الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
تحقيق صحة الرسالة المختصرة، وأنها منقولة عن أصل شيخ الإسلام ابن تيمية في قتال الكفار:
إذا علمنا وتيقنا أن لشيخ الإسلام ابن تيمية مصنف في هذا الباب، فهل هذه الرسالة المختصرة منقولة عن أصل شيخ الإسلام ابن تيمية في قتال الكفار؟
أقول: عندما بدأت العمل على دراسة هذا المختصر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتحقيقه، حاولت قدر الإمكان توثيق كل جملة أو عبارة وردت في هذا المختصر من كلام ابن تيمية نفسه في مصنفاته الأخرى؛ لأرى مدى التطابق بينها وبين وجهة نظر الشيخ الأخرى في مصنفاته الأخرى، ووجدت بعد التتبع والاستقراء أن هذه الرسالة المختصرة مطابقة تمامًا لرأي شيخ الإسلام في مصنفاته الأخرى، مما يعني: أنها مقتبسة تمامًا من أصل كتاب شيخ الإسلام في هذا الموضوع.
ومما يعني أيضًا: أن المُخْتَصِرَ قد التزم الدقة والأمانة في نقل
ما نقله دون تحريف، وهذه النقول تجد أنها فعلًا من كلام شيخ الإسلام في مصنفاته الأخرى، ويستطيع القارئ الكريم ملاحظة ذلك من خلال ما يراه من تعليقات علقتها في هامش تحقيق هذه الرسالة المختصرة.
ويمكن إثبات ما يدل على أن هذه الرسالة المختصرة منقولة عن أصل شيخ الإسلام في قتال الكفار ما يلي:
1 -
ما كتب على طرة المخطوطة ما نصه: (هذه رسالة ملخصة منقولة من قاعدة لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية في قتال الكفار، هل سببه المقاتلة أو الكفر).
2 -
ما قام به المختصر لأصل الكتاب من التزام عدم تداخل كلام شيخ الإسلام بعضه مع بعض؛ ولذلك نجد أنه عندما ينتقل من مكان إلى مكان آخر يقول: (إلى أن قال .. ) أو يقول: (ثم ذكر
…
).
3 -
أن كل من له اطلاع واهتمام بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية يجزم
تمامًا أن هذه الرسالة المختصرة هي منقولة من كلام شيخ الإسلام، وذلك أن نَفَسَه واستطراده في هذه المواضع التي نقلها عنه المختصر، توافق نَفَسَه واستطراداته في باقي مصنفاته الأخرى.
4.
أن الشيخ سليمان الصنيع رحمه الله يعد من أعلم الناس بمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، ولهذا لم يتردد في بعد أن قرأها في نسبتها إلى شيخ الإسلام، بل ونسخها؛ بل وذكر على طرتها إحالة تدلل على أن هذه النسخة مختصرة عن أصل شيخ الإسلام رحمه الله.
5.
ما وجد في ثنايا هذا المختصر من إحالات ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه فصل القول فيها في مواضع أخرى من مصنفاته، ومن ذلك: ما نقله المختصر عن الشيخ قوله: (وقد بينا - في غير هذا الموضع - أن دين المرء يعتبر بنفسه لا بأجداده). وصدق شيخ الإسلام رحمه الله، فإنه قد أفاض الحديث عن هذه المسألة
كما في مجموع الفتاوى (35/ 223)، وأيضًا كما في الفتاوى الكبرى (4/ 619)، ومن ذلك أيضًا: ما نقله المختصر عن الشيخ قوله: (وقد بسط ما يناسب هذا في "الصارم المسلول على شاتم الرسول"، وهذا موجود في الصارم انظر (3/ 696، 866).
6.
توافق كلام ورأي شيخ الإسلام المذكور في هذه الرسالة المختصرة مع كلامه وآرائه الأخرى في مصنفاته، سواء في: أن المقاتلة للكفار إنما هي بسبب الحراب لا الكفر، وأن الكفر وحده ليس موجبًا للقتل، وأنه لايقتل سوى المقاتل، وأنه يجوز مهادنة الكفار هدنة مطلقة ومؤقتة، وأن الجزية تؤخذ من عموم الكفار كتابيهم ووثنيهم، وكل هذا موثق في مواضعه من هذه الرسالة المختصرة، وسأورد بعضًا من الأمثلة على ذلك:
* المثال الأول: قال شيخ الإسلام في الرسالة المختصرة:
(قتال الكفار هل هو سبب المقاتلة، أو مجرد الكفر؟ وفي ذلك قولان
مشهوران للعلماء، الأول: قول الجمهور، كمالك، وأحمد بن حنبل، وأبي حنيفة وغيرهم. الثاني: قول الشافعي، وربما علل به بعض أصحاب أحمد).
وبنحو هذا قاله في النبوات (ص 140): (الكفار إنما يقاتلون بشرط الحراب، كما ذهب اليه جمهور العلماء، وكما دل عليه الكتاب والسنة، كما هو مبسوط في موضعه).
وقال أيضًا في الفتاوى (20/ 101 - 102): (فأبو حنيفة رأى أن الكفر مطلقا إنما يقاتل صاحبه لمحاربته، فمن لا حراب فيه لا يقاتل؛ ولهذا يأخذ الجزية من غير أهل الكتاب العرب وإن كانوا وثنيين، وقد وافقه على ذلك مالك وأحمد في أحد قوليه، ومع هذا يجوز القتل تعزيرًا، وسيأتي في مواضع، وأما الشافعي فعنده نفس الكفر هو المبيح للدم إلا أن النساء والصبيان تركوا لكونهم مالًا للمسلمين، فيقتل المرتد لوجود الكفر وامتناع سببها عنده من الكفر بلا منفعة، وأما أحمد فالمبيح عنده أنواع، أما الكافر الأصلي
فالمبيح عنده هو وجود الضرر منه، أو عدم النفع فيه، أما الأول فالمحاربة بيد أو لسان، فلا يقتل من لا محاربة فيه بحال من النساء والصبيان والرهبان والعميان والزمنى ونحوهم، كما هو مذهب الجمهور).
وقال أيضًا كما في الفتاوى (8/ 534)، والفتاوى الكبرى (4/ 347): ) أن المرتد يقتل وإن كان عاجزًا عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذي ليس هو من أهل القتال، فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد).
وقال أيضًا كما في الفتاوى (28/ 659 - 660): (الرهبان .. تنازع العلماء في قتلهم كتنازعهم في قتل من لا يضر المسلمين لا بيده ولا لسانه، كالأعمى والزمن والشيخ الكبير، ونحوه كالنساء والصبيان، فالجمهور يقولون: لا يقتل إلا من كان من المعاونين لهم على القتال في الجملة، وإلا كان كالنساء والصبيان، ومنهم من يقول: بل مجرد الكفر هو المبيح للقتل، وإنما استثنى النساء
والصبيان؛ لأنهم أموال).
* المثال الثاني: قال شيخ الإسلام في الرسالة المختصرة:
(وكما يجب قتل كل من بدل دينه؛ لكونه بدله، وإن لم يكن من أهل القتال، كالرهبان، وهذا لا نزاع فيه)، وبنحو ذلك قاله كما في الفتاوى (20/ 100):(المرتد يقتل بالاتفاق وإن لم يكن من أهل القتال إذا كان أعمى أو زمنًا أو راهبًا).
* المثال الثالث: قال شيخ الإسلام في الرسالة المختصرة:
(فقوله: (وقاتلوا
…
) تعليق للحكم بكونهم يقاتلوننا، فدل على أن هذا علة الأمر بالقتال، ثم قال:(ولا تعتدوا) والعدوان: مجاوزة الحد، فدل على أن قتال من لم يقاتلنا عدوان).
وبنحو ذلك قاله، كما في الصارم المسلول (2/ 513):(إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، فأمر بقتال الذين يقاتلون، فعلم أن شرط القتال كون المقاتل مقاتلًا)، وقال في
السياسة الشرعية ص (104): (لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .
* المثال الرابع: قال شيخ الإسلام في الرسالة المختصرة:
(والفتنة: أن يفتن المسلم عن دينه، كما كان المشركون يفتنون من أسلم عن دينه).
ومثل ذلك قاله كما في الصارم المسلول (2/ 514 - 515):
(وذلك لأن المقصود بالقتال أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، وأن لا تكون فتنة، أي: لا يكون أحد يفتن أحدًا عن دين الله).
* المثال الرابع: قال شيخ الإسلام في الرسالة المختصرة: (ولم يقل: وقاتلوهم حتى يسلموا).
ومثل ذلك قاله كما في منهاج السنة النبوية (8/ 509 - 510)
: (وهؤلاء وجد فيهم أحد الأمرين القتال أو الإسلام، وهو سبحانه لم يقل: تقاتلونهم أو يسلمون إلى أن يسلموا، ولا قال: قاتلوهم حتى يسلموا؛ بل وصفهم بأنهم يقاتلون أو يسلمون، ثم إذا قوتلوا فإنهم يقاتلون كما أمر الله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).
وقال أيضًا في الموضع السابق (8/ 516): (وقوله تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} وقال: {فَإِنْ تَابُوا} ولم يقل: قاتلوهم حتى يتوبوا).
وقال أيضًا في الصفدية (2/ 321): (وكانوا قد دعوا عام الحديبية إلى قتال من يقاتل أو يعاهد، وبعد ذلك يدعون إلى قتال من يقاتلون أو يسلمون، ولم يقل: أو يسلموا، فانه كان يكون المعنى حتى يسلموا وقتالهم لا يجب إلى هذه الغاية).
* المثال الخامس: قال شيخ الإسلام في الرسالة المختصرة:
(ويدل على ذلك: أنا إذا قاتلنا أهل الكتاب، فإنا نقاتلهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، وهذا المقصود يحصل إذا أدوا الجزية عن يد وكانوا صاغرين).
وبنحو ذلك قاله كما في الصفدية (2/ 321): (إذا أعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فقد قوتلوا القتال المأمور به).
* المثال السادس: قال شيخ الإسلام في الرسالة المختصرة: (المعنى: إني لم أؤمر بالقتال إلا إلى هذه الغاية، ليس المراد: أني أمرت أن أقاتل كل أحد إلى هذه الغاية).
وبنحو ذلك في الصفدية (2/ 321) قال: (وقتالهم لا يجب إلى هذه الغاية بل إذا أعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فقد قوتلوا القتال المأمور به).
* المثال السابع: قال شيخ الإسلام في الرسالة المختصرة: (بل كانت سيرته أن من سالمه لم يقاتله).
وبنحو ذلك قاله تلميذه ابن القيم في هداية الحيارى (1/ 12)
: (ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تبين له أنه لم يكره أحدًا على دينه قط، وأنه إنما قاتل من قاتله، وأما من هادنه فلم يقاتله ما دام مقيمًا على هدنته، لم ينقض عهده؛ بل أمره الله تعالى أن يفي لهم بعهدهم ما استقاموا له، كما قال تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ}، ولما قدم المدينة صالح اليهود وأقرهم على دينهم، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم، فمنّ على بعضهم، وأجلى بعضهم، وقتل بعضهم، وكذلك لما هادن قريشًا عشر سنين لم يبدءهم بقتال حتى بدؤوا هم بقتاله ونقضوا عهده، فعند ذلك غزاهم في ديارهم، وكانوا هم يغزونه قبل ذلك، كما قصدوه يوم أحد، ويوم الخندق، ويوم بدر أيضًا هم جاؤوا لقتاله، ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم، والمقصود: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكره أحدًا على الدخول في دينه البتة، وإنما دخل الناس في دينه اختيارًا وطوعًا).
والأمثلة في هذا كثيرة جدًّا، وبتصفح القارئ الكريم للكتاب سيجد أضعاف أضعاف ما ذكرته هنا.