحديث؛ فقال حفص بن غياث عن الأعمش فيه: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح"، وقال عيسى بن يونس ووكيع عن الأعمش فيه: "كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من أعلاهما"، وتابعهما: يونس بن أبي إسحاق وإسرائيل عن [كذا، والصواب: "و"فإن إسرائيل والثوري كلاهما يروي عن أبي إسحاق، وإسرائيل يروي عن جده بلا واسطة] الثوري عن أبي إسحاق.

والصحيح من ذلك قول من قال: "كنت أرى أن باطن الخفين أحق بالمسح من أعلاهما"، وكذلك قال حكيم بن زيد عن أبي إسحاق، ومما يقوي ما ذكرناه: ما رواه خالد بن علقمة وعبد الملك بن سلع والحسن بن عقبة أبو كبران وغيرهم: عن عبد خير أن عليًّا غسل قدميه ثلاثًا، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل (العلل (4/ 45 - 46)].

وفي نظري -والله أعلم- أن في هذا تصحيح ضمني من الدارقطني لحديث الأعمش في كيفية المسح على الخفين، وأنه حديث مستقل مختلف عن حديث علي في صفة الوضوء -الذي فيه أنه غسل قدميه ثلاثًا- حيث إنه رجح فيه قول من قال:"كنت أرى أن باطن الخفين" على من قال: "باطن القدمين".

• وقد تابع الأعمش على أصل حديثه عن أبي إسحاق السبيعي في المسح على ظاهر الخفين:

• يونس بن أبي إسحاق: تقدم ذكره تحت الحديث (164).

• وإسرائيل والثوري: ذكرهما الدارقطني في العلل (4/ 46).

• وحكيم بن زيد: [قال أبو حاتم: "صالح، هو شيخ"، وقال الأزدي:"فيه نظر".

الجرح والتعديل (3/ 204)، اللسان (2/ 418)]: ذكره الدارقطني في العلل (4/ 46).

• وإبراهيم بن طهمان: [ثقة يغرب].

أخرجه البيهقي في السنن (1/ 292)، واعتمدت في صحة الإسناد إليه على فعل الذهبي في المهذب (1/ 290) حيث حذف الإسناد إلى إبراهيم مما يدل على صحته عنده،

ص: 266

حيث قال في مقدمته (1/ 5): "وبقَّيت من السند ما يعرف به مخرج الحديث، وما حذفت من السند إلا ما صح إلى المذكور".

فبهذه المتابعات يصح الحديث، ويثبت عن أبي إسحاق السبيعي، ولم يتفرد به عن عبد خير بهذا اللفظ، بل تابعه عليه المسيب بن عبد خير، وهو ثقة، والإسناد إليه صحيح، وتقدم.

• فهو حديث صحيح ثابت عن عبد خير بهذا اللفظ.

ويكون لأبي إسحاق عن عبد خير عن علي في هذا حديثان:

أحدهما: في المسح على ظاهر الخفين.

والآخر: في صفة الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، وفيه: غسل القدمين ثلاثًا.

وقد غاير الدارقطني بينهما، وقال بعد أن ذكر الاختلاف في الحديث الآخر:"والقول: قول من قال: "يغسل قدميه"، كما تقدم ذكره من رواية خالد بن علقمة، وعبد الملك بن سلع، ومن تابعهما، عن عبد خير، عن علي: أنه غسل قدميه ثلاثًا، وهما أثبت [ممن] خالفهما"[العلل (4/ 52)].

وأما البيهقي فقد تأول رواية من قال: "يمسح على ظهر القدمين" بأنها محمولة على الرواية الأخرى: "يمسح على ظهر خفيه"، وإنما هو اختصار وقع من الرواي، وقال:"فهذا وما روي في معناه إنما أريد به قدما الخف".

وفي رواية ابن طهمان: "ومسح على ظهر قدميه على خفيه"، قال البيهقي في المعرفة (1/ 352):"وأطلق بعض الرواة القدمين، والمطلق محمول على المقيد"، وقال في الخلافيات (3/ 263):"وفي ذلك دلالة على أن المراد برواية من رواه في القدمين قدما الخفين".

إلا أنه قال: "وعبد خير لم يحتج به صاحبا الصحيح"، فتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي بقوله:"وقد ذكرنا أنه لا يلزم من كونهما لم يحتجا بشخص أن يكون ضعيفًا، وعبد خير: ثقة، وقد تقدم ذكره"، فأصاب.

• والخلاصة: أن حديث الأعمش ومن تابعه، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن علي: كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما -يعني: الخفين-: حديث صحيح.

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 282): "وإسناده صحيح".

وقال في البلوغ (1/ 20/ 60): "أخرجه أبو داود بإسناد حسن".

***

165 -

. . . الوليد: أخبرنا ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة بن شعبة، عن المغيرة بن شعبة، قال: وضَّأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فمسح أعلى الخف وأسفلَه.

ص: 267

قال أبو داود: بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء.

• حديث شاذ، والصحيح: مرسل بإسناد منقطع

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 186)، وفي التاريخ الأوسط (1/ 436/ 980)، والترمذي في الجامع (97)، وفي العلل الكبير (70)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه على جامع الترمذي (1/ 299) تعليقًا. وابن ماجه (550)، وابن الجارود (84)، وأحمد في المسند (4/ 251)، وفي مسائل ابنه صالح عنه (544)، وابن المنذر (1/ 453 - 454/ 474)، والطبراني في الكبير (20/ 396/ 939)، وفي مسند الشاميين (1/ 261/ 451)، والدارقطني (1/ 195)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 176)، والبيهقي في السنن (1/ 290)، وفي المعرفة (1/ 350/ 442)، وفي الخلافيات (3/ 254/ 996)، وابن عبد البر (11/ 147 و 147 - 148)، والخطيب في التاريخ (2/ 135)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 359/ 594)، وفي التحقيق (1/ 213/ 245 م).

قال أحمد في مسائل ابنه صالح: "فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن مهدى، فذكر عن ابن المبارك عن ثور قال: حُدِّثت عن رجل [كذا في المسائل، وفي تاريخ بغداد: عن رجاء]، عن كاتب المغيرة، ولم يذكر فيه المغيرة، ولا أرى الحديث ثبت [في التاريخ: يثبت]، وقد روي عن سعد وأنس أنهما مسحا أعلى الخفين".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (11/ 147): "وقال أبو بكر الأثرم: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: ذكرته لعبد الرحمن بن مهدى، فذكر عن ابن المبارك عن ثور، قال: حُدِّثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، وليس فيه المغيرة، وهذا إفساد لهذا الحديث بما ذكر من الإخلال في إسناده".

وسأله ابنه صالح عن المسح على الخفين: يمسح ظاهرهما وباطنهما؟ وهل يعمل بحديث المغيرة بن شعبة؟ فأجاب الإمام أحمد بقوله: "المسح على الخفين، فإنما يمسح أعلاهما، وقال بعض الناس: وأسفلهما؛ وليس هو بحديث ثبت عندنا"[مسائله (271)].

وحكى ابن عبد البر في التمهيد (1/ 13) رواية الأثرم المتقدمة وزاد فيها: "قال أحمد: وأما الوليد فزاد فيه: عن المغيرة، وجعله: ثور عن رجاء، ولم يسمعه ثور من رجاء؛ لأن ابن المبارك قال فيه: عن ثور حُدِّثت عن رجاء"، ونقله عنه ابن رشيد الفهري في السنن الأبين (122) [وانظر أيضًا: نصب الراية (1/ 260)، التلخيص (1/ 280)].

قال البخاري في تاريخه الأوسط بعد هذا الحديث: "وقال أحمد بن حنبل: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا ابن المبارك، عن ثور: حدثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، ليس فيه المغيرة".

ثم أسند حديث عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه ظاهرهما، برقم (981)، ثم قال:"وهذا أصح".

ص: 268

وهو في التاريخ الكبير بنحوه بدون حكمه الأخير.

وقال الترمذي في العلل الكبير (70): "سألت محمدًا [يعني: البخاري] عن هذا الحديث؟ فقال: لا يصح هذا؛ روي عن ابن المبارك عن ثور بن يزيد قال: حدثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وضعف هذا.

وسألت أبا زرعة؟ فقال نحوًا مما قال محمد بن إسماعيل".

وسأل ابن أبي حاتم أباه وأبا زرعة عن حديث الوليد بن مسلم؟ فكان مما قالا [حيث إن في سياق المطبوعة سقط لا يستقيم معه الكلام]: "ولم يذكر المغيرة، وأفسد هذا الحديث

، وهذا أشبه" [العلل (1/ 38/ 78)].

وقال ابن أبي حاتم في موضع آخر من العلل (1/ 135/54) بأنه سمع أباه يقول في حديث الوليد: "ليس بمحفوظ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح".

وقال الدارقطني في العلل (7/ 109 - 111/ 1238): "يرويه ثور بن يزيد واختلف عنه: فرواه الوليد بن مسلم ومحمد بن عيسى بن سميع [صدوق يخطئ ويدلس]، عن ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة.

وكذلك رواه الإمام الشافعي عن بعض أصحابه عن ثور.

ورواه عبد الرحمن بن مهدى، عن ابن المبارك، عن ثور، قال: حُدِّثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا.

وروي هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير عن وزَّاد عن المغيرة: لم يذكر فيه أسفل الخف.

ورواه الحكم بن هشام وإسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر عن عبد الملك.

وحديث رجاء بن حيوة الذي فيه ذكر أعلى الخف وأسفله: لا يثبت؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يريد مرسلًا.

قلت: وانظر: فوائد تمام (577).

وقال أبو نعيم: "غريب من حديث رجاء؛ لم يروه عنه إلا ثور".

وقال البيهقي في المعرفة (1/ 351): "وضعَّف الشافعي في القديم حديث المغيرة؛ بأن لم يسم رجاء بن حيوة: كاتب المغيرة بن شعبة، وفيه وجه من التضعيف، وهو أن الحفاظ يقولون: لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء بن حيوة؛ رواه عبد الله بن المبارك عن ثور قال: حُدِّثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة، ولم يذكر المغيرة".

وقال البغوي في شرح السُّنَّة (1/ 463): "والحديث مرسل؛ لأنه يرويه ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة، وثور لم يسمع هذا من رجاء؛ قال أبو عيسى: سألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ قالا: ليس بصحيح".

وممن ضعف هذا الحديث أيضًا: نعيم بن حماد؛ قال الأثرم: "سمعت أبا عبد الله يضعفه [يعني: حديث الوليد]، ويذكر أنه ذكره لعبد الرحمن بن مهدى، فذكره عن ابن

ص: 269

المبارك عن ثور قال: حُدِّثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه المغيرة، فأفسده من وجهين: حين قال: حُدثت عن رجاء، وأرسله ولم يسنده.

وقد كان نعيم بن حماد حدثني بهذا عن ابن المبارك؛ كما حدثني به الوليد، فقال: عن ثور عن رجاء عن كاتب المغيرة عن المغيرة، فقلت له: إنما يقول هذا الوليد، فأما ابن المبارك فيقول: حُدِّثت عن رجاء، ولا يذكر المغيرة؟ فقال نعيم: هذا حديثي الذي أسأل عنه، فأخرج إليَّ كتابه القديم بخط عتيق؛ فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم:"عن المغيرة" وأوقفته عليه، وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها، فجعل يقول للناس بعدُ وأنا أسمع: اضربوا على هذا الحديث. هذا معناه" [الإمام (2/ 146)، التلخيص (1/ 280)].

وفي كل هذه النصوص التي تقدمت، والنقول التي سبقت: أن عبد الله بن المبارك يرويه عن ثور بن يزيد قال: حُدِّثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وأن لفظة "حُدِّثت" واقعة بين ثور ورجاء، وأن الانقطاع إنما هو بين ثور بن يزيد ورجاء بن حيوة، وليس بين رجاء وكاتب المغيرة، كما وهم في ذلك من وهم.

فها هو الترمذي الإمام بعدما ينقل هذا الإسناد ويحكيه عن البخاري وأبي زرعة على الوجه الصحيح الذي تقدم ذكره في كتابه "العلل الكبير"، تراه بعد ذلك يقول في جامعه (1/ 163):"وهذا حديث معلول؛ لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم، قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة، قال: حُدِّثت عن كاتب المغيرة، مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه المغيرة".

هكذا وقعت كلمة "حدثت" بين رجاء وكاتب المغيرة، وإنما هي بين ثور ورجاء كما في سائر النصوص المتقدمة عن الإمام أحمد والبخاري وأبي زرعة والدارقطني؛ بل والترمذي نفسه في العلل، ويبدو لي -والله أعلم- أن الوهم فيه إنما هو من الترمذي نفسه؛ فهكذا وقعت في سائر نسخ الجامع [ومنها نسخة الكروخي (10/ ب)]، وفى نسخة الجامع بشرح المباركفوري [تحفة الأحوذي (1/ 272)]، وفي نسخة الجامع بشرح ابن العربي [عارضة الأحوذي (1/ 122)]، وفي مستخرج الطوسي على الترمذي [مختصر الأحكام (1/ 300)] فإنه ينقل فيه أحكام الترمذي وكلامه، وإلى توهيم الترمذي في هذا مال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على الجامع (1/ 164).

ثم إن قوله: "لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم" غير مسلَّم، فقد تابع الوليد عليه:

محمد بن عيسى بن سميع [صدوق يخطئ ويدلس]، وعتبة بن السكن [متروك، متهم بالوضع. اللسان (4/ 148)، كشف الأستار (700)، سنن الدارقطني (1/ 159) و (2/ 184) و (3/ 250)، أخرج حديثه هذا: تمام في الفوائد (577)]، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى

ص: 270

الأسلمي [كذاب][أخرج حديثه: الشافعي في مختصر المزني (1/ 50)، والبيهقي في المعرفة (1/ 350/ 440 و 441)].

وقال العلائي في جامع التحصيل (187)، ونقله عنه: ابن حجر في التهذيب (3/ 91)، وأبو زرعة العراقي في تحفة التحصيل (105)، قال العلائي:"وقال أحمد بن حنبل: لم يلق رجاء بن حيوة ورادًا -يعني: كاتب المغيرة- وكذلك ذكر الترمذي عن البخاري وأبي زرعة عقب حديث رجاء عن وراد كاتب المغيرة عن المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله، قالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور عن رجاء قال: حدثت عن كاتب المغيرة".

وهذا خطأ في موضعين: الأول: أن الإمام أحمد لم يقل هذا الكلام جزمًا، إذ إن جميع الذين نقلوا كلام أحمد متفقون في النقل عنه عن ابن مهدي عن ابن المبارك عن ثور أنه قال: حدثت عن رجاء، وفي نص صريح لإمام أحمد عند ابن عبد البر في التمهيد (1/ 130):"ولم يسمعه ثور من رجاء"، وفي موضع آخر يحصر الإمام أحمد علة الحديث في وجهين حيث يقول في رواية الأثرم عنه بعد أن ذكر رواية ابن المبارك:"فأفسده من وجهين: حين قال: حدثت عن رجاء، وأرسله ولم يسنده"، فها هو الإمام أحمد نفسه يحصر علة الحديث في الانقطاع الذين بين ثور بن يزيد ورجاء بن حيوة، وفي إرساله وعدم ذكر المغيرة فيه، فلو كان عنده علة ثالثة لذكرها، فتبين بذلك عدم صحة هذا النقل، والله أعلم.

والموضع الثاني الذي أخطأ فيه: أنه نقل كلام الترمذي من الجامع ولم يتأكد من صحة النقل إذ الصواب خلافه كما تقدم بيانه آنفًأ، وأن الترمذي أخطأ على البخاري وأبي زرعة في هذا النقل.

وانظر أيضًا: إكمال مغلطاي (4/ 367).

• إذا تبين هذا وأن الصحيح في رواية هذا الحديث عن ثور بن يزيد: هو ما رواه ابن المبارك عن ثور: حُدِّثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا.

وهذا هو الذي أجمع عليه الأئمة: أحمد والبخاري وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والترمذي وأبو داود وغيرهم، وإجماع أهل الحديث على شيء يكون حجة.

فعلى هذا فإن علة هذا الحديث هي:

1 -

الانقطاع بين ثور بن يزيد ورجاء بن حيوة.

2 -

الإرسال، حيث أرسله كاتب المغيرة: وراد الثقفي أبو سعيد، أو: أبو الورد، الكوفي، وهو تابعي ثقة، يروي عن المغيرة بن شعبة، ووفد على معاوية، وقد جاء مصرحًا باسمه في رواية ابن ماجه.

هذا هو الصحيح؛ وحينئذ فإنه لا يعرج على إسناد الوليد بن مسلم، حيث إنه شاذ، لا يصح عن ثور، وإنما الصحيح ما رواه عنه ابن المبارك.

لذا فقد أعرضت عما قيل في إسناد الوليد، وعن الأخذ والرد فيه [وانظر:

ص: 271

المحلى (2/ 114)، المعرفة للبيهقي (1/ 351)، الخلافيات للبيهقي (3/ 253)، الإمام (2/ 145)، تهذيب السنن لابن القيم (1/ 124 - 126)، التلخيص (1/ 285)، حاشية العلامة أحمد شاكر على جامع الترمذي (1/ 162)، غوث المكدود لأبي إسحاق الحويني (1/ 78)].

• وقد ضعفه أيضًا لكن من غير هذا الوجه: الشافعي وابن حزم.

• وفي الجملة: فإن الحديث لا يصح؛ لا من جهة السند، ولا من جهة المتن، قال ابن القيم:"لأن الأحاديث الصحيحة كلها تخالفه"، وقال أبو حاتم:"ليس بمحفوظ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح"، ورجح البخاري عليه حديث عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه ظاهرهما، وفي هذا رد للحديث من جهة المعنى، كما هو مردود من جهة السند.

• وأما طريق عبد الملك بن عمير، عن وراد، عن المغيرة: الذي أشار إليه الدارقطني في علله (7/ 110) وقال بأنه لم يذكر فيه أسفل الخف:

فقد أخرجه الحاكم (3/ 451)، وأبو بكر القاسم بن زكريا المطرز في فوائده (123)، والطبراني في الكبير (20/ 390 - 391/ 923).

من طريق عبد الملك بن عمير، عن وراد مولى المغيرة بن شعبة، عن المغيرة بن شعبة، بحديث طويل في قصة المسح على الخفين، وفيه صفة الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، والجبة، وصلاة عبد الرحمن بن عوف بالقوم، والشاهد منه قوله:"ومسح على الخفين"، وليس فيه ذكر للمسح على أعلاه أو ظاهره كما توهمته من كلام الدارقطني.

وهذا إسناد كوفي على شرط الشيخين، فقد أخرجا به حديث الذكر دبر الصلاة المكتوبة [البخاري (844 و 6473 و 7292)، مسلم (593)].

رواه عن عبد الملك بن عمير: الحكم بن هشام الثقفي الكوفي [وهو: صدوق][وقد رواه به هكذا مطولًا عند الحاكم والطبراني]، وإسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي الكوفي [ضعيف، وروايته مختصرة وهي عند المطرز].

قال الحاكم: "غريب؛ صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة".

وهو كما قال؛ حديث غريب، تفرد به عن عبد الملك بن عمير: هذان؛ أما الحكم فليس بذاك الحافظ، وأما إسماعيل فضعيف، وعبد الملك بن عمير يروي عنه جماعات من الأئمة والثقات؛ ففي تفرد هذين عنه بهذا الإسناد نظر.

ولو كان حديث عبد الملك بن عمير هذا ثابتًا عند الأئمة لما أغفلوه، ولأعلوا به أيضًا حديث الوليد بن مسلم؛ كما أن الأئمة الذين صححوا حديث المغيرة في المسح على الخفين كالشيخين وغيرهما: لم يعرجوا على هذا الإسناد، وإنما أخرجوه من طرق أخرى سبق بيانها عند تخريج الأحاديث المتقدمة برقم (149 - 151).

***

ص: 272