الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحُكْمُ إِذَا نَقَضَ الكُفَّارُ العَهْدَ]
ثُمَّ إِذَا عَاهَدَ المُسْلِمِينَ طَائِفَةٌ، ، فَنَقَضَتِ العَهْدَ، لَمْ يَجِبْ عَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يُعَاهِدُوهُمْ ثَانِيًا؛ بَلْ لَهُمْ قِتَالهمْ، وَإِنْ طَلَبُوا أَدَاءَ الجِزْيَةِ؛ وَللإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَلَهُ أَنْ يُجْلِيهِمْ مِنْ دِيَارِ الإِسْلَامِ إِذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً (1).
= ومنافق، وبر، وفاجر، ومحسن، وظالم، وغير ذلك من الأسماء المذكورة في القرآن والحديث، وليس في القرآن ولا الحديث تخصيص العرب بحكم من أحكام الشريعة).
(1)
قال شيخ الإسلام في الفتاوى (19/ 23): (ولم يكن النبي ضرب الجزية على أحد من اليهود بالمدينة ولا بخيبر؛ بل حاربهم قبل نزول آية الجزية، وأقر اليهود بخيبر فلاحين بلا جزية إلى أن أجلاهم عمر؛ لأنهم كانوا مهادنين له وكانوا فلاحين في الأرض، فأقرهم لحاجة المسلمين إليهم، ثم أمر بإجلائهم قبل موته وأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فقيل: هذا الحكم مخصوص بجزيرة العرب، وقيل: بل هو عام في جميع أهل الذمة إذا إستغنى المسلمون عنهم أجلوهم من ديار الإسلام وهذا قول ابن جرير).
فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لما نَقَضَتِ النَّضِيرُ العَهْدَ حَاصَرَهُمْ وَأَجْلَاهُمْ، وَفِي ذَلِك أَنْزَلَ اللهُ سُورَةَ الحشْرِ.
وَقُرَيظَةُ لمَّا نَقَضَتِ العَهْدَ عَامَ الخَنْدَقِ حَاصَرَهُمْ بَعْدَ هَذَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِه، فَشَفَع حُلَفَاؤُهُمْ مِنَ الأَوسِ فِيهِمْ، فَأَنْزَلهمْ عَلَى حُكْمِ سَيِّدِهِمْ [سَعْدِ] بنِ مُعَاذٍ، فَحَكَمَ بَأَنْ يُقْتَلَ مُقَاتِلُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيهِمْ، وَتُغْنَمَ أَمْوَالهمْ، فَإذَا نَقَضَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَغَيرُهُمْ العَهْدَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الإِمَامِ أَنْ يَعْقِدَ لهمْ عَقْدًا ثَانِيًا، بَلْ يَجُوزُ قَتْلُ كُلِّ مَنْ نَقَضَ العَهْدَ، وَقِتَالُهُ، وَإِنْ بَذَلَ الجِزْيَةَ ثَانِيًا (1).
(1) قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (2/ 477): (لأن بني قينقاع لما نقضوا العهد الذي بينهم وبين النبي أرادوا قتلهم، حتى ألحَّ عليه عبد الله بن أبي في الشفاعة فيهم، فأجلاهم إلى أذرعات، ولم يقرهم بالمدينة مع أن القوم كانوا حراصًا على المقام بالمدينة بعهد يجددونه، وكذلك بنو قريضة لما حاربت أرادوا الصلح والعود إلى الذمة، فلم يجبهم النبي حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، وكذلك بنوا النضير لما نقضوا العهد فحاصرهم فأنزلهم على الجلاء من المدينة مع أنهم كانوا أحرص شيء على المقام بدارهم بأن يعودوا إلى الذمة، وهؤلاء الطوائف =
قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيمَانَ لَهُمْ} أَي: لَا وَفَاءَ لهمْ بَالأَيْمَانَ.
فَهَذَا أَمْرٌ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ لِلْعَهْدِ مُطْلَقًا، فَالمُعَاهَدُونَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى إِنْ أَسْلَمُوا فَهُمْ إِخْوَانٌ فِي الدِّينِ، وَإِنْ نَكَثُوا أَيمَانَهُمْ وَجَبَ قِتَالُهُمْ، وَإِنْ وَفَوا بِالعَهْدِ وُفِيَ لهمْ بِعَهْدِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ عُوهِدِوا بِلَا جِزْيَةٍ، فَكَذَلِكَ مَنْ عَاهَدَ بِالجِزْيَةِ.
وَالصَّحِيحُ أَنْ العَهْدَ المُطْلَقَ جَائِزٌ.
وَالعُهُودُ الَّتِي كَانَتْ بَينَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وبَينَ المُشْرِكِين كَانَتْ مُطْلَقَةً، لَمْ تَكُنْ مُؤَقَّتَة، وَالقَرْآنُ قَدْ فَرَّقَ بَينَ المُؤَقَّتِ مِنْهَا وَالمُطْلَق، فَأَجَازَ نَبْذَ المُطْلَق، وَأَوجَبَ الوَفَاءَ بِالمؤقَّت، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى الأُصُولِ كَسَائِرِ
= كانوا أهل ذمة عاهدوا النبي على أن الدار دار الإسلام يجري فيها حكم الله ورسوله، وأنه مهما كان بين أهل العهد من المسلمين ومن هؤلاء المعاهدين من حدث فأمره إلى النبي، هكذا في كتاب الصلح، فإذا كانوا نقضوا العهد، فبعضًا قتل، وبعضًا أجلى، ولم يقبل منهم ذمة ثانية).
العُقُودِ المُطْلَقَةِ وَالمُؤَقَّتَةِ (1).
* * *
(1) قال شيخ الإسلام في الصفدية (2/ 318): (ولهذا كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين كثير من المشركين عهود مطلقة ومؤقتة فالمؤقتة كانت لازمة والمطلقة لم تكن لازمة؛ بل لكل منهما فسخها) إلى أن قال: (وقد ظن طائفة من الفقهاء أنه لا يجوز أن يعاهد الكفار إلا إلى أجل مسمى
…
والصحيح: أنه يجوز العهد مطلقًا ومؤجلًا، فإن كان مؤجلًا كان لازمًا
…
وإن كان مطلقًا لم يكن لازمًا، فإن العقود اللازمة لا تكون مؤبدة كالشركة والوكالة) وانظر أيضًا: الجواب الصحيح (1/ 176)، والفتاوى (29/ 145).