الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مُقَارَنَةٌ بَينَ شِرْكِ المَجُوسِ وَشِرْكِ العَرَبِ]
وَممَّا يُبَيِّنُ الأَمْرَ فِي ذَلِكَ: أَنَّ المَجُوسَ هُمْ فِي التَّوحِيدِ أَعْظَمَ شرْكًا مِنْ مُشْرِكِيِّ العَرَب، فَإِنَّ مُشْرِكِي العَرَبِ كَانُوا مُقِرِّينَ بَأَنْ خَالِقَ العَالَمِ وَاحِدٌ، كَمَا أَخْبَرَ اللهُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ فِي غَيرِ مَوضِعٍ، وَلَمْ يَكُونُوا يَقُولونَ: إِنَّ لِلْعَالَمِ صَانِعَين، وَهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ جَعَلَ لله أَولَادًا، وَقَالُوا:(المَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ)، فَلَمْ يَكُونوا يَقُولونَ:(إِنَّ المَلَائِكَةَ يَخْلُقُونَ مَعَهُ)؛ بَلْ هُمْ مُعْتَرِفُونَ أَنَّ اللهَ خَالِقُ كِلِّ شِيءٍ، كَمَا ذَكَرَ اللهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ، لَكِنْ كَانُوا يَجْعَلُونَ آَلِهَتَهُمْ شُفَعَاءَ وَقُرْبَانًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} .
وقال تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}
وَأَمَّا المَجُوسُ: فَهُمْ يَقُولونَ بِالأَصْلَينِ: النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. وَيَقُولونَ: الظُّلْمَةُ خَلَقَتْ الشَّر، وَالنُّورُ خَلَقَ الخَيرَ.
وَلهُمْ فِي الظُّلْمَةِ قَولَانِ:
قِيلَ: قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ.
وَقِيلَ: بَلْ مُحْدَثَةٌ عَنِ النُّورِ.
وَقِيلَ عَنْهُمْ: إِنَّ النُّورَ فَكَّرَ فِكْرَةً رَدِيَّةً، فَحَدَثَتِ الظُّلْمَةُ.
وَهُمْ يَجْعَلُون الظُّلْمَةَ شَرِيكًا للهِ فِي خَلْقِ العَالَم، فَقَدْ نَقَلُوا عَنْهُمْ: أَنَّ الظُّلْمَةَ عِنْدَهُمْ هِي الشَّيطَان إِبْلِيس، فَجَعَلُوا إِبْلِيسَ شَرِيَكًا للهِ فِي الخَلْقِ، هَذَا عَلَى قَولِ مَنْ يَقُولُ: الظُّلْمَةُ مُحْدَثَةٌ، وَالقَولُ الآَخَرُ: إِنَّهَا قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ، فَهَذَا أَعْظُمْ شِرَكًا (1).
(1) قال شيخ الإسلام في الجواب الصحيح (1/ 351): (وذلك أن المشركين من جميع الأمم لم يكن أحد منهم يقول: إن للمخلوقات خالقين منفصلين متماثلين في الصفات، فإن هذا لم يقله طائفة معروفة من بني آدم؛ ولكن الثنوية من المجوس ونحوهم يقولون: إن العالم صادر عن أصلين: النور والظلمة، والنور عندهم هو: إله الخير المحمود، والظلمة هي: الإله الشرير المذموم، وبعضهم يقول: إن الظلمة هي الشيطان، وهذا ليجعلوا ما في العالم من الشر صادرًا عن =
وَهَذَا الشِّرْكُ لَا يُعْرَفُ فِي العَرِبِ، بَلْ العَرَبُ كَانَتْ مُقِرَّةً بِأَنَّ اللهَ خَالِقُ كُلِّ شِيءٍ؛ وَلِهَذَا إِنَّمَا يُذْكَرُ مِثْلُ هَذَا القَولِ عَنِ الزَّنَادِقَة، كَمَا ذَكَرَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ كَابْنِ السَّائِبِ فِي قَولِهِ:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي الزَّنَادِقَة، أثْبَتُوا الشِّرْكَةَ لإِبْلِيس فِي الخَلْق، فَقَالُوا: اللهُ خَالِقُ النُّورِ وَالنَّاسِ وَالدَّوَابِ وَالأَنْعَام، وَإِبْلِيسُ خَالِقُ الظُّلْمَةَ والسِّبَاعِ وَالحَيَّاتِ وَالعَقَارِبِ (1).
= الظلمة، ومنهم من قال: إن الظلمة قديمة أزليَّة، مع أنها مذمومة عندهم ليست مماثلة للنور، ومنهم من قال: بل هي حادثة، وأن النور فكَّر فكرة رديئة، فحدثت الظلمة عن تلك الفكرة الرديئة
…
وأما مشركو العرب وأمثالهم، فكانوا مقرين بالصانع، وبأنه خلق السموات والأرض، فكانت عقيدة مشركي العرب خيرًا من عقيدة هؤلاء الفلاسفة الدهرية).
(1)
هكذا أورده شيخ الإسلام في سبب نزول هذه الآية عن الكلبي، وذكره هكذا أيضًا كما في الفتاوى (17/ 271)، وقد أخرج أبو حاتم في تفسيره (4/ 1259)، وأبو الشيخ كما في الدر المنثور (3/ 247): عن مجاهد قال نزلت هذه الآية في =
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا القَولَ هُوَ مَعْرُوفٌ عَنِ المَجُوسِ، لَيسَ هُوَ مَعْرُوفًا عَنْ مُشْرِكِيِّ العَرَب، فتبيَّنَ أَنَّ المَجُوسَ أَعْظَمُ شرْكًا مِنْ مُشْرِكِيِّ العَرَبِ وَالهِنْدِ وَنَحْوِهِمْ مَمَّنْ يَقُولُ: إِنَّ الله خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ.
وَهُمْ - أَيضًا - مِنْ عُبَّادِ مَا سِوَى الله، يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنِّيرَانَ، وَكَانَتْ لهمْ بُيُوتٌ عَظِيمَةٌ لِلنَّارِ يَعْبُدُونَهَا، وَهَذَا عِبَادَةٌ لِلْعِلْوِيَاتِ وَالسُّفْلِيَّاتِ مِنْ جِنْسِ إِشرَاكِ قَومِ إبْرَاهِيم الَّذِينَ كَانَوا يَعْبُدُونَ الكَوَاكِبَ، ويَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ الأَرْضِيَّةَ، وَهَذَا الشِّرْكُ أَعْظَمُ نَوعِي شرْكِ أَهْلِ الأَرْضِ.
* * *
= الزنادقة (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور) قال: قالوا: إن الله لم يخلق الظلمة ولا الخنافس ولا العقارب
…
فذكره.